عرض مشاركة واحدة
  #143  
قديم 10-01-2018, 11:47 AM
 

الفصل ال29b

جلس جواد امام لؤي يراقب ملامحه الغاضبة فقال لؤي ساخرا:

- عجبا... لقد تركت حبيبتك بملئ ارادتك بعد ان منعتني من التفريق بينكما

ضحك جواد ليقول:

- لقد كان الامر مجرد مزحة

نظر اليه لؤي بحذر فقال جواد:

- صدق او لا تصدق انه كذلك... يمكنك ان تسأل حسناء...

قلب لؤي نظراته الى الحقد فقال جواد محاولا تهدئة غضبه:

- المسكينة كانت حزينة جدا...

- وانت ما دخلك بها؟

- وما ظنك؟... انها صديقتي كما انت صديقي

- لكنك تهتم بمشاعرها اكثر مما تهتم بمشاعري

- هذا ليس صحيحا، احاول فقط ان اجمعكما

صرخ لؤي:

- وهل هذه طريقتك في جمعنا؟... لقد فرقت بيننا اكثر مما جمعت

تنهد جواد ثم قال:

- اخفض صوتك فالكل ينظر الينا

- لست اهتم... اتمنى ان لا تتدخل بيني وبينها مجددا

- وماذا لو انها يأست من حبك وبحثت عن غيرك؟

- لن تفعل... انها تحبني كما احبها، لذلك اعلم انها لن تفعل

- انت متيقن جدا على عكس ما رأيتك حين زفينا لك الخبر المزيف

حدجه لؤي بحقد ثم ابعد نظره فقال جواد:

- على كل حال يمكنك الاطمئنان، بعد ان تأكدت من حبك لن تعدل عنك ابدا

نظر لؤي اليه مستغربا وقال:

- تأكدت من حبي؟ هل افشيت لها سري؟

نظر اليه جواد بملل ليقول:

- بالله عليك لؤي، ان كنت تحبها وهي تحبك فاين المشكلة بان تعترفا لبعضكما، ذلك سيريحكما كثيرا

- جواد!... لا اصدق ما اسمع... انت حقا صديق خائن...

- انا خائن!... احاول فقط ان ابقيها على حبك وهكذا تردها لي!

- ذلك لانه لا يمكن ان تؤتمن على سر... تعلم انني لم اكن اريد اخبارها قبل ان ادخل الجامعة، لقد انتظرت سنين طويلة فاين الضرر لو انتظرت سنة اخرى

تنهد جواد اذ ربما كان صديقه محقا، لكن نفسية حسناء كانت تبدو متعبة جدا، قال له:

- حسنا على كل حال هي لم تصدقني حين اخبرتها، بمعنى ان اخباري لها لا يعد افشاءا للسر

اجاب لؤي ساخرا:

- حقا!... يا لها من طريقة منطقية في تحليل الامور

عاد لينظر الى جواد مستغربا فقال:

- لم تصدق انني احبها؟... لماذا؟ ظننت ان ذلك يبدو واضحا من تعاملي معها حتى لو لم اعترف لها بالامر

- حسنا... لنراجع طريقة تعاملك معها... لنعود قرابة النصف ساعة للوراء... كنت تدخن، هي منعتك، انت ماذا فعلت؟

- كانت فقط هذه المرة، لكني لا اعاملها هكذا في العادة، يصدف انني كنت غاضبا

- والمرة السابقة التي طلبت منك عدم التدخين، ماذا فعلت؟

- تبا هل تحفظ كل مواقفي السيئة؟... لقد كنت غاضبا فحسب

- وهل ستعاملها الى الابد هكذا حينما تغضب مع احدهم ولا ذنب لها؟

- وما شأنك انت؟ انها حياتنا الخاصة

- حسناء كأختي، وبالتأكيد لن اسمح لاحد ان يعامل اختي هكذا

زفر لؤي بضيق وحل صمت وجيز حتى قال جواد:

- على كل حال الامور حلت الان... لقد صدقت انك تحبها فاتمنى ان لا تفسد ذلك مجددا

نظر لؤي لجواد بانزعاج ثم قال:

- لقد قلت انها لم تصدقكك حين اخبرتها انني احبها، اذا كيف اقنعتها بذلك؟

رفع جواد كتفيه قائلا بابتسامة استفزازية:

- المقلب طبعا... لقد اظهرت غيرة العشاق حينها

حل الذهول على وجه لؤي ليقول:

- اتقصد ان ذلك المقلب لم يكن الا لاثبات ذلك؟

هز جواد رأسه ايجابا بثقة بينما لؤي مازال مذهولا ويفكر كم بدا احمقا وهو يجاري مقلبهم حين انخدع بهما وانفعل لاجل لا شيء، تجهمت ملامحه فقال جواد بجدية:

- ان حسناء قلقت جدا حين راتك تذهب غاضبا وطلبت مني ان نوقف المقلب

نظر اليه لؤي وكان مازال تاثير الصدمة في وجهه فقال:

- حق عليها ان تقلق، وليس قليلا بل كثيرا

نظر جواد للؤي بقلق فقال:

- بالله عليك، لا يحتاج الامر الى كل تلك الصدمة او الغضب

- اجاب بحقد:

- كيف لا وقد تعرضت للخداع من اقرب شخصين الي

- لقد كان مجرد مقلب

- هذا ما تسميه بمجرد مقلب خرب مخططي المستقبلي الذي خططت له منذ ان بدات اعي الحياة

- لم يخرب شيء بمستقبلك... لازال كما هو، فانت لم تعترف لها بعد، وهي الان -كما كنت تظنها دائما- تعلم بحبك

نظر اليه لؤي بضيق ثم اخذ نفسا عميقا فاطلقه، قال جواد:

- حسنا خذ الامور بروية وانظر الى الجانب المشرق

نظر لؤي الى جواد متفكرا ثم هز راسه ايجابا فاكمل جواد:

- اذا سأذهب لانادي حسناء لتنضم الينا عسى ان تطمئن قليلا فقد كانت قلقة جدا

عاد لؤي ليهز راسه فنهض جواد وذهب بينما بقي لؤي يفكر بحديثه مع جواد، في الواقع قصة المقلب لم يكن من السهل تقبله، وبعد التفكير صعب عليه ان يختار في اي موقف كان ليكره جواد اكثر، بتخريبه لخططه المستقبلية ام لو صدق بارتباطه بحسناء

تفكر بالامر، صدقا لا يدري ما ستكون ردة فعله لو بقي لملاقاة حسناء، ربما يتشاجر معها وربما يسمعها كلاما جارحا، ربما يتصرف معها بما يجعلها تغضب منه، لكن بالتفكير بالامر، هي تستحق ذلك

وضع رأسه بين كفيه متذمرا حتى قرر اخيرا ان ينسحب قبل ان تنضم اليه حسناء عسى ان يفكر بالامر بروية قبل ان يقترف ما يندم عليه طوال عمره

---


بعد يوم عادت الاجواء طبيعية عادية في الحي، اجتمع الجيران كالعادة في زاوية تحت الظلال، اقتربت حسناء منهم لتجد لؤي جالسا بينهم ما ان رأها ابتسم، جشعها ذلك على المضي قدما علما انها كانت تتمنى لو كان جواد معها ليساندها لكنه خرج مع اخته لزيارة عريسها

اقتربت منه لتجلس بقربه دون ان تدرك مغزى ابتسامته، جلست والقت التحية فرد عليها، قالت بتوتر:

- اخبرني البارحة جواد انه اخبرك عن حقيقة ما حدث

تفكر لؤي قليلا ثم قال:

- تقصدين ذلك المقلب السخيف... بالطبع اخبرني...

ابتسمت حسناء ثم قالت:

- اتمنى انك لم تغضب مننا... فقد اتينا البارحة اليك ولم نجدك، بحثنا عنك في القاعة كلها فاكتشفنا انك رحلت

- اه... اجل... حسنا... خبر جواد عن ذلك المقلب وسببه... اتعبني قليلا

اخفضت حسناء رأسها بحزن لتقول:

- انا اسفة... اعلم انها لم تكن فكرة جيدة ولم اكن مقتنعة حقا بالاقدام على ذلك لكن

- حسنا لا باس... ما حدث قد حدث... رغم ذلك فالمقلب فتح عيناي على امر لم اعيه قبلا... هل حقت كنت تحملين الي مشاعر خاصة؟

احمرت خدا حسناء فقال:

- ربما بالغت في هذه السنين بمعاملتي لك بلطف، كنت اراك كأخت لي وظننت ان هكذا يفترض بالاخ ان يعامل اخته، حسنا لم املك اختا في حياتي كما تعلمين، لم اتصور يوما انني قد اجعلك تتوهمين انني احبك

الجمتها الصدمة ولم تستطع ان تقول شيئا عند سماع كلامه، اذ البارحة فقط تأكدت انه يحبها وها هو الان يؤكد لها العكس بلسانه وعندما لاحظ صدمتها لم يكتفي فزاد:

- حسنا انا حقا احبك لكن كأخت، لا اتصور نفسي اتزوج من فتاة شعرها كسيفة صدئة لجلي الاواني، يصعب علي تقبل ذلك

زاد كلامه من صدمتها، مررت يدها على شعرها محاولة ارجاعه للخلف لتخفيه عنه، ادمعت عيناها وهي تتذكر مواقف في الماضي وهو يلعب بخصلة من شعرها ويمدحه، هل كان يمثل عليها طوال الوقت؟...

احست بيد تربت على كتفها فنظرت للخلف لتجد امها تعاتب لؤي:

- كف انت عن هذا الكلام، لطالما اعجبك شعرها المتمرد

جالت حسناء بنظرها على الجيران المجتمعين لتراهم جميعهم يستمعون اليهما بينما هز لؤي كتفيه قائلا:

- اجل يعجبني لكن ليس على من سأختارها زوجتي... احب لزوجتي ان تكون اكثر انوثة

عبست ام حسناء بينما عاتبته امه، اما حسناء فنهضت مسرعة قبل ان تهطل دموعها مدرارا واسرعت لتبكي وحدها في بيتها

قالت ام لؤي معاتبة:

- ما الذي جرى الان، ان كنت حقا لا تحبها الا حبا اخويا ما كان عليك ان تهينها هكذا... كان بامكانك ان تخبرها باحترام دون ان تجرح مشاعرها

نهض لؤي ليبتعد عنهم بانزعاج وهو يفكر:

- في الواقع انا احبها حقا، لكن لن اسامحها بسهولة على جعلي ابدو كأحمق امامها وامام جواد... لن اخبرها بالحقيقة قبل ان تقر انها تعلمت الدرس، وانت جواد... حسابك قادم ايضا... لكن انتظر لتتيح لي فرصة فقط...

---


ارتمت حسناء في فراشها تبكي، تتحسر على كل ايامها التي قضتها معه، ظنته حقا يحبها، لكن تبين انه فقط يعوض حنان الاخت التي لم يحظى بها يوما، وليس فقط انه لا يحبها بل حتى لم يكن معجبا بها ويراها عديمة الانوثة

ذلك الليل امضته حسناء بالبكاء ومر عليها اطول ليلة في حياتها، نهضت اليوم المقبل واتصلت بليلى لتخبرها بما جرى، شقهت الاخرى لتقول:

- لكن الم تقولي انه ثار ثائرته عندما اختبرته

- بلى... حسنا يبدو ان هذا الاختبار لا ينجح مع الجميع

- بل اظنه كاذب

- في الواقع لست اهتم... لقد قررت نسيانه للابد... لن اسامحه ابدا على ما قاله البارحة... كما انه جعلني ابدو غبية واهمة امام كل الجيران

- هذا افضل لك... لطالما احسست ان لؤي مريب

- حقا... ولما لم تحذريني منه؟

- لقد كنت مولعة به، ما كنتي لتستمعي الي

- افف... لقد كنت حمقاء... كم اتمنى لو اعيد الزمن للوراء واتراجع عن ذلك المقلب واكمل حياتي بنسيانه

- انسي... لا احد يمحي الماضي... فقط امض بحياتك كما لو لم يحدث شيء... كما افعل انا حاليا

تنهدت حسناء بملل لتقول:

- اتمنى لو اكون قوية مثلك

- الحياة عزيزتي تعلمك الكثير، وها قد بدأت تعطيك اول دروسها

- تبا افضل دروس المدرسة... دروس الحياة مؤلمة

- لا بأس... ستعتادين عليها مع الزمن

- تتحدثين كما لو كنت عانيت الكثير قبل تعرفك على صالح

- هه... لا... لكن ما اصابني من انفصالي عن صالح كأنه اصابني لمئة عام

- يا اللهي... لما يجري هكذا معنا؟

- اخ... لست ادري

- ايمكنك زيارتي؟... فجواد لم يكن البارحة موجودا واخشى ان لا يكون اليوم ايضا، وانا لم اعتد على البقاء مع احد كما اعتدت عليهما الاثنان، اشعر انني غريبة دونهما

- بل تعالي انت الي... انا لن ازور ذلك الحي مجددا ما حييت

- اففف ... انت محقة، ان اتي انا لزيارتك افضل لكلانا، فانت لن تقابلي صالح وانا لن اقابل لؤي، اذا سأتيك فورا

- حسنا بانتظارك الى اللقاء

- الى اللقاء

---


تقدم جواد بين جيرانه ليلقي التحية على لؤي ويجلس بالقرب منه، نظر حوله باحثا عن حسناء فلم يجدها فسال لؤي عنها، الاخر اكتفى بهز كتفيه مرفق بكلمة "ومن يدري" استغرب جواد تصرفه فسأله:

- اذا هل حدثتها البارحة عن موضوع المقلب؟ ققد كانت قلقة جدا

- اجل تحدثنا... كما يبدو صارت الامور كلها واضحة

- حقا!... هذا رائع...

لم يبدر لؤي اي ردة فعل فاستغرب جواد وارجح ذلك على انه ارغم على اخبارها بما لم يكن يرغب في الوقت الحالي، فقال جواد:

- صدقني لا اجمل من الصراحة

- ومقلبك قبل البارحة دليل على ذلك

- حسنا هناك موقف تتطلب بعض المزاح

- اعلم... لذلك نعمد اليهم من حين لاخر

- هذا صحيح

عاد جواد لينظر حوله ليجد ام حسناء فسألها:

- اين حسناء؟

- لقد ذهبت لزيارة ليلى

نظر لؤي لصالح ليراه انقلبت حالته، عبس بتجهم ثم قال:

- الم تغيير رأيك وتترك تلك الغبية لتعود لليلى؟

نظر اليه صالح باستخفاف ثم قال له:

- وإن كنت تكرهها فانا من سيتزوجها وليس انت، لذا لا داعي للنفور من الفكرة فانا راض بها

- انت احمق، كان بإمكانك تركها لابن عمك محمود

ابعد صالح وجهه عنه بانزعاج وهو يتمتم همسا:

- كأن محمود كان ليترك حبيبته لاجلها

القت حسناء التحية ليلتفت اليها الجميع، راقبت الاماكن الشاغرة لتجد مكانا قرب جواد فتوجهت اليه وهي تسترجع نصيحة ليلى:

"تعاملي امامه كأن كلامه البارحة لم يزعجك بشيء وكأنك لا تهتمين بأمره انت ايضا، في حال كان يحبك سيخاف ان يخسرك وسيعدل عن رأيه ويخبرك الحقيقة، وان كان لا يحبك فعلى الاقل ستحافظين على كرامتك..."

جلست بابتسامة لتنظر الى كلاهما، وساد الصمت المتوتر بينهم حتى اخيرا قرر جواد ابعاد التوتر عبر قوله المفعم بالحماس:

- حسنا، لقد اضحيتما اخيرا حبيب وحبيبة

نظر كل منهما اليه مصدوما ثم تبادلا النظرات، احمرت خدا حسناء لكن لؤي قال ساخرا:

- واي غبي اخبرك بهذا الخبر؟

نظر اليه جواد مستغربا ليقول:

- كنت انت ذلك الغبي، الم تخبرتي منذ قليل ان الامور واضحة بينكما!

فغر لؤي فاهه ليقول:

- في الواقع انت فهمتني خطأ... كنت اقصد انني افهمتها ان علاقتنا لا تتجاوز الاخوة

نظر اليها لؤي ليراها منزعجة مما سمعت فابتسم محولا وجهه عن جواد الذي اخذ يعاتبه:

- هل فعلت ذاك حقا؟... تبا هل انت غبي؟ احاول مساعدتك فتفسد كل شيء

رأت حسناء ان اخذ القرغر الذي اخبرته عنه ليلى امر سهل لكن التنفيذ شيء اخر، ان تدعي انها غير مهتمة به وهي تنهار عند اقل كلمة يقولها، حينها فكرت ان الافضل ان تعتمد على جواد ليعيد عقله اليه، لكن حين لاحظت ان لؤي لا يأبه بكلام صديقه ويصر على موقفه فهنا لا بد من تدخلها:

- كفى جواد... لقد اخبرك لؤي ان علاقتنا لا تتعدى الاخوة، كنت في البداية اظنه يحبني وكان ذلك يقلقني جدا لاني لا ابادله الشعور، لكن بعد ان اكتشفت الحقيقة ذلك اراحني كثيرا، اصبح بامكاننا الان ان نستمر بصداقتنا كإخوان دون قلق...

نظر اليها لؤي ساخرا بينما جواد مصدوما، قال:

- وانت ايضا!... هل جننتما ام انا الذي جننت؟

سكت كلاهما فالوضع اضحى لا يعجب اي منهما، حتى تدخلت شابة لتقول:

- اذا ما وصلني البارحة صحيح، انتما لا تحبان بعضكما حقا

نظر لؤي للدخيلة بحقد اذ لاحظ منذ سنة انها كانت تتواجد في كل الاماكن الذي يتواجد هو فيها، وكانت نظراتها تلاحقه طوال الوقت حتى كاد يختنق منها لكنه تجاهلها طوال الوقت لحبه لحسناء، اراد ان يسمعها الان كلام تندم على تدخلها بشيء لا يعنيها لكن حسناء سبقته:

- هذا صحيح... لا يمكن ان يكون بيننا غير الاخوة فقد تربينا سوية كما الاخوان

هنا حول لؤي نظراته الحاقدة الى حسناء، لطالما كره هذه الجملة من اريج التي استمرت ترفض بها صالح "لا يمكنها الارتباط به لانهما تربيا سوية كما الاخوة"

سحب يده باشمئزاز حين لمسته الفتاة الاخرى قائلة:

- اذا؟... لست مرتبطا؟... حر مستعد للارتباط

نظر اليها بسخرية ليجيب:

- بل حر غير قابل للارتباط

- اوه للاسف... لدي صديقة كانت معحبة بك

رد ساخرا:

- صديقة؟... ام انك تتحدثين عن نفسك؟...

ابدت انزعاجا لكلامه واحمرت خداها فيما قالت:

- عما تتحدث انت؟

فرط جواد ضحك اذ انه كما لؤي لاحظها مرارا تحوم حول لؤي، اما حسناء فقالت معاتبة:

- ماهذا الكلام لؤي... لقد احرجت الفتاة بمزاحك الثقيل

نظر لؤي الى حسناء ساخرا ثم قال:

- اذا انت تنصحينني بالتعرف على صديقتها

- انا لم اقل هذا... لكن مزحتك تلك كانت

صنعت اشكال بيديها محاولة شرح ما عجز اللسان عن تفسيره فضحك لؤي واستدار نحو تلك الفتاة قائلا:

- ماذا لو اخبرتك انني معجب بك وليس بصديقتك؟

ازداد احمرار خدا الفتاة بينما فغرت حسناء فاهها من صدمتها فلكشه جواد قائلا:

- اترك مزاحك الثقيل جانبا لؤي، اشعر انك ستتسبب بقتل اثنين حولنا

نظر لؤي لحسناء ليجدها تنظر اليهما بضيق فصمت لكن حسناء تذكرت ما نصحتها به ليلى، عادت لوضعها الطبيعي وقالت بمرح:

- اوه من يصدق... صديق الطفولة مغرم، لما لم تخبرني بذلك مسبقا ايها الخائن

نظر اليها لؤي متفكرا ثم قال:

- لست مغرما بل معجبا

- حسناء: حسنا الاعجاب يأت اولا ثم يات الحب

لؤي: حقا!... يبدو انك خبيرة حب... اخبريي اذا بما تلومينني على ما لم اخبرك

احمرت خداها غيظا لتبعد وجهها فقالت:

- لا شأن لك

- حقا؟... وهل هناك شيء من هذا القبيل اصلا؟...

- بالطبع، وهل تراني بلا قلب كي لا اعرف الحب

- اه صحيح... لقد اخبرني جواد البارحة، انت تحبينني

نظرت اليه بضيق محاولة ضبط اعصابها لكنها فجأة قلبت مزاجها وهزت كتفاها قائلة:

- يبدو ان جواد اساء فهم كلانا، فقد اخبرني ايضا انك تحبني

- لؤي: حسنا... يبدو انه لدينا صديق احمق

- حسناء: ليس كذلك بل انت الاحمق

قال بانزعاج:

- والان بدلت صديق الطفولة على ذلك الجديد

- لا تناديه بالجديد، انه صديقنا لقد اضحيت مزعجا جدا لؤي

- حقا!... وانا اظن انك معجبة بجواد صديقنا ذاك

شهقت حسناء بينما تدخل جواد اخيرا ليقول:

- لقد اضحى حواركما مملا، هلا تغيرون هذا الموضوع

نظر اليه لؤي بانزعاج ثم الى حسناء ليقول:

- اذا؟... من سعيد الحظ ذلك؟

هزت كتفاها لتقول:

- انت لا تعرفه

- حقا

- بالتأكيد لن اختار احدا من حينا هذا، افضل ان اختار شخصا يعرفني على الحياة في الخارج

- حقا؟... اذا موفقة

استدار الى الفتاة الدخيلة ليقول لها:

- اتمانعين من ان تصبحي حبيبتي؟....

فغر كل من حسناء وجواد فاههما بينما تلعثمت الفتاة لتقول:

- انا... حسنا ظنتتك قلت منذ قليل... انك غير قابل للارتباط

- غيرت رأيي، اذا ما قولك؟

ابتسمت الفتاة بخجل فابتسم لؤي اذ لم يتوقع ردة فعل مختلفة، قال يستفز حسناء:

- اذا... دعينا ننفرد ببعضنا دون ازعاج الاخرين لنتعرف على بعضنا جيدا

نهض لؤي ليسحبها من يدها ويختفي عن العيان بينما حسناء وجواد مازالا غارقين بصدمتهما، قال جواد:

- يا له من خسيس، لا تقلقي، وعدا مني سأعمل جاهدا لاعيد اليه عقله

صاحت حسناء بغضب:

- لا تفعل فلم يفقده عقله الا انت، لو لم تشجعني على ذلك المقلب لما حدث ما حدث

انهمرت دموعها فاخذت تمسحهم، تنهد جواد بانزعاج، ربما ما كان عليه التدخل فعلا، بما ان كلا من حسناء ولؤي كانا يفضلان ذلك

ربت على كتف حسناء وقربها ليضمها اليه مواسيا واخذ يعدها ان ذلك الاحمق سيعود الى رشده قريبا رغم انه هو نفسه كان يشك بالامر

---


ارسلت الشمس اشعتها العسجدية في الحي معلنة عن نهاية وظيفتها بعد نهار طويل، كانت حسناء جالسة بين الجيران قرب جواد كالعادة لكنها ضمنيا كانت في مكان اخر، فقد كانت تقضم اظافرها طوال الوقت وهي تلاحق لؤي بنظراتها وهو يتحدث بمرح مع تلك الدخيلة

حتى اخيرا قررت النهوض من مكانها وتوجهت اليه، وقفت بينهما لتنظر اليه بجدية، انتظر هو منها اعتذارا لما فعلته وتبريرا لفعلتها، توقع ان تتوسله كي يترك تلك الفتاة لكنه لم يجدها الا حازمة ثم قالت:

- هل انت جدي بتعرفك على هذه الفتاة؟

نظر لؤي للدخيلة حائرا اذ انه بالفعل لا يطيقها، لكن في الوقت نفسه يريد ان يجعل حسناء تموت غيرة وغيظا، عندما لم يجاوب اعادت السؤال:

- هل حقا تريد الارتباط بها؟...

هز كتفيه ليقول:

- الامر ليس ارتباطا، نحن بالكاد نعرف بعضنا، سنتغرف وان...

- اذا حظا موفقا لكما

قالت جملتها ببرود وتوجهت الى بيتها غاضبة، كسرت كثيرا مما في غرفتها حتى هدأت قليلا فجلست على حافة سريرها تبكي بحرقة،

يريد ان يتعرف عليها جيدا اولا، حسنا فليكن، فليتزوجها ايضا، ان كان حقا لا يحبها فهي ايضا لن تحبه، ولن تحبه ابدا ولو احبها هو يوما ما... هذا قسم اخذته على نفسها لن تتراجع عنه.

---

في الاسبوع الاتي اختفت حسناء من الحي، تذهب صباحا عند ليلى وتعود قبل الغروب بقليل وتنطلق لبيتها مباشرة كي لا تلتقي بلؤي

اخيرا قرر جواد ان يتدخل فعرض على اخته شيماء ان يذهبا لزيارة سمية وليلى وهناك التقى بحسناء، نظر اليها مبتسما ليقول:

- عاش من شافك ست حسناء

ابعدت وجهها عنه بانزعاج فاقترب قائلا:

- ايمكنني ان افهم لما تختفين عن الوجود؟ بالكاد رأيناك هذا الاسبوع

- انت تعلم انني منزعجة منكما

- مننا؟ كلينا؟

- طبعا كلاكما، ذلك الوغد احمق وانت سبب الحماقة

تنهد بانزعاج ليقول:

- كنت فقط اريد المساعدة... ثم ان كنت انا سبب الحماقة فما قولك عن ليلى؟ لقد كانت صاحبة الفكرة، انا فقط شجعتك عليها

- ليلى اقترحتها لكنها تركتني بحريتي

- وانا لم اجبرك

- كلا لكن... انسى... انني متضايقة جدا بما يحدث، ولا اريد رؤية احد من ذلك الحي في هذه الاونة

- حسنا... اذا... ربما علي ان اعود من حيث اتيت كي لا اضايقك؟

نظرت اليه متفكرة ثم زفرت بيأس لتقول:

- لا بل ابقى... ربما بإمكانك ان تطمئنني على لؤي

ابتسم ليقول:

- هكذا احبك... حسنا... انه ضائع من يوم اختفيتي، تخلى عن تلك الفتاة في اليوم نفسه ليلا... قال انهما لم يندمجا... ومن حينها اراه عصبيا جدا ولا يكلم احد

- لا تقلق عليه... سرعان ما سيجد اخرى تروضه

نظر اليها مستغربا فقالت:

- ماذا ! لقد روضته تلك على مدى يوم كامل، لا بد ان يجد اخرى تروضه لفترة اطول

- غبية! انه هكذا بسببك

- جواد... لا تحاول ان تتدخل مجددا... لقد افسدت كفاية

سك على اسنانه لكنه فضل ان يقطع الموضوع فقال:

- حسنا... ها قد طمئنتك على لؤي، اظن انتهت مهمتي هنا، اصبح بإمكاني الذهاب

- لا اظنك اتيت فقط لتطمئنني على لؤي

- حسنا، لقد اتيت لاطمئن عليك ايضا، وكما يبدو انك ايضا فقدت عقلك بالكامل، مبارك لكما اضحيتما تلائمان بعضكما كليا

- كفى جواد... اعان ما فيه الكفاية، كل ما اريده ان ارتاح من هذا الموضوع كليا

- حسنا... انت حرة

- اعلم

- اذا هل تشربان القهوة ام العصير؟

نظر كلاهما الى ليلى فقال جواد:

- اسألي حسناء فانا ذاهب الان

عاد لينظر الى حسناء قائلا:

- اذا هل ستأتين غدا الى هنا ايضا ام ستمرين على مساكين الحي المشتاقين

ابتسمت حسناء ثم قالت:

- اسفة... لا اجد نفسي مستعدة

هز رأسه متفهما ثم قال:

- اتمنى ان تنتهي محنتك باسرع وقت... سأحاول ان امر عليك غدا ايضا

ابتسمت بفرح لتقول:

- سيسرني ذلك

بادلها جواد الابتسام ثم انصرف، نظرت ليلى لحسناء وهمست لها:

- هل يحبك؟

صنعت حسناء وجها مشمئزا لتقول:

- من!؟ جواد؟

- الم تري ابتسامته ونظراته

- لا تكوني سخيفة

- وانت لا تحبينه؟

- احبه كأخ لي ليس الا

- اذا لا تشجعيه

- اشجعه؟!

- بالطبع، تلك الابتسامة وال"سيسرني ذلك"

- غبية حمقاء... ان جواد يعمل على مساعدتي للارتباط بلؤي

- حسنا هناك انواع من هذا الحب، المحب المضحي الذي يجمع من يحب بالذي تحب لكي يراها سعيدة دائما

نظرت اليها حسناء بسخرية لتقول:

- حسنا ذلك ليس جواد

تفكرت بالامر قليلا ثم قالت:

- اتعلمين شيئا... لا اعرف اي نوع من العشاق جواد، اذ انني لم اره يكلم فتاة يوما...

- ربما لانه يحبك لا يقترب من فتاة اخرى

- ليلى... اخرجي تلك الفكرة السخيفة من عقلك

- ماذا !... على الاقل انه مخلص وقلبه طيب

- ليلى!... لقد خرجت توا من محنة ليئمة في الحب، فلا تدخليي في غيرها، الحب والاخوة يتشتبهان في اوجه عدة فلا تدخلي الحابل بالنابل

- اصطفلي

- سأفعل... الان هاتي العصير

نظرت ليلى مستغربة لحسناء فقالت حسناء:

- الم تخيرينا بين العصير والقهوة منذ قليل؟

- اه صحيح... حسنا لست غريبة، العصير في البراد

---


بعد ايام بينما كانت حسناء عائدة من عند ليلى متجهة الى بيتها، قفز لؤي ما ان رآها يناديها، نظرت اليه حسناء بخجل ثم قررت ان تكون قوية، وصل اليها ليقول:

- تبا ايمكنني ان افهم ما هذه القاطعة التي قاطعتنا اياها

هزت كتفاها بلامبالاة لتقول:

- ظننت ان لا احد سيشعر بغيابي

- لا تكوني غبية... اننا مع بعضنا من ايام الطفولة يوما بيوم، فكيف لا اشعر بغيابك

- حسنا اشتقت لليلى وهي لا يمكنها ان تأت، ماذا افعل

تنهد لؤي بانزعاج لسماع اسم ليلى لكنه قرر ان يتناسى ويبقى على موضوعه:

- حسنا تعالي واجلسي معنا

- اسفة لكنني متعبة، اريد الذهاب للنوم

- مازال الوقت باكرا للنوم

- وهل ستحدد مواعيد نومي ايضا

- حسنا... اسمعي... لقد تخليت عن تلك الفتاة... ومنذ اليوم الاول

- لا!... حقا؟... لماذا؟... كنتما تبدوان رائعين سوية

- رائعين!... كفي حماقة، كانت رقبتك ستنخلع وانت تراقبيننا نتمشى

- بالطبع، لم استطع ان انتزع عيناي عنكما لجالكما سوية، والان دعني اذهب

- لن تفعلي

- حقا!... وباي حق؟

- بحق صداقتنا القديمة... اعلم انني كنت مزعجا بعض الشي مؤخرا وانا اعتذر لذلك... ولكن دعينا نعود كما كنا فلم اعد احتمل الوضع بيننا اكثر... اتفقنا؟

- حسنا... حينما انا لا احتمل الوضع فليكن، لكن حين انت لا تحتمله علينا ان نتراجع... لا لؤي لن يحدث... اخذت قراري وسترى من الان فصاعدا حسناء التي انت اخترتها

امسكها من معصمها حين حاولت التهرب لمنزلها ليعيدها قائلا:

- لا اظنك جادة...

نزعت يدها بعنف قائلة:

- ولما لا... انت فقط انتظر واشهد على التغيير

----


مرت ايام ولؤي يحاول ان يعيد طبع حسناء القديم لكن لم تكن تنثني حتى اخيرا مل وقرر ان يجرب طريقة مختلفة عن اللين وطيب الكلام

تقرب من اول فتاة وجدها معجبة علها ان غارت عليه تعود لرشدها، في الواقع غارت وكثيرا، لكن كان لها من يوسوس لها ويدفعها لان تتكبر عليه اكثر، فكل كبيرة وصغيرة كانت تصل خبرها مباشرة الى ليلى لتحصيل النصيحة

وكانت النصيحة تبعدها عن لؤي اكثر مما تقربها منه، اما جواد فما كان منه الا ان ينصح كل منهما ودون جدوى، ومع مرور الايام ازداد ابتعاد لؤي عن حسناء وجواد ليبقيا طوال النهار سوية،

ذات يوم قرر ان يعود لؤي لصديقيه، ليس وحده بل مع صديقته الجديدة، واقترح ان يخرجا للغداء سوية، مباشرة رفضت حسناء لكن لؤي اصر على جواد ليقنعها، شعر جواد برغبة عارمة في ضرب لؤي على مخططه الاحمق لكن لؤي اخبره انها الطريقة الوحيدة امامه ليقنع حسناء

توجه جواد الى حسناء، نظر اليها وهو يفكر بالخطة بانزعاج، الوضع بالفعل اصبح مزريا والاصلاح يبدو بعيدا جدا، ولكن ان كانت هذه الطريقة قد تجدي كما قال لؤي فما المانع من التجربة

توجه اليها ليربت على كتفها قائلا:

- اسمعي... منذ زمن لم نجلس كلانا مع لؤي... لقد اشتقت الى تلك الايام... فما رأيك؟

- لا... لن انضم اليهما مستحيل

قالتها بحزم بينما سرعان ما اقتنع جواد بكلامها استدار ليخبر لؤي بجوابها لكنه وجد لؤي يحثه عبر الإشارة بالاستمرار باقناعها

تنهد ليعود الى حسناء ليراها عاقدة ذراعاها، مقطبة حاجباها، زمت شفتاها بانزعاج، بدى منظرها المنزعج مؤلما بالنسبة اليه، وبالتأكيد ذلك الاقناع سيكون اكثر ازعاجا بالنسبة اليها واكثر ايلاما بالنسبة اليه

نظر الى صديقه بقلة حيلة لكن الاخر ظل يحثه على الاستمرار، زفر جواد بيأس وعاد الى حسناء قائلا:

- لا تقلقي، سأكون معكما... سأساندك بكل ما اوتيت من عقل

- وماذا ستفعل ان تغزل بها امامي؟ هل ستضربه مثلا؟

- حسنا... لا اظن ذلك، لكن سأجد وسيلة اخرى

- في الواقع اخشى ان اكون انا من سيضربهما

ربت جواد على رأسها ليقول:

- ان فعلت فانا سأشجعك

ضحكت حسناء ثم عاد ليرتسم البؤس على ملامحها فقال جواد:

- دعينا ننضم اليهم هذه المرة، وفي حال كانت الامور مزعجة فلن نكررها، افعليها لأجل الايام الخوالي الجميلة

تنهدت حسناء ثم قالت:

- حسنا... فقط هذه المرة، لكن ان لم يعجبني الوضع سأترك المكان، بل وستتركه انت معي ايضا

- حسنا، انا موافق

ابتسمت حسناء لتقول:

- اذا، سأذهب لابحث في خزانتي عن اجمل ما يمكنني ارتداؤه عسى ان ابدو اجمل من ضرتي

- ضرتك!!

ضحك عندما ادرك انها تعني حبيبة لؤي فاسرعت هي لمنزلها بينما عاد جواد للؤي ليبشره بالخبر مع ذكر شرطها، لم يبال لؤي بالشرط بقدر ما اهتم بان حسناء ستحضر، ان لم تنثني اليوم فيعني هذا انه فقدها الى الابد

---


توجه جواد الى بيت حسناء حين لاحظ انها تأخرت، فتحت له الباب لتلمع عيناه انعجابا، بدت بالتأكيد رائعة بالملابس التي اختارتها بعد ان قلبت خزانتها رأسها على عقب، لكن ما اذهله بها كان شعرها

لقد ملسته ليبدو لامعا كمياه مسترسلة، فتح فمه محاولا التعبير فراح يتأتئ متلعثما فقالت حسناء بحماس:

- هل اعجبك؟... لقد قال لؤي يوما انه يشمئز من شعري الذي يشبه سيفة الجلي الصدئة، لذلك قررت ان اعدل شكله... تغيير لونه كان سيفسده لكن على كل حال اظنه سيفضله هكذا، الا تظن؟

صمت جواد متفكرا اذ ان لؤي اخبره يوما ان شعرها المتمرد هو اكثر ما يعجبه بها، اما وصف السيفة الصدئة فكان وصفه هو لا لؤي، يبدو ان لؤي استعمل عبارته الساخرة في احدى لحظات الغضب وحسناء صدقته، لكن بعد كل شي هي الان تبدو بالفعل رائعة فابتسم جواد ليقول:

- انك اجمل من اي يوم قابلتك به

كتمت صرخة حماس لتقول:

- اذا هيا لننطلق، لا اصدق متى التقيه لارى ردة فعله

خرجا من بنايتها ليصلا الى لؤي مع صديقته، كانت ردة فعل لؤي ان نظر اليها باشمئزاز فتبدل حالها مباشرة من الحماس الى الكئابة

سارا الى مطعم صغير قريب وطلبا طلباتهم فاخذ لؤي يتغزل بفتاته، نظرت حسناء الى جواد بغضب فقال جواد:

- لؤي... رفقا بعزاب الحي، الا ترى حالي الخالي

ضحك لؤي ليقول:

- حسنا انا لم اجبرك على البقاء وحيدا فمعجباتك كثر

- على عكس البقية لا اختار عشوائيا، اريد ان اختار فتاة تناسبني

- ولم تجد تلك الغتاة بعد!

نظر جواد الى حسناء باعجاب ثم نزع عينه عنها ليقول بأنزعاج:

- للأسف لا

قالت الفتاة مستفهمة:

- مهلا... الست انت وحسناء؟...

نظر كل من الاصدقاء لبعضهم فقال جواد ضاحكا:

- لا يا فتاة، من اين اتيت بتلك الفكرة؟

هزت الفتاة كتفاها قائلة:

- هذا ما يروج عنكما في الحي، الكل يقول انكما متحابان

فغرت حسناء فاهها بينما بدى الانزعاج جليا على وجه لؤي فأكد لها جواد ان تلك الفكرة خاطئة تماما وانه هو وحسناء مجرد صديقبن مقربين لا اكثر

اظهرت الفتاة تفهما رغم انه بدى واضحا انها غير مقتنعة، اما لؤي فأراد ان يفجر غضبه ولم يجد الا شعر حسناء لذلك، نظر اليها باشمئزاز قائلا:

- تبدين نسخة عن تلك الغبية الحمقاء

فغرت حسناء فاههة ثم قالت بغضب:

- انا متأكدة ان تلك الغبية الحمقاء فتاة رائعة لكنك ظلمتها بتخلفك، تصدر احكاما لكل من تكرهه دون مبرر، هل يمكنني ان افهم لما تكره ابنة عمك

تجاهل جواد جدالهما وهو يتمعن في حسناء بإعجاب متفكرا:

- لا اصدق ان صالح يتزوج من تلك الغبية الحمقاء مجبرا بينما كنت لاتزوجها بكل سرور، النظر اليها فقط يجلب السرور للنفس... هذا ان صدقت حسناء وكانت فتاة رائعة والا فالامر مختلف


استيقظ جواد على صوت حسناء التي كانت تلوح امامه قائلة:

- هلو جواد!... اين اختفيت عننا

رمش عدة مرات محاولا العودة للواقع ثم قال:

- اسف... اخذتني بعض الافكار بعيدا

كان الغداء مروعا بالنسبة للجميع، فلؤي استمر بالتغزل بفتاته بينما حسناء تلكش جواد في كل حين لينسحبا فيستيقظ جواد من شروده من مظهر حسناء الجديد حتى اخيرا ضاقت حسناء ذرعا ونهضت بانزعاج قائلة:

- حسنا... انا شبعت، انهض جواد دعنا ننصرف

نظر اليها لؤي ثم لطبقها ليقول:

- طعامك لم يلمس بعد

اجابت بتكبر:

- اني اتبع حمية

نظر اليها بشك ليقول:

- منذ متى!... على كل حال يمكنك الجلوس والاستمتاع معنا الى ان ينهي جواد طعامه، فلا اظنه يتبع حمية ايضا

نظر جواد الى طبقه الذي بالكاد لمسه ايضا فقد كان مشوشا طوال الوقت فقال:

- حسنا يبدو انني سابدأ باتباع حمية من الان فصاعدا

ابتسمت الفتاة لتقول:

- يا له من رومنسي، عليك ان تأخذ دروسا منه لؤي

نظر اليها لؤي بغضب ليقول:

- ليسا حبيبين، لقد اكد لك جواد منذ قليل انهما مجرد صديقين


- جواد: حسنا على كل حال انا لست جائعا، يبدو انني سأنصرف مع حسناء بما انها مستعجلة

- لؤي بترج: لا يمكنكما ان تفعلا ذلك... لقد اشتقت اليكما حتما... اشتقت لايامنا السابقة

نظر جواد الى حبيبة لؤي ليقول:

- في الايام السابقة كنا نحن الثلاثة فقط

- حسنا لا اظن ان الامر سيفرق كثيرا

نظر جواد الى حسناء ليراها تنظر الى لؤي بحقد فقال:

- بلا لؤي... يفرق كثيرا وانت تعلم ذلك

قال لؤي بانزعاج:

- اذا هل انتما مصران على الذهاب، الا يمكنكما البقاء؟

امسكت حسناء ذراع جواد لتبعده فاعادها جواد ليقول:

- حسنا... يمكننا البقاء بشرط تنصرف حبيبتك

فغرت الفتاة فاهها بصدمة بينما شرد لؤي بالفكرة اما حسناء فنجرت عينيها لكلام جواد، اذ انه ما ترغب به طبعا لكن هناك اداب للتحدث مع الناس او امامهم، نظر لؤي لحسناء ليقول:

- وماذا عنك حسناء؟ هل رأيك من رأيه؟

جمدت حسناء حائرة، بالطبع رأيها من رأيه ولكن هل من المعقول ان تقولها امامها، ان تطردها بكل بساطة، اجتاحتها رغبة عارمة بقول "نعم هذا ما اريد بالضبط" لكن لسانها لم يطاوعها فتمسكت بذراع جواد قائلة:

- دعهما سوية ولا تفسد عليهما الغداء

- جواد: لقد افسد بالفعل فلا داعي للاستمرار، انت تريدين ايضا بقائنا مقابل رحيلها

جالت نظرات الفتاة بينهم لتدرك حقيقة فاتتها، حسناء لا تحب جواد فعلا بل تحب لؤي، نظرت الفتاة للؤي بصدمة وقالت:

- وبكل وقاحة تأخذ برأيها ايضا! اتطلب اذنها لتطردني؟

نظر لؤي الى الفتاة حائرا، يبدو واضحا ان حسناء لن تنثني، وفي حال اكد كلامها سيخسر الاثنتان فقال:

- بل كنت اتأكد ان رأيها من رأيه لكي انسى صداقتهما للابد

صدم كلامه كل من حسناء وجواد بينما تفكرت الفتاة بكلامه لتبدو اكثر راحة، تقدم جواد من لؤي ليرفعه من سترته بغضب صارخا:

- ايها الاحمق الاناني...

تبادلا نظرات حاقدة فعاد ليدفعه الى كرسييه ثم قال:

- اياك ان تطلب مني مجددا اي مساعدة... لا تحلم بذلك حتى

انسحب بعجل لتركض خلفه حسناء ما لبث ان تذكر حتى عاد للمطعم ودفع فاتورته مع فاتورة حسناء قائلا بلؤم:

- لسنا بحاجة لجميلك

عاد ليخرج من الطعم تاركا الاجواء مكدرة، سار غاضبا الى المنزل وحسناء تمشي خلفه بصمت، ما ان وصلا للحي حتى ابطىء سيره فصارت حسناء بمحاذاته، ما هي ثوان حتى لاحظ ان حسناء تبكي، نظر اليها مصدوما فتنهد بانزعاج ليقول:

- ليس بالشخص الذي يستحق ان تذرفي عليه الدموع فتوقفي عن ذلك

حينها ازداد بكاؤها، اقترب منها محاولا مواساتها فقالت صارخة:

- يسهل عليك طلب ذلك مني حين لم تجرب الحب بينما احببته منذ ان كنت طفلة

عاد ليتنهد بانزعاج فاخذها وضمها مواسيا ليقول:

- ستكون فترة صعبة عليك لكنها ستمضي، لا بد انك ستجدين من يقدر مشاعرك افضل منه

رفعت رأسها لتنظر اليه بعينان تبرقان من الدموع لتقول:

- وكيف لي ان انساه!... انه حب عشرة اعوام

نظر الى عيناها التي تبرقان بالحزن، منظرها الجديد الذي تسبب باضطراب في لبه، عانق خديها بكفيه ليقرب رأسها منه لكنه جمد فجأة عندما ادرك ما كاد ان يفعله، اغمض عيناه بحزن واسند جبهته على جبهتها بينما حسناء جمدت حائرة لا تدري ما الذي جرى مع جواد

ابتعد عنها ليقول:

- اسف ان كنت سأخذلك في اصعب اوقاتك، لكنك ستضطرين ان تبحثي عن غيري لمواساتك من الان فصاعدا

تركها وانصرف الى بيته بعجل بينما هي تنظر اليه فاغرة فمها، اسرعت خلفه باكية:

- جواد!... لا يمكنك ان تكون صادقا... لقد خسرت لؤي لا اريد ان اخسرك انت ايضا... جواد توقف وكلمني

التفت لينظر اليها لتدمي حالتها فؤاده حتى وصلت اليه وعانقته راجية الا يتركها، سك على اسنانه بغضب، ربما تكون حسناء حاليا منفصلة عن لؤي، لكنهما مايزالان يحبان بعضهما، والاعتراف بالحب لها ستعد خيانة لصداقة لؤي، علما بان لؤي تخلى عنها منذ قليل، اذا هل يعترف لها بمشاعره؟

مسح وجهه بكفه محاولا التركيز، مشاعره حاليا متأججة ومشوشة، ربما ان عادت حسناء الى شعرها القديم قد تعود اليه مشاعر الصداقة القديمة ويتعقل، ولكن لا، هو منذ ايام قد احس ان مشاعره تجاه

حسناء تغييرت، فهو كره مؤخرا بان ينصحها بالعودة الى لؤي كما كان ينزعج في كل مرة يطلب منه لؤي ان يكلم حسناء لتعود اليه كما كانت، ولكن تأكد اليوم انه اضحى يحبها حقا

حسنا ربما عليه ان يتروى، ابعد حسناء عنه ليقول لها بهدوء:

- لما لا تذهببن الى صديقتك ليلى

نظرت اليه حائرة ثم قالت:

- سأذهب اليها غدا... لكن الان ابقى معي

صاح جواد غاضبا:

- ابقى معك!... ولما؟... ما الذي سأقدمه لك، النصيحة لا تنفع والمواساة لا تنفع، بقيت بينك وبين لؤي حتى اضحيت الضحية

ختمه كلامه متأففا بغضب وانطلق الى داره بينما تلاحقه حسناء بنظراتها المستغربة "هو الضحية! ولما؟ لا بد انه يقصد فقدانه لصداقة لؤي... " عندما رأت حسناء انها لن تستطيع ان تقنعه بالبقاء معها عادت هي الى بيتها

---


استيقظ جواد صباحا حزينا، تلك المشاعر التي كنها البارحة لحسناء مازالت متأججة وتشغل باله باندفاع، جلس على سريره ليغطى وجهه بكفيه بانزعاج يفكر بما عليه ان يفعل

كأول خطوة عليه ان يختفي من حياة حسناء كي لا يزداد تعلقه بها، اذا عليه ان لا ينزل اليوم للالتقاء بالجيران، لكن ماذا لو اتت حسناء لرؤيته؟ هو بالتأكيد لن يطردها، تبا... اذا لن يستطيع الابتعاد عنها في هذه الحالة

سمع صوت شيماء تكلم امها انها ستذهب لزيارة خطيبها، خطرت له الفكرة وبسرعة خرج من الغرفة قائلا:

- انا سآتي معك

- لا بأس ستأت رولا لاصطحابي

- لا تزعجيها فلديها من الهموم ما يكفيها، سأت انا معك لكن انتظريني فقط لا بدل ملابسي

نظرت اليه مستغربة:

- منذ ايام كنت اترجاك كي تات معي وكنت تقول لي ان حسناء تحتاجك لانها تمر بمحنة، هل اجتازك محنتها اخيرا

- في الواقع هي ستذهب اليوم لرؤية ليلى، دعينا ننهي هذا الموضوع وانتظريني فقط

- حقا لا داعي فرولا على الطريق اصبحت قريبة

- في هذه الحالة ستوصلنا كلينا

ذهب بسرعة ليبدل ملابسه بينما نظرت شيماء الى امها مستغربة فقالت:

- ما الذي يجري معه؟

رفعت امها كفيها بمعنى "لا علم لي"

هزت شيماء كتفيها غير مكترثة ثم صاحت:

- عجل قليلا فلا اريد ان اتأخر

اتاها الجواب من الداخل

- دقائق قليلة واجهز

---

مرت ايام والاوضاع على تلك الحالة، جواد استمر بالهرب يوما مع شيماء الى بيت خاطبها، يوما الى بيت اخته رولا ليساعدها باولاده ويوم في بيت اخيه ليساعد بالاولاد

فضل ان يكون حاضن اطفال على ان يفقد عقله بين صديقيه، استطاعت حسناء ذات يوم ان تمسكه قبل ان يصعد الى منزله، نظرت اليه نظرة منكسرة معاتبة:

- اين كنت طوال الوقت؟... لماذا تركتني وحدي؟... انت تذهب وتختفي ولؤي كل يوم مع فتاة جديدة، لقد اصبح شخصا اخر لا اعرفه حتى

نظر جواد الى لؤي الذي كان يدخن ويضحك ضحكات صاخبة مع فتاة مجنونة لاول مرة يراها بحياته، لا يعلم اين التقى بها الا الله، عاد لينظر الى حسناء ليجد عيناها المنتفختان من البكاء قد غارت واسودت من قلة النوم، لم يحتمل ذلك المنظر فاغمض عيناه وضمها اليه بشدة فبادلته العناق، فتح عيناه وهو ينظر الى لؤي بحقد وسرعان ما ابعدها عنه ليتجه الى لؤي كسبع ثائر ما ان وصل اليه حتى لكمه ثم امسكه من ياقة قميصه موبخا:

- ايها الاحمق كيف تفعل بها هكذا، ان كنت تحبها فاحترمها، انظر اليها كيف اضحى حالها

ابعد لؤي يدا جواد ليصرخ به:

- هذا ليس شأنك، انت من افسد كل شيء من البداية، لولا تدخلك لكانت الامور ممتازة

- لقد كنت افكر بكما، هكذا يصبح حال من يفكر بمصلحتكما

- لقد اخبرتك بمخططي مسبقا، لكنك افسدته

- ان كنت افسدته كان عليك اصلاحه لا ان تزيد من افساده

- اسف لكن لا يبدو ان الامر سيصلح... لقد اضحت علاقتنا ميتة، انا وحسناء لا امل لنا بالعودة كما كنا، فانا عنيد وهي عنيدة، وكل منا لا يريد التخلي عن موقفه

- انتما مجرد احمقان... سنوات من المودة تضيعانها لاجل لحظة غباء

- سمها ما شئت، لكن لا تعد الى نصحي بالارتباط بحسناء

- لكنها تحبك

- الحب وحده ليس كافيا

- اذا انت تتنازل عنها

- يمكنك القول

- ولا تمانع ان ارتبطت بغيرك

تردد لؤي في الجواب فقال:

- اقطع هذا الموضوع لقد اخبرتك ان كل ما كان سابقا بيننا انتهى، عد اليها الان لمواساتها فقد كانت وحيدة جدا هذه الايام

وجه جواد نظرة لحسناء ثم عاد لينظر الى لؤي قائلا:

- سأسألك للمرة الاخيرة، هل حقا لم تعد تريدها ولا يهمك ان ارتبطت من غيرك

تفكر لؤي بالموضوع مليا ثم قال:

- لما تسأل؟... هل هناك شخص معيين؟

- لا اظن ان الامر سيفرق كثيرا بالنسبة اليك ان كنت حقا لم تعد مهتما

- ليس جديا... لم اعد مهتما

- اذا لن تعتبر خيانة لصداقتنا ان طلبت منها الارتباط بي

--- الاسئلة---

ما في كتير اسئلة اليوم 😊 فقط:

- شو رايكم بطريقة انهاء الفصل
- شو توقعاتكم للفصل الجاي
- اي اكتر مقطع عجبكم
- تصرفات لؤي وحسناء وجواد تنم عن الواقع او مبينة مش طبيعية؟ يعني اشيا ما بتصير الا بالقصص 😅
- اذا بتحبو تضيفو جواب بلا سؤال ما عندي مانع


اسفة على التأخر كنت بهالفترة كتير تعبانة وسائبت اجت مع المدارس
في امان الله

__________________
شكرا دودي عهدية العيد ميلاد الحلوة




هديتي لاني انشط روائية