عرض مشاركة واحدة
  #86  
قديم 12-28-2018, 03:12 PM
 
ذهبي



[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:100%;background-image:url('https://www.up4.cc/image125567.html');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]
[/ALIGN][/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN][ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:100%;background-image:url('https://www.up4.cc/image125567.html');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]
[/ALIGN][/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN][ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:100%;background-image:url('https://www.up4.cc/image125567.html');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]
[/ALIGN][/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]
[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:100%;background-image:url('https://www.up4.cc/image125567.html');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]

[/ALIGN][/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]
[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:100%;background-image:url('https://www.up4.cc/image125567.html');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]




هالة ق1











" ماسا !"
ردّد اسمها بصدمة أفقدته عقله ، كيف تكون حيّة أمامه وقد ماتت على يديه ! بل و أودعها تحت الثرى كما ودّع أيّامه معها ! هناك خطأ ، شيء ليس في محلّه البتة ! فمزج صدمته ببلاهة أفكاره ليبتسمَ رغماً عنه مُخرِجاً حروفه المرتبكة :
" كم أنا ساذج ، أختي ماتت وكدتُ أقع في فخ هذا الوغد! "
أغمض عينيه بمرارة بعد تلفظه ليعاودَ فتحهما بزهلِ للين صوتها الذي لامسَ أذنيّه بنعومة :
" أخي مانكس "
تزعزعت نفسه لترتجفَ عيناه بتوترِ ، إنّه الصوت الحنين الذي طالما افتقده ، نفس الطيبة التي عهدها في عينيها الزهريتينِ المحدقتينِ به ، إنّها هي بلا ريب ولكنه عاجز عن فهم مايحدث حوله فتآه في صرعات عقله المضطربة ليسمح لقدميه اللتيّن أعياهما ثقل الصدمة بالخطو نحوها بوهنٍ جاعلاً منِ اللذينِ خلفه يشبثا نظريهما به بقلق فصرح أسود الشعر بخفوت :
" مالذي سيفعله ؟! "
أجابه الآخر بالصمت لعجزه عن تدراك الوضع المريب ومالبث غير ثواني ليشهده تصنّم أمامها كدميةِ فاقدة الحس لولا تلك الدموع التي شقت طريقها على وجهه وهو يمدُ يده المرتجفة بترددٍ متلمساً وجهها النضر مدمع العينين ليُقنَ حقيقتها فغمرَ الفرحُ الحزينُ قلبه ، فما كان منه غير دفنها بيّن ذراعيه بلهفة مضطربة هامساً بألم وفيّض دموعه لم يتوقف :
" لا أفهمُ كيف ذلك ولكنكِ أنتِ هي! ، أنتِ أختي التي أفتقدتُها كثيراً "
أجابته بصوت باكي بعد أنْ طوقت يديها على ظهره وتعمقت في صدره أكثر :
" كم اشتقتُ إليكَ ياأخي"
تبّسمَ سكِنر بخبث لما يراه أمامه بينما ارتابت عينا أليكس للوضع ، لوهلة لم يستوعب شيئاً لكنه مجزم أنّه يرى الأمر بشكل مختلف ؛ مختلف تماماً ليس مجرد عناق لقاء بيّن أخوينِ ، بل كان كمفترسٍ وفريسة ؛ بحيث ظل مانكس بعهدتها كفاقد للوعي وهي تغيرت معالمها لتصبحَ قرمزية اللونِ بعد أنْ كبر حجمها قليلاً ، فتحت عينيها ذواتي الحمرة القانية محدقة بداكن زُرقة الشعرِ والعينين ، ثم مطّت ابتسامة خبيثة على شفتيها لتلمسها التوتر الذي بان عليه بما يُبصره منها ، خاصة أنّه أدرك أنّ مانكس الواقع في شِبكاها خُدع بل بدى له لا يعي بشئ البتة ، فتمتمَ بخفوت مخاطباً سيمون دون أن يُزيح عينيه المتوترتينِ عنهما :
" أترى ما أراه ؟! "
رد بنبرة شابهت توتره :
" الفتاة لم تعدُ كذلك! "

برده أجزم صدقِ بصره فخاطب سيمون ببعض القلق بعد أنْ نظر إليّه ليجدَ حاله مُشابه له رغم هدوء مظهره المبجل بالسواد :
" مانكس لايبصر حقيقتها! ، علينا إدراكه "
تدخل بينهما صوتُ غليظ جالباً انتباهما بعبارات سكنها المكر :
" ولن يُبصر ذلك أبداً ،سيفنى في الوهم هذا إنْ لم يمتْ الآن "
حدقا معاً حيث مصدر الصوت ولم تكنْ غير تلك الفتاه شبيهة الوحوش المتوقة لمانكس ، انزعج أليكس بشدة فطفى ذلك على محياه ليتقدم مسرعاً نحوها شاهراً سيفه معلناً نفاذ صبره من قذارة لعبتها ، وما إنْ أوشكَ وصولها حتى فاجأته بصرخة خائفة أوقفته متعجباً من حالها ! ، أردفت بأخرى وقد تمسكت بمانكس قائلةً بخوفٍ مصطنع :
" إنّه يريد أذيّتي ، أنا خائفة أخي "
أجفل أليكس لذلك بينما ترك مانكس عناقها والتفت نحوه بعلامات غضبِ تجمعت في وجهه المبلل بالدموعِ ، أعاد أخته حسب رؤياه لها خلفه ثم رفع سيفه الذي أسقطه أرضاً منذ لحظات فتكلم بجد :
" من يُرد الموت فاليتقدم "
دُهشَ أليكس كثيراً ، لم يتوقع أنها ستحتمي بمانكس أعمى البصيرة ، فنفضَ دهشته جانباً ثمّ أخذ يمشى صوّبه مُصرحاً بجدِ تخلخله شيء من القلقِ :
" أفقْ يامانكس أختكَ ماتت وأنتَ خُدعت ببساطة! "
أبى الآخر الاستماع له بل ركض يهاجمه دون تردد كأنّه لا يعي بنفسه أو بالذي يود قتله الآن بيديه ، ما كان من ليّلي العينينِ سوى ردع الهجمات عنه وهو يتابع عبارات التوعية لمانكس لعلّه يستعيد رشده ، لم يجنِ غير زيادة الأمر سوءاً ؛ العنف فقط ما أثمره من محاولاته الفاشلة تجاه مانكس الثائر كحممِ النيران .
أطاحت به إحدى الضربات العنيفة ورمته بضعة أمتار للخلف ، نهض مستنداً بسيفه وقبل أنْ يقف تماماً أتاه صوت سيمون الجاد من خلفه:
" لافائدة من ما تفعله "
التفت له بنية معارضة قوله فسبقه سكنر بالضحك ليُخمِض أحرفه التي لم تُنطق بعد ، حدّقا به باستياءِ واضحِ خاصة أليكس الذي ماعاد يحتمله .
كفى صاحب الضحك عن سخريته ثمّ استرسل كلامه بنشوة انتصار :
" إنّه لا يرى شيئاً مما تريانه بل يراكما عدوينِ له الآن أيها الضعيفانِ العاجزانِ "
صمت للثانية ثمّ أردفَ بابتسامةِ ماكرةِ :
" أريّاني ماستفعلانِه !"
همس داكن زرقة العينينِ بغيظِ شديدِ :
" سحقاً لكِ أيُها الوغد "
ثم خاطبَ من يقف جواره بخفوت :
" تولى أمرها وأنا سأتكفل به "
وانطلقَ من فوره دون انتظار إجابة منه ، كأنّه واثق بامتثال سيمون له والثقة لم تخبْ البتة حيث تبعه مباشرةً عندما تلقى عباراته.
تجاوز أليكس بكل يسر مانكس الذي اعترضه فتوجه لسكنر الذي زاد من تبسّمه وقد رفع يُمناه مُشكلاً سيفاً أسوداً تكوّن من دخانِ انبعثَ من يده ، تصادمَ السيفانِ بضراوةِ كل يحاولُ إطاحة الآخر ، لوهلة يبدو الوضع متعادلاً بينهما من حيث القوة والبراعة في الهجوم والدفاع في آنٍ واحد ، لكن ما يُثير العجب أن أرجواني الشعر بدى مستمتعاً ومستهتراً أيضاً في قتال خصمه مما جعل الآخر يُضاعف جهده لنيّل منه.

أمّا سيمون سعى للوصول لتلك الخبيثة دون إلحاق الأذى بمانكس الذي كان حائلاً عن ذلك فبقيّ ييارزه وقد سئم في أعماقه الوضع المزري .
ظل أليكس يقاتل بجد بينما تراخى سكنر لدقائق بحيث بقيّ مدافعاً ثم قلب الموازين بهجمة مباغتة تكفلت برمي أليكس بعيداً ، ضحك بسخرية شديدة وأتبعه بنعته بالضعيف متعمداً إغضابه وقد نجح في ذلك بالفعل ؛ حيث التمعت كريستاليته الحمراء بوهج أحمر قاني فشاركها السيف الوهج ثم أسرع تجاه خصمه الذي تبدّلت معالمُ وجهه من الاستهتار الى الجدية ، فصدَ أول هجمة متوهجة بسيفه حالك السواد وقد تطايرات شرارت من عنف إحتكاكهما للحظات قبل أن يختفي السيف الأسود وصاحبه فجأةً مصيباً أليكس بالدهشة ، تلفت باحثاً حوله ليطرأ أذنيه صوت سكِنر عديم الوجود :
" لا تتعجل الأمور ، الكثير ينتظركَ مني فأرني كيف ستصمد حيّنها ؟ ! "
اغتاظ بشدة لكن ماعادَ بوسعه فعل شيء بعد لوآذ غريمه بالهروب فجمّلَ نفسه بالصمت متفكراً في شأنّه ، وسرعان ما انتبه لما نسيّه بسبب قتاله لسكنر فاستدار نحوهما ليجدهما يتقاتلانِ ودون ترددِ أقحم نفسه مجدداً لكن ضد شبيهة الوحوش ،لم تكنْ هيّنة أبداً حيث أنها امتلكت من البراعة ما يكفي للصمود في وجهه متخذتةً من مخالبها التي كبرت بحجم الخناجر سلاحاً ، ورغم هذا كله لم يبصر أخوها حقيقتها البشعة ، بل كان يراها تصرخ وتستغيث به ففقدَ صوابه ودفعَ بسيمون بعيداً صارخاً بسخط :
" اتركها ، إياك أنْ تمسها بسوء ".
تجاهله أليكس فردعها للخلف وقد نوى توجيه هجمة قاضية لولا تدخل مانكس السريع أحال غير ذلك فتبدلت الأدوار ؛ أليكس صار ضد مانكس الثائر ببصيرة مؤصدة وقد أفقده الوهم عقله ، وسيمون خلا له الطريق لتلك الخبيثة فاعتلى الفرصة بسرعة كما اعتلت الجدية عينيه الزرقاوين.

قليل من الاشتباك معها أفقدها قوتها فصارت تهم بالتراجع ، بيّنما سعى مانكس لإنجادها محاولاً التخلص من الحصار الذي أحكمه أليكس عليه .
ستنهي الآن هذا ما دار في رأس أسود الخصلات وقبل تنفيذ مبتغاه تعالت دخاخين سوداء منها أجبرته لتراجع للخلف بضع خطوات بسبب طاقة أصابته منها ،أجفلَ بتعجبِ لصرخة علتْ منها وقد أردفتْ صرختها بالشروع نحوه تهاهجمه بشراشة قبل أنْ يستوعب الأمر حتى ، ضعُفَ موقفه سريعاً لتوالي هجماتها المميتة عليه وكأنّ تلك الدخاخين السوداء التي انبعثت منها أمدّتها بطاقة لا نهاية لها ، ما لبثَ صامداً غير دقائقٍ حتى خارت قواه وقذفته طاقة بهيئة موجة مظلمة دحرجته أرضاً لثواني ، فجذبَ ذلك انتباه أليكس بقلقِ اعتلاه ليتخذَ الآخر الفرصة ليُفلتَ منه مسرعاً بخوفِ نحو أخته النزيهة في نظره للحظة ، بيّنما الحقيقة شيء آخر ؛ هي صارت أشد شراشة وعنفاً حتى عينيها اتقدتا كجمرٍ نارٍ وحيّن احست بمن يُقبل نحوها استدارتْ نحوه تبادله الفعل نفسه ونيتها تجاهه مالم يكنْ يتوقعه ؛ فقط لوهلة استوعب هجوم مخالبها عليه فتصنّمَ غير مدرك لنفسه بعينينِ سكنتهما الصدمة فهو مازال يعتقدها هي ، ماسا تؤامه ولا أحد غيرها فوهن ليستقبل الموت ببساطة لولا صرخة قلقة باسمه طرقت سمعه مصحوبة بقفز احد تجاه وقد ابعده بجسده عن مرمى الخالب الحادة وكان الثمن أنْ يُصاب هو !.
اجفلت عيناه الزهريتان بدهشة وحيرة ، كل ما يعلمه هو أنه نجى من أخته باعجوبة والفضل لمن سقط فوقه بعد أن تدحرجا قليلاً بسبب الاندفاع ، كذلك سيمون بدى مثله محتاراً لما شهده الآن فاستقام دون أنْ يُزحزِح عينيه عنهما .
أراد مانكس النهوض لكن سبقة أليكس إذ ارتفع عنه ناطقاً بهدوء لا يوحي بألم عكس منظر الدم النازف من كتفه الأيمن :
" هل أنتَ بخير ؟ "
لم يجبه بحرف ! ، كل ما فعله هو التحديق بتعجب به وبالجرح الواضح عليه حتى أصاب سائله بالاستغراب منه ليجعله يكرر سؤاله بقلق ،فارتفعت عيناه صوبه لتُفزعَ بشدة وتدارك لسانه النطقَ بخوفِ :
" احذر سوف تقتلك ! "
تلقائياً استدار بتنبيهه لخلفه ليتفاجأ بها وقد همّت بغرز مخالبها في رأسه ، حدث الأمر سريعاً كلاهما لم يستوعبانه ودون ارادة من أليكس همست شفتيه بزهل باسم سيمون الذي تدخّل بسرعة مُنقِذه قبل لحظة ، ثم ردعها بقوة وولج في اشتباكِ قوي معها تعالا له صليل سيفه .

مكث ليّليُ العينينِ يراقبهُما بصمت اكتساه إلى أنْ اقتحم سمعه همس متألم :
" ماسا! ، لا أصدق لما صارت هكذا ؟ ! "

التفتَ صوب مانكس ليُبصرَ كمْ حزنه وأساه وهو يراقب بعينيه أسيرتي الصدمة قتالها مع سيمون ، تأثر لأجله فوطأت يسراه كتفه لعلُه يجلب انتباهه إليه وقد نجح في ذلك حقاً ، إذ تعلقت زهريتاه الوجمتانِ به فخاطبة بجدية أمتزجها أسى واضح :
" أصغِ إليّ ، أختك ماتت منذ أمد وأنتَ غارق في وهم قذر من ألاعيب ذلك الوغد ، عليكَ أنْ.."
قطعت أحرفه صرخة غاضبة علت من مانكس وكانت تركيبة أحرفها :
" لا تكذب "
تردد أليكس قليلاً للمح غضبه المتصاعد وقد شرع في تفريغه ببقية قوله المتقد كقلبه :
" إنّها أمامي الآن ، أجل أمامي وتريدني أنْ أصدقك! "
صمت لبرهة ليكمل بكل سخط :
" أختي حيّة ولم تمتْ ولن أسمح لكَ بخداعي "
وبعد تلفظه هذا شرع بالنهوض وهو يصرخ كالمجنون الذي لا يعي بحاله شيئاً :
" ماسا ، انتظريني سوف أنجدكِ من هذينِ المجنونينِ "
همّ أليكس بإيقافه متجاهلاً ألم جرحه الذي نزف مجدداً جراء جهده الذي بذله في اعادة مانكس الى الأرض ومنعه من النهموض مجدداً ، كما تجاهل كل ألفاظ الشتأئم منه كأنّه لم يسمعها بتاتاً ، بل سعى لينتشله من دوامة الوهم والهذيانِ المجنون الغارق بهما الآن ، لم يبخل بلين الكلام ولا بالجدية معه الى أنْ وصل به الأمر للكمه مرتينِ على وجهه وبكل قسوة متمنياً رجوع رشده له ومتألماً لقسوته معه .
اعتلى الزهل عيّنيه الزهريتين المحدقتين بمن ضربه ، لم يصدق ما فعله به فتحسست يده حيث الأثر المُحمر على وجهه لتبقى دهشته تتصاعد تجاه من يُقابله الذي كسته الجديه المغطية لحجم تأثره عليه.
افتتح نقاشه معه بجد بالغ :
" تخلص من ضعفك إلى متى ستبقى بهذا الحال ؟! "
لزمه الصمت المحتار فظل مستمعاً لخطاب أليكس الذي تابعه بـ :
" هي لن تكون سعيدة بك ، كيف ستسعد وأنتَ خذلتها ! "
تفاجأ مانكس بقوله فهمس باستغراب :
" خذلتها !"
أجابه أليكس بعد أنْ اقترب منه أكثر و وضع كلتي يديه على كتفيه :
" أجل ، كيف لم تخذلها وأنتَ عجزتَ أمام شبيهة لها بل وشريرة أيضاً ! "
سكن بصدمة افقدته حواسه بعد تلقيه الاجابة ، لم يعد يسمع أي حرف من كلمات أليكس التي استمرت بالهطول عليه ، سرح بنظره بعيداً حيث شبيهتها متمعاً بها الرؤية ، رغم كل شيء مازال يُبصرها هي ببراءتها المعهودة ، يراها تواجه الخطر وتثتغيث به بصرخاتها الخائفة التي تملأ الأرجاء ، بينما الحقيقة لم يبصرها بعد ؛ بشاعة شكلها وعنفها الذي بالكاد ظلَ سيمون يقاومه .

أغرقته الحيرة ليتوه بين صراعات نفسه وتعظم مصيبته ، فهمس بلا وعي منه وعيناه مازالتا معلقتانِ بها :
" إنّها هي.."
هنا تناهى لقلبه همس آخر تخلله الجد :
" اصغِ لقلبك "
نظر لمحدثه ليلمح الثقة المتوغله زرقاوتيه فأتاه بقية قوله :
" اصغِ له فقط وصدقني ستدرك الحقيقة ، أنا واثق بذلك ، واثق بتخطيّك للأمر "
زاد حيرته أكثر بهذا ليلزم الصمت لسانه فتابع أليكس كلماته بهدوء اتضح فيه تأثر خلاف جديته السابقة :
" أنتَ مَن تعرف كيف هي توأمك ، هي في قلبكَ الآن فانظر إليها "
المفتاح الضائع وجد الآن بفضل هذه الكلمات التي طرقت سمعه فغاصت به في أعماقه لتفتح قلبه المؤصد ،جرته زمرة من الذكريات المطوية في صفحات النسيان ، فما عاد يسمع غير صوتها العذب ورنات ضحكاتها ، طافت به خيالات عِدة وآخر مامرّ عليه موتها بيّن يديه ، أيّقنَ الحقيقة الآن فسلّم نفسه لواقعه المُر مُطأطئاً رأسه لتحجب خصلاته الشقراء ملامحه الكسيرة ، شعرَ ممسكه بتغيّرِ فيه فأرخى عنه يديه ولحظة فعله هذا تفاجأ بدمع ينهمر منه ، سكن بحزن يراقب بكائه الصامت والذي لم يدل عليه غير تدفق دموعه بكثرة من تحت شعره .
ماعاد بوسعه تحمُل رؤياه هكذا فحطّت يده بهدوء عليه بهمسِ متأثرِ صاحبَ ذلك :
" هوّن عليك يامانكس "
قوّله لم يثنه عن البكاء الذي لزمه للحظات والفضل لأطياف الذكريات التي لم تكفْ عن عناقه لتجعله يهيمُ فيها بعمق ، وتلك الدموع توالت تقطر على كريستاليته الزهرية المتدلية بانحاءه قطرة قطرة ، هكذا ظلت ترسو عليها وتتكسر كشذرات مضيئة فكسبت القلادة لمعاناً جميلاً ، شيئاً فشيئاً سطع وميض زهري منها متزامناً مع جملة رنّت على قلبه من توأمته :
" ستبقى نقي القلب محباً للجميع ، ستظل كما أعرفك دائماً ..قوي أعتزُ بكَ "
نهض كالمفزوع بعجل محرراً صرخة من أعماقه اتصفت بالألم وشفرة حروفها " ماسا"
فشعت قلادته بشدة لتعصف منها طاقه متوهجة علت للسماء المحمرة بالشفق بعد أن غابت شمسها قبل برهة .
تملّك الزهل أليكس لرؤيته مدى توهجه المقترن بغضب هائل ، كما جذب أنظار سيمون ولم تكن مختلفة عنه ، ومن بعيد أثار الأمر قلقاً للراكب على متن الفرس ويسرع تجاه الجبل ، لم يرتح أبداً لإبصار الطاقة الزهرية المتعالية من بعيد فصار عقله يُقلب ألف حكاية لما يحدث وهو يسابق الريح كي يصل قبل فوات الأوآن.

هدأت موجاتُ غضبه قليلاً وانخمضَ التوهجُ عدا قلادته ظلتْ تبرقُ بشدة ، أول ما بادر به هو التحديق بتلك المخلوقة في خضم نزالها المستمر مع سيمون ، أبصرَ حقيقتها أخيراً بعد أنْ زالتْ الأغشيّة من عينيه ، مشاعر شتى اعترته وأوضحها الغضب المُهيمن عليه ،فتقدم خطوة خطوة وفي طريقه التقط سيفه المرمي أرضاً ليتبدّل شكله ويصبح كسيّفي صاحبيّه ما إنْ لامسته يُمناه ، تمتم بهدوء جاد مخاطباً سيمون :
"دعها لي، لديّ حساب يجبُ تصفيته الآن"
امتثلت هيّ له قبل سيمون إذ طرحته خصمها بهجوم مباغت وشرعت نحوه لتفتكَ به هذا إنْ وجدته غضّاً كما كان قبلاً ؛ خابت أول محاولاتها ضده ثم ردعها للخلف بعد أنْ أحبط هجمتها بسيفه المتوهج ، بعدها بادر بالهجوم بكل قوة فعجزت عن الصمود أمامه لتشكل درعاً تكوّن من دخان خرج من يديها لعلّها به تحتمي ريثما تجد فرصة لنيّل منه .
ثلاثة ثواني معدودات تشقق خلالها الدرع الأسود إثر ضربات سيفه
ّ فاستحال لغبار أسود تكفلتْ نفحات الريح بدثره .
" النهاية " هذه تمتمته الغاضبة لها ليردفها بسخط :
" أختي لم تكنْ شريرةً يوماً ، كما لم تكن قبيحة قطاً "
أنهى كلماته ليُنهيها هي أيضاً بضربة عصفتها طاقته المتأججة ، صارت رماداً دثرته الرياح سريعاً وبقيّت صرختها المتألمة أخر فعل صدر منها تتردد كالصدى .

انتهت حقاً لكنه مازال غير راضِ ، مازال الغضب يتأجج داخله ، الألم ظل ينهش قلبه بقسوة فما حدث أعاد نبش الجراح بل وزاد عمقها ، حمّلق أمامه بوهن لتُخيّل له صورتها ببسمة عذبة زيّنت ثغرها ،
ترقرقت عيناه وكاد يبكي مجدداً لولا أنه تمالك نفسه بصعوبة ، في اللحظة حطت يد من خلفه على كتفه فرفع رأسه ونظر لصاحب اليد وما كان غير أليكس محاولاً تخفيف حاله ، وهذا ما تلمسه مانكس منه فابتسم بهدوء رغم صوبة ذلك ونطق :
" شكراً لكَ ، كنتَ خير سندِ لي "
بادله الابتسام ورد :
" العفو "
ثمّ أردف ممازحاً بهدف اخراجه من كآبته :
"مبارك لك قلادتك استجابت لك ، كنتَ مزهلاً حقاً"
دُهش بذلك فتفقدَ قلادته وملامح الزهل تعلوه ليهمس بعدم تصديق:
" لقد عملت معيّ ، استجابت لي أخيراً"
كرر عباراته لمرات عدة حتى صدق نفسه ليعلوه السرور بشدة وراح يقفز كطفل سيطير فرحاً ، بل وراح يثرثر بغرور عن ذاته وبعض سمات التباهي اعترته.
تبسّمَ أليكس بسعادة لأجله بعد أن نجح في جعله ينسى ما حدث له ، فانسحب بهدوء من قربه وتركه غارقاً بالتباهي كالمهتوه ،اتّجه حيث أزرق العينينِ الآخر الذي ظلَ جليساً للأرض يراقب بصمت تام.

سأله حيّن وصله :
" كيف حالكَ ؟، هل أصبتَ بمكروه ؟ "
نهضَ ينفض عنه الغبار متجاهلاً سؤاله للحظات ، نظر نحو مانكس المستمر في ثرثرته الغافل عما يدور حوله ، ثم نطق بجد دون ازاحة عينيه عنه :
" صار ينفشُ ريشه مثل الطاؤوس "
ناقده أليكس ببعض المرح :
" ماهذا التشبيه ! ، إنّه سعيد لا غير "
كلماته جذبت أنظار سيمون إليّه ليُخاطبه بجدِ :
" لما عرضت حياتكَ للخطر في سبيل إنقاذه ؟! "
صرحَ بما يشغلُ فكره وعيناه الحادتان تتفحصانِ إصابة أليكس بغرابة ، مما أثار تعجب الآخر منه فردَ بهمس محتار :
" ماهذا السؤال ! "
أجابه بجد بالغ :
" سؤال واضح ، ما السبب الذي دفعك لحمايته دون النظر لحياتك ؟! "
سكن بهدوء لما كرره عليه فراح يحدق بمانكس الواقف بعيداً والجاهل لما يدور حوله بفضل غروره ، فتناهى لسمعه همس مَنْ يقف يمينه :
" ألن تجيب ؟ "
نظر لسائله ليجيبه بهدوء رغم تعجبه منه :
" لا أملك جواباً محدداً فليس من الممكن مراقبة أحد سيُقتل دون تحريك ساكن "
صمت قليلاً ليتمَ بجد :
" أمّا إنْ كنتَ تعملُ بالأسباب فهو صديقي ويستحيل عليّ تركه يُقتل ببساطة "
ثار في دواخله بشدة لإجابته الأخيرة فأشاح بوجهه عنه ناطقاً بانزعاج :
" هذا هراء "
زاد تحيّره منه و ذلك لم يمنع الانزعاج أنْ يصيبه فقال :
" وما الهراء في كلامي ؟ !"
أجابه بحدة :
" كل ما قلته ، صديقك ومخاطرتك بنفسك وكل هذا غير منطقي أبداً "
فهمَ من قوله أمراً وأدرك شيئاً غير واضح في سيمون حاد الطبع ،ظلَ لثواني متفكراً في أمره ثم تبسّم ليتكلم بمرح محاولاً استفزازه:
"ومنْ أنقذني قبل قليل ولم يُبالي لنفسه ؟!"
تملكه غضب جامح لاستفزاز أليكس له ،فرماه بنظراتِ ساخطة وبالكاد كتم غضبه كي لا يصبه فوق رأسه ، هنا انتبه مانكس لهما بعد فراغه مما كان فيه ، أقبل إليّهما بعجل للمحِه تعابير سيمون الغاضبة ، سأله عن سبب غضبه فتجاهله تماماً مبعداً وجهه بتعجرف.
يئس منه فأقبل لأليكس مستفسراً :
" مابه سيمون ؟ ، يبدو غاضباً على غير العادة ، ما الذي دار بينكما الآن ؟ بل ماذا فعلت له ليُصبح بهذا الشكل المرعب !"
حوّل سيمون أنظاره المستاءة إليّهما بقوله بينما أجابه أليكس بهدوء :
" لاشيء يُذكر"
لم يقتنع برده فألّحَ عليه بكثرة حتى سئم أليكس من إصراره المزعج فتمتم بضجر:
" حسناً "
ثمّ نظر لسيمون المربع ذراعيه و وأضح أنّه يحبس غضبه بصعوبة ، ابتسم تلقائياً لمنظره مما جعله يرمقه بحدة أكثر ، بعدها أعاد ناظريه لمانكس الذي سيموت من الفضول لينطق ببتسامة مرحة :
" كل ما في الأمر أنّي أثنيتُ على مجهوده الذي بذله في القتال ، لكن لا أدري لما صار غاضباً هكذا فربما هو يكره المدح! "
صمت قليلاً يكتم ضحكة تكادُ تُفلت منه لسبب يجهله ، ثم أتبعَ وقد تعلقت عيناه بالمتوشح بالسواد اللآجم لغضبه بصمته المريب :
" أو ربما أنّه مزاجي كالديّك ! "
اتقدت نيران الغضب داخله بشدة حيّن سمع التشبيه الذي شبّه به ، بينما حبطت معنويات مانكس وكسته الخيبه فتمتم بعدم تصديق :
" هذا فقط ! "
رد بثقة :
" أجل "
تكلم بتعجب بعد أنْ رفع من همته قليلاً :
" أمره عجيب حقاً! ، لكنكَ صدقت بوصفه كالديّك فهو مزاجي مثله "
وبدأ يضحك بعدها متجاهلاً حجم الغضب الذي خلّفته كلماته فيمن يقف وراءه ، والذي فقد صبره وسمح لغضبه بالتدفق فصرخَ بسخط كبير :
" هذا يكفي "
توقف مانكس عن ضحكه مرعوباً منه ، عكس أليكس الذي بقيّ مبتسماً ولا يهمه ما سيحدث لهما بعد أنْ جرّداه من هدوئه المعتاد.
فجأة استقبلَ سمعهم صوت كين القلق :
" ما الأمر ياسيمون صوتك ملأ المكان كله! "
التفت سيمون من فوره ليلمحه يُقبل إليهم بفرسه وملامحه كساها القلق ، هدأ تماماً برؤيته لكين وكل غضبه زال في لحظة ، مزاجي كما وُصِفَ بالفعل! .
هما أيضاً تغيّر حالهما إلي لهفة بعودة كين فتقدما نحوه متفقدينِ أمره وسبب تأخره ،بل إلي أيّن ذهب أساساً! ،طمئنهما بقوله:
" لا تقلقا تأخرت قليلاً في إحدى القرى المجاورة "
ثم سأل بقلق :
" مالذي حدث بغيابي ؟ "
أخبره مانكس سريعاً من فرط حماسه ليزهلَ كين حيّن علم تقبل القلادة لمانكس ، فسأل بدهشة ليؤكد الأمر :
" أحقاً استجابت لكَ !"
أيده أليكس بهدوء :
" أجل لقد حدث ذلك "
نظر لأليكس عندما أجابه لينتابه شعور يكاد يجزم بصدقه ، حدث نفسه :
" لا شك بذلك ، هو من له الفضل في تحرر طاقة القلادة الخاصة بمانكس "
بعدها أرسل بصره لسيمون المبتعد عنهم قليلاً ، فخاطبه بابتسامته المعهودة :
" بقيّ دوركَ في ذلك "
أشاح سيمون بوجهه بعيداً كعادته عندما لا يُعجبه الأمر ، فتبسّم كين لفعله المتوقع له وأعاد ناظريه لرفيقيه ليُبصر إصابة أليكس التي لم يلحظها إلا الآن ، اعتراه القلق فنطق بما فيه:
" أنتَ مُصاب!"
انتبه أليكس لكتفه لكونه نسيّ أمره تماماً فأجابه بهدوء:
" أمر بسيط لا غير "
ناقده كين بجديه تحتوي القلق والاهتمام داخلها بعد أنْ تلمّس موضع الجرح بيده :
" أنا الطبيب هنا وأنا من يُقرر إن كان أمراً بسيط أم لا "





في ظُلمة أخفت كل مَعلم من شدتها ـ تردد حسيس همس ضعيف احتوته الخباثة :
" جرتْ الأمور خلاف ماتوقعته لكن لا بأس ، هم مازالوا حديثي الولادة ، الكثير ينتظرهم مني "
صمت الصوت لبرهة ثمّ علا قليلاً :
بقيّ وأحد ، سنرى إنْ كان سيُفلح هو أيضاً !"
وأتبع بخبث شديد وكأنّه يملك زمام الأمور :
" كم هذا مُمتع !، ممتع جداً
"



يُتبع ..




[/ALIGN][/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN] -


التعديل الأخير تم بواسطة Mārionēttē ; 11-15-2019 الساعة 03:41 PM
رد مع اقتباس