عرض مشاركة واحدة
  #73  
قديم 07-03-2019, 12:59 AM
 
[TABLETEXT="width:886px;background-image:url('https://5.top4top.net/p_1279mhu9q2.png');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]





[11]#
-COINSIDENCE , COST ?!-2-

\
EVERY THING IN THIS WORLD,
NO MATTER WHAT IT IS . . IS A KAY
TO LEAD FOR SOMETHING
. . IT COULD BE AN
ANSWER
OR IT COULD BE . . ANOTHER PAZZLE


-
( لَم يَعُد هُنَاك مَجَال للهُروبْ ! )



هل بَدَوت سيِّئة عندما نطقت بتلك الكلمات ؟ نظرتُ إليها ، كانَ تَطلُّعي مُنطَفئ ،قلت بلكنة مبهمة ،
( ماذا لو أختفوا ؟ ..ما الذي ستفعلينه .. ؟ )
لِما حتّى أتفوّه بهذه العبارة أمام طفلة لا تفقه رعب العالم ! لقد شعرت وقتها كما لو أني انقسمت إلى شخصية مغايرة .. !
لكنها سرعان ما باغتتني بإجابتها ، قبل أن يكتمل نداء ضميري ، تِلك العيون فيها قَد هُيِّأت لي فاقدة لِنضَارَة الحياة .


( أنا من تريد الإختفاء ، كاي ! )

أشحت إلى جانب ، ثم سألتها وأنا أحدّق في عيونها التي لم تلائِم عُمرَها، كانت جالسة أمامي وتفصل بيننا مسافة ضئيلة،
عدا أني كنت أنظر إليها مِن الأسفل لصِغَر حجمها .


( لما تتفوهين ذلك ؟ أنتِ مازلتِ صغيرة ، أمامك سنوات طويلة لتعيشينها إلى المستقبل ،
حينها لن يزعجك أمر كالمضايَقات التي تتعرضين لها .. )


قاطعتني بسرعة :
( كِذبة ! )

و أخفضت رأسها ، ليتغيّر صوتها إلى شيءٍ مِن البؤس ،
( إنها عبارات تقومون بتلفيقها لأجل التخفيف عنّا ، ولكنها ليست الحقيقة دائماً، لا .. إنها ليست الحقيقة إطلاقاً )
( أنتِ لا تستطيعين إثبات ذلك ، ما من أحد يكذب بشأن مستقبل لا يعرفه ، نحن ببساطة نتطلّع للجانب المشرق منه ،
ويجب علينا الإيمان بأننا سنحصل عليه ، عليكِ فعل ذلك إيمي ! )

عقدت حاجبيها الإشقران وأخذت بالشرود ،
( هكذا قال أبي ، وهكذا قالت أمي ، لا أتذكر الكثير لكن كنت على السرير آنذاك حين علمت بطريقة ما أني بلا ساق ،
لقد أخبروني أنها ليست النهاية ، غداً سيكون أفضل وسأحصل على ساق وأتمكن من المشي .. )


ثم هبط عليها جناح من الحزن وجاء صوتها متقطّعاً
( رغم ذلك ، عدت إلى المدرسة .. وبدل أن أحظى بصداقات أصبح الأطفال يتنمرون علي عندما شاهدوا ساقي..
لقد بدأو بالضحك والسخرية ، ورموا عليها الحجارة ، وحاولوا ألقاء المقاعد عليها عندما يخرج المعلم من الفصل .. )


كانت نبرتها الطفولية المتحرشجة تنساب إلى أذناي بوضوح شديد بسبب هدوء أرجاء المنزل ،
وقد خمّنت عندما نظرتُ إلى الصّور أنهم لم يرزقوا بأطفال سواها ، ولكن ، لما فجأة أتذكر نفسي ؟ يالي من مُضحِكة بائسَة !
فكيف أضع حياتي في كفّة وأوازيها بكفّة حياة هذه الطفلة ؟
هي ليست من المفترض أن تتعرّض لذلك الوقت القاسي والعصيب ، ولكنها لازالت تحظى بحياة أفضل .. !
لم أجبها لبعض الوقت ، فقد كان كلامهاً يحمل جزء من المنطقية بالنسبة لي ، فماهي سوداوية العالم في منظورنا.. ؟،
ليست سوى من أحكام المجتمع التي تجعلنا نرتشف علقم الحياة .. !


قالت إيمي ( هم ينادونني بالآلة ، والكبار هناك لا يغضبون منهم، و والداي يعانيان من وقت عصيب بسبب هذا ،
أنا لست سوى مصدر للمتاعب ، لو لم أكن موجودة ... )

ورفعت ذلك الحزن الخائر على عيونها البراقة ، تردّد صوتها برجاء ( هلّا ساعدتني كاي ! أنتِ أول شخص يكون لطيف معي ! )

تأمّلتها بعدم حيلة واضطراب
( هل تخفين عن والديك حقيقة تعرّضك للتنمّر دائماً ؟)

صمتت عن الرد .. ! ولكن تعابيرها كانت كفيلة أن تكشف لي ما يفسّره عقلها الصغير .. !

أمسكت بكتفاها النحيلان ،
( إيمي .. أنتِ لستِ عبأ عليهم .. )

ولمست وجنتها ثم مسحت على شعرها اللامع ،
( أنتِ يجب أن تكوني أقوى ، لأجلك ولأجل والديكِ ، إن بقيتِ ضعيفة وسمحتِ لهم بالسخرية منك ،
فلن يتغير شيء وسوف تبقين على هذا الحال دون تغيير ، إيمي أنتِ طفلة جميلة وذكية ، لا تسمحي لهم بأذيتك ،
لا تسمحي لأي أحد بذلك ، أنا أعلم أنكِ قادرة على إيقافهم ولكنك لا ترغبين بإفتعال المشاكل وإيصالها لوالديكِ ،
أنتِ تخشين أن يتأذوّا لكنكِ لا تخشين على نفسك بالقدر الكافي ،
إيمي .. )

وكأنّي بي لاحظت إنعكاس يتوهّج ويمتزج في ذهبية أحداقها المستديرة ، حتى حادثت أناتي الداخلية ،
كيف لهذه العيون أن يتلوّث صفائها بعروقٍ مٍن الحزن ؟
حتى خَبَّئَتْ رأسها في حجري ، تراءى لي نغمٌ من أنينها الطفوليّ ، أحطتها بذراعي .
بذلت ما أملك من دفء معي أن يصل إليها ويخفف عنها ، رغم أن هيكلي لم يلامس الدفء لحظة من اللحظات التي تتكدّس
في أركان ذاكرتي ولكني حاولت إيجاده لأجلها ، وخلقه من إحساس التعاطف و الأسى الذي وُلِدَ فيني .. !
وكأنَّ بي احسست بوقوف مجهول خلف أحد الحوائط التي تقبع خارج الغرفة ، وإنصاته الضئيل ، وربما إختناقه بالحزن ،
ثم خطى مغادرته .
رفعت رأسها لأكشف عن بياض عينيها الأحمر ، ووجنتاها الزهريتان اللتان أصبحتا طريقٍ لخطٍ من الدموع .

حاولت إلهائها ببعض الأحاديث وتسليّتها ،


( هل أخبرك عن سرٍ كبير لم يعرفه أحد قط ؟ )

شاهدت أهدابها المبلّلة تطرف بتساؤل ،
( سر كبير ؟ )
لاحت البسمة على شفتاي ، واقتربت من أذنها الصغيرة لأهمس ، وهي بدت منصتةً مطيعة لي .

( أنا لست من هنا ، لقد جئت من مكان بعيد جداً .. )
تسائلت بعفويّة ( هل تعنين أنك لست من الأرض ؟ )

وضعت كفي تحت ذقني واصطنعت التفكير وعلى ثغري ذات الإبتسامه
( ليس من خارج الأرض ولكن ، ... من مكان لا يشبه ما في الأرض ! )

أغمضت عيناي هنيئةً وسحبت نفس كاد لا يسمع ،ثم فتحتها ورفعت ذراعي حيث أشرت إلى النافذة المعلّقة ،
( هناك في مكان بعيد جداً ، منطقة كبيرة ولكنها مخفية عن الجميع ، حيث توجد حيطان هائلة في الإرتفاع
وغرف بيضاء مليئة بأجهزة إلكترونيّة ، وأنا كنت في أحدى تلك الغرف ..)


وبدت أنها تنصت بفضول طريف أثار بسمتي ، أكملت حتى شعرت أني أقص حكاية من حكايات الاساطير ، عن
بطل خارق وُلِد من إحدى كواكب المجرّة !


( ذلك المكان يشبه قلعة باسقة ، فيها العديد من الأشياء وجميع من يسكنون بداخلها يملكون أطراف اصطناعية )

فرهت فاهها بدهشة ولمعت عيونها، قالت بإندفاع
( وماذا ايضاً ؟ )

( يوجد أيضاً اسطوانات طويلة ملونه ، أولئك الأشخاص يعومون بداخلها ! )

كان من الصعب فهم آخر عبارة مِن ما سمعته ،
( هل هم فضائيون ؟ )

( لا أنهم بشر مثلنا ، ولكن مختلفون قليلاً )
( ولماذا كنتِ هناك ؟ )


( استيقظت فجأة و وجدت نفسي هناك)

ثم اقتربت منها وقلت بصوت منخفض ،
( ولكني هربت )
قالت بإندهاش
( هربتِ ؟ )

( أجل ، لأنهم يقومون بأمور سيئة ، سيئة جداً .. )
( هل يتنمرون على بعضهم ؟ )


نظرت لها بغتة ثم ضحكت قليلاً على براءة تفكيرها،
( ليس تماماً ، ولكنهم حقاً ليسوا أشخاص جيدين ، لذلك أنا لم استطع البقاء معهم ، لأني لست سيئة مثلهم )

ثم حل الصمت ، وكانت تتأمّل فيني و تعيد القصة في رأسها عدة مرات ،ثم تحاول تركيبها على هيئتي،

أردفت بإبتسامه باردة ،
( أنا ايضاً أملك أجزاء اصطناعية ، ولكنها غير مرئية )
وللمرة الثانية فرغت فاهها ولكن بدهشة أكبر ، حيث وضعت كفها بجانب شفتاها وصاحت بهمس كأنها تذكر أمراً يدعو للخطر ،

( لا تكذبي علي كاي ! )
( أنا لا أكذب ، صدقيني )


ثم امسكت بيدها وقربتها مني ووضعتها على جهة من ظهري
( أنها تختبئ بالداخل ، وهي تزعجني في أغلب الأوقات )

توردت وجنتاها و قالت ،
( ولكن ذلك جيد لك، حتى لا يتمكن أحد من رؤيتها وينادونك بالآلة )

ابتسمت مشيحة رأسي
( ولكنهم كانوا يقومون بذلك ، بل كانو يتعاملون معي كقطعة آليّة دون رحمة )
ثم ألتفتُّ لها
( لذلك نحن متشابهتان بطريقة ما ، حتّى أني لا أملك أًصدقاء ، مثلك )
وابتسمت لها برقة وهي كانت بأوج إندماجها ،

( ما رأيكِ أن نكون أصدقاء ! )

بقيت صامته دون حديث وكأن دهشتها أحجمتها عن الكلام
حتى سمعتها تردد بصوت خفيض وعيون متسمرة ناحيتي ،

( أصدقاء .... )

هززت رأسي .
ولم تمضي ثانيتين ليشرق ثغرها عن ضحكة واسعة ، وشاهدت كيف يأسرها المرح لأول مرة .. !
وكم كنت مسرورة برؤيتها على تلك الطليعة .

( أجل ، موافقة ، نحن أصدقاء ! )
وارتمت في أحضاني مبتهجة .. !

( كاي أول صديقة أحظى بها ! أنا سعيدة ! )

بادلتها العناق وألحقت سرورها بإبتسامه عميقة ، نبعت من قلبي لأول مرة ، شعرت بشيء من المرح لم يخالجني من قبل .
هل ما فعلته كان الخيار الصائب يا ترى ؟
فردت أصبعي الصغير ناحيتها وقلت

( لنقطع وعداً أن لا نشعر بالضعف ابداً ما دمنا أصدقاء ، وأن نبقي أسرارنا مخفية عن الجميع )
أومأت وهي تبتسم وعقدت اصبعها معي ،
( وعد ! )

أنا أيضاً لا أملك أصدقاء .. ؟" حلّقت العبارة في أصداء فكري ، تذوقت طعم لاذع يتسرّب في معبر حلقي
فأنا أتذكر بدقّة مجموع العبارات التي أتحدث بها في يومٍ كامل ، منذ بدايته وحتى ختامه ، لضئالة أعدادها !
ودارت الكلمة وكأنها هيّأت شكلاً من أشكال الذاكرة الغير معرّفة ، أحاول إعطائها هيئة فتتخّذ شكلاً متداخل
وكأنها مشاهد ، .. من زمنٍ ما ، لا أملك أصدقاء .. لا أملك ، هل هذه أنا أصغر بِخَمس سنين ؟
شعرٌ كسواد ليلة مظلمة،طويل يتجاوز منتصف ظهرها ، عيون عسليّة قاتمة ،
تحمل خيالاً من الأسى ، وحول ذلك الوجه ، توزّعت لِطخ الدماء !
تأرجحت عيني وهي مثبتة للأمام حين كنت أحيط إيمي بذراعاي ،
ولوهلة انتشلت الرؤى حواسيّ وتعكّرت بصيرتي في ضباب لم أفقه ميعاد وصوله !
دفعتها بسرعة وأنتشلتها من حجري وهي تراقبني مندهشة ، حينها ألصقت أصابعي بمؤخرة عنقي وضغطُّ عليه متوجعة ،
تعرّقت قليلاً !

( هل أنتِ بخير .. كاي .! ) كانت خائفة أكثرمِن قلقة !
رأيتها ترتدي رداءً مِن الغمام ، فأيقنت أني لا استطيع الرؤية جيداً ، حتى صدح سؤال سريع بالكاد ألقيته .. !
( هلّا دللتني على دورة المياه ؟! )







وصلت فرنييتا إلى بوابة سوداء أشبه بحاجز لقبو ،وقفت لبعض الوقت تحدق فيها.
كانت الأوساخ تجتمع عند الأطراف السفلية للبوابة ، وكانت الأرض عبارة عن أسفلت غير متساوي الإرتفاع .
لم تكن الإضاءة كفيلة أن تكشف معالم المكان فقد كانت قد دخلت عبر باب حديدي لمبنى تصليح مهجور ، لتتفاجئ
بعثورها على سلم يؤدي الى سرداب مخفي تحت الأرض .
كانت قبل ساعة قد وصلت إلى المقر المنشود الذي رسمته الخريطة الالكترونية التي ظهرت في نظاراتها .
لقد تواصلت مع إيزو قبل خروجها من القلعة ، حين ذكر لها أن المكان سيكون ملغماً بأفراد لن يقل عددهم عن العشرة
من اللذين بقوا أحياء ، ومن المرجح أن تتواجد مجموعة منهم لحراسة المكان .
امسكت بمقبض البوابة وسحبته ليبقى ثابتاً دون أدنى إهتزازه ، فعاودت سحبه مرة أخرى بقوة أكبر
ليهتز في مكانه ويتناثر فوقها رذاذ من الرمال . كان شعرها الأسود مرفوع للأعلى ،
وكانت ترتدي ذات الزي المنشود لأداء عمليات القتل .
سرعان ما سمعت صوت تمتمات شخصين كأنما يتسائلان عن سبب تحرّك البوابة ،
لكنها لم تبقى مستمعةً لهما بل رفعت ساقها و ضربت بباطن قدمها
على الفولاذ الأسود لتُحدِثَ هزّة أقوى أثارت حفيظة من في الداخل .
لم يمضي وقت ليتردد صوت مرتفع لأقفال ،
ثم اهتزت البوابة مرتان على التوالي لتنفتح وتتحرّك من تصلّبها .
وضعت فارنييتا يدها على مقبض سلاحها من الخلف ، ظهر وجه ذميم الخلقة ،
وعلى نصف منه ظهر وشم أخضر اللون لشكل ثعابين ملتفّة ببعضها .


جاء صوته متكاسلاً حانقاً
( من المغفّل الذي يحدث هذه الضجـ ... )

لمح وجه فانرييتا الذي ظهر كرأس دمية لا تملك التعابير .

( هاه ؟ يا طفلة .. الا تدركين ما هذا المكان ؟ .. أبتعدي قبل أن تصابي بالأذى ! )

سألت وكأنها تحادث بائعاً تعرفه منذ أعوام في متجر للخرداوات .. !
( أين رئيسكم ؟ )


رفع أحدى حاجبيه ،
( هل تلقيتِ دعوة مسبقاً إلى هنا ؟ )
( أجل .. )


أخذ يغمغم في تفكير .. ،
( غريب ، لم يخبرنا الرئيس عن وصول أحد اليوم )
ثم أدار رأسه للداخل ليظهر صوته ،
( هيه راك ! هل أخبرك الرئيس عن وصول فتاة ؟ )

تراءى الصوت الآخر مجيباً من الداخل ، ويبدو كما لو أنه واقف في الجهة الأخرى .. ،
( فتاة ؟ لم أسمعه قال أمر يخص وصول فتاة إلى هنا ، لا يتمكن أي شخص من معرفة مكان المقرّ
إلّا اللذين يعقد معهم الرئيس صفقات سريّة ، كيف تبدو ؟ وماهو أسمها ؟)


أدار الأول رأسه للخارج قائلاً بعينان ضجرتان ،
( همم ، منذ أن ولدتني أمي لم أشاهد في حياتي عينان حمراوان ، .. هيه يا طفلة ! عرّفي عن نفسك بوضوح ! )

قالت فارنيييتا
( سأعرّف عن نفسي حين أقابل الرئيس ، في الوقت الراهن دعوني أدخل )

بدا ذو الوشم على إماراته الملل ،
( كفي عن تقمّص أدوار غبيّة مجهولة وأخبرينا من أنتِ بوضوح ، في الحقيقة حتى لو كشفت عن هويتك
لن تتمكني من لقاءه بهذه السهولة ، لا أحد يتمكن من لقاء رئيسنا فقط لأنه يطلب ذلك ، هل كلامي واضح ؟ )


( واضح ، والآن دعني أدخل )

فره فاهه بشكل ضئيل كعلامة على الغرابة ، ثم ظهرت تكشيرة على وجهه وظهرت ذراعه من خلف البوابة
وكانت مغطاة بالأوشام . دفعها ضارباً بسبابته على جبهتها ، تحرك رأسها للخلف وتحركت معه خصل شعرها .


( هذا المكان ليس لِلّلعب ، غادري قبل أن يحدث مالا يحمد عقباه !)

ولكن فانرييتا أمسكت بيده وقامت بلوّها بقوّة ، ليصرخ الرجل متألماً ،
واستمرت في شدّها وكأنها عازمة على كسرها .. !


صاح بحنق
( ذراعي ! )

حتّى وجه ركلة بحذائه العسكري إلى وسطها ، التي ما أن تلقتها اندفعت للوراء
واحتكّ حذائها بالأسفلت دون أن تسقط .


( كيف تجرأين !! .. )

ظهر المدعو راك من خلف البوابة لتنفتح بشكل أكبر ما إن سمع نداء رفيقه ، كان أشد ضعف ولكنه أطول قامه ،
ورأسه محلوق بالكامل عدا منطقة في منتصفه، ويرتدي حلق فضي يتدلى من أذنه وحلق آخر في أحدى حاجبيه .


( ما الذي يجري ؟ )
كان صوته أشد لؤم من صوت زميله ووجهه لا يقل قباحة عنه .

قال صاحبه بغيض وهو ينظر لفارنييتا التي اتخذت الصمت بدل الكلام .
( هذه الفتاة فقدت عقلها ! )

نظر راك نحوها بغرابة ، قالت وهي تعدّل قامة وقوفها ،
( هذه المرة طلبت أمراً بكل لباقة ، ولكن لازال التعامل معكم مصدر للإزعاج بحق ! )

ثم نفضت زيّها عن الغبار بعد أن غمغمت ببضع كلمات .
أقترب ذو البنية الأضخم ، هازئاً ،

( منذ مدة لم يتجرأ أحد على أن يعبث معي ، هل تعرفين من أكون يا طفلة !
لقد كنت جندي سابق للقوات الحربيّة لمدة ست سنوات ، لذا محوكِ من أمامي لن يكلّف مني دقّة إصبع ! )
( أنا لا أرغب بإستخدام القوة هنا أيضاً ، فقد تتأذوا بشدة ، لذا دع الأمور تمضي بســ... )


وسرعان ما قهقه الأثنان ببلاهة وكأنهما يسمعان طرفة
قال راك ،

( أنها من صنف نادر ! )

أجابه صاحبه بموافقة رأيه وقد بانت أسنانه المتسخة الصفراء .. !

( لقد حاولت أن أكون مهذبة لكن لا فائدة معهم ، أخبرتك من قبل فلا تضيّع علي الوقت ، بالمناسبة أن الرائحة هنا نتنة للغاية !
هل يتناولون أسماك متعفنة ؟ )


حدّق الإثنان في فارنييتا التي بدت أنها تتخاطب مع أحد غير مرئي

( ما بال هذه الفتاة ، هل خرجت من مصح نفسي ؟ )
( أنا أعلم ، هاه ! )


ثم أكملت أمام أعينهم البلهاء، بل بدت مستاءة للغاية ،
(لا لن أحضر جثثهم ، سيكون عبأ علي أن أحمل عشرة جثث في وقت واحد ،
سأقوم بحرقهم ببساطة ! على أية حال أنت تملك عينة منهم )


ثم ضغطت على زرٍ خلف أذنها وأخذت تتنهد بيأس.

صاحت بدراميّة متكلّفة تفشي تعابيرها البائسة ،
( كل المهام الصعبة لي ! هذا الإيزو المتعجرف ! حتى أني لم استطع مشاركة آرثبييتو المهمة
بسبب إحضار هذا الزعيم الأحمق ! كم ذلك يزعجني !! )


كانت الوحيدة التي تتحدث من بينهم ، لدرجة أن البقية بدو بمنظر أحمق كما لو أنهم يشاهدون عرض مسرحيّ
لا يفقهون أحداثه ، حتى أمسكت سلاحها وبدأت بالتقدم ناحية البوابة .


( رجاءً لا وقت لأضيعه ، موتوا سريعاً! و ، أوه ! يا صاحب رأس الديك ! تراجع قليلاً إذا سمحت ! )

تعالى الطلق الناري في ممر البهو .
خرّ الجسد العريض على الأسفلت وتسربت من تحته الدماء .
كان راك يوجه البندقية ناحيتها ، وبدا شاحباُ، في حين تطاير دخان أبيض خفيف حولها
واستقرت أمامها أربع رصاصات ملقية .





سارت شاحنة التوصيل كبرتقالة ضخمة بسبب لونها المثير للعيان ، في خطٍ من خطوط الإزحام المروريّ .
هي تابعة لشركة معروفة تستقر في العاصمة ، و العثور على شاحنة وملابس توصيل ليس بالأمر العصيّ على رؤساء القلعة ،
اللذين يتحدون في الخفاء تحت طاولة النقاش مع الحكومة البريطانيّة التي موّلت لهم جلّ ما يحتاجونه .
رفعت روزيآن شاشة هاتفها أعلى رأسها ، ورفعت أصبعيها بعلامة نصر وهي تغمز ، ليظهر صوت الكاميرا طارقاً الصمت بين العملاء .
كانو يجلسون في القسم الخلفي ، حيث مقاعد معدودة على كلا الجانبين ،
أما السائق فهو موظف تابع لمجموعة موظفين مسؤولين عن توصيل العملاء في المهام التي تستدعي ذلك .
دانسي يراقب روزيان بإبتسامه جانبية ساخرة ،

( لستِ جميلة على الإطلاق ! )

نظرت له بعين مستشيطة ،
( شخص أبله مثلك لا يفهم معايير الجمال لا يملك الحق في الحكم أو إبداء رأيه ! )

قهقه بمرح وقال بإستهزاء ،
( أنظري كم أنزعجتِ ، الحقيقة دومأً تؤلم ، ثمَّ ما بال هذه التعابير الغبيّة ؟)

أغلقت هاتفها وألتفتت إليه بنفاذ صبر وطفوليّة
( هذه تعابير تدل على اللطافة وليست غبية ! )
( قد يكون أصلها لطيف لكنك أخرجتها بمظهر غبي ! )
( سأقتلك معهم هناك ! )


أخرج لسانه ليثير حنقها ثم أسند رأسه متأوهاً ،
( كم بقي على المسافة ؟ أشعر بالنعاس على أية حال ، الشمس بدأت بالغروب ! )

أستدارت عنه جانباً ، لتلمح الثلج الخائر على وجه آرث وهو يتطلّع في معالم الشارع دون حديث ،
حلّقت منها تحديقة تفشي حسّاً مِن الإضطراب ، أو لربما التوتّر ، هل هي متوترة حقاً ؟ واجهت نفسها بالسؤال دون تفادٍ ،
أغمضت عيناها وعصرتهما ، ثم فتحتهما ، أطلقت الإجابة في سِرّها ، إجابة عدم الخوف ،
ولو باغتها شبح الرهبة وامتد بسطوته ،وكأنّ ظلاله تستهدف إبتلاعها ، فهي ستتصدّى ذلك ،
ستجري من تلك الظلال مهما إرتفعت بغية الوصول والإمساك بها !
قليل من الهمس الذي لم يتمكن أحد من سماعه ، تحدثت به ..،

( لن يؤثر عليّ الماضي ، لم يعد موجوداً ، ليس لدي ماضي ، .. )

وظهرت نظرة آذربيان أمام وجهها ، وكلام متداخل غير مفهوم ، وجهه تحدّث دون صوت ، ولكن الصوت في رأسها يعلو ،
مِن بين عباراته .. " أتركي الماضي لتتخلّصي مِن مخاوفه ! ولكن لا تنسي .. بأنّك ... "
شيء صلب صغير ضرب وجنتها !
عادت للوعي ومشهد الحاضر ، بحثت عن مصدره بتساؤل ، لتلمح دانسي الذي كان يربض في الجهة المقابلة ،
علّا ناظريه هدوء مبهم وكأنّما كان يشاهد سهوها السابق دون أن تدري .

( هل تريدين بعض الحلوى ؟ )
( ماذا؟ )


أنزلت رأسها للأسفل ، عندما أشار لها وهو واضع ساقه فوق الأخرى ، لتشاهد قطعة الحلوى المغلّفة مرمية قرب مقعدها .
حملتها وتأمّلتها ، ثم ابتسمت وهي تفتحها .

( شكراً .. )

إنَّ الخواء الأجوَف يحيط به ، كلّما أبصر العامّة وتنقّل بين سيماه تلك الرؤوس الغير متشابهة ، الإبتسامة ، الهتاف ، ثم الضحك ،
" أراك غداً " .. ولوّح لشاب على بعد مسافة .. ! بادره الآخر بإيجاب .
نظر لهم آرث من زجاج النافذة ، بطرف عينه التي كانت تحملق في ما يحتويه الشارع ،
لولا أن كان هدفه الأوّلي رؤية السماء دون غيرها ، السمآء دون أسقف سجينة ،
كنظرة بقت هي النظرة التي لم تتغيّر في العالم الخارجيّ !
هذه التعابير على المارّة ، كالسمّ الذي يعبر شرايينه ، أنّهم مزيّفون ! هكذا حدّث أناته المخبّاة في سحيق نفسه
البشر مزيّفون ، لن يبتسموا إلّا لأجل أنفسهم ، لأنّ أنانية تسكن نفوسهم .. !
يتراود لذهنه ذلك الصراخ المرتفع ، لكن فوق تقاسيمه لا يظهر سوى الخواء مجدداً .






فتح باب مكتبه و هو يحمل شاشة الحاسب المتنقلة ! وقد وصل إلى طاولته بخطى بدت كما لو أنها تتسابق ،
وأحكم توصيل الشاشة بقابس كهربائي مِن جهاز ما أكبر حجماً ، يحتوي على عرضٍ أكثر تفصيل ،
وأنتقلت الإعدادات الموجودة في الشاشة الصغيرة إلى الجهاز الأخير ، لتعرض بيانات وأرقام ، ومستويات ونسب مئوية
وتخطيط لدماغ ثلاثي الأبعاد ،


( هي تتذكّر .. ! )

لكنه لم يكن متفاجئ ، فهو يرسم كل شيء في المستقبل كما يخطّط له ، لن يحدث أمر خارج التوّقع ، إلّا لو كان منها هي !
لأنّها دوماً ما كانت له مثيرة للعجب في ردّات فعلها الإندفاعيّة ، في عدم تفكيرها مطوّلاً وبشكل صائب ولكن عثورها على الطريق ! ،
بثنيّات دماغها التي لا تشبه الأدمغة العاديّة .. !
برز إيطار نظارته على وجهه ، إلى أيّ مدى سوف يصل بنتائجه ؟ .. عبقريّ القلعة الزجاجيّة ، أنطوان كالر !
لكنّها يجب أن لا تستذكر كل شيء ! فليست الحقائق جديرة بالعودة ، بل يجب أن تبقى مخفية في المجهول إلى الأبد .


( سأمحيه إن تطلّب الأمر . )






حاولت إلقاء رأسي على الحائط لأسنده،لكن الوجع يزداد عندما يرتفع رأسي للوراء !
حتّى بقيت مواجهة للرخام على أرضية الحمام ، إبتعدت عن الباب بعض الشيء ، لا يجب أن يخرج أنيني ، عليّ دحضه !
ولكن الأسئلة المخيفة تغزوني كمركبة فضائية ، فماهي هذه الأسباب التي تجعلني في هذا الوضع العشوائيّ المبهم !؟
وجع يعود لي في أوقات مثيرة للشكّ ، أنا لست بمعتوهة ! عقلي يستطيع تفسير زمنها ،
أنا أرى مقتطفات ليست لها علاقة بالوقت الحاليّ ، ولكنّي لا أفقه ما إن كانت حقيقيّة ،
أم من بئر كوابيسي التي أصبحت تلاحقني في الآونة الأخيرة !
مشهد لشكلٍ شبيه بيّ ، عدا بعض التفاصيل والملامح ! أيعقل أني أسترجع الذكريات ؟ ولكن لما الدماء ؟
ما الذي حدث ؟ وما الذي سيحدث ؟ .. اللعنّة ! أنه التشويش مجدداً .. !
وضعت يدي على أطراف شعري التي بالكاد تلامس كتفي ، وربما أقصر ، وكأنّي شخص مِن شخصٍ آخر !
مرّ وقت حتى استرجعت القوّة لأقف ، نظرت لإنعكاسي في المرآة ، ومسحت العرق من على وجهي
كان بياض أحداقي يكاد يٌحال للحمرَة ، فتحت الصنبور ورميت الماء البارد ليصفع وجهي ويعيد يقظتي .

خرجت من دورة المياه ، لأرى جسداً قصيراً تظل من عليه تعابير القلق الشديد !

( إيمي ، ما بكِ واقفة هكذا ؟ )
( كنت أتساءل إن كنتِ بخير حقاً ، وما إن كان ذلك بسبب أطرافك الداخلية ، لذلك خشيت أن أخبر أمي
لأنه سر بيننا ! )

لم استطع منع نفسي من التسمّر للحظات وأنا أستمع لتحليلها العجيب والبريء في الوقت نفسه ! ولكن ، وكأنّ هذه الطفلة تحمل
شيء يجعل من كلامها بعض الأحيان كحقيقة ، أطرافي الداخلية ! ضحكت بداخلي وواجهت الحيرة .

( أنا بخير إيمي ، لا تقلقي )
وابتسمت لإراحتها ، وإزاحة الخشية المتربّعة على حاجباها .

داهمنا صوت السيّدة ! لألقي النظر إلى السلالم التي أبتعدت عن موقع وقوفي بأمتار بسيطة
كان قد توقفت في منتصف العتبات وعلى محياها بسمة ودودة !


( العشاء جاهز ، رجاءً تفضّلي آنسة كاي ! وإيمي هيّا لا تنسي غسل يديكِ ! )

أومأت إيمي بإيجاب ، نزلت بهدوء لولا أنها أمسكت يدي وشدّتني بطفوليّة ومرح ، شعرت ببعض الحرج قليلاً وتوّردت وجنتاي ،
من جهة أخرى شعرت أن والدتها ودودة بشكل كبير ، ولكنّي لا أرغب بالشعور بالغرابة على مقدار لطافتها ،
لأكنّ طبيعيّة بأقصى ما أملك!
وصلنا للصالة الفسيحة لأرى رجل يهمّ بخلع معطفه ويعلّقه قرب باب الخروج ! إرتبكت لوهلة ووقفت في مكاني قرب السلّم ،
في حين أفلتت إيمي يدي التي أمسكتها بعناية ،
و ركضت بعنفوان قافزة في أحضان الرجل الذي بدا بلا شك ، أنه والدها ، تماماً كما هتفت له.

قال الرجل ناظراً لي بنوعٍ من الدهشة والترحيب في آن واحد .

( لم تخبريني أن لدينا ضيوف ! )
ابتسمت السيّدة بتلبّك ثم قالت
( أجل هذه صدفة سعدت بها حقاً ! أسمها كآي ، وقد رافقت ابنتنا إلى المنزل ، لذلك لم استطع منع نفسي من عدم استضافتها ! )
تأوّه الرجل قائلاً ( هكذا إذاً )
ثم تبسّم ناحيتي
( أنا ويليآمْ غراهامْ ، تشرّفنا ، أشكرك على توصيل ابنتي ، حقاً ، قليل من هم مثلك في هذه الأعوام ! )
وهُيِّأ لي كما لو أنه أحنى رأسه بجزء بسيط ، وشعرت بالحرج حينها و حاولت أن أبحث في رأسي على أمثل جوابٍ لقوله .
كان يملك شعر كستنائيّ اللون مصفّف بعناية ، كما لو أن مهنته تستدعي أن يكون مأنّق الهيئة ، ويملك شارب خفيف
وعندما لمحت عيونه أدركت أن إيمي ورثت لونهما من والدها .
ولكن ملابسه على النقيض من وجهه ، فرغم أنها كانت بزّة رسمية رمادية اللون ، إلّا أنها كانت متسخّة بالطين والغبار
وشعيرات صغيرة قليلة ، لدّقة ملاحظتي شككت في أنها صادرة من شعورٍ حيوانيّة ،
تسائلت ما إن كانت طبيعة عمله تستدعي وجود الحيوانات .


صرّحت بهدوء ،
( لم أفعل شيء يذكر )

عندها تذكرت أني لا زلت أرتدي قبعتي الصوفية ولم أخلعها ،
شعرت أني شخص مجهول الهويّة يقف وسط أسرة متقاربة لا يملكون خشية مِن ذكر هوياتهم .
حتى أن معطفي الشتويّ لازال يحتضنني ، خمّنت أنه من غير اللائق إبقاء القبعة على رأسي ،
كانت تعمل ببراعة في التخفيف من بروز عيناي ، لذلك تخليّت عن فكرة إزالتها ولو لبعض الوقت .
أشارت لي السيّدة غرَاهَام بالجلوس في حين سحب السيّد يد إيمي و أسندها على أحد الأرائك المتواجدة في القسم الآخر من الصالة ،
كان قد رفع طيّة من فستانها الممتلأ بطبعات الورد ، وأخذ يتفحّص ساقها الإصطناعية التي قام بمدّها على طول الأريكة .

(أخبرتني والدتكِ أنك شعرت بألم فيها ، هل تشعرين بألم الآن ؟ )
( لا ، لقد أختفى )
( هل اصطدمتِ بشيءٍ صلب وأنتِ تمشين ، أو تعثّرت .. )
( تعثّرت على الأرض بعد أن خرجت من المدرسة )

ثم أخرج نظارة مِن كم قميصه ، ما إن لمحتها وهو يهم بإرتدائها ولسببٍ ما ،استذكرت نظارات أنطوان ،
ولكنّي هذه المرة لم أسعى لمسح تذكّري بغيظٍ وإنزعاج ، وإنما فقط استرسلت في الشرود دون تنبّه .
أجتمعنا حول طاولة الطعام ، لقد أعدّت السيّدة شرائح لحم مع بطاطس مهروسة ،
وآنية كبيرة تحوي حساء تطاير منه الدخان ، وسباكتي مطبوخة على الطريقة الإيطالية . كانت رائحة التوابل الزكيّة تنبعث مِن المائدة ،
لقد وضعت السيّد غراهام طبقاً أبيض بكل بشاشة أمامي وأسندت قربه شوكة ، ملعقة وسكيناً ،
ثم قدّمت لي شريحة اللحم وسكبت فوقها الصلصة الحمراء،
وسكبت لي من عصير البرتقال في كأسي الزجاجي الرفيع الذي وضعته قرب يدي ، كما فعلت للبقية .
لأول مرة في حياتي ، أو لأكون أكثر دقة ، أول لحظة منذ يقظتي ، أحظى بهذا المشهد الدافئ الذي بدل أن يجعلني ابتسم ،
خنقني بغصّة أخمدتها في صدري وتستّرت عليها ، هذه الأجواء في طرف مغاير لطرف وجودي ،
ورأيت إيمي مبتهجة وهي تتناول الطعام بشراهة .
حتى قالت والدتها

( أنظر عزيزي ويل ، منذ فترة لم نرى عنفوان إيمي وفرحتها حول مائدة الطعام ! )
حرّكت إيمي الملعقة لبعض الوقت في طبقها وكانت وجنتاها قد توّردتا ، في حين ابتسم السيّد وأومأ رأسه ناحيتها ،
( سيكون من الجيّد أن تحظى بصداقات أكثر ! )

اهديت إيمي بسمة عندما نظرت ناحيتي بخجل ، ثم سرور ، وسرعان ما أنزلت رأسي متظاهرةً بالأكل في حرصٍ ،
لقد أقتطعت أجزاء صغيرة من اللحم وقضمتها محاولة عدم إبداء أي صوت ، وكما لو أنّي أرتديت سلوك النبلاء ،
تصوّرت لو أني لم أكن معهم لتناولت المائدة بشراهة مرعبة وقضمت اللحم بعجلة وانتهيت منه في زمنٍ قياسي ،
ثم أسرعت بشرب الحساء دون ملعقة بسبب الجوع الذي داهمني ! فعندما كنت في القلعة ،
كنت أحصل على صينيّة معدنية مقسمة بدقة ،
وكل قسم فيها يحتوي على مقدارٍ معيّن ذو طعمٍ غريب لا يحتوي على هذا الكم مِن التوابل ذات النكهة البارزة .

سألت السيّدة ( كيف كان عملك اليوم ؟ )
( كما هي العادة ، أخذت وقتاً حتى اعتدت عليه ، كما تعلمين هو بحاجة إلى جهد جسديّ متواصل )
( ولكن مادمت هناك فأنا أشعر بالأمان أكثر مِن السابق )


تسائلت أي عملٍ هذا الذي يتطلب جهد جسديّ ؟ هل يعمل في حظيرة ؟ فرغم أن شوارع إنجلترا نظيفة للغاية
إلّا أن مظهره يوحي وكأنه قادم من مزرعة في أحدى الأرياف .
ورغم أن الفضول إحتكَّ بقشرة رأسي ، إلّا أني لم أجرؤ على السؤال أو التدخّل


قالت إيمي ( ولكن في السابق كنا نحصل على الكثير من الأموال ! )
طرف السّيد غراهام بنظره ناحيتي وكأنه استذكر وجودي، ثم نظر إلى ابنته بعد أن ضحك كما لو انه يخفي أمراً ،
أو كما لو أنه لا يرغب بالحديث أمامي ، ضيفة دخلت المنزل لأول مرة وليست على علاقة معهم .

( أخبرتكِ يا إيمي ، لا تذكري لوالدكِ ذلك الأمر حتى لا أشعر بالإستياء )
نظرت السيّدة لي وضحكت بتردّد ، بعد أن لاحظت رؤيتي لتوتّر السيّد ويليام .
( هل أعجبك العشاء آنسة كاي ؟ )

أومأت لها مجيبة ، وأخفضت رأسي ، ولكن لما تقول لي ذلك ؟ لقد بدوا وكأنّهم أصيبوا بالإضطراب وحاولوا التصرّف بطبيعيّة
وكأنّ كل ملمح فوق واحدٍ منهم ، يخفي خشيةً ما ، عدا الإبنة الصغيرة ، التي بدت خائفة فجأة !
أكملنا الطعام بهدوء ، وبضعة أحاديث قصيرة بين الزوجين عن أخبار محليّة وأخرى خارجيّة .
حتى وضعت الشوكة على الطاولة بلباقة وهدوء ودفعت الكرسي لأنهض .


( شكراً على ضيافتكم اللطيفة ، وشكراً على استضافتي لتناول وجبة العشاء معكم سيّدة غراهام ! عليّ الإنصراف الآن )
وقفت السيّدة متداركة بعد أن نظرت لساعة الحائط ، حيث أشار عقربها إلى الساعة الثامنة مساءً

( أوه ، الوقت مضى سريعاً بالفعل ! آه أعتذر ، لأقلّك إلى الباب الأمامي رجاءً !)
ثم أسرعت بإرتداء معطفها الذي ما أن رأيته ، شعرت وكأنه محاك يدويّاً مِن قبل جدّة طاعنة في السن .

ودّعت السيّدة والسّيد غراهام ، عانقت إيمي التي كانت تخاطبني بحزن
( عودي مرة أخرى ، كآي ! حينها سنلعب معاً في الخيمة وسأدعوك لحفلة الشاي لعائلة السيّد سيِغودرو !)
( السيّد سيغودرو ؟)

ضحكت السيّدة
( إنه اسم أكبر دبٍ تملكه )
تأوّهت بإيجاب ، ونظرت لإيمي لأهديها آخر بسمة ثم قطعت لها وعداً زائفاً بعودتي ، عذراً إيمي ، فليس لصالحك أن تقابلني دوماً ،
وقد تكون آخر مرّة ، بل هي بالفعل ، ولكنه كان لقاء لطيف أخرجني من ذلك الوقت العصيب الذي يلاحقني ،
ولو لساعات ضئيلة شعرت فيها أنّي شخص طبيعيّ كأي بشريّ من عامّة الناس،
ولكن لأسبابٍ دفينة ، شعور اللا إنتماء يسري بداخلي .

خطوت بحذائي الجلدي ، تضاربت دقات المشي بنغم العودة إلى الليل المرافق لوحدتي ،
طرفت للاعلى فرأيت السماء تخلو مِن بريق نجمة واحدة لعلّها تنير مِن ظلمتها جزءً ! كنت أمشي على ذات الرصيف لمنزلهم ،
حتى سطعت أمامي بغتةً أضواء بيضاء ، وضعت يدي مغطيةً عيناي وتجاوزتني الأضواء ثم تلاشت بسرعة .

هل كانت ست دقائق مِن إبتعادي ؟ .. ليتداخل في أذني مع صوتِ رياح الشتاء ، طلق أسلحة !






في عام 2010
وفي زمنِ مِن الأزمان ، حكاية تبدأ ، مِن حكوى أحد الأشخاص المجهولين ، شخص وكأنه جاء من بعدٍ زمانيّ بعيدٍ عن البشر .
عن منزلٍ صغير ، يقبع في حيّ هادئ ترفرف حول أشجاره عصافير الصباح .
وتشرق الشمس فوقه حتى تغدو متسائلاً لنفسك حين تراها ، أيعقل أن يسطع شعاعها بهذا الحجم ؟
وهناك تعيش أسرة صغيرة ، لكنها متآلفة ، حيث طفلة تتحرّك في أرجاء المنزل دون إستراحة ،
وزوجة تقوم بالإعتناء بالإزهار على الدوام وتقليم أوراق نباتاتها في حديقة خلفية ،
وزوج يحتكر حيطان مكتبه ، ويقوم بأعمالٍ ما دون أن يكشفها لأحد .
ومِن ذلك الممر ، تتحرّك عقارب ساعة الحائط .. ، هرولت الطفلة في الأرجاء وهي ترفع طائرة بلاستيكيّة في الهواء .
الدّقات رتيبة ، الساعة التاسعة والفقد ، بداية الصفر .








،،


... TO BE CONTINUED










[/ALIGN][/CELL][/TABLETEXT]
رد مع اقتباس