عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 07-09-2019, 08:24 AM
 
ذهبي L3



[align=center][tabletext="width:900px;background-image:url('https://6.top4top.net/p_1280fwav91.png');"][cell="filter:;"][align=center]

[/align][/cell][/tabletext][/align]
[align=center][tabletext="width:900px;background-image:url('https://6.top4top.net/p_1280fwav91.png');"][cell="filter:;"][align=center]







مرة أخرى. في نفس الغرفة الرطبة ونفس السماء التي رأيتها قبل قليل. نفس الخطوات إلى الخارج، نفس المكان الذي وقفت فيه أراقب فيه طفلا صغيرا يموت.

لكن هذه المرة، يجثو أبويه على ركبهم صامتين، أمام جثّة ولدهم. يحدقون فيها بلا تعابير، بلا شعور، بلا حياة.
لا أعلم ما عليّ فعله، أشعر بالأسى تجاهم لكن عندما أنظر إلى هؤلاء الناس أشعر بأن العالم هو من يشعر بالأسى تجاهي.
أردت العودة والنظر إلى داخل القبو، من هناك؟
ما حقيقة هذا المكان؟ كلما فكرت في الموضوع أكثر كلما كثرت أسئلتي. ربما لا يجب علي معرفة كل شيء، ربما العرفة ليست ضرورية. ربما علي أن أنصت إلى صوت العدالة التي في رأسي، رغم أني لا أعرف ماذا تعني العدالة هنا.
العدالة أمر معقد، في كل زمن وكل حقبة يتغير الناس ولكن مفهوم العدالة لا يتغير. من هو أحق بهذه العدالة؟ ومن يحق له تنفيذها؟
أنا ميت، وسأعود عندما أموت، عكس ذلك الطفل الصغير.
ربما يجب على تحقيقها الآن، وأغض عقلي عن الحقيقة. في حياتي كلها لم أر للعدالة وجود، ربما كانت مجرد شعور.. والآن علي تجربته.
مشيت كثيرا حول هذه القرية البائسة، جميع الناس متشابهون، جميعهم فاقدي الحس والروح، كأنهم أموات.
حتى لحظت ذلك الشخص ذو العباءة البيضاء مرة أخرى. عندما مت قتلت بنفس الطريقة التي قتل فيها الفتى، بالنحر. لم يكن نفس الشخص فقد رأيته ينزل لأسفل، أم أنه شعر فيّ وخدعني؟
ذلك الشخص كان يمشي هائما بلا هدف، كأنه شبح يحوم.

حافظت على طول المسافة التي بيننا حتى لا يلحظني، شعرت بالغضب وأنا أراقبه، أريد أن أعرف ماذا يكون.
لم يكن هنالك أحد خارج بيته عدا القليل، كانت البيوت كثيرة ومتكدسّة، والممرات ضيقة، كأنهم يعيشون في بقايا حضارة ما، شعرت بأنهم هوامش لا يعتقدون بأن لهم قيمة.
راقبت الرجل لساعتين، كان يمشي وينظر حوله، ثم يجلس، ثم يقف ويهيم مرة أخرى.
كان غريبا، شعرت أنه آلة بلا أوامر. تتبّعته حتى وصل لنفس القبو الذي قتلت فيه، شعرت بالرعب من رؤيتي.
نزل لأسفل القبو، لكن هذه المرة لن أقترب، يجب أن أبقى هنا مختبئة فترة أطول. جميع الأبنية محشورة ببعضها، لهذا كان الاختباء سهلًا. رأيت عدة منهم، نفس اللباس، حفاة، في عباءاتهم الدماء.
استنتجت بأنهم يفعلون نفس الشيء، لكن لم؟
قررت التجول في القرية حتى أرى لو كان قد حصل مرة أخرى، ما رأيته كان كارثيا. رأيت شخصا مذبوحا في الأرض، وحوله إنسان آخر جالسا يتأمل.
رأيت هذا المنظر عدة مرات اليوم. أرى ولا أصدق.
مرّت ليلة كاملة، ولقد فهمت جزءا مما يحدث. أصحاب العباءات البيضاء يبدون مثل طائفة ما، يستحلّون القتل لسبب أجهله. أولئك القرويون يبدون مؤمنين، لسبب أجهله أيضا.
رعبت أن أسأل أمام رجل جالس أمام جثة طفلته الصغيرة، رعبت أن يتسبب جهلي في الموت مرة أخرى.
"لِمَ؟" بصوتي المنخفض الذي يتضاءل مع صوت المطر.
كانت أعينه مغلقة، يبدو ساكنا، يبدو أنه يشعر بالسكينة. كان هادئا وقد استغربت ذلك، ألا تحزنه خسارة ابنته؟ ألا تزعزع استقراره هذه الحقيقة؟
كنت واقفا أفكر في حدوث هذه الفظاعة، ما الذي تغير في الإنسان حتى لا يجزع؟
عندما هممت بالرحيل وتركه في حال سبيله، وقبل أن أخطو خطوة للعودة سمعته يقول : "لأنها اُختيرت لتمثّل مستقبلنا."
"أي مستقبل؟"
عندما سألته، نظر إلي بتعجب كبير، لم أفهم ما الذي يتحدث عنه وهذا الشيء قد أدهشه.
"ما الذي تقصدينه بأي مستقبل؟" صمت قليلا يتفكر في هويتي، ثم صرخ : "كيف لا تعرفين ماهو المستقبل!!!!!"
شعرت بالتردد من مجاراته وابتعدت بضعة خطوات للوراء، لكنني لم أرد الهروب، "أنا لست من هنا!" صرخت بردّي.
وقف على رجليه بعدما كان يجثو على ركبتيه، تقدم قليلا نحو ثم قال "كيف دخلت؟"
رفعت حاجبيّ وتوسعت عيناي قليلا نظرا لاستغرابي من سؤاله، وقبل أن أقول كلمة واحدة قال : "كيف يبدو..."
"عم تسأل؟"
"المستقبل"
"أي م.."
"المستقبل...."
"ماهو المستقبل؟"
"المدينة التي خارج الأسوار"
"لم أر أي سور هنا"
"تلك الأقراص"
"أقراص..؟"
"....انظر لأطراف القرية"
رفعت رأسي لأعلى، لكن تلك المباني العالية كانت تغطي المدى. مشيت كي أرى، ورأيت قرصا معلقا في السماء، لا يتحرك.
"ماهذا الشيء؟"
"عندما تعبرين خلال الحدود، تلك الأشياء تقوم بقتلك بأمر من الدائرة."
"ماهي الدائرة؟"
"هم الذين يرسلوننا للمستقبل عندما يرون أننا مناسبين، كما حدث مع ابنتي. لقد كانت ذكية لا بد أن المستقبل يحتاجها."
"اه، لقد فهمت!، يبدو هذا جيدا!"
"نعم! سوف ألحق بها قريبا عندما يختارونني أيضا. أنا فخور فيها."
ابتسمت قليلا ثم سألته بتردد "سؤال أخير..؟ ما الذي كنت تفعله عندما كنت جالسا أمامها؟"
"كنت أصلي، نحن نؤمر بالصلاة على من يذهب للمستقبل."
"وما الذي تقوله عندما تصلي؟"

"لا شيء، نصمت فقط."
ظل يحدق في الأرض بنظرات اليأس التي تعتلي وجهه، كنت أعرف أن لا أحد يصدق هذا الهراء.
لكن كان علي مجاراته وجعله يعتقد بأني أصدقه. لم يقل شيئا بعد ذلك لهذا رحلت بخطوات بطيئة. ظللت أنظر ورائي إليه عندما كنت أمشي، لم يتحرك. كان بلا ملامح، بلا روح. كأنها انتزعت منهم.
ذهبت لحدود تلك القرية واكتشفت بأن ما قاله صحيح، هنالك مدينة كبيرة في الأفق.. يسمونها المستقبل.
لأنهم يعتقدون بأنها أصبحت بهذه الروعة بسبب جهود من قُتل منهم، لأنهم أُرسلوا هناك للعمل والحياة.
شعرت بالظلام يجتاحني أيضا، سألت كثيرا وعرفت الكثير. واستنتجت بأنها حكومة مستبدة وسادية، تحبس الناس هنا منذ أن خلقوا وتجعلهم يؤمنون بسبب لوجودهم، وموتهم حتى لا يشقون فيهم.
هذا العالم قبيح.
لا أحد هنا يصدق بأنهم يعيشون خدعة ما، وتلك الأقراص في السماء يتحكم بها أولئك القتلة أصحاب العباءات البيضاء.
لقد كان عددهم محدودا، ويجتمعون في ذلك القبو مرّة واحدة في الشهر. لم يرو وجوه بعضهم أبدا، فهم يغطونها دائما، لا يتحدثون مع بعضهم أبدا، وجميعهم لديهم دائرة حمراء في ظهر العباءة.. عدا شخص واحد.
ذلك الشخص يمتلك دائرتين، وفي كل مرة يجتمعون فيها يقوم بنحر ضحيّة أمامهم كنوع من التقاليد.
جميع الدائرة تفعل بالضبط ما يأمر به الدائرتين، يفعلون كل ما يفعله.

لا أحد يعترض من العامة، لأنهم يموتون بسرعة. عندما يموت أحد أقربائك هذا يعني بأن يومك قد اقترب، لم يعد أحد يشعر بشيء هنا. كل معالم الإنسانية لا توجد هنا.
الدائرة كانوا بسطاء بلا أسلحة عدا تلك السكاكين، كانوا آمنين ولا يشعرون بالخوف من انقلاب باقي الناس لهم لأن هذا يعني بأن كل تلك الأقراص المعلقة في السماء ستنهي معالم وجودهم هنا. لكن ألا يعني هذا بأنهم يرغبون في الوجود؟ ألا يعني بأن مشاعرهم ما زالت حيّة وباقية؟
لقد سئمت المعرفة، وعندما تذكرت بأني راحل توقفت عن البحث عن إجابات.
في إحدى ليال تجمعهم، عرفت آلية عمل تلك الأقراص، فهي مزروعة في إرادة كل شخص من تلك الطائفة. عندما يموتون جميعا، تسقط تلك الأقراص. لقد رأيت ذلك عندما انتحر أحدهم، وجدته في ممرّ ضيق بالصدفة، ولاحظت سقوط أحد الأقراص، لهذا استنتجت ذلك.
ومنذ ذلك اليوم عرفت ما يجب علي فعله.
عندما مات أخذت عباءته وخبأت جثّته عندما استأمنت الشارع، وتأكدت بأن لا أحد يراني.
هكذا عرفت كل تلك المعلومات عنهم، عندما أصبحت واحدا منهم.
لم أرد أن أعرف المزيد أبدا. لم أكن جائعا إلا للرحيل.
دائرة، ودائرتين.
وكل ما احتجت لعمله هو قتل صاحب الدائرتين، والظهور في اجتماعهم الشهري بعباءته ونحر رقبتي أمامهم جميعا.
لا أعلم ما الذي حصل بعد ذلك، لأني رحلت.

[/align][/cell][/tabletext][/align]
__________________



التعديل الأخير تم بواسطة Aŋg¡ŋąŀ ; 07-09-2019 الساعة 01:45 PM
رد مع اقتباس