عيون العرب - ملتقى العالم العربي

عيون العرب - ملتقى العالم العربي (https://www.3rbseyes.com/)
-   أرشيف القسم الإسلامي 2005-2016 (https://www.3rbseyes.com/forum51/)
-   -   الموت (كلام جدا جميل ) منقوول (https://www.3rbseyes.com/t128722.html)

ammar rajeh 09-14-2009 02:55 PM

الموت (كلام جدا جميل ) منقوول
 
منذ صباي وأنا تشغلني قضيةُ الموت، وكيف ينقطع وجودُ الإنسان من هذه الدنيا المفعمة بالنشوة والحياة، وكيف يترك الإنسانُ الدنيا كأنه لم يكن فيها يومًا من الأيام.

وكنت - ولم أزل - أتأثَّر بموت بعض الناس فجأة، أو بموت بعض الشباب، ما لا أتأثر بموت رجلٍ طريح الفراش لسنوات أو لأشهر، أو موت شيخ طاعن في السن قد عاش في الدنيا حتى ملَّها وملَّه أهلُها، مع أن بليَّة الموت هي بلية بالنسبة للجميع.

ذات يوم ك
نتُ دالفًا إلى مستشفى (الدمرداش) بالقاهرة، فاسترعى انتباهي خروجُ جنازة منها، وإذا أنا بشابٍّ ممن يشيعون الجنازة وهو يصرخ بأعلى صوته - بلهجتنا المصرية العامية - مخاطبًا الميتَ: (ردَّ عليَّ يَلَهْ! يَلَهْ كلمني يَلَهْ!)، أدركتُ أن الميت غلام أو شاب في مقتبل عمره، وأنه مات فجأة، وأن هذا الشاب الصارخ غيرُ مصدِّقٍ موته، وغير مستوعب له؛ إن حالة هذا الشاب لتحكي حالتي في بعض الأحيان، حيث ينتابني هذا الإحساسُ بعدم تصديق موت الميت، وعدم استيعابي لمفارقته.

كثيرًا ما كان يحيِّرني استمرارُ الدنيا بصخبها وفرحها وملهياتها، بعد موت أي أحدٍ، حتى وإن كان من الرجال المهمين المؤثِّرين فيها، كنت أعجب كيف لا تتوقف الحياة ولو قليلاً؛ لتواسيَ هذا الميتَ - الذي كان مهمًّا فيها - في مُصابه الكبير، الذي لا يعدله مصابٌ بالنسبة له؟! كيف لا تحاول تخفيفَ وقْعِ هذه الحالِ الشنيعة التي صار إليها فجأة؛ إذْ أمسى يرقد تحت الأرض وحيدًا فريدًا، في ظلام موحش، ووحدة قاتلة؟!

لماذا لا تبكي الدنيا على أي ميت مهما كان؟! أيكفي في ذلك الوقوف (دقيقةً) حدادًا عليه، كما تفعله بعض المجتمعات لبعض عظمائها؟! أيكفي بعض المراثي في الجرائد والقنوات إن كان الميت من أهل الشهرة؟! ما عسى ينتفع الميتُ الذي صار إلى القبر الضيق المظلم بمثل هذه الأشياء؟!

مَن يشاطر الميتَ هذا الشعورَ الفظيع بالخروج من الحياة والوجود، إلى الموت والعدم، إلى البُعد عن أنس الأصدقاء والأهل، إلى انتفاخ الجسد ونتنه وفنائه، بعدما كان مفعمًا بالحياة والحركة والنضارة؟!

هل هناك أكثر من أن يبكي هذا الميتَ قلةٌ قليلة من الأقارب والأصدقاء المخلصين؟! وما هي إلا أيام حتى يَدَعَ هؤلاء بكاءهم، ويرجعوا إلى لهوهم ومتعتهم، وضحكهم وفرحهم، وقد نسوا الميت كأنه لم يكن بينهم!

بداهة لم أكن غافلاً عن الجواب المعروف: هذه هي طبيعة الدنيا وسُنة الحياة، ولو لم ينسَ أهلُ الميت ميتَهم ومصابهم به، لتعطَّلتِ الحياة، ولفسدت المعايش.
لكن مع ذلك، لم تكن هذه الإجابة تبرر عندي ترْك الدنيا وأهلها لهذا الميت المسكين يذوق ما ذاق من ألم فراقها وفراق أهلها.

كنت أهتف أحيانًا في داخلي: لماذا نموت؟ كيف يترك الإنسان أحبابَه وأصدقاءه، ومتعته ولذة الحياة فجأة، ويفارقها إلى وحدة ووحشة، وظلام وعزلة؟!

ما قيمة أيِّ متعة في الدنيا ما دامتْ مهدَّدةً بخطر الموت، الذي يأخذ صاحبَ الآمال من آماله، وصاحبَ الأمنيات من أمنياته، وصاحبَ النجاحات من نجاحاته، ويأخذ الولد الظريف والبنت الجميلة من بين يدي والديهما، ويأخذ العروس ليلة زفافها من أحضان زوجها، كل ذلك بلا استئذان ولا سابق إنذار؟!

لم يكن يشفي هذا السؤالَ في داخلي إلا الإيمانُ بالبعث، وأن هذا الفراق مصيرُه اللِّقاء، وأن هذا الاغتراب توطئةٌ لرجوع الأنس، وأن هذا الموت فاصلٌ قصير بين حياتين: أولاهما: هذه الحياة الدنيا القصيرة، وثانيهما: حياة على ما ينبغي أن تكون عليه الحياة؛ حياة كاملة حقيقية فيها نعيم خالص، وتلاقٍ وأنسٌ صافٍ مع الأحباب، وأكبرُ وأهمُّ شيء في تلك الحياة في نظري: هو دوامها وبقاؤها على حالها، بلا زوال أو أفول ولا انتهاء.

بل إن الميت الصالح لَمنتقلٌ بموته إلى نعيم أخروي يبدأ في قبره؛ فيفسح له فيه مدَّ بصره، ويصير في روضة من رياض الجنة، فيكون بموته قد استراح من شقاء الدنيا وعنائها، وسوء عشرة أهلها.

لستُ أدري: كيف يُطيق العلمانيون والملحدون ومنكرو البعثِ العيشَ في حياتنا الدنيا، وهم يرون أنه لا شيء وراءها، ولا ثَم عودة أخرى إلى الحياة بعد الموت؟! كيف يتحمَّلون هذه النظرة إلى مصايرهم ومصاير الناس من حولهم؟!

ألا ما أقبحَ الحياةَ؛ إن كان ما ثَمَّ إلا هذه السنوات اليسيرة التي تجري كلمْح البصر، ثم نغادرها كأن لم نكن فيها يومًا!

ألا ما أقبح الحياة؛ إن كان ما ثَم إلا دنيانا التي يغتال الموتُ فيها كلَّ يوم مئات بل ألوفَ الشباب في ريعان شبابهم، ويختطفهم من أحلامهم الوردية، وآمالهم النرجسية، أمام ملايين الناس في المشرق والمغرب، ولا أحد يقدر على صد الموت عنهم أو عن غيرهم، ولا دفْع هذا الشر المستطير النازل بهم!

ألا ما أقبح الحياة إن لم تكن إلا هذه الأيام القصيرة المليئة بالمنغصات والمكدرات، والهموم والأحزان!

ألا ما أقبح الحياة إن لم يكن هناك إلا هذه الدنيا فقط: دنيا الظلم والجور، والاستبداد والانتهاز، وأكْل القوي للضعيف، والغني للفقير!

أنا لا أريد هذه الدنيا الكئيبةَ القصيرة، التي لا بعث وراءها، ولا حساب بعدها، ولا خلود يعقبها، ولو لم أكن من المؤمنين بالبعث لانتحرتُ سريعًا؛ كمدًا وحسرة على هذه الحياة الظالمة الجائرة.

أيُّ شقاء للإنسان وتكدير لحياته إن لم يكن صاحبُ الفقرِ والعناء والمرض سيُكافأ، وصاحبُ الظلمِ والخيانة سيعاقَب؟!

أيمكن أن يفلت الجبابرة والمجرمون الذين سرقوا ثروات الأمم، وقتلوا ألوف البشر من الأبرياء؛ لأجل أطماعهم أو أطماع دولهم الاستعمارية؟!

محال أن يكون الأمر كذلك؛ فإنه عبث، كما أنه ظلم، وكلُّ صفحة من صفحات الكون حولنا تنطق بالحكمة والتوازن والانسجام، والحكيمُ الذي صاغ صفحاتِ الكون حولنا هو الذي خلقَنَا وخلق حياتَنا هذه، فهو منزَّهٌ عن العبث؛ ولذا فلا بد من الرجوع إليه؛ ليثيب المحسن، ويجازيَ المجرم؛ {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون: 115].

إن الله - تعالى - لم يخلقْنا عبثًا، ولم يظلمنا إذ جعلنا في هذه الدنيا الزائلة الجائرة؛ إنما خلقنا لحياةٍ أزلية سرمدية، لا موت يعكرها، ولا انقطاع يكدرها، وإن حياتنا الدنيا هذه ما هي إلا مرحلة في سبيل الوصول إلى الحياة الأبدية، فلا يضر أن تكون طويلة أو قصيرة، أو ناعمة أو بائسة؛ فالعيش الحقيقي أمامنا في دار الخلود، والخير والنعيم في انتظار من كانت أياديه بالخير ممتدةً إلى الناس، بعد إيمانه بالحقيقة الكبرى التي لأجلها خُلق هذا الكونُ، وما فيه، ومَن فيه: (لا إله إلا الله).

اميرة البحار 09-18-2009 05:35 PM

رد: الموت (كلام جدا جميل ) منقوول
 
:cry: ^454^

Evey 09-21-2009 04:29 PM

رد: الموت (كلام جدا جميل ) منقوول
 
يااااااااااااااااااللهـ رحماك ..^_^

كلام اقشعر له بدني ..!

أدخلك اللهـ فسيح جناتهـ أخي سلمت ^_^

قلب ملاك 10-01-2009 02:07 AM

رد: الموت (كلام جدا جميل ) منقوول
 
موضوع جدا رائع والدين نصيحة

قلب ملاك 10-01-2009 02:08 AM

رد: الموت (كلام جدا جميل ) منقوول
 
^454^ ^454^ ^454^


الساعة الآن 11:56 AM.

Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.

شات الشلة
Powered by: vBulletin Copyright ©2000 - 2006, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لعيون العرب
2003 - 2011