عيون العرب - ملتقى العالم العربي

العودة   عيون العرب - ملتقى العالم العربي > ~¤¢§{(¯´°•. العيــون الساهره.•°`¯)}§¢¤~ > أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه

أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه هنا توضع المواضيع الغير مكتملة او المكرره في المنتدى او المنقوله من مواقع اخرى دون تصرف ناقلها او المواضيع المخالفه.

Like Tree97Likes
 
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #121  
قديم 03-03-2010, 07:31 PM
 
جزء الخامس عشر
"ابي"

تحرك عقرب الثواني ليلتحم مع عقرب الدقائق مشيرا الى ان الساعة قد تجاوزت الحادية عشرة والنصف..وبدا صوت دقات الساعة المنخفض في تلك اللحظة بالنسبة لملاك صوتا صاخبا يكاد يسبب لها الصمم.. وهي تكاد تنهار من التوتر والقلق بسبب تأخر والدها الى هذه الساعة على غير عادته .. والدها الذي كان يأتي يوميا في تمام العاشرة.. يتأخر ساعة ونصف كاملة..روادها الشك والقلق وغزى ملامحها.. ليجعل قطرات العرق تتصبب على جبينها.. وضربات قلبها تتسارع وهي تتطلع الى ساعة الردهة بخوف اخذ يسيطر على تفكيرها كله..
واخذت تداعب قلادتها بعصبية لعلها تسيطر على خوفها .. وهتفت بصوت عالي: نادين.. نادين..
لم تسمع ردا من نادين فصرخت بصوت اعلى: نادين.. اجيبي..
رأت نادين تسرع نحوها وتقول بتوتر: ما الامر آنستي؟.. لم تصرخين هكذا؟..
قالت ملاك وهي تزدرد لعابها بخوف: هل قال لك ابي انه سيتأخر اليوم؟..
اسرعت نادين تقول: لا ابدا..
قالت ملاك بخوف اكبر وصوت مختنق: ولا حتى انه سيذهب الى مكان آخر.. غير مكان عمله..
هزت نادين رأسها نفيا وقالت مجيبة: ولا حتى هذا..
ارتجفت شفتا ملاك وقالت بلهجة اقرب الى البكاء: اذا اين يمكن ان يكون قد ذهب؟.. ولم تأخر؟..
قالت نادين بدهشة: والم يعد سيدي بعد؟..
لم تستطع ملاك النطق واكتفت بهز رأسها نفيا.. فقالت نادين متسائلة بتوتر: هل اتصلت به؟..
عادت ملاك لتهز رأسها نفيا.. فقالت نادين وهي تحاول ان تمنح ملاك الامل: اذا اتصلي به.. واسأليه عن سبب تأخره..
اومأت ملاك برأسها بتوتر.. و حركت عجلات مقعدها - التي اعتادت ان تحركها بيسر- بصعوبة هذه المرة.. ورفعت سماعة هاتف المنزل بانامل مرتجفة حتى انها شعرت ان السماعة اثقل من ان تحملها.. وكادت ان تسقط من يدها اكثر من مرة ..
واخيرا ضغطت ارقام هاتفه المحمول وهي تلتقط انفاسها بصعوبة ..وما ان فعلت حتى اتسعتا عينا ملاك بقوة وهتفت بصوت مرتجف: هاتـ..فه..مـ..مغلق..
فالت نادبن متفاجئة: ماذا؟.. مغلق؟.. لم يعتد سيدي على اغلاقه ابدا..
قالت ملاك وعيناها تترقرقان بالدموع: ما الذي حدث لأبي اذا؟.. ماذا حدث له؟..
ربتت نادين على كتفها باشفاق وقالت: آنستي.. لا تتشائمي .. قد يكون عمل مفاجئ قد اخره.. او ربما.. ازدحام سير ..
غطت ملاك وجهها بين كفيها وسالت دموعها بألم وهي تهتف بصوت باكي: لم يتأخر ابدا في حياته.. لابد وان امرا ما قد حصل له..
لم تعلم نادين ماذا تفعل وهي ترى ملاك تبكي بحرقة هكذا ..وقالت اخيرا وهي تفكر بعمق: ربما يكون قد ذهب الى منزل عمك..
رفعت ملاك عيناها المليئتان بالدموع الى نادين وقالت متسائلة وغصة تمتلأ بها حلقها: أي عم؟..
قالت نادين في سرعة: اتصلي بمنزل عمك امجد واسأليهم ان كان والدك موجود هناك ام لا..
وجدت ملاك نفسها اثر رغبتها وامنيتها بأن يكون ابيها هناك ..ترفع السماعة مرة اخرى وتضغط ارقام هاتف مها.. ومسحت دموعها في سرعة وهي تحاول ان توقف دموعها التي تسيل على وجنتيها بكل اصرار وتأبى التوقف..واستمعت الى الرنين المتواصل .. قبل ان يأتيها صوت مها القلق وهي تقول: من؟.. ملاك؟..
اجابت ملاك بصوت خافت اقرب الى الهمس: اجل..
قالت مها التي كانت مستلقية على فراشها وتهم بالنوم: ماذا بك يا ملاك؟.. اقلقتني باتصالك هذا.. انها الثانية عشرة تقريبا ..
قالت مها بصوت مختنق: آسفة ان كنت قد ازعجتك .. لكن الامر مهم..
واردفت وهي تحاول التقاط انفاسها: ابي.. لم يعد الى المنزل حتى الآن..
اعتدلت مها في جلستها وقالت بدهشة: ماذا؟.. لم يعد بعد؟ ..
قالت ملاك وهي تعض على شفتيها بألم: اتصلت به ووجدت هاتفه مغلق.. الم يأتِ اليكم اليوم؟..
قالت مها ودهشتها تتفاقم: لا ابدا.. ومنذ قليل فقط قد صعدت الى غرفتي والا كنت قد رأيته..
وتساءلت مردفة: وهل اتصلت به؟..
اجابت ملاك وهي تحاول السيطرة على اعصابها: اجل ولكنه مغلق دائما..
صمتت مها دون ان تعلق في حين قالت ملاك بانفعال سببه الخوف والتوتر: ماذا حدث لأبي اذا؟.. اين هو؟..
قالت مها وهي تحاول ان تهدئ ملاك: ملاك عزيزتي.. اهدئي.. ربما يكون في منزل عمي فؤاد او عادل.. وربما يكون قد تأخر بسبب عمل هام.. سأذهب مع ابي او احد اخوتي لنرى الامر.. وسأتصل بك بعدها.. اتفقنا؟..
لم تجبها ملاك وخوفها على ابيها يسيطر على تفكيرها كله.. فقالت مها مردفة: اهدئي انت الآن.. ولا تخشي شيئا.. وباذن الله سيكون والدك بخير..
قالت ملاك بصوت خافت: اتمنى هذا من كل قلبي..
- حسنا اذا .. سأذهب لاستبدل ملابسي الآن..
قالت ملاك بمرارة: معذرة يا مها.. لقد ازعجتك.. وسأتعبك معي.. ولكنه ابي..
قالت مها بصوت حاني: لا عليك.. فكما هو والدك هو عمي كذلك.. ولا تقلقي نفسك..
تنهدت ملاك بصوت مسموع ومن ثم قالت: سأحاول.. واتصلي بي عند سماع أي خبر عنه حتى وان كان بسيطا..
قالت مها بهدوء: لا بأس.. الى اللقاء..
اغلقت ملاك الهاتف بدورها وهي تشعر بأناملها ترتجف بقوة وخوف وهي غير عالمة بما حدث لوالدها بعد.. اما مها فقد اسرعت تغادر فراشها وتستبدل ملابسها .. ومن ثم تحمل حقيبة يدها وتنطلق مغادرة الغرفة..وتسير مسرعة بالممر.. ومن ثم تهبط درجات السلم.. وفاجأها مازن وهو يصعد درجات السلم.. فرفع رأسه لها وقال مستغربا: الم تنامي بعد؟.. والى اين انت ذاهبة؟..
قالت في سرعة وهي تواصل هبوطها لدرجات السلم: لقد اتصلت بي ملاك واخبرتني بأن والدها لم يعد الى المنزل بعد و...
قاطعها مازن وهو يمسك بذراعها ويوقفها: لا تتحدثي بسرعة هكذا.. وافهميني الامر بهدوء..
زفرت بحدة ومن ثم التفتت له وقالت: لقد اتصلت بي ملاك قبل قليل.. واخبرتني ان والدها لم يعد الى المنزل بعد.. وسألتني ان كان جاء الى هنا او لا..فقد اتصلت به وكان هاتفه مغلق ..و تخشى ان يكون مكروها قد اصابه..
قال مازن وهو يعقد حاجبيه: عمي خالد؟.. هذا غريب..
واردف متسائلا: ولكن لم تخبريني.. الى اين انت ذاهبة؟..
قالت مها وهي تزدرد لعابها: لقد وعدتها بأنني انا ووالدي سنبحث عنه..حتى نحصل على أي خبر يوصلنا له..
قال مازن وهو يحك ذقنه: لا اظن ان عمي خالد لا يزال طفلا حتى نبحث عنه ..يبدوا ان ملاك قد بالغت قليلا في وصف ما جرى ..
قالت مها بحدة وانفعال: لو سمعت صوتها ما قلت انها قد بالغت.. لقد كانت تبكي بحرقة.. وصوتها قد بح من كثرة البكاء.. لابد وانه قد تأخر طويلا والا لما اتصلت بنا.. ثم انا لم اطلب منك ان تبحث عنه .. سأطلب من والدي ذلك..او من كمال حتى فهو قد يقدر حالة ملاك ويفكر بالمساعدة..
كانت تهم بالنزول ولكن صوت مازن اوقفها قائلا: انتظري يا مها.. والدي ليس هنا.. وكذلك كمال..
واردف بابتسامة: وسوف اذهب للبحث عن عمي ان اردت.. من اجل ملاك فقط..
قالت مها وهي تتطلع له بطرف عينها: الن تتوقف عن تصرفاتك هذه ابدا؟..
قال مصطنعا اللامبالاه: أي تصرفات؟..
قالت مها وهي تمط شفتيها وتهبط درجات السلم: تمثيل دور المحب لكل فتاة تعرفها..
قال مازن بضيق: لم اخبر أي فتاة عرفتها بأني احبها..
قالت مها وهي تعبر معه الردهة: ولكن تصرفاتك واهتمامك بهن.. يجعلهن يشعرن بذلك..
قال مازن وهو يشعر بالملل: هذا ليس وقت الحديث عن علاقاتي .. فلنذهب للبحث عن عمي اولا..
اومأت مها برأسها وآثرت الصمت وهي تغادر بصحبة مازن المنزل..ومن ثم تصعد الى سيارته.. وما ان انطلقا بها حتى تساءل مازن: اخبريني .. هل اتصلت ملاك بوالدها في الشركة؟..
قالت مها وهي تحاول التذكر: لا اظن انها اخبرتني شيئا كهذا.. اتصل به انت زيادة في الاحتياط..
اخرج مازن هاتفه المحمول من جيبه واتصل على الشركة.. واستمع الى الرنين المتواصل طويلا ومن ثم قال وهو يهز رأسه: الساعة الآن هي الثانية عشرة والربع.. لقد اغلقت الشركة ابوابها منذ ساعتين او اقل.. ولا اظن ان احدهم سيجيب على الهاتف..
- دعنا نذهب الى هناك اذا..
قال مازن وهو يرفع حاجبيه بتساؤل: ولم نذهب الى هناك؟.. ما الذي سنستفيده ان ذهبنا الى شركة قد اغلقت ابوابها..
قالت مها برجاء: سنسأل حارس الامن عن عمي خالد.. قد يكون يعرف الى اين ذهب.. او ما الذي حدث له؟..
زفر مازن بضيق ومن ثم قال: فليكن.. سأذهب الى هناك ..
ومن ثم التفت لها وقال: الم يكن من السهل ان تمنحنيني رقم ملاك لأخبرها بكل ما يستجد.. بدلا من تأتي معي وتتعبي نفسك ..
قالت مها وهي تبتسم بسخرية: معك حق.. خطة ممتازة جدا لتحصل على رقم هاتفها..
- انني افكر في راحتك فحسب..
قالت مها مواصلة في سخريتها: شكرا على تفكيرك بي الى هذه الدرجة.. اتعبت عقلك كثيرا..
قال مازن بضيق: كفي عن سخريتك والا اعدتك الى المنزل فورا ..
قالت مها بهدوء: فليكن سأصمت..
انطلق مازن بسيارته في شوراع المدينة حتى وصل الى شركة عمه خالد .. وهناك توقف وهبط منها ليتجه الى رجل الامن الذي يقف عند الممر الداخلي للشركة.. وقال بهدوء: لو سمحت يا سيد..
عقد رجل الامن حاجبيه وقال متسائلا: ما الامر؟..
قال مازن متسائلا بدوره: انت تعرف خالد محمود صاحب هذه الشركة اليس كذلك؟..
اومأ رجل الامن برأسه ايجابيا.. فقال مازن مواصلا اسألته: واليوم .. الى اين غادر بعد انتهاء وقت عمل الشركة؟..
قال رجل الامن بحيرة: الى منزله بكل تأكيد.. فهو معتاد يوميا ان يغادر مع السائق الشركة عند الساعة العاشرة الى منزله على الفور..
قال مازن وهو يعقد حاجبيه: الم يخبرك انه ذاهب الى مكان ما او لديه عمل ما؟..
- لست اعلم.. ولكن ان كان لديه عمل فهو ينجزه وقت عمل الشركة..
قال مازن بهدوء: عن اذنك اذا.. وشكرا لك..
تركه مازن وانصرف عائدا الى سيارته.. ليخبر مها بما دار بينه وبين رجل الامن.. وبعد ان انتهى من حديثه قالت مها بقلق: حديثه يزيدني توترا وقلقا على عمي.. فهذا يعني انه قد تأخر كثيرا على ملاك ومن حقها ان تتصل بنا بالفعل..
قال مازن وهو يضع كفيه على المقود: وما العمل الآن؟.. ما الذي نفعله؟..
زفرت مها بحرارة ومن ثم قالت: ليس امامنا سوى الاتصال بالمستشفيات او مراكز الشرطة الموجودة بالمنطقة.. واتمنى ان لا يكون مكروها قد اصابه..
ما ان انتهت مها من عبارتها حتى انطلق هاتفها بالرنين.. فاخرجته من حقيبتها ومن ثم قالت وهي تتطلع الى الرقم: انها ملاك..
قال مازن في سرعة: اجيبيها.. ربما يكون عمي قد وصل الى منزله..
اجابتها مها وقالت : اهلا ملاك..
جاءها صوت ملاك وهي تتساءل بلهفة وتوتر: الم تجدوه بعد؟ ..
قالت مها بتعاطف: سنجده باذن الله.. فقط اصبري قليلا.. فنحن قد بدأنا في البحث لتونا..
قالت ملاك بصوت باكي: اشكرك كثيرا يا مها.. وعندما تجدون أي خبر عنه.. طمأنيني..
قالت مها بابتسامة مشفقة: وانت كذلك.. اذا وصل الى المنزل.. طمأنينا عليه..
- مع السلامة..
اغلقت مها الهاتف ومن ثم التفتت الى مازن وقالت باشفاق: كل هذا وتقول انها تبالغ.. صوتها لا يكاد يسمع من كثرة البكاء..
دس مازن اصابعه بين خصلات شعره ومن ثم قال بهدوء: حسنا حسنا.. ها انذا قد اقتنعت وبدأت بالبحث عن عمي.. ماذا تريدين اكثر من ذلك؟..
- اتصل بالمستشفيات الموجودة بالمنطقة الآن..
- سأفعل..
واردف وهو يلتفت لها مبتسما: ولكن الم تخبرك ملاك بأي شيء يخصني؟..
قالت مها بعصبية مستغربة تفكيره: الفتاة في ماذا الآن.. سترسل لك سلاماتها مثلا وهي لم تعرف مصير والدها بعد..
قال مازن وهو يلوح بكفه: اهدئي.. لم اقل شيئا يستحق كل هذه العصبية..
والتقط هاتفه ليبدأ في الاتصال .. ومن جانب آخر كانت ملاك جالسة بجوار الهاتف تنتظر أي اتصال من مها.. وهي تشعر بقلق وخوف كبير يشلان حركتها تماما.. وقالت نادين وهي تحاول تهدئتها: آنستي .. لا بد وانه مجرد ازدحام سير صدقيني..
قالت ملاك بعينين دامعتين: انها المرة الاولى التي يتأخر فيها كل هذا الوقت.. شعور سيء يراودني.. ويجعلني اظن الاسوأ..
لم تجد نادين ما تقوله وآثرت الصمت.. مهما كان هذا والدها .. وقد ارتبطت به منذ صغرها.. فهي لم ترى اما ترعاها.. فتحت عيناها على الحياة لتجد والدها امامها..كان لها الام والاب سواء.. حتى انها هي –نادين- نفسها قد اعجبت به.. وهي تراه يعامل ابنته احيانا كأب صارم.. واحيانا اخرى كأم حنون..
ولابد ان ملاك تشعر بهذا الشعور السيء لأن شيئا ما قد اصابه حقا وان شعورها في محله.. يقولون ان الام ترتبط بابنها.. او العكس.. ولكن في هذه الحالة.. ملاك ترتبط بوالدها.. وتشعر بأي شيء قد يصيبه سواء كان الامر خيرا ام لا..
وتعالى فجأة رنين هاتف المنزل ليقطع على نادين افكارها وكذلك ملاك.. التي اسرعت تلتقط سماعة الهاتف في لهفة وتقول: ماذا حدث يا مها؟..
ولكن المتصل لم يكن مها.. ولا أي شخص آخر تعرفه.. كان صوت رجل يقول متجاهلا عبارتها: الو.. هل هذا منزل السيد خالد محمود؟..
اصيبت ملاك بخيبة الامل لان مها لم تكن المتصلة..ولكنها شعرت بقلق وخوف طغى على صوتها وهي تتحدث مجيبة: اجل ..
قال الرجل برسمية: اريد التحدث الى ابنه لو سمحت..
قالت ملاك وهي تزدرد لعابها بصعوبة: انا ابنته الوحيدة..
صمت الرجل للحظة ومن ثم قال بتردد: الا يوجد احد يقرب لوالدك.. عمك او خالك مثلا؟..
قالت ملاك وقد شعرت بالخوف من حديثه: لا احد سواي.. اخبريني يا سيدي ما الامر؟..
قال الرجل وهو يزفر بحدة: انا آسف .. ولكني مضطر لأنقل لك هذا الخبر.. والدك قد اصيب بحادث وهو الآن بمستشفى العاصمة و..
لم تستمع ملاك الى المزيد.. لان سماعة الهاتف قد سقطت من يدها.. وهي تهتف بصدمة: هذا كذب.. كذب..
اسرعت نادين نحوها وهي تهتف بقلق وتوتر: ماذا حدث يا آنستي؟..من كان المتصل وبم اخبرك؟..
التقطت ملاك انفاسها بصعوبة ومن ثم قالت بصوت بالكاد يسمع.. وهي غير مصدقة: لا اعلم.. انه يقول ان ابي في المستشفى واصيب في حادث.. هذا كذب بكل تأكيد .. ابي سيأتي بعد قليل الى المنزل.. اليس كذلك؟..
اشاحت نادين بوجهها في الم..فصرخت ملاك بانفعال: اليس كذلك؟..
ولم تلبث ان انفجرت في البكاء.. فقالت نادين مرتبكة وهي تقترب منها وتربت على كتفها: سيكون بخير باذن الله واصابته بسيطة..
قالت ملاك ودموعها تسيل بدون توقف.. وشفتاها ترتجفان: اريد ان اراه.. اريد الذهاب اليه..ارجوك..
قالت نادين بحيرة: من سيأخذنا الى هناك؟..السائق مع سيدي..
صرخت ملاك بانفعال: لا يهمني .. حتى لو خرجت سيرا على الاقدام.. اريد ان اذهب له.. خذيني الى هناك .. ارجوك.. فلنأخذ سيارة اجرة ونذهب..
كانت كلماتها متقطعة توضح حالتها النفسية المرتبكة والخائفة.. فقالت نادين بقلق: انها الواحدة بعد منتصف الليل ..كيف سنأخذ سيارة اجرة في هذا الوقت المتأخر ..
قالت ملاك وهي تهتف باكية: لا يهمني.. لا يهمني.. اريد ان اذهب اليه ..
صمتت نادين بقلة حيلة ومن ثم قالت فجأة: عمك امجد او ابناءه .. قد يستطيع احدهم ايصالك الى هناك..
التقطت ملاك نفسا عميقا ومن ثم قالت ودموعها لاتكاد تتوقف: سأتصل بهم..
اغلقت الخط بعد ان تركته مفتوحا عندما سقطت السماعة من يدها.. وعادت تلتقط السماعة وقلبها يخفق بقوة وخوف ..واناملها تكاد تسقط السماعة مرة اخرى في اية لحظة.. وسمعت صوت الرنين المتواصل بعد ان اتصلت بمها.. وما ان اجابت..حتى قالت ملاك بصوت منهار: ابي في المستشفى.. تعالوا وخذوني اليه.. ارجوكم..
قالت مها بدهشة: ماذا تقولين يا ملاك؟.. من اخبرك بذلك؟..
- اتصل بي احدهم منذ قليل واخبرني بأن ابي قد اصيب في حادث ..ارجوك يا مها.. لم اعد استطيع ان اتحدث.. تعالوا وخذوني اليه..
قالت مها بسرعة: حسنا.. حسنا.. سأطلب من مازن الآن ان ...
قبل ان تكمل مها عبارتها.. التفت مازن الى مها وقال بدهشة: ما الذي حدث؟..
قالت مها وهي تتحدث اليه بسرعة: عمي خالد اصيب بحادث وهو الآن في المستشفى..
اسرع يجذب الهاتف من كفها.. وقال متحدثا الى ملاك: اهلا ملاك.. اخبريني .. تريدين ان نوصلك الى المشفى حيث والدك .. اليس كذلك؟..
اجابته ملاك بصوت خافت: بلى..
- امنحيني عنوان منزلك..
منحته ملاك العنوان دون ان تأبه بأي شيء.. فليحدث لها ما يحدث .. المهم ابيها الآن.. تريد ان تطمأن عليه..فقال مازن بهدوء في تلك اللحظة: دقائق وسنكون عندك.. كوني جاهزة ..
قالت ملاك بهمس: حسنا..
قال بصوت حاني: وهدئي من نفسك.. والدك سيكون بخير.. لا تخافي ..
قالت وهي تزدرد لعابها لتبتلع تلك الغصة التي ملأت حلقها: اتمنى هذا..
- اهتمي بنفسك جيدا.. الى اللقاء..
- الى اللقاء..
اغلق مازن الهاتف واعاده الى مها التي قالت ببرود: لا يزال الوقت مبكرا على اعادته.. يبدوا انه هاتفك وانا لا اعلم..
قال بسخرية: تقريبا..
ووجدته ينطلق بسيارته .. فسألته قائلة: ستذهب الى منزل ملاك الآن .. اليس كذلك؟..
اومأ برأسه دون ان يجيب .. وسار في طرق عديدة حتى وصل بالنهاية الى العنوان الذي اخبرته به ملاك.. وقال بدهشة: يعرف عمي اين يختار منزله.. انها منطقة معزولة عن الناس..
قالت مها وهي تتنهد: وهذا ما كان يريده..
قال مازن وهو يتطلع الى منزل خالد: اتعلمين اشعر اننا جميعنا قد ظلمنا عمي خالد وملاك.. فانظري كيف يعيشان هما في منزل من طابقين بينما نعيش نحن في منازل اشبه بالقصور..
قالت مها وهي تلتقط هاتفها وتتصل بملاك: ولا نزال نظلمهم..
وقالت عندما سمعت صوت اجابة على الطرف الآخر: نحن بالخارج يا ملاك..هيا اخرجي..
ازدردت ملاك لعابها لمرات حتى تستطيع ان تنطق حرفا واخيرا قالت بصوت بالكاد ينسمع: حسنا..
واغلقت سماعة الهاتف..ووالتفت الى ما خلفها لتقول لنادين: خذيني الى الخارج.. لا استطيع دفع عجلات المقعد..
كان صوتها خافتا ولكن نادين سمعته لأنها كانت تجلس بالقرب منها.. وتطلعت الى ملاك باشفاق قبل ان تدفع المقعد الى الخارج.. وما ان لمحها مازن وهي تقترب من سيارته حتى اسرع يهبط منها.. ويقول متحدثا الى ملاك: أأساعدك؟..
لم تعترض ملاك.. لانها تشعر ان قواها قد خارت.. وانها غير قادرة على تحريك يدها حتى.. وصداع عنيف اصابها من كثرة البكاء تشعر به يكاد يحطم رأسها ..ومنحته كفاها باستسلام ليعاونها على الجلوس على المقعد.. وعلى الرغم من قربه الشديد لها لم تهتم.. ابيها فقط من كان يسيطر علىمشاعرها وتفكيرها كله في تلك اللحظة..
واخيرا التقط مازن مقعدها ليضعه في صندوق السيارة..ومن ثم يعود ليجلس على مقعد السائق وينطلق بالسيارة..اما ملاك فقد ظلت صامتة طوال الوقت ودموعها تسيل بصمت هي الاخرى على وجنتيها.. والتفتت لها مها قائلة باشفاق: هذا يكفي يا ملاك.. سيكون والدك بخير..
اما مازن فقد تطلع الى ملاك من مرآة سيارته الجانبية وقال: لم البكاء الآن؟.. سنصل بعد قليل الى المشفى وستطمأنين عليه بنفسك..
قالت ملاك بصوت مختنق: انه ابي.. اقرب الناس الي.. واحبهم الى قلبي.. عندما يجرح فقط كانت عيناي تدمعان دون شعور مني.. فكيف تريدونني ان اتوقف عن البكاء.. بعد ان اصيب في حادث سيارة.. والله تعالى وحده يعلم ماذا حدث له الآن.. قد يكون بخير.. وقد يكون...
صمتت ملاك بالرغم منها عندما اختنقت الكلمات في حلقها ..وغطت وجهها بين كفيها لتبكي بحرقة.. فتطلعت لها مها بألم ومن ثم التفتت الى مازن لتقول بهمس: دعها تبكي كما تشاء.. فقد ترتاح قليلا..
زفر مازن بحدة واحس بالاشفاق وهو يسمع صوت شهقات ملاك .. وبعد عشر دقائق من الانطلاق بالسيارة في الشوارع الرئيسية .. وصل مازن اخيرا الى المشفى.. فأوقف سيارته على عجل في احد المواقف.. واخرج مقعد ملاك من صندوق السيارة.. وقال لمها التي كانت تهم بالخروج من السيارة: ساعدي ملاك في الجلوس على مقعدها .. ريثما اذهب للسؤال عن عمي بالاستقبال..
تابعته مها بنظراتها وهو يتجه الى داخل المشفى..وخرجت من السيارة لتخرج مقعد ملاك وتساعدها في الجلوس عليه.. ومن ثم تدفع مقعدها الى الداخل..
كانت ملاك صامتة بشكل غريب.. خوفها على ابيها وهي تشعر انها على بعد خطوات منه.. جعلها تصمت وتغرق في حالة خوف وتفكير..واما من جانب مها.. فقد كانت تبحث عن مازن بعينيها في ردهة الاستقبال..حتى لمحته.. والتفت لها هو بدوره بعد ان انتهى من الحديث الى الموظف.. واشار لهم بأن يتبعانه..
لحقت به مها وهي تدفع مقعد ملاك و تسير بين ممرات المشفى ومن ثم صعدوا جميعهم بالمصعد الى الطابق الثالث.. وهنا تحدثت ملاك قائلة وهي ترفع رأسها الى مازن: ما هو حال ابي؟ ..
ارتبك مازن قليلا ومن ثم قال: لقد سألته عن رقم الغرفة التي بها والدك .. ومنحني اياها..لم اساله عن أي شيء آخر..
تطلعت له مها بشك.. فالارتباك كان واضحا بملامحه وكذلك صوته.. واخيرا فتح باب المصعد فخرجوا منه جميعا .. وهنا فقط شهقت مها بقوة.. فالتفت لها مازن بنظرة عتاب ..فحاولت ان تبدوا طبيعية وهي تدفع مقعد ملاك مرة اخرى.. فالسبب الذي جعلها تشهق بتلك القوة.. كانت اللافتة التي قرأتها عندما دخلت الى الطابق.. (قسم العناية المركزة)..
واشار مازن الى غرفة مجاورة تحمل الرقم 201 وقال: سأتصل بوالدي.. لابد ان يعلم.. وانت يا مها ادخلي معها الى داخل الغرفة لترى والدها..
اخذت ملاك تتنفس بصعوبة.. سترى والدها.. ستراه.. كيف هي احواله؟.. هل هو بخير؟.. لو كان بخير.. لم أتوا به الى هنا؟..شعرت ببرودة تسري باطرافها وسمعت مها تقول في تلك اللحظة: لا استطيع.. انا خائفة..
قال مازن وهو يتطلع لها بلوم: مها لا تخيفي ملاك.. خذيها الى الداخل..
ولما لم يجد منها ردا .. قال وهو يمط شفتيه: فليكن سآخذها أنا .. واتصلي انت بوالدي وكمال لتبلغيهما بما حدث..
اومأت مها برأسها.. في حين اخذ مازن يدفع مقعد ملاك.. وفي ذات اللحظة خرجت الممرضة من غرفة خالد وقالت وهي تتطلع اليهم: ماذا تريدون؟..
اشار مازن لملاك وقال: انها ابنته وتريد ان تراه..
قالت الممرضة بحزم: شخص واحد فقط من سيدخل..
قال مازن بهدوء: فليكن.. ادخلي انت يا ملاك..
التفتت ملاك الى مازن وقالت بصوت خافت: لا استطيع دفع عجلات المقعد.. يداي ترتجفان..
تطلع مازن للمرضة وهو يطلب منها بعينيه ان توافق على دخوله معها.. فقالت بعد ان تفهمت الموقف: اوصلها الى حيث والدها ومن ثم غادر الغرفة.. فهو ليس في حالة تسمح له بالحديث..
اتسعت عينا ملاك وراقبت الممرضة وهي تغادر.. ماذا تعني؟ .. لم قالت انه ليس في حالة تسمح له بالحديث؟.. هل حالته خطيرة الى هذه الدرجة؟.. لم يمهلها مازن وقتا لتتسائل.. فقد ادخلها على الفور الى تلك الغرفة المظلمة التي ينيرها ضوء خافت فحسب.. وساكنة الا من صوت جهاز ضربات القلب..واقترب بها من سرير ابيها وهنا فقط عادت الدموع لتتجمع في عيني ملاك وهي ترى رأس ابيها محاط بالضمادات وجهاز التنفس موصول الى انفه.. والمغذيات قد وصلت الى ذراعيه.. والتفتت الى مازن لتقول ودموعها تسيل على وجنتيها: ماذا به ابي؟..
لم يجبها مازن وازدرد لعابه .. فالتفتت ملاك الى ابيها دون ان تنتظر اجابة من مازن.. ومن ثم التقطت كف والدها وضغطت عليها وهي تقول بصوت باكي: ابي .. انهض.. انا ملاك..صغيرتك.. قد جئت الى هنا لأجلك..هيا انهض..
تساقطت دموعها على كفه وقالت وهي تحاول منع شهقاتها: ابي لماذا لا تجيبني؟.. لا اريد شيئا.. صدقني لا اريد.. لا اريد هاتفا .. لا اريد زيارة منزل عمي.. فقط اريد ان اراك بخير .. اريد ان ارى ابتسامتك.. ارجوك يا ابي.. انهض وتحدث الي .. الى متى ستظل صامتا هكذا؟..
هبط مازن الى مستواها وقال وهو يتنهد: ملاك .. اهدئي.. والدك بحاجة ماسة الى الراحة الآن.. دعيه يرتاح قليلا..
قالها ووضع كفه على كتفها .. فالتفتت له ملاك وهزت رأسها نفيا ومن ثم قالت : لن اتركه.. حتى يعود معي الى المنزل..
والتفتت عنه لتتطلع الى والدها بحب.. ومن ثم تقبل كفه ودموعها لا تزال تبللها..و...
شعرت فجأة بأنامل كف والدها تتحرك..فتطلعت اليه بلهفة وهتفت قائلة: انهض يا ابي.. هذه انا ملاك..
فتح خالد عينيه اخيرا وهمس باسمها قائلا: ملاك..
اسرعت تقول بلهفة وهي تمسح دموعها: اجل ملاك يا ابي.. ملاك ..
اما مازن فقد تطلع الى الموقف مدهوشا.. فحسبما قال له موظف الاستقبال انه لن يفيق الا بعد ان يجروا له عملية نقلة دم.. فقد فقد كمية كبيرة من االدماء في الحادث.. قدتأثر عليه بشكل سلبي.. ولكن قد يكون الموظف مخطئ.. فما ادراه بحالة عمه.. وقال بابتسامة باهتة: حمدلله على السلامة يا عمي..
قال خالد وهو يلتفت الى مازن ويقول بصوت ضعيف: منذ متى وانا هنا؟..
قال مازن بهدوء: منذ ساعة ونصف..
شعر خالد بصداع عنيف يكتنف رأسه .. وهم بقول شيء ما .. لولا ان رأى اشخاص تدخل الى الغرفة.. وسمع صوت امجد وهو يقول: كيف هو حال خالد الآن؟..
اجابه مازن قائلا: لقد افاق منذ قليل.. ولكنه بحاجة الى عملية نقل دم..
قال امجد بعصبية: وفيم التأخير؟..
واسرع يلتفت الى كمال الذي كان يقف عند باب الغرفة مع مها: كمال اذهب لتتحدث الى الطبيب وتسأله عن سبب التأخير ..
اومأ كمال برأسه ايجابيا.. واسرع يبتعد.. في حين قال خالد بصوت خافت وهو يتطلع الى ملاك: اعذريني يا صغيرتي.. لكن هاتفك تحطم اثناء الحادث.. لقد اشتريته لك صباحا..
اسرعت ملاك تقول باكية وهي تضغط على كفه بكل قوة: قليذهب الهاتف الى الجحيم.. لا اريد شيئا يا ابي.. لا اريد سوى ان تعود معي الى المنزل.. وتكون بخير..
قال خالد بشحوب: ولكن يبدوا ان رغبتك الاخرى ستتحقق ..
والتفت الى امجد ليقول بصوت واهن: اعتني بها جيدا يا امجد.. انها امانة في عنقك.. سواء بقيت حيا او فارقت الدنيا..
هتفت ملاك بانفعال وهي تهز رأسها نفيا: لا تقل هذا يا ابي.. انت ستعيش.. ستحيا.. وستقول لي صغيرتي كما اعتدتها دوما منك.. وستمسح دموعي اذا ما بكيت..وستضحك معي اذا ما فرحت..ستعود معي يا ابي.. ستعود..
ابتسم والدها لها ابتسامة شاحبة ومن ثم قال متحدثا الى مازن: ملاك امانة في عنقك يا مازن.. دافع عنها ان حصل لي مكروه..
قال مازن في سرعة: لا تتعب نفسك بالحديث يا عمي.. ثم ان ملاك هي ابنة عمي.. ومن واجبي حمايتها..
قال خالد بصوت خافت: انا اعتمد عليك في ذلك..
ومن ثم تطلع الى مها التي تقترب منهم وقال وهو يشعر بالصداع يتضاعف ويكاد يفقده وعيه: مها.. ملاك تحبك كما لو كنت اخت لها.. فعامليها بالمثل..
لم تستطع مها التفوه بحرف واحد واكتفت بهز رأسها وهي تشعر بغصة المرارة تملأ حلقها..واخيرا التفت خالد الى ملاك.. وشعر انه قد وصل الى قمة اعياءه.. وقال بصوت اقرب الى الهمس وبالكاد يسمع: ستكونين بخير.. معهم .. باذن الله.. يا .. صغيرتي..
واغمض عينيه ليغط في عالم اللاوعي..في حين وضعت ملاك كفها على شفتيها وقالت وهي تهز رأسها بصدمة: لا .. لا .. ابي انت بخير.. ستنهض.. انهض يا ابي.. لقد وعدتني ان تكون معي دائما.. فلم تخلف بوعدك الآن؟..
اسرع امجد يضع يده على كتفها ويضغط عليه برفق ويقول بابتسامة شاحبة: اهدئي يا ملاك.. فبعد ان يتم نقل الدم له.. سينهض والدك وسيكون بخير.. ادعي له فقط..
عضت ملاك على شفتيها بالم.. وسالت دموعها التي احرقت جفنيها من كثرة بكاءها.. واخيرا وصل كمال الى الغرفة وقال : لقد تحدثت الى الطبيب المعالج.. كان سبب تأخيرهم هو عدم وجود كمية كافية من فصيلة الدم لعمي.. ولكني اجريت الفحوصات لأرى ان كانت فصيلتي مطابقة له.. وبعدها سيتم اجراء عملية نقل الدم له..
كانت الثانية التي تمضي عليهم اشبه بالساعة.. وهم يرون الممرضات يدخلون الى الغرفة.. ويطلبون منهم الانصراف ..لينتظروا في الممر.. الصمت كان سيد الموقف.. الا من صوت شهقات ملاك..واخيرا ظهرت نتيجة التحاليل.. بأن فصيلة كمال مطابقة ويمكنهم اجراء عملية نقل دم له على الفور ..
كان مازن يتطلع الى ساعته في كل لحظة.. ومها تحاول التخفيف عن ملاك بشتى الطرق والوسائل.. اما امجد فقد كان يتطلع الى غرفة العمليات ويترقب خروج الطبيب المعالج في أي لحظة.. واخبارهم بأن العملية قد نجحت اخيرا..ولكن الطبيب تأخر.. ثلاث ساعات مرت اشبه بالدهر.. والطبيب لم يخرج بعد.. وكمال يمسك بذراعه في صمت ومن ثم يتطلع الى ملاك بنظرات صامتة.. ملاك التي لم تكن منتبهة لأحد في تلك اللحظة..
وانفتح باب حجرة العمليات بغتة.. ليخرج منه الطبيب وملامحه جامدة.. فاسرع امجد يتوجه له ويقول بلهفة وقلق: كيف حال خالد يا ايها الطبيب؟.. اخبرني.. طمأني عليه..
تنهد الطبيب ومن ثم قال: العملية نجحت..
ابتسامة شقت الشفاه سرعان ما اختفت عندما اردف الطبيب وهو يزدرد لعابه: ولكن الحادث سبب له ضربة قوية برأسه ..كانت السبب في ما هو عليه الآن..
قال امجد بتوتر: ما الذي حدث له؟..
قال الطبيب وهو يتطلع له بنظرات مشفقة: لقد سقط في غيبوبة ..
اتسعت عينا امجد بقوة.. وقال بدهشة: ماذا؟.. لقد كان يتحدث معنا قبل قليل.. أي هراء تتفوه به؟..
قال الطبيب بصوت خافت: ذلك لأنه لم يكن تحت تأثير الغيبوبة بعد.. لكنها الآن قد سيطرت عليه.. واتمنى ان ينهض سريعا منها.. ادعو له بالشفاء..
اسرع كمال يسأله قبل ان يغادر: ما المدة التي يمكن ان يقع تحت تأثير الغيبوبة فيها؟..
هز الطبيب كتفيه ومن ثم قال بأسف: لا احد يعلم.. ربما يوم.. وربما اسبوع او شهر.. وحتى سنة..
وهنا فقط صرخت ملاك هاتفة: مستحيل.. مستحيل.. كل هذا كابوس..ابي بخير.. انت تكذب.. وجميعكم تكذبون.. ابي بخير.. لن يحدث له شيء.. سيعود معي.. اتفهمون؟.. ابي بخير..
هبط مازن الى مستواها وقال بألم: ملاك اهدئي ارجوك..
قالت ملاك بانفعال: لن اهدأ.. انتم تكذبون.. اعيدوا لي ابي.. اعيدوه.. اريد ابي..
كان صوت صراخها يتعالى ويكاد يملأ ارجاء المشفى وقد بدت في حالة هستيرية جعلت دموع مها تسيل خوفا على ملاك.. وحزنا على ما اصاب عمها.. وفي لحظة اجتمعت الممرضات حول ملاك.. ليحملنها بالقوة ويضعونها على الفراش المتحرك وهي تقاومهم بعنف.. وصوت مازن يقول بحدة: اياكم ان تأذوها .. اتفهمون..
هتفت احدى الممرضات بعصبية: ارجوك لا تتدخل .. ستصاب بانهيار عصبي لو لم نحاول ان نمنحها منوما الآن..
اتسعت عينا مازن ورآهم يدخلونها الى احد الغرف الجانبية.. وتسرع احدى الممرضات باعداد المحقن لها.. وملاك لا تزال تصرخ: دعوني اريد ان ارى ابي.. دعوني.. انتم لاتفهمون ..
خفت صوت ملاك فجأة وتثاقل جفناها وهي تراقب مازن يتقدم منها وفي عينه نظرة مبهمة وقالت برجاء:مازن.. دعهم يأخذوني الى ابي..اريد ان اراه.. اتوسل اليك..مـاز...
تثاقل جفناها وانتشر المخدر في جسدها كله لتغمض عيناها بالرغم منها .. وهمست قائلة وهي تتطلع الى آخر مشهد رأته عيناها قبل ان تفقد الوعي: ارجوك.. يا مازن..
همست بها واغمضت عيناها.. لتغيب عن الواقع المر الذي تحياه .. ومن صدمات القدر المتكررة لها..وتطلع لها مازن بألم .. ومن ثم اقترب منها ليمسح على شعرها بكل حنان.. واعتصرت قبضة باردة قلبه.. وهو يراها غائبة عن الوعي ..ووالدها في قد سقط في غيبوبة ..الله تعالى وحد من يعلم .. متى يستيقظ منها...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
__________________
سبحان الله العظيم
سبحان الله وبحمده


فاضي دقيقتين؟
ادخل هنا
وشاركنا
هنا
مشاركة في دورة عيون العرب لتعليم الفوتوشوب خطوة بخطوة 2


يا كاشفني
ღ. ŚḿĨŁę ğĩŕĻ .ღ.
  #122  
قديم 03-03-2010, 07:33 PM
 
الجزء السادس عشر
"عودة"

فتحت ملاك عيناها فجأة.. وعادت لتسبل جفنيها عندما آذاها ضوء الشمس المنبعث من النافذة.. ولوهلة كانت ستنادي نادين لتعد لها الفطور.. ولكن ذكرى الامس مرت على ذهنها بسرعة خاطفة.. جعل ملامحها تتقلص.. وخفقات قلبها تتوتر. . اما حدث بالامس كان حلما؟؟..
كانت ستأكد لنفسها ذلك لولا ان فتحت عينيها واستغربت المكان التي هي فيه..وعقدت حاجبيها وهي ترى نفسها تنام في غرفة اشبه بغرف المستشفيات..ما الذي جاء بي الى هنا؟ ..
وبغتة عاد اليها صفاء ذهنها.. وتذكرت ما حدث.. تذكرت الامس.. تذكرت اصعب يوم مر عليها في حياتها.. هل كان يوما حقا؟.. خالته عاما.. دهرا..من المستحيل ان يكون ما مر عليها بالامس من احداث هي ساعات فحسب ..
عادت الدموع لتتجمع في عينيها من جديد.. الم تمل من البكاء؟ .. الى متى ستظل تبكي؟.. وهل ستعيد لنا الدموع من فقدناه يوما؟.. قلبها يبكي بدموع من دم.. وعيناها ذرفت بحورا من الدموع..وهي تحاول ابعاد ذكرى الامس عن ذهنها.. كلماته لا تزال عالقة في ذهنها.. وكأنه كان يشعر بأنه سيتركها وحيدة.. فقد وصى الجميع عليها..
آه يا ابي.. العالم كله لا يعوضني دقيقة واحدة اقضيها معك.. اين انت عني الآن ؟.. تركتني وحيدة اصارع العالم وحدي .. كيف لفتاة مثلي ان تواجه كل هذه الطعنات المتكررة من القدر؟.. يا رب.. ارحني من هذا العذاب.. واشفي ابي ..
(قد تجعلنا المصائب نبدوا في عمر اكبر من عمرنا الحقيقي) .. يبدوا وان هذه المقولة صحيحة.. اشعر بأني امرأة تجاوزت الثلاثين.. تحمل على كاهلها هموم الحياة ومصاعبها..اين انت يا ابي الآن؟.. اين انت؟..
عادت الدموع لتسيل على وجنتيها بصمت.. وراودها سؤال وهي في حالها تلك.. الا تجف الدموع ابدا؟.. لو كانت الدموع تجف.. لجفت دموعها منذ زمن.. تشعر بتقلصات في معدتها.. هل هو الخوف على ابيها ام هو القلق من المستقبل المجهول الذي ينتظرها؟..
تلفتت حولها بألم وشاهدت في تلك اللحظة فقط.. مها وهي تعقد ذراعيها امام صدرها وتجلس على مقعد مجاور لفراشها وتغط في نوم عميق..يبدوا وكأنها تشعر بالبرد.. منذ متى وهي هنا؟.. اخذت تراقبها للحظة.. ولكن انطلق رنين هاتف مها المحمول فجأة محطما سكون الغرفة.. ليجعلها تغمض عينيها لتتظاهر بالنوم.. ولتهرب من الواقع ايضا..
اما مها.. فقد انتفضت فجأة عندما انطلق صوت رنين هاتفها.. وجعلها تفتح عينيها بكسل.. وتبحث عنه في حقيبتها.. وهي تشعر بأن ظهرها يؤلمها بسبب نومها على المقعد.. لقد كان يفترض بها ان تبقى الى جوار ملاك.. فقد كانت حالتها لا تبشر بخير.. وحتى اذا استيقظت منتصف الليل فزعة على والدها.. تكون مها على الاقل الى جوارها.. ولكن عيناها خانتاها.. وتثاقل جفنيها لتغط في نوم عميق دون شعور.. لقد كانت ليلة ليلاء بالفعل بعد كل ما حدث لعمهم ولملاك..
اسرعت تلتقط هاتفها من حقيبتها .. وتجيبه بصوت هامس حتى لا توقظ ملاك من نومها كما تظن: من؟..
جاءها صوت حسام وهو يقول بدهشة: من؟.. اول مرة تجيبين علي بهذه الطريقة يا مها.. خلتك رأيت رقم هاتفي..
فركت مها عينيها بتعب وقالت: لقد كنت نائمة..
عقد حسام حاجبيه وتسائل قائلا: الى الآن؟.. حتى الجامعة لم تحضريها اليوم.. ماذا بك؟.. هل انت مريضة؟..
اسرعت مها تقول: لا لست مريضة.. ولكنها ظروف.. ظروف طارئة اجبرتني على التغيب هذا اليوم..
قال حسام متسائلا: اقلقتني يا مها.. ماذا حدث؟..
ترددت مها للحظة ومن ثم قالت وهي تتنهد: عمي خالد.. لقد اصيب بحادث هذا اليوم.. وسبب له غيبوبة مفاجأة..
وعلى الرغم من ان ملاك تدرك الواقع لم تحتمل سماع مثل هذه العبارات التي تذكرها بما اصاب ابيها.. مما جعلها تضع كفها على شفتيها لتمنع شهقة كادت ان تفلت من بين شفتيها.. واشاحت بوجهها بعيدا لتكمل نحيبها الصامت..
اما مها فقد شعرت بحركة ملاك.. ولكنها ظنت انها تتحرك اثناء نومها..وعلى الطرف الآخر قال حسام بصدمة: عمك خالد؟.. والد ملاك؟..
- اجل هو..
واردفت بمرارة: ومنذ ان علمت بالامر.. حتى اصابتها حالة هستيرية.. جعلها تملأ اروقة المشفى صراخا.. واضطرت الممرضات لاعطائها منوما.. تفاديا لأية مضاعفات..
عضت ملاك على شفتيها في تلك اللحظة.. وهل يكفي الصراخ ؟.. هل تكفي الدموع؟.. لأعبر عن مكانة ابي في قلبي..
قال حسام متسائلا: وكيف حالها الآن؟..
قالت مها وهي تتنهد: لا تزال نائمة.. لا اعلم ما الذي سيحدث ان استيقضت وادركت بما حدث؟..
التقطت ملاك انفاسها بصعوبة..نائمة؟؟.. النوم راحة يا مها .. ولست املك هذا الاخير ..وقال حسام في تلك اللحظة: اهتمي بنفسك جيدا يا مها.. وكذلك بملاك.. عند اول فرصة اجدها سآتي الى المشفى.. سلامتهم جميعا..
قالت مها بشحوب: لا داعي لأن تتعب نفسك .. جميعنا معها.. ابي الوحيد الذي غادر قبل قليل فقط لأن لديه عمل هام.. كمال ومازن هنا ايضا.. غادرا الى المنزل ليناما بضع ساعات وعادا من جديد..
قال حسام مشفقا: وانت؟..
رفعت حاجبيها وقالت بحيرة: ماذا بي؟..
قال حسام بصوت حاني: لم ترتاحي منذ الامس..
اسرعت مها تقول: لقد كنت نائمة مع ملاك..
- اين؟..
قالت بحيرة: على المقعد ..
قال حسام وهو يبلل شفتيه بطرف لسانه: ولم لا تعودين الى المنزل وترتاحي قليلا؟..
- وملاك؟.. من سيبقى معها؟..
عقد حسام حاجبيه وقال: الم تقولي ان كمال ومازن موجودين معها؟..
قالت مها مجيبة: بلى.. ولكنهم لن يستطيعوا التصرف مع ملاك .. مثل ما سأفعل.. فأنا فتاة مثل ملاك وافهمها جيدا..
قال حسام مداعبا فقط ليخرج مها من حالة الحزن الذي يسمعها في صوتها: تبدين لي احيانا فتاة طيبة..
قالت مها بضيق: حقا؟.. هل ابدوا لك شريرة الى هذه الدرجة؟ ..
- احيانا فقط..
ابتسمت مها ابتسامة شاحبة عندما علمت من نبرة صوته انه يمازحها ليس الا وقالت: حسنا اذا.. سأغلق الهاتف الآن حتى تعلم كم انا شريرة..
قال مبتسما: جيد انك اعلمتني.. وان كنت ستظلين في نظري مها الطيبة والرقيقة مهما فعلت..
قالت مها بارتباك: حسام.. هل لي بسؤال؟..
كادت ان تسأله عن سبب اختلاف تصرفاته معها في الآونة الاخيرة.. وسبب حديثه المهتم بها.. ولكن قدوم مازن المفاجئ الى الغرفة.. جعلها تشعر بالخجل من التحدث امامه.. وتقول بهدوء: سأتحدث اليك فيما بعد يا حسام.. الى اللقاء..
- كما تشائين.. واذهبي الى المنزل لترتاحي قليلا كما طلبت منك..مع السلامة..
اما مازن فقد قال ساخرا وهو يراها تعيد الهاتف الى حقيبتها: الا يمل من مغازلتك يوميا ؟..
قالت مها بحدة: حسام لا ينطق بكلمة غزل واحدة عكسك تماما .. فأنت الذي...
وضع كفه على شفتيها ليصمتها وقال بصوت خافت: اصمتي.. ملاك نائمة.. ستوقظينها بصراخك هذا..
وابعد كفه عن شفتيها وقال متسائلا: كيف حالها؟..
قالت مها وهي تزفر بحرارة: كما تراها.. لقد ظلت نائمة طوال الليل والى الآن.. وكأنها لا تريد ان تستيقظ وتدرك ما حدث..
اغمضت ملاك عينيها بقوة ..ادركته يا مها وانتهى الامر.. وقال مازن في تلك اللحظة: اخشى ان مكروها قد اصابها..
واسرع يقترب منها ويتطلع اليها.. لقد كان يبدوا له تنفسها طبيعيا تماما.. وان كانت الدموع لم تجف بعد من على وجنتيها ..وقال مستطردا: انها تتنفس.. ولكن لم هي نائمة الى الآن؟ ..
هزت مها رأسها وقالت : لست اعلم..
اسرع مازن يقول: سأنادي الطبيب.. لعله يعلم ما بها..
اسرع يبتعد عن فراش ملاك.. وهذه الاخيرة تتابع خطواته.. وقالت فجأة بصوت خافت جدا: لا داعي..
لم يسمعها مازن.. ولكن مها سمعتها.. وجعلها تقول متحدثة الى مازن: انتظر لحظة..
التفت لها مازن مستغربا.. ورآها تقترب من سرير ملاك وتقول وهي تتطلع اليها بابتسامة مرتبكة: ماذا قلت يا ملاك؟.. هل استيقظت ام انني اتوهم؟..
فتحت ملاك عينيها وادارتهما فيما حولها بلا شعور ومن ثم قالت بصوت خافت: قلت لا داعي..
ابتسمت مها ابتسامة واسعة وقالت وهي تحتضن كفها: حمدلله على سلامتك يا عزيزتي.. اخفتنا عليك كثيرا..
اسرع مازن يقترب بدوره منها ويقول مبتسما: ما هذا يا ملاك؟ .. اكل هذا نوم؟.. الم تنامي منذ اسبوع؟..
طالعته مها بنظرة.. بأن هذا ليس وقته.. ولكن ملاك لم تهتم باجابته.. واكتفت بأن تطلعت اليه ومن ثم انزلت عينيها بلا اهتمام..وارتفع حاجبا مازن بدهشة من نظرات ملاك نحوه.. فبعد ان كان يرى في عينيها اللهفة والخجل حين تراه.. يرى الآن اللامبالاة.. ربما مها معها حق.. ليس هذا وقت المزاح ابدا ..
فتح الباب في تلك اللحظة.. والتفت مازن الى القادم وقال مبتسما: اقترب يا كمال.. لتوها فقط قد نهضت..
اقترب كمال من فراش ملاك.. وتطلع اليها بنظرة غامضة ومن ثم قال بابتسامة: حمدلله على سلامتك يا ملاك..
لم تجبه ملاك وظلت صامتة.. تبادلوا جميعا نظرات الاستغراب فيما بينهم..ولكن مها ادركت ان الصدمة التي واجهتها بالامس اقوى من ان تجعلها تتقبل أي شيء بسهولة.. حتى الحديث مع الناس..
وقالت مها متحدثة وهي تحاول جذبها الى الحديث: اتريدين شيئا يا ملاك؟..
هزت ملاك رأسها نفيا بصمت.. وقالت مها مردفة: ما رأيك ان اعدل لك من وضع الفراش.. حتى ترتاحي في جلوسك؟..
لم تعلق ملاك ولو بحرف وظلت على وجومها ذاك.. وكل ما فعلته انها اخذت تداعب قلادتها.. وتعض على شفتيها بالم ومرارة وحزن عميق.. لا يزال ابيها يحتل القلب وسيظل ..وقال مازن وهو يبحث عن أي موضوع للحديث: لا بد انك جائعة.. سأذهب لأطلب من احدى الممرضات ان تحضر لك اشهى طعام بالمشفى بأكمله..
التفتت مها الى مازن وقالت بابتسامة شاحبة: لم اكن ادرك ان لديك وساطة قوية في المستشفيات ايضا..
غمز مازن بعينه وقال : ها انتذا علمت..
لديهم رغبة في الحديث.. في المزاح.. في الابتسام ..كيف؟ .. اخبروني بالله عليكم كيف؟ ..ربما لانكم لا تكننون لأبي سوى مشاعر قرابة.. وشعور بالواجب تجاهه.. لا تشعرون بكل هذا العذاب الذي اشعر به.. لا تشعرون بالآلام التي تجعلني اكره الحياة.. ذلك لانكم لم تعرفوه عن قرب كما عرفته.. لم تعيشوا معه.. لم تعرفوه الا منذ عشرة ايام تقريبا.. اما انا فأعرفه منذ ثمانية عشرة عاما.. لا تلوموني ان صمت.. وكرهت التحدث اليكم.. لا تلوموني ان آثرت الانطواء على نفسي.. فكل من بقي لي في هذا العالم هو ابي .. وابي قد تركني وحدي.. تركني اعاني كل هذا وحدي...
كانت عيناها الدامعتان تتطلعان الى مها.. وتحاولان ان تشرح لها كل ما يدور بخلدها.. فقالت مها وهي تربت على كتفها: لا عليك يا ملاك..افعلي ما شئت.. نحن نعلم جيدا انه والدك وتحبينه اكثر من العالم كله.. ونعلم ان الصدمة كانت قوية بالنسبة لك.. ولكن كل ما نطلبه منك هو الصبر والايمان.. لا تضعفي.. تمسكي بأمل ان ينهض والدك من غيبوبته يوما.. وعندها ستشعرين بالراحة قليلا.. بدلا من ان تعيشي في هذا العذاب..
عاد مازن في تلك اللحظة وهو يقول للمرضة: ضعي الطعام على الطاولة.. وصدقيني ستصلك الاطباق خالية بعد قليل.. فلا ريب ان ملاك ستلتهم كل شيء من شدة جوعها..
بل لا شيء!.. لا اريد شيئا.. من لديه رغبة في شرب كأس من الماء فحسب بعدما حصل..حركت مها الطاولة قليلا.. ووضعتها امام ملاك التي تطلعت الى الاطباق بلامبالاة.. ومن ثم اشاحت بوجهها بعيدا.. فقالت مها بحيرة: لم لا تأكلين؟.. انت لم تتناولي شيئا منذ الامس..
هزت ملاك رأسها نفيا وكأنها تعلن رفضها عن تناول أي شيء..فأردفت مها قائلة: لقد اخبرنا الاطباء بأنك بحاجة الى التغذية.. فجسمك ضعيف جدا..
وقالت الممرضة التي لم تغادر الغرفة بعد: يجب عليك ان تتناولي شيئا يا آنسة ملاك.. قهذا سيؤثر بالسلب على صحتك..
تطلعت لها ملاك بنظرة خاوية..ومن ثم عادت لتداعب قلادتها من جديد.. وقال مازن باصرار: تناولي شيئا يا ملاك.. لا تكوني عنيدة هكذا..
تطلعت له ملاك وقالت بحدة: لا اريد..
قال مازن وهو يبتسم بزاوية فمه: واخيرا تحدثت.. يالك من عنيدة.. ولكن مع هذا.. لن اتراجع عن ما قلته.. فستتناولين طعامك كله وذلك...
فجأة صرخت ملاك قائلة بانفعال وهي تزيح الاطباخ كلها من على الطاولة : لا اريد شيئا..لا اريد..
تحطمت الاطباق بدوي مزعج وتناثر الطعام والشراب على ارضية الغرفة..وتطلع الجميع الى الموقف مدهوشين.. ومها قد اتسعت عيناها وشهقت بقوة عندما رأت ما حدث.. فقد استغربت هذا التصرف العنيف من فتاة رقيقة كنسمة الهواء مثل ملاك..واردفت ملاك بانفعال اكبر: فقط دعوني وحدي .. اخرجوا جميعا.. اريد البقاء وحدي.. لا اريد احدا هنا.. اخرجوا.. لا اريد ان اراكم.. اريد ابي.. احضروا لي ابي.. اريد ان اراه.. اعيدوه الي..
اسرعت الممرضة تعد محقنا مهدئا في تلك اللحظة .. فقال مازن بسرعة: اياك وان تعطيها محقنا آخر من هذا المهدئ اللعين ..
قالت الممرضة وهي تشير الى ملاك التي تصرخ بقوة وتردد بأنها تريد ابيها: الا ترى حالتها؟.. قد تنهار في اية لحظة..
قال مازن بحدة وهو يبعد يد الممرضة الممسكة بالمحقن: والا تعرفين ايتها الممرضة التي تعملين هنا ربما لسنوات.. بأن اعتيادها على هذه المهدئات قد يجعل جسدها ينهار.. لا شأن لك انت.. انا سأتصرف..
قالت الممرضة بضيق: تصرف انت.. وانا اخلي مسؤوليتي ان اصابها شيء..
واسرعت تغادر الغرفة بحنق.. فابعد مازن مها المذهولة عن فراش ملاك وتقدم منها ليهتف بحدة: اصمتي يا ملاك.. قلت لك اصمتي ..لا داعي لكل هذا الصراخ..لتخبرينا بأنك تودين منا الخروج وتودين رؤية ابيك..
قالت ملاك وهي تهتف بحدة وانفعال: لماذا لا تزالون هنا اذا؟.. اخرجوا.. لا اريد ان ارى احد هنا.. غادروا حالا.. لا اريد رؤيتكم..
قالت مها في تلك اللحظة بخوف: لماذا جعلت الممرضة تنصرف يا مازن.. كيف سنتصرف نحن معها الآن؟..
التفت مازن الى مها وقال بحدة: اصمتي انت الاخرى ايضا..
وامسك بغتة بكتفي ملاك ليهزها بقوة ويهتف فيها قائلا: اهدئي يا ملاك.. وكفي عن صراخك.. سنفعل كل ما تريدينه فقط اهدئي..
عقد كمال ذراعيه امام صدره وقال ببرود: اتظن انك بهذه الطريقة ستهدئ من صراخها حقا؟..
تجاهله مازن وقال مواصلا وهو يخفف من نبرة صوته: اخبريني بما تريدين بهدوء.. وسنفعله في الحال..
توقفت ملاك عن هتافها المنفعل حقا.. واغرورقت عيناها بالدموع لتقول بصوت مختنق: اريد ابي.. اريد ان اراه..
قال مازن بابتسامة شاحبة: سآخذك اليه بنفسي ان اردت..
قالت ملاك غير مصدقة: حقا؟..
اومأ مازن برأسه وقال: اجل.. ولكن بشرط.. ان تتناولي من الطعام ولو القليل.. فأنت لم تتناولي شيئا منذ البارحة..
هزت ملاك رأسها نفيا وقالت: لا اريد..
ابتسم مازن وقال: عدنا للعناد مرة اخرى.. على الاقل اشربي العصير.. موافقة؟..
اومأت ملاك برأسها وهي تمسح دموعها .. فابتسم مازن وهو يترك كتفيها.. فقالت وهي ترفع رأسها له: وستأخذني الى ابي بعدها؟..
- اجل وخذيها وعدا مني..
والتفت الى مها ليقول مبتسما: اطلبي من أي من الممرضات احضار عصير البرتقال الطازج الى ملاك..
اومأت مها برأسها.. وهي في حيرة من امرها مما حدث.. لماذا تحدثت الى مازن بالذات بينما كانت تصمت عن الجميع؟.. لماذا هدأت عندما تحدث اليها مازن؟.. ألمازن كل هذا التأثير عليها؟.. لو كان كذلك.. فهي غارقة في حبه حتى اذنيها.. لم اتوقع يوما ان ملاك ستحب .. ومن ؟.. مازن.. صاحب التجارب العاطفية .. والذي لديه من بدل الفتاة مائة .. لا استطيع سوى ان اقول..اتمنى ان يكون الله في عونك يا ملاك .. ويجعلك يا مازن تقدر هذا الملاك الذي منحتك قلبها ...
وعلى الطرف الآخر عقد كمال حاجبيه بشك.. وهو غير مصدق ان مازن قد تمكن من امتصاص غضب وانفعال ملاك بهدوءه.. في حين التفت له مازن ورفع حاجبيه وشبح ابتسامة يتراقص على شفتيه.. وقال: ماذا كنت تقول قبل قليل؟..
طالعه كمال بنظرة ضيق.. لم يأبه بها مازن وهو يتحدث الى ملاك التي كانت تتطلع من النافذة بشرود: ملاك.. انت تعلمين انك ستعودين الى منزلنا بعد خروجك من هنا اليوم .. صحيح؟ ..
قالت ملاك وهي تلتفت اليه: سأخرج من هنا اليوم؟..
اومأ برأسه ايجابيا.. فأسرعت تقول برجاء: ولكن ليس قبل ان ارى ابي..
قال بابتسامة باهتة: لا تقلقي.. لن نغادر المكان قبل ان آخذك الى والدك.. لتريه وتتحدثي اليه..
قالت ملاك وغصة مرارة تملأ حلقها: وهل سيسمعني ان تحدثت؟ ..
قال مازن وهو يهز كتفيه: ربما من يدري..
واردف بهدوء: وغرفتك التي بمنزلنا لم يتغير فيها شيء.. وكأنك لم تغادريها.. وها انتذا ستشرفينا بجلوسك معنا من جديد..
صمتت ملاك ولم تعلق.. في حين احضرت مها في تلك اللحظة كأس من العصير.. وطبق من الفاكهة..لم تلمس ملاك منهم شيئا .. اللهم الا رشفة من العصير..وبعدها تطلعت ملاك الى مازن وفي عينيها رجاء له .. فقال مبتسما: حسنا.. حسنا.. كما وعدتك.. سآخذك الآن الى ابيك.. هل انت مستعدة؟..
اومأت ملاك برأسها في سرعة .. فقال مبتسما وهو يحرك مقعدها المتحرك من فراشها: اذا هيا.. اجلسي لآخذك اليه على الفور..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
اغلق فؤاد الهاتف بحركة عصبية.. جعلت عادل يلتفت له ويقول بدهشة: ماذا بك؟..ماذا جرى؟..
قال فؤاد بحدة وعصبية: الاحمق.. الابله.. لم يخبرني بما حدث الا الآن..
ارتفع حاجبا عادل وقال بدهشة: من هو الاحمق؟..وما الذي حدث؟..
قال فؤاد وهو يلوح بكفه بعصبية: ذلك الذي استأجرته لمراقبة خالد.. اتصل الآن ليخبرني انه في اثناء ملاحقته له.. اصطدمت سيارة خالد بسيارة اخرى.. ونقل بعدها خالد الى المشفى ..
قال عادل بصدمة: ماذا تقول؟.. وماذا حدث لخالد بعد ذلك؟ ..
قال فؤاد بضيق: لقد اصيب بغيبوبة..
اتسعت عينا عادل وقال وهو غير مصدق: لابد وانك تمزح..
طالعه فؤاد بضيق ومن ثم قال: لا تقول انك متأثر بسبب ما حدث لخالد..
قال عادل وهو يزفر بحدة: انه شقيقي قبل كل شيء..
قال فؤاد يعصبية: واين كان شقيقك هذا عندما كتب شركته باسم ابنته واملاكه كلها لها؟.. لقد حرمنا من كل شيء بأنانيته.. ومنح ابنته كل شيء..هو لم يهتم بصلة القرابة التي بيننا .. فلم نهتم نحن؟..
واردف غير منتظر اجابة من عادل: وهذا الاحمق الذي استأجرته .. لم يخبرني بما حصل الا الآن.. ذلك لأن الوقت كان متأخرا بالامس عندما حدث الاصطدام وخشى ان يزعجني .. الاحمق..
قال عادل بهدوء: وماذا ستفعل الآن بعد ان اصبحت ملاك فريسة سهلة لك؟..
قال فؤاد بسخط: وماذا افعل بملاك الآن؟.. لقد كنت اريد استخدامها كوسيلة للضغط على خالد.. ولكن الآن خالد راح ضحية غيبوبة لا اعلم متى يستيقظ منها ولا يمكننا الانتظار حتى يستيقظ..
واردف وهو يكور قبضته بغضب: ثم ان ملاك بحكم القانون.. لديها الاهلية التي تخولها لأن تكون وصية عن نفسها .. وهذه هي المشكلة.. لقد اصبح كل شيء في يد ملاك وحدها ..
قال عادل بقلق: هذا يعني ان ملاك وحدها هي من تملك الحق الآن.. في ادارة كل شركات ابيها..واملاكه..
قال فؤاد بعصبية: اجل هذا صحيح.. يالسخرية القدر.. هذه العاجزة تكون مالكة لشركة وعمارتين.. ورصيد كبير في البنك..
قال عادل وهو يزفر بحرارة: اظن ان عليك ان تزيلها من ذهنك .. فلم يعد هناك حل يوصلك لاملاك خالد..
- انت تهذي.. لن اعدم الوسيلة حتى اجعل املاك خالد بين ايدينا..وسأجد هذا الحل قريبا.. فقط انتظر وسترى بنفسك...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
مثل ما دخلتها اول مرة.. شاحبة .. صامتة..بنظرة الحزن التي تملأ عينيها.. والالم والخوف يعتصران قلبها.. وان اختلف شيء فهو انها تعرف وضع ابيها هذه المرة..
ورفعت عيناها لما حولها.. حتى الغرفة لم يتغير فيها شيء ..الضوء الخافت وصوت جهاز ضربات القلب يتكرر بانتظام..وجسد والدها الممدد على الفراش.. والضماد الذي يلف رأسه.. لم يختلف شيء في الغرفة سوى ان المغذيات والاجهزة قد زادعددها..
والتفتت الى مازن الذي يدفع مقعدها وقالت بصوت متقطع: اتظن انه.. سينهض؟..
قال مازن وهو يبتسم لها ليطمئنها: اجل اظن ذلك.. فقط لا تفقدي الامل..وادعي له دائما بأن يشفى ويعود اليك من جديد..
اومأت ملاك برأسها وقالت بشحوب: وهذا ما افعله..
وعادت لتلتفت الى جسد والدها .. والتقطت كفه بيدها لتقول وهي تحاول منع دموعها من ان تسيل على وجنتيها: ابي.. لا اعلم ان كنت تسمعني ام لا.. المهم انني اريد ان اتحدث اليك .. لقد طلبت مني ان اعود الى منزل عمي وسأفعل بناء على رغبتك.. وانت ايضا..سأطلب منك طلبا واتمنى ان تفعله.. كما كنت تفعل دوما.. فلأجلي كنت تنفذ كل ما اطلبه منك..
ابتعد مازن في تلك اللحظة ليترك الحرية لملاك لتتحدث كما تشاء وجلس في ركن من الغرفة.. في حين اردفت ملاك قائلة ودموعها قد عادت لتتساقط: ارجوك يا ابي قاوم ما انت فيه وعد الي.. احتاج اليك.. اكثر من أي شخص آخر.. لا احتمل فكرة ابتعادك عني.. لا احتمل ان ارااك صامتا هكذا.. لأجلي انهض.. وعد الي من جديد..
قبلت كفه وتنهدت بمرارة.. واخذت تمسح دموعها.. وفوجئت بمازن يقول وهو يمد لها يده بمنديل: خذي امسحي دموعك..
ارتفع حاجبا ملاك بدهشة.. لكنها ما لبثت ان اخذت منه المنديل وقالت بصوت باكي: اشكرك..
قال مازن متسائلا: والآن هل نذهب؟..
القت ملاك نظرة اخيرة على والدها ومن ثم قالت متحدثة الى هذا الاخير: سأعود مرة اخرى يا ابي.. سآتي لزيارتك كل يوم تقريبا.. انتظرني..
قالتها وتركت كفه.. فادار مازن مقعد ملاك ليخرج خارج الغرفة.. والتفتت ملاك مرة اخرى على الرغم منها وهي تتطلع الى جسد اباها الذي اخذ يبتعد تدريجيا.. او بمعنى اصح هي التي كانت تبتعد ..وغادرت في تلك اللحظة الغرفة.. فقالت مها التي كانت تنتظرها بالخارج: اتعلمين يا ملاك كم انا سعيدة لانك ستعودين للعيش معنا..
رفعت ملاك عينيها لمها وكادت ان تهم بقول شيء ما لكنها آثرت الصمت.. لا تريد ان تقول انها ليست سعيدة.. لان السبب الذي اعادها الى منزل عمها يبكيها بدموع من دم ..ووجدت نفسها تهبط معهم بالمصعد الى الطابق الارضي ومن ثم يغادرون المشفى متجهين الى المواقف.. وبعدها انطلقت سيارة مازن بملاك ومها.. اما كمال فقد غادر قبلهم بسيارته ..
وقال مازن وهو يتطلع الى الطريق الممتد امامه: مها اتصلي بنادين واطلبي منها ان تعد جميع حاجيات ملاك.. حتى اذهب الى منزل عمي ليلا واحضر لملاك حاجياتها..
اومأت مها برأسها ايجابيا في حين قال مازن متحدثا الى ملاك: اتريدين أي شيء آخر يا ملاك؟..
قالت ملاك بصوت خافت:احضر نادين معك ان استطعت.. ارغب في وجودها معي..
قال مازن بابتسامة: لا عليك.. من اجلك سأستطيع..
قالت مها متسائلة: وماذا عن الخدم الموجودين بمنزل عمي؟..
قال مازن بهدوء: سأمنحم اجازة مفتوحة.. حتى يتعافىعمي ..
اتصلت مها في تلك اللحظة كما طلب منها مازن بنادين.. واخبرتها بأن تعد جميع حاجيات ملاك.. وكذلك تحضر معها أي اشياء ثمينة تخص عمها خالد كذلك..وعندما سألت نادين عن اخبار سيدها..اخبرتها مها بكلمات مقتضبة بما حصل لهذا الاخير..واخيرا طلبت منها ان لا يعلم احد سواها بما حدث من الخدم..وانهت الاتصال بها ..
والتفتت لمازن لتقول وهي تمط شفتيها: هاقد فعلت.. أي اوامر اخرى.. سيد مازن؟..
التفت لها مازن وقال مبتسما: لا..لو احتجت الى أي شيء آخر سأخبرك..
تطلعت له مها بضيق.. في حين تطلع مازن الى ملاك من مرآة السيارة وقال متسائلا: هه.. ماذا تريدين ان تتناولي على طعام العشاء هذا اليوم؟.. نحن الآن مسئولون عنك.. ويجب ان نهتم بغذائك بدلا من الاطباء والممرضات..
قالت ملاك بصوت خافت: لا شيء..
هز مازن كتفيه وقال: كما تريدين.. ولكن غدا لن آخذك الى المشفى..
هتفت ملاك باستنكار: انت تمزح..
قال في سرعة: ابدا لست كذلك.. ان رفضت تناول طعامك .. سأرفض انا ايضا ان آخذك لتري والدك..
قالت ملاك وهي تلتفت الى مها بتردد: وماذا عن سائقكم يا مها.. سيرفض هو ايضا اخذي لأرى ابي..
قالت مها وابتسامة تتراقص على شفتيها: انا مع مازن.. لن اوافق ان تذهبي الى أي مكان.. قبل ان تتناولي طعامك.. جسدك ضعيف جدا.. وبحاجة ماسة الى الغذاء..
آثرت ملاك الصمت.. من اين تأتيها الرغبة لتناول شيء؟.. كيف تمتلك الشهية لتناول طعامها ووالدها ممدد على فراش بالمشفى؟ .. لا تعلم ان كان يشعر بما حوله وهو في الغيبوبة ام لا ..ولكن عليها ان تتحامل على نفسها قليلا لترى والدها .. قد يمنعها مازن حقا من الذهاب ان لم تتناول أي شيء كما قال! ..
اما مها فقد التفتت لملاك وقالت متحدثة الى نفسها: ( احقا انت قلقة يا ملاك؟.. وصدقت ما قاله مازن بهذه السرعة.. انها ليست سوى وسيلة لاجبارك على تناول طعامك.. هل اقول انها براءة منك ان تصدقي ما يقال لك بهذه البساطة؟..ربما يصفونك بالسذاجة.. ولكني حقا لا اراك سوى صورة مجسدة للشفافية والبراءة.. تقولين كل ما بداخلك دون حواجز.. بعكسنا جميعا.. وتعتبرين جميع الناس من حولك مثلك.. الصدق والطيبة وحب الخير والناس هي صفاتهم..)
توقفت السيارة بعدها امام منزل امجد.. وابتسم مازن وهو يوقفها ويهبط منها ..ومن ثم يفتح صندوق السيارة ليخرج مقعد ملاك..ويضعه امام الباب المجاور لها.. وقال وهو يفرده ويساعدها على الجلوس عليه: مرحبا بك من جديد في منزلنا المتواضع..
تطلعت ملاك الى المنزل.. تذكرت اول مرة جاءت فيها الى هنا ..كانت مع ابيها يومها .. انبهرت يومها بالمنزل الذي يشبه القصور حسب قولها.. واليوم ها هي ذي تعود اليه.. ولكن ليس برغبتها بل بطلب من ابيها قبل ان يحدث له ما حدث.. وها هو ذا المشهد يتكرر امام عينيها وهي تدخل الى المنزل.. ولكن هذه المرة لن تستطيع ان تسمع صوت ابيها حتى ..فسيغيب هذه المرة ايضا ولكن لفترة طويلة .. طويلة جدا .. تاركا ملاك بمصير مجهول بعد عودتها هذه...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
__________________
سبحان الله العظيم
سبحان الله وبحمده


فاضي دقيقتين؟
ادخل هنا
وشاركنا
هنا
مشاركة في دورة عيون العرب لتعليم الفوتوشوب خطوة بخطوة 2


يا كاشفني
ღ. ŚḿĨŁę ğĩŕĻ .ღ.
  #123  
قديم 03-03-2010, 07:34 PM
 
الجزء السابع عشر
"عناد"

توقف مازن بسيارته بجوار منزل ملاك مساءا بعد ان عاد من النادي .. واسرع يضرب بوق السيارة..فانفتح الباب الخارجي واطلت منه نادين.. وتقدمت من السيارة وهي تحمل حقيبة كبيرة..فخرج مازن من السيارة وتناول منها الحقيبة فقالت: هذه حقيبة حاجيات ملاك..
وضع مازن الحقيبة في صندوق السيارة دون ان يعلق.. في حين اقتربت منه نادين في تلك اللحظة وهي تحمل حقيبة صغيرة سوداء اللون في يدها الاخرى وقالت: سيد مازن..
التفت لها مازن متسائلا.. فقالت وهي تقدم له الحقيبة: سيد خالد طلب مني ان اسلم هذه الحقيبة للسيد امجد لو اصابه مكروه .. هلا اوصلتها له؟..
التقط مازن منها الحقيبة وقال باستغراب: وماذا بها هذه الحقيبة؟ ..
قالت نادين وهي تهز رأسها نفيا ببطء: لا اعلم..
تطلع مازن الى الحقيبة للحظة ومن ثم قال وهو يضعها على المقعد الخلفي: فليكن سأوصلها الى والدي..
قالت نادين وهي تلتفت الى ما خلفها: سأذهب لاحضار شيء ما من الداخل.. لقد نسيته ولا اظن ان الآنسة ملاك ستسامحني لو لم احضره معي..
استغرب مازن من هذا الشيء الذي سيجعل ملاك تحزن ان لم يكن معها.. ومن ثم لم يلبث ان اعتلت شفتيه ابتسامة ساخرة وهو يرى نادين تقترب منه وهي تحمل قفصا في يدها وبداخله الكناري الاصفر.. فقال ساخرا: لقد ظننته عقدا من الماس هذا الذي لن يجعل ملاك تسامحك ابدا..
قالت نادين بارتباك: انه هدية من والدها.. ولهذا فهي لا تستطيع ان تفارقه ابدا..
اشار مازن الى السيارة ومن ثم قال: اصعدي الى السيارة ولكن حذار من ان يتسبب هذا العصفور في اتساخها..
وبعدها صعد الى السيارة وصعدت نادين بدورها.. وانطلق بها الى المنزل.. وقالت نادين في تلك اللحظة بتردد: سيد مازن.. ما هي احوال الآنسة ملاك؟..
صمت مازن قليلا ومن ثم قال وهو يتنهد: عندما علمت بالخبر كانت حالتها صعبة قليلا.. وانهارت بالمشفى.. ولكننا جميعا نحاول التخفيف عنها.. وملاك بنفسها من طلبت وجودك الى جوارها.. لهذا حاولي ان تخففي عنها انت ايضا وتجعليها تعود الى طبيعتها شيئا فشيئا..
قالت نادين بالم: اظن ان الامر اصعب مما تظن يا سيد مازن.. سيدي خالد هو كل ما تبقى للآنسة ملاك ولهذا ستحتاج وقتا طويلا حتى تحاول ان تتقبل ما حصل له..
لم يعلق مازن على عبارتها وان وافق على ما قالته في قرارة نفسه .. يعلم انها محقة.. وان ملاك لن تتقبل الامر بهذه البساطة.. ستظل تعاني دائما.. وكل يوم يمر ستزداد معاناتها بازدياد شوقها لابيها..
سمع صوت تغريد العصفور يقطع عليه افكاره.. وسمع صوت نادين تقول وهي تتطلع الى القفص بابتسامة: اهدأ يا مازن..
ارتفع حاجبا مازن بدهشة ومن ثم قال وهو يلتفت الى نادين: اتحدثينني؟..
اسرعت نادين تقول بارتباك: لا بل الطائر.. الآنسة ملاك اطلقت عليه اسم مازن..
شعر مازن بالدهشة من ملاك.. لقد اطلقت على العصفور اسمي ..هل اعتبر هذا شيئا جميلا بالنسبة لي؟..لقد اختارت اسمي مع انها تحب ابيها اكثر من أي شيء في هذا العالم.. فلم اختارت اسمي انا بالذات؟.. ربما لانها تذكرتني.. وربما لانها تريد رد الجميل.. وربما هي مجرد مصادفة..
وصل في تلك اللحظة الى المنزل فاوقف سيارته بجاوره.. واسرع ينادي احدى الخادمات لأخذ الحقيبة لغرفة ملاك.. اما هو فقد اخذ الحقيبة السوداء معه وهو يدخل المنزل ويسير عابرا الردهة الواسعة متوجها الى الدرج.. لكنه توقف عندما لمح مها تخرج من غرفة ملاك لتوها.. وغير وجهته ليتجه اليها ويقول متسائلا وعيناه على باب غرفة ملاك: كيف حالها؟..
زفرت مها بحدة ومن ثم قالت: عنيدة.. بالكاد قبلت ان تشرب كأسا من الماء..
تسائل مازن باستغراب: الم تتناول شيئا ابدا؟..
قالت مها وهي تهز رأسها نفيا: ابدا.. لم تلمس شيئا من كل الطعام الذي قدمته لها.. ترفض بكل اصرار .. وكلما ازددت الحاحا ازدادت عنادا..
وتطلعت اليه بعينيها وقالت برجاء: ربما تستطيع انت اقناعها يا مازن كما اقنعتها بالمشفى.. وجهها بات شاحبا من ما تفعله بنفسها.. هلاّ حاولت انت معها واقنعتها على ان تتناول ولو الشيء اليسير..
صمت مازن قليلا ومن ثم قال بهدوء: سأفعل.. فقط سأذهب لاستحم واستبدل ملابسي .. ومن ثم سآتي لأرى الامر ..
واسرع يصعد درجات السلم الى الطابق الاعلى وكأنه يريد ان يهرب من تأثير ملاك عليه..
يهتم بها.. يعجب بها.. ومنجذب لها.. ولكنه يكابر.. كل هذا لانها فتاة عاجزة..لايمكنه التفكير بعاجزة وهو الذي يعرف مئات الفتيات المعافيات اللاتي يتمنين نظرة واحدة من عينيه لهن..
احساسه تجاه ملاك يختلف.. ربما لانها ابنة عمه.. ربما لأن وضعها يختلف.. لقد دخلت حياتهم فجأة .. لتثير في رأسه التساؤلات والذكريات.. وعادت لتتركهم مخلفة وراءها اكبر اثر في نفس كل منهم.. حتى كمال ذلك البارد عديم الاحساس.. يشعر به مازن وهو يتطلع الى مكان ملاك الخالي على المائدة.. ايفتقد وجودها شقيقه هذا ايضا؟ .. ربما ..
اسرع يستحم ومن ثم يستبدل ملابسه..غادر دورة المياه.. وكاد ان يتوجه الى الباب ليغادر غرفته ايضا ويذهب ليرى ملاك .. لكن الحقيبة السوداء التي تركها على فراشه بعدما دخل غرفته استرعت انتباهه وفضوله.. ماذا بها هذه الحقيبة حتى يوصي عمي باعطائها لوالدي اذا اصابه مكروه؟.. بالتأكيد هو شيء هام الى ابعد درجة ..
ازداد الفضول لديه واقترب من الحقيبة ليرفعها قليلا عن الفراش ومن ثم يفتح قفليها ببعض التوتر..وانفتحت الحقيبة...
وهنا عقد حاجبيه وهو يتطلع الى مجموعة من الاوراق تملأها.. ليست اوراق بالمعنى المعروف بل مجرد صور لاوراق اخرى .. التقط احداها وازداد انعقاد حاجبيه وهو يقرأها.. ومن ثم لم يلبث ان قال بذهول وهو غير مصدق: عقد بيع شركة عمي خالد الى ابنته ملاك..اي قول هذا؟..
ترك الورقة من بين يديه لتسقط على الفراش والتقط اخرى واتسعت عيناه اكثر: وهذا صورة من عقد بيع عمارتين الى ابنته ملاك..انها املاك عمي كلها تقريبا..
وترك الورقتين ليلتقط الثالثة التي بالحقيبة والتي تشير إلى بيع المنزل والسيارة إلى ملاك فقال مازن وهو يدس أصابعه بين خصلات شعره بتوتر: لقد سجل عمي كل شيء باسم ملاك بعقد بيع وشراء.. لايمكن لاحد ان يطالب بها في هذه الحالة.. لقد ضمن ان تكون كل املاكه لملاك من بعده.. كان عمي ذكيا بتفكيره هذا وقد ضمن مستقبل ملاك..
وارتسمت ابتسامة باهتة على شفتيه وهو يقلب الاوراق بين يديه: حتى انه لم يضع العقود الاصلية لقد وضع صور منها فحسب .. لابد ان العقود الاصلية عند احد المحاميين..
واردف وهو يعيد الاوراق الى الحقيبة ويغلقها جيدا: هل اقول انك محظوظة يا ملاك بأنك امتلكت كل شيء الآن ولا احد يستطيع ان يطالبك بقطعة نقدية واحدة.. ام اقول ان والدك قد ورطك بما فعله .. فالآن ستكونين هدف لكل شخص وخصوصا عمي فؤاد وعادل بسبب املاكك هذه...
وتنهد وهو يغادر غرفته ويهبط درجات السلالم متجها الى الطابق الارضي .. وسار الى حيث غرفة ملاك وهناك رأى نادين تخرج بصينية الطعام من الغرفة فقال متسائلا: هذا طعام ملاك اليس كذلك؟..
اومأت نادين برأسها فقال مازن وهو مستمر في تساؤلاته: اتناولت شيء منه؟..
قالت نادين مجيبة: لا.. رفضت ان تتناول ولو ملعقة واحدة منه ..
قال مازن بلهجة آمرة: ارجعيه الى الداخل اذا..
تطلعت نادين الى صينية الطعام ومن ثم تساءلت بحيرة: ارجعه الى الداخل؟..
اومأ مازن برأسه فقالت نادين: لكن الآنسة ملاك رفضت تناوله وبشدة.. وانا اعرفها جيدا اذا رفضت شيئا من المستحيل ان تقبل به من جديد..
قال مازن وهو يزفر بحدة: ارجعيه الى الداخل فحسب..
نفذت نادين الامر وهي تدخل الى الغرفة وتعيد وضع الصينية على الطاولة المواجهة لملاك.. ومن ثم تنسحب من الغرفة بهدوء ودخل مازن بدوره وشاهد مها تجلس الى جوارها وتتحدث اليها بهدوء في حين قال مازن وهو يعقد ذراعيه امام صدره: لم نتفق على ما تفعلينه بنفسك الآن يا ملاك..
اشاحت ملاك بوجهها بحزن .. في حين قال مازن مردفا: لماذا ترفضين تناول كل ما يقدم لك يا ملاك؟.. انت لم تتناولي شيئا منذ الامس..
قالت ملاك بصوت خافت: هذا شأني وحدي..
نطلع اليها مازن للحظة وهو يلمح وجهها الشاحب ونظراتها الحزينة فقال وهو يشير الى مرآة الغرفة: انظري الى نفسك في المرآة لتعلمي كم هو وجهك شاحب..
اطرقت برأسها وقالت وهي تزدرد لعابها: انا مرتاحة هكذا ..
قال مازن بحزم: ووالدك؟..
قالت ملاك بحيرة وقلق وهي ترفع رأسها له: ماذا به ابي؟..
قال وهو يتطلع الى عينيها مباشرة: اتتوقعين انه مرتاح بما تفعلينه بنفسك؟.. اتتوقعين انه سيشعر بلحظة راحة وانت تقتلين نفسك بهذه الطريقة؟.. تتوقعين انه سيسعد لو لم تضعي لقمة واحدة في فمك وظللت تبكين طول النهار والليل؟.. على العكس يا ملاك .. لو كان والدك موجود بيننا لرفض وانبك على ما تفعلينه بنفسك.. الا تريدينه ان ينهض ويراك كما كنت؟.. فتاة تمتلأ حيوية ونشاطا.. باسمة الثغر.. ووجنتاها تشوبهما الحمرة.. ام تريدينه ان يراك وانت هكذا؟.. شاحبة الوجه ..حزينة النظرات.. دامعة العينين.. اخبريني يا ملاك ايهما تفضلين؟..
قالت ملاك بصوت يقطر حزنا والما: ارجوك يا مازن كفى.. لا احتمل سماع المزيد..
دس اصابعه بين خصلات شعره ومن ثم قال: بل انا الذي لا احتمل رؤيتك وانت تقتلين نفسك بهذه الطريقة..
نقلت مها بصرها بينهما واستقرت على مازن لتتطلع اليه بنظرات غريبة.. يبدوا حديثه صادقا بالنسبة اليها احيانا.. ايعرف ان يضع الكلمات والعبارات بهذه الحرارة والصدق وهو غير مبالي بمن يتحدث اليه؟!.. احيانا اكاد اصدق ان مازن يفكر في ملاك حقا..
وقالت مها اخيرا وهي تلتفت الى ملاك: لم ترفضين تناول شيء يا ملاك؟.. اخبريني سبب عنادك هذا..
قالت ملاك بصوت تخنقه الدموع: ليست لدي الرغبة في تناول شيء وابي ينام بالمشفى.. ليست لدي الرغبة في تناول شيء وانا لا اعلم ان كان سينهض ام لا.. انتم لا تشعرون بما اشعر به.. لانه ليس ابيكم..
قالت مها بهدوء: انه عمنا يا ملاك.. ونشعر بالحزن عليه بالفعل .. ولكن لأنه كان اقرب اليك من أي شخص تشعرين بكل هذا الحزن الكبير تجاهه..ولكن صدقيني ما تفعلينه بنفسك سيتعبك ولن يجعلك تشعرين بالراحة..
زفر مازن بقوة ومن ثم لمح قفص الطائر على الطاولة الموجودة بالغرفة وابتسم وهو يلتفت الى ملاك قائلا: كيف حال مازن؟ ..
تطلعت له ملاك ومن ثم قالت وهي تتنهد: كما تراه..
نقلت مها بصرها بين مازن وقفص الطائر ورددت بدهشة: مازن؟؟ ..
قالت ملاك وهي تشير الى الطائر: انه اسم الطائر..
قالت مها بدهشة وهي تلتفت الى ملاك: اطلقت عليه اسم مازن؟..لكن لماذا؟..
قالت ملاك بعفوية: لانه كان ذكرا.. لو كان انثى لاسميته مها..
ابتسمت مها وقالت: لم اكن اعلم انك تحبيني الى هذه الدرجة..
قالت ملاك وهي تلتقط نفسا عميقا: انت اختي..
اشارت مها الى مازن وقالت وكأنها تريد ان تتأكد من شيء ما: وهذا؟..
وعلى الرغم من ما تعانيه ملاك الا انها احست بخجل يسيطر عليها.. وبارتباك يغزو ملامحها ولكنها سيطرت على ارتباكها وقالت: مازن..
انزلت مها كفها وكأنها قد تأكدت مما تريد.. لو اجابتها ملاك قائلة( انه اخي ايضا).. لتأكدت حينها بأنه لا يعني شيئا لملاك ..ولكن ملاك ارتبكت واجابت بأي اجابة محاولة التهرب من الموضوع..
اما مازن فقد قال وهو يتثاءب بملل: الى متى سأظل واقفا هنا؟..
قالت مها وهي تشير الى المقعد: اجلس ان اردت..
قال مازن بعصبية: ليس هذا ما اعنيه بل اعني الى متى سأنتظر؟ ..
قالت مها مبتسمة: اذهب ان شئت..
قال مازن وهو يشير الى اطباق الطعام: لن اذهب قبل ان تصبح هذه الاطباق لامعة..
قالت مها ساخرة: سأطلب من الخادمة غسلها ان اردت..
قال مازن بحدة: لا تكوني سخيفة.. اقنعي ابنة عمك ان تتناول شيئا بدلا من السخرية..
هزت مها كتفيها وقالت بيأس: منذ ساعتين وانا احاول معها.. ولكنها كما ترى عنيدة..
عقد مازن حاجبيه وقال وهو يتطلع اليها: والنهاية يا ملاك؟.. الن تتناولي طعامك؟..
هزت ملاك راسها نفيا فقال بحدة: امصرة على ما تقولينه؟..
قالت ملاك بصوت خافت: اجل..
توقعت ملاك انه سيخبرها بانه لن يأخذها الى ابيها غدا.. ولكنه قال وهو يتقدم منها: اتريدين ان اطعمك انا اذا؟..
قالت مها بدهشة: مازن ماذا تقول؟..
اما ملاك فقد تطلعت له وعيناها متسعتان بدهشة.. تحاول استيعاب ما قاله قبل قليل .. في حين اجاب مازن وهو يشير الى ملاك ويجذب له مقعدا ليجلس قريبا منها: الا ترينها كم هي عنيد؟ة.. لن تقبل بشيء الا رغما عنها..
قالت مها بتردد: دعها وشأنها.. لا يمكنك ان تفعل شيء بالرغم منها..
قال مازن بعناد: اذا كانت هي عنيدة فأنا اعند منها..
وبعناد التقط الملعقة ليغمسها في الحساء ويرفعها امام وجه ملاك وبلهجة آمرة قال: افتحي فمك وتناوليه..
لم تستوعب ملاك بعد.. لا تزال تريد ان تصدق ان من امامها هو مازن.. وانه من يقول هذا الكلام ويمسك بالملعقة هو نفسه.. وقالت وهي ترفع حاجبيها بدهشة: لست طفلة..
اشار اليها بيده الاخرى وقال: تصرفاتك تجعلك كذلك.. لهذا سأتصرف معك حسبما تتصرفين .. سأكون طفلا انا الآخر!..
قالت مها بارتباك في تلك اللحظة: مازن دع الفتاة وشأنها..
قال مازن ببرود: اولا هي ابنة عمي .. ثانيا لاشأن لك فلا تتدخلي ..
في هذه المرة من ارتبك كانت ملاك.. شعرت باحراج شديد .. من قرب مازن لها.. من حديثه اليها.. من عينيه اللتان تطلعان اليها .. من اهتمامه الشديد بها.. ومن تصرفه الطفولي تجاهها ايضا ...
ارتسمت ابتسامة شاحبة على شفتيها وهي تراه يتصرف تجاهها مثل هذا التصرف.. سرعان ما اختفت عندما قال مازن: لا تبتسمي كالبلهاء هكذا.. افتحي فمك.. لقد تعبت ..
قالت ملاك بصوت هامس: سأتناول الطعام بمفردي..
قال مازن وهو يمط شفتيه: من ستقنعين بقولك هذا؟..
قالت ملاك وهي تبعد خصلات شعرها عن جبينها: مازن.. انا لا اكذب..ولم اكذب في حياتي..
اعاد مازن الملعقة الى الطبق وقال وهو يتطلع اليها: ارني الآن كيف ستتناولين طعامك اذا؟..
مدت ملاك كفها والتقطت الملعقة باناملها.. وبكل بساطة رفعتها الى شفتيها لتتذوق الطعام وتبتلعه وقالت بابتسامة شاحبة: لذيذ..
تطلع اليها مازن ومها كالابلهين وهما في حالة دهشة وذهول من تصرفها .. لم يتوقع احدهما ان تتناول ملاك طعامها بالفعل .. ظناها ستتظاهر بذلك.. سترفض.. سترميه على الارض كما فعلت بالمشفى.. لكنها ادهشتهم عندما تناولته امامهم بكل بساطة.. وكأن الطعام قد قدم لها للتو ..وقالت ملاك وهي تدور بعينيها بينهما: ماذا بكما؟ .. لم تتطلعان الي هكذا؟..لقد فعلت ما قلت انني سأفعله منذ قليل..
ابتسم مازن في تلك اللحظة وقال بحنان: ليتك تكونين هكذا دائما ..لا تعاندين احدا.. وتستمعين الى كل ما اقوله لك.. لقد اوصاني والدك عليك .. ولو قصرت في حقك .. لن اسامح نفسي ابدا..
قالها ونهض من مكانه وقبل ان يخرج التفت لملاك وقال مبتسما وهو يشير الى الطبق: انهيه بكامله والا عدت اليك من جديد..
ابتسمت له ملاك بالرغم منها.. مازن يبدوا لها احيانا اكثر الناس حنانا..تشعر بحنانه يحتويها وباهتمامه يشعرها بالامان والاطمئنان..وعلى الرغم من سخريته الا انه لا يجرح احدا.. يمزح بقلب ابيض..
هذه هي ملاك تصف جميع الناس بإيجابياتهم وبصاتهم الحسنة .. فكيف اذا كان الانسان الذي تحب؟ !..
اما مها صمتت قليلا ومن ثم ابتسمت وهي تتطلع اليها وهي تتناول طعامها ببطء.. وقالت بعدها: سأذهب الى غرفتي.. اتريدين شيئا ما قبل ان اغادر؟..
هزت ملاك رأسها نفيا.. فنهضت من مكانها وعلى شفتيها تتراقص ابتسامة.. لقد فعلت الصواب عندما طلبت من مازن ان يتصرف مع ملاك.. لا احد يمكنه اقناعها مثله.. كلاهما يشترك في شيء واحد.. العناد...
خرجت مها من الغرفة وسارت في الردهة.. وتوقفت لوهلة امام احدى التحف لتتأملها بشرود..لم اذهب اليوم الى الجامعة ولم اذهب الى النادي ايضا.. لم استطع رؤية حسام طوال اليوم بأكمله.. لقد بدأت اشتاق له ولرؤية ابتسامته.. اشتاق لسماع صوته ومزاحه.. هل اتصل به؟.. اجل سأفعل...
واخذها الحماس لتجري في سرعة متوجهة الى حيث الدرج .. ولكن صوته جعلها تتسمر في مكانها وهو يقول: مها.. توقفي..
خفقات قلبها باتت سريعة.. اذلك بسبب الجري او بسبب سماع صوته الذي يربكني بشدة؟.. والتفتت له وتطلعت له وهي تزدرد لعابها.. هل افكارها هي من جلبته لها بهذه السرعة؟! ..
وقالت وهي تحاول تعديل خصلات شعرها بتوتر وارتباك: حسام .. منذ متى وانت هنا؟..
قال حسام مبتسما: جئت قبل قليل فقط..هل الوقت غير مناسب للزيارة..
قالت مها وهي تهز رأسها نفيا: ابدا المنزل منزلك..
تقدم منها حسام بضع خطوات ومن ثم قال: شكرا على المجاملة.. اخبريني هل مازن موجود بالمنزل؟..
اومأت مها برأسها ايجابيا وقالت: اجل انه بالطابق الاعلى.. سأناديه لك ان اردت..
وهمت بالانصراف لتنادي مازن ولكنه قال في سرعة: انا لم آتي من اجل مازن..
قالت مها في حيرة: كمال بالطابق الاعلى سأناديه هو الآخر ان كنت قد جئت من اجله.. ووالدي سيعود من عمله بعد نصف ساعة على ما اظن..
قال حسام بهدوء: انا لم آتي من اجل مازن او من اجل كمال او والدك.. لقد جئت لأتحدث معك..
اشارت الى نفسها وقالت بدهشة ممزوجة بالاضطراب: معي انا؟..
واردفت مازحة وهي تحاول ان تخفي اضطرابها: ولم جئت واتعبت نفسك؟.. الم يكن من الاسهل ان تتصل بي؟..
اشار حسام الى الاريكة وقال : لا لم يكن اسهل.. اجلسي.. لان الموضوع بحاجة لنقاش طويل..
قالت مها وهي تجلس على الاريكة بقلق: اقلقتني يا حسام .. ما الامر؟..
جلس حسام على مقعد مجاور وقال وهو يأخذ نقسا عميقا: سأتحدث ولكن لا تقاطعيني حتى انتهي..
اومأت مها برأسها وقد انشدت حواسها لما سيقوله حسام وقالت وهي تنتظره يتحدث: حسنا.. سألتزم الصمت طوال الوقت..
قال حسام وهو يتطلع اليها: انت الوحيدة الذي يمكنني ان اتحدث اليها بحرية .. فلطالما تحدثت لك عن مشاكلي وعن رغباتي .. عن طموحي واحلامي.. واظن انك الوحيدة التي ستفهمين ما سأقوله..
واردف قائلا: انت تعلمين جيدا انها السنة الاخيرة لي بالجامعة.. والتخصص الذي اخترته مطلوب هذه الايام وقد اجد وظيفة بسرعة..
صمت قليلا فقالت مها بحيرة: كل هذا اعرفه.. ما الجديد فيما قلته؟..
ابتسم حسام وقال : اصبري قليلا ريثما اكمل ما بدأته.. لا تكوني متسرعة هكذا..
قالت مها وهي تشير له بكفيها: حسنا اكمل.. اكمل..
بلل طرف شفته بلسانه ومن ثم قال وهو يتطلع لها: ولهذا.. فأنا افكر بخطبة فتاة ما...
توقف الوقت بالنسبة لمها.. تجمد كل جزء في جسمها ووهي تتطلع الى حسام ببلاهة.. هل قال انه يفكر في خطبة فتاة ما؟.. أي طعنة قاسية وجهتها لقلبي يا حسام؟..
شحب وجهها فجأة ..واعتصرت قبضة باردة قلبها وقالت بصوت حاولت ان تجعله طبيعيا: وما دخلي انا .. ان كنت ستخطب ام لا..
قال حسام وهو يبتسم: كما قلت لك يا مها.. انت الوحيدة التي تفهمني.. ويمكنها ان تخبرني ان كان قراري صائبا ام لا؟..
قالت مها بصوت مرتجف بالرغم منها: هل يمكن ان اعلم من هي؟..
وهل سيغير معرفتها مصيرك يا مها؟.. لقد قتل حسام الحب في قلبك منذ اول كلمة نطق بها.. هل جئت لتقتلني وتغادر كالبريء يا حسام؟ ..
اما حسام فقد اومأ برأسه وقال: بكل تأكيد.. على ما اظن هي في عمرك او ربما اكبر منك بعام..وهي قريبة لي ايضا ..
قالت مها وهي تشعر بغصة مريرة في حلقها: اذا انت تعرفها جيدا.. لم جئت لتأخذ رأيي اذا؟..
أجئت تأخذ رأيي على يوم اعدامي يا حسام؟.. يالك من قاسي القلب والمشاعر...
فكر حسام قليلا ومن ثم قال وهو يبتسم: الامر ليس هكذا.. ولكن انا اثق برأيك كثيرا واحترمه..
رأيي انك قتلتني يا حسام.. ولم تكتف بذلك بل لازلت توجه الطعنات لقلبي.. الم يكفيك طعنة واحدة فقط؟..
اشاحت مها بوجهها وقالت بعصبية بالرغم منها: لا شأن لي .. بما انك اخترتها.. فأنت متأكد من قرارك هذا تجاهها..
حرك حسام اصابعه بين خصلات شعره وقال بقليل من الاحراج: ولكني .. لست متأكد من قرارها هي .. قد لا تكون تحمل لي ذات المشاعر التي احملها لها..او ربما لا تريد الارتباط بي.. وانا الذي انتظرت طويلا لأجلها..
ترقرقت دمعة في عيني مها اسرعت تمسحها حتى لا يلاحظها وقالت بصوت مختنق: يمكنك ان تسألها ان اردت.. لتعرف برأيها..
قال حسام باهتمام: اترين ذلك حقا؟..
لم تجبه مها.. كيف تجيبه والحروف قد اختنقت في حلقها.. لم يفعل حسام بها هذا؟.. الم يشعر بها حقا؟.. بعد كل هذه السنوات.. وبعد الحب الذي عاش معها منذ الطفولة.. يأتي حسام ليدفنه الآن تحت رمال حبه الآخر.. ربما اكون انانية يا حسام.. ولكني حقا احبك ولا يمكنني ان اتخلى عنك لأخرى.. لا يمكنني ان اتخيل ان تكون لأخرى غيري.. لا يمكن ان اعيش حياتي دون سماع صوتك يوميا.. دون رؤيتك.. أي قلب هذا الذي تملكه يا حسام؟..
وقالت مها بألم في تلك اللحظة وهي تكادتنهض من مكانها: اجل ارى ذلك.. على فكرة لم تخبرني اسمها بعد..
تطلع لها حسام ومن ثم قال بابتسامة واسعة: مها...
لقد قال مها!!.. صدقوني لقد سمعته باذني هاتين.. انا لا اتخيل لقد نطق باسمي.. ايعنيني ام انه مجرد تشابه اسماء؟!..
وازدردت لعابها ومن ثم اشارت باصبع مرتجف الى نفسها وقالت بارتباك: اسمها مثل اسمي انا؟؟..
ضحك حسام بقوة.. واستغربت مها من ضحكاته هذه.. هل قالت ما يضحك الآن؟.. ربما قد جن فجأة!..
ورأته في تلك اللحظة يميل نحوها ويقول وهو يتوقف عن ضحكاته ويهمس بابتسامة حانية: بل انت يا حمقاء..
كانت ردة فعل مها اغرب مما كان يتوقعه حسام.. لقد التقطت وسادة المقعد ورمتها عليه وهي تقول بحدة: اكنت تتلاعب باعصابي طوال الوقت؟..
ضحك حسام وهو يلتقط الوسادة قبل ان تصيبه: لقد كنت اريد رؤية ردة فعلك فحسب..
قالت مها وهي تلوح بكفها بعصبية: الآن ستخبرني بكل شيء وبالتفصيل الممل.. وبصدق ايضا..
قال حسام وهو يضحك بمرح: انها اغرب ردة فعل رأيتها من فتاة تُسأل للموافقة على الزواج؟..
توردت وجنتي مها وخفق قلبها في عنف فأشاحت بوجهها عنه لتقول بتوتر: ردة فعلي هذه نتيجة ما قلته قبل قليل..
هذه الكلمة انتظرتها طويلا وطويلا جدا يا حسام.. لم يكن ينبغي عليك ان تتلاعب باعصابي هكذا قبل ان تنطق بها.. احمد الله انه لم يكن بجواري أي شيء ثقيل.. لكنت رميته حينها دون تفكير!..
ابتسمت لنفسها بخجل .. اما حسام فقد قال: سأبدأ منذ .. منذ كنا معا ونحن طفلين.. كنت اهم للدفاع عنك.. واتشاجر مع شقيقيك اذا ازعجاك.. كنت اشعر بشيء غريب تجاهك انت بالذات منذ طفولتي.. على الرغم من ان مشاعري في تلك اللحظة كانت موجهة من طفل فحسب..
واردف وهو يتطلع الى وجهها بهيام: وكبرت.. وكبر هذا الشيء الغريب الذي كنت احسه تجاهك.. لأعلم اني اميل اليك وبشدة.. ومع الايام اكتشفت ان الامر يتعدى هذا بكثير.. لقد اصبحت لا اطيق ان لا اراك يوما واحدا فحسب.. واكتشفت اني احبك...
هل اشعل احدهم المدفأة فجأة؟.. الجو حار جدا .. السنا في فصل الشتاء؟..ولا اعلم ماذا اصاب قلبي لقد بات ينبض بجنون.. ومعدتي ايضا لقد بدأت اشعر بأنها ترتجف هي الاخرى كجسدي كله.. ماذا اصابني؟.. كلمة واحدة تفعل بي كل هذا؟..
واردف حسام وقد تغيرت نبرة صوته من الهيام الى الالم: ولأني احبك لم ارد ان تتعذبي معي.. لم ارد ان اصارحك بمشاعري .. لأني لا ازال طالبا وليس لدي أي عمل.. لم ارد ان تنتظريني من اجل اني صارحتك بمشاعري فحسب وترفضين جميع من يتقدم لك حتى لا يأنبك ضميرك بسببي.. لقد اردت ان تكوني مقتنعة بمن تختارين زوجا لك.. لمشاعرك تجاهه او ارتياحك له.. لهذا وضعت عهدا على نفسي الا اشير الى مشاعري تجاهك حتى اتخرج.. وبعدها أعرف منك رأيك تجاهي.. صحيح اني احيانا كنت اشعر بأنك تحملين لي مشاعر ما.. ولكن احيانا اخرى كنت ارى اللامبالاة..
لو كنت تعلم اني لم اكن لافضل أي شخص آخر عليك لما قلت هذا الكلام.. لو كنت تعلم كم احبك ومنذ متى احبك.. لفكرت مائة مرة قبل ان تقول ما تقوله..
رقص قلبها فرحا وقالت مبتسمة بخجل واضطراب: لقد كنت اعاملك بالمثل .. لقد كنت غير مبالي معي احيانا ..فكنت اصطنع اللامبالاة انا الاخرى ..
مال نحوها حسام وقال بصوت دافئ حنون: مها .. انا لن اتقدم لك الآن.. ولكن اردت ان اضمن ان تكوني لي ولي فقط.. لا اريد ان اضيعك من بين يدي.. وعندما اتقدم لك بعد ان احصل على الوظيفة .. اريد ان اسمع حينها كلمة موافقة..
اوردت وجنتي مها بحمرة الخجل وقالت: واثق جدا اني سأوافق ..
قال حسام بجدية: انا لم آتي اليوم الا لسماع موافقتك او رفضك .. على الاقل عندها سأشعر بالراحة ولا اتعذب لاني لم اصارحك بمشاعري و اضعتك من بين يدي..
وعندما طال صمتها.. امسك كفها وقال وهو يضغط عليه بحنان: مها قولي شيئا.. صدقيني ستظلين ابنة عمتي حتى وان رفضتِ ..
هل انت اعمى يا حسام؟.. الا ترى كل هذا الحب الذي احمله لك في قلبي وتفيض به عيني.. وبعد كل هذا تتحدث عن الرفض..
ارادت مها ان تنطق في ذلك الوقت.. ارادت ان تهز رأسها.. ولكن احست بلسانها ينعقد فجأة.. وان الحروف باتت اثقل من ان نطق بها.. ارتجفت اطرافها كما ارتجف قلبها.. لم تعد تقوى الا على التطلع الى حسام بارتباك..واحست بالدماء تتجمع في وجهها .. فاسرعت تجذب كفها من بين يديه وتشيح بوجهها بعيدا.. لعل عقدة لسانها تنفك...
زفر حسام بحرارة حينها.. وامتدت يده لتمسك بذقنها ويجعلها تلتفت له وتطلع اليه .. الى عينيه مباشرة.. وقال بصوت اقرب الى الهمس: قولي أي شيء يا مها.. أي شيء.. لا تجعليني اتعذب بين نار حبك ونار رفضك..
اطراف مها لم تعد تتحرك.. حاولت رفع يدها لتزيح يده عن ذقنها.. ولكن اناملها ظلت جامدة.. لم تطعها.. وعينيها غاصت في بحر عينيه.. لم اكن اعلم من قبل ان عيناك تجلب كل هذا الدفء يا حسام...
واخيرا حركت شفتيها بصوت متقطع قائلة: انا.. انا...
قال حسام بلهفة: اكملي يا مها.. انت ماذا؟..
لمع الخبث بغتة في عيني مها.. ليجعلها تبعد كفه باصابع مرتجفة ومن ثم تقول وهي تخرج لسانها باسلوب طفولي: ارفضك ..
ارتفع حاجبا حسام بدهشة ولكنه قال وهو يغمز بعينه: كاذبة ..
قالت مها بعناد: لست كاذبة..
اشار الى وجهها ومن ثم قال: بل كاذبة.. عيناك تقول انك موافقة ..
قالت مها بابتسامة مرتبكة: انت طلبت الزواج مني انا وليس من عيني..
قال حسام مبتسما: وعيناك كشفت ما يجول به قلبك..
منذ زمن يا حسام.. منذ زمن.. الم تنتبه الا الآن؟..
قالت مها وهي تعقد ذراعيها امام صدرها: وما هو دليلك؟..
مال حسام نحوها وقال بهمس: انك تحبيني ايضا..
تجمعت الدماء في وجه مها وقالت في سرعة وارتباك: لا تحلم ..
- بل انت كذلك..
- لا لست كذلك..
ضحك حسام وقال وهو ينهض من مكانه: تماما كما كنت في طفولتك.. ترفضين البوح بالحقيقة وتصرين على الكذب ..
واردف بابتسامة حانية: ولكن الن تخبريني حقا قبل ان ارحل من هنا؟.. ان كنت موافقة ام لا.. اريد ان اسمعها منك ...
وجدت مها نفسها تومئ برأسها دون شعور.. ابتسامته الدافئة حركت مشاعرها وجعلتها تتصرف دون امر منها..
فقال حسام وابتسامته تتسع: هذا يكفيني .. الآن فحسب..
وادار ظهره عنها لينصرف..ولكن هتفت مها به بغتة ليتوقف قائلة: حسام..
التفت لها وابتسامة حانية تعتلي شفتيه.. فتسائلت قائلة بارتباك وخجل: هل .. تعني ما قلته؟..
- بشان؟..
اطرقت برأسها وقالت بارتباك اشد: مشاعرك.. تجاهي..
اقترب منها من جديد وقال وهو يمسك بذقنها ويرفع وجهها له: كل كلمة نطقت بها.. كانت تصدر من هنا..
واشار الى قلبه واردف مبتسما وهو يشير الى قلبها: واتمنى ان تكون قد وصلت الى هنا..
تطلعت له مها بارتباك بخجل .. بفرح.. بسعادة.. الآن فقط قد جاء الوقت لتستوعب.. كل شيء قد حدث فجأة قبل قليل ولم يسعها الوقت لتفرح.. قلبها يخفق في سرعة وفرح.. وحلمها في الحياة قد شارف على ان يتحقق.. هل هو حلم يا ترى؟ ..
وابعد حسام كفه وقال بهمس: انت وحدك يا مها من استطعت ان تحتلي قلبي.. وحدك..
واردف قبل ان ينصرف قائلا بحنان: سلمي لي على الجميع ..واهتمي بنفسك جيدا.. اراك بخير..
قالها وانصرف هذه المرة.. ومها تتطلع بشرود الى النقطة التي اختفى فيها.. وكلاهما يفكر في الشي ذاته.. لقد اعترف حسام لها بحبه وبرغبته في الارتباط بها.. لقد تحققت احلامهما كلها في ساعة واحدة فحسب نطق فيها حسام بكل ما في صدره من مشاعر.. واعترفت مها بموافقتها على هذا الارتباط.. لكن هل هذه نهاية لكل مشاكلهما .. ام انها مجرد بداية لها؟...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
__________________
سبحان الله العظيم
سبحان الله وبحمده


فاضي دقيقتين؟
ادخل هنا
وشاركنا
هنا
مشاركة في دورة عيون العرب لتعليم الفوتوشوب خطوة بخطوة 2


يا كاشفني
ღ. ŚḿĨŁę ğĩŕĻ .ღ.
  #124  
قديم 03-03-2010, 07:35 PM
 
الجزء الثامن عشر
"مسئولية"

تمدد مازن على فراشه ووضع كفيه خلف رأسه ليتطلع الى السقف بشرود..وهو يفكر في امر تلك الحقيبةالسوداء والاوراق التي تحويها..الآن اصبحت كل املاك عمه خالد لملاك..ولكن هل الوضع هكذا اصبح افضل ام انه ازدادسوءا؟.. لو علم أي من اعمامه ان كل هذه الاملاك اصبحت لها.. ستنقلب الدنيا رأسا على عقب.. وسيحاولون بشتى الطرق والوسائل ان يمتلكوها.. مستغلين غياب عمه خالد.. وعليه هو ان يتصرف.. ان يقف في وجه اعمامه من اجلها.. ومن اجل ان يحافظ على املاكها واملاك عمه..هل سيكون باستطاعته حمل مثل هذه المسئولية التي حمّلها اياها عمه؟.. يتمنى هذا...
واقتحمت افكاره بغتة صورة ملاك.. ببراءتها وبابتسامتها.. وابتسم على الرغم منه.. منذ متى لم يراها تبتسم هكذا؟ .. ولكن.. هذه الابتسامة رآها من قبل.. منذ زمن.. وفي مكان ما...
حاول عصر ذهنه دونما فائدة..اين رآها من قبل؟.. ومتى؟ .. ذكريات الماضي المدفونة .. بدأت تطفو على السطح ..ولكن بغير وضوح..طفلة تبتسم الابتسامة ذاتها وتتطلع اليه بامتنان.. طفلة ذات شعر اسود ينسدل على كتفيها .. وعينان من اللون ذاته..و...وعشب اخضر..وورود متفرقة ..ما هذا المكان؟.. بلى انه يكاد يتذكر ..هذا منزلهم قبل عشر سنوات تقريبا.. كانت الورود فيه متفرقة وبسيطة ..بعكس ما توجد عليه الحديقة الآن.. الورود تملأ ارجاءها بكاملها..
ولكن من تكون تلك الطفلة؟.. انها تشبه ملاك.. بابتسامتها ..برقتها ..بشعرها الاسود.. ببياض بشرتها ..هل هي ملاك حقا تلك الطفلة التي يتذكرها دائما؟ ..
هز رأسه ليبعد ملاك عن ذهنه ونهض من مكانه ليتلقط الحقيبة السوداء ويهبط بها الى الطابق الاسفل.. بالتأكيد قد جاء والده الآن..وسيسلمها له.. وتوجه من فوره الى المكتب.. انه هناك بكل تأكيد.. انه يقضي في هذا المكتب اضعاف ما يقضيه مع ابناءه انفسهم..
طرق مازن طرقات متتالية على الباب.. وكما توقع سمع صوت ابيه يهتف به من الداخل ويطلب من الطارق الدخول ..ودلف مازن الى الداخل ليقول متسائلا: هل جئت لتوك يا والدي؟ ..
قال امجد وهو يرفع بصره اليه قليلا ومن ثم يعيدها الى الاوراق المتراكمة بين يديه: منذ قليل فقط.. اخبرني ماذا تريد؟..
رفع مازن الحقيبة وقال : عمي خالد.. ارسل لك هذه الحقيبة ..
رفع امجد رأسه فجأة وقال وهو يلتفت له بحدة ويترك ما بين يديه: هل افاق خالد؟..
هز مازن رأسه نفيا وقال: لا .. بل ارسلها لك قبل ان يصاب بالغيبوبة..
عقد امجد حاجبيه وتساءل قائلا: وكيف هذا؟..
قال مازن بهدوء: لقد طلب من نادين ايصالها لك لو اصابه أي مكروه ..
تطلع له امجد ومن ثم التقط منه الحقيبة وهم بفتحها ولكنه قال وهو يضيق عينيه: وانت فتحتها قبلي لترى ما بها بكل تأكيد ..
قال مازن بحرج وهو يحك ذقنه: بصراحة لم استطع منع فضولي من ذلك..
التفت عنه امجد وقال وهو يضع الحقيبة على طاولة المكتب ويفتحها: فلنرى ان كانت يستحق ما بها فضولك هذا..
يستحق ياوالدي.. صدقني.. يستحق..
فتح امجد الحقيبة.. والتقط اول ورقة ليقرأ سطورها بعينان متسعتان..ومن ثم يقول بصدمة: ماذا؟.. قام ببيع الشركة باكملها لملاك..
قال مازن مبتسما: ليس الشركة فحسب يا والدي.. جميع املاك عمي خالد اصبحت في حوزة ملاك.. المنزل والسيارة والعمارتين اللتان يتملكهما كذلك..
قال امجد بصدمة وذهول: كل شيء.. منح ملاك كل املاكه ..
( من هذا الذي منح ملاك كل املاكه؟)
التفت امجد ومازن الى مصدر الصوت وقال امجد بعصبية: لم لم تطرق الباب يا كمال؟..
قال كمال باستغراب: لقد وجدته مفتوحا.. ثم لقد كنتما تتحدثان بصوت عالي بعض الشيء.. فانشد انتباهي لما تقولان ..
واردف قائلا: لقد كنتما تتحدثان عن ملاك.. وعن املاك ما اصبحت ملكها..ما الامر؟..
قال مازن بحدة: وما شأنك انت؟..
لم يلتفت له كمال وتطلع الى والده الذي قال وهو يلوح بالاوراق في كفه: عمك خالد.. لقد سجل كل املاكه باسم ملاك.. وذلك بيعا وشراءا لها..
قال كمال بدهشة: ماذا؟.. أأنت متأكد يا والدي؟..
قال امجد بعصبية وهو يشير الى الحقيبة والى نا بها من اوراق: هذه الاوراق تثبت ذلك..
قال مازن بحيرة: وما الذي يضايقك في الموضوع يا والدي؟.. لا تقل لي انك ايضا تفكر في املاكها..
التفت له امجد وقال بحدة: احمق.. لو كنت افكر باملاكها لما استضفتهافي منزلي عندما سافر والدها.. لسلمتها لفؤاد ليضغط على خالد بواسطتها بكل بساطة.. انا متضايق لأجلها..لأن لو علم أي من عمك فؤاد او عادل بهذا الامر.. سيحاولون بشتى الطرق استرجاع هذه الاملاك..
قال كمال وهو يعقد حاجبيه: اتعني يا والدي.. بأنهم قد يستغلون ملاك في هذا الامر ويحاولون خداعها ان امكن؟..
قال امجد باستهزاء: هذا ابسط ما يمكنهم فعله..
قال مازن بعد تفكير: والعمل الآن؟..
زفر امجد بحدة ومن ثم قال: لا يسعنا سوى الانتظار.. لنعرف فيم سيفكرون بالضبط لو انهم علموا بأمر هذه الاوراق..
واردف قائلا: والآن.. بما ان هذه الاملاك اصبحت ملكا لملاك.. واخي خالد لا يمكنه ان يديرها بسبب حالته هذه ..فيجب ان نديرها جميعا.. واعني بها انا وانت يا مازن وكذلك انت يا كمال..
قال مازن بحيرة ودهشة وهو يشير الى نفسه: انا؟؟..
وقال كمال بدهشة مماثلة: انا لا ازال ادرس يا والدي..
قال امجد وهو يلتفت لمازن متجاهلا عبارتيهما:انت لديك الخبرة في ادارة بعض اقسام الشركة.. صحيح هذه المرة ستكون مسئولا عن شركة باكملها.. ولكني سأدريها معك لو وجدت الوقت الكافي.. لكن الامر يحتاج الى موافقة من ملاك شخصيا وتوقيعها على تعيينك مديرا على كل اقسامها..
ومن ثم التفت لكمال ليقول له: انت ستكون مسئولا عن العمارتين فحسب ستحصل الايجارات نهاية او بداية كل شهر فحسب ولا اظن ان هذا سيؤثر على دراستك كثيرا..
قال مازن بعدم اقتناع: لا يا والدي.. لا يمكنني ان اكون مسئولا على شركة كاملة باكملها.. لا استطيع..
قال امجد بحزم: خالد لم يسجل كل شيء باسم ملاك الا ليضمن حقها .. ويضمن ان ندير نحن هذه الاملاك.. الم يقل بلسانه امامكما انه يريدها ان تعود للعيش معنا؟.. هذا لا يعني سوى انه يريد منا ان ندير املاكه ونضمن حق ابنته..
قال كمال باعتراض:ولكنها مسئولية كبيرة..
- لم يعد لدينا خيار.. ملاك امانة في اعناقنا.. ونحن من سيضمن حقها .. وسنضطر لمواجهة اشقائي ايضا في هذا الامر .. ويجب ان نثبت حينها اننا نستطيع حمل المسئولية التي حمّلها لنا خالد..
صمت مازن ودس اصابعه بين خصلات شعره في توتر.. وهو يفكر في حجم المسئولية التي القيت على كاهله.. شركة كاملة سيكون مسئولا عنها وقد يتسبب في خسارتها لو اخطأ خطأً بسيطا جدا.. ولن يتوقف الامر على هذا.. بل سيواجه اعمامه ايضا..
فهل يمكنه لوحده ان يكون اهلا للمسئولية حقا؟..ام انه سيحتمل ذنب ما قد يصيب شركة عمه خالد..
اما كمال.. فقد غرق في تفكير عميق جدا.. يتراوح بين اعمامه وبين ملاك.. ولا احد منهم يعلم فيما يفكر.. بنظرته الغامضة تلك .. ولاحتى انا ايضا ...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
ارتسمت على شفتي مها ابتسامة واسعة.. سعيدة.. تحمل كل معاني الفرح والراحة.. وهي تشعر ان قلبها قد بات يرقص بين ظلوعها من السعادة وقد ضمنت اخيرا ان فارس احلامها يبادلها المشاعر وانه يفكر بالارتباط بها..
اغلقت الباب عليها ومن ثم القت نفسها على الفراش بفرح.. واخذت تتذكر كل مادار بينها وبين حسام هذا اليوم.. تشعر بكل حرف نطق به.. بكل همسة همس بها لها.. بكل لمسة ارجفت كفها.. يا الهي كم انتظرت هذا اليوم وتمنته.. كم حلمت به وتخيلته.. وها هو ذا يصبح حقيقة امامها.. قلبها يخفق بسرعة عجيبة.. ورجفة لذيذة تسري في اطرافها كلما تذكرت وجه حسام الباسم.. وكلمة احبك التي نطقها لاجلها فقط..لقد نطقها بصوت رقيق حاني لم تسمعه ينطق به في حياتها.. لا يزال يرن في اذنيها ويشل تفكيرها و...
رن هاتفها فجأة بنغمة وصول الرسائل.. فالتقطته من على الطاولة المجاورة لفراشها.. وتوردت وجنتيها بقوة وهي تفتحها وتقرأ كلماتها..كانت من حسام.. وكانت كلماتها..
" احبك.. فهل تكفي؟..اعشقك.. فهل توفي؟"
ارتجفت اناملها وهي تمسك بهاتفها المحمول.. منذ متى كان حسام معها رقيقا الى هذه الدرجة؟.. تشعر بأنه انسان آخر تماما..هل اعتراف الانسان بمشاعره يجعله يتصرف بكل عفوية وحرية؟.. يتصرف حسبما يشاء دون ان تحكمه أي قيود..
رن هاتفها المحمول بغتة ليقطع افكارها ويجعل جسدها ينتفض .. وازدادت انتفاضته وهي ترى اسم حسام يضيء على شاشته..وهمست قائلة بقلق وتوتر: ما الذي يريده حسام الآن؟.. لقد غادر المنزل قبل نصف ساعة فقط..
وبانامل مرتجفة ضغطت زر الاجابة وقالت: اهلا..
جاءها صوت حسام الهادئ وهو يقول: اهلا مها.. ما هي احوالك؟..
قالت مها بحيرة: لقد تركتني منذ نصف ساعة فحسب..
ابتسم وقال: لكن هذا لا يمنع من السؤال عنك..اليس كذلك؟ ..
ابتسمت مها بدورها وقالت: بلى.. حسنا انا بخير.. وانت؟ ..
قال حسام بهدوء: انا بخير ولكن اردت ان اسألك سؤالا.. ومع اني كنت افكر بسؤالك عنه عندما جئت الى منزلكم .. ولكنه غاب عن ذهني منذ ان رأيتك ..رؤيتك يا مها تجعلني انسى كل مشاكل العالم وهمومه..
ابتسمت مها بخجل وارتجف قلبها من رقة كلماته.. وقالت : وما هو السؤال؟ ..
ظل صامتا لثواني ثم قال بتردد: لقد سألتك ذات مرة ان كنت تشعرين بالغيرة علي.. ويومها اجبتني بـ (لا..ابدا.. من قال اني اشعر بالغيرة عليك؟)..
ابتسمت مها بمرح ومن ثم قالت: لم اكن اعلم انك تحفظ كل ما يقال لك عن ظهر قلب..
ابتسم حسام وقال بحنان: كلماتك فقط هي من تحفر في قلبي ولا يمكنني نسيانها ابدا..
واردف بابتسامة: لا تتهربي من الموضوع واخبريني.. لماذا قلت هذا يومها وانا ارى انك حقا تبادليني المشاعر؟..
رفعت مها حاجبيها وقالت مبتسمة: وايضا تيقنت من اني ابادلك المشاعر..
- بكل تأكيد .. لا يمكنني ان اخطئ في فهم ما تعنيه نظرات عينيك وارتجافة كفيك.. وملامحك.. لقد كنت اشعر بجزنك .. بخوفك.. بضيقك.. عندما كنا اطفالا .. فكيف لا تريدين ان اشعر بحبك الآن...
هل توقف قلبي عن النبض ؟.. ربما لاني لم اعد اشعر الا بصوت انفاسي وارتجافة جسدي..
ازدردت مها لعابها مرتين متتاليتين محاولة ان تجمع شجاعتها ..وقال حسام متسائلا: اخبريني لم قلت هذا يومها؟..
صمتت مها قليلا ومن ثم قالت بضيق: وكأنك لم تكن تفعل المثل..دائما تشعرني بأني مجرد اخت لك..
قال حسام مدافعا عن نفسه: أي قول هذا؟.. الست اول شخص اتصل به لأتحدث اليك كلما كنت متضايقا؟..الا اترك الجميع لمجالستك في النادي؟.. اتظنين اني في الجامعة اراك صدفة فحسب؟.. اتصدقين ان قلت لك اني اظل ابحث عنك حتى اراك للحظات فحسب؟..واحمد.. الم تري كيف كنت انظر اليه بالحفل؟.. الم اطلب منك يومها ان تبتعدي عنه؟.. ماذا تعني لك تصرفاتي هذه في رأيك؟..
توردت وجنتيها بخجل وقد شعرت بالدهشة من كل ما سمعته وقالت: عندما كنت اسالك عن سبب اهتمامك بي.. كنت دائما ما تقول " لانك ابنة عمتي".. كرهت ان اكون قريبة لك.. بسبب عبارتك تلك..
ابتسم حسام وقال: لم اكن اكمل عبارتي يومها.. كنت اتوقف عن اكمالها بسبب الوعد الذي قطعته على نفسي..
واردف بصوت دافئ وبنبرة تمتلأ حبا وحنانا: لقد كنت اود ان اقول لك دائما.." لانك ابنة عمتي وحبيبتي"..
صدقوني لقد بدأت اشعر بالاختناق.. يكفي يا حسام.. سيتوقف قلبي بسببك اليوم.. لا احتمل كل هذه المفاجآت في ساعة واحدة فحسب!..
قال حسام مستغربا صمتها: مها .. الا زلت على الخط؟..
قالت مها بارتباك شديد وبحروف متقطعة: ا..اجــ..ل..
قال حسام مبتسما: حسنا.. اتركك الآن.. وان كان قلبي معك..
لم تقوى مها على نطق كلمة واحدة.. فقال حسام وهو يضحك على خجلها: الى اللقاء..
واردف بهمس: يا حبيبتي..
قالها واغلق الهاتف.. لانه يعلم يقينا ان مها لن تجيبه.. كيف لا وهو يفهمها جيدا منذ طفولتهما.. لقد كانت تظل صامتة لوقت طويل عندما تشعر بالخجل..
اما مها فقد ظلت ممسكة بالهاتف على اذنها وكأنها تنتظر ان يتحدث حسام معها من جديد..وتركت الهاتف ببطء.. ومن ثم لم تلبث ان صرخت بقوة وهي ترمي بنفسها على فراشها: مستحيل.. لا يمكنني ان اصدق..
وضحكت بمرح على نفسها.. احيانا نشعر بأننا قد عدنا اطفالا من جديد في ساعات الفرح ...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
اخذ مازن يتناول طعام افطاره بسرعة وقال متحدثا الى مها: ستذهبين مع السائق الآن؟..
قالت مها وهي تومئ برأسها: اجل .. ولم تسأل؟..
قال وهو يشير الى بعض الاوراق التي على الطاولة: اريد ان توقع ملاك على هذه الاوراق.. وهي لا تكادتخرج من غرفتها ابدا.. لهذا اريدك ان تأتي معي قبلها لأتحدث اليها ..
قالت مها وهي تنهض من مكانها: لا بأس ولكن اسرع حتى لا اتأخر..
قال مبتسما: من اجلك فقط سأحاول ان ابطئ من خطواتي..
اخرجت مها له لسانها وقالت: ظريف جدا..
قال مبتسما: بالرغم منك..
واخذ يسير مع مها الى غرفة ملاك.. وكاد ان يطرق الباب.. لكن مها قالت: انتظر.. ساطرق الباب وادخل الى الغرفة.. وسأتحدث اليها.. ربما تقبل وتخرج من الغرفة..
قال مازن بملل: والى متى سأنتظر بالله عليك؟.. اخبريها ان تسرع.. علي ان اذهب الى الشركة..
قالت مها باستغراب: ومتذ متى وانت مهتم بالعمل؟..
قال مازن مبتسما: هذه المرة العمل يختلف.. انه يخص ملاك..
قالت مها بحيرة: لم افهم..
- افضل.. فقط اذهبي لنداء ملاك.. اسرعي..
طرقت مها الباب ومن ثم فتحته بهدوء واغلقته خلفها.. وشاهدت ملاك تغط في نوم عميق.. ابتسمت باشفاق عليها وهي تفكر في ايقاظها من نومها هذا.. اقتربت منها وجلست على طرف الفراش.. لتقول بصوت منخفض وهي تهز كفها: ملاك.. ملاك..
تحركت ملاك قليلا لكنها لم تفق.. فعادت مها تهزها وهي تقول بصوت اعلى بعض الشي وباسلوب مرح: هيا استيقظي ايتها الكسولة..
عبارة نطقها والدها ذات يوم.. جعل ملاك تتمتم وابتسامة ترتسم على شفتيها: اريد ان انام يا ابي..
شعرت مها بغصة مريرة في حلقها وهي تسمع عبارتها.. ولكنها قالت وهي تحاول الاستمرار في مرحها: هيا انهضي .. فلن ادللك كما يفعل والدك.. انهضي بسرعة..
قالتها وازاحت عنها الغطاء قليلا.. ففتحت ملاك احدى عينيها بتعب وقالت وهي تجذب الغطاء: الجو بارد..
ابتسمت مها وقالت: اعلم.. وبهذه الطريقة فقط ستنهضين..
قالت ملاك بصوت ناعس: ماذا تريدين؟..
قالت مها وهي تشير الى باب الغرفة: مازن يريدك ان توقعي على بعض الاوراق..
قالت ملاك بدهشة: اوراق؟.. اوراق ماذا؟..
- لست اعلم .. يقول انه عمل يخصك..سننتظرك بالخارج.. ابدلي ملابسك واتبعينا الى الردهة..
اومأت ملاك برأسها ايجابيا.. في حين قالت مها بعد ان غاردت الغرفة متحدثة الى مازن: ستخرج من غرفتها بعد قليل.. انتظرها .. اما انا فسأذهب الى الجامعة الآن..
ابتسم مازن بسخرية ومن ثم قال: افضل بكثير..
قالت مها بحنق: الم تفهم بعد يا مازن؟.. انت لا تريدها فدعها وشأنها..
وضع مازن سبابته على شفتيه ومن ثم قال: لا شأن لك.. اذهبي الى الجامعة هيا..
هزت مها رأسها بقلة حيلة.. ومن ثم مضت في طريقها مبتعدة..اما مازن فقد اتجه الى احد المقاعد ليجلس عليها .. وينتظر خروج ملاك من غرفتها..وما ان خرجت حتى التفت اليها وابتسم وهو يغمز لها بعينه قائلا: منذ متى لم نراك؟.. اشتقت اليك..
ارتسمت ابتسامة باهتة على شفتي ملاك واحست بالخجل وهي تدفع مقعدها وقالت : قالت لي مها انك تريد ان اوقع لك على اوراق .. اية اوراق تلك؟..
قال مازن وهو يضع الطاولة الصغيرة المجاورة لمقعده امامهما: اسمعيني جيدا اولا يا ملاك.. واجيبي عن سؤالي..اتعرفين ان والدك قد سجل كل املاكه باسمك؟..
اتسعت عينا ملاك وقالت بدهشة: ماذا تقول؟.. سجل كل املاكه باسمي؟.. اتقول الصدق؟..
اومأ مازن برأسه ومن ثم قال: لقد اراد ان يضمن مستقبلك.. وان يضمن ان تكون كل املاكه من بعده لك انت..
قالت ملاك بالم: لا اريد شيئا.. لا اريد مالا او املاك.. اريد ان يفيق ابي من غيبوبته.. هذا اسمى ما اطلبه..
قال مازن بهدوء: وابيك اراد لك حياة هادئة .. مستقرة دون مشاكل..دون ان يطالبك احد باملاكه..لهذا فقد سجل جميع املاكه باسمك..
قالت ملاك بتأثر وقد شعرت بغصة في حلقها: من يستطيع في هذه الدنيا تعويضي عن ابي؟.. انه يفكر في كل شيء يعنيني وان كان صغيرا..
قال مازن مشفقا: ملاك ..حاولي ان تكوني قوية وان تصبري على ما يصيبك.. وما دامت رحمة الله تسع كل شيء.. فلا تفقدي الامل ابدا..
اسرعت ملاك تمسح دمعة كادت ان تسيل على وجنتيها وقالت بصوت مختنق: ونعم بالله..لن افقد الامل ابدا يا مازن..
قال مبتسما: هكذا اريدك.. والآن استمعي الي.. لقد طلب مني والدي ان ادير انا شركة والدك والتي باتت ملكا لك الآن.. لهذا انا في حاجة لان توقعي على بعض الاوراق.. وبحاجة الى بطاقتك الشخصية ايضا..وبهذا سأمتلك توكيلا بادارة الشركة..
واردف بهدوء: انا اعلم جيدا ان ادارة شركة باكملها ومنحي توكيلا يحتاج الى رجل تثقين به وبخبرته.. وبامكانيته على تحقيق الربح لك..وانا كما تعلمين...
قاطعته ملاك قائلة: لا تكمل.. انا اثق بك يا مازن..واثق في ادارتك للشركة..
قال مازن بجدية: اشكرك على ثقتك هذه ولكن حقا عليك ان تفكري جيدا..فالمسئولية كبيرة جدا..وانا ليست لدي الخبرة الكافية .. لقد عملت مع ابي لعامين ونصف وحسب.. وخلالهما تعلمت الشيء القليل.. لهذا فقد اكون سببا في خسارة الشركة ..الشركة التي اسسها والدك..
قالت ملاك بابتسامة باهتة: مازن.. خلال الفترة القصيرة التي قضيتها في هذا المنزل.. علمت فيها انك اهلا للثقة.. وكذلك.. لقد غمرتني باهتمامك منذ اليوم الاول لي هنا.. مع انك لا تعرفني جيدا.. فكيف اذا كان الامر يتعلق بشركة تخص ابي وتخصني.. ثم ان لديك من الخبرة ما يكفي بالنسبة لي.. فعامين ونصف ليست بالفترة القصيرة ..وعلى فكرة شركة ابي تختص بالاستيراد والتصدير.. ربما يعجبك العمل فيها لانها قريبة من تخصصك الا وهو السياحة ..
ارتفع حاجبا مازن وقال: وايضا تعرفين ما هو تخصصي..
قالت ملاك بابتسامة: سألت مها ذات مرة عن سبب ضيقك من عملك مع ابيك.. فاجابتني انه بعيد عن تخصصك وعرفت منه يومها انه السياحة..
واردفت قائلة: انتظرني للحظة سأحضر لك بطاقتي الشخصية ..
قال مازن بسرعة: ملاك..
قالت بحيرة: ماذا؟..
قال بامتنان: اشكرك كثيرا على ثقتك بي.. ارجو ان اكون اهلا لها .. واشكرك على كلماتك.. لقد رفعت من معنوياتي..
هزت ملاك رأسها نفيا وقالت: بل كلماتك لي هي من ازاحت هما كبيرا عني.. صدقني كانت ستسوء حالتي بعدما حصل لابي.. لولا ما فعلته لاجلي..
قال مازن مبتسما: ما فعلته كان اقل من الواجب..
قالت ملاك مبتسمة: لم اعرفك متواضعا في حياتي..
رفع مازن حاجبيه وقال: اتعتبريني مغرورا اذا؟..
ضحكت ملاك ضحكة قصيرة جدا.. اشعرت مازن بأن الحياة قد عادت لملاك من جديد..فقال بحنان: اريد ان اراك تضحكين هكذا دوما.. تبدين اجمل بكثير وانت سعيدة هكذا..
ارتبكت ملاك وتهربت من الموضوع قائلة: سأذهب لاحضر بطاقتي الشخصية..عن اذنك..
ابتسم مازن بهدوء وهو يلمحها تدفع مقعدها ورآها تختفي في غرفتها للحظات ومن ثم تخرج منها وتتقدم منه .. لتمد له يدها حاملة بطاقتها الشخصية وقالت بابتسامة خجلة: تفضل..
التقط مازن منها البطاقة الشخصية وقال مبتسما: مرة اخرى اشكرك على ثقتك بي..وارجو ان توقعي لي على هذه الاوراق ايضا..
التقطت ملاك القلم من على الطاولة ونفذت ما طلبه فابتسم بهدوء والتفت عنها ليغادر ولكن ملاك اسرعت تناديه قائلة: مازن..
التفت لها وقال : اتريدين شيئا يا ملاك؟..
قالت ملاك متسائلة: ستأخذني الى ابي بعد ان تعود من عملك.. اليس كذلك؟..
اومأ مازن برأسه وقال مبتسما: اجل لا تقلقي..
والتفت عنها وسرعان ما اختفت ابتسامته.. لم تفكر الا في السؤال عن والدها .. وانا؟.. ولم انا متضايق هكذا؟.. الأني اعتدت ان تهتم جميع الفتيات بي؟.. لكن ملاك ليست اية فتاة.. انها مختلفة تماما عن أي فتاة رأيتها.. وهذا ما يجعلني اكون صادقا معها في اهتمامي بعكس باقي الفتيات.. لاني لا ارى من ملاك سوى الخجل.. لا ارى مشاعرا واضحة تجاهي..كل ما اراه هو ابتسامة وخجل.. ومع هذا فأنا اسعد برؤيتها.. و اسعد بلقياها و...
(الا ترى انك اصبحت تجالس ملاك اكثر من اللازم؟)
التفت مازن الى صاحب الصوت ورفع حاجبيه بدهشة قائلا وهو يهم بالخروج من المنزل: وما شأنك انت يا كمال؟..
تطلع كمال الى مازن للحظة ومن ثم قال ببرود: انها ابنة عمي هذا اولا.. وثانيا انا اعرفك جيدا واعرف طريقة تفكيرك تجاه أي فتاة تراها.. لهذا انا اخشى على ملاك منك..
ضحك مازن وهز رأسه قائلا وهو يفتح الباب الرئيسي: لا تكن سخيفا.. انها ابنة عمي .. لا افكر فيها كباقي الفتيات اللاتي اتعرف عليهن..
واجهه كمال قائلا بحزم: اذا كيف تفكر فيها؟..
قال مازن وهو يمضي في طريقه: كابنة عم..فحسب..
قال كمال وهو يمط شفتيه ويراه يبتعد: ومن يصدقك..
مضى مازن في طريقه غير آبه بكمال الذي تابعه بنظراته بضيق..وصعد سيارته لينطلق بها وابتسم بسخرية لنفسه وهو يدس اصابعه بين خصلات شعره: احيانا اسأل نفسي السؤال ذاته يا كمال.. لماذا اصبحت اجالس ملاك اكثر من اللازم؟..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
التقط فؤاد هاتفه المحمول الذي اخذ يرن باصرار شديد.. وقال وهو يتطلع الى شاشته: ماذا يريد هذا مني الآن؟..
وضغط زر الاجابة ليقول بلامبالاة: اهلا.. ماذا هناك يا عادل؟ ..
قال عادل في سرعة: وجدتها...
قال فؤاد بدهشة: وجدت ماذا؟..
قال عادل محاولا الشرح: الطريقة التي ستجعلنا نمتلك شركة خالد ..
قال فؤاد وهو يعقد حاجبيه: واي طريقة تلك؟؟..
قال عادل مبتسما بخبث: شركة خالد باسم ابنته كما تقول .. ولكنه لن يستطيع ادارتها .. ولن تستطيع ملاك اداراتها كذلك ..
قال فؤاد باهتمام: اكمل..
- في رأيك من سيديرها غير شخص يكون لديه التوكيل بالتصرف في املاكها..وهذا الشخص يجب ان يكون قريبا منها وتثق به..
قال فؤاد وهو يزيد من انعقاد حاجبيه: لم افهم..
قال عادل مبتسما: احمد وهو من منحني تلك الفكرة بالحاحه المتواصل بالزواج من ابنة عمه مها..
قال فؤاد وهو يشعر انه قد فهم ما يرمي اليه اخيرا: اتعني انك سـ...
قاطعه عادل قائلا بمكر: سأنفذ رغبة احمد واخطب له ابنة عمه.. لكنها لن تكون مها .. بل ملاك...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
__________________
سبحان الله العظيم
سبحان الله وبحمده


فاضي دقيقتين؟
ادخل هنا
وشاركنا
هنا
مشاركة في دورة عيون العرب لتعليم الفوتوشوب خطوة بخطوة 2


يا كاشفني
ღ. ŚḿĨŁę ğĩŕĻ .ღ.
  #125  
قديم 03-03-2010, 07:37 PM
 
الجزء التاسع عشر
"واكتملت الخطة"


قال فؤاد وهو يشعر انه قد فهم ما يرمي اليه اخيرا: اتعني انك سـ...
قاطعه عادل قائلا بمكر: سأنفذ رغبة احمد واخطب له ابنة عمه.. لكنها لن تكون مها .. بل ملاك...
اتسعت عينا فؤاد وقال بدهشة بالغة: اتظن الامر بسيطا الى هذه الدرجة يا عادل؟.. ابنك نفسه لن يقبل بهذا الزواج..
قال عادل بلامبالاة: ابني يفكر كما نفكر نحن.. تهمه الاملاك والنقود.. وسيقبل بذلك لو علم ان شركة باكملها قد تكون ملكا له.. وان اراد ان ينفصل عن ملاك بعد ان يستطيع الحصول على الشركة.. فلن اعترض..
رفع فؤاد حاجبيه وقال متسائلا: وماذا لو لم يوافق ابنك؟.. ثم انه رجل ولا يمكنك ارغامه على شيء لا يريده..
- صدقني سيوافق.. وسنذهب لخطبة ملاك في القريب العاجل..
ابتسم فؤاد وقال: اتمنى هذا..
- اتركك الآن اذا..
قال فؤاد مبتسما: فليكن.. وعندما تذهب لخطبة ملاك لابنك ابلغني بكل ما يجري معك..
- لا توصي .. مع السلامة..
اغلق فؤاد الخط وابتسم بسخرية قائلا: احيانا يبدوا لي انك تمتلك عقلا ذكيا يا عادل بافكارك هذه..
واتسعت ابتسامته الساخرة لتشمل وجهه كله.. لكن في هذه المرة السخرية كانت لخالد وابنته ملاك.. وبما يفكر به لو ان احمد حقا قد تزوج ملاك.. واصبحت الشركة بين يدي ابن اخيه..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
طرقت مها باب غرفة ملاك عدة طرقات قبل ان تفتحه قائلة: ملاك.. الن تأتي لتناول طعام الغداء معنا؟..
هزت ملاك رأسها نفيا وهي تتطلع الى شي ما يحتل كفيها.. فتساءلت مها قائلة: ولم لا؟.. اخرجي من عزلتك هذه قليلا.. لقد مضت خمسة ايام منذ ان اصيب والدك بالغيبوبة..
قالت ملاك بلهفة فجأة: هل عاد مازن من عمله؟.. لقد وعدني ان يأخذني الى ابي بعد ان يعود..
ابتسمت مها وقالت وهي تربت على كتف ملاك: سيفعل يا ملاك مادام قد وعدك.. ولكن ليس الآن.. ربما بعد ساعتين..
عقدت ملاك حاجبيها وقالت: ولم بعد ساعتين؟..
قالت مها بابتسامة باهتة: الوقت لا يزال مبكرا يا ملاك.. انتظري حتى العصر..
اطرقت ملاك برأسها بألم وقالت بحزن: لقد اشتقت اليه كثيرا..
قالت مها مغيرة الموضوع: الى ماذا كنت تتطلعين قبل ان ادخل؟..
رفعت ملاك ما بيدها وقالت: انها صور لي منذ ان كنت طفلة وحتى الآن..
قالت مها بحماس وهي تجذب الصور من يد ملاك: دعيني ارى..
وتطلعت الى الصورة الاولى التي كان يقف فيها شاب وسيم الملامح .. اسود الشعر..عريض المنكبين ..تتمتع بشرته بسمرة خفيفة.. وكانت ابتسامة سعيدة تعتلي على شفتيه وهو يتطلع الى سيدة تقف الى جواره.. بيضاء البشرة.. بنية الشعر..بريئة الملامح.. وكانت تحمل بين كفيها طفلة صغيرة في العام الاول من عمرها على ما تظن..وقالت مها بابتسامة: هذه والدتك؟..
اومأت ملاك برأسها ايجابيا فقالت مها وهي تلتفت الى ملاك: تشبهك كثيرا لولا انك اخذت لون شعرك هذا من والدك..
قالت ملاك باسمة: تعنين انني انا من تشبهها..
ضحكت مها وقالت وهي تتطلع الى الصورة الثانية: اجل هذا ما اعنيه..
وابتسمت بشفقة وهي تتطلع الى صورة طفلة تجلس على مقعد متحرك وتضحك بسعادة وهي تتطلع الى والدها الذي يقف الى جوارها ويربت على رأسها بحنان.. وقالت متحدثة الى ملاك متسائلة: هل لي بسؤال؟.. لكن دون ان تتضايقي مني..
قالت ملاك بابتسامة: لن اتضايق منك ابدا..
قالت مها متسائلة بتردد: متى .. حدث الحادث الذي ادى الى شللك؟..
التقطت ملاك الصورة من كف مها وقالت: لست اذكر شيئا.. كنت طفلة.. وحسبما يقول ابي.. كنت في الثانية من عمري يومها..
قالت مها متسائلة باهتمام: وطوال هذه السنين.. لم يجد علاجا لك؟..
قالت ملاك وهي تزفر بحدة ويأس: لقد أخذني الى العديد من الاطباء.. وارسل اوراق الكشف والاشعة التي تشرح حالتي الى مختلف المستشفيات بالعالم.. لكن الاجابة كانت دائما ان العلاج يكاد يكون معدوما.. فأولا لقد كنت صغيرة حينها.. وثانيا الاصابة كانت في العمود الفقري..
واردفت ملاك بابتسامة شاحبة: لقد اعتدت هذه الحياة .. واعتدت على هذا المقعد الذي بات رفيقي الدائم.. لهذا فالامر يبدوا لي عاديا جدا..
قالت مها متسائلة: الا تفكرين بالبحث بشكل اكبر عن علاج لحالتك..
قالت ملاك وهي تهز كتفيها: لا اريد ان اتعلق بأمل واه.. ثم كثيرا ما اتسائل بيني وبين نفسي.. كيف يمكنكم السير بهذه السهولة؟..
ابتسمت مها وقالت: لقد تعلمت المشي وانت طفلة ولابد ان الامر كان سهلا جدا عليك يومها..
- لست اذكر شيئا..ولكن ابي كان يقول اني بدأت بالسير في عامي الاول..
تصفحت مها الصور مرة اخرى لتتطلع الى ملاك التي لم تتعدى العاشرة من عمرها في الصورة والنائمة كالملاك.. وضحكت ملاك قائلة: لقد التقط ابي لي هذه الصورة دون ان اعلم..
اخذت مها تتصفح الصور وقالت مبتسمة وهي تشير الى الصورة الاخيرة التي ترى فيها ملاك وهي في سنها هذا تمسك بدمية لدب وتحتضنه بمرح وطفولة: ومتى التقط لك هذه الصورة؟..
قالت ملاك بصوت خافت: قبل ان آتي الى هنا في المرة الاولى..
قالت مها فجأة: لابد لك وان تكملي المجموعة.. سألتقط لك صورة وانت بالفستان..
قالت ملاك بدهشة: أي فستان هذا؟..
- ذاك الذي ارتديته في الحفلة..
هزت ملاك رأسها نفيا وقالت: لا اريد..
قالت مها بالحاح: هيا يا ملاك.. ستكون صورة رائعة.. الم تقولي بنفسك انك ستتركين الفستان هنا حتى تعودي الى منزلنا من جديد؟.. وها انتذا قد عدت اليه ..
قالت ملاك باستسلام تحت الحاحها: فليكن ولكن بسرعة من....
قاطعها صوت طرقات على الباب.. جعلها تلتفت الى الباب وتقول: من؟..
جاءها صوت مازن وهو يقول: انا..هل ادخل؟..
قالت مها بحنق: متى سيفهم اخي ان عليه ان ينسى دخول هذه الغرفة ما دامت ابنة عمه فيها..
وقبل ان تتجه الى الباب.. كان مازن قد فتح الباب وقال مبتسما وهو يتطلع الى مها: مها .. هل جئت لتنادينها للغداء ام لتجلسي معها انت الاخرى؟..
تطلعت له مها بحنق وقالت: مازن انها غرفة ابنة عمك..
قال مازن وهو يهز كتفه: اعلم..ولا تتطلعي الي بمثل هذه النظرات..
واردف متحدثا الى ملاك: ملاك.. الن تأتي لتناول طعام الغداء معنا؟..
ترددت ملاك قليلا ومن ثم قالت: وان فعلت.. ستأخذني الى ابي بعد الغداء مباشرة.. لقد اشتقت اليه كثيرا..
اومأ مازن برأسه وقال مبتسما: بالتأكيد سأفعل ما دمت ستتركين عزلتك هذه..
قالت ملاك بلهفة: شكرا لك.. سآتي في الحال..
قال مازن مبتسما وهو يلتفت عنهم : هيا بسرعة..
واغلق الباب خلفه..دون ان ينتبه لتلك الصور المبعثرة على الطاولة .. والتي كانت ستجيب عن اسألته كلها المتعلقة بذكريات الماضي الدفين...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
(مستحيل..)
قالها احمد وهو يستنكر عبارة والده التي قالها قبل قليل واردف بحدة وضيق: انا يا والدي .. احمد عادل.. تريد ان تخطب لي فتاة عاجزة..
قال عادل بضيق: لا تكن سخيفا يا احمد.. لا تفكر بعجزها.. لديك عشرات الخادمات لتلبية طلباتك وكل ما تريد.. لا تهتم بها.. كل ما يهمنا هي الشركة التي تمتلكها..
قال احمد بحنق: لابد وانك تمزح يا والدي.. تريدني ان اقبل الزواج من فتاة عاجزة.. كيف اقدمها للناس والمجتمع.. كيف اخبرهم في أي حفلة ان هذه العاجزة هي زوجتي؟ .. ثم لو أقمت حفلة خطبة.. ستأتي اليها واحدهم يدفعها امام الناس...
قال عادل بلامبالاة: لا يجب ان تقيم حفلا كبيرا.. اقم حفلا بسيطا .. وافهم يا بني عليك ان تنسى أي امر آخر سوى انها تمتلك شركة..وسنمتلكها نحن ان استطعت التأثير عليها لتمنحك توكيلا بادارتها..
قال احمد برفض: انا اريد الزواج من مها .. انها هي من تناسبني .. انا لا انكر ان ملاك جميلة.. ولكنها عاجزة ولا يمكنني احتمال هذا..
وضع عادل كفه على كتف احمد وقال مبتسما بخبث: تزوجها لاسبوع فقط ان اردت وبعد ان تحصل على التوكيل طلقها..
قال احمد بضيق: لا يا والدي.. لن افعل.. من يضمن لي انها ستمنحني توكيلا لادارة اعمالها.. ربما تمنحه لعمي أمجد او احد من ابناءه..
قال عادل بحدة: ايها الاحمق .. حينها ستكون زوجها .. وانت الاحق بأن تحصل هذا التوكيل.. لو فكرت فقط في منحه لسواك فأرفض بأي حجة كانت..
واردف عادل بمكر محاولا اقناعه: استمع الي يا احمد.. ستحصل على شركة بأكملها.. تقدر بأكثر من اربع ملايين قطعة نقدية.. تخيل نفسك.. ستمتلك منزلا خاصا بك.. وافخم سيارة .. وستسافر حول العالم ان اردت.. لا تكن غبيا وتضيع هذه الفرصة من بين يديك..
قال احمد وقد بدا وكأنه قد اخذ يفتنع قليلا: ومها؟؟..
قال احمد مبتسما لاقتناعه بالفكرة: تزوجها ان اردت بعد انفصالك عن ملاك..
اخذ احمد يدير الفكرة في رأسه.. وتخيل نفسه وهو يمتلك ارقى المنازل.. واغلى انواع السيارات.. ويسافر وقتما يشاء .. يكون حر نفسه.. لا يطلب من والده مالا .. ولا يهتم بعمل او دراسة..
وقال اخيرا بابتسامة ولمعة ماكرة تلمع في عينيه: فليكن .. انا موافق ياوالدي..
ابتسم والده بخبث وقال وهو يربت على كتفه: هذا ابني الذي اعرف..
هاهي ذي الخطة قد اكتملت.. واكتمل اطرافها.. لكن هل ستسير كما يجب.. ام سيكون هناك عائقا يمنع تنفيذها؟...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
تطلع كمال باستغراب الى ملاك التي اقتربت بمقعدها من الطاولة وابتسمت قائلة بصوت خافت: لقد جئت لاشارككم طعام الغداء..
قال امجد بابتسامة: لا داعي للتبرير يا ملاك.. المنزل منزلك..
اما كمال فقد قال: كيف وافقت على مغادرة عزلتك بهذه السهولة؟..
ضحكت مها وقالت وهي تشيرالى مازن: لقد هددها اخي هذا.. ان لم تتناول طعام الغداء معنا فلن يأخذها الى والدها..
قال مازن بدهشة: انا قلت هذا؟..
اما كمال فقد قال وهو يعقد حاجبيه: دعك منه يا ملاك.. ان رفض توصيلك.. سأوصلك انا..
قال مازن وهو يطلق صفير اعجاب: يا الهي .. منذ متى وكمال يهتم بتوصيل احد في سيارته؟.. لقد ظننت انها سيارة بمقعد واحد فحسب وانا اجدك ترفض توصيل أي شخص فيها..
التفت له كمال وقال بحنق: ليس هذا من شأنك..اوصل من اشاء في سيارتي..
قال امجد بحدة: يكفي هذا.. وملاك ان اردت أي شيء فاطلبيه مني .. دعك من هذين الاثنين..
قالت ملاك بخفوت: لقد طلب مني مازن ان اترك عزلتي فحسب وانا وافقت.. لم يرغمني على ذلك كما قالت مها.. لقد كانت تمزح.. لا اريد ان اكون سببا في شجار أي احد..
قالت مها وهي تلتفت لها: لا تقلقي يا ملاك.. هما دائما هكذا.. يتشاجران لاتفه الاسباب..
وقال مازن وهو يلتفت الى ملاك: اكملي طعامك يا ملاك ولا تكترثي لشيء.. سآخذك الى والدك كما وعدتك بعد الغداء..
اومأت ملاك برأسها بهدوء ومن ثم التقطت ملعقة الطعام لتتناول طعامها ببطء..بتفكير مشوش.. بين والدها وبين مازن وكمال.. لقد اشتاقت لوالدها كثيرا وتريد ان تراه.. ولكن لا تريد ان يسبب ذهابها أي مشكلات بين مازن وكمال..
وقالت بعد ربع الساعة من التظاهر بتناول الطعام: لقد شبعت.. سأذهب لأغسل يدي.. وسأكون جاهزة..
قال مازن وهو يلتفت لها بابتسامة: فليكن.. سأكون بانتظارك ..
ونهض تاركا الغداء بدوره قائلا بسرعة وهو يتحدث الى مها: ان كنت ستأتين معنا يا مها.. اذهبي لتجهزي نفسك..
قالت مها وهي تهز رأسها نفيا: لن يمكنني الحضور..لدي الكثير من الدروس والواجبات التي يتوجب علي انهاءها اليوم ..
قال مازن مبتسما: ليتهم يمنحونك هذا القدر من الدروس في كل مرة..
قالت مها بحنق: اعلم جيدا انك قد فرحت لكونك ستكون مع ملاك لوحدك .. ولكن اعلم جيدا اني سأسالها عن تصرفاتك معها.. ولو تجاوزت حدودك.. سأخبر والدي..
قال مازن مبتسما بسخرية: متى ستكبرين وتفكرين بجدية اكبر؟..
قالت مها بحنق: عندما تكبر انت وتترك عنك ملاحقة الفتيات ..
قال مازن وهو يلوح بكفه ويمضي عنها: انا الاحقهن؟.. لا تضحكيني ارجوك..ان اردت يمكنك ان تأتي الى النادي لتعلمي انهن هن من يسعين ورائي..
تنهدت مها وراقبته وهو ينصرف صاعدا الى الطابق الاعلى.. ومن ثم الى غرفته.. سعيد.. لايمكنه ان ينكر ذلك.. كل هذا لان ملاك ستكون معه وحده.. بدون مها وبدون ازعاجاتها .. اسرع باستبدال ملابسه.. ومن ثم يغادر الغرفة ليهبط على درجات السلم قفزا وهو يطلق من بين شفتيه صفيرا منغوما..وابتسم وهو يرى ملاك تغادر غرفتها لتوها وقال مبتسما: جيد انك قد جهزت.. هيا الى السيارة..
قالت ملاك بحيرة: ومها؟..
قال بابتسامة ساخرة: لن تأتي.. لا زالت تدرس تلك المجتهدة ..
لن تأتي؟.. هذا معناه ان اكون انا ومازن لوحدنا في سيارته .. وان اجلس الى جواره.. مجرد التفكير في هذا الامر يجعل جسدي كله يرتجف.. أأذهب معه.. ام اعتذر عن الذهاب؟.. لكن ابي.. اريد ان اراه.. ان لم يأخذني مازن اليوم قد لا يأخذني لرؤيته غدا...
(ملاك.. فيم تفكرين؟)
رفعت ملاك رأسها له وقالت بتوتر: لا شيء...
اشار لها لكي تتقدمه وقال: اذا هيا..
حركت ملاك مقعدها بتوتر.. ففكرة ان تكون مع مازن لوحدها تجعل اطرافها تتجمد وقلبها يخفق بقوة.. وقال مازن مبتسما وهو يميل لها: هل ادفعك؟..
اومأت ملاك برأسها دون ان تعلق..وتساءلت.. لماذا تكون مسلوبة الارادة دائما مع مازن وتجيبه بالاجابة التي يريد كلما سمعت صوته او نظرت الى عينيه؟..
ودفعها مازن الى حيث السيارة ليفتح لها الباب المجاور له.. وظلت مترددة لبرهة قبل ان ترفع جسدها الصغير عن المقعد ونلقيه على مقعد السيارة..واغلق مازن الباب خلفها بهدوء والتقط المقعد ليطويه ويضعه في صندوق سيارته.. ومن ثم يفتح الباب الامامي ويستقر الى جوار ملاك..وارتجف جسد ملاك بالرغم منها.. فنادرا ما يكون مازن بهذا القرب منها.. لاول مرة تجلس الى جواره في السيارة.. انه شعور مخيف وموتر ومقلق ..و...جميل.. لأول مرة تشعر بأن مازن قد يكون لها في يوم.. وانها قد تجلس الى جواره مرة اخرى.. شعور ممتع هو الذي يجعلك تظن ان احلامك قد تتحقق.. احلامك التي نسجها خيالك لوقت طويل و....
( لم انت صامتة هكذا؟)
التفتت الى مازن الذي قاطع افكارها .. وقالت متمتمة بخفوت: وماذا اقول؟..
قال مازن مبتسما: سأبدأ انا بالحديث..موافقة؟..
وقبل ان تقول شيئا اردف قائلا: لقد اردت ان اسألك اولا.. ما الذي منع والدك من زيارتنا .. او زيارتك انت لنا؟..
قالت ملاك وهي تتطلع من النافذة: لست اعلم.. لطالما كان يقول لي ان الامور هكذا افضل.. الشيء الوحيد الذي عرفته انه يخشى علي كثيرا ولا يريد لاحدهم ان يجرحني بكلامه ..
قال مازن بهدوء: اظن ان السبب الرئيسي كان عمي فؤاد..
قالت ملاك وهي تومئ برأسها : اظن ذلك انا ايضا..
قال مازن وهو يتطلع لها بطرف عينه: هناك امر آخر اردت ان اتحدث فيه معك.. فعلى الرغم من المدة التي قضيتها معنا.. فلا ازال اجهل الكثير عنك..
وانا ايضا.. لا ازال اجهل الكثير عنك..مع ان ابسط تفاصيل حياتك تهمني.. وقالت ملاك بابتسامة خافتة لم تخفي سعادتها من اهتمامه بها: يمكنك ان تسألني عما تريد وسأجيبك..
قال مازن مبتسما وهو يفرد اصبعه السبابة: السؤال الاول.. ما هي هواياتك؟..
قالت ملاك بابتسامة: القراءة..
صمت قليلا.. فقالت ملاك ببعض الخجل وهي تستجمع شجاعتها : وانت؟..
ابتسم مازن وقال: ركوب الخيل والسباحة..
واردف قائلا بمرح: والآن دوري انا لسؤالك..اخبريني ما هي امنيتك؟..
قالت ملاك بشحوب: ان يفيق ابي من غيبوبته..
صمت دون ان يعلق لانه ذكرها بوالدها.. وقالت ملاك في تلك اللحظة: اشكرك يا مازن.. اعلم اني اتعبك معي كثيرا..
قال مازن بابتسامة: لا تقولي هذا.. انت ابنة عمي.. وانت امانة في اعناقنا جميعا..
قالت ملاك بامتنان: لقد فعلت الكثير لاجلي لهذا انا اشكرك كثيرا واود لو استطيع ان ارد لك هذا الجميل..
وضع مازن سبابته على شفتيه وقال: اياك وان تكملي..
ستضايقيني منك بهذه الطريقة..كل ما افعله فأنا افعله لأني اريد ذلك.. ولست في حاجة لأن تقولي سأرد لك الجميل او من هذه العبارات التي ليس لها اي داع..
واردف بحنان: الم تعلمي بعد مكانتك في قلوبنا جميعا؟..
ما الذي يحدث لي؟.. ماذا يحدث؟.. يداي ترتجفان دون توقف .. واشعر بتقلصات في معدتي.. لماذا كل هذا الاضطراب؟ .. اشعر بقلبي يخفق بقوة وكأنه سيخرج من صدري .. لقد قال لي مازن ان لي مكانة في قلبه.. لكن لست متأكدة ماهي تلك المكانة.. ربما يحبني كأخت له.. كاحدى قريباته.. لماذا اذا اشعر بكل هذا التوتر والاضطراب؟..
(لقد وصلنا)
قالها مازن فالتفتت ملاك بحيرة وتطلعت من النافذة الى المشفى.. بهذه السرعة؟.. لم اشعر بالوقت ابدا.. حتى الوقت الذي اقضيه مع مازن يمر بسرعة شديدة.. وكأنه يأبى ان استمتع بلحظات وجودي معه..
وشاهدت مازن في تلك اللحظة وهو يهبط من السيارة ويتجه الى صندوق السيارة ليخرج مقعدها ويدفعه الى حيث بابها.. وقال متسائلا: هل اساعدك؟..
قالت ملاك بخفوت: لقد اعتدت الامر.. ولا حاجة لأن تساعدني ..
قال مازن متسائلا بابتسامة: اليست مساعدتي لك تجعل الامر اكثر سهولة؟ ..
- بلى .. ولكن..
قال مازن وهو يمد يديه لها: من دون لكن.. هيا اعطني يديك لاساعدك..
لماذا دائما تشعر انها مرغمة على فعل ما يريد.. حتى وان كانت ترفضه في اعماقها.. اهو الحب ذلك الذي يجعلها تتصرف حسبما يريد هو ؟..
ومدت له يداها ليساعدها على الجلوس على مقعدها المتحرك.. فقال مازن بهدوء: ارأيت ان الامور هكذا ابسط..
ابسط؟؟.. كلا يا مازن.. هذا بالنسبة لك فقط.. اما انا فأشعر بأن ماس كهربائي قد صعق جسمي بأكمله من لمسة كفيك.. اشعر بأنك قريب مني لدرجة كبيرة حتى اني لا استطيع التفكير في شيء او فعل شيء سوى تحاشي النظر اليك .. وتحاشي تلك المشاعر التي تسيطر على كياني بأكمله عند رؤياك..
اما مازن فقد دفع مقعدها بهدوء ليسير بين ممرات المشفى ومن ثم يتجه الى حيث المصعد ليصعد معها الى الطابق الثالث.. وليتوجه معها اخيرا الى غرفة ابيها.. وهناك قال وهو يميل نحوها وقبل ان يفتح باب غرفته: تماسكي يا ملاك.. وحاولي ان تكوني شجاعة عند رؤيته.. اتفقنا؟..
قالت ملاك بصوت خافت: اجل..
فتح باب الغرفة ودخل معها الى داخل الغرفة وتطلع الى عمه ساكن الجسد الا من صدره الذي يعلو ويهبط.. وقال لملاك بصدق: سوف ينهض عمي وسيكون بخير باذن الله..
قالت ملاك بأمل: اتظن ذلك حقا؟..
اومأ مازن برأسه وقال مبتسما: اتمنى هذا من كل قلبي.. وباذن الله سينهض سالما..
واردف وهو يشير بكفه الى الباب: سأغادر الآن لتأخذي حريتك مع والدك.. وسأكون انا بالجوار.. سترينني عندما تخرجين ..
اومأت ملاك برأسها وقالت: حسنا..
لوح مازن لها بكفه وغادر الغرفة بهدوء.. اما ملاك فقد دفعت عجلات مقعدها لتتقدم من والدها وتمسك بكفه قائلة وهي تشعر بغصة في حلقها:ها قد عدت اليك يا ابي كما وعدتك وانا اعلم جيدا انك ستنهض..وستعود الي من جديد لتقول لي صغيرتي كما اعتدت.. سأظل متمسكة بهذا الامل يا ابي.. لاني لا احتمل فكرة ان ترحل وتتركني في هذه الدنيا وحيدة..
ترقرقت الدموع في عينيها في تلك اللحظة فأسرعت تمسحها قائلة: لن ابكي.. اعلم ان دموعي تؤلمك.. لهذا لن ابكي .. سأكون اقوى لاجلك يا ابي..
وارتسمت ابتسامة شاحبة على شفتيها وهي تتطلع الى وجه والدها الذي لا يزال يحمل تلك الوسامة المحببة..على الرغم من انه تخطى سنوات عمره الاربعين .. وقالت: اتعلم يا ابي ما حدث بعد ان علمت بما اصابك..لقد كدت انهار او ربما اجن.. لو لا...
بترت عبارتها والتفتت الى الباب الذي خرج منه مازن منذ قليل وعادت لتلتفت الى والدها لتقول: لولا رحمة الله تعالى..ثم ما فعله مازن معي.. لقد جعلني اعود الى الواقع واتوقف عن صرخاتي التي لم اكن اشعر بها..
واردفت مبتسمة: وكذلك يا ابي.. لقد اهتم بأمري كثيرا .. هو وحده من استطاع ان يجعلني اعود الى وعيي وطبيعتي بعض الشيء..
وتنهدت مستطردة: اعلم انك ستقول ان عليك ان تنسيه.. لان والده كان سببا فيما حدث لنا.. ولكن لا استطيع.. صدقيني يا ابي.. ما فعله معي مازن لا يمكن ان ينسى ابدا..
واستمرت في حديثها مع والدها عن كل شيء حصل معها تقريبا.. كل احلامها وتخيلاتها قالتها له..كل شيء ما عدا حبها لمازن.. اخفته في قلبها.. وهي التي لم تعتد على اخفاء شيءعن ابيها.. لكنها شعرت ان مشاعرها هذه يجب ان تظل سرا في قلبها وخصوصا وهي تعلم أي مشاعر يكنها والدها لمازن..
وقبلت كفه اخيرا بحنان وحب قبل ان تقول: سأعود يا ابي مرة اخرى.. اعدك..
وابتسمت بشحوب مردفة: وانت ايضا انهض.. ولا تكن كسولا هكذا.. لقد نمت بما فيه الكفاية..
عضت على شفتيها بقوة والم..ومن ثم قالت وهي تعود لتقبيل كفه: الى اللقاء الآن يا ابي..
القت عليه نظرة اخيرة قبل ان تحرك عجلات مقعدها بصعوبة لتستدير عنه.. شعرت ان قلبها يكاد ينتزع من مكانه وهي تترك ابيها وتغادر عنه.. تريد ان تبقى معه لوقت اطول.. لكن مازن لا يزال بالخارج ينتظر.. ليس عليها ان تتركه كل هذا الوقت للانتظار.. يكفي انه جاء بها الى هنا بطيب خاطر ..
فتحت باب الغرفة بهدوء.. وتنهدت بقوة.. فقال مازن الذي كان يجلس على احد المقاعد المواجهة للغرفة: هه هل نمضي؟..
لومأت ملاك برأسها بخفوت.. فنهض من مكانه ليدفع مقعدها .. وعينا ملاك لا تفارقان الغرفة التي خرجت منها منذ قليل.. واناملها لا تكاد تبرح عن التمسك بالقلادة التي اهداها لها ابيها في يوم ...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
بعيدا عن المشفى .. وفي ذلك المنزل الفخم بالذات.. انطلق صوت ذلك الرجل الذي بدت على ملامحه العصبية وهو يقول: ماذا تقول؟..
قال عادل مبتسما وهو يتحدث اليه عبر اسلاك الهاتف: ماذا بك يا امجد..الم تسمعني جيدا؟.. لقد قلت لك اننا قدمان بعد قليل لخطبة ملاك لأحمد..
قال امجد بحدة: ولم الآن بالذات؟.. لم فكر ابنك احمد بملاك الآن فقط؟..
قال عادل مبتسما بخبث: القلب وما يحب.. منذ ان رآها وهو متعلق بها واخذ يلح علي بالزواج منها..
قال امجد وهو يمط شفتيه: وما ادراه ان ملاك هي ابنة عمه حينها؟ ..
قال عادل بمكر: انا اخبرته.. هل من اسألة اخرى قبل ان آتي الى منزلك؟..
قال امجد بضيق: لا .. على الرحب والسعة..
واغلق الهاتف بضيق وهو يمسك رأسه.. كل شيء توقعه من اخويه.. الا ان يتخذوا هذه الخطوة.. يالهم من ماكرين .. خبثاء.. يريدون ان يزوجوها لاحمد لكي يكون كل شيء في يدهم.. تماما كما ارادوا تزويج خالد من قبل من امرأة تسلب كل املاكه.. لكن خالد استطاع ان يتصدى لهم ولم يهتم بشيء ابدا.. فهل يستطيع هو الآن التصدي لهم والاستغناء عن كل شيء ايضا من اجل ابنة اخيه؟...
انتزعه من افكاره اصوات تأتي من مدخل المنزل .. فالتفت الى مصدر الصوت وشاهد مازن وهو يدفع ملاك .. فتطلع اليه وقال: اين كنت؟..
اجابه مازن وهو يرفع رأسه الى والده: لقد أخذت ملاك لرؤية والدها..
وعقد مازن حاجبيه وهو يلمح الضيق الذي يبدوا على وجه والده قائلا: ماذا بك يا والدي؟..
تطلع امجد الى ملاك بصمت.. ففهم مازن ما يعنيه والده.. فالتفت الى ملاك قائلا: اذهبي انت يا ملاك الى غرفتك..
اومات ملاك براسها.. وانسحبت من المكان.. في حين تقدم مازن من والده وقال متسائلا بقلق: ماذا جرى يا والدي؟..
زفر والده بضيق ومن ثم قال: عمك عادل..
- ماذا به؟..
- لقد اتصل منذ قليل.. وسالني عن احوال ملاك..واخبرني بأنه سيأتي لزيارتي بعد قليل..
قال مازن بلهجة لم تقنعه هو نفسه: ربما من اجل العمل..
قال امجد وهو يبتسم بسخرية: أي عمل هذا الذي سيأتي لأجله مساءا مع ابنه الى منزلي.. ويسال فيه عن احوال ملاك..
تسلل القلق الى صوت مازن وهو يقول: الم تسأله عن سبب زيارته هذه؟؟..
قال امجد وهو يومئ برأسه: بلى سألته .. وقال حينها.. انها سيأتي الى منزلي من اجل...ان يخطب ملاك لأبنه احمد....
قالها وهو يشعر بأنه فجر قنبلة في وجه مازن.. الذي اتسعت عيناه بقوة.. وشلت الصدمة لسانه...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
__________________
سبحان الله العظيم
سبحان الله وبحمده


فاضي دقيقتين؟
ادخل هنا
وشاركنا
هنا
مشاركة في دورة عيون العرب لتعليم الفوتوشوب خطوة بخطوة 2


يا كاشفني
ღ. ŚḿĨŁę ğĩŕĻ .ღ.
 

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 07:04 AM.


Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.

شات الشلة
Powered by: vBulletin Copyright ©2000 - 2006, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لعيون العرب
2003 - 2011