عيون العرب - ملتقى العالم العربي

العودة   عيون العرب - ملتقى العالم العربي > عيـون القصص والروايات > قصص قصيرة

قصص قصيرة قصص قصيرة,قصه واقعيه قصيره,قصص رومانسية قصيرة.

موضوع مغلق
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 07-20-2011, 10:44 PM
 
رجل ليوم واحد

هذا الرواية من روايات أحـــــــلام القديمة

تنهدت ديانا بقلق فكل ما في الطبيعة من جمال وسكون حولها لم يدخل الراحة الى قلبها. عمتها مريضة على فراش الموت وهي تطلب بإلحاح رؤية زوج ديانا، لكن زوجها مات ولن تستطيع اخبار عمتها بهذا ابدا...اخيرا اتخذت قرارا متهورا: هناك في المستشفى القريبة رجل غريب وهذا الرجل فاقد الذاكرة، فما الذي يمنعها من ايهامه بأنه زوجها؟كانت ديانا على الرغم من زواجها القصير ماتزال ساذجة قليلة الخبرة في الحكم على الرجال،فلم تدرك انها لن تستطيع استغلال رجل كآدم ونتربورن دون ان تدفع الثمن غاليا....
- من انا؟

اوحت الغرفة على الرغم من بساطتها بالطمأنينة والسلام وكيف لاتكون كذلك، وهي التي كانت مفرا له من الكابوس الذي كان يعيشه ولقد استطاع في الايام القليلة الماضية ان يمعن النظر في تلك الغرفة ولكنه الآن وبعدما راح جسده يتخذ عليه مطالبا ادراك كم هي ضيقة.
كانت جميع الراهبات اللواتي اتعنتين به وتخدمه حتى اعدن اليه صحته رائعات حقا. ومع هذا، كانت تلك بيئتهن لا بيئته، فهن قد اخترن العيش زاهدات بالحياة مكرسات انفسهن في خدمة الله واتباعه من الانسان.
كأن يأتيه في بعض الاحيان حس باطني يؤكد له ان هذا النمط من العيش بعيد عن النمط الذي اعتاد عليه.
كأن يتألم كثيرا حين يحاول تحديد هويته ولم تستطع العناية واللطافة التي حظي بهما من تخفيف كآبته الناتجة عن عجزه عن تذكر اي شيء قبل تحطم الطائرة، وعلى الرغم من ان الطبيب اخبره بأن حالته لم تكن غير عادية وان ذاكرته ستعود اليه في اي وقت، فقد شعر بأنه بدأ يفقد الثقه بتشخيص الطب.لقد اخبروه بحادث الطائرة. وكان عاش كوابيس عدة عندما نقل الى مستشفى الارسالية الواقعة في الجبل وكان عليهم ان يخبروه بأنه لم ينج احد سواه. بدا هاديا ودهشا وكان ينضح عرقا كلما سمع ازيز طائرة تحلق في الفضاء. إلا ان هذا الخوف لم يلبث ان راح يتقهقهر تدريجيا ليحل محله شعور بالراحة رافقه فضول زائد.لم يستطع في البدء فهم لغة الراهبات ولغة ذلك الطبيب الاسمر الوجه، ولكنهم عادوا فاستخدموا الانكليزية الركيكة ليشرحوا له ان الطائرة قد احطمت عندما كانت تجتاز منطقة الانديز في امريكا الجنوبية وان المستشفى واقعة في جبل قابع في مقاطعة مونترفيرد. وهي قرية صغيرة برتغالية اللغة تحاذي بولفيا والبارغواي.
اعلمت ادارة المستشفى السلطات بذلك الحادث ولكن لان الطائرة كانت تخص شركة برازلية ولأن مونترافيرد تبعد اميالا عن ضوضاء مدينة ريودي جانيرو سارت الامور ببطء. كان هناك اشخاص انكليزيون آخرون على متن الطائرة ايضا مما جعل الامور اكثر تعقيدا. كان الامر يدعو الى القلق ويحبط النفس وخاصة بعد التأخير المستمر في اجراء التحريات. لم يكن يطيق صبرا حتى يعرف هويته ومع ذلك كان بين الحين والآخر يطلق العنان لخواطره ويصدق انه قد لايستعيد ذاكرته ابدا.فتح الباب المؤدي الى غرفته فأعلن عن وصول احدى الراهبات وهي تلك الأخت انا التي كانت تدنو الآن من سريره بهدوء، وهي تبعد عينيها عنه. الاخت انا شابة، لايزيد عمرها عن الثانية او الثالثه والعشرين، وهي تعجز امامه عن المحافظة على هدوئها ورباطة جأشها وبما انها كانت تدرس اللاهوت في دير في الولايات المتحدة فقد استطاعت ان تتعلم الانكليزية بطلاقة، وهذا مادعاها الى القيام بتلبية مطالبه واحتياجاته.بدا هذا ايضا غريبا بالنسبة له. فالانسان يعتقد ان فاقد الذاكرة يفقد كل شيء حتى المعلومات السابقة ولكن الامر كان على خلاف ذلك. كان يعلم تماما ماتعنيه الولايات المتحدة وكان يعرف معنى دير الرهبنة.
قالت الاخت آنا:
-مساء الخير ياسنيور كيف حالك الان؟
تنهد قليلا ثم القى رأسه على الوسادة الملقاة خلفه. ألم الراس الذي لازمه قد بدأ يخف تدريجيا.
-انا افضل بكثير.
اجاب تلك الاجابة ثم مد يده الى لحيته التي لم يحاول احد منذ فترة طويلة ان يحلقها له:
-متى اسطتيع المغادرة؟
كانت الأخت الفيرا هنا هذا الصباح وبدت وكأنها لم تفهم كلمة مما قلت.رفعت الاخت آنا عينيها الجمليتين إليه:
-الاخت الفيرا لاتتكلم الانكليزية ياسنيور كنت اساعد الطبيب غيارمو في عملية جراحية لذا لم استطع الوقوف على خدمتك.عقدت ذراعيها كما اعتادت ان تفعل وتابعت تقول:
-لن يسمح لك الطبيب غيارمو بالمغادرة قبل عدة ايام ياسنيور. عليك ان تتذكر ان جسمك قد تعرض لصدمة قوية.
-ولكنني اشعر بتحسن تام. يبدو ان لا احد على علم بالحالة المستعجلة الحاصلة. الم يخطر على بال احدهم انه كان هناك سبب وجيه دفعني الى زيارة امريكا الجنوبية وان في هذه اللحظة، شخصا ما، في مكان ماقلق علي؟
قالت الاخت آنا وهي تظهر هدوءا واهيا:
-نعلم هذا ياسنيور كما نعلم انك تريد استرجاع ذاكرتك والعودة الى نشاطاتك العادية ، ولكن ألاتعتقد أنه لو كان هناك من يقلق عليك لقام بالتحريات اللازمة؟
-ولكن هل لاقى خبر الاصطدام هذا حقه في الانتشار؟ انا اعرف ان الصحف لا تغطي خبرا كهذا تغطية جيدة. لا بد ان الصحف قالت ان اصطداما كبيراً حدث اليوم باكرا في مونترافيرد وكان حصيلته ستين او سبعين قتيلا بينهم ستة سياح بريطانيين. ولا احسب احدا سيضيف شيئا إلا إذا تكرم احدهم وبذل قليلا من الجهد لمعرفة التفاصيل.بدت اللأخت آنا منزعجة ومتفاجئة فقالت:
-لو كان لديك زوجة او عائلة لاهتموا بالموضوع ولبذلوا قصارى جهدهم في البحث عنك.
تنهد قليلا ثم قال:
-هذا ان كانوا يعلمون انني سافرت على متن تلك الطائرة، ربما؟ ولكن، ماذا ان كانوا لايعرفون شيئا من هذا كله؟ ماذا لو كنت اعمل في ريودي جانيرو ثم استقليت فجأة طائرة الى لاباز، هل سيعرف احد بذلك؟
ارتبكت الأخت آنا ثم قالت:
-ان كنت تعمل في ريودي جانيرو، فهذا يعني ان الموظفين هناك سيلاحظون غيابك عن العمل.
تهجم وجهه وهو يقول:
-ربما هذا صحيح، او ربما لا.
ثم مد يده وراح يفرك جبهته التي كانت ترشح عرقا فالجهد الذي كان يبذله لتذكر شيء ما اي شيء متعب للغاية.
اقتربت الاخت آنا فحركت الوسادة تحت رأسه بعزم ثم قالت:
-انت تعلم ان ذلك لن يجدي نفعا كما تعلم ايضا انك بذلك ترهق نفسك وهذا ما سيغضب الطبيب غيارمو حول رأسه الى الجهة الثانية وهو لايبالي بما تقوله الاخت آنا بل يحس انه يوشك ان يقول لها فليذهب الطبيب الى الجحيم . لقد اصيبت حياته بتوقف وجمود لذا يرى انه يحق له استعادة روابط الماضي التي فقدها على اثر ذلك الحادث.ولكن سرعان ماتبدد غضبه وحل محله ذلك الشعور بالكآبة والهم، اللذين كانا يرافقان محاولاته اليائسة لمعرفة هويته. ثم نظر الى الاخت آنا عابساً ممعناً فيها النظر بقصد اثارتها وقد جعل بنظراته تلك وجنتيها تتوهجان احمراراً
سألها بصوت خافت :
-اخبريني، مالذي يدفع فتاة مثلك الى خوض هذا المضمار الشاق؟.
-من فضلك ياسنيور؟قالت تلك الكلمات ثم راحت تقيس سرعة نبضه غير ان عينيه بعد انتهاء من قياس النبض والحرارة راحتا ترافقانها اينما اتجهت في الغرفة.
-مم تخافين؟
وعندما امتنعت عن الاجابة اضاف:
-انه سؤال بسيط. فلماذا لاتجييبن عنه؟
-ليس هناك من جواب بسيط ياسنيور.
نظر اليها بتهكم وقال:
-هذا ليس برد ياختاه.
-ليس بوسعي ان اخبرك ماليس لي به علم ياسنيور.
قصدت الباب ثم قالت:
-ستحمل لك الاخت كارلوتا وجبة العشاء الى هنا حالا.
-لست جائعا، لاتذهبي.
ثم رمقها بنظرة جعلت وجنتيها تتوردان ثانية.
-علي ان اذهب.
-لماذا؟ هل تخافين مني؟
ابتسم لها ابتسامة صغيرة ثم اضاف:
-اتعلمين انني ربما كنت كاهنا وبذلك يكون بيننا قاسم مشترك.
-لا، لا اظن ياسنيور.
-لم، لم لا؟امسكت ثوبها بطرف اصابعها وشدته بعنف وقالت:
-انك لاتتصرف تصرف الكهنة.
-وكيف لي ان افعل وانا لا اعرف من انا وماذا اكون؟
-لا لست كاهنا ابداً فثمة شيء آخر، شيء ما يمكن داخل عينيك ، شيء مايجعلني متأكدة.
نظر اليها بعينين ساخرتين ثم قال.
-ابسبب الطريقة التي انظر بها اليك؟ الا انني اجد فيك ما يريح ويسر نظري؟
-سنيورانزعجت الاخت آنا مما قاله كثيرا، واحس بتأنيب الضمير فجأة ، فقد كان يستخدم تلك الفتاة البرئية الطاهرة ليهرب من افكاره القاسية. وكان بتصرفه هذا قاسياً وصارماً.
تأوه قليلا ثم قال:
-اذهبي، انا آسف ان كنت اهنتك او اسأت اليك.
ترددت الاخت آنا بعض الشيء وكأنها تود لو يضيف شيئا آخر. ولكنها لم تلبث ان تنهدت تنهيدة عميقة ثم غادرت الغرفة.
ابعد الغطاء عنه ثم نهض من السرير لاعناً وشاتماً هذا الوهن الذي يشعر به كلما لامست قدماه ارض الغرفة الخشبية.حاول ان يستقيم في وقفته، فإذا بألم رأسه يعود مجدداً لانه بذل جهدا لم يعتد القيام به في هذه الاونه فانتظر ريثما يهدأ رأسه ثم توجه بهدوء الى النافذة حيث وقف يتأمل الطبيعة.

كان المنظر مذهلا ورائعا فراح يفكر في ان المصابين بداء القرحة من رجال الاعمال يدفعون بسخاء لقضاء اسابيع قليلة في مكان هادئ وجميل كهذا.لوى فمه مفكرا كيف عرف ذلك؟ هل كان مطلعا على عالم الاعمال الى هذا الحد؟ وهل هو احد اولئك الرجال المصابين بداء القرحة؟وضع يده على عضلات معدته ضاغطا عليه.لا، لو كان مصابا بداء القرحة لاكتشف الطبيب غيارمو ذلك بنفسه، ففحوصاته كانت شاملة ولم يكن ليفوته شيء من هذا القبيل.
تنهد ثم سحب نفسا عميقا من هواء الجبل النقي. كانت المستشفى مبينة على طرف الجبل، تحتها واد عميق بعيد ينساب فيه بشكل فوضوي نهر تسقسق مياهه شاقة طريقها بين الصخور المغطاة بالطحلب والنبات الاخضر. ولكن اروع واعظم منظر يرى كان منظر قمم لجبال المكسوة بالثلوج التي كانت تشكل بدورها قسم القارة الاساسي.
كانت الانديز ببهائها جميلة من تحت متعرجة من فوق.حينما كان واقفا يراقب ماحوله ادرك انه على الانسان ان يستفيد من اية تجربة يمر بها ، ربما كان هو نفسه المخطئ، فقد جاهد طويلا بدون اي امل ليتعلق بحبال حياته التي اضاعها في العالم المتنافس خارجا، ولقد كان دائما يقع فريسة ضغوطات المنافسين.
امسك رأسه بين يديه لأن ألم الرأس عاد من جديد. كان الآن يسمع اصواتا في الممر خارج غرفته، فلما ظن انها كارلوتا هرول الى السرير وماهي إلالحظات حتى فتح الباب الذي اطلت منه عجوز تجر عربة الطعام.
انزعجت كارلوتا انزعاجا شديدا عندنا رأته خارج فراشه واخذت تثرثر بلغتها الخاصة وتشير له برأسها حتى صعد الى فراشه بسرعة وكأنه اخرق. صر على اسنانه خاضعاً بهدوء للانتهار غير مفهوم الذي وجهته له، ثم راح يلعن نفسه لأنه لم يرد عليها الاهانة.لكن شعوره بالتعب الثقيل بدأ يداهمه فأسند جسمه الى الوسادة وهو يحس بضجر كبير.
غادرت كارلوتا الغرفة غاضبة اما هو فراح يلتقط طعامه من غيرشهية.بعد لحظات قليلة فتح باب غرفته ثانية فنظر غير دهش الى الطبيب الواقف امامه على العتبة فقد عرف ان كارلوتا لن تضيع وقتا قبل اخبار الطبيب عن تصرفه.
تقدم غيارمو بهدوء الى داخل الغرفة، ثم قال:
-اتعلم سنيور ماسبب مجيئي؟
-طبعا اعلمـ اخبرتك كارلوتا انني تصرفت تصرف ولد شقي، واستحق العقاب.
هز غيارمو رأسه ثم قال:
-ليس صحيحا على الاطلاق ياسنيور، اتظن انني اصر على بقائك في الفراش لغرض شخصي كريه؟ انك تعلم ان كل ما اقوم به هو في سبيل مصلحتك.
-نعم، نعم اعلم هذا.
اسند رأسه الى الوسادة متجاهلا الازعاج الذي سببه له لطبيب ، ثم اضاف:
-ايها الطبيب ، لقد مللت فعلا, الاتفهم ذلك؟ مللت لقد مضى على وجودي هنا كم؟ كم يوما؟ يبدو انك لاتدرك كم هي طويلة هذه الايام علي. ليس لدي ما اقرأه ولا من اتكلم اليه ولا اقوم الا بالاستلقاء على السرير والتحديق الى السقف.
-انه سوء حظك سنيور فليس لدى المستشفى كتب انكليزية ولكن هذا لا يعني ان تبقي مهموما مغموما فصحتك تتحسن باطراد، نعم مازلت ضعيفا ولكنني اظن انك غدا قد تغادر الفراش وتجلس قرب النافذه.
-متى ستتحرون امر هويتي؟ متى ستعرفون من اكون؟
-لقد بدأت الامور تنقشع ياسنيور، فالسلطات....
-آه، دعني من هذا الكلام على الاقل؟
قبض يديه بإحكام ولكن سرعان ما خمد غضبه وذلك حين بدأ الألم المميت في رأسه يزدد آه ، اللعنة؟ يالذاك الألم المميت.
عض غيارمو على شفته بأسف ثم قال:
-لو كان هناك ما استطيع فعله لما ترددت لحظة في القيام به، ولكنني عاجز امام حالتك. ليس عندك مشكلة، فلا ضغط على الدماغ، وليس هناك مايحول بينك وبين استعادة ذاكرتك . صدقني ، ياسنيور لقد قابلت حالات كثيرة كحالتك.عندما يصبح جسمك قادراً على تحمل الجهد، فإن ذاكرتك ستعود اليك. صدقني؟
اغلق عينيه ولكنه عاد لينظر الى الطبيب ثم قال:
-اعرف، اعرف هذا، واعرف انك تبذل قصارى جهدك لستاعدني، ارجوك تقبل اعتذراي.
بسط غيارمو يديه ثم قال:
-لاداعي الى هذا سنيور أنا افهم شعورك ، لكنك لن تغادر سريرك قبل ان آذن لك، أليس كذلك؟ كان من الممكن ان تتعثر فتقع ارضاً وتظل ملقى على الارض ساعات طوال قبل ان يعرف احد بأمرك.
علت وجهه ابتسامة باهتة ثم قال:
-صحيح ايها الطبيب.
- ماذا أفعل؟

اطلقت ديانا العنان لفرسها التي راحت تقلها الى طريق الجبل وهي طريق اعتادت عليها الفرس. كان كل شيء يوحي بالسكون والراحة، فلا صوت غير النسيم الخافت الذي كان يحرك اكوام نبات الخشار على حافة البحيرة، وكانت الشمس تغرق في السماء. تنهدت ديانا قليلا وراحت تتأمل ما حولها من مناظر فإذا هي لم تتغير اقل تغيير، فتساءلت كيف استطاعت التعايش مع بيئة ماثيو الاصطناعية دون ان ترى بلدها هذا،لقد كانت حمقاء حقا حين تصورت خلاف ذلك،تملكها وجوم شوه جمال جبينها. ولكنها اصبحت اكثر خبرة بعد ان ابتعدت عن مونترافيرد مدة تزيد عن الثلاث سنوات. يالسذاجتها! كانت ساذجة فعلا حين صدقت كلمات ماثيو حول العواطف الأزلية ،وهو الذي بعد مرور ثلاثة اشهر على زواجهما راح يوجه اهتمامه الى فتاة اخرى.
احست بشيء يقبض على نفسها حين تذكرت ما لاقته من ذل واحتقار،كانت ديانا تعلم انه لولا اعتراض عمتها ريبكا المرأة مؤمنة ورصينة، و العهود التي اتخذها كل من عمتها وماثيو ثابته حتى الموت..لم يكن لديانا من تلجأ اليه سوى عمتها ،نعم كان هناك سابقاً هاري وهو ابن عمها الذي تزوج منذ ثلاث سنوات وقد انتخب مؤخراً لبلدية مونترافيرد لذلك تستطع ان تجبر نفسها على كتابة رسالة تشرح له فيها مشاكلها على الرغم من انها كانت تعلم انه سيساعدها إن استطاع
والداها قتلا في الثورة عندما كانت طفلة صغيرة ثم اغتيل ووالد هاري الذي كان يشغل منصب الرئيس .
كان وقتاً رهيباً بالفعل ، فالمحرض كارلوس ولى نفسه رئيساً، وارسلت ديانا للعيش مع عمة والدها الكبرى في قصر لاروشا،وكان ان بقيت ديانا هناك حتى تعرفت إلى ماثيو سليس وذلك في حفل استلام الرئيس الجديد مهام الرئاسة في قصر تيرفادا.
حثت الفرس خطاها متخذة مجرى النهر المنساب وصولاً إلى اسفل الوادي ورفعت ديانا ناظرها تراقب نسراً راداً جناحيه.عادت ديانا إلى القصر فإذا عمتها في حالة مزرية كان فكرها مازال مشغولاً في إيجاد حجج تبرر فيها غياب زوجها ماثيو الذي كانوا يتوقعون وصوله قريباً فعدم مجيئه سيدخل الشك إلى سريرة عمتها عاجلاً ام اجلاً وعندها . . .نظرت ديانا إلى يدها وهي تحدق إلى خاتم الزواج العريض المرصع بحبيبات ماسية فرغبت في انتزاعه لكي تمحو كل اثر تركه زواجها الذي لم يكن زواجاً البتة ، ولكنها لم تستطع ذلك .
فما دامت عمتها على قيد الحياة فلا بد لها من التظاهر بأن زوجها مايزال زوجها مع ان الحقيقة هي عكس ذلك تماماً . . فماثيو قد مات وانتهى . . .عبثاً تحاول ان تقنع نفسها بأنها حزينة على موته وكيف تتأثر وهي لاتحبه الآن بل تشك في انها احبته يوماً فالـ حب لا يموت دون ان يخلف اية آلام.لم تكن تشعر تجاه ماثيو إلا بانجداب حسي ولو كانت اكبر سناً ، اكثر خبرة ، لرأت الأمر على حقيقته ولكنها امضت حياتها داخل سجن عمتها ذلك القصر المنعزل وحياتها هذه دفعتها للاستجابة إلى اول نداء من رجل وسيم وجذاب كماثيو ،وماثيو هذا كان جذاباً بالفعل وذا خبرة في مغازلة النساء مما سهل عليه الصول إلى قلبها.امسكت خصلة من شعرها الذهبي الطويل ولفتها وراء اذنها الصغيرة ماأشد ماكان عليه غباؤها.اشتعلت النار في وجنتيها وهي تتذكر الإهانة والمذلة التي تعرضت لهما حين اتما زواجهما الحقير فماثيو مدمن تناول الكحول تلك العادة السيئة التي اكتشفتها فيه غير انه كان يعكف عنها فقط حين كان يقوم بالسباق جاعلاً حياته فريسة القدر ولك يكن يأبه بديانا المسكينة او يقيم لها اعتباراً وكان حين يشبع رغبته الجسدية منها تضطجع ديانا في سريرها والدموع تملأ عينيها اما ماثيو فكان يستلقي على جنبه ويغط في سبات عميق غير مكترث بدموعها.كان هذا ماقتل مشاعر الفتاة التي نشأت على يدي عمتها وتعلمت في الدير حتى لم تعد تتحمل لمسات زوجها لها.ربما كانت هي المسؤلة جزئياً عن مأساة زواجهما ذلك انها توقعت منه الشيء الكثير وهي التي لم تكن على دراية بعالم الرجال لتقرر ماإذا كان تصرف ماثيو مثالياً وقد شكرت ربها كثيراً لأنها لم تنجب منه اية اطفال فهي لم ترغب من يذكرها بحماقتها تلك.كان قصر قامتها قائماً على طرف الوادي وهو قصر كبير امتزجت الوان جدرانه بلون التلة الصخرية حتى بدا وكأنه جزء من تلك الصخور.
استطاعت الفرس شق طريقها بين الصخور حتى وصلت بوابة ،دخلت منها إلى حوش صغير هناك امسك خادم الفرس ودخلت ديانا من باب خشبي مزخرف.
مساحة القصر ضيقة ومحدودة على خلاف ماقد يتصور الناظر من الخارج ،في الداخل درج لولبي صغير يؤدي إلى الطابق العلوي اما المدخل المقوس الشكل فقد كان يفضي إلى غرفة واسعة تطل على الوادي فيها موقد يستعمل حتى في ايام الحر بسبب سماكة جدران القصر التي تدرأ الحرارة عنها وهذه الغرفة هي غرفة جلوس.
كانت كلوديا رفيقة عمتها العجوز تجلس في غرفة الجلوس مشغولة بالحياكة وهو عمل تدأب عليه دائماً وتتقنه اتقاناً دفع ديانا إلى التعجب فكلوديا لاتلجأ إلى النظارات او العدسات المكبرة تطلعت المرأة إلى ديانا فابتسمت لها ابتسامة ناعمة ومهذبة كانت كلوديا تقوم برعاية السيدة ربيكا دي لاروشا بعد زواج ديانا.
- مضى على غيابك وقت طويل ، سنيورا حتى بدأت اقلق عليك؟
القت ديانا قفازيها على الطاولة الموضوعة قرب الموقد وهزت كتفيها.. لم يكن سؤال العجوز يدعو للاستغراب إلا ان ديانا تضايقت منها قليلا.
- لقد بقيت عند هاري ومارشا اكثر مما كنت انوي فأنا لم ارهما منذ وقت طويل وكان لدينا الكثير من الكلام.
- أومأت كلوديا برأسها ثم قالت:
- عمتك مازالت نائمة والممرضة تجلس بقربها الآن ارى انه من واجبك ان تتفقديها.ترددت ديانا ثم قالت:
- كيف تجدين عمتي ياكلوديا اعني . . . هل تعتقدين انها ستتحسن؟
بما انك سألتني فأجيب ان نعم نعم ستتحسن ولكن هل لديك سبب وجيه يحدوك إلى طرح سؤال كهذا ؟ لا احسبك تريدين العودة إلى اوروبا بما . . .قاطعتها ديانا وقد بدأ وجهها يتورد:لا لا ابداً . . انا انا بطبيعة الحال انت اقرب مني إليها ياكلوديا . . .اعني . . . اعتقدت انك ربما تعرفين إن كان هناك اي تحسن.
نظرت كلوديا اليها بعينين فاحصتين ثم قالت :
- هل هناك مايقلقك ياسنيورا ؟ فأنت تبدين مرهقة؟ادارت ديانا وجهها لتخفي معالمه ثم قالت:
- لا ليس هناك اي شيء.
- وانا التي ظننتك قلقة على تأخر زوجك عن القدوم .
احنت ديانا رأسها لئلا تلاحظ العجوز القلق البادي في عينيها ثم قالت:
- ماثيو لابد قادم قريباً. . اعذريني فأنا ذاهبة لأطمئن على عمتي.ارتقت ديانا الدرجات خافقة القلب ، فحتى كلوديا بدأت ترتاب في هذا الأمر عندما ستتحسن صحة عمتها ستسألها حتماً عن ماثيو وعن سبب تأخره عنهم ولكن ماذا ستخبرها بعد مااخبرها به المحامي ؟ كان القصر بيتها الوحيد بيتها الذي تحتمي به من العالم الخارجي،عاودها الشعور بالخوف فاضطربت اعصابها واحست بأنها مريضة ومنهارة كلياًكان الطابق الأول يقود إلى اتجاهين في احد هذين الاتجاهين غرف النوم غرفة عمتها افضل الغرف جميعاً، فهي واسعة إلى حد كبير جعلها في طفولتها تخافها اما الآن فأصبحت تعبق برائحة الادوية وقد اغلقت النوافذ كلها خشية من شمس النهار الحادة.
دخلت ديانا إلى غرفة عمتها فوقفت الممرضة ذات الثلاثين عاماً السمراء الوجه القوية البنية مبتسمة لها ابتسامة خافتة ثم قالت:
- مساء الخير ياسنيورا هل استمتعت بنزهتك.
- نعم ، شكراً لك.حولت ديانا نظرها الى السرير.
-كيف حال عمتي الآن؟
-لقد امضت عمتك طيلة الظهيرة نائمة ياسنيورا، ولكنني ارى ان تنفسها تحسن قليلا.عضت ديانا على شفتها ثم ابتسمت قائلة.
-لقد تعبت دون شك من الجلوس طوال الوقت، اقصدي تانيا لتناول شيء ما معها.
ترددت الممرضة بيترز ثم قالت:
-سوف يحملون لي العشاء الى الغرفة.
-الاتودين الاستمتاع بعشائك؟
-بكل تأكيد ياسنيورا.
-حسنا اذا اذهبي الآن.
-حسنا، هذا لطف منك ياسنيورا.
هزت ديانا رأسها للممرضة التي ما ان ذهبت حتى جلست ديانا تنظر الى النوافذ المغلقة. من هنا كان باستطاعتها ان ترى كل الوادي، لكن الغرفة الآن معتمة وباردة فالنوافذ كانت مغلقة باحكام،نظرت الى العجوز الممددة على السرير، بدت كالعمياء في نومها على الرغم من ان نظرها كان حادا وقويا في يقظتها، ولكن سمعها ماعاد قويا فهي الآن في الثمانين من العمر.تحركت السيدة في سريرها فقالت شيئا لم تفهمه ديانا. غير انها لم تستيقظ، بل كانت تتكلم في نومها وتشد غطاء السرير باصابعها.
نظرت ديانا الى الباب المغلق فترددت في نداء الممرضة، اتهذي عمتها ام تتألم ام تشعر بعدم الراحة في نومها؟هذأت ريبيكا ثانية فاطمأن بال ديانا عندما تحركت عمتها مجدداً وانحنت اليها ديانا لأنها بدت تريد قول شيء.
-يجب الا... يجب الا.... تدعوها تذهب.
هزت ديانا رأسها:
-من هي التي يجب الاندعها تذهب ريبكا؟
ولكن ريبيكا لم تسمعها:
-ماكان يجب ان تفعل ذلك، تعلمين انه لايجدي نفعا.
-مالذي لايجدي نفعا، ريبيكا؟
-كان يجب ان يعمل بنصيحة ام راوول، ان يدعها تتكلم الى ... الى ديانا.ثم لم يلبث ان خفت صوتها ولكن ديانا ارتعشت.ماذا يعني كل ذلك؟ ولماذا كانت عمتها قلقة بشأن ذهابها؟ولكن الى اين؟ وعم كانت تتكلم؟بقيت ديانا تفكر في ماجرى حتى دخلت الممرضة بيترز مبتسمة:
-ماالطفك سينورا فقد تناولت عشائي خارجا حيث الطقس جميل وبارد وهذا المساء.
-حسنا، سيكون لك ذلك في الغد ايضاً، فمن حقك ان تستمتعي بوقتك ولو قليلا.
-من واجبي، كموضفة هنا، ان اقوم انا بخدمتها.
توجهت ديانا نحو الباب وقالت:
-يجب ان اذهب الآن، اراك لاحقاً،اومأت الممرضة برأسها وابتسمت مجداد لديانا الخارجة من الباب متأرجحة الافكار.
كانت العجوز كلوديا لاتزال قابعة في غرفة الجلوس غارقة في الحياكة ولكن ديانا لاحظت انها بدلت ثوبها. ونظرت كلوديا الى ديانا وهي تدخل الغرفة فاستغربت الدهشة التي اعتلت وجه الفتاة فسألتها:
-هل من خطب ياسنيورا؟ هل هي عمتك؟ لاتقولي انها تعرضت لازمة اخرى!
-لا... لا شيء من هذا القبيل... مازالت نائمة.
-فهمت، هذا جيد . ولكنك تبدين متعبة ياسنيورا! هل انت متأكدة انه ليس هناك ما يزعجك؟
استرخت ديانا على الكرسي وقالت:
-امن الضروري ان يكون هناك مايزعجني سوى صحة عمتي ريبيكا؟
تركت كلوديا قطعة الصوف التي كانت تخيطها ولفت يديها حول حجرها ثم قالت:
-هل انت متأكدة انك لست قلقة بشأن زوجك، ياسنيورا؟
صرت ديانا على اسنانها وراحت تنقر بأصابعها على الطاولة الموجودة جانب كرسيها وقالت:
-سبق ان اخبرتك ان ماثيو سيصل قريباً.
اخذت كلوديا تحدج الفتاة بنظرة شاملة:
-اظن ان عمتك تعتقد خلاف ذلك ياسنيورا.
-ماذا تقصدين؟
-ربما ماكان علي قول ذلك.
-لكنك قلته ياكلوديا ماذا كنت تقصدين؟
نظرت كلوديا الى يديها ثم قالت:
-لقد كانت عمتك قلقة عليك ياسنيورا، فهي تخاف ألا تكوني سعيدة مع ذلك الشاب الانكليزي.
-ماذا؟دهشت ديانا حتى كادت لاتصدق ما تسمع، يجب ان تعرف العمة ربيكا ان ابنة اخيها لم تعرف للسعادة معنى ولم تذق طعماً مع ذلك الإنكليزي يالذلك الأمر المحير،ثم اردفت تقول :
- هذا صحيح، فمنذ بدأت صحتها بالتقهقر ازدادت قلقاً عليك إنها تخشى ان تتركي زوجك إن اصابها شيء ،كانت تخشى ان تطلبي الطلاق فتنقضين بذلك عهدك لها.
قامت ديانا من مقعدها وقالت بغضب شديد :
- ماذا ايضاً؟
- انت تعلمين ان عمتك لن ترضى بذلك.
فتحت ديانا فمها لتعترض لكنها مالبثت ان اطبقته مرة ثانية،امسكت ديانا رأسها بين يديها وقالت:
- إن عمتي هي التي ارغمتني على الزواج.
- اعرف هذا ، ولكنها الآن تعتقد انه كان من الأفضل لو لم تتزوجيه.
ارتبكت ديانا ثم قالت:
- تعنين . . انها كانت تخطط الى اشياء اخرى؟
وقفت كلوديا وهي تقول:
- علمت انك كنت تلميذة مجدة في الدير ، وحدث احياناً ان خطر على بالنا انه ربما كان من المستحسن لو . . . لو التحقت بالدير راهبة تحت التدريب؟
ارعبها ماسمعت ، فهي لم تشعر يوماً بالاستجابة لنداء تلك الحياة.
- هذا وارد حقاً.
وفي هذه الأثناء دخلت تانيا مدبرة المنزل وهي تقول:
- متى ترغبين في تناول طعامك ياسنيورا؟
استطاعت ديانا بصعوبة استعادة افكارها السارحة بعيداًوقالت:
- أه، فلنقل بعد نصف ساعة ياتانيا ، اتفقنا؟ماإن غادرت الخادمة الغرفة حتى قامت ديانا وهي تقول:
- سأستحم ثم ابدل ملابسي ياكلوديا.
خرجت وخطاها بطيئة مشوشة الأفكار فما سمعته منذ برهة جعلها لاتعرف كيف تتصرف،لقد فتحت كلمات كلوديا عينيها على اشياء لم تكن تفكر فيها او تحسب لها حساباً ، والآن لم تعد تأبه إن علمت عمتها بوفاة زوجها ماثيو . . .حين دخلت الغرفة لاحقاً لتشارك كلوديا وجبة العشاء ،كانت ترتدي ثوباً من المخمل الخمري وكان شعرها منسدلاً على كتفيها وماأدهشها ان كلوديا لم تكن وحيدة ، فقد كانت تتحدث إلى رجل اسمر اللون طويل القامة ، يزيد عمره عن الأربعين يرتدي رداء الرهبنة فأدركت انه الأب جورج.
- الأب جورج ؟ آه ، ماأسعدني برؤيتك.
امسك الرجل يدي ديانا بحرارة وقال:
- يالله، ماهذا ؟ انت ديانا الصغيرة؟ تبدين جميلة . . جميلة جدا.
- اشكر لك اطراءك . . هل ستبقى معنا لتشاركنا العشاء؟
هز الأب جورج رأسه معلناً موافقته ثم قال:
- هذا من دواعي سروري.
سرت ديانا لبقائه ، فهي لم تكن ترغب في تمضية بقية السهرة مع كلوديا خشية ان تعود إلى استجوابها بشأن زوجها،اثناء تناول الطعام تحدثوا عن العمة ربيكا . وكان الأب جورج قلقاً عليها.

تقدمت عمتك في العمر ووهنت كثيراً حتى تكاد تقضي عليها اية ازمة تنتابها ، فكوني على استعداد من حسن الحظ ان لديك زوجاً تعودين إليه ولولا ذلك لأصبحت وحيدة فريسة للقدر.
طأطأت ديانا رأسها ، وكأنها تتفحص ماتبقى في كأسها من عصير ثم قالت:
- يأمل الطبيب غيارمو ان يفيدها الدواء الجديد.
- المسكنات تفيد فترة محدودة ياديانا، لذا لا تثقي بها ثقة كاملة ، لقد عاشت عمتك حياة سعيدة.
نشف الأب جون فمه بالفوطة ثم تابع يقول:
- حسناً ، ياديانا ولكن عمتك تحتاج إليك انت.
- صحيح؟
- طبعاًً، وسيكون الأمر اسهل حين يأتي زوجك ليؤازرك فسعادة عمتك جزء من سعادتك لذا هي قلقة عليك وتريد ان تطمئن على مستقبلك ياصغيرتي.
- نظرت ديانا إلى الأب جورج بعينين قلقتين عاجلاً ام اجلاً.
سيعود الحديث إلى ماثيو ، ولم لا؟ فمن الطبيعي جداً ان يسأل كل شخص عن احوال زوجها،تساءلت ديانا وهي تضع كأسها على الطاولة مالذي دفعها إلى هذا الموقف البغيض؟ بدأ ذلك حين التقت بمحامي عمتها السيد تورنتو في مطار كيرانوفا ، فقد اخبرها هناك ان عمتها مريضة وانها غير قادرة عل تلقي اية صدمات وانها تريد ان ترى ديانا وزوجها قبل ان تموت لتطمئن على سعادة ابنة اخيها،استمعت ديانا إلى المحامي دون ان تتفوه بكلمة فقد صدمتها وفاته كثيراً ، ووكان ان امتنعت عن اخبار المحامي بترملها.لم ينته الأمر بأن كذبت على المحامي فقط بل تجاوزت ذلك حين كذبت على الأب جورج وهو معرفها ، وذلك هو خطؤها الكبير.
بعد ان تناولوا القهوة لاحقاً حاولت ديانا تحويل دفة الموضوع بعيداً عن زوجها او عمتها:
- يجب ان ازور الدير ، فأنا مشتاقة للاخت آنا والأخت لويزا ووالدة راوول بالتاكيد.
أجاب الأب جورج:
- وهم سيسرون بزيارتك ياطفلتي على الرغم من ان الأخت آناتعمل اليوم في مستشفى الإرسالية.
صبت ديانا القهوة في فنجانها وتابعت تقول:
- هل تحب عملها ذاك؟ سمعت على ماأعتقد أنها كانت تريد ان تترك مهنة التمريض.
رفع الأب جورج حاجبيه وقال:
- اظنها سعيدة بعملها ، مع انني اتساءل احياناً عما إذا كان هذا النمط من الحياة يناسبها.
- لم تقول ذلك؟
عبس الأب جورج قليلاً ثم قال:
- بما أسأت الحكم ، فالأخت آنا ممرضة متخصصة ولكن هناك رجل في المستشفى واخاف ان . . ربما سمعت عن ذلك المريض ياديانا ، فهو الوحيد الناجي من حادث تحطم الطائرة الذي وقع منذ اسبوعين وذلك بعد وصولك إلى المنطقة بوقت قصير.
اصغت ديانا إلى كلامه ثم قالت:
- لاأذكر شيئاً عن هذا الموضوع لأن عمتي كانت مريضة جدا" في ذلك الوقت و . . . .
- هذا صحيح ، وربما لهذا لم تثر هذه الأخبار اهتمامك ولكن هذا الرجل لايزال في المستشفى فاقد الذاكرة لسوء حظه.
نظرت ديانا فجأة إليه وقالت:
- ماذا ؟ فقد ذاكرته؟
اجابها الأب جورج بنعم وهو يرشف قهوته:
- لقد واجهوا صعوبات كثيرة معه في البداية ، فهو انكليزي غير ان صديقتك الأخت آنا هونت عليه الأمر قليلاً يقول الطبيب غيارمو إن حالته مؤقتة ، ولكنه حتى الآن لم يطرأ عليه أي تحسن ملموس . وأخشى انهم بدأوا يفقدون الأمل.
ارتعشت ديانا وراحت الأفكار والأحاسيس تتسابق إلى ذهنها وقلبها . يستحوذ عليها الفضول كبير بخصوص ذلك الإنكليزي ، وبعد قليل سألته:
- اتقول إن لاأحد يعرف هويته؟
- لا ، لا أحد . فهذه الأمور تستغرق وقتاً طويلاً ، كما تعلمين ، وهي ليست بالأمر اليسير وقد واجه هوية بعض المسافرين لقد وجدوا ماتبقى من حطام الطائرة لكنهم لم يعثروا على شيء بخصوص هذا الرجل.
- فهمت.قالت ديانا تلك الكلمة وهي ترطب شفتيها بلسانها ثم راحت افكار غريبة ومجنونة تتسابق إلى عقلها.
اردف الأب جورج قائلاً:
- ربما يسمحون لك بزيارته ياديانا وعندئذ حديثه عن بلده الذي قدمت منه منذ فترة وجيزة فلربما استطعت تقديم مايفيده .
- إن . . إن كان هذا سيجدي نفعاً ، فسأقدم عليه ياأبتاه.
- انا لا يهمني امر المريض ياديانا ، بقدر مايهمني امر الأخت آنا ، فهذا الرجل بدأ يؤثر فيها بشكل مقلق.
اشعلت ديانا سيجارة راحت تدخنها بشغف،ضج فكرها بأفكار وخطط كثيرة وكانت ترغب في مزيد من الاستفسار عن ذلك الرجل ولكنها لم تجرؤ على ذلك مخافة ان ينتبه الأب جورج إلى اهتمامها الزائد بالمريض،وهكذا راحت تفكر في كيفية الاستفادة من ظروف .
صعد الأب جورج الى العمة ربيكا قبل ان يخرج فرافقته ديانا إلى فوق كانت العمة ربيكا مستيقظة في تلك الأثناء ولكنها بدت عليلة واهنة فبصرها شح كثيراً حتى تكاد تعجز عن تمييز الأشخاص الذين يأتون زائرين.رحبت العمة بالراهب كثيراً ، وطلبت منه ان يجلس قربها ففعل ثم راحت تحدثه عن ديانا قائلة:
- إنني مسرورة جداً بعودة ديانا لم اكن اعرف اني سأشتاق إليها إلى هذا الحد .
- نظر الأب إلى الفتاة ثم قال:
- نعم ، لقد اصبحت ابنة اخيك امرأة في غاية الجمال نعم إنها جميلة ، جميلة جداً وناضجة حقاً.
- اتراها سعيدة ياجورج؟
- آه، نعم . . . اعتقد انها سعيدة لاتشغلي بالك ياربيكا فديانا ستكون على مايرام.
هزت ربيكا رأسها وكأنها تشك في ذلك:
- اخاف عليها ياجورج فهي ليست مثلي وكيف لها ان تكون؟ فأنا امرأة صلبة وقاسية صلبة بسبب ماخلفه علي الموت من احزان لقد رأيت اصدقائي يقتلون بسبب معتقداتهم رأيت والدي ديانا يسجنان ويعذبان لأنهما كانا يحبان رئيسهما ولكن ديانا لم ترى شيئاً من هذا فقد عاشت حياتها مختبئة محمية نعم كل حياتها.
- ولكن السلام يعم مونترافيرد اليوم ياربيكا فالثورات ولت مع الماضي ،وليس هناك مايمنع اولاد ديانا واولاد اولادها من العيش بسلام تام هنا.
- سبق ان سمعنا هذا الكلام ياجورج.
- مازلت تعيشين في الماضي ياربيكا.
- ربما هذا صحيح .
ثم حولت بصرها إلى ديانا:
- اخبرني متى سيصل ماثيوشعرت ديانا بالدم يفور في وجنتيها مرة ثانية وتمنت الا يلاحظ الأب جورج ارتباكها
- قريباً ياعمتي سيصل قريباً.
لم يلاحظ الأب جورج شيئاً من اضطرابها وقام مستأذناً
-علي الذهاب الآن فالوقت قد تاخر ويجب ان تستريحي ولكنني سأمكث في الوادي بعض الوقت ربيكا لذا توقعي زيرتي قريباً.
- ارجوك تعال فأنا احتاج إلى تشجيعك ومعونتك.
- سيلهمك الله الصبر والقوة، ياعزيزتي.
أمسك الاب جورج بكتف ديانا وراح يحدثها وهما ينزلان الدرجات قال:
-سأخبر الطبيب غيارمو انك ستأتين لزيارة المستشفى، متى اخبرهم بقدومك؟ غدا؟ ام بعد غد؟.
ترددت ديانا قليلاً، فهي لم تقرر شيئاً حتى الآن ولم تكن تريد ان تزيد الامور تعقيداً:
-ربما في غضون يومين يا ابتاه، انا... حسنا لست متأكدة من قيامي بها غداً.
-حسنا، حسنا، وان كنت لاترغبين في الذهاب فلا تذهبي فلست مجبرة على ذلك.
-انا انا لم افكر ملياً في الامر بعد، سرني لقاؤك يابتاه! يجب ان تأتي مجددا في القريب العاجل فأنت تعرف اننا نرحب بك دائماً.
-شكرا لك يا ابنتي، انا سعيد لان حياة الانكليز لم تغير فيك شيئاً.
اغلقت ديانا الباب خلفه وهي تشعر بخوف قليل ممزوج بالاحساس بالذنب، نعم هي، حتى الآن، لم تتخذ قراراً ونعم هي لاتنكر ان فكرة إدعاء ذلك الرجل المجهول زوجا ما تزال في عداد افكارها المجنونة ولكن كل ما تخشاه ان ترتكب خطأ جسيما بحق نفسها.
-رجل ليس لها

احضر له الطبيب غيارمو بعض الثياب التي تناسقت مع جسمه النحيل كما احضر له موسى حلاقة فسر بذلك، فقد مضى عليه وقت منذ ان حلق حليته.
امسك بالموسى وراح يحلق لحيته لكنه ترك بعض الشعيرات حول فكيه لتخفي نحول وجهه...سمح له الطبيب قبل ايام بمغادرة الفراش فترات قصيرة، بات الآن قادراً على ارتداء ملامبسه كما بات قادراً على السير في حديقة مبنى الارسالية،وبما ان صحته بدأت تتحسن، وجد ان عليه ان يخفف الذنب عن كاهل الاخوات اللواتي قمن بخدمته.
حاول ان يتذكر المهنة التي كان يمارسها قبل الحادث فتعسر عليه ذلك اذ كان كلما حاول تذكر شيء تتراءى له صفحة بيضاء فارغة،الخوف الذي كان يتملكه حول امكانية استرجاع ذاكرته اقلقه كثيرا واعتقد انه عاجلاً ام اجلاً سيذكر شيئا ما، لم يعد الهم يسيطر عليه كما كان في البداية ، فمن المرعب ان يعرف انه فقط لم يعد قادراً على القيام بأية محاولة اخرى. هل معقول؟ هل يمكن لشخصية المرء ان تمحى كلياً؟.
كان يتناول قهوته الصباحية مع الطبيب غيارمو على الشرفة حين ظهر في المدى البعيد شخصان يمتطي كل منهما حصاناً،فأعجبه المنظر وظل ينظر اليهما.
كانت الشمس تنشر ضوءها على جدار الشرفة، بينما الهواء الدافئ يعبق بعبير الزهور المنبعثه من حديقة الارسالية.حين اقترب الراكبان من الشرفة راى ان احدهما شابة طويلة القامة، ذهبية الشعر بوشاح عريض ينسل من تحته خصلات طويلة.
كانت الفتاة تلبس سروالاً بنيا وقميصاً برتقالي اللون فضفاضاً يظهر كامل انوثتها ويرافقها صبي صغير لايزيد عمره عن الخامسة او السادسة عشرة فعرف انه حارسها الخاص.ما ان رآها الطبيب حتى نهض عن الكرسي فخذا هو حذوه.غير انهما بغتا وهما يسمعان ماتقوله تلك الشابة التي ترجلت عن ظهر فرسها .
بدا وجهها اصفر، وهي تقترب منه متجاهلة الطبيب:
-ياإلهي وامسكت بذراعه.
-هل هذا معقول؟ اهذا انت ياماثيو! أوه؟ ياإلهي مامعنى هذا ؟خيم الصمت عليهم لحظات لم يعد يسمع فيها اي صوت الا حفيف الهواء المتلاعب بالشادر الذي كان يظلل الشرفة بعد قليل، بدا الطبيب وكأنه استعاد وعيه فقال بصوت مخنوق:
-ديانا اوتقصدين ان هذا الرجل زوجك؟
اومأت الفتاة برأسها وكأنها لاتصدق الأمر ثم قالت:
-هذا .. هذاما اعنيه بالضبط. انه ماثيو .. زوجي ماثيو سليس.
تعجب كثيرا وبدا عليه التعب والارهاق، كان يظن انه حين يتعرف اليه احدهم سيشعر بالالفة تجاه هذا الشخص،ولكن وبعد مجيء هذه الشابة الغريبة التي كان من الواضح انها من منطقة مونترافيرد وادعائها لا معرفته فحسب بل الزواج به، شعر بأن ذلك امرا لايصدق بل انه امر مدهش! بل مستحيل!هل يمكن ان يكون ذلك صححاً؟ هل يمكن ان تكون تلك الفتاة التي ناداها الطبيب باسم ديانا قد شاركته حياته حقا؟ وبيته؟ وسرير.؟ هل مضى على زواجهما وقت طويل؟ لايبدو انها تزوجت على الاطلاق، فهي لم تزل شابة فتية، صغيرة. هل انجبا اطفالاً؟ انه لامر محير بالفعل لم يستطع تصديقه.لاحظ الطبيب غيارمو ان حالة مريضه الصحية قد تسوء اذا بقي على الشرفة تحت اشعة الشمس الحارقة. لم يكن يهمه ان كان ما سمعه من ديانا صحيحاً ام لا بل يخشى ان يؤثر ذلك سلبا في مريضه.
فكر قليلاً ثم قال:
-فلندخل ، هيا، لايسعنا مناقشة هذا الموضوع هنا.
تقدمتهما ديانا بالدخول الى غرفة الانتظار ثم تبعها الطبيب غيارمو ولم يلبثوا ان توجهوا جميعاً الى غرفة المكتب ، حيث اشار اليهما الطبيب بالجلوس على الكرسيين الموجودين حول طاولة المكتب.
جلس كل منهما على كرسيه ولكنه كان يشعر بالتعب من جراء تأثره بما سمع،لم يظهر على ديانا اقل اضطراب او قلق ، بل على العكس راحت تتأمله بعينيها البنيتين الواسعتين المفعمتين بالدفء والحنان.
هز برأسه وهو ينظر اليها وكأنه يبحث في عينيها عن شيء ما. ترى عم يبحث؟ ان ما يراه في عينيها ليس بالضبط ماكان يبحث عنه. ان كان زواجهما سعيداً فلا بد من وجود صداقة حميمة بينهما! اذا لماذا كان على متن الطائرة لوحده؟
عاد ينظر الى عينيها عله يجد موده او الفة فيهما ولكنها سرعان ما اشاحت عينيها عنه وصوبتهما نحو الطبيب غيارمو،تجهم وجهه وسرى في قلبه خوف شديد:"ماذا ان كانت كاذبة؟ماذا لو ادعت انه زوجها لغرض مافي نفسها؟ انه غريب وفي بلد غريب وقد تكون ديانا شخصاً غريباً.
استند الطبيب غيارمو الى حافة المكتب وراح ينظر في عينيها ثم قال:
-والآن ، ياديانا فلندع جانبا الشبه الذي يجمع بين هذا الرجل وبين زوجك. كيف تأكدت من ان مريضي هذا هو من تقصدين؟
سحبت ديانا نفسا عميقا ثم اجابت:-كما ... كما تعلم فإني اتوقع وصول زوجي ماثيو بين لحظة واخرى... فمن المفترض به ان يلحق بي.
-نعم، نعم لقد اخبرتني عمتك بهذا.
-حسناً انه لم يصل بعد.. ومع هذا، فقد سمعت من اصدقائه انه غادر انكلترا فظننت... ان شيئاً ما أخره انا لم ارسله حتى الآن لأن عمتي مريضة جداً و...
-فهمت ، فهمت .. تعتقدين ان ماثيو كان على متن الطائرة المتجهة الى لاباز؟
-هذا وارد فهو.. حسناً ، كان سيتوجه الى ريو، وكان من الممكن انه قرر ان يسافر الى بوليفيا بدل انتظار رحلة كيرانوفا.عض الطبيب على شفته ثم قال:
-هذا ممكن غير انه غريب بعض الشيء ياديانا.
تضرجت وجنتا ديانا ثم اردفت تقول:
-كيف لك ان تقول ذلك؟ وانا ارى ماثيو ماثلاً امام عيني.
نهض الطبيب وهو يقول:
-فلنسلم ان ما تقولينه صحيحا ومنطقيا ولنبدأ بهذه النقطة،حدثينا عن زوجك.. هل عنده اية علامات فارقة؟ وهل لديك ما يثبت هويته؟
هزت ديانا رأسها ببطء وقالت:" لا,لا اعتقد ذلك.""لاتعتقدين"؟
وعاد الطبيب يتكئ على الطاولة ثم قال:
-ديانا ! اتعلمين معنى ماتقولين؟ انت تدعين ان هذا الرجل زوجك لأن ملامح وجهه تشبه ملامح وجه زوجك؟
وقفت ديانا وهي تبعد شعرها عن وجهها ثم قالت:
-لقد نسيت الظروف ايها الطبيب فما حصل مجرد صدفة.
صرخ بحده وهو يكاد يختنق:
-هل ستكفان عن التصرف وكأني غير موجود! اليس لي شأن بهذه القضية؟ انها حياتي ، نعم انكما تناقشان حياتي انا، اليس كذلك؟.
اعتذر منه الطبيب غيارمو قائلاً:
-بكل تأكيد ياسنيور، اعذرنا، فهذه الحالة جديدة علي حتى بدأت أضل فيها الطريق,لم يستطع اكفا زملائي ان يشرح حالتك هذه، ولكنني متأكد كل التأكيد ان ظهور ديانا سيفيدك كثيرا.
اغمض عينيه وهو يشعر بخيبة امل كبيرة. بدا له الامر وكأنه مسرحية مضحكة:
-ايها الطبيب، اليس من المفترض ان تعتبر ماتقوله تلك الشابة صحيحاً؟ على اي حال ، انها مجرد محاولة فربما ان رأيت منزلنا... او التقيت بمن يعرفني...صرخت ديانا قبل ان يكمل كلامه:
-لا هذا مستحيل يا ماثيو، فبيتنا ليس في مونترافيرد.نحن ... نحن نعيش في انكلترا الا تذكر؟و... وليس هناك من يعرفك هنا سوى عمتي بالطبع...قاطعها الطبيب بصوت جاف:
-وعمتك شبة عمياء الآن..
وعاد يسأل :
اخبريني عن نفسي . اخبريني ماذا اعمل ، ماهي مهنتي؟ هل عندنا اطفال؟
قالت:"لا, ليس لدينا عائلة".
ثم رطبت شفتيها بلسانها وكانها تخطط لما ستقول :" انك ... انك سائق سباق ، وليس عندك مهنه ثابته فانت لاتحتاج الى العمل. فوالدك هو السيد سام سليس الذي اورثك ارثاً ضخماً.
قال لها:" تابعي ، تابعي .. فحتى الآن ، لااجد في قولك مايثير ذاكرتي ..كم مضى على زواجنا ؟ وكم من العمر ابلغ ؟ واين كان لقاؤنا الاول ؟.
ترددت ديانا قليلاً ثم اردفت تقول :
-" التقينا في حفل تسلم الرئاسة في كبرانوفا... كان الرئيس ابن عمي لذا كنت هناك ".
قال لها:" لحظة من فضلك ! هل اعرف ذلك ... ذلك الرئيس؟.
دهش الطبيب كثيراً ثم قال :" نعم يا ديانا عليك تقديمه الى هاري" .
ارتبكت ديانا فضمت يديها حول خصرها ثم قالت :
- انا ... انا اعتقد ذلك ولكن هاري اخبرني حينما رأيته آخر مرة انه سيعود الى كيرانوفا.هو ...هو ومارشا.
قال غيارمو متذمرا :" اللعنه"." حسناً لاتكترثا لهذا الامر , فلنكمل الحديث من فضلكما .
تحسست ديانا حنجرتها ثم قالت :" حسنا , والآن ، ماذا تريدنني ان اخبرك ؟ آه ، صحيح , لقد مضى على زواجنا مايزيد عن الثلاث سنوات وانت في السابعه والثلاثين من عمرك" .
فقال:" إذاً أنا أكبر منك بكثير .
فقال دينا:" نعم ، نعم .. فانا لم اتم الثانيه والعشرين".
عقد حاجبيه وكانه يفكر في شيء ما ، كان من المفترض ان يذكره هذا الحديث بأي شيء فاذا به لم يقدم ادنى فائده . لربما كانت تتكلم عن شخص غريب ، فهو لم يشعر بأي انتماء او قرابه تجمعه بذلك الرجل :سائق سباق!.هل هذا معقول ؟ لم يتصور نفسه يمتهن مهنه كهذه فاثناء وجوده في المستشفى الارساليه ، حدث ان اعجب بالطبيب غيارمو وقدر كثيرا ما يقوم به من اجله لذا لا يحسب نفسه من مهنة سباق السيارات مورد عيش ! كان يشعر بان لديه عقلاً لا ينقصه إلا منفذا ينطلق منه .
حين كان يحاول ان يتذكر مهنته ، تراودت الى دهنه الاعمال الصناعيه والثقافيه، ولم يخطر بباله اي من المهن الشعبيه البسيطه.
دار غيارمو حول طاولة المكتب ثم توقف قليلاً :" فلنفترض الآن ان مريضي هو زوجك حقا ، ولكن ألا يجب ان يكون هناك تحريات من قبل الخطوط الجويه ؟ او من قبل اصدقائكم او الوكلاء المسؤولين في انكلترا؟.
ارتمت ديانا على مقعدها من جديد وقالت :" طبعا , طبعا ."
اذهلت المريض التعابير الغامضه التي كانت تغزو عينيها كلما واجهها بسؤال من هذا النوع ،أكان يتصور اشياء لاوجود لها ام انها حقا مترددة في التعريف الى هويته ؟ وهل كانت على استعداد للقبول به دون ان تعرف الظروف الجديدة ؟ وان كان ذلك صحيحاً فلماذا هي على هذا الاضطراب ؟ انه لأمر محير ومريب فعلاً.
في تلك الاثناء احس بان الموضوع قد خرج من يده فقرر ان ينجرف مع التيار ويقوم بكل مايراه الطبيب مناسباً.
قال الطبيب :" حسنا ، اذا . اظن انك تقدرين وواجبي يا ديانا علي ان اتأكد ان مريضي هو من تتحدثين عنه قبل ان اصرح لك بإخراجه من المستشفى فليس بإمكاني ان اسمح لك بذلك قبل ان احظى ببرهان أكيد.اصفر وجه ديانا وقالت :" فهمت".
توقف غيارمو قليلاً ثم توجه الى الباب يستاذنهما:" اظن اننا بحاجه الى شراب ما "
ثم نظر الى مريضه قائلاً:
-انها زائرتك الاولى وهذا يعني انها فرصتك الاولى.
راح يتمشى في ارجاء الغرفة بعد ان اغلق الباب خلف الطبيب غيارمو. كان من السهل عليه ان يبدو متزناً وهادئاً اثناء وجود الطبيب اما الآن بعد خروجه فتغيرت حاله كلياً .
ان كان ما قالته تلك الفتاة صحيحاً، فما عليه غير استغلال تلك الفرصة لاختيارها.
اقترب من الفتاة وراح ينظر اليها بطريقة غريبة ثم قال:
-ما اسمك؟ قبل الزواج؟
-دي.. دي ات روشا..ديانا دي لاروشا ..
كرر اسمها عدة مرات ثم قال:
-اسمك لايعني لي شيئاً،ثم تجهم وجهه وراح يدرس وجهها بإمعان وترو ثم تابع يقول:
-ولماذا كنت سألحق بك الى مونترافيرد؟ ابسبب مرض عمتك؟
-آه، نعم.
- نعم، فقد تلقيت برقية ، ألا... ألا تذكر؟
نظر إليها هازئاً متجهماً ثم قال:
-آه، نعم، بكل تأكيد لقد نسيت كل شيء، إلا امر البرقية.
عضت ديانا شفتيها متوردة الخدين ثم قالت:"أنا اسفة."
غرز ابهامه في حزام سرواله ثم مشى في الغرفة، على الرغم من هذا الوضع الغريب إلا أنه لاحظ انها شابة جذابة، وظن ان انجذابه نحوها قد يعني شيئاً لغيارمو.
ثم تقدم باندفاع نحوها فحرك الستارة الحريرية من وراء كتفها فذعرت من ملامسته وانتفضت كغزال اخافه شيء ما، عندئذ القى يده عنها وتساءل عن معنى تصرفها هذا يا الله، ان كانت هي زوجته كما تدعي ، فمن حقه ان يلمسها إلا اذا كانت علاقتهما غير طبيعية؟ هل كان زواجهما زواجاً فاشلاً.؟ الهذا السبب سافرت الى جنوب اميركا.بمفردها ؟ من الطبيعي جداً ان يرافقها ان كانت عمتها مريضه جدا .
عقد حاجبيه وراح يفرك صدغه بشكل مؤلم عله يتذكر شيئاً!.وفجأة تذكر شيئاً ما , كانت تلك لمحة خاطفة , زواجهما الفاشل وكأنه حقيقة . بدا الامر كله كما لو ان باباً فتح مسافة انشين تاركاً اياه في جدال وعراك بشأن .. بشان ماذا ؟ هذا ما لم يتذكره .كان سيخبرها بما حصل إلا انه تراجع فجأة وقرر عكس ذلك ، فليس هناك مايدعو الى رفع المعنويات بدون فائدة.
وبدت ديانا اقل اضطراباً حين ابتعد عنها . وهذا تصرف غريب على امرأة وجدت زوجها في ظروف غير عاديه , اما هو فراح يملس شعره بيدين مرتجفتين وهو يرمقها بنظرات حادة مفتعلة .
بعد صمت طويل قال لها :"اخبريني ما الذي دفعك الى العيادة اليوم ؟ هل سمعت عني ؟ وهل توقعت ان اكون زوجك ؟".
وقفت ديانا تقول :" لا ... لا ، لم اتوقع شيئاً كهذا ... انا ... اعتقد انك تعرف الاب جورج الذي يزور الارساليه احياناً ويتكلم الى المرضى".
-" نعم ، اذكره ، انه الكاهن ".
-" هذا صحيح الاب جورج صديق حميم لعمتي وقد حدث حين كان يتناول طعام العشاء معنا تلك الليله ان تكلم عنك وقد قال ... قال انك ستكون مسروراً بالتحدث الى شخص ما عن انكلترا . كان ... كان يعتقد ان ذلك سيوقظ ذاكرتك".
-" آه فهمت ولكنني أراك هادئة على الرغم من تلقيك صدمة قوية.
تورد خديها وقالت :
-" لا ، لست هادئة ، فاعصابي في الداخل متوترة ..اي توتر".
حين عاد الطبيب حاملاً عصيراً بارداً و بعض الكؤوس ارتاح بالها كثيرا .خيم الصمت عليهم كلهم وبائت المناقشه صعبة , عندئذ اعتذرت ديانا طالبة الاذن بالخروج فكان ان اعتذر غيارمو ايضاً بحجة ان عليه زيارة احد المرضى , فخرج وتركهما وحدهما .
ولكن بعد ان بقيت معه على انفراد استولت عليها الرغبة عارمة الى الفرار.انتظر ليرى ما اذا كان سيجد محبة او عاطفة في وداعها ولكن ما ادهشه انها مدت يدها وسلمت عليه ثم ابتعدت مع صبيها المرافق, تاركة اياه في ظلمة تفوق تلك الظلمة التي كان فيها قبل مجيئها.
وفي النهار ذاته وبينما كان مستلقيا على سريره ، دخلت عليه الأخت آنا . ففتح عينيه مبتسماً:" ماهذا ؟ هل ستقيسين نبضي من جديد؟".
ثم انتبه الى الكتاب الذي في يدها فسالها عما تقرأ:
" لا لم آت لاقيس نبضك ياسنيور, وجدت هذا الكتاب بين كتبي المدرسيه ، فلما وجدته كتابا انكليزياً فكرت في ان احمله إليك .
عدل ظهره قليلاً وجلس واضعاً رجليه على الأرض ثم قال :
-" ما الطفك ! ماهو هذا الكتاب ؟".
- "انه يحكي قصة احد المهندسين البريطانين في بلادكم.. اسمه برونل هل سبق ان سمعت عنه ؟".
تناول الكتاب لبثقل من يدها وراح يقلب صفحاته المزينه بانجازات برونل واحس بنشوة تنتابه ... اسامبار كنغدوم برونل . نعم ، لقد سمع هذا الاسم من قبل وهو يعني له اكثر مما تعنيه اسماء بقيه المشاهير .
عضت الأخت آنا على شفتها وقالت :" احتفظ به ان احببت ، سنيور فأنا لا احتاجه ".
-" هذا لطف منك".
تجمدت وجنتا الأخت آنا وقالت :" حسنا .. حسنا "وغادرت الغرفه فوراً.
حملق الى الباب المغلق ثوان عديدة ثم اسرع وجلس على حافة السرير يتمعن في الكتاب الذي بين يديه،ضغط بيديه على رقبته وقال لنفسه " فكر .... هيا فكر" ثم انعكف على الكتاب يتفحصه، كان هناك نمودج عن السفينة الحديدية غريت استيران احدى انجازات برونل العظيم ، والى جانبها في الصفحة المقابلة صورة جسر كلفتون فوق نهر آيفون في برستول , لفت الجسر انتباهه فراح يحملق في طريقة صنعه .. كانت فعلاً تحفه هندسيه رائعه ادهشته للغايه .
حين كان صبياً صغيراً , احب برونل وتلفورد , احبهما وتعلق بهما ولذلك اراد ان يصبح مهندساً هو نفسه ولذلك درس الفيزياء ... العلوم ... والرياضيات .. القى بالكتاب جانبا وهتف بصوت مختنق . يا الله هل جن؟ الهندسه ! تلك هي مهنته ! تلك هي مهنته التي كان يمارسها قبل حادثة الطائرة.
وقف على قدميه وامسك برأسه بين يديه عله يوقف الصداع ولكن كان كل شيء يعود اليه . وعادت اليه الذكريات المؤلمة الواحدة تلو الأخرى فاحس للحظات ان رأسه سينفجر من قوة الضغط.
امسك بالجرس ليطلب احدى الأخوات ولكنه عاد وتركه.. كلا ليس الآن , ليس قبل ان يتأكد تماماً انه لم يكن يتصور كل ذلك .
جلس على السرير ثانيه , واسند كوعيه الى ركبتيه ممسكاً رأسه بين يديه وهو يحس بغثيان يكاد يكتنفه.عرف اسمه نعم عرف اسمه بالفعل . لم يكن ماثيو سليس بل آدم ونتربورن ... نعم آدم ونتربرون ولم يكن في السابعة والثلاثين من عمرة بل في التاسعة والثلاثين، وسبب توجهه الى اميركا الجنوبيه كان يختلف كل الاختلاف عما قالته الفتاه ديانا . كان مهندساً وقد وظف من قبل شركة هندسية للاعمار والبناء في لندن وقد ارسل الى ليما ليصمم جسراً حديدياً فوق منطقة الانديز،جد عقب سيجارة في جيبه فاشعله بأصابع مرتجفه .. فهم الآن سبب عدم نشر خبر اختفائه , فالشركة التي كان يعمل فيها توقعت ان يكون في البييرو بينما ظنت دائرة الحكومة البيرية التي كانت تنتظر وصوله انه ربما مازال في طريقه اليهم ولعلهم ينتظرون بعض الوقت قبل ان يتصلوا بلندن لمعرفة سبب تأخره.
وهكذا بدأت الأمور تنقشع وتتضح بالحقيقه شيئاً فشيئاً،وبدأ يتذكر تفاصيل شخصيته ، لم يكن عنده زوجة في الوقت الحاضر , اما في الماضي فنعم .. كان متزوجاً ثم طلق زوجته التي توفيت بعد ذلك بحادث دراجة نارية... استطاع تذكر ما مضى , لقد كان زواجهما عبارة عن عمل دنيء وخسيس ، لقد صغيراً حين تزوج نانسي .. نعم هذا اسم زوجته التي لم يستغرق وقتاً طويلاً حتى اكتشف حقيقتها.
فمنذ ان تزوجا كان زواجهما جحيماً لايطاق ، لم تكن نانسي ترافقه حين كان يسافر الى بلاد بعيدة بدافع العمل ،وهكذا كانا يقضيان اشهر طويلة بعيدين عن بعضهما البعض ، ولكنه كان يعتقد ان زوجته نانسي ستكون مخلصة وفية.حتى كان يوماً عاد فيه من رحلة قام بها الى اميركا الجنوبيه على غير توقع منها ، وفي ذلك اليوم وجد زوجته مع رجل آخر،رفضت الموافقة على الطلاق فانتظر الوقت المناسب حتى حظى به رغم انفها وعندما قتلت بعد ذلك لم يشعر بالحزن وهذا ماجعله متاكداً ان مايدعى بالحب بين الرجل والمرأة ليس سوى عبارة عن العلاقات الجسديه ، لذا لم يكن مستعداً لإرتكاب الخطا نفسه من جديد.منتديات ليلاس


وقف آدم ثم توجه الى النافذه ، ينظر من خلالها الى الوادي الكبير الآن ، وبعد ان بدا عقله يستريح تذكر ان لديه مشاكل اخرى , اهمها قضية المرأة التي زعمت اليوم انها زوجته ..ابتسم قليلا ...كان يعلم ان الطبيب لم يقتنع بما قالته الشابة ، ومع هذا ، فإنها لم تقم بذلك العمل إلا عن طيب خاطر . ولكن لسوء حظها لم تجد دليلاً مقنعاً يثبت انه زوجها.
هز رأسه ، وقد طرأت على باله فكرة ، فالاسم الذي نسبته إليه لم يعد غريباً عليه فماثيو سليس شخصية معروفة ، في اوروبا على الأقل ، وهو سائق سباق ، ولكن ماذهله انه لا يشبه ذلك الرجل اقل تشابه ... نعم هما متشابهان طولاً إلا أن ملامح الوجه مختلفه كل الاختلاف عن ملامحه.
ضغط بكامل قبضته على حافة النافذة ، لقد كان محقاً فيما كان يعتقد ، فمن المؤكد ان هناك خطأ ما في تلك الشابة ، وقد احس انها كانت تكذب حتى قبل ان يكتشف هويته الحقيقة ولكن لماذا ادعت ذلك ؟
ادار وجهه قليلاً ليسنده الى الجدار فهو يجد صعوبة في معرفة أسبابها ، فالجهد الذي بذله في تذكر هويته يفوق طاقته ، لذا ليس عليه الآن إلا الاستلقاء وطلب الراحة.
اضجع على سريره وهو يشعر بتوتر شديد ، فكر في ان ينادي غيارمو ليطلعه على الأمر ، فهو سيفرح ويبتهج بتلك الأخبار إلانها ستريحه من اصعب حالة مرضية عنده ، حالما يصبح آدم قادراً على السفر ، سيتوجه الى ليما حاملاً معه اوراق المشروع كما كان متوقعاً ، لم يعتقد ان تأخره سيثير مشاكل عدة ، فالدوائر الحكوميه ، حسب اعتقاده ، يعتمد عليها في أي موضوع ، وعلى هذا الأساس فإن تأخير شهر هناك لن يحدث أي إختلاف .
اغمض عينيه ., مااروع أن يتوصل الأنسان اخيراً الى معرفة هويته . أحس وكأن شهوراً مضت عليه في الظلام ، ثم شعر بأن لديانا فضلاً فلولاها لما استرد ذاكرته .
حين استيقظ ، وجد الطبيب غيارمو واقفاً قرب سريره ينظر إليه بإهتمام وإمعان .
-" آه سنيور! هل انت بخير ؟ حين جاءت كارلونا لتقدم لك وجبة العشاء وجدتك فاقد الوعي ".
-" فاقد الوعي ".
واستقام في جلسته وأمسك برأسه الذي كاد ينفجر من الصداع القوي :
-" يالله ماهذا الصداع الحاد ؟"
-" لقد ارهقك لقاء ديانا ،كان يجدر بي ألا ادعها تصدمك بهذا الشكل ."
-" لا ارجوك لم يكن الامر كما ...."
" ومع ذلك ، يبدو انك لست بخير كما كنت اظن ، ربما تسرعنا قليلاً ، لعل تحسن وضعك الصحي قد اعماني عن عدم استقرار حالتك الفكريه ، كان يجب ان أعرف ..."
فتح آدم فمه ليقاطعه ولكنه مالبث ان تراجع فجأة ، خطرت في ذهنه صورة ديانا فشعر برغبة في التعرف إليها والى الاسباب ادعائها الكذب ، ربما كان تصرفاً احمقاً ولكنه وبعد ان استرد ذاكرته ماعاد يريد الإسراع الى ارتياد حياته القديمة فلتنتظرحياته اسابيع قليلة اخرى.
وكان ان امتنع عن اخبار الطبيب بالحقيقة متسائلاً عما ستفعله دينا لتحضر لغيارمو دليلاً قاطعاً يشبع غريزته.
– في ملابس تنكرية

ولكن ، يا ديانا ! لن تقدري على فعل ذلك , بكل بساطه لن تقدري!
كان المتكلم رجل طويل القامه اسمر الوجه ، نحيل الجسم جذاباً يرتدي بدلة عشاء رسمية مع زناد عريض التف حول صدره التقت به ديانا وهو في طريقه الى جلسة رسمية .
قالت ديانا بصوت حزين :
-" يجب ان افعل ذلك يا هاري ألاتستطيع ان تفهم مدى اهمية الموضوع بالنسبه لي ؟ ارجوك , قل بأنك ستساعدني , فلا احد غيرك يقدر على ذلك".
افلت هاري سلفادور يديها ونظر اليها بحنان :
-" ديانا أنسيت انه يوجد في مكان ما من يعرف هذا الرجل نعم المعرفة ولربما هناك العديد من النساء اللواتي يتألمن لغيابه ، فكيف لك ان تتجاهلي هذا الاحتمالات في سبيل مآربك ؟".
-" رجاءاً، حاول فهمي ، فأنا لا اريد ان تفكر ربيكا في مستقبلي بعد الآن ، هذا كل مافي الأمر ... آه ياهاري , ان كان هناك من امرأة قلقة على زوجها فلماذا لم تأت حتى الآن ؟ يا الله , لقد مضى على الحادث مايقارب الثلاثة اسابيع وهو وقت كاف للقيام بالبحث والاستعلامات".
تنهد هاري بعض الوقت ثم قال :
-" انك تطلبين المستحيل ".
-" لماذا ؟ هل ما طلبته مخيف الى هذه الدرجة؟ ماعليك إلا ان تثبت للطبيب غيارمو ان ذلك الرجل هو ماثيو سليس".
هز هاري رأسه مفكراً ، كان يحب ابنة عمه كثيراً ويخشى ان يخيب ظنها به ، وبعد ما اخبرته به عن ماثيو سليس الحقيقي ، كان يتمنى لو يمسكه بين يديه . لكن موته خفف من كراهتيه له ، فلو كان يعرف ان ديانا غير سعيدة...
-" ديانا اود مساعدتك ولكن ، كما تعلمين ، فالخطوط الجويه تقوم بالتحريات اللازمة بخصوص حادث الطائرة ، وعاجلاً ام اجلاً ستتوصل الى معرفة هوية هذا الرجل الحقيقية ".
-" اعلم هذا ، ولكن هذه التحريات ستستغرق وقتاً طويلاً ، وفي هذه الحالة بالاخص، بما ان الاغراض المتعلقة بالمسافرين قد احترقت ..."
-" ولكن .. ماذا ستفعلين ان استعاد ذلك الرجل ذاكرته اثنا وجوده في منزل عمتك ؟".
-" عندها ساواجه الامر بكل صراحة".
-" وماذا تتوقعين ان تربحي ؟".
-" الحريه والراحة ".
-" وربيكا؟".
-" لن تتعرف اليه جيدا بسبب نظرها الشحيح ".
-" وماذا عن تريبي؟".
-" الاب جورج ؟ وهل تعتقد انه سيسأل أن أخبرته أنت ان ماثيو سليس هو شخص الموجود في الارسالية ".
-" صحيح ، فالامر وقف على كلمتي,قد لا تصدقيني يا ديانا ولكن لكلمتي وزنا هنا انظري ماذا تريدين ... انت تطلبين منى ان اوافق على كذبه مدبرة دون وجود اسباب ملحة فعاجلاً ام آجلاً ستكتشف عمتك ان ماثيو قد توفاه الله ".
-" لماذا؟".
-" ماذا تعنين بلماذا؟".
-" اعني ماقلت بالضبط ، انت تعلم ياهاري ان ربيكا طاعنة في السن وان الطبيب غيارمو لا يتوقع لها الشفاء بعد تلك النوبة الحادة التي انتابتها."
-" ماذا تخشين يا ديانا؟"
شدت ديانا خصلة من شعرها وقالت:
-" اريد ان اعيش حياتي ياهاري ، او ليس هذا من حقي ؟ فبعد السنوات الثلاث الماضيه التي قضيتها مع ماثيو ما عدت احتمل اية ...".
ثم توقفت قليلاً وكأنها لم تطق الكلام عن ذلك الموضوع ثم اضافت :
" لقد اخبرتك بكل شيء ياهاري ، يقول تورنتو ...".
اقترب ديانا منه ، وراحت تنظر اليه بعطف وحنان وتوسل..
نظر هاري إليها ولكنه مالبث أن اشاح بصره عنها ، فقد كانت جذابة بل خلابة، ولم يكن قادراً على مقاومة سحر عينيها البنيتين وانحناءة ... فمها الجميلة .
-" انت لاتعلمين ما تطلبينه مني يا ديانا".
احست ديانا انه بدا يتراجع قليلاً فراح قلبها يخفق بسرعه ثم سألته بصوت رقيق وهي تتحسس الزنار الابيض الملتف حول صدره.
-" الن تساعدني يا هاري ؟".
-" لا تحاولي هذه الخدع النسائية معي يا ديانا وإلا فإني سأشك في صحة ما اخبرتني به عن زوجك ".
عندئد انزلت ديانا يدها عن صدره قائلة:
-" ما أقذر كلامك!".
-" صحيح ولكنه فعال ، اليس كذلك ؟".
ادارت ديانا ظهرها وقالت :
-" ليس هذا وقت إغاظة"
رفع ذقنها ثم قال :
-" معك حق .. حسناً سافكر في الأمر يا ديانا ولكنني سأفكر في سلامة وضعي بالدرجة الاولى ، وماذا لو شاع هذا الموضوع بين الناس ؟"
-" وكيف له ان يشاع ".
-" حسنا ... حسنا .. يجب ان اذهب الآن فلدي موعد في السفارة بعد ربع ساعة ".
عندئذ امسكت ديانا ذراعه ثم راحت تشكره .
رمقها هاري بنظرة تسامح قبل ان ينطلق في سبيله .
امضت ديانا المساء برفقة مارشا ، زوجة هاري وصديقتها الحميمة ، لقد كانت مارشا تنتظر ولادة طفلها الثاني في غضون اسابيع قليلة ، ولهذا لم ترافق زوجها كما اعتادت ان تفعل .
حاولت ديانا التركيز على ما تقوله مارشا ، إلا ان فكرها كان مشغولاً بأشياء اخرى ولم يطمئن بالها حتى خلدت الى غرفتها في نهاية المساء،
بعد ان ازاح عنها هاري العقبة الاولى، اصبح لديها متسع من الوقت للتخطيط لتلك اللعبة بروية .
منذ تزوجت ماثيو ماتت احاسيسها الطبيعية ولم تعد تطيق اقتراب اي رجل منها وحين تذكرت ماحصل لها في عيادة الطبيب ، عندما حاول الانكليزي ان يلمس شعرها ، ارتعش جسدها بشدة ، ماذا ستفعل ان ارغمها على تلبية رغباته واعطائه حقوقه الزوجيه ؟
تململت في سريرها وهي تفكر ، لقد احست بسعادة كبيرة عندما استجاب هاري لطلبها ولكن الخوف راح يستولي عليها الآن .
كانت تخشى العقبات والصعوبات التي ستواجهها في لعبتها تلك ، هل ستنجح في اقناع ذلك الرجل بتجميد علاقتهما الزوجيه حتى يسترد ذاكرته؟ وهل سيقبل هو بذلك ؟ وان رفض ، فماذا ستفعل ؟ وهل تكمل لعبتها الشيطانيه ام تستسلم للقدر؟
جلست في سريرها تمسك رأسها بين يديها ، هل هناك ما يستحق هذه المخاطرة كلها ؟
عاد في اليوم التالي هاري معها الى الوادي وكأنا قد استقلا الطائرة الرئيسية ليصلا الى فولتبو ومن هناك سافرا معا على متن طوافه .
كان يوماً رائعاً , تظاهرت فيه ديانا بأنها لم تزل في ريعان الشباب ، وأنها هي وهاري لا يقومان بمهمة خطيرة قد تجلب عليهما نتائج وخيمة .
بعدما حطت الطوافة في مكان عال من الوادي توجها الى العيادة بواسطة لاندروفر ،كان هاري مختلفاً في الجينز والقميص المفتوح عنه في البذلة الرسمية .
كان الطبيب غيارمو في مكتبه حين وصلا . تقدم منهما وحيا هاري بحرارة:
" ما اجمل ان نراك مجدداً ، ياصديقي ، كيف حال مارشا؟".
-" بخير .. انها تزداد جمالاً واشراقاً يوماً بعد يوم ".
ضحك غيارمو قائلاً :" بكل تأكيد" .
ثم نظر الى ديانا وسألها:
-" وانت يا ديانا ! هل احضرت هاري ليرى زوجك ؟".
احمرت وجنتها لدى سماعها سؤاله المفاجئ واجأبت باختصار :
-" نعم ولكن أين ماثيو ؟".
-" ماثيو في غرفته ، ألاتجد صعوبة في تصديق قصة ديانا ؟".
تردد هاري قليلاً ثم أجاب :
" ان ماتقوله ديانا منطقي جداً وخاصة بعد ان علمت ان قائمة الاسماء كانت قد سحبت قبل عدة اسابيع من الاقلاع ."
-" لكن هذا الموضوع خطير "
-" لولا حصول الاصطدام لعثور على السجلات ... والآن ... هل نستطيع رؤيه ذلك الرجل ؟ فأنا مضطر للعودة الى كيرانوفا بعد الظهر . ثمة اجتماع يجب ان ترأسه ".

-" طبعاً ، طبعاً " .
عندما فتح الباب الغرفة ، كان المريض يقرأ كتاباً كبيراً سرعان ما وضعه جانباً حين رآهم داخلين ، وقف ينظر إليهم بإستغراب ثم وقعت عيناه على ديانا فأخذ يمعن النظر فيها حتى أخافها ، كان يبدو اكبر مما كانت تذكره، طويلاً بطول هاري... لاحظت ديانا نظرة ساخرة في عينيه الرماديتين لم تجدها من قبل .
اقترب هاري بعزم وثقة وامسك بيده وصرخ قائلاً :
" ماثيو ، يا إلهي ، هذا أنت ! لم اصدق ديانا حين اخبرتني انك هنا ".
بدت الريبة على وجهه فوقف يحملق بدهشة الى ذلك الغريب الطويل القامة وراح يفكر . هل جن هؤلاء القوم ؟ هل طارت عقولهم ؟ ثم سأله بصوت خافت :
" هل ... هل أعرفك ؟".
عندما اقتربت ديانا منه وقالت :
" انه هاري يا ماثيو .. هاري ابن عمي .
تجهم وجه آدم ، لقد سبق ان سمع هذا الاسم من قبل ..هاري ! بالطبع ، انه الاسم الذي ذكره الطبيب في المرة الماضيه، انه رئيس تلك البلدة ،اربكه الموضوع كلياً ولم يعد يطيق الاستماع الى ما سيقولونه ، فديانا كانت تحاول بشتى الطرق اقناع الطبيب بأنه زوجها ، وقد استعانت بإبن عمها لتثبت ادعاءها " .
-"السـ ..... الست من عرفني الى ديانا؟".
طأطأ هاري رأسه مجيباً:" نعم ، هذا صحيح ، في قاعة الاحتفالات الرئاسية في كيرانوفا".
اوما آدم برأسه ثم راح ينظر الى غيارمو ومن ثم الى هاري :" اخشى انني لا اذكر شيئاً على الاطلاق ، وكما ترون ، ان كانت صورة زوجتي لا تعني لي شيئاً ، فكيف انتم ؟".
تنهد غيارمو قائلاً :" ربما انت على حق ، ليس هناك من سبب وجيه يعيق استعادة ذاكرتك ولكن حين يحين ذلك ...".
التفت هاري الى ديانا وسألها:" اذا ، ماذا ستفعلين ؟ اقترح ان تنقلي ... ماثيو من العيادة حالاً ، فلربما تعود إليه ذاكرته في مكان ما بعيداً عن المستشفى وانا أرى ان لا داعي الى ان يعرف احد شيئاً عن هذا الموضوع".
توقف قليلاً عن الكلام ثم اضاف :" اعطني مقاسك لاطلب من الخياط تجهيز بعض الثياب لك قبل ان تصل الى القصر".
استغرب آدم كلامه فسأله :" القصر ؟".
-" القصر هو .. القصر كان بيتي قبل ان اتزوج ..شرحت له ديانا ذلك مبتسمه ثم اضافت :" اعرف انه علي ان اعطيك شرحاً مفصلاً عن امورنا الشخصيه ".
-" حسنا تفعلين ".
ثم رمقها بنظره جعلت وجنتيها تتوهجان احمراراً .
فتعجب من ذلك فهي بالنسبة لامرأة متزوجة ساذجة فكيف تقدم على مكيدة كهذه ،اتجه هاري نحو الباب وقال :" حسنا يا ديانا .. يجب ان اذهب ، فقد وعدت مارشا بالا اتاخر ".
تساءل آدم كيف ستتصرف معه ديانا ، فقد سره ان يراها مضطربة . حاولت ديانا ان تبدو هادئة ولكنها لم تستطع بعد ذهاب هاري والطبيب راحت تمشي في الغرفة ، تساءل آدم عما ستكون عليه ردة فعلها ان اقترب منها
كانت تعرف انه ليس زوجها وهو يعرف ذلك ايضاً ولكن موقفه كان الاقوى ، لأنها لا تعرف انه كان على علم بكل شيء فكر في ممارسة لعبة غريبه عليها ، وبينما كانت واقفة قرب النافذه تنظر الى الجبال البعيدة ، اقترب منها ووقف خلفها تماماً وراح يشم رائحة عطرها العابقة .
كانت ترتدي قميصاً ضيقاً يتدلى عليه شعرها الذهبي فبدت انثى بكل ما للكلمه من معنى وهو .. بالاضافة الى هذا ... كان رجلا ،وضع يده على كتفها فانتفضت كما حدث سابقاً فضغط على كتفها بشدة وهمس اسمها بصوت ناعم جعل جسمها يرتعش تحت يده السمراء.
-" ديانا الاترين انه حان الوقت لتعويض ما فاتنا؟".
ابتعدت عنه خائفة مذعورة ثم قالت :" ارجوك ، لا تلمسني ".
-" لكن لماذا ؟ كيف لا المسك وانت زوجتي ".
-" اعلم ... اعلم ذلك ولكنك نسيت ".
-" نسيت ؟ نسيت ماذا ؟".
-" انا ... انا مريضة . فأعصابي متعبة حتى لا اكاد اطيق ان يلمسني اي انسان ".
-" يا إلهي ديانا ".
-" ولم لا, انها الحقيقه".
اطبق عليهما صمت قطعته بقولها :" هل تريد سيجارة ؟".
-" هل كنت ادخن ؟".
-" نعم ، انت تدخن نوعاً اميركياً ، ولكنني افضل نوعاً اخف ".
وفيما هي تفتش عن قدحتها ، احضر صندوق الكبريت واشعل السيجارتين بهدوء.
فقالت له:" شكرا لك ".
ثم عادت لتقول:" اخبرني ! ما الذي يجعل امرأة جميلة مثلك مذعورة من زوجها ؟".
-" لست مذعورة انما عليك ان تفهم انه علي ان اعتاد شخصاً ما لايعرف اسمي على الأقل".
-" انه صعب علي ايضاً ".
-" الامر مختلف عند الرجال "..
" لماذا ؟".
-" كف عن الاجابه بهذه الطريقة الوقحة ".
فقال ساخراً :" الا تخشين ان تستهويني حريتي الجديدة".
-" ماذا تعني ؟".
-" اعني انني ما دمت لا اذكرك او اذكر شيئاً عنك ، قد انحرف الى وجهة اخرى".
رمقته بنظرة واهنة:" تعني ان لم اسمح لك ... اعني .. ان رفضت ان ... آه ! تعرف قصدي !.
-" نعم اعرفه ".
-" انك حقاً بغيض للغاية . .حاول ولو مرة ان تتصرف كإنسان ! والآن .."حاولت ان تغير دفة الحديث الى وجهة اقل خصوصية فقالت :" هل اخبرك عن الوضع في قصر عمتي !".
استمع اليها بصمت وهو يراقب ملامح وجهها المعبرة . لقد كان مسروراً يشعر بأنه يقوم بدور الجاسوس ، او بأنه ينتحل شخصية جديدة لم يعرف الى اين ستؤدي به .
- الباب المغلق

ارتدت ديانا ملابس المساء بعناية تخمد الخوف الذي غزا نفسها كان كل شيء يسير على ما يرام فلماذا هي مضطربة اذاً؟جلست امام طاولة الزينة تسرح شعرها الطويل برؤية ، وهو عمل اعتادت على القيام به كلما شعرت بالاضطراب وكان ينجح ذلك فتهدأ ولكنها اليوم لم تعرف للهدوء معنى بل كيف تهدأ وفي الغرفة المجاورة التي يفصل بينها وبين غرفتها باب مغلق، كان ذلك الانكليزي الذي ادعت أنه زوجها يستحم ويستعد للسهرة .
تنهدت ديانا وراحت تنظر الى نفسها في المرآة ، كان كل شيء سهلاً، سهلاً جداً ، فعندما عاد هاري ، اقتنعت رفيقة عمتها كلوديا بأن ذلك الرجل الغريب هو زوجها ، لأنها لم تكن تعرف ماثيو قبل الآن .
علمت عمتها بالأمر ، ولكنها لم تعرف الحقيقة بكاملها ، فقد اخبروها ان ماثيو وصل اخيراً لكنها حتى الآن لم تلتق به ،غير ان ديانا لم تكن سعيدة ، فقد بدأت تعرف قيمة الصعوبات التي يواجهها من يحاول الاستفادة من ظروف الآخرين لمصلحته الشخصية متجاهلاً شعورهم واحاسيسهم .
وهكذا، فأن الرجل الذي استخدمته ديانا لإتمام لعبتها قد بدأ يقلقها ،كان هذا الرجل يملك كياناً خاصاً فريداً جعلها تجد صعوبة في التعامل معه بطريقة طبيعية ولعل اكثر ما كان يضايقها ان صورة ماثيو الخبيث الحقود تتأرجح في مخليتها اثناء وجودها مع آدم وهذا ما كان يدفعها الى الذعر في سريرتها كلما حاول الاقتراب منها
ومع هذا، كانت تأمل انه عاجلاً ام اجلاً سيكف عن اغرائها وتعذيبهاظن منها أنها ستعيش بسلام تام. انما حتى ذلك الوقت عليها ان تخفي قرفها وغثيانها اثناء وجوده.لم يكن السبب في ذلك انعدام جاذبيته. بل على العكس، كانت تعرف ان نساء عديدات يتمنين لو يحللن مكانها ، غير انها قابلت العديد من الرجال الجذابين اثناء وجودها مع ماثيو في انكلترا فوجدتهم جميعاً متشابهين فهم لم يقدروا انوثتها إلا قليلا، وكان همهم الوحيد ايجاد طرق لخداع فريستهم التي كانت ترفض الاستسلام لهم.
نهضت عن الكرسي بعدما انهت ماكياجها البسيط وتوجهت الى خزانتها لترتدي ثوبها الابيض الطويل الذي اضفى عليها جمالاً عذرياً وبعد ذلك سرحت شعرها وتركته منسدلاً على كتفيها كالعادة. فتوهجت الاقراط الماسية بين خصلات شعرها الذهبي الكثيف.
توجهت الى الباب ولكن ما ان اقتربت حتى سمعت طرقاً على الباب المشترك بين غرفتها والغرفة المجاورة، امسكت المقبض ولكنها لم تفتح الباب بل ضغطت عليه بقوة دون ان تصدر صوتا.
-ديانا.. افتحي الباب يا ديانا.
ترددت ديانا قليلاً، وفكرت في التظاهر بأنها خارج الغرفة ولكنها تذكرت انه يستطيع ان يدخل من جهة الممر الطويل وعندئذ سيجدها ويعرف انها كانت تكذب عليه، واخيراً قررت فتح الباب.
فتحت ديانا الباب ثم ابتعدت قليلاً ، فاطل آدم وهو في بزة العشاء التي احضرها له هاري، فبدا انيقاً وجذاباً حتى اتهمت نفسها بالمتهورة لأنها اعتقدت انها ستكون قادرة على السيطرة على هذا الرجل ، ولو كان بإمكانها ان تختار ، لاختارت رجلاً مختلفاً كل الاختلاف : اصغر واكثر تهذيباً وطاعة، لا هذا المتعجرف الذي مازال يتصدى لها بازعاج حانق.
-" اننا لانقفل الابواب بين الرجل والمرأة في انكلترا , لم تخني ذاكرتي في مثل هذه الامور يا ديانا.
مشت ديانا مسافة قصيرة مضطربة منفعلة ولكنها لم تلبث ان تمالكت نفسها وقالت :" انا آسفة ، لقد اغلقت الباب منذ فترة عن غير وعي ".
نظر اليها نظرة شديدة ثم سألها بإستهزاء :" صحيح".
-" نعم صحيح ! اتتهمني بالكذب؟".
هز رأسه ببطء ثم قال : " دعينا من ذلك .. تبدين رائعة هذا المساء، ألايحق لي ان ابدي اعجابي بزوجتي؟ ليتك تقتربين مني ليزداد الوضع جمالاً ".
- " لا تكن سخيفاً ومزعجاً".
ابتعدت عنه متألمة من كلامه التهكمي الساخر، ثم قالت:" انها الأمسية الاولى التي نقضيها معا. أليس بوسعنا ان نتصرف تصرفاً طبيعياً على الاقل؟".
-" هذا ما كنت احاول فعله ".
-" آه، يالك من حمل مزعج... سأذهب لارى عمتي . هل سترافقني ؟".
-" ان اردت انت ذلك ".
كان يتصرف بطريقة غريبة ، فقد حول بصره الى سائر انحاء الغرفة فلفت نظره تلك المساحيق والمستحضرات الكثيرةالمصفوفه على طاولة الزينه فسألها:" لاتقولي ان رجلاً ما سبق ان استخدم هذه الغرفة!".
اطبقت ديانا شفتيها ثم قالت :" لا، ابداً ... لقد اخبرتك بأننا نعيش في انكلترا ".
-" واين كان منزلنا؟".
-" في لندن ".
-" حقا ، اعتقد اننا سنعود الى لندن حالاً. ولكن، كيف لي ان اهمل اعمالي بهذا الشكل ؟ أليس من واجبي ان اهتم بامور العمل ؟"
-" سبق ان اخبرتك انك هاوي سباق فقط ".
-" اذا لابد من سباقات يفترض بي المشاركة فيها ".
-" آه ،يالك من مزعج ؟ الن تكف عن أسلتك الكثيره؟".
وفتحت باب الغرفة ثم خرجت الى الممشى،لحق بها قائلاً:" انا آسف. كنت احاول الاعتياد على حياتي ".
احست ديانا بتأنيب الضمير فأعتذرت منه قائلة:" انا ايضاً آسفة ... فاعصابي ".
-" صحيح ، صحيح اعصابك ..".
ونظر اليها نظرة غامضة حثتها على تركه ،كانت ربيكا دي لاروشا تنتظره بفارغ الصبر ، فقد وعدتها ديانا بأنها ستاتي معه وبما ان الموعد قد حان احست بأعصابها مرهقة .وحين دنت من سرير العمة كان يقف خلفها ." مرحبا ياعمتي ، كيف حالك ؟".ضغطت ربيكا على يد ديانا لحظة ثم تركتها ومدت يدها نحو رفيق ديانا وتمتمت قائلة :" ماثيو ، هل انت هنا ؟".
-" نعم ، عمتي ربيكا ، انا هنا .. تسرني رؤيتك من جديد ".
-" لقد قلقنا عليك كثيراً . اليس كذلك يا ديانا ؟".
-" حسنا .. ها انذا ياربيكا امام ناظريك ".
-" لم يعد ، لسوء حظي، نظري كما كان في سابق عهده غير اني استطيع ان المسك واسمعك واتحسس جسدك . لماذا لم تزرني خلال تلك السنوات ؟ ولماذا ابقيت ديانا بعيدة عني في انكلترا وانت تعلم انها غيرسعيدة؟".
احست ديانا بالدم الحار يجري في عروقهاوانتابها قلق من جراء نظراته الممعنة التي راح يلقيها على عمتها .
-" لم تكن سعيدة ؟ صدقيني ياعمة لم اكن اعلم ذلك ".
-"بالطبع كنت تعلم كما تعلم ان هذا العالم المتصارع لا يناسب المرأة ، فالمرأة تحتاج الى منزل امين وعائلة ، متى ستصبحان عائلة ياماثيو؟".
حملق في وجه ديانا رافعاً كتفيه بإستهزاء:" ليس حالاً ياعمة ربيكا ، ان هذا الامور تقتضي وقتاً طويلاً".
اغتاظت ربيكا من كلامه وقالت :" لاتحتاج الى هذا الوقت ماثيو ، الست رجلاً ؟ ما اعتقدتك ستجد الامر على هذه الصعوبه".
ضحك ضحكة صغيرة ازعجت ديانا ثم رد :" لم تشعر ديانا بالقدرة على التحمل ذلك العبء".
تكدر وجه ربيكا وسألتها:" هل هذا صحيح يا ديانا ؟ كنت تعانين من المرض وتخفين ذلك عني ؟".
نظرت إليه بعينين تنمان عن الحقد والضغينة وقالت :" بالطبع لاياعمتي... كل مافي الامر ان اعصابي كانت متعبة قليلاً".
-" لكنك لم تخبريني ، هل يعرف غيارمو ذلك ؟ وهل قام بعلاجك؟".
-" رباه ، ليس الامر خطيراً ، ماكان على ماثيو اخبارك ".
فسأل بتهكم :" ولم لا ؟ أليس اخبارها افضل من ان نسيء الظن فتحسبنا لانرغب في انجاب الاطفال ".
اغتاظت ديانا كثيراً وقالت :" يجب ان نذهب الآن ، فنحن لانريد ان نرهقك ياعمتي ".
-" آه حسنا ... هل ستأتي لزيارتي ثانية يا ماثيو ؟".
ابتسم لها وداعب خدها بيده وهو يقول :" بكل تأكيد ، ان اردت رؤيتي آت طبعاً ... انا تحت امرك ".
-" هيا ماثيو علينا الذهاب ".
-" كما تريدين ".
عندما اوى كل منهما الى الفراش تلك الليلة توجهت الى الباب الفاصل بين الغرفتين لتتأكد منه بنفسها فوجدته مغلقاً وهذا يعني انه اغلقه بنفسه لأنها تركته مفتوحاً عندما نزلت لتناول العشاء،كان من عادتها ان تبدل ملابسها في غرفة النوم ولكنها اليوم حملت قميص النوم ودخلت الى الحمام واقفلت الباب خلفها بإحكام وعندما عادت الى غرفتها , وجدت الباب كما كان فمدت لسانها بسخط . ماذا عليها ان تفعل ؟ ان هي فتحت الباب ظن انها تريد التحرش به وهذا آخر ما قد تفكر فيه . ولكن ربما اقفل الباب حين بدل ملابسه ونسي ان يفتحه ، ان كان يريد الباب مفتوحاً فليفتحه بنفسه .
مشت على اطراف اصابعها وراحت تنصت على الباب فلما لم تسمع صوتاً اوت الى فراشها ،رات من خلال الظلام خيطاً من النور منبعثاً من تحت الباب الفاصل بين الغرفتين فتساءلت ان كان قد نام تاركاً النور مضاء ام انه مازال مستيقظاً. .انبطحت على بطنها علها تنام ، ولكن كيف يطرق النوم جفنيها وعقلها ما زال يفكر في ما قد يفعله ذلك الرجل الغريب . ماذا لو طالب بحقوقه ؟ ماذا لو فتح ذلك الباب ودخل غرفتها يريد اخضاعها لشهواته ؟ ماذا ستفعل حينئذ ؟ هل تطلب المساعده ولكن من سيساعدها ؟ فهو زوجها .
سبق ان ادهشت تانيا حين طلبت منها ديانا توضيب غرفتين متجاورتين والمشكله ليس تانيا انما مع العمة ان علمت بهذا الترتيب .فقد تسأل وهي المعروفة بتدخلها في خصوصيات الآخرين ،عن هذا الغريب وعن علاقته بابنة اخيها .وعندئذ سيخبرها بأن ديانا منعت عنه نفسها،وهنا الكارثة !استلقت على ظهرها من جديد وراحت تعض على شفتها ،اختفى خيط النور كلياً ، لقد اطفا النور .. هل نام الآن ؟
ارتعش جسمها مع ان الليله كانت دافئة جداً ، ربما كان واحداً من اولئك الناس الذين يغفلون ما ان تلامس رؤوسهم الوسادة ،تناولت سيجارة وراحت تدخنها : هاهي ديانا مستلقية هنا تحت رحمة التأملات المخيفة ، بينما يغط هو في سبات عميق فرحاً بهويته المكتشفة حديثاً .
- حائرة

في الايام القليلة التالية، بدت الامور وكأنها تسير على خير ما يرام، فقد وجدت ديانا ان ماثيو الذي زعمته زوجا لها ،يستمتع بوقته في ذلك المكان، لذا عرضت عليه ان يقوم بجولة في ضواحي البلدة المحيطة بالقصر.
كان انتون.. ذلك الصبي الذي رافقها في زيارتها الاولى للارسالية... على اهبة الاستعداد وبما ان ماثيو بدا ماهراً في ركوب الخيل ،فما عاد هناك من مشكلة، فانتقل على ظهور الخيل كانت اكثر وسيلة معتمدة في المنطقة، ظن بادئا انها سترافقهما، غير انها نجحت في اقناعه بعدم قدرتها على الذهاب بعد ان اختلقت حججاً كثيرة منها ان وضع عمتها الصحي غير مستقر وان اعصابها هي متعبة قليلاً.
لم تستفسر العمة ريبكا عن طريقة نومهما في الليلة الماضية فاطمأنت ديانا إلا انها ظلت تشعر ببعض الخوف، فهو ليس ممن يسلمون بالامور دون التدقيق والاستفسار وكانت في بعض الاحيان تتمنى لو يكشف لها عما يجول في فكره اذ ان لعبة القط والفأر قد اتعبتها وارهقت اعصابها حتى الآن .
اصبح يعرف كل ما يتعلق بشخصيته الجديدةتقريبا وقد حارت ديانا فيما اذا كانت هويته الجديدة ستعيق تقدمه صحياً.
ذعرت ديانا فجأة حين دخلت كلوديا غرفة ريبيكا قائلة:
-ثمة فتاة شابة تريد التحدث اليك يا سنيورا.
-فتاة شابة؟، من هي؟.
-انها السنيوريتا اغيري... انطونيا اغيري،دهشت ديانا لأن تلك الشابة كانت صديقتها منذ ايام الدراسة، وقد مضى زمن طويل منذ ان انتقلت مع عائلتها الى الولايات المتحدة.
-نعم، اعتقد انه الاسم الذي سمعته ياسنيورا. هل ادعوها للدخول الى هنا؟.
-لا، لا، ياكلوديا.. سأنزل حالاً.
كانت انطونيا اغيري منتظرة في صالة القصر، وهي كما تبدو الآن امرأة جميلة وجذابة ، شعرها الاسود الطويل مربوط بشريطة.
اسرعت ديانا اليها تضمها الى صدرها بحماس شديد وقالت:
-انطونيا.. اهذه انت؟ رباه، ماذا تفعلين هنا؟.
إلا ان انطونيا قابلتها بحماس اقل:
-ألا يحق لي المجيء الى هنا؟.
-لم اقصد ذلك ولكنها مفاجأة غير متوقعة .. ظننتك في الولايات.
-هذا صحيح ياعزيزتي، مازلت اعيش هناك ، إلا ان والدي قدم الى ريو بمهمة عمل واقترحت عليه ان ارافقه لامضي بضعة ايام في الوادي عند خالتي وحين اخبرتبني خالتي ماورا انك تننزلين عند عمتك قررت ان ازورك.
-احسنت صنعاً... تفضلي .
ثم اجالت ديانا طرفها فإذا بكلوديا تقف على مقربة منهما تراقبهما فقالت:
-كلوديا اطلبي من تانيا تحضير القهوة.
قوست المرأة العجوز كتفيها وكأنها ترفض ذلك ولكنها ما لبثت ان اومأت برأسها وخرجت بهدوء.
-من هذه ؟ تبدو مخيفة.
-كلوديا؟ مخيفة؟ لا، لا اعتقد ذلك ، لكنها احياناً تنـ..حسناً .. تتنصت.. ولكن لاتكترثي لها، هيا حدثيني عنك ماذا كنت تفعلين في الولايات المتحدة؟ الم تتزوجي؟.
-لا يا عزيزتي ، ولكنني سمعت انك تزوجت؟.
-آه، نعم تزوجت.
-لا تظهر عليك الحماسة ياصديقتي،قالت انطونيا ذلك وهي ترفع حاجبيها بقصد الاغاظة.
-لا، مخطئة انت. انما... انا اردت ان اسمع اخبارك انت وهي دون شك اخبار مثيرة.
-بعضها فقط.. فالطقس في كاليفورنيا رائع ولكنني في الاصل مونترافيرديه لذا افضل البقاء هنا في الوادي لكنني متأكدة بأني سأشعر بملل كبير هنا، ففي الولايات المتحدة الكثير من وسائل التسلية، هناك الحفلات والمسابح واشياء اخرى كثيرة،كالمسرحيات والافلام والمعارض... لقد بت خبيرة في الفن الحديث.
صمتت انطونيا قليلاً ثم اردفت:
-ولكن ما هي اخبارك انت؟ اخبرتني خالتي ان زوجك هنا في القصر. هل سأتعرف اليه؟ انا متأكدة انك امضيت وقتاً ممتعاً اكثر مني.
اطبقت ديانا بأظافرها على كفها بعصبية تامة فانطونيا تعيش في لولايات المتحدة، اذن من الطبيعي ان تكون قد سمعت او قرأت شيئاً عن ماثيو سليس وربما رأت صورته. ولكنها مالبثت ان استبعدت حصول الأمر الأخير لأن ماثيو غير مشهور على نطاق واسع لان السباقات التي كانت يشارك فيها كانت محصورة في محيط اوروبا، والمتسابقون لايصورون إلا اذا فازوا دائما وماثيو قلما فاز.
-سترينه بالطبع، ربما في يوم آخر لأنه غير موجود في الوقت الحالي.
-آه، يالسوء حظي! لكن، هذا ليس مهماً، فأنا متأكدة اننا سنلتقي كثيراً خلال فترة اقامتي في الوادي.
بعد الانتهاء من احتساء القهوة سألتها:
-كم ستمكثين في الوادي؟.
ارتبكت ديانا ثم قالت:
-لا ، لا اعرف ، فأنا ... ربما نبقى هنا بعض الوقت، فالطبيب غيارمو يقول ان هناك املاً ضئيلاً في شفاء عمتي كلياً ولهذا لا اظنني اتركها وحدها في هذه الحالة.
-افهم ذلك، ولكن أليس لدى زوجك اعمال وارتباطات تجبره على العودة الى اوروبا؟.
ارتبكت ديانا وقالت:
-حسنا ، انه.. انه لا يعمل ، ليس مضطراً اليه فقد ترك له والده ثروة كبيرة.
انقبضت اعصابها حين نطقت بتلك الكذبة المتقنة، وودت لو اكتشفت عمتها حقيقة ماثيو المخادع قبل ان تقبل بتزويجه ديانا.
-آه، فهمت ، انت محظوظة ديانا ولكن اخبريني اذا اراد زوجك العودة الى انكلترا، فهل تعودبن معه؟.
اجابت ديانا:"نعم" بصوت يكاد لايسمع ثم نظرت الى الساعة في معصمها، كانت الساعة قد قاربت الثانية عشرة ظهراً وهو في الواقع موعد الغذاء.. هل سيعود ماثيو عند الغذاء؟ راح قلبها يخفق مضطرباً لأنها لم تكن ترغب في ان يرى انطونيا لا اليوم ولا في يوم آخر.
نظرت انطونيا الى ساعتها فقالت:
-علي الذهاب الآن.
ارتاحت ديانا بشكل غريب ولكنها اظهرت أسفاً شديداً وهي توصلها الى الباب:
-رجاء عودي الى زيارتي.
-سأفعل ياعزيزتي، ولكن ليس قبل ان تأتي انت لزيارتي. فخالتي ماورا تقيم عشاء على شرف بعض اصدقائها مساء غد . لماذا لاتشاركيننا انت وزوجك؟ سنسر بقدومكما طبعاً.
ما ان فتحت ديانا فمها معتذرة عن تلبية الدعوة حتى سمعت صوت رجل عند الباب الكبير،نظرت انطونيا الى ديانا تريد ان تسأل عن ذلك الصوت ولكنها فوجئت برجل طويل القامة منتعل جزمة عالية يدنو منها ناقلاً البصر من ديانا الى انطونيا،ازعجتها رؤيته حين راته يحدق الى انطونيا وراح قلبها يخفق بقوة غريبة ولكنها تمالكت اعصابها قليلاً وتصنعت ابتسامة كاذبة.
-آه، اهلا بك ماثيو... يالهذا الحظ ... لقد جئت في الوقت المناسب لتلتقي ... صديقة قديمة!.
-صديقة؟ لي ام لك؟.
اجابت حانقة:
-صديقتي انا طبعا انطونيا هذا هو ماثيو سليس، زوجي .
صافحته انطونيا وهي ترشقه بنظرات مغرية وجذابة.
-اهلاً بك انطونيا... لو علمت اننا سنستقبل ضيفة جذابة ولطيفة مثلك لما خرجت ابداً.
عضت ديانا على شفتيها بقوة وقالت:
-لم اكن اعرف ان انطونيا تريد القيام بالزيارة فأنا لم ارها منذ اربع سنوات.
-اتقطنين في مونترافيرد يا انطونيا؟.
-لا، فعائلتي تعيش في الولايات المتحدة منذ امد قصير.
-وفي اي جزء من الولايات المتحدة بالتحديد؟ انا اعرف الساحل الغربي كله.
راحت ديانا تنظر اليه بدهشة.
-صحيح؟ هذا شيء جميل فنحن نعيش في سانتا باربرا.
-آه! سانتا باربرا، لقد امضيت بعض الوقت في لوس انجلوس.
بدت انطونيا دهشة اما ديانا فظهرت مرهقة تعبة.
-كنت احاول اقناع زوجتك بقبول دعوتي الى العشاء مساء غد.
-هذا رائع، وليس هناك مايحول دون قبول دعوتك عزيزتي.
تمالكت ديانا نفسها ثم قالت:
-لا اظنني تاركة العمة في هذه الحالة.
-ولكن الممرضة بيترز ستلازمها مدة ساعتين.
لم تعد ديانا قادرة على خلق اي عذر فكان ان اجبرت شفتيها على الابتسام:
-حسنا شكرا لك انطونيا يشرفنا قبول الدعوة.
-هذا رائع في الثامنة اذا.
قال ماثيو وهو يوصلها الى الباب:
-اتفقنا.
بعد ذهاب انطونيا ارادت ديانا التحدث الى ماثيو لتسأله عما يعرفه عن الولايات المتحدة ولكنها تراجعت فقد تثير اسئلتها شكوكه وربما عندئذ يعود اليه الماضي فيستعيد ذاكرته.
كان ماثيو يطفئ سيجارة في منفضة زجاجية فتطلع نحوها بعيون صامتة مزعجة وقال:-يا لهذه المفاجأة الجميلة، ارى نفسي محظوظاً لأنني عدت باكراً لالتقي بضيفة غير متوقعة!.
لم تتفوه ديانا بكلمة ولكنها وقفت قرب النافذة تنظر الى الوادي.
-كم مضى على معرفتك بأنطونيا(سألها)ظلت تنظر الى الوادي لتخمد قلقها وتوترها. مالذي يخيفها في هذا الرجل؟
-كنا ندرس معا في مدرسة واحدة.
-حقا،ما ان اقترب منها حتى ابتعدت عنه الى طرف النافذة.
-ظنتتها في مثل عمرك . هل هي متزوجة؟.
-وهل هذا يهمك؟.
-لاتكوني هكذا ديانا فأنا فضولي بعض الشيء، وليس من داع للغيرة ياحبيبتي.
حملقت ديانا إليه وقالت:
-انا لا اغار.
ثم اعتذرت منه لتخرج من الغرفة فلم تتحمل الاغاظة التي يسببها لها وتمنت ألا تزيد الامور تعقيدا بظهور انطونيا.
-طبعا، طبعا.
وتنحى جانباً بكل ادب وتهذيب ، وخرجت ديانا من الغرفة.
في صباح اليوم التالي تفقد الطبيب غيارمو العمة ثم توجه الى ديانا يسألها عن صحة زوجها.
-لم يتذكر شيئاً حتى الآن.
-لم يذكر شيئا؟.
- امعقول هذا؟.
ترددت ديانا قليلاً قبل ان تجيب:
-حسناً اريد ان اسألك بعض الاسئلة.
نظر اليها غيارمو بعينين يقظتين،فتوردت وجنتاها ثم راحت تقول:
-حسناُ اريد ان اسألك عما اذا كان بإمكانه تذكر اماكن زارها في السابق.
-اماكن؟ نعم اظن ذلك، ولكن لماذا تسأليني ؟ هل تذكر مكاناً ما؟.
-آه لا، لا، فأنا لا.. لا اريد ان اضع آمالاً لا طائل منها.
-هذا صحيح، ولكن هل تظنين انه تذكر شيئاً؟.
-حسناً ، اعتقد انه قال شيئاً جعلني اتساءل.
-فهمت!.... حسنا اقترح ان تراقبي وضعه بدقة، فإن احسست انه تذكر شيئاً ما ، اي شيء، اخبريني به فوراً.
-طبعا، سأفعل، ايها الطبيب.
ولكن بعد ذهاب الطبيب راحت تتساءل عما قد تذكره ماثيو، ألم يلاحظ ما قاله حين كانت انطونيا هنا؟ وهل حرك ذكر كاليفورنيا شيئاً في ذهنه؟ وان حدث ذلك فهل هذا يعني انه بدأ يستعيد ذاكرته،نضح العرق منها حين فكرت في امكانية حدوث ذلك فقررت ان تكلم هاري لكي يعرض مبلغاً من المال على ذلك الرجل شرط ان ينسى ماحصل، ومبلغاً آخر ليكمل اللعبة،ولكنها بعد معاشرتها لذلك الرجل باتت متأكدة من رفضه اقتراحاً كهذا.
صعدت ديانا الى غرفتها والارهاق بد عليها، لقد تحول فجأة كل شيء وبات صعباً ومعقداً.
القت نفسها على السرير ثم تركت لدموعها الحارة العنان فانسابت غزيرة،لم تغادر غرفتها عند الغذاء وحين جاءت كلوديا تسألها ان كانت تحتاج الى شيء ، ادعت انها غير موجودة لئلا تراها كلوديا على تلك الحالة فتسارع الى اخبار عمتها ولكنها خرجت من غرفتها عصراً تاركة القصر متوجهة الى الاسطبل.
اطلقت العنان لفرسها منطلقة من الساحة الى المروج الخضراء والرياض الواسعة.كانت الشمس قد بدأت تتوارى وراء الجبال العالية، ولكن الجو كان دافئاً، والهواء رطباً وعابقاً باريج الزهور.
حين اقتربت ديانا ورفيقها انتون من الحقل المغروس باشجار الصنوبر ، اجفلت اسراب من الطيور وهجرت اعشاشها وراحت تحلق فوق النهر الجاري.سارت مدة نصف ساعة تاركة الفرس تقودها الى حيث تشاء فاتجهت بها نحو النهر وراحت تنتقل بين الحشائش الخضراء ثم شقت طريقها الى القصر، فقد غابت الشمس وبرد الجو ، لكن رأسها ارتاح قليلاًحينما وصلا الى بوابة القصر وقف امامها شخص طويل يراقبهما وهما يدخلان وعندما اقتربا منه انقبضت اعصاب ديانا فهو ماثيو..ذلك الرجل الذي ادعت انه زوجها،تقدم منها ماثيو ليمسك الفرس محاولاً توقيفها:
-اين كنت؟.
رفعت ديانا كتفيها واجابته باختصار:
-"اتجول".
-ارى هذا، لكن اين كنت تتجولين؟.
-ليس في مكان محدد. لماذا تسأل؟.
-لقد انشغل بالي عليك خاصة بعدما اخبرتني كلوديا بامنتاعك عن تناول طعام الغذاء.
-لم اكن جائعة. هل استطيع الذهاب الآن؟.
-انتظري لحظة تبدين قلقة. مالذي يشغل بالك ديانا؟ماذا هناك؟.
تنهدت ديانا قليلاً قبل ان تقول:
-رجاءً هلا تركتني اذهب؟.لقد تأخر الوقت وانا اريد الاستحمام وتبديل ملابسي.
-آه، من اجل دعوة العشاء، هذا ما سأفعله انا ايضاً. الهذا انت قلقة؟.
-طبعا ..لا.
وركلت الفرس في خاصرتها فصهلت الفرس معترضة:
-ارجوك ،افسح الي الطريق.
ابتعد عن طريقها مطلقا سراح الفرس التي جرت الى الساحة حيث ترجلت ديانا عن ظهرها وتوجهت الى القصر إلا انه لحق بها وامسك معصمها قائلاً:
-انتظري هناك شيء آخر.
انتزع نظارتها كاشفاً عن عينيها المتورمتين ثم سألها:
-حسنا لم كل هذا؟.
نظرت اليه نظرات ملؤها الحقد والغضب.كيف لرجل لا يعرف شيئاً عن نفسه ان يحيرها ويربكها دائماً؟.
قالت بغضب شديد تشد يدها للتحرر من يده ولكن بدون جدوى:
-هل ستدعني اذهب ؟ سبق لي ان اخبرتك بأني اكره ان يلمسني احد.
-نعم، اذكر هذا ولكن رغم ذلك عليك في بعض الاوقات تلبية مايريده زوجك.
-ماذا تعني؟.
-اعني انني اريد ان اعرف حالاً ما سبب بكائك.
-لا شأن لك بهذا.
-شأنك هو شأني اولاً.. فأنت التي اعطيتني هذا الحق حين زعمت اني زوجك هناك في الارسالية.
حدقت اليه ديانا ثم سألته:-ماذا.. تعني؟.
-ماذا تعتقدين انني اعني؟.
-لا اعرف.
-لاتعرفين؟.
رفع معصمها ونظرالى نحافته ثم قال:
-ماهو قصدي ياترى؟ اليس معروفاً؟ ان لي عليك حقوقاً.
اشتعلت النيران في وجهها وقالت:
-رجوك !دعني اذهب.
سلط عينيه الرماديتين على عينيها حتى احست بشيء ما يتحرك في داخلها:
-حسناً اذهبي!
ترددت ديانا في الذهاب.. لقد اخافها رفضه الفجائي كما اخافتها كلماته. هل بدأ يشك فيها؟ هل اثار تصرفها الريبة في نفسه؟ارتدت على عقبيها بسرعة متوجهة الى القصر ومنه الى غرفتها.سحبت نفساً عميقاً وهي تشعر بالاختناق مما حصل منذ بضع دقائق، لقد تصرفت كفتاة حمقاء، حمقاء ومجنونة، وذلك حين سمحت لاحاسيسها بالتأثر في مايقوم به رجل كذلك الرجل ماثيو سليس الذي كان يجد لذة في قهر النساء .هل نسيت ماحصل لها بعدم انعدام احاسيسها ، واعواطفها؟ هل يمكن ان تنسى في يوم ما التصرف الوحشي الذي لاقته من عواطف الرجال؟ انه تصرف همجي جعلها باردة الاحاسيس والعواطف
- رجل يدافع عنها

كانت الخالة انطونيا اغيري تسكن مع زوجها في اقصى الوادي وكان زوج خالتها يشتغل في الزراعة، غير انه تقاعد الآن فاستلم ابنه شؤون العائلة.
سارت ديانا والرجل الذي تسميه ماثيو مظللين بنور القمر المتسلل من بين الغيوم. وبدأ الطقس الدافئ يبرد شيئاً فشيئاً.
امضت وقتاً طويلاً تحاول اخفاء اثار الدموع التي ذرفتها منذ زمن قصير وقد حرصت على ان ينسجم ثوبها المخملي الزمردي مع شعرها الذهبي الطويل..سرت العمة ريبيكا حين عرفت انهما خارجان معاً واعتبرت ذلك دليلاً على تفاهمهما ورضاهما،استقبلتهما انطونيا التي بدت رائعة الجمال في ثوبها الحريري الازرق الشفاف الذي ابرز جمال جسمها النحيف.
-اهلا بكما... كنا تنتظر وصولكما، هيا، تعالا، سأعرفكما الى الجميع وبعد ذلك نفتتح العشاء، فأنا جائعة جداً، وانتما ايضاً على ما اعتقد؟كان بين المدعوين زوجان في منتصف العمر من عائلة كارفلوس وشاب فتي.
-هو صديق انطونيا.
- يدعى رينالدو، وقد طلب منه تشكيل الازواج، فاختار ديانا رفقية فكان بذلك ان حظيت انطونيا بماثيو طوال السهرة.
لم تعر ديانا انتباها لغزل ذلك الرجل خشية ان تغضب انطونيا، ولكن بعد مرور بعض الوقت تساءلت عما اذا كان هذا التوزيع قد دبر له مسبقاً، فهي لم تعرف انطونيا جيداً، انطونيا الناضجة التي بدا واضحاً أنها معجبة بماثيو،ولكن لماذا تهتم هي بذلك ، انه لايعني لها شيئاً مهما خيل له وان كان يقصد اشعال نار الغيرة في قلبها بمغازلته انطونيا فقد اخطأ، لكن على الرغم من هذا فقد شعرت بالغيرة تشتعل في قلبها وراحت حينئذ تصغي الى غزل رينالدو بشكل ملفت للنظر
اتخذت ديانا عند العشاء مقعدا بين مضيفها وبين رينالدو اما ماثيو فقد جلس امامها بين انطونيا وبين خالتها ،اثناء العشاء الذي لم تتناول منه ديانا الا القليل القليل، علمت ان رينالدو كان يقيم في كيرانوفا، وان والده مدير مصرف وانه حديث العهد بالتخرج من الجامعة، وعندما راح يتحدث اليها عن هوايته في الغطس اندمجت بالحديث رغما عنها.
-لايزال العديد من حطام السفن الاسبانية في قعر المحيط، واني احلم بأن اكتشف يوماً حطاماً يزخر بسبائك ذهبية وصفائح وجوهرات والماس... وعندئذ سأصبح رجلاً ثرياً.
-ولكن عليك ان وجدت شيئاً كهذا ان تخبر السلطات؟.
-ليس ضرورياً، ولكن كما تعلمين ان ثمن هذه الاشياء يرتفع باستمرار وحين يكتشف الحطام اولاً تحدد القيمة وتقسم بين الحكومة وفريق الغطاسين.
-فهمت، هذا مدهش حقاً.
-نعم انه كذلك. وبعيدًا عن هذا كه فرياضة الغوص مذهلة بحد ذاتها.. ليتك تعلمين مدى جمال الكائن تحت البحار والبحيرات....
قاطعته انطونيا مقهقهة:
-اخشى ان تقتنع ديانا بمرافقتك في احدى المرات مع انني لا اتخليها ترتدي بدلة الغوص واضعة انابيب الاوكسجين على فمها.
-ولم لا افعل؟.
رفعت انطونيا حاجبيها الاسودين الرفيعين ونظرت الى زوج ديانا ثم قالت:
-لم اكن اعلم انك تحب هواة الرياضة.
-ربما تتمتع زوجتي بمواهب خفية ولكن على كل حال انا اوافق انطونيا رأيها ، فلا اظنك تهوين هذه الرياضة.
-بل اهواها....ثم التفتت الى رينالدو قائلة.
-هل تعلمني هذه الرياضة؟.قال ماثيو غاضباً:-ان كنت تريدين التعلم اعلمك انا.
-اوتعرف انت كيف تغوص؟.
-اما كنت تعلمين بأنه يجيد الغوص.
-لا ، لم اكن اعرف.
اجابتها ديانا تلك الاجابة ثم وجهت نظراتها الغاضبة الى ماثيو الذي لم يأبه بها او بغضبها.
-وهل من الضروري ان تعرفي،فلم يسبق ان تكلمنا عن هذا الموضوع؟.
حولت ديانا بصرها الى طبقها ثم لم تلبث ان اشاحته جانباً لأن شهيتها تبخرت كلياً.ماذا قصد حين قال انه يجيد الغوص؟ هل تذكر شيئاً آخر؟ هل بدأت ذاكرته تعود اليه من خلال الاحاديث الدائرة حوله؟.
بعد انتهاء وجبة الطعام توجهوا الى غرفة الجلوس، فتحت انطونيا النوافذ الطويلة المطلة على ساحة صغيرة امام البيت واقترحت عليهم ان يرقصوا هناك. وبما ان ماثيو لم يرغب في الرقص قفد الحت على رينالدو ان يراقصها.
سألت خالة انطونيا ديانا:
-هل ستمكثين طويلاً عند عمتك؟.
-لست متأكدة، ربما حتى تشفى عمتي...
-هل فاجأتكم انطونيا بزيارتها؟.
-نعم، لقد فاجأتنا! فأنا لم ارها منذ وقت طويل.
قالت السيدة" هذا صحيح"ثم نظرت الى الساحة تراقب ابنة اختها وهي تعلم رينالدو رقصة جديدة ، وتابعت تقول:
-اشعر بفرح كبير حين اراها سعيدة. فقد امضت وقتاً كئيباً في الاونة الاخيرة.
-آه، لكنها لم تخبرني بذلك!.
-لا، لن تفعل ابداً، فما اصابها قد يصيبها في اي وقت.... لقد تعرفت انطونيا الى ذلك الرجل المحترم واحبته حباً جنونياً، لو انك تعرفينها جيداً لادركت شدة اخلاصها للذين تتعامل معهم لقد احبت ذلك الرجل باخلاص لامثيل له ولكن لسوء حظها كان متزوجاً ورب عائلة ولم تكن انطونيا تعرف ذلك بالطبع لذا توقعت ان يأتي خاطباً ولكن مالذي حصل؟ لقد ضجر من انطونيا وعاد الى زوجته.
-آه ، اني جداً آسفة.
-نعم كان حظها سيئاً للغاية، واسوأ حظ على الاطلاق! وانطونيا شابة لطيفة... جميلة جداً ! لم يخطر ببالها انه سيتلاعب بها.
-كان اميركياً؟.
-اعتقد ذلك، ولكنه من اصل لاتيني.
تنهدت ديانا ثم نظرت الى انطونيا التي لاتبدو كسيرة القلب.
-يسرني انك سعيدة بزواجك، ربما تحسدك انطونيا على هذه السعادة.اصطنعت ديانا ابتسامة باهتة وفضلت الا تكثر من الكلام عن علاقتها بماثيو.
فرحت ديانا كثيراً حين اوشكا على العودة الى القصر فقد كان رينالدو خلال الربع ساعة الاخيرة يقنعها بمرافقته في نزهة على ظهر الخيل في الايام القليلة القادمة، ومع انه اقترح ان يذهبوا مع انطونيا وزوجها الا ان ديانا لم تظهر اقل حماس للمشروع حين توارت اضواء منزل آل كورك .
لوت ديانا اصابعها وقالت:
-لماذا قلت انك تجيد الغوص؟.
لم يلتفت ماثيو اليها بل ابقى عينيه على الطريق:
-وهل من مانع؟.
-لا، سوى انك لاتجيد الغوص.
نظر اليها الآن غير ان نظرته لم تؤثر فيها لان الظلمة اخفت احمرار وجهها.
-لا اجيد الغوص؟.
-لا، وهل ظننت انك تجيده؟.
سحب نفساً عميقاً وتنهد ثم قال:
-ليس من الضروري ان اجيد الغوص.
-اذا، لماذا ادعيت ذلك؟.
-لانني لن اسمح لشاب اسباني جميل ان يعلم زوجتي شيئاً!.
كانت ديانا تتوقع منه اشياء كثيرة إلا ماقاله الآن .
حملقت اليه دهشة:
-ماذا قلت؟.
-لقد سمعتني، انا فاقد الذاكرة نعم ولكنني لست احمق.
-كيف تجرؤ على انتقاد تصرفاتي بعد الطريقة التي تصرفت بها انت هذا المساء؟.
ثم عضت على شفتها من شدة غيظها، لم تكن تعني ما تقول بل لم تكن تقصد اعلامه بانها كانت تراقبه طيلة السهرة ولكن ماحصل قد حصل ولا سبيل للتراجع.
قال ماثيو بلهجة ساخرة:
-اذا غرت علي؟.
-لست غيورة ولكنني لا اظنك تملك الحق في توجيهي او في اختيار نشاطاتي!.
-لا بل املك كامل الحق، فانت زوجتي، اللعنة الا تذكرين ذلك؟.
نظرت اليه ديانا غاضبة وحانقة، فلم تعد تعرف كيف تصلح ما تفوهت به.
-انا... لا اذكر انك مهتم بالامر لهذه الدرجة!.
شد اصابعه على المقود:
-صحيح؟ لا اعتقد ان زواجنا كان هكذا قبل حادث الطائرة.
-ماذا تقصد؟.
-قصدي واضح؟ اليس كذلك؟ فنحن لا نتصرف كزوجين متحابين، اليس هذا صحيحا؟.
ضغطت ديانا بكلتا يديها على خديها وقالت:
-لقد شرحت....
-آه، لا.. لم تشرحي بل ان ماقلته غير مقنع.
ثم تحولت نبرته وغدت قاسية بعض الشيء:-هل تتوقعين مني ان اقبل بكل ما تقولين دون ان اسألك شيئاً.؟.
بلعت ديانا ريقها والارتباك باد على وجهها، لقد اوقعت نفسها في مأزق ولم تعد تعرف سبيلاً للخروج منه.
-وكأنك تقول اننا نتصرف بطريقة مختلفة عن الطريقة التي يتصرف بها سائر المتزوجين. ألا تعلم ان الزواج المثالي انتهى في هذا العالم المتحضر؟.
-تعترفين بأن زواجنا ليس مثالياً؟.
-آه ، هل سنتابع هذا الحديث السخيف...
-اظن ذلك، فمن حقي ان اعرف وضعي معك!.
راحت ديانا تتنفس بسرعة وكأنها قامت بعمل متعب:
_آه، ارجوك. .اني مرهقة. اني... اني لا اعرف كيف ارد على اسئلتك.
-الحقيقة اسهل رد.
-ماذا تعني؟.
-اعني ما اقول، فإن كان هناك اشكال في علاقتنا، فاعلميني به.
كانت للحظات خلت قد اعتقدت انه استرد ذاكرته قالت:
-هذا لايهم الآن على اية حال ماعلينا إلا التصرف كالغرباء في الوقت الحاضر.
-لكننا لسنا غريبين فنحن زوج وزوجة لذا لا افهم ما تقولين او تفعلين خاصة وانت ترفضين ان اقيم علاقة مع النساء الاخريات.
نظرت اليه ديانا بعينين حانقتين وقالت:" ماتفعله لايهمني على الاطلاق".
-حقا؟.
اذا ، لماذا قبلت الزواج بي؟.
هبت ريح قوية لم يعرفا مصدرها وتحول الطقس فجأة واصبح بارداًو قارساً, وفي تلك اللحظة تمنت لو انها في البيت،ولكنها لم تكن في البيت، بل هنا، على بعد مسافة ميل .. من ..وجهتهم . سألها ماثيو السؤال الذي طالما خشيت منه.ولكنها فوجئت بلعناته على الطريق فقد غزلت الاطارات قليلاً في منعطف خطر.
ثم عاد يسألها:-لماذ؟ هل كنت تحبينني؟.
-انا؟ نعم .. نعم... طبعا كنت احبك.
-لقد قلت كنت احبك! هل افهم من هذا انك لا تحبينني الآن؟.
عجزت ديانا عن الرد عليه ولكنها اجابت قائلة:
-وكيف لي ان اعرف.
-الم اقل لك اننا تنعامل كما يتعامل الغرباء،ومن المسؤول عن ذلك؟.
-ما من مسؤول.. سنكون حين تسترد ذاكرتك قد سوينا الامر . هناك عقد بيننا، يجب فسخه.
-حقا؟ ولكن لماذا؟ من المؤكد ان الحل الطبيعي لمشكلتنا هو ان نتعامل بالطريقة التي يتعامل بها سائر المتزوجين.
اخذت ديانا نفساً عميقاً ثم قالت:
-حسناً ..حسناً، لكن علاقتنا لم تكن طبيعية حتى قبل حادث الطائرة.
-فهمت، ولكن لماذا؟ مالذي افسد علاقتنا بهذا الشكل؟.
انزعجت ديانا من سؤاله، فهي لم تكن تحب ان تناقش امورها الشخصية والخاصة مع رجل غريب عنها.
-هل سندع كراهية الايام الماضية تعود من جديد؟ لم لا ندع الامور تسير على ماهي عليه؟ على الاقل، حتى تعني لك شيئا.
-ولكنها تعني لي اشياء كثيرة الآن.
-ماذا تقصد؟.
-اقصد انني اتذكر ان هناك مشاكل، مشاكل زوجية. آه، نعم. هذا يعني لي شيئا بكل تأكيد!ارعبها كلامه . مامعنى هذا؟ هل بدأ يتذكر ! اتذكر انه متزوج ام كان ذلك بفعل اندماجه بشؤونهما الزوجية وذكرياتهما الخيالية التي اطلعته عليها بنفسها؟ لم تجد حلا للاسئلة الكثيرة التي عج بها رأسها ولكن فكرة ان يكون متزوجاً، افقدتها القدرة على التركيز. ايكون لديه عائلة؟ وزوجة؟ ولكن اين زوجته؟ ولماذا لم تسأل عنه؟ثم قالت بصوت مختنق:
-"وما.. ما الذي تتذكره بالتحديد؟".
حاول ان يركز تفكيره ثم قال:
-اتذكر ... اتذكر شيئاً بسيطاً.. اذكر مشهداً فيه عراك بيننا. هل كان هناك رجل آخر؟.
-لا!.
-لا؟.
وهز برأسه مفكرا ثم قال:
-ربما امرأة اخرى؟.
انفجرت ديانا غضباً ولكنها لم تظهر غضبها. كيف يجرؤ على السخرية منها بهذا الشكل وهو لايتذكر شيئاً؟.
-لا اريد ان اتحدث عن هذا الموضوع بعد الآن فلننحه جانباً.
-اذا كان هناك امرأة ثانية؟ اتساءل عن السبب بسبب برودتك ام لانك لاتطيقين ان يلمسك احد؟.
حملقت اليه ديانا وقالت:
-كيف تجرؤ؟.
ومن دون ان تدري ماتفعل صفعته على وجهه.. صفعة جعلته يرتد عن المقود فانحرف بذلك اللاندروفر عن الطريق وانزلق الى حافة النهروزمجر غاضباً ، وداس بقوة على المكابح حتى اوقف اللاندروفر.
-ايتها اللعينة!.
ارعبها الغضب الثائر في وجهه ففتحت الباب وقفزت من العربة..راحت تمشي تحت المطر في الظلام الحالك دون ان تتوقف لتفكر في ماتفعل..في غضون ثوان قليلة ابتلت بالماء.
كانت العاصفة الشبه استوائية قد بدأت تهدأ وحين انزلقت على المنحدر الموحل بعيداً عن الطريق، فقدت وشاحها المطرز ولكن همها الاكبر كان ان تهرب من غضبه الثائر فقد احتشدت تجاربها المخيفة مع زوجها ماثيو في رأسها فازدادت رعباً الى رعب.
راحت تئن والخوف يغشى قلبها ثم سارت وسارت ولما وصلت الى ضفة معشوشبة راحت تركض وتقفز فوق الارض الموحلة.
ثم سمعته يناديها:
-ديانا ، ديانا بالله عليك ، لاتكوني حمقاء! عودي! ماذا تعتقدين انني سأفعل بك؟عودي!.
توقفت ديانا وقد انقطعت انفاسها ثم قرفصت ارضاً لاهثة تسيطر عليها الافكار المرعبة.ماذا كانت تفعل؟ تهرب بعيداً بهذا الشكل؟ مم هي خائفة؟ماذا قد يفعل بها؟لم تستطع التركيز على افكارها من شدة خوفها، فقد انهارت اعصابها ولم يعد امامها الا الفرار،ولكن ماذا ستجني من ذلك غير الاصابة بالتهابات الرئتين او بما هو اسوأ.
تساءلت عما قد يكون مصيرها ان استسلمت لذلك القدر، ولكنها ما لبثت ان وجدت فكرة الاستسلام جنونية، لقد كانت مجنونة حين سمحت لذلك الرجل، لذلك النصاب،بأن يجرها هكذا.
كان آدم قد وجد مشعلاً في اللاندروفر فتناوله ثم راح يتسلق الضفة الموحلة وصولاً اليها إلا انها لم تشعر به اذ كانت مأخوذة بأفكارها وخوفها، تريد ملازمة مكانها لئلا يجدها فهي لاتدري ماتفعل ان اعثر عليها. ظنت انها قادرة على العودة الى القصر مشياً على الاقدام دون صعوبة كبيرة، غير انها بدلت رأيها حين تذكرت انها ستصاب بنولة صدرية فظيعة في تلك الطريق.
كان بحثه دقيقاً وهو يشق طريقه اليها، عندما شعرت به وقفت لأنها لاترغب في ان يراها راكعة تحت قدميه.
وفجأة، القى الضوء على جسمها فرأى كيف شوه ثوبها المبلل شكلها، وعندما تكلم كان صوته غريباً وحانقاً:
-ماذا تظنين انك تفعلين؟ بحق الله، ايتها المرأة،ستجلبين الموت لنفسك.
ارتعشت ديانا من الخوف اكثر منه من ثوبها المبلل.
-تعالي! عودي الى اللاندروفر! قبل ان اقترف ما نندم عليه كلانا.
ترددت ديانا للحظات قبل ان تخطو خطواتها ثم قامت وتعثرت بجذع شجرة ولكنها انقذت نفسها في آخر لحظة. ولأنه لم يحاول مساعادتها امتلا قلبها كرهاً له،لانها لم تجد فيه الرجل الشهم المحترم بل على العكس، وجدته وحشاً ضارياً كزوجها ماثيو.
تعرضت الى صعوبة كبيرة في اجتياز الضفة ولكنها وجدت صندلها ووشاحها ملطخين بالوحل لذا لم تنتعل الصندل او تضع الوشاح على راسها، بل حملتهما في يد واحدة ثم حاولت جاهدة ارتقاء المنحدر اما هو فقفز الى الضفة الثانية دون اية صعوبة تذكر، فتمنت لو يتعثر ويسقط على رأسه.
سألها ساخراً:
-اتواجهين صعوبة؟.
حدقت اليه ديانا بغضب وقالت:
-آه ، ابتعد عني!.
كانت على وشك البكاء، فلقد اتلف ثوبها الجميل ولو لم تأخذ حذرها لتمزق كلياً.
-كما تريدين.
ثم ابتعد عنها ولكنها لم تجرؤ على تركه يذهب فقالت:
-لا،لا ارجوك، اعطني يدك!.
نظر اليها نظرة طويلة تحت نور المشعل الخافت ثم تقدم منها ماد يده اليها..كانت يده دافئة وقوية جداً لدرجة انه حملها واوصلها الى الضفة الثانية.
فكرت ان تستدير فجأة وتلتصق به لتلوثه بالوحل من رأسه حتى اخمص قدميه، لكنها لم تجرؤ على فعل ذلك.
بعد ذلك راحت تسير والريح تنشر شعرها الذي كانت تبعده وهي تلحق به الى اللاندروفر..حين وصلا الى القصر ترجل قائلاً:
-ابقي في العربة.. سأحضر لك معطفاً لتصعدي الى غرفتك وانت ترتدينه.. عليك ان تستحمي وتبدلي ملابسك اما انا فسأعد لك شراباً ساخناً.
ارادت ديانا ان ترفض مساعدته ولكنها لم تستطع، وحين عاد والمعطف في يده، تناوليته منه واومأت برأسها شاكره.
لم يصلا متأخرين كما توقعا فقد كانت كلوديا مستيقظة:
-سنيورا ! ماذا حصل؟ هل حصل حادث ما؟.
ثم تطلعت نحو ماثيو بذهول لكن لم يبدو عليه اي شيء، سوى ان كتفيه كانا مبللان بنقاط الماء المتساقطة من شعره السميك.لم تعرف ديانا ماذا تقول ، فنظرت الى ماثيو بيأس وحزن:
-لقد نزلت السنيورة سليس من اللاندروفر لتبعد قرداً مجروحاً عن الطريق، فتعثرت لسوء الحظ في الظلام ووقعت على الارض الموحلة.
اتسعت عينا العجوز وكأنها لاتصدق ماتسمع ثم سألتها:
-قرداً مجروحاً سنيورا؟.
-هذا ماقلته بالضبط. لماذا؟ ماذا اعتقدته انه قد حصل؟ هل حملتك افكارك الرومنطيقية بعيداً؟.
اشتعلت النيران في وجنتي كلوديا.
-بالطبع لا، لا اعرف ماذا اعتقد ياسنيور.
-حسنا والآن بعد ان عرفت هلا طلبت من تانيا ان تحضر لي بعض المياه الساخنة لاعد شراباً للسنيورا.
-حاضر سنيور.كانت كلوديا مجبرة على الطاعة، رغماً عنها.
نظرت ديانا الى الوجه القوي الملامح قبل ان تتوجه الى غرفتها. .كانت هي المرة الاولى التي تجد فيها رجلاً يدافع عنها. انها حقا تجربة مقلقة وغريبة
- لاتعتذرى

خلعت ديانا ثيابها المبللة ووضعتها علي السجادة الناعمة. كان الحمام دافئاً ومغرياً فوقفت تحت الرشاش مستسلمة للمياه الدافئة ، التي ردت اليها حيويتها ونشاطها،بعدما جففت جسدها ارتدت غلاله نومها الحريري ثم تناولت معطفاً ازرق والقته علي كتفيها.
كان شعرها ما يزال رطباً لأنه كان طويلاً جداً ، غير انه استعاد لمعانه وحيويته حتي بدت فيه ديانا كطفلة صغيرة. فكرت في اذا كان عليه التوجه الي الصاله ام البقاء في غرفتها ،ولكنها في النهايه قررت النزول.
دهشت ديانا حين وجدت المدفاة موقده ولكنها ادركت ان شخصاً ما كان هنا منذ وقت قصير فنظرت الي ما حولها وكأنها تفتش عن شيء ما ثم ما هي إلا ثوان حتي اطل ماثيو وقد بدل ثيابه فقد كان يرتدي بيجاما سوداء وقميصا قطنيا قرمزي اللون فشعرت باضطراب خفيف.
ربما استطاع هو نفسه ان ينسي تلك الصفعه في هذا المساء ، ولكنها لم تستطع نسيانها وتمنت ولأول مرة منذ قدومها الي القصر ، ان تظهر كلوديا فجأءة .
اقترب ماثيو منها دون ان تظهر على ملامحه مظاهر التهديد حاملاً في يده كوباً قدمه لها دون ان ينبس ببنت شفه ..شكرته ديانا ثم تناولت الكوب من يده وراحت ترتشفه.
- حسناً ؟ هل شفيت من الهيستريا الآن ؟.
لم تجرؤ علي النظر الي وجهه، ولكن بعد هذا السؤال اضطرت ان تنظر اليه
- انا ....انا لم اصب يهيستريا !.
- اذا ! ماذا تفسرين تصرفك اليوم ؟ بحق الله ! ما الذي دفع بك للقفز من اللاندروفر بتلك الطريقه الجنونية ؟ ماذا فعلت لك؟.
اشتعلت النيران في وجنتيها ثم قالت :
- لقد ..لقد كنت فظاً معي بشكل لا يوصف .
وقف يحدق فيها بعينين تبعثان الي الاضطراب.
- لقد كنت قاسياً جداً معي و...حين انتقمت منك بالطريقة الوحيدة التي... التي قدرت عليها ..رحت ، رحت تتوعدني !.
- تقصدين الصفعة ؟ ولكن كيف توعدتك ؟ . . . يا لهذه العبارة القديمه الحلوة !.
أطبقت ديانا شفتيها ثم عادت تقول :
- تعرف حق المعرفة انني اغضبتك .
- حسناً . . اريني رجلاً ما لا يغضب حين . .حين تصفعه زوجته.
لمست ديانا السخريه في صوته فودت لو تصفعه ثانيه :
- هل تجد الامر مسلياً للغاية وهل تريدني ان اظهر كالمجنونه فامزق ثيابي غيظا !
- لا تضعي اللوم عليّ بخصوص تصرفاتك . أظن ان الامر يبدو مسلياً . .بالنسبة لرجل غريب.
كانت دائماً تصل معه لنتيجة خائبة .. وبدون أي جهد استطاع ان يثيرها لدرجة ان تفكر بالانتقام وكأنها طفلة وفجاءة وبهدوء تام ، وضع يده علي رأسها ممسكاً بخصلة من شعرها فلما احجمت عنه ديانا منعها من الهرب هذه المرة .
- ما بك ؟ لماذا ترتجفين هكذا كلما اقتربت منك ؟ انا بكل تأكيد لا اقترف جريمة حين المس شعرك! ما الذي بدر مني حتي تكرهينني الي هذا الحد ؟.
حاولت ديانا تحرير شعرها من بين يديه ولكنه لم يدعها تذهب :
- لقد . . لقد أخبرتك . . .ارجوك دعني اذهب !.
تجاهل كلامها وراح يتأمل جسمها الطويل المختبيء تحت قميصها الجميل:
- انك جميلة جداً يا ديانا لذا لا يمكن وانت علي هذه الدرجه من الجمال ان تكوني باردة.
خفق قلبها بشده وقالت تتوسله :
- أرجوك دعني اذهب.
وشدت رأسها تحاول التحرر من بين يديه فتألمت كثيراً وصرخت قائلة :
- دعني ! انك تؤلمني.
تناول الكوب من يدها حين حاولت ان تضربه ولوي ذراعها خلف ظهرها ، وشدها اليه بحيث اصبح جسمها ملتصقاً بجسمه فأحست عندئذ بعضلاته النافره تحت ثيابه .
ثم قال بصوت أجش :
- لا تقاوميني !.
ومال عليها يعانقها فثار جنونها ، وراحت تدير رأسها من جهه الي اخري وهي تشعر بحرارة جسده المتقده تحت قميصه الحريري.. قاومت وقاومت ولكنها لم تنجح الا قليلاً ،وحين امسك رأسها بكلتا يديه واطبق عليها كما يطبق الحيوان علي فريسته استحوذت عليها موجة من المشاعر والاحاسيس العاطفية التي لا عهد لها بها سابقاً.
راح يعانقها عناقاً حاراً تلو الآخر حتي احست انها فقدت الرغبة في الهرب منه .ولكن حين راحت اصابعه تتنزع قميصها الحريري عن كتفيها تنبهت من غفوتها . فصرخت صرخة مشبعة بالندم ثم راحت تلف ردائها حول جسمها وتنظر اليه بعينين معذبتين .
- كيف تجرؤ علي هذا ؟.
استطاع بصعوبة واضحة السيطرة علي نفسه ثم دنا من الموقد قائلا :
- علي ماذا ؟ علي معانقة زوجتي؟ اين الضرر في ذلك ؟.
ابتعدت عنه قائلة :
- سأخلد الي فراشي.
اجابها ساخراً :
- فكرة عظيمة !.
نظرت اليه غاضبة وقالت :
- ماذا تعني ؟ .
- انك مولعة بهذا التعبير .ما تظنين اني اعني؟
-لا... لا اعرف.
- بل تعرفين ديانا.. انا رجل لا حيوان اليف.. انني اريدك ..اريدك ! وستكونين لي.
ظهر الخوف في عينيها وهي تقول :
- لا... تستطيع.
- لن استطيع ؟ لقد نسيت شيئاً مهماً يا ديانا .. منذ دقائق قليلة ، حين كنت احملك بين هاتين اليدين ، استسلمت لي ، لقد اردتني تماماً كما اردتك فهل تظنين اني لم اشعر بذلك ؟.
- لا ، ليس صحيحاً ابداً.
- صحيح . لا تنكري يا ديانا وهل نسيت ان الرجل لا يستطيع الخلود للنوم ان لم يشبع رغبته ؟.
حارت ديانا كيف ترد عليه ، فقالت :
- انا..انا لا احتمل هذا ...حسناً ..حسناً.. لقد استجبت قليلاً انا...انا آسفة . مشي نحوها ببطء قائلاً :
- لا تعتذري انه افضل ما حدث في ظروفنا هذه ،ربما هذه فرصتنا التي كنا ننتظرها... الفرصه التي قد تعيد علاقتنا الي حالتها الطبيعيه.
صرخت ديانا :
-"لا" بصوت عال وبسطت يديها امامها وكأنها تخشي ان ياخذها بين ذراعيه مجدداً.. لا ، انك مخطئ ..فانا ..انا لست قادرة ...
- آه ...ولكنك تقدرين يا ديانا !
ثم قبض علي معصمها وشدها اليه بقوه ، فلهثت بخوف شديد ولكن فجاءة تناهت اليهما خطوات سريعه .
كانت الممرضه بيترز التي قالت بلغتهم الخاصه :
- السيده الكبيره تعرضت لأزمة حادة .
- ماذا قالت ؟ .
اطلعته ديانا علي ما قالته الممرضه بيترز فسألها حينئذ:
- اين نجد الطبيب غيارمو ؟.
-اخشي انه ليس هناك هاتف !.
قاطعتها الممرضة قائلة باللغه الانكليزيه :
- ربما يستطيع السنيور ان يحضر الطبيب! ساعود اليها ، يجب الا نتركها وحدها .
- ....ساتي معك... ماذا ستفعل يا ماثيو ؟.
اسودت عيناه للحظات حين تذكر غضبه ثم ابتعد وهو يقول :
- سأحضر الطبيب كما قالت الممرضه.
وخرج من الصاله بعد ان اخذ معطفه من الخزانة. .كانت الممرضه بيترز منهمكة بالاعتناء بمريضتها اما ديانا فجلست تنتظر الطبيب والافكار المؤلمة تجول في ذهنها . ان ماتت عمتها الآن ، فسيكون ذلك عقاباً لها علي اسلوبها في مواجهة الصعاب . ومع انها حاولت ان تبعد افكارها عن ذلك الرجل ولكنها لم تستطع الا تذكر استسلامها له ..
فكرت طوال الليل في الاقلاع عن فكرة اطلاعه علي الحقيقة ولكنها فطنت الي ما قاله عن تذكره اموراً زوجية فأحست بقشعريرة تسري في جسدها .. لابد انه كان متزوجاً ، هو رجل جذاب ومن المستحيل ألا تكون هناك امرأة ما قد اشركته بحبها، اذا ، ماذا تفعل؟.
كان الطبيب غيارمو كفؤءا وقد اوحي لهم وجوده بالاطمئنان وبقي ساهراً معهم الي جانب العمة . .فجراً تحسنت قليلاً حالة العمة ربيكا التي كانت تغرق في سبات عميق.
فقالت ديانا للطبيب :
-شكرا لك ايها الطبيب لا اعرف حقاً كيف اشكرك .
اعاد الطبيب عدته الي الحقيبة وقال :
- انه واجبي يا ديانا .
ثم ابتسم مردفاً :
-هيا يا ديانا تبدين تعبة يجب ان تنامي .. ولكن اين زوجك .. كان يسوق بطريقة جنونية حين احضرني الي هنا .. صدقيني ، لولا معرفتي انه سائق ماهر ومتمرن ، لما ركبت معه.
احنت ديانا رأسها ثم غادرت الغرفه يرافقها الطبيب الذي نزل معها الي الصالة حيث كان ماثيو ينتظرهما ، وسأل :
- كيف حالها الآن ؟ .
-ستعيش ولكنها ضعيفة.. شرحت لديانا انها لن تستعيد قوتها السابقة قبل ايام قليلة . وكانك لم تنم طوال الليل يا ماثيو ؟.
هز ماثيو رأسه قائلاً :
- لا ، ابداً ، هيا بنا ، سأقلك بنفسي الي المنزل .
- لا حاجة الي ذلك سأخذ اللاندروفر وارسله مع احد الصبيان فيما بعد .
ولكن ماثيو اصر علي ان يقله فقال الطبيب :
- حسناً كما تريد ماثيو.. بعد ذهابهما توجهت الي غرفتها وتمددت علي سريرها تفكر ...
سمعت طرقاً علي الباب تبعه صوت كلوديا :
- سنيورا ، سنيورا ! لقد حان موعد الغداء ! هل تنزلين ام تفضلين تناول طعامك هنا ؟.
جلست ديانا مرعوبة ثم نظرت الي ساعتها . .انها انها الواحدة تقريبا لقد نامت ست ساعات .
قامت من السرير وفتحت الباب قائلة: - سانزل حالاً.
- لقد طلب مني السنيور ألا ازعجك غير انني رأيت ان اوقظك الآن لتطمئني علي عمتك .
-طبعا . طبعا . كيف هي الآن ؟ هل رأيتها ؟.
- نعم يا سنيورا ، لقد رأيتها ولكنها ما زالت نائمة وقد اخبرتني الممرضة بيترز انها اظهرت تحسنا .
تنهدت ديانا وقالت :
- آه الحمد لله . شكراً لك يا كلوديا لأنك ايقظتني .. سألبس وانزل حالاً. ارتدت ديانا سروالاً بنياً ضيقاً وقميصاً اصفر ثم ربطت شعرها وتوجهت الي الصاله ..
حين رأتها تانيا سألتها :
- متي تريدين تناول الغداء يا سنيورا ؟.
- الآن ان اردت . لكن ، اين السنيور ؟.
-يقوم بنزهة علي صهوة الجواد يا سنيورا وهو لم يرجع بعد ..
- حسناً يا تانيا ، فلنتناول الغداء الآن.
بعد الغداء قامت ديانا بجولة حول القصر ..كان بالها مشغولاً بما حصل ليلة البارحة وكذلك بحالة عمتها الي ساءت للغاية ولم تعد تعرف كيف وبما تفكر .
اين كان ؟ الم ينم ابداً ؟ ولماذا تهتم هي بذلك ؟ مع هذا ، ما الذي حصل اصلاً ؟ كل ما في الامر انه عانقها لقد فعل لها ماثيو ، ماثيو الحقيقي ، اكثر من هذا بكثير ولهذا كرهته فيما بعد .
كم هو مختلف هذا الرجل الذي تعامله بهذه الطريقه القاسيه البلهاء ، لم يسبق لماثيو سليس ان حرك فيها عواطفها واحاسيسها بل كان يشعرها بانها عديمة العواطف والاحاسيس ، اما هذا الرجل المجهول ، الذي لا تعرف حتي اسمه ، فقد اشعرها ، في الليلة الماضية ، بروعه الحب بين الرجل والمرأة .
وصل الطبيب غيارمو في الساعه الثالثه ليري عمتها و بعد ان اطمان عليها نزل الي الصاله حيث ديانا .
- اترغب في تناول فنجان من القهوة ايها الطبيب؟.
- بكل سرور، ولكن اين ماثيو ؟
- يقوم بنزهة علي الحصان.
نظر إليها بإمعان ثم قال :
- أراك متعبة لذا اقترح عليك قضاء بضعة ايام خارج القصر.
- آه ...لايمكنني ذلك ، خاصة بعد تلك الازمة الحادة التي تعرضت لها عمتي.
- بل علي العكس ، الآن هو الوقت المناسب ..لن تستطيع ربيكا رؤية أحد قبل عدة ايام فهي بحاجة للراحة والعزلة التامة.
- لا ،لن اتركها .
-ولما لا ؟ سأكلم ماثيو بالموضوع ..انا متأكد انه سيوافقني الرأي.....
- ربما يوافقك لكني لا استطيع....
- ولكنني اصر علي ذهابك ، فأنا لا ارغب في ان اعالج مريضين بدلاً من واحد، لقد توترت اعصابك بشكل غير معقول ، اعرف هذا .بحق الله ديانا ،امنحي نفسك فرصة!.
- مشت ديانا في الغرفة وهي تقول :
- حسنا ...سأفكر في الأمر.
- عندئذ وقف الطبيب مستاذناً .
بعد ذهاب الطبيب عادت ديانا الي مقعدها فسكبت فنجاناً آخر من القهوة وراحت تحتسيه مفكره.. مشت نحو النافذة وراحت تنظر الي الوادي .. كان المنظر رائعاً ولكنها لم تستمتع بجماله ..ظلت سارحة بنظرها حتي رأت خيالين يقتربان من القصر .
كانت الشمس قد بدأت توشك علي المغيب ولكن رغم ذلك استطاعت ان تري ان زوجها مع احدهما ،ابتعدت عن النافذه خشية ان يرأها ماثيو ، ثم راحت تراقبهما من خلف الستاره وكأنها جاسوسة، عندما اقتربا من القصر ادركت ان انطونيا اغيري كانت رفيقة زوجها . .شعرت بانقباض قوي في معدتها .فماذا كان يفعل برفقة انطونيا اغيري ؟ والي اين يتجهان ؟ لا يمكن ان يكون قد احضرها الي هنا .. الي القصر ! غير انه فعلاً يتجه بها الي القصر ، فاشتعلت الغيرة في قلب ديانا . فيما كانت تجلس هنا وحيدة ، قلقة ، غير قادرة علي التفكير في أحد سواه ، كان هو برفقة انطونيا اغيري وهذا ما حطم كيانها وافقدها صوابها .
- كذبة تجرّ كذبات

دون ان تنتظر رؤيتهما فى ساحة القصر اسرعت ديانا الى غرفتها فاصطدمت بكلوديا التى قالت مندهشه:
- ما بك يا سينيور؟ماذا هناك؟.
ترددت ديانا ثم قالت:
- لا شئ فقد كنت ذاهبة الى غرفتى ليس إلا....
- حسنا يا سينيورا .
بدت الريبة على وجه كلوديا ولكن ديانا لم تأبه لها وتوجهت الى غرفتها وبسرعة غريبة مرتعشة الجسد وبعد ان دخلت الى غرفتها اوصدت الباب خلفها بإحكام تذكرت ان الباب المؤدى الى غرفته ما زال مفتوحاً فاسرعت واقفلته هو ايضا حاولت عبثاً السيطرةعلى اعصابها ومشاعرها المتقدة كيف يسمح لنفسه بأن يحضر يحضر تلك الفتاه الى القصر دون اذنٍ منها؟ غفل عن ذهنها انه يعتبر القصر بيته ولو مؤقتاً وأنها كانت منذ دقائق قليلة كانت تعتبر انطونيا صديقة قديمة اما الآن فهى لم تعد تعتبر صديقة بل احتقرتها لانها خانت الصداقة التى كانت تجمع بينهما .ارخت ديانا كتفيها تشعر فجأه بتعب وارهاق شديدين فعلى الرغم من السنين التى امضتها فى انجلترا لم تكن ذات خبرة بالاعيب انطونيا وتمنت للمرة الاولى فى حياتها لو كانت امرأه لعوباً.
انتصبت واقفة وراحت تخلع كنزتها وبنطالها ملقية بهما على الارض فقد قررت أن تدعى انها نائم اذا ما سأل اندرو عنها لكنها لم تجد الراحة حتى فى سريرها مرت دقائق عديدة لم تسمع لهما صوتاً لابد وانهما وصلا لكن اين هما؟ وماذا تراهما يفعلان؟ هل اخبرتهما كلوديا بأنها نائمة؟.
انبطحت على معدتها بغضب وراحت تفكر فى تصرفاتها الصبيانية الجبانة قامت من على السرير وهى تصر على اسنانها بقوه وما ان بدأت تخلع ثيابها حتى سمعت صوت ماثيو يناديها:
- ديانا...ديانا هل انت هناك؟.
تسمرت ديانا فى مكانها دون حراك ثم اجابت بصوت خافت:
- نعم ماذا تريد؟.
ادارت مقبض الباب بين الغرفتين ثم تذكرت انها اقفلته وعاد يناديها بصوت اجش:
- ديانا ماذا يجرى؟.
ترددت ديانا قليلاً لم تكن تريد ان يراها فى قميص نومها الباهت وشعرها الاشعث:
- لا شئ يا ماثيو..لا اريد إلا الراحه.
- لا تكذبى لقد رأتك كلوديا تصعدين الى غرفتك منذ ربع ساعه .
ادار مقبض الباب ثم قال :
- افتحى الباب قبل ان اكسره .
ارتجفت ديانا وقالت:
- اذهب ماثيو اريد ان انام.
- ايتها الحمقاء لقد رأيتنا ونحن قادمين فكلوديا اخبرتنى انك كنت تهرعين الى هنا خائفة .
راحت ديانا تلعن كلوديا فى قلبها ثم قالت:
-لست مجبرة على تنفيذ كل ما تأمرنى به انت وقد قلت لك اريد ان استريح .
ساد صمت للحظات ثم احست بكتفه وهو يدفع الباب فادركت انه جاد بكسر الباب ان لم تفتح
- آه انتظرقالت ذلك ثم اسرعت الى الباب تفتحه وقف ماثيو ينظر اليها بغضب شديد ثم قال:
- اياك ان تقفلى هذا الباب فى وجهى مره ثانية..
ثم رمقها بنظرة قاسية ثم قال:
- والآن ماذا هناك؟ لماذا لم تلبسى ثيابك؟.
حاولت ديانا ان تبقى هادئة:
- لقد شرحت لك انا متعبة واريد الراحة.
نظر اليها غاضباً وقال:
- لماذا؟ لماذا الآن؟ هل رأيتنا ونحن قادمين؟.
ادعت الدهشة:
- نحن؟ من تقصد بنحن؟.
- لا تتلاعبى بى يا ديانا فأنت تعلمين ان انطونيا موجودة تحت.
- انطونيا؟ صحيح؟ يالها من مفاجأه! اين التقيتها؟ ام تراك قصدتها زائراً؟.
لاحظت ديانا انه بدأ يلهث فخفق قلبها وتصاعدت نبضاته خشية ان يستغل الفرصة ليتم ما بدأه ليلة البارحة ولكن لم يفعل بل خرج مغلقاً الباب خلفه ..ان ذهب الآن مع انطونيا تكن هى المسؤلة عن ذلك ولكن سرعان ما خلعت قميص النوم وارتدت الكنزه والسروال ثم سرحت شعرها وتوجهت الى الصالة.. انقبض قلبها حين سمعت انطونيا تضحك بأعلى صوتها ولكنها سيطرت على نفسها وتوجهت الى الصاله بخطوات ودهبت انطونيا تسكب الشاى فنظرت الى ديانا قائله:
- متى استيقظت؟ لقد اخبرنى ماثيو انك نائمة!.
- هذا صحيح لكن عندما سمعت انك هنا لم يعد من اللياقة البقاء فى غرفتى اليس كذلك؟.
اجابت انطونيا قائله:
- نعم صحيح يا عزيزتى والآن ماثيو, كم قطعة سكر.....غير ان ديانا قاطعتها قائلة:
- سأقوم بالمهمه نيابة عنك يا انطونيا فمن آداب الضيافة عندنا الا ندع ضيوفنا يسكبون الشاى...خاصة وان سيدة المنزل موجودة ..
وفجأة تحولت نبرة انطونيا وباتت تنم عن الحقد والكراهيه:
- وهل انت سيدة البيت يا عزيزتى؟ ظننت ان عمتك هي السيدة هنا.
- حسنا معك حق وبما ان عمتى مريضة جداً فمن الطبيعى ان اقوم بكل الواجبات اليس كذلك يا عزيزتى؟.
نظرت الى ماثيو فرأت شرارات الغضب تلمع فى عينيه فاعتراها خوف شديد ولكنها تجاهلت غضبه وتصرفت بحريه تامة.
بعد صمت قليل سألتها انطونيا:
- وكيف حال عمتك الآن؟.
- الحمد لله ,لقد تحسنت قليلاً.
- الحمد الله .
اصطنعت ديانا ابتسامة شاحبة ثم قالت:
- هيا اخبرينى يا انطونيا كيف التقيت بزوجى؟.
ترددت انطونيا ثم قالت:
- لقد التقيته هذا الصباح وعدنا معاً الى البيت وتناولنا الغداء هناك اليس كذلك يا ماثيو؟.
نظرت اليه ديانا قائلة:
- صحيح يا ماثيو؟ انا وكلوديا... توقعنا عودتك وقت الغداء.
نظر اليها ماثيو بعينيه السوداوين وقال:
- حقاً؟ ظننتك ستستغلين فرصه غيابى لتعوضى ما فاتك من نوم ليلة البارحة. احمرت وجنتاها وقامت تحمل صينية الشاى منحنية الرأس مخافة ان يلاحظ احدهما ذلك ولكنها عرفت انه لاحظ حياءها وذلك حين ابتسم لها ابتسامه ساخره ما اشد ما كرهته فى تلك اللحظه! فعلى الرغم من كل شئ من فقدانه ذاكرته من غضبه من عدم معرفته نفسه كان قادراً على جرحها اكثر من اى انسان آخر رجلاً كان ام امرأة .
عادت ديانا وجلست فى مقعدها ثم قالت وهى تنظر الى انطونيا:
- ومتى ستعودين الى الولايات المتحده يا انطونيا؟.
- لست متأكدة بعد فمن المتوقع ان ينهى والدى اعماله فى البرازيل فى غضون اسبوع وربما اعود معه...او...وحولت بصرها الى ماثيو ثم اكملت:
-او ربما امكث مع خالتى وزوجها فهما يحبان ان ابقى معهما .
قالت ديانا :
- ربما ستشعرين بالوحدة.
- ولماذا اشعر بالوحدة؟ ما دمتِ انت وماثيو هنا؟ وهناك ايضاً رينالدو على فكرة لاحظت انه مأخوذ بك يا ديانا فأنا لم اره يتصرف من قبل كما تصرف معك .اجبرت ديانا نفسها على المحافظة على الهدوء:
- انت تبالغين يا انطونيا ولكن ماذا اريد من رجل مثله وماثيو عندى؟.
التوت شفتا انطونيا وقالت:
- نعم معك حق لم يعد ماثيو يطيق تلك المجادلة المملة.
فقام وهو ينظر الى ساعته قائلاً:
- لقد تأخر الوقت يا انطونيا هيا سأرافقك حتى منتصف الطريق .
وقفت ديانا ايضا وقالت:
- دعى ذلك لماثيو فـ انتون الخادم هنا وسوف يرفقها الى بيتها.
رد ماثيو بأختصار:
- اريد ان اخرج لاشم بعض الهواء.
ولكنها لم تستسلم بل قالت :
- اذا سأرافقكما.
- لكنك لم تفعلى ذلك من قبل؟.
- اعلم هذا لكنى احتاج الى التمرين .
ملَّت من ذلك الحوار فقالت:
- استطيع العوده الى البيت بمفردى .
قالت ديانا بحزم وهى تشعر بأنها فازت فى هذه الجوله:
- ولكننا لا نقبل بذلك .
وضعت سترة سميكة فوق كنزتها وامتطت فرسها دون ان تتلقى مساعدة ولكن ماثيو قدم هذه المساعدة لأنطونيا عندما امتطت فرسها ثم عمد الى امتطاء حصانه المتعالى ،ذلك الحصان الاصهب الذى يصبح شيطاناً حين يطيب له .
كان الهواء عليلاً وكانت النزهة خارج القصر ممتعة، ضجرت ديانا من الخطوات البطيئة التى اعتمدتها انطونيا فاطلقت العنان لفرسها تجرى بها كيفما تشاء بعيداً عنهما حتى قاربت ضفة النهار كل شئ كان جميلاً وجذاباً فظلال اشجار الصنوبر القريبة من الماء والروائح والعطور العابقة تسحر العقول والمياه الاتربه اقل حركة عما كانت عليه البارحة حين هطل المطر بغزارة حتى وصلت الى ضفاف النهر . القت ديانا نظرة على ما حولها رأت انطونيا وماثيو يتبعانها كما رأت انتون قد لحق بها وهو يتبعها كظلها ركلت الفرس فى خاصرتها فراحت تعدو بسرعه غير مكترثة بتصرفها الصبيانى هذا فركوب الخيل بالنسبة لها كان تسلية طبيعية .
جتازوا النهر الى الضفه الثانيه حيث الاشجار تنعم بالبراعم والازهار الملونة تأخر الوقت وبدأت الشمس تختفى وراء الجبال مرسلة ظلالا واسعه على اطراف الوادى اوقفت ديانا رسها تنتظر وصول الباقين بعد لحظات وصلت انطونيا والى جانبها ماثيو فنظر ماثيو الى آنتون قائلاً:
- سيرافقك آنتون من هنا... اما انا قسأرافق زوجتى الى البيت.
- لاحاجه الى ذلك فليعد آنتون معكما لا احتاج الى مرافق...(اجابت انطونيا بغضب).
عضت دياناعلى شفتها لقد حاولت انطونيا ان تظهر غضبها الم يلحظ ماثيو ذلك؟ورغم غضبها ذاك لم يقل شيئا فكان ان حيتهم انطونيا وابتعدت على حصانها تطلعت ديانا ورائها وتساءلت عما اذا كان ماثيو نفسه قد ارتاح لرفض انطونيا مرافقة انتون لها فعلى الاقل تكون قد وفرت عليه مرافقتها للبيت وحدها اشعرها هذا بألم فى معدتها وعلى الاثر ركلت الفرس فى خاصرتها مطلقه لها العنان حتى تعدو مسرعة.
كانت ديانا عند النهر تسقى فرسها حين وصل كل من آنتون و ماثيو الذى ترجل عن فرسه وامسك بذراعها ليديرها اليه ثم قال:
- لقد سئمت تصرفاتك يا ديانا منذ وصول انطونيا ظهر هذا اليوم وانت تقومين بمشهد تلو الآخر لن اقبل بذلك هل تفهمين؟.
حاولت ديانا ان تخلص نفسها منه ولكنها لم تستطع فعل شئ ازاء قوته:
- انك... انك تؤلمنى! لم اقم بأى مشاهد! الا يحق لى ان ادافع عن نفسى حين اهاجم؟.
- ومتى هوجمت؟.
- حين اتيت الى غرفتى ودخلت رغما عنى..
- هذا صحيح ولكن لو تركت الباب مفتوحاً لما حصل ذلك.
- آه صحيح؟.. ماثيو انا لست طفله.
-اذا دعك من تصرفات الاطفال.
- كيف... كيف تجرؤ على قول هذا؟.
-اجرؤ لانى ما عدت اقوى صبراً على تصرفاتك الحمقاء! تقولين ان زواجنا لم يكن طبيعياً قبل الحادث.. حسنا هاكِ المفاجأه! اصدق ما تقولين.
- ماثيو انت لا تفهمنى.
- هيا امتطى فرسك سنعود الى القصر.
عندما وصلت الى القصر صعدت الى غرفة عمتها ومنها الى غرفتها كانت تشعر بأنه لم يفرغ غضبه كله ولكنه لم يكن هناك بل ان الباب الفاصل بين غرفتيهما موصد بأحكام بعد انتهاء وجبه العشاء تلك الليلة اختفى ماثيو ولم تجرؤ ديانا على ان تسأله عن وجهته فصعدت الى غرفه عمتها لكن ما اعظم ما كانت دهشتها حينما وجدته فى مقعده قابعاً يقرأ كتاباً.. لم تر للمرضه بيترز وجهاً انه اعطاها فترة من الراحة واستلم هو مكانها وبما انه لم يتفوه بكلمة ادارت ديانا ظهرها وتوجهت الى غرفتها فى الصباح قامت من سريرها وارتدت سروالاً وقميصاً وسرحت شعرها واسدلته على كتفيها ثم نزلت الى الصالة ومنها الى غرفة الطعام
وجدت ماثيو قد سبقها اليها فأقتربت واتخذت لنفسها كرسياً على المائدة ثم قالت:
- صباح الخير! هل تفقدت عمتى؟ كيف حالها هذا الصباح؟.
ابعد نظره عن طبقه وقال:
- انها تتحسن ببطء..
- آه, آه الحمد لله لم اكن اعلم انك كنت تجلس معها مساء البارحة.
انهى فطوره وابعد طبقه جانباً.
- لم اكن اعرف انه يجب ان اطلعك على تحركاتى مسبقاً.
احمر وجه ديانا وقالت:
- انا لم اعن هذا! آه ماثيو فللنس مشاجرات البارحة ونتعامل مع بعضنا البعض كشخصين عاديين.
احضرت تانيا القهوه وحين رأت ديانا ابتسمت لها وسألتها :
- ماذا تودين ان تتناولى يا سينيورا؟.
- لا اريد ان آكل شيئاً..قهوة فقط .
قال ماثيو :
- ستموتين من الجوع ان سرت على هذه الحال فوجهك يبدو شاحباً.
قالت ديانا بحنق:
- شكرا لكن هذا ..
قال ماثيو:
- لا تكونى سريعة الغضب هكذا فاذا كانت اول مبادرة اتفاق ستتهشم امام المواجهة الاولى فليس من الضرورى المضى فيها..
سكبت ديانا فنجاناً من القهوة وراحت تحركه:
- ليس هناك ايه امرأه فى الكون تقبل ان يقال لها انها شاحبة باهتة.
- ولكنك بالفعل شاحبة وان كان شحوبك هذا لم يغير فى جمالك البتة بحق الله لا تسيئى فهمى انا لن اتابع ما بدأناه ذلك المساء لقد وضع ما جرى بيننا حاجزاً من التوتر انا آسف لكننى رجل وهذا هو عذرى الوحيد لقد فهمت اخيراً انك تعانين من مشاكل فى اعصابك اناآسف يا ديانا .
نظرت اليه بدهشة فآخر ما كانت تتوقعه منه هو الاعتذار:
- هدئى روعك يا ديانا ولا تتصرفى كأرنب مذعور كلما اقتربت منك .
قبل ان تتفوه بكلمة سمعت ضجة فى الساحة ظهر بعدها الطبيب غيارمو:
- صباح الخير اعلم ان الوقت مبكر ولكننى مرتبط بزيارات كثيره ففكرت فى زياره عمتك .
لقد سرت ديانا بقدومه المفاجئ ووقفت تحييه ثم عرضت عليه فنجاناً من القهوة لكن الطبيب اجابها:
- لا شكراً سأرى عمتك اولاً ديانا هل سترافقيننى؟.
- طبعا,طبعا!عندما كان يرتقيان الدرج مد يده الى جيبه واخرج منه مغلفاً وسلمه اياها قال:
- لقد وصلنى هذا المغلف من الرئيس هذا الصباح وقد وردت عليه ملاحظة ان اسلمك اياه على انفراد.
وقالت بشهقه:
- من هارى؟!
نظر اليها الطبيب حائراً ثم سألها:
- هل من خطب يا ديانا؟لماذا اخافتك هذه الرسالة الى هذا الحد؟.
- لست خائفة ايها الطبيب,شكراً..شكراً لك جزيلاً.. والآن اعذرنى!فتحت الرساله بيدين مرتجفتين خوفاً فقد كانت تتوقع ما كتب فى الرساله كانت كلمات هارى مختصرة ومؤدبة"لقد اجرت السلطات فى ريو كشفاً عن ركاب الطائرة هل يمكنك المجئ الى كيرانوفا بضعة ايام؟ ثمة ما لا استطيع مناقشته فى الرساله.هارى"لم يذكر هارى فى رسالته اسماء ولم يعرّف عن الركاب او الطائرة التى تحدث عنها لقد كان فعلاً شديد الحرص والحذر مزقت ديانا الرساله بغضب ورمتها فى سلة المهملات عليها ان تذهب الى كيرانوفا بالطبع فكيف ترفض؟ وهارى عاملها بتفهم. نزلت ديانا الى الصاله فوجدت ديانا تخيط كعادتها فسألتها:
- اخبرينى كلوديا هل تعتقدين ان عمتى تغضب لو قضيت بضعة ايام فى كيرانوفا؟.
دهشت العجوز فقالت:
- كيرانوفا يا سينيورا؟.
- نعم اريد ان ازور هارى ومارشا.
- وهل الوقت مناسب للزيارات يا سنيورا؟.
- يرى الطبيب غيارمو الفكرة جيدة.
- ما الذى اجده فكرة جيدة؟.
كان السائل هو الطبيب نفسه التفتت اليه مارشا فرأته يتوجه اليهما:
- ان ..ان ازور هارى ومارشا.
رفع الطبيب حاجبيه مستغرباً ثم قال:
- ولكن حين طلبت منك ذلك البارحة قلت انه لا حاجه بك الى الذهاب..
- اعلم ..اعلم ولكننى فكرت فى الامر.
- آه فهمت ارجو الا يكون هارى قد انبأك باخبار سيئة.
تناول سيجاراً ثم قال:
- هل مارشا بخير؟.
- نعم اعتقد ذلك اعنى..نعم انها بخير لقد دعانى الى زيارتهما هذا كل ما فى الامر لأكون برفقة مارشا على ما اعتقدكانت تلوى اصابعها خلف ظهرها وهى تتكلم صحيح حين يشرك انسان ما نفسه فى احبولة من الغش والخداع فأنه يصبح عالقاً فيها اكثر حين يحاول ان يخلص نفسه..
- انا اوافق فمن الخير لك فى ظروف كهذه طلب الراحة ومتى تنوين الذهاب؟.
- ربما..ربما غداً.
- هل اخبرت ماثيو؟.
- ليس بعد ..
هز غيارمو رأسه وهو يشعل سيجاراً ثم قال:
- انها فرصة مناسبة يرى فيها بقية البلدة.
- ماذا تقصد؟.
- حسناً من الطبيعى ان يرافقك.
- لا! اعنى... اظنه يفضل البقاء هنا.
- بل عليه الذهاب لأن فى ذلك افادة لها.
نزعجت ديانا كثيراً لأن الامور لم تسر كما خططت لها، لقد استعانت بالطبيب ولكنها لم تعرف انه سيقترح ان يرفقها زوجها.
- ما رأيك بفنجان من القهوة الآن ايها الطبيب؟.
- بكل سرور شكراً لك يا ديانا.
قامت ديانا لتعد القهوة.. وحين عادت وجدت الامور قد ازدادت تعقيداً كان ماثيو يقف قرب الموقد يصغى الى حديث الطبيب وهو يخبره انها استلمت رسالة من ابن عمها هارى الذى يطلب منها ان تزوره سألها ماثيو وهو ينظر الى وجهها الشاحب:
- هل هذا صحيح؟.
- نعم هذا صحيح .
وضعت صينيه القهوة على الطاولة ثم نظرت اليه بأرتباك ثم قالت:
- اخبرت الطبيب انك لا تود مرافقتى..
عجب ماثيو من كلامها ثم قال:
- ولماذا اخبرته بذلك؟ يسعدنى بالطبع الذهاب برفقتك؟.
- حسبتك تفضل البقاء هنا.
- لماذا؟.
ابتعدت ديانا وهى غير قادرة على تمالك نفسها من الانكسار امامه ارادت ان تصرخ ولكنها قالت عوضاً عن ذلك:
- حسنا لم لا؟لقد خرج الامر من يدها ولم يعد عليها الا الراحة لئلا تنهار اعصابها كلياً.

**************

في صباح اليوم التالي، انطلقوا الى المطار بواسطة اللاندروفر، كان صباحاً جميلاً بالفعل، الشمس فيه مشرقة والسماء زرقاء صافية.
كانت دياناعلى معرفة سابقة بطيار الهليوكوبتر(الطوافة) فهو صديق قديم لهاري وخمنت ان يكون هاري قد اوصاه ان يبقى هناك لحين تقرر هي المجيء..طبعا لم تعلم عمتها برحيلها، فهي كانت لاتزال نائمة وقد وعدهما الطبيب بأن يجدا العمة وقد تحسنت كثيراً لدى عودتهما.
سرت قشعريرة في جسم ديانا لدى سماعها ذلك. .ليس السبب عدم رغبتها في ان تشفى عمتها، بل لانها لم تعد متأكدة ما اذا كان هذا الرجل سيعود معها ام لا، فلو توصل هاري لمعرفة هويته الحقيقية، فمن الممكن ان ينكشف اللغز.
تملكها خوف شديد من جراء هذا الاستنتاج.. حاولت ان تخرج نفسها من ذلك الشعور، لكنها كانت تعلم ان القصر سيصبح مكاناً بارداص وموحشاً بدون ذلك الرجل الغريب.
تساءلت عما ستقول لعمتها حين تعود بدونه.. هل ستقول لها ان ماثيو عاد الى انكلترا ؟ ام تقول انهما انفصلا ولن يعودا ابداً؟ بدا لها الوضع اكثر تأزما عما كان عليه حين وصلت الى مونترافيرد.
تطلعت من نافذة الطائرة التي الى جانبها غير قادرة على ايجاد حل ملائم لمشكلتها.
استطاعت ديانا خلال الاسابيع التي امضتها في القصر ان تتخلص ولو لفترة قصيرة من ذكريات قساوة زوجها ماثيو ، ولو ان عمتها لم تتلق تلك الازمة الحادة لما اخفت عنها وفاة ماثيو ولما وصل بها الامر الى الغش والخداع.
لم تكن ديانا تتصور ابداً بأن كلمتها ستكون محط شك في يوم من الايام، غير ان وجود ذلك الرجل في الارسالية بدا لها كالمعجزة . .لكن المعجزات لم تحصل، فعاجلاً ام اجلاً سيتحطم وهمها كلياً.
تطلعت ديانا نحو مقدمة الطائرة حيث كان ماثيو.. كان عليها ان تدعوه ماثيو حتى ذلك الوقت.. كان يشارك الطيار عمله ويتعلم منه معاني الارقام والقياسات الكثيرة الموجودة امامها. كيف يستطيع رجل مثله ان يتقبل فقدان ذاكرته بهذه الروح المنشرحة؟ اليس قلقا بخصوص ذاكرته؟ الا يتساءل ان كان سيستعيدها ام لا؟ اليس عنده رغبة في التأكد من الهوية التي اعطته اياها؟هزت ديانا برأسها وهي لاتعرف سلاما.. انه لغز بحد ذاته، ثم وجدت نفسها تتساءل عمن يمكن ان يكون؟ فهو ذكي ومثقف، وخبير بأشياء عامة كثيرة.. انه سائق ماهر وفارس اصيل واكثر من هذا فهو خبير بشؤون الموسيقى والادب.. مالعمل الذي كان يمارسه بحيث يمكنه الاختفاء لاسابيع عديدة دون ان يستخبر عنه احد؟ يمكن ان يكون اي شخص، واي شيء.
فكرت في امكانية ان يكون متزوجاً. .من يمكن ان تكون زوجته؟ هل هي جميلة.؟بدأت معدتها تؤلمها فهي لم تتقبل فكرة ان تراه مع امرأة اخرى كما رأته مع انطونيا ظهر البارحة، لقد احست بالغيرة ولا مجال للانكار، وعندها تأكدت انها قد وقعت اسيرة حبه وانها قد تفعل اي شيء لتبقيه بعيداً عن هويته الحقيقة.
كانت السيارة الرئاسة تنتظرهم حين حطت الطائرة في كيرانوفا.وعندها فقط رفع ماثيو حاجبيه وسألها: " اية خدمة؟".
نظرت اليه ديانا وقالت:شكراً.
لقد بدا جذابا في بذلته الرمادية الغامقة، تساءلت عما سيفعله ماثيو ان مدت يدها ولمسته.. احست برغبة قوية في ملامسته، ولكن كان عليها ان تركز تفكيرها حتى تجد عذراً منطقياً لقيامها بهذه الزيارة.
تقدم هاري منهما فسلم على ماثيو ثم امسك يد ديانا وقبلها قائلاً:
-انا مسرور برؤيتكما! تفضلا الى غرفة الجلوس فمارشا تتوق الى رؤيتكما.
قامت مارشا، المرأة الشابة والجميلة ذات الشعر الرائع وتوجهت اليهم ببطء.
-اهلا بك ديانا.
وراحت تقبلها بحرارة ثم سألتها:
-اذا هذا ماثيو!.
نظرت ديانا الى هاري بحدة فهز برأسه بينما كان مرافق ديانا يسلم على زوجة هاري وهو يبدي سروره بمعرفتها.
سألها ماثيو:-الم نلتق قبلاً؟.
اجاب هاري عنها:
-تذكرين ماثيو، اليس كذلك يامارشا.
فحملقت مارشا الى زوجها دهشة.
-طبعا التقينا انما منذ زمن بعيد ربما نملك ماهو مشترك، فأنا انكليزية ايضاً.
ثم تنهدت قليلاً واضافت:
-هل يمانع احدكم ان جلست؟ فأنا ... اشعر بالتعب من كثرة الوقوف.
اجابت ديانا :"طبعا لا".
لاحظت ديانا ان هاري ومارشا متفاهمين ومتحابين حتى بدأت تحسدهما على علاقتهما، نظرت الى ماثيو فرأت تعبيراً غريباً على وجهه ايضا.. فتسألت عما كان يجول في فكره..ان كل شيء يبدو طبيعياً وهادئاً . .ولكن ديانا شعرت بأن هناك ما يقلق كل من هاري ومارشا.
تناولوا الغذاء ثم راحوا يتحدثون عن احوالهم واعمالهم..اشغلت ديانا نفسها كثيراً في شؤون واعمال مارشا، فطفلهما الاول، الذي بدأ يحبو .. كان طفلاًً بريئا ، جميلاً ومحبوباً.
انتهوا من الغذاء وقاموا ليشربوا القهوة وادركت ديانا ان لحظة القرار الاخير قد حانت حين قالت مارشا ان هاري قد تحدث الى المحامي تورنتو بشؤون عمتها وانه يريد مناقشتها بذلك، ثم اقترحت ان يلحق بها ماثيو الى غرفة الجلوس، ليتحدثا عن انكلتراوافق الجميع على الاقتراح الا ان ديانا احست بعيني ماثيو تراقبانها بريبة.
دخل هاري وديانا الى غرفة المكتب وهو يقول:
-حسنا ، ياديانا ، الم يسترجع ذاكرته بعد؟.
-لا....هل عرفت من يكون؟.
اجاب هاري نعم ثم قدم لها سيجار وحين رفضت اشعل واحدة لنفسه ثم تابع:
-الم يلح عمن يكون؟.
اجابت ديانا وقد نفذ صبرها:-ارجوك ياهاري، اخبرني، من هو؟.
-اسمه آدم ونتربورن وهو مهندس متعاقد مع شركة مهندسي البناء في لندن . مستر كنت ويل مديرهم العام سيصل الى هنا في غضون ايام قليلة.
امسكت ديانا خديها بكلتا يديها ثم ارتمت على المقعد القريب من طاولة المكتب وقالت:
-لكن الم يلاحظ احد اختفائه قبل الآن؟ يالله، لقد مضت اسابيع عدة!.
-علمت ان الحكومة البيرية متأزمة بعض الشيء.
-الحكومة البيريه! ومادخل الحكومة البيريه بهذا؟.
-آه ، انا آسف .. لم اشرح لك الامر بالتفصيل، ولكن ما اعرفه انه كان في ريو، في طريقه الى ليما .. ليشرف على بناء جسر حديدي فوق المنطقة، وقد ظن زملاؤه في الشركة في لندن انه من الطبيعي ان يكون في البيرو، وبما انه لم يصل الى البيرو ولم تردهم عنه اية انباء، فقد اتصلت وزارة الحكومة البيريه التي كان متعاقداً للعمل معها بالمكتب في لندن ولكنهم لم يعرفوا ان ونتربورن لم يصل بسبب الارتباك الحاصل هناك، وبسبب بعد المسافة بين البلدين.
قالت ديانا وقد بدا وجهها شاحباً:-قلت ان مدير الشركة قادم الى هنا؟.
-صحيح . .هذا ما عرفته البارحة من ادارة الخطوط الجوية.
هزت ديانا رأسها وقالت:-اذا انتهى كل شيء.
تنهد هاري وهو يطفئ سيجارة ثم قال:
-كنت تعلمين ان هذا سيحصل عاجلاً ام اجلاً. .ليتك تنجحين في اقناعه بأن ماجرى كان غلطة.
-ماذا.. ماذا اخبروك عنه ايضا؟ اعني هل هو متزوج؟.
-لا استطيع الجزم، فالمعلومات التي وصلتني لا تتعلق بحياته الخاصة.
تنهدت ديانا ثم قالت:-وماذا سنفعل؟.
-لا اعرف.. اخبريني ديانا هل تعرفين شيئاً عن وضع عمتك المالي؟
-وما شأن وضع عمتي المالي الآن؟ ماعلاقته؟.
ارتبك هاري وهو ينظر اليها:-ربما له كل العلاقة!.
-لماذا؟.. لماذا يجب ان اطلع على شؤون عمتي ؟ ولماذا تسألني؟.
تنهد هاري ثم قال:
-حين ارسلت لك تلك الرسالة البارحة طالباً منك المجئ الى هنا لم يكن ذلك بسبب الرجل الغريب...آدم ونتربورن فقط.
-ارجوك ياهاري، كف عن الالغاز..ثم اخذت نفساً عميقاً واضافت..انتظر لحظة! لقد قالت مارشا انك اتصلت بالمحامي تورنتو.
-لا. تورنتو هو من اتصل بي.. فقد ... فقد تلقى رسالة من عمتك...
-ولكن عمتي غير قادرة على كتابة الرسائل.
-اعرف هذا، ولكن شخصاً ما كتبها لها.
-من ؟ الممرضة بيترز؟.
-اعتقد ان عمتك لن تفشي امر رسالة كهذه الى شخص غريب.
-رسالة كهذه؟!
-نعم رسالة تتعلق بشؤون عمتك المالية.!
اضطربت ديانا كثيراً ثم قالت:-ماليات عمتي؟ اذا من كتبها؟ وماذا كتب فيها؟.
-انه الرجل الذي تعتقد عمتك انه ماثيو.. اعني ونتربورن.. هو الذي حرر لها الرسالة.. اترين كيف اختلطت الامور ببعضها ؟!
-مالذي تقوله؟ لماذا تطلب من ماثيو ان يكتب لها رسالة ؟ لماذا هو لا انا؟.
-الرسالة تتعلق بك .. انت تعلمين ان عمتك ورثت عن والديها ثروة كبيرة وكان من المتوقع ان تعود هذه الثروة اليك .
-نعم.
-حسنا ، حين كنت في المدرسة ، احست عمتك بوحدة قاتلة فقررت ان تسلي نفسها بتشعيل اموالها.
-بسوق الاسهم؟.
-شيء من هذا القبيل.. ولكنها لم تستشر احد حتى محاميها في كيرانوفا، بل اوكلت ذلك الى محام اخر.
تنهد هاري ثانية ثم اضاف:- ان ما اقوله سيتضح الآن.. بقيت وصيتها الاساسية مع تورنتو فظل الناس يعتقدونها ثرية.. لقد بذلت قصارى جهدها لتختار لك زوجاً مناسباً.
-كانت تعتقد ان ماثيو ثري؟.
-لهذا اذا طلبت ان ترى ماثيو .. في مونترافيرد! ارادت ان تتأكد بأني لست معدمة الحال.
كانت تخشى ان تطلعني على الحقيقة ان انفصلت عن ماثيو.
-هذا ما اعتقده... حين وصل ماثيو .. او الرجل الذي كانت تظنه ماثيو ... انتهزت الفرصة وطلبت منه الاتصال بالسيد تورنتو الذي شرح له الظروف.
-هذا يعني ان ذلك الرجل .. ونتربورن.. على علم بحقيقة وضعي المالي الحالي.-هذا ما اخشاه، مع اني اشك في ان يكون له تأثير في هذه الظروف.
عضت ديانا على شفتها بقوة ثم قالت:-بل له كل التأثير ياا هاري! الا ترى ما قد يضنه حين يعرف الحقيقة؟ لن يصدق ما تريد ان يصدق! سيظن انني اختطفته لاحمي نفسي.
-ولماذا يظن ذلك؟.
-او تسأل لماذا... لاننا تعمدنا اخفاء الحقيقة عنه!.
-آه ديانا، ارجوك، لا تضخمي الامور .. ان ونتربورن سيكون مسروراً بعودة هويته اليه ولن يأبه باي شيء اخر.
-لكنك لاتعرفه يا هاري. .انا فقط من يعرفه.
- والان ماذا ستفعلين؟ هل ستخبرينه انت ام اخبره انا؟ أو تنتظرين حتى يصل ويل؟.
تجهم وجهها وقالت:
-اظنني سأخبره بنفسي.
-حسناً جداً، ومتى ستفعلين ذلك؟.
-آه لا تدفعني هاري .. امهلني بعض الوقت فافكاري مشتته الآن.
-طبعا ، طبعا ، انا آسف اترغبين في تناول فنجان قهوة؟.
-لا شكراً لك . .اتعرف يا هاري لقد حرمت في خلال عشرين دقيقة الزواج والثررة معا!
-لا تيأسي ياديانا.
-لست يائسة.قالت ديانا ذلك وهي ترسم ابتسامة باهتة على وجهها ثم اضافت:-بل صدق يا هاري انني اشعر براحة عارمة حيال عمتي ربيكا .. فلم اعد على الاقل المخادعة الوحيدة . ولكنني اتمنى لو .. لو.
-لو لم يظهر ذلك الرجل .. ونتربورن؟.
احنت ديانا رأسها وبدأ الدم يغزو وجنتيها ثم قالت:"ربما".
-بحق الله هل تورطت مع هذا الرجل ؟ .
-لا، لم...لم...قاطعته ديانا وهي تحاول حبس دموعها..لم اشاركه فراشه؟ آه لا، لا، لم افعل ذلك ، وليتني فعلت...
-لست جادة في ماتقولين.
-آه لكنني حقا جادة.
-تعنين انك... انك سمحت لنفسك بالانجذاب اليه؟سألها هاري وهو يضرب بقبضته على يده الاخرى..يالهي... لماذا يا ديانا... لماذا؟.
ارتعشت ديانا ثم قالت:-هل يحصل هذا بمشيئة الواحد منا؟.
-يالهي! ديانا، يبدو انك بدأت تقومين بمغامرات سخيفة...
-نعم ، صحيح، اليس كذلك؟ آه، لماذا سيأتي هذا الرجل ويل الى هنا الآن؟لماذا لم,,, لماذا لم يختف آدم حالاً؟.
- رحلة الى .. عالمه..

اقيمت في القصر الرئاسي وليمة عشاء رسمية غير ان آدم وديانا لم يدعيا اليها. لذا امضيا المساء في غرفة خاصة مع مارشا. كان مساء هادئاً الا ان آدم وجد الراحة حين اخلد الى غرفته.
كان بحاجة للاختلاء بنفسه ليفكر في ما يفعله خلال اقامته في العاصمة، يجب ان يعرف عن نفسه ليطمئن اصدقاءه واقاربه،ولكن الوضع راح يتعقد اكثر فأكثر يومياً.
كان يرغب بادئاً في معرفة السبب الرئيسي الذي دفع ديانا الى ذلك الادعاء، ولكن بعدما امضى معها وقتاً طويلاً في القصر، ادرك وضعها وقدر خوفها من سيطرة عمتها ربيكا، لم يدرك سبب قلق عمتها الزائد على سعادتها الا بعد ان طلبت منه تحرير تلك الرسالة الى المحامي تورنتو.
كانت السيدة الكبيرة قد افلست وكانت تعتمد على اموال زوج ديانا لتكون كفيلة بإسعاد ابنة اخيها،ولقد اخبرته انها اقترحت على الاب جورج ان يدخل ديانا الى الديرفي ذلك الوقت، كان يستمع للعمة بفتور ولا مبالاة ثم اعتراه شعور بالقلق والخوف خاصة وقلبه يختلج بالعواطف تجاه ديانا...كان يحتقرها في البدء ويزدريها لانها خدعته وكذبت عليه، ولم يكن يراعي شعورها او يقدر الظروف التي اوجبتها على فعل ذلك، ولكن فيما بعد ، تبدل رأيه اي تبدل..
كون آدم فكرة واضحة عن زوجها من خلال اقوال العمة ومن خلال تصرفات ديانا وهي فكرة سيئة فلا احد ينكر ان ردة فعل ديانا عندما يلمسها اي شخص كانت تنم عن خوفها وذعرها فقد كان الذعر يستولي عليها كلما اقترب منها او حاول لمسها،وقد ظن انها احدى اولئك النساء اللواتي لايقدرن على التجاوب مع حاجيات الرجل حتى كانت تلك الليلة في بيت خالة انطونيا .. تلك الليلة اراد ان يختبرها فأذا بها.. امرأة دافئة ومتجاوبة وهنا بدأ المه وكربه فعلى الرغم من خداعها له ، بدأ يريدها ، نعم يريدها بكل جوارحه، لا لفترة محددة بل للعمر كله.. ارادها زوجة تشاركه حياته، تنجب اطفاله .. لقد احبها، لكنها زوجة رجل اخر،وقبل ان يتمكن من استيعاب المشاكل الحاصلة، حدثت هذه الرحلة الى كيرانوفا، فادرك انها نهاية علاقتهما، فربما اكتشف ابن عمها هاري هويته الحقيقة او ربما كانت السلطات تطالب بعودته،ولكن احداً لم يتفوه بكلمة، بل ان ديانا لاذت بالصمت طيلة المساء اما هو فشعر بالذنب لانه التزم الصمت وتركها تنسج شركها بهدوء.
حينما كان يستحم قرر الاتصال بالسفير البريطاني ليشرح له ظروفه ثم بعد ذلك يسرع للعودة إلى لندن.ولكن ماذا عن ديانا ؟ ماذا ستفعل ؟ واين هو ماثيو سليس الحقيقي؟ هل كان ماثيو شريكها في هذه اللعبة ؟ لا هذا غير معقول ،لقد غامرت حين دعته زوجاً فهل يمكن ان تفعل ذلك إن كان هناك امل في رجوعه ؟ إذا اين هو ؟ في إنكلترا؟.
هز ادم رأسه إن مجرد التفكير في وجود رجل آخر مع ديانا يجعل معدته تنقبض وتتألم...ارتدى بيجاما حريرية وارتمنى على السرير ثم اشعل سيجاراً وراح يدخنه وهو يجول بنظره في انحاء الغرفة كانت غرفة جميلة جداً مفروشة بطريقة فاخرة في ارضها سجادة بنية اللون تنسجم بين غرفته وغرفة ديانا.
عض على شفته هو يفكر .. لاشك في ان هاري وزوجته يدركان تماماً انه ليس زوج ديانا ، فليس من عادة اهالي هذه البلدة ان ينام الزوجين في غرفتين منفصلتين.. لا ، لقد كان واضحاً، انه هنا كما في القصر ، كانت الجهود مركزة علنياً ، ربما كان عليه إبقاء علاقتهما افلاطونية.
تأمل طرف سيجارة المشتعلة ، ربما كان احمق ، ربما اخطأ بشأن ديانا ، ربما كان عليه ان يجبرها على تلبية رغباته في الحصول على حقوقه الزوجية بدل انتظارها واحترام مشاعرها .
تنهد آدم تنهيدة عميقة .. فهو لم يكن يفعل ذلك لأنه ليس حيواناً إنما إنسان لايوجد ضرورة في إكراه المرأةعلى تلبية رغباته فهو رجل تتمناه أية امراة .. اية امراة .. على الإطلاق كأنطونيا اغيري.
أنطونيا أغيري هز رأسه ، لقد سعى إلى ملاقاتها في اليوم التالي محاولاً ان يثبت لنفسه انه كان يسخر منها من ديانا لكنه لم ينجح . ففي اللحظة التي عاد بها إلى القصر ووجدها قد اقفلت الباب الفاصل بينهما ، تملكته رغبة في تحطيم ذلك الباب ولكن عندما فتحت ديانا الباب اراد ان يعانقها ويعانقها حتى تستجيب له . وهذا ماكان سيحدث لو اقدم على معانقتها فحينما يمسكها بين ذراعيه كانت تهدأ وتذعن له..لكن هذا ليس كافياً ، فزوجها الحقيقي مازال موجوداً.
انتصب في سريره كالأسد الهائج ، لم يعد يستطيع الاستمرار في الغش والتمثيل ، فعليه بطريقة او بأخرى ان يضع حداً لتلك الأمور ولكن الله وحده يعرف كيف سيتم ذلك.
في الصباح التالي استيقظت ديانا باكراً وارتدت ثيابها وحين علمت ان مارشا غير معافاة ذلك الصباح شعرت براحة يشوبها شعور بالذنب ، ذلك انها لم ترغب في ان تراها بذلك اليأس والقنوط.
جلست لتناول طعام الصباح بمفردها في غرفة الطعام الكبيرة في القصر الرئاسي وعندما لم يأت آدم لتناول طعام الفطور احست بوحدة مخيفة فقد راحت تفكر في انه حينما يكتشف هويته سيرحل للأبد . وحينئذ ماذا ستفعل؟لم ترغب في تناول اي شيء سوى القهوة فقد كان فكرها مشغولاً بإيجاد الكلام المناسب والأسباب المقنعة الكفيلة باقناع آدم .
كان هاري قد اخبرها ان ويل سيصل في ايام قليلة ربما يصل اليوم قبل ان تعترف لآدم بالحقيقة ،إنه امر مخيف ترى ماذا ستكون ردة فعله؟ ماذا سيقول؟ فهناك احكام وقوانين تمنع اعتقال اي شخص للمصلحة الشخصية وهل من الممكن ان تخطيء زوجة ماثيو سليس بالتعرف إلى زوجها طبعاً هذا امر مستبعد بل مستحيل ، ماذا لو قال إنها استغلت ظروفه لمصلحتها الخاصة؟ ماذا لو طالب بمحاكمتها ؟ كيف ستدافع عن نفسها؟ وماذا سيكون عقابها؟
قامت عن الطاولة وهي تتمنى ان يظهر امامها لتعترف له بالحقيقة وتطلب منه السماح.
صعدت إلى الطابق العلوي وراحت تفتش عنه وعندما لم تر له وجهاً نزلت إلى الصالة ورنت الجرس تطلب احد الخدم الذي سألته إن كان يعرف إلى اين خرج زوجها.
- نعم سنيورا لقد طلب السنيور سليس سيارة وخرج باكراً في حوالي الثامنة.
- خرج ؟ الم يقل إلى اين ذهب؟.
- لاياسنيورا ، قال إنه سيذهب لمشاهدة المدينة فقط .
بعد انصراف الخادم توجهت إلى غرفة الجلوس وهي تتساءل عن المكان الذي قصده ولماذا؟ لماذا لم يخبرها بأنه ذاهب لمشاهدة المدينة؟ وإن لم يذهب فأين هو ؟ هل عادت ذاكرته إليه بعد مجيئهم إلى كيرانوفا ؟ ام استعادها بعد ذلك الحديث المطول مع الطيار؟.
حان وقت الغداء وآدم لم يرجع .. عندما خرج هاري من مكتبه وجد ديانا بانتظاره شاحبة فنظر إليها متسائلاً:- ديانا ماذا هناك ؟ ماذا حصل؟.
ثم امسك ذراعها واادخلها إلى مكتبه وهو يقول :- تعالي ياديانا . ماذا حدث؟.
- اختفى؟.
- ماذا تعنين؟.
- آدم . . لقد رحل طلب سيارة هذا الصباح ورحل عند الساعة الثامنة.
- ماذا؟ ومن سمح له باستعمال إحدى السيارات الرسمية ؟.
- وهل كان يحتاج إلى تصريح ؟ آه حسناً.. اعتقد ان مارشا قالت لنا البارحة إننا نستطيع استعمال سيارة إن اردنا الخروج.
- خرج دون ان يذكر لك جهة سيره؟.
اجابت ديانا نعم ثم سحبت نفساً عميقاً:- آه هاري ماذا سيفعل؟.
- هدئي روعك .
دخل احد موظفي القصر وفي يده رسالة ثم قال: " هناك رسالة لك ياسيدي".
- حسناً اعطني اياها ، يمكنك الانصراف.
بعد ان خرج الموظف ، فتح الرسالة ثم قال :- هذه الرسالة من السفارة البريطانية يقولون فيها إن السنيور كنت ويل قد وصل صباح اليوم.
رددت ديانا الاسم مذعورة:- ويل .
- نعم، لقد جاء رئيس آدم طلباً لرؤيته.
- هل في الرسالة ذكر لآدم؟.
- لا، إنها فقط رسالة تبلغ ان ويل وصل فقد طلبت ان ابلغ حالما يصل.
- إذا اين ادم.
- لااعرف . . . ديانا ، هل انت متأكدة ان هذا الرجل ونتربورن لايعرف هويته الحقيقية ؟.
- طبعاً . . ولماذا تسأل؟.
- لاأعرف لكنني قلق.
- ماذا ستفعل؟.
- لاادري.
- والسيارة الرسمية؟ الاتخشى ان تختفي هي الاخرى؟.
- سأتصل بالكاراج واطلب منهم ان يعلموني في حال وصول السيارة.
- حسناً هاري.
رفع لويس سماعة الهاتف وطلب الكاراج الخاص بالقصر الرئاسي عندما اجابه المكانيكي شرح له هاري مطلبه ثم صرخ قائلاً :متى؟ وإلى اين اقلته السيارة؟.
خيم الصمت للحظات فنظرت ديانا بعينين معذبتين إلى هاري الذي وضع يده على السماعة ثم قال : لقد اعيدت السيارة إلى الكاراج منذ ساعة تقريباً والمكانيكي يقوم بالاتصال بالسائق ليعرف منه المكان الذي وصل اليه ونتربورن .
بعد لحظات قليلة أومأ هاري برأسه قائلاً: حسناً شكراً لك ،ثم اقفل الهاتف ونظر إلى ديانا قائلاً:- لا حاجة إلى الأعتراف بشيء ياديانا..
كان الفرار إلى مكان هادئ تداوي في آلامها العقلية والفكرية أفضل شيء تقوم به .
فانتظرت هاري حتى الرابعة واخبرته بقرارها ..عارضها هاري في البداية ولكنه سرعان مابدل رأيه حين رأى انها ستفتقد اعصابها كلياً وتنهار فكان ان وعدها بأن يتولى الموضوع بنفسه ثم بعد ذلك رتب لها موضوع رحيلها بطائرة رئاسية عائدة إلى القصر.
توفيت عمتها بعد ايام قليلة من عودتها إلى القصر وحينما سئلت عن زوجها ادعت انه اضطر للسفر إلى انكلترا بعد مراسم الجنازة لم تجد ضرورة في إطلاع كلوديا على حقيقة وضع العمة المالي فبعد ان تصفي حسابات عمتها ستضطر إلى ترك القصر لأنه يباع لتسديد الديون المتوجبة.
قبل ان تسوي امور عمتها العقارية تلقت ديانا رسالة اخرى من محامي ماثيو في لندن كانت تظن ان ممتلكات ماثيو قد سويت جميعها ولكن على مايبدو ان هناك امور ستضطر للسفر إلى انكلترا.
ارتبكت ديانا من الاخبار المكتوبة مجدداً، لقد كرهت ذلك البلد كثيراً ولم ترغب في مناقشة اية امور تتعلق بماثيو او تذكر به على الإطلاق لهذا ردت على محامي ماثيو برسالة تشرح فيها وفاة عمتها وتعتذر عن السفر إلى انكلترا وتطلب منهم ان يرسلوا لها بالأوراق..غير انها تلقت رسالة اخرى من المحامين يصرون فيها على سفرها إلى انكلترا لأن زوجها ارسل بطلبها احتقرت ديانا نفسها على فعل ذلك واحست بأنها اصبحت ماهرة في اختلاق الأكاذيب.
وصلت إلى لندن في وقت بارد ومتأخر من شهر آذار وكانت حبات المطر تذكر المرء بأن الشتاء مازال في بدايته ..حجزت غرفة في فندق صغير امضت فيه بقية نهارها مؤجلة لاتصال حتى صباح الغد فقد وجدت نفسها متعبة إلى اقصى حد.
في صباح اليوم التالي بقي الطقس على حاله مع ان المطر خف نسبياً.
تناولت طعام الفطور في غرفة الطعام الخاصة في ذلك الفندق ، ومن ثم قامت لتتصل بمكاتب المحامين.
اقترح عليها المحامي الذي اتصلت به اولاً ان تقوم هي بزيارة جميع المحامين في مكاتبهم ظهر هذا اليوم فشكرته ديانا واقفلت الهاتف.
كانت مكاتب المحامين في مبنى رمادي عال وهو مبنى قصدته مراراً في السابق لهذا عرفتها موظفة الاستعلامات وابتسمت لها قائلة:-السيدة سليس، اليس كذلك؟.
اجابت ديانا وهي تنظر الى نفسها لتتأكد من اناقة مظهرها:-هذا صحيح.
-في الطابق الاول، الباب الاول يميناً ياسيدة سليس.
-شكرا لك.
ارتقت ديانا الادراج الضيقة، وحين وصلت وجدت ابواباُ عدة دقت على الباب الاول منها وبعد ثوان سمعت صوت رجل يقول: "تفضل" .
ادارت مقبض الباب ودخلت الى الغرفة واسعة ومضاءة.. نظرت الى الرجل الواقف امام طاولة المكتب. .كان يرتدي بدلة رمادية وقميصاً من الحرير الخالص شعره اسود ناعم وهو بذلك صورة مصغرة عن رجل اعمال انكليزي ولكنه كان يعني لديانا اكثر من هذا بكثير.
.حدقت اليه مذهولة ثم ارتدت خطواتها الى الوراء لانها اقنعت نفسها انها ضلت الغرفة.هزت ديانا رأسها ثم قالت بصوت مرتجف:-انا... انا اسفة، لقد اخطأت الغرفة.
اقترب آدم ونتربورن منها نازعاً يدها عن المقبض، موصدا الباب باحكام:-لم تخطئي الغرفة يا ديانا فأنا الذي ارسلت بطلبك.
-انت ارسلت بطلبي؟.
اجابها آدم:"هذا صحيح".
ثم تناول سيجاراً من العلبة الموجودة على طاولة المكتب وأضاف :"ألن تجلسي؟".
هزت ديانا رأسها و قالت :-لا،شكراًلك ...
ثم نظرت حولها بخوف وأضافت :-لماذا .. لماذا أرسلت بطلبي؟.
أشعل آدم سيجارة قبل أن يجيبها :_ربما أحضرتك إلى هنا لأوقفك لأنك اعتقلتِ رجلاَ غريباً وادعيت أنه زوجك .
ذعرت ديانا وهي تتساءل :-أنت .. أنت تفعل ذلك ؟.
أمعن آدم النظر إليها ثم هزَّ رأسه قائلآ :-لا!لا! لن أفعل هذا ؟.
سألته وصوتها يكاد يختنق :-هل .. هل استعدت ذاكرتك ؟.
لوى آدم شفتيه و قال :-ماذا لو أخبرتك أن ذاكرتي عادت إليَّ قبل أن تنقليني من العيادة ؟.
لهثت ديانا ثم قالت :-هذا .. هذا ليس صحيحاً .
-ولم لا ؟.
-حسناً ، إذا لماذا سمحت لي بأن أقوم بما قمت به ما دمت تعرف من تكون ؟.-ربما كنت فضولياً .
ارتمت ديانا على المقعد فقد فقدت سيطرتها على توازنها ثم قالت :-إنك تربكني و تحيرني .
-ليس أكثر مما أربكتني أنتِ، صدقيني !
-و .. وكنت تعرف من تكون .. طوال الوقت ؟.
-هذا صحيح .
-لكن ، لماذا فعلت ذلك ؟.
-بل لماذا فعلتِ أنت ذلك .
-لأسباب أنانية بحتة على ما أعتقد . فأنا لم أستطع أن أخبر عمتي بأن .. بأن ماثيو قد قضى نحبه .
-أعرف هذا الآن .
قالت ديانا وهي تحدق إليه مذهولة :" تعرف هذا ".
-نعم أعرفه .. لقد أخبرني هاري بذلك .
-هاري ؟ أنت تكلمت إلى هاري ؟.
-آه، نعم تكلمت إليه منذ وقت طويل ...ثم عضَّ على شفته السفلى بقسوة و تابع يقول :-بالله عليك ديانا ، لماذا هربت ؟.
قال كلماته الأخيرة بنبرة مختلفة تماماً وكأنها صدرت منه رغماً عنه .
أحنت ديانا رأسها تجنباً لنظراته :
-هذا واضح طبعاً . .علمت أنك بعد .. بعد وصول ذلك الرجل ويل ، ستكتشف الحقيقة ، وكنت أخشى مواجهتك !.
أطفأ سيجاره في المنفضة و قال :-لكن لماذا ؟ لماذا لم تنتظري ؟ كنت تعلمين أنني سأعود .
-وكيف لي أن أعرف ؟ كيف لي أن أتأكد مما ستفعل ؟ فأنت لم ترسل أية كلمة ، بل اختفيت فجأة ؟.
-أعلم هذا ، ولكن حاولي أن تنظري إلى الموضوع من وجهة نظري أنا ، لقد ذهبت إلى السفارة ذلك الصباح لأشرح الوضع للسفير ، ولم أكن أعلم أن ويل قد وصل .. اللعنة ، لقد صادف أن السفير في كيرانوفا قد رافقه وحين رآني أفسد عليَّ كل الأمر . يا الله ، لقد احتجت إلى وقت طويل لأشرح لهم كل شيء . وكان هناك أشياء كثيرة أخبرهم إياها ، أظن أن الأمر كان غريباً . وقد اعتبرني ويل طائشاً و مغفلاً.
وضعت ديانا يدها على صدغها ثم سألته :-وحين رأيت هاري، ماذا أخبرته ؟.
-هو الذي أخبرني أشياء كثيرة .. وكان أول ما أخبرني به أنك رحلت ، وهذا ما زاد الأمور تعقيداً .
-ماذا تعني ؟.
-اللعنة ! وماذا تظنيني أعني ؟ كدت أدق عنقه حين أخبرني برحيلك . وكنت قد وعدت ويل بأن ألحق به إلى لندن في اليوم التالي ، ولهذا لم يكن باستطاعتي أن أتعقبك إضافة إلى أنني لم أكن أعرف أن ماثيو سليس ميت .
احمرَّت وجنتاها وهي تقول :" وها قد عرفت !".
-آه ، نعم ، عرفت أشياء كثيرة . .عرفت أن عمتك هي أجبرتك على الزواج به ، وعلمت أيضاً أنها كانت ستدخلك إلى الدير إن رفضت الزواج به ، وعرفت أيضاً كيف كان يعاملك ماثيو ... آه نعم ...واشتعل وجه ديانا بالاحمرار ثم تابع يقول .
-عرفت هذه الأمور ايضاً .. صدقيني يا ديانا ، إني أوافق هاري رأيه وأتمنى لو يأتي ليعلمني درساً آخر .. يا الله ما هذا الشعور ! انا لم أعتد أن أكون قاسياً بهذا الشكل ... على أية حال ، هذا بعيد كل البعد عن الموضوع الأساسي ، ماذا عرفتُ من هاري أيضاً؟ آه صحيح . سمعت أيضاً ان عمتك أرادت ان تزوجك ماثيو طمعاً بثروته وهذا ماكان يريده هو منها وكانت النتيجة زواجك من رجل لا تحبينه . وقد عرفت أيضاً انك لم تستطيعي إطلاع عمتك على وفاة ماثيو بسبب ازمتها القلبية الحادة تلك آه نعم أعتقد أنني على علم بكل شيء الآن .
-حسنآ ،يسرني أنك تعرف كل شيء الآن .. وأعتقد أن من واجبي أن أشكرك لأنك لم توجه لي تهمة ولكنني كنت أفضل لو أرسلت لي كل هذا على ورقة بدلاً من أن ترسل بطلبي شخصياً .
قالت ذلك بصوت مخنوق ثم أشاحت بوجهها وهي غير قادرة على مواجهة نظراته الممعنة .
تفوه آدم بعبارة غريبة ، ثم ماهي الا لحظة حتى كان يقف خلفها ، واضعاً يديه حول كتفيها جاذباً جسدها المرتعش إلى جسده القوي .
-ماهذا الذي تقولينه يا ديانا ؟ أنا لم أرسل بطلبك لأكلمك فقط .
ثم مال عليها يعانقها بشوق و شغف ، وقد راحت اصابعه تعبث بشعرها وتنشره على كتفيها كستارة حريرية ...استجابت ديانا قليلاً ، لكنها مالبثت أن أنتفضت من بين ذراعيه مبتعدة عنه وهي تقول وأنفاسها متقطعة :-لا ، لا ... هذا لن ينجح .
تجهًَّم وجه آدم وامتلأ حنقاً وصرخ في وجهها :-لماذا اللعنة عليك ، إني أعرفك جيداً يا ديانا .. لا يسعك أن تنكري رغبتك فيَّ!.
سوت ديانا شعرها و قالت :-لا،لا،لا يمكنني إنكار هذا ... ولو ...تقدم منها لاتعرف ماذا سيحدث .
ولكنها مدت يدها تحاول إبعاده :-لكن الأمر مختلف الآن ، أنا .. أنت تعلم .. على الأقل أنا أعرف الآن أنك لست زوجي ، و ... وأنا لست من أولئك النساء ....
-اللعنة ... ماذا تقصدين بكلامك هذا ؟.
-أعني ، بما أنني لم أكن . حسناً ... لم أكن خجولة هناك ، إلا أنني ماكنت لأوافق على عمل كهذا .
-بحق الله ، أيتها المرأة ! هل طلبت منك شيئاً ؟.
مشى في الغرفة و اقترب منها وشدها إليه بقوة غير عابئٍ بجهودها الممانعة ثم قال :-أريد أن أتزوجك ، أيتها الحمقاء الصغيرة ..وغمر وجهه يقبلات ناعمة .. يا الله ، إن لم تكوني لي أجن حتماً .
نظرت إليه ديانا ثم قالت :-ولكن .. لكنك قلت مرة إنك تذكرشجاراً مع زوجة ! هل .. هل كان ذلك تمثيلاً؟.
-كلا ، لم يكن تمثيلاً . .لقد كنت متزوجاً .. إلا أننا انفصلنا وقد توفيت طليقتي بعد انفصالنا .. ومنذ ذلك الوقت لم أفكر في الاتباط بأية انسانة حتى التقيت بك ، وتعرفت إلى هذه الحمقاء المغفلة ...ومال عليها يعانقها بكل جوارحه .
مرّ وقت قصير وهي مأخوذة بسحر عناقه ولكنها استفاقت من نشوتها مجبرة نفسها على التفكير منطقياً :-ولكن لماذا طلبت مني الحضور إلى لندن ؟ لماذا لم تقصد الوادي بنفسك ؟.
أبعد ماثيو شعرها عن وجهها ولفه خلف أذنها وهو يتحسس وجهها الناعم ثم قال:-لأسباب عديدة . أولها إني وعدت ويل بأن أخصص له بعضاً من وقتي ثم ابتسم ابتسامة صغيرة و تابع يقول ..لقد كان متفهمآ جدآ ، وقد منحني شهر إجازة لتمضية شهر العسل معك .. أما السبب الثاني فهو أنني أردتك هنا ، بعيداً عن تأثيرات عمتك . .آسف على وفاتها .. كان من المفروض ان أقدم اسفي قبل الآن ، ولكن هناك أشياء أخرى أقولها أخيراً ، أردتك أن تأتي إلى لندن لتتعرفي إلى مكان عملي وعلى الشقة التي أعيش فيها ... وإلى عالمي ! كل عالمي . العالم الذي ستسكنين فيه إن أصبحت زوجتي . أتعتقدين أنه بإمكانك التأقلم مع هذه المنطقة ؟.
قالت ديانا :-أعتقد أنه بإمكاني العيش حيثما تكون انت . ولكن ... ولكن ماّذا عن القصر ؟ عليَّ أن أبيعه حالاً.
-لماذا ؟ لا أحسب أن رهنه كبير جداً ، فإن أردت يمكن أن يصبح هذا القصر بيتنا ، فعملي يضطرني للتنقل في أنحاء العالم وما انكلترا إلا المركز .
-آه ما أروع هذا ! هذا مدهش ! لا أعرف كيف اشكرك .
-بل تعرفين يا ديانا .
جعلت اجابته تلك وجنتيها تتوردان من جديد ، فضمها من جديد إليه.


































ذ


























































































































































































































  #2  
قديم 07-22-2011, 12:36 AM
 
fantastique

:rose: :rose: :rose: waw. C'est romantique et élégant cette l'histoire
  #3  
قديم 07-22-2011, 05:29 PM
 
merci

merci ma belle vous etes tellement gentille:rose::rose:
موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
البرنامج محول الصةتيات 2009 افضل برنامج محول صوتيات ЯǒǑǒйĝ3ħ أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه 10 05-29-2013 03:45 PM
لو حكمت العالم ليوم واحد ماذا ستفعل ؟؟؟؟ الهادئة الجزائرية حوارات و نقاشات جاده 20 01-09-2011 11:44 PM
برنامج محول الصوتيات - محول الفيديو عربي 7 camera1 أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه 0 10-29-2008 08:24 PM
واحد بيحب واحد وبيرخم عليها وبيسالها انتى بتحبينى ليه؟ شوف قالت ايه ....... زهرة الياسمين أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه 9 02-13-2007 02:06 PM


الساعة الآن 02:36 PM.


Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.

شات الشلة
Powered by: vBulletin Copyright ©2000 - 2006, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لعيون العرب
2003 - 2011