عيون العرب - ملتقى العالم العربي

العودة   عيون العرب - ملتقى العالم العربي > عيون الأقسام الإسلامية > نور الإسلام -

نور الإسلام - ,, على مذاهب أهل السنة والجماعة خاص بجميع المواضيع الاسلامية

Like Tree4Likes
  • 2 Post By ودقرشي
  • 2 Post By ودقرشي
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 01-13-2013, 01:52 PM
 
اسرار الصلاة

أسرار الصَّلاة
و الفَرق و الموازنَة بين ذَوق الصَّلاة و السَّماع

للإمَام العلامَة أبي عَبد الله محمَّد بن أبي بَكر بن أيُّوب الزَّرعي الدِّمشقي الشَّهير بابن قيِّم الجَوزيَّة
691-751


يُنشَر لأوَّل مرِّةٍ على الشبكة المعلوماتية
اعتنى به
أبو عبد الله همَّام الجزائري

28/04/2004م








بسم الله الرحمن الرحيم

ربِّ يسّر و أعن يا كريم
قال الإمام محمد بن أبي بكر بن القيِّم الجَوزية رحمه الله تعالى .

فصلٌ

في الموازنة بين ذوق السَّماع وذوق الصلاة و القرآن ، و بيان أنَّ أحد الذوقين مباين للآخر من كل وجه ، و أنه كلَّما قوي ذوق أحدهما و سلطانه ضعف ذوق الآخر و سلطانه.

الصلاة قرة عيون المحبين و هدية الله للمؤمنين(1)

فاعلم أنه لا ريب أن الصلاة قرة عُيون المحبين ، و لذة أرواح الموحدين ، و بستان العابدين و لذة نفوس الخاشعين ، و محك أحوال الصادقين ، و ميزان أحوال السالكين ، و هي رحمةُ الله المهداة إلى عباده المؤمنين .
هداهم إليها ، و عرَّفهم بها ، و أهداها إليهم على يد رسوله الصادق الأمين ، رحمة بهم ، و إكراما لهم ، لينالوا بها شرف كرامته ، و الفوز بقربه لا لحاجة منه إليهم ، بل منَّة منه ، و تفضَّلا عليهم ، و تعبَّد بها قلوبهم و جوارحهم جميعا ، و جعل حظ القلب العارف منها أكمل الحظين و أعظمهما ؛ و هو إقباله على ربِّه سبحانه ، و فرحه و تلذذه بقربه ، و تنعمه بحبه ، و ابتهاجه بالقيام بين يديه ، و انصرافه حال القيام له بالعبودية عن الالتفات إلى غير معبوده ، و تكميله حقوق حقوق عبوديته ظاهرا و باطنا حتى تقع على الوجه الذي يرضاه ربه سبحانه.
و لما امتحن الله سبحانه عبده بالشهوة و أشباهها من داخل فيه و خارج عنه ، اقتضت تمام رحمته به و إحسانه إليه أن هيأ له مأدبة قد جمعت من جميع الألوان و التحف و التحف و الخلع و الخلع و العطايا ، و دعاه إليها كل يوم خمس مرَّات ، و جعل في كل لون من ألوان تلك المأدبة ، لذة و منفعة و مصلحة و وقار لهذا العبد ، الذي قد دعاه إلى تلك المأدبة ليست في اللون الآخر ، لتكمل لذة عبده في كل من ألوان العبودية و يُكرمه بكلِّ صنفٍ من أصناف الكرامة ، و يكون كل فعل من أفعال تلك العبودية مُكفّرا لمذموم كان يكرهه بإزائه ، و يثيبه عليه نورا خاصا ، فإن الصلاة نور و قوة في قلبه و جوارحه و سعة في رزقه ، و محبة في العباد له ، و إن الملائكة لتفرح و كذلك بقاع الأرض ، و جبالها و أشجارها ، و أنهارها تكون له نورا و ثوابا خاصا يوم لقائه.
فيصدر المدعو من هذه المأدبة و قد أشبعه و قد أشبعه و أرواه ، و خلع عليه بخلع القبول ، و أغناه ، و ذلك أن قلبه كان قبل أن يأتي هذه المأدبة ، قد ناله من الجوع و القحط و الجذب و الظمأ و العري و السقم ما ناله ، فصدر من عنده و قد أغناه و أعطاه من الطعام و الشراب و اللباس و التحف ما يغنيه .



تشبيه القلب بالأرض

و لما كانت الجدُوب متتابعة على القلوب ، و قحطُ النفوس متوالياً عليها ، جدّد له الدعوة آلة هذه المأدبة وقتا بعد وقت رحمة منه به، فلا يزال مُستسقيا ، طالبا إلى من بيده غيثُ القلوب ، و سَقيُها مستمطراً سحائب رحمته لئلا يَيبس ما أنبتته له تلك الرحمة من نبات الإيمان ، و كلأ الإحسان و عُشبه و ثماره ، و لئلا تنقطع مادة النبات من الروح و القلب ، فلا يزال القلب في استسقاء و استمطار هكذا دائما ، يشكو إلى ربه جدبه ، و قحطه ، و ضرورته إلى سُقيا رحمته ، و غيث برِّه ، فهذا دأب العبد أيام حياته.
فالقحط الذي ينزل بالقلب هو الغفلة ، فالغفلة هي قحط القلوب و جدبها ، و ما دام العبد في ذكر الله و الإقبال عليه فغيث الرحمة ينزل عليه كالمطر المتدارك ، فإذا غفل ناله من القحط بحسب غفلته قلة و كثرة ، فإذا تمكَّنت الغفلة منه ، و استحكمت صارت أرضه خرابا ميتة ، و سنته جرداء يابسة ، و حريق الشهوات يعمل فيها من كل جانب كالسَّمائم.
فتصير أرضه بورا بعد أن كانت مخصبة بأنواع النبات ، و الثمار و غيرها ، و إذا تدارك عليه غيث الرحمة اهتزت أرض إيمانه و أعماله و ربت ، و أنبتت من كلِّ زوج بهيج ، فإذا ناله القحط و الجدب كان بمنزلة شجرة رطوبتها و خضرتها و لينها و ثمارها من الماء ، فإذا منعت من الماء يبسَت عروقها و ذبلت أغصانها ، و حُبست ثمارها ، و ربما يبست الأغصان و الشجرة ، فإذا مددت منها غصناً إلى نفسك لم يمتد ، و لم ينْقَد لك ، و انكسر ، فحينئذ تقتضي حِكمة قيِّم البستان قَطع تلك الشجرة و جعلَها وقوداً للنار .

القلب ييبس إذا خلا من توحيد الله

فكذلك القلب ، إنما يَيبس إذا خلا من توحيد الله و حبه و معرفته و ذكره و دعائه ، فتصيبه حرارة النفس ، و نار الشهوات ، فتمتنع أغصان الجوارح من الامتداد إذا مددتها ، و الانقياد إذا قُدتها ، فلا تصلح بعدُ هي و الشجرة إلا للنَّار { فويلٌ للقاسية قُلوبهم مِّن ذكر الله أولئك في ضلال مُّبين} [الزمر :22] ، فإذا كان القلب ممطورا بمطر الرحمة ، كانت الأغصان ليِّنة مُنقادة رطبة ، فإذا مددتها إلى أمر الله انقادت معك ، و أقبلت سريعة لينة وادعة ، فجنيت منها من ثمار العبودية ما يحمله كل غصن من تلك الأغصان و مادتها من رطوبة القلب و ريِّه ، فالمادة تعمل عملها في القلب و الجوارح ، و إذا يبس القلب تعطلت الأغصان من أعمال البِّر ؛ لأن مادة القلب و حياته قد انقطعت منه فلم تنتشر في الجوارح ، فتحمل كل جارحة ثمرها من العبودية ، و لله في كل جارحة من جوارح العبد عبودية تخُصُّه ، و طاعة مطلوبة منها ، خلقت لأجلها و هيئت لها .

الناس ثلاثة أقسام في استعمال جوارحهم

و الناس بعد ذلك ثلاثة أقسام :
أحدهما : من استعمل تلك الجوارح فيما خلقت له ، و أريد منها ، فهذا هو الذي تاجر الله بأربح التجارة ، و باع نفسه لله بأربح البيع.

و الصلاة وُضعت لاستعمال الجوارح جميعها في العبودية تبعاً لقيام القلب بها و هذا رجلٌ عرَف نعمة الله فيما خُلق له من الجوارح و ما أنعم عليه من الآلاء ، و النعم ، فقام بعبوديته ظاهراً و باطناً و استعمل جوارحه في طاعة ربِّه ، و حفظ نفسه و جوارحه عمَّا يُغضب ربه و يشينه عنده.

و الثـاني : من استعمل جوارحه فيما لم تُخلق له ، بل حبسها على المخالفات و المعاصي ، و لم يطلقها ، فهذا هو الذي خابَ سعيه ، و خسرت تجارته ، و فاته رضا ربَّه عزَّ و جل عنه ، و جَزيل ثوابه ، و حصل على سخطه و أليم عقابه.
و الثـالث : مَن عطَّل جوارحه ، و أماتها بالبطالة و الجهالة، فهذا أيضا خاسر بائر أعظم خسارة من الذي قبله ،فإن العبد إنما خُلق للعبادة و الطاعة لا للبطالة .
و أبغض الخلق إلى الله العبد البطَّال الذي لا في شغل الدنيا و لا في سعي الآخرة.
بل هو كلّ على الدنيا و الدين ، بل لو سعى للدنيا و لم يسع للآخرة كان مذموماً مخذولاً ، و كيف إذا عطّل الأمرين ، و إنَّ امرء يسعى لدنياه دائما ، و يذهل عن أُخراه ، لا شكَّ خاسر.

تمثيل لهذه الأصناف الثلاثة

فالرجل الأول ، كرجل أُقطع أرضا واسعة ، و أعين على عمارتها بآلات الحرث ، و البذر و أعطي ما يكفيها لسقيها و حرثها ، فحرثها و هيَّأها للزراعة ، و بذر فيها من أنواع الغلات ، و غرس فيها من أنواع الأشجار و الفواكه المختلفة الألوان ثم أحاطها بحائط ، و لم يهملها بل أقام عليها الحرس ، و حصنها من الفساد و المفسدين ، و جعل يتعاهدها كل يوم فيُصلح ما فسد منه ، و يغرس فيها عوض ما يبس ، و ينقي دغلها و يقطع شوكها ، و يستعين بغلَّتها على عمارتها.
و الثـاني : بمنزلة رجل أخذ تلك الأرض ، و جعلها مأوى السباع و الهوام ، و موضعاً للجيف و الأنتان ، و جعلها معقلا يأوي إليه فيها كل مفسد و مؤذٍ و لصٍّ ، و أخذ ما أعين به من حرثتها و بذارها و صلاحها ، فصرفه و جعله معونة و معيشة لمن فيها ، من أهل الشرِّ و الفساد.
و الثالث : بمنزلة رجل عطَّلها و أهملها و أرسل الماء ضائعاً في القفار و الصحارى فقعد مذموماً محسوراً.

فهذا مثال أهل اليقظة ، و أهل الغفلة ، و أهل الخيانة.

أهل اليقظة و الغفلة الخيانة

فالأول : مثال أهل اليقظة ، والاستعداد لما خلقوا له.
و الثـاني : مثال أهل الخيانة.
و الثـالث : مثال لأهل الغفلة .

فالأول : إذا تحرّك أو سَكَن ، أو قام أو قعد ، أو أكل أو شرب ، أو نام ، أو لبس ، أو نطق ، أو سكت كان كلِّه له لا عليه ، و كان في ذكر و طاعةٍ و قربة و مزيد .
و الثاني : إذا فعل ذلك كان عليه لا له ، و كان في طردٍ و إبعادٍ و خُسران .
و الثـالث : إذا فعل ذلك كان في غفلة و بطالةٍ و تفريطٍ .

فالأول : يتقلَّب فيما يتقلب فيه بحكم الطاعة و القربة.
و الثاني : يتقلب في ذلك بحكم الخيانة و التعدِّي ، فإن الله لم يملِّكه ما ملّكه ليستعين به على مخالفته ، فهو جانٍ متعد خائن لله تعالى في نعمه عليه معاقبٌ على التنعُّم بها في غير طاعته.
و الثالث : يتقلب في ذلك و يتناوله بحكم الغفلة و الهوى و نهمة النفس و طبعها ، لم يتمتع بذلك ابتغاء رضوان الله تعالى و التقرب إليه ، فهذا خسرانه بيَّن واضح ، إذ عطّل أوقات عمره التي لا قيمة لها عن أفضل الأرباح و التجارات .
فدعا الله عباده المؤمنين الموحدين إلى هذه الصلوات الخمس ، رحمة منه بهم ، و هيأ لهم فيها أنواع العبادة ؛ لينال العبد من كلِّ قول و فعل و حركة و سكون حظه من عطاياه.

ما هو سرّ الصلاة ؟ و تمثيل لذلك

و كان سرُّ الصلاة و لُبها إقبال القلب فيها على الله ، و حضوره بكلِّيته بين يديه ، فإذا لم يقبل عليه و اشتغل بغيره و لهى بحديث نفسه ، كان بمنزلة وافد وفد إلى باب الملك معتذرا من خطاياه و زلله مستمطرا سحائب جوده و كرمه و رحمته ، مستطعما له ما يقيت قلبه ، ليقوى به على القيام في خدمته ، فلما وصل إلى باب الملك ، و لم يبق إلا مناجته له ، التفت عن الملك وزاغ عنه يمينا و شمالا ، أو ولاه ظهره ، و اشتغل عنه بأمقت شيء إلى الملك ، و أقلّه عنده قدرا عليه ، فآثره عليه ، و صيَّره قلبة قلبه ، و محلَّ توجهه ، و موضع سرَّه ، و بعث غلمانه و خدمة ليقفوا في خدم طاعة الملك عوضا عنه و يعتذروا عنه ، و ينوبوا عنه في الخدمة ، و الملك يشاهد ذلك و يرى حاله مع هذا ، فكرم الملك وجوده و سعة برّه و إحسانه تأبي أن يصرف عنه تلك الخدم و الأتباع ، فيصيبه من رحمته و إحسانه ؛ لكن فرق بين قسمة الغنائم على أهل السُّهمان من الغانمين ، و بين الرضَّخ لمن لا سهم له : { و لكل درجات ممَّا عملوا و ليُوَفيهم أعمالهم و هم لا يظلَمون }[الأحقاف :19] ، و الله سبحانه و تعالى خلق هذا النوع الإنساني لنفسه و اختصه له ، و خلق كل شيء له ، و من أجله كما في الأثر الإلهي : " ابن آدم خلقتك لنفسي ، و خلقت كلِّ شيء لك ، فبحقي عليك لا تشتغل بما خلقته لك عمَّا خلقتك له " .
و في أثر آخر : " ابن آدم خلقتك لنفسي فلا تلعب و تكفلت برزقك فلا تتعب ، ابن آدم اطلبني تجدني ، فإن و جدتني و جدت كلّ شيء ، و إن فُتَّك فاتك كلّ شيء ، و أنا أحب إليك من كلّ شيء".
و جعل سبحانه و تعالى الصلاة سببا موصلا إلى قُربه ، و مناجاته ، و محبته و الأنس به .

ما بين الصلوات الخمسة تحدث الغفلة

و ما بين الصلاتين تحدث للعبد الغفلة و الجفوة و القسوة ، و الإعراض و الزَّلات ، و الخطايا ، فيبعده ذلك عن ربه ، و ينحّيه عن قربه ، فيصير بذلك كأنه أجنبيا من عبوديته ، ليس من جملة العبيد ، و ربما ألقى بيده إلى أسر العدو له فأسره ، و غلَّه ، و قيَّده ، و حبسه في سجن نفسه و هواه .
فحظه ضيق الصدر ، و معالجة الهموم ، و الغموم ، و الأحزان ، و الحسرات ، و لا يدري السبب في ذلك. فاقتضت رحمه ربه الرحيم الودود أن جعل له من عبوديته عبودية جامعة ، مختلفة الأجزاء ، و الحالات بحسب اختلاف الأحداث التي كانت من العبد ، و بحسب شدَّة حاجته إلى نصيبه من كل خير من أجزاء تلك العبودية .

الكلام عن الوضوء

فبالوضوء يتطَّهر من الأوساخ ، و يُقدم على ربِّه متطهرا ، و الوضوء له ظاهر و باطن :
فظاهره : طهارة البدن ، و أعضاء العبادة.
و باطنه و سرّه : طهارة القلب من أوساخ الذنوب و المعاصي و أدرانه بالتوبة ؛ و لهذا يقرن تعالى بين التوبة و الطهارة في قوله تعالى : { إن الله يحب التَّوابين و يحب المتظهرين }[ البقرة : 222] و شرع النبي صلى الله عليه و سلم للمتطهِّر أن يقول بعد فراغه من الوضوء أن يتشهد ثم يقول : "اللهم اجعلني من التوّابين ، و اجعلني من المتطهرين " .
فكمَّل له مراتب العبدية و الطهارة ، باطنا و ظاهرا ، فإنه بالشهادة يتطهر من الشرك ، و بالتوبة يتطهر من الذنوب ، و بالماء يتطهر من الأوساخ الظاهرة .
فشرع له أكمل مراتب الطهارة قبل الدخول على الله عز و جل ، و الوقوف بين يديه ، فلما طهر ظاهرا و باطنا ، أذن له بالدخول عليه بالقيام بين يديه و بذلك يخلص من الإباق.
و بمجيئه إلى داره ، و محل عبوديته يصير من جملة خدمه ، و لهذا كان المجيء إلى المسجد من تمام عبودية الصلاة الواجبة عند قوم و المستحبة عند آخرين.

من تمام العبودية الذهاب للمسجد

و العبد في حال غفلته كالآبق من ربه ، قد عطّل جوارحه و قلبه عن الخدمة التي خُلق لها فإذا جاء إليه فقد رجع من إباقه ، فإذا وقف بين يديه موقف و التذلل و الانكسار ، فقد استدعى عطف سيِّده عليه ، و إقباله عليه بعد الإعراض عنه .

عبودية التكبير " الله أكبر ".

و أُمر بأن يستقبل القبلة ـ بيته الحرام ـ بوجهه ، و يستقبل الله عز و جل بقلبه ، لينسلخ مما كان فيه من التولي و الإعراض ، ثم قام بين يديه مقام المتذلل الخاضع المسكين المستعطف لسيِّده عليه ، و ألقى بيديه مسلّماً مستسلماً ناكس الرأس ، خاشع القلب مُطرق الطرف لا يلتفت قلبه عنه ، و طرفة عين ، لا يمنة و لا يسرة ، خاشع قد توجه بقلبه كلِّه إليه.
و أقبل بكليته عليه ، ثم كبَّره بالتعظيم و الإجلال و واطأ قلبه لسانه في التكبير فكان الله أكبر في قلبه من كلِّ شيء ، و صدَّق هذا التكبير بأنه لم يكن في قلبه شيء أكبر من الله تعالى يشغله عنه ، فإنه إذا كان في قلبه شيء يشتغل به عن الله دلّ على أن ذلك الشيء أكبر عنده من الله فإنه إذا اشتغل عن الله بغيره ، كان ما اشتغل به هو أهم عنده من الله ، و كان قوله " الله أكبر " بلسانه دون قلبه ؛ لأن قلبه مقبل على غير الله ، معظما له ، مجلاً ، فإذا ما أطاع اللسان القلب في التكبير ، أخرجه من لبس رداء التكبّر المنافي للعبودية ، و منعه من التفات قلبه إلى غير الله ، إذا كان الله عنده و في قلبه أكبر من كل شيء فمنعه حقّ قوله : الله أكبر و القيام بعبودية التكبير من هاتين الآفتين ، اللتين هُما من أعظم الحُجب بينه و بين الله تعالى.

عبودية الاستفتاح

فإذا قال : " سبحانك اللهم و بحمدك" و أثنى على الله تعالى بما هو أهله ، فقد خرج بذلك عن الغفلة و أهلها ، فإن الغفلة حجاب بينه و بين الله.
و أتى بالتحية و الثناء الذي يُخاطب به الملك عند الدخول عليه تعظيما له و تمهيدا ، و كان ذلك تمجيدا و مقدمة بين يدي حاجته.
فكان في الثناء من آداب العبودية ، و تعظيم المعبود ما يستجلب به إقباله عليه ، و رضاه عنه ، و إسعافه بفضله حوائجه

حال العبد في القراءة و الاستعاذة

فإذا شرع في القراءة قدَّم أمامها الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم فإنه أحرص ما يكون على خُذلان العبد في مثل هذا المقام الذي هو أشرف مقامات العبد و أنفعها له في دنياه و آخرته ، فهو أحرص شيء على صرفه عنه ، و انتفاعه دونه بالبدن و القلب ، فإن عجز عن اقتطاعه و تعطيله عنه بالبدن اقتطع قلبه و عطَّله ، و ألقى فيه الوساوس ليشغله بذلك عن القيام بحق العبودية بين يدي الرب تبارك و تعالى ، فأمر العبد بالاستعاذة بالله منه ليسلم له مقامه بين يدي ربه و ليحي قلبه ، و يستنير بما يتدبره و يتفهمه من كلام الله سيِّده الذي هو سبب حياة قلبه ، و نعيمه و فلاحه ، فالشيطان أحرص شيء على اقتطاع قلبه عن مقصود التلاوة.
و لما علم الله سبحانه و تعالى حَسَد العدو للعبد ، و تفرّغه له ، و علم عجز العبد عنه ، أمره بأن يستعيذ به سبحانه ، و يلتجئ إليه في صرفه عنه ، فيكتفي بالاستعاذة من مؤونة محاربته و مقاومته ، و كأنه قيل له : لا طاقة لك بهذا العدو ، فاستعذ بي أعيذك منه ، و استجر بي أجيرك منه ، و أكفيكه و أمنعك منه .


نصيحة ابن تيمية لابن القيِّم

و قال لي شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه و نوَّر ضريحه يومًا : إذا هاش عليك كلب الغنم فلا تشتغل بمحاربته ، و مدافعته ، و عليك بالراعي فاستغث به فهو يصرف عنك الكلب ، و يكفيكه.

فإذا استعاذ الإنسان بالله من الشيطان الرجيم أبعده عنه .
فأفضى القلب إلى معاني القرآن ، و وقع في رياضه المونقة و شاهد عجائبه التي تبهر العقول ، و استخرج من كنوزه و ذخائره ما عين رأت و لا أذن سمعت و لا خطر على قلب بشر ، و كان الحائل بينه و بين ذلك ، النفس و الشيطان ، فإن النفس منفعلة للشيطان ، سامعة منه ، مطيعة فإذا بَعُدَ عنها ، و طُرد ألَّم بها الملَك ، و ثبَّتها و ذكّرها بما فيه سعادتها و نجاتها.

فإذا أخذ العبد في قراءة القرآن ، فقد قام في مقام مخاطبة ربِّه و مناجاته ، فليحذر كل الحذر من التعرّض لمقته و سخطه ، بأن يناجيه و يخاطبه ، و قلبه معرِض عنه ، ملتفت ، إلى غيره ، فإنه يستدعي بذلك مقته ، و يكون بمنزلة رجل قرَّبه ملك من ملوك الدنيا ، و أقامه بين يديه فجعل يخاطب الملك ، و قد ولاَّه قفاه ، أو التفت عنه بوجهه يَمنَة و يسرة ، فهو لا يفهم ما يقول الملك ، فما الظن بمقت الملك لهذا.
فما الظن بمقت الملك الحق المبين رب العالمين و قيوم السماوات و الأرضين.


حال العبد في الفاتحة

فينبغي بالمصلي أن يقف عند كل آية من الفاتحة وقفة يسيرة ، ينتظر جواب ربِّه له ، و كأنه يسمعه و هو يقول : " حمدني عبدي " إذا قال : { الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ}.
فإذا قال : { الرَّحمن الرَّحيم } وقفَ لحظة ينتظر قوله : " أثنى عليَّ عبدي ".
فإذا قال : {مالكِ يومِ الدِّينِ } انتظر قوله : " مجَّدني عبدي ".
فإذا قال : { إيَّاك نَعبدُ و إيَّاك نَستعين } انتظر قوله تعالى : " هذا بيني و بين عبدي ".
فإذا قال : {اهدِنا الصِّراط المُستقيم } إلى آخرها انتظر قوله : " هذا لعبدي و لعبدي ما قال ".
و مَن ذاق طعم الصلاة عَلِمَ أنه لا يقوم مقام التكبير و الفاتحة غيرهما مقامها ، كما لا يقوم غير القيام و الركوع و السجود مقامها ، فلكلٍّ عبوديته من عبودية الصلاة سرٌّ و تأثيرٌ و عبودية لا تحصل في غيرها ، ثمَّ لكل آية من آيات الفاتحة عبودية و ذوق و وجد يخُصُّها لا يوجد في غيرها.

فعند قوله : { الحمد لله رب العالمين } تجد تحت هذه الكلمة إثبات كللّ كمال للرب و وصفا و اسما ، و تنزيهه سُبحَانه و بحمده عن كلِّ سوء ، فعلاً و وصفاً و اسماً ، و إنما هو محمود في أفعاله و أوصافه و أسمائه ، مُنزَّه عن العيوب و النقائص في أفعاله و أوصافه و أسمائه.
فأفعاله كلّها حكمة و رحمة و مصلحة و عدل و لا تخرج عن ذلك ، و أوصافه كلها أوصاف كمال ، و نعوت جلال ، و أسماؤه كلّها حُسنى.

من معاني الحمد

و حمده تعالى قد ملأ الدنيا و الآخرة ، و السموات و الأرض ، و ما بينهما و ما فيهما ، فالكون كلّه ناطق بحمده ، و الخلق و الأمر كلّه صادر عن حمده ، و قائم بحمده ، و وجوده و عدمه بحمده ، فحمدُه هو سبب وجود كل شيء موجود ، و هو غاية كل موجود ، و كلّ موجود شاهد بحمده ، فإرساله رسله بحمده ، و إنزاله كتبه بحمده ، و الجنة عُمِّرت بأهلها بحمده ، و النَّار عُمِّرت بأهلها بحمده ، كما أنَّها إنَّما وجدتا بحمده.

و ما أُطيع إلا بحمده ، و ما عُصي إلا بحمده ، و لا تسقط ورقة إلا بحمده ، و لا يتحرك في الكون ذرَّة إلا بحمده ، فهو سبحانه و تعالى المحمود لذاته ، و إن لم يحمده العباد.
كما أنه هو الواحد الأحد ، و إن لم يوحِّده العباد ، و هو الإله الحقُّ و إن لم يؤلِّهه ، سبحانه هو الذي حمِد نفسه على لسان الحامد كما قال النبي صلى الله عليه و سلم : " إن الله تعالى قال على لسان نبيه : سَمعَ اللهُ لمن حَمِدَه".
فهو الحامدُ لنفسه في الحقيقة على لسان عبده ، فإنه هو الذي أجري الحمدَ على لسانه و قلبه ، و أجراؤه بحمده فله الحمد كله ، و له الملك كله ، و بيده الخير كله ، و إليه يرجع الأمر كله ، علانيته و سره .
فهذه المعرفة نبذة يسيرة من معرفة عبودية الحمد ، و هي نقطة من بحر لُجِّي من عبوديته.
و من عبوديته أيضا : أن يعلم أن حمده لربه نعمة مِنه عليه ، يستحق عليها الحمد ، فإذا حمده عليها استَّحق على حمده حمداً آخر ، و هلَّم جرا.

فالعبد و لو استنفد أنفاسه كلّها في حمد ربه على نعمة من نعمه ، كان ما يجب عليه من الحمد عليها فوق ذلك ، و أضعاف أضعافه ، و لا يُحصي أحد البتّة ثناءً عليه بمحتمده ، و لو حمده بجميع المحامد فالعبد سائر إلى الله بكلِّ نعمة من ربِّه ، يحمده عليها ، فإذا حَمده على صرفها عنه ، حمده على إلهامه الحمدُ.
قال الأوزاعي : " سمعت بعض قوَّال ينشد في حمامٍ لك الحمدُ إمّا على نعمةٍ و إمَّا على نقمة تُدفع".

و من عبودية الحمد : شهود العبد لعجزه عن الحمد ، و أنَّ ما قام به منه ، فالرب سبحانه هو الذي ألهمه ذلك ، فهو محمود عليه ، إذ هو الذي أجراه على لسانه و قلبه ، و لولا الله ما اهتدى أحد.

و من عبودية الحمد : تسليط الحمد على تفاصيل أحوال العبد كلها ظاهرها و باطنها على ما يحب العبد منها و ما يكره ، بل على تفاصيل أحوال الخلق كلّهم ، برِّهم و فاجرهم ، علويهم و سفليهم ، فهو سبحانه المحمود على ذلك كلّه في الحقيقة ، و إن غاب عن شهود العبد حكمة ذلك ، و ما يستحق الرب تبارك و تعالى من الحمد على ذلك و الحمد لله : هو إلهام من الله للعباد ، فمستقل و مستكثر على قدر معرفة العبد بربه.
و قد قال النبي صلى الله عليه و سلم في حديث الشفاعة : " فأقع ساجداً فيلهمني الله محامد أحمده بها لم تخطر على بالي قط ".


عبودية {ربِّ العالمين}

ثم لقول العبد : : { ربِّ العالمين} من العبودية شهود تفرّده سبحانه بالربوبية وحده ، و أنَّه كما أنه رب العالمين ، و خالقهم ، و رازقهم ، و مدبِّر أمورهم ، و موجدهم ، و مغنيهم ، فهو أيضا وحده إلههم ، و معبودهم ،و ملجأهم و مفزعهم عند النوائب ، فلا ربَّ غيره ، و لا إله سواه.

عنوان : عبودية { الرَّحمَن الرَّحيم}

و لقوله : { الرَّحمن الرَّحيم } عبودية تخصه سبحانه ، و هي شهود العبد عموم رحمته.
و شمولها لكلّ شيء ، و سعتها لكلِّ مخلوق و أخذ كلّ موجود بنصيبه منها ، و لاسيما الرحمة الخاصَّة بالعبد و هي التي أقامته بين يدي ربه : أقم قلاناً ـ ففق بعض الآثار أن جبرائيل يقول كل ليلة أقم فلانًا ، و أنم فلانا فبرحمته للعبد أقامه في خدمته يناجيه بكلامه ، و يتملقه و يسترحمه و يدعوه و يستعطفه و يسأله هدايته و رحمته ، و تمام نعمته عليه دنياه و أخراه فهذا من رحمته بعبده ، فرحمته وسعت كل شيء ، كما أن حمده وسع كل شيء ، و علمه وسع كل شيء ، { ربَّنا وسعتَ كُلَّ شيء رَّحمة و علما} [ غافر :7] ، و غيره مطرود محروم قد فاتته هذه الرحمة الخاصَّة فهو منفي عنها.

عنوان عبودية { مالكِ يومِ الدِّينِ}

و يعطى قوله { مالك يوم الدِّين } عبوديته من الذلِّ و الانقياد ، و قصد العدل و القيام بالقسط ، و كفَّ العبد نفسه عن الظلم و المعاصي ، و ليتأمل ما تضمنته من إثبات المعاد و تفرَّد الربِّ في ذلك بالحكم بين خلقه ، و أنه يومٌ يدين الله فيه الخلق بأعمالهم من الخير و الشر ، و ذلك من تفاصيل حمده ، و موجبه كما قال تعالى : { و قُضيَ بينَهم بالحقِّ و قيل الحمدُ لله ربِّ العالمين}[الزمر:75].
و يروى أن جميع الخلائق يحمدونه يومئذ أهل الجنة و أهل النار ، عدلا و فضلا ، و لما كان قوله {الحمد لله رب العالمين}.
إخبارا عن حمد عبده له قال : حمدني عبدي.

ما معنى ( الثناء ) (التمجيد)

و لما كان قوله { الرحمن الرحيم} إعادة و تكريرا لأوصاف كماله قال : " أثنى عليَّ عبدي " ، فإنَّ الثناء إنَّما يكون بتكرار المحامد ، و تعداد أوصاف المحمود ، فالحمد ثناء عليه ، و { الرحمن الرَّحيم } وصفه بالرحمة.
و لما وصف العبد ربه بتفرُّده بملك يوم الدين و هو الملك الحق ، مالك الدنيا و الآخرة ؛ و ذلك متضمِّن لظهور عدله ، و كبريائه و عظمته ، و وحدانيته ، و صدق رُسله ، سمَّى هذا الثناء مجداً فقال : " مجَّدني عبدي " فإن التمجيد هو : الثناء بصفات العظمة ، و الجلال ، و العدل ، و الإحسان .

عبودية { إيَّاك نعبدُ }

فإذا قال : { إيَّاك نعبدُ و إيَّاك نستعين } انتظر جواب ربه له : " هذا بيني و بين عبدي ، و لعبدي ما سأل ".
و تأمل عبودية هاتين الكلمتين و حقوقهما ، و ميِّز الكلمة التي لله سبحانه و تعالى ، و الكلمة التي للعبد ، و فِقهِ سرَّ كون إحداهما لله ، و الأخرى للعبد ، و ميِّز بين التوحيد الذي تقتضيه كلمة { إيَّاك نعبدُ } و التوحيد الذي تقتضيه كلمة { و إيَّاك نستعين } ، و فِقهَ سرَّ كون هاتين الكلمتين في وسط السورة بين نوعي الثناء قبلهما ، و الدعاء بعدهما ، و فِقه تقديم { إياك نعبد } على { و إياك نستعين } ، و تقديم المعمول على العامل مع الإتيان به مؤخراً أوجز و أخضر ، و سرَّ إعادة الضمير مرَّة بعد مرة .

تقديم العبادة على الاستعانة

قلت : أراد تقديم العبادة ـ و هي العمل ـ على الاستعانة ، فالعبادة لله و الاستعانة للعبد ، فالله هو المعبود ، و هو المستعان على عبادته ، فإياك نعبد ؛ أي إياك أريد بعبادتي ، و هو يتضمن العمل الصالح الخالص ، و العلم النافع الدال على الله ، معرفة و محبة ، و صدقا و إخلاصاً ، فالعبادة حق الرب تعالى على خلقه ، و الاستعانة تتضمن استعانة العبد بربه على جميع أموره ، و هي القول المتضمن قسم العبد.
فكل عبادة لا تكون لله و بالله فهي باطلة مضمحلة ، و كل استعانة تكون بالله وحده فهي خذلانٌ و ذل.
و تأمل علم ما ينفع العباد و ما يدفع عنهم كل واحد من هاتين الكلمتين من الآفة المنافية للعبودية نفعاً و دفعاً و كيف تدخل العبد هاتان الكلمتان في صريح العبودية.

القرآن مداره على هذه الكلمة

و تأمل عِلم كيف يدور القرآن كلّه من أوّله إلى آخره عليهما ، و كذلك الخلق ، و الأمر و الثواب و العقاب و الدنيا و الآخرة ، و كيف تضمّنتا لأجلِّ الغايات ، و أكمل الوسائل ، و كيف أتى بهما بضمير المخاطب الحاضر ، دون ضمير الغائب ، و هذا موضوع يستدعي كتاباً كبيراً ، و لولا الخروج عمَّا نحن بصدده لأوضحناه و بسطناه ، فمن أراد الوقوف عليه فقد ذكرناه في كتاب : "مراحل السائرين بين منازل إياك نعبد و إياك نستعين " و في كتاب " الرسالة المصرية ".

ضرورة العبد لقوله {اهدنا الصِّراط المُستقيم }

ثم ليتأمل العبد ضرورته و فاقته إلى قوله { اهدنا الصِّراط المُستقيم } الذي مضمونه معرفة الحق ، و قصده و إرادته و العمل به ، و الثبات عليه ، و الدعوة إليه ، و الصبر على أذى المدعو إليه فباستكمال هذه المراتب الخمس يستكمل العبد الهداية و ما نقص منها نقص من هدايته.
و لما كان العبد مفتقراً إلى هذه الهداية في ظاهره و باطنه ، بل و في جميع ما يأتيه ، و يذره من :

أنواع الهدايات التي يفتقر لها العبد

• أمور فعلها على غير الهداية علماً و عملاً و إرادة ، فهو محتاج إلى التوبة منها و توبته منها هي من الهداية.
• و أمور قد هُدي إلى أصلها دون تفصيلها فهو محتاج إلى هداية تفاصيلها.
• و أمور قد هُدي إليها من وجهٍ دون وجهٍ ، فهو محتاجٌ إلى تمام الهداية في كمالها على الهدى المستقيم ، و أن يزداد هدى إلى هداه.
• و أمور هو محتاج فيها إلى أن يحصل له من الهداية في مستقبلها مثل ما حصل له في ماضيها.
• وأمور هو خال عن اعتقاد فيها فهو محتاج إلى الهداية فيها اعتقاداً صحيحاً.
• و أمور يعتقد فيها خلاف ما هي عليه ، فهو محتاج إلى هداية تنسخ من قلبه ذلك الاعتقاد الباطل ، و تُثبت فيه ضدّه.
• و أمور من الهداية : هو قادر عليها ، و لكن لم يخلق له إرادة فعلها ، فهو محتاج في تمام الهداية إلى خلق إرادة.
• و أمور منها : هو غير قادر على فعلها مع كونه مريد لها ، فهو محتاج في هدايته إلى إقدار عليها.
• و أمور منها : هو غير قادر عليها و لا مريد لها ، فهو محتاج إلى خلق القدرة عليها و الإرادة لها لتتم له الهداية.
• و أمور : هو قائم بها على وجه الهداية اعتقادا و إرادة ، و علما و عملاً ، فهو محتاج إلى الثبات عليها و استدامتها ، فكانت حاجته إلى سؤال الهداية أعظم الحاجات ، و فاقته إليها أشد الفاقات ، و لهذا فرض عليه الرب الرحيم هذا السؤال على العبيد كلّ يوم و ليلة في أفضل أحواله ، و هي الصلوات الخمسُ ، مرات متعددة ، لشدَّة ضرورته و فاقته إلى هذا المطلوب.
• ثم بيَّن أن سبيل أهل هذه الهداية مغاير لسبيل أهل الغضب و أهل الضلال ، و هو اليهود ، و النصارى و غيرهم .
فانقسم الخلق إذن إلى ثلاثة أقسام بالنسبة إلى هذه الهداية :
مُنعم عليه : بحصولها له و استمرارها و حظه من المنعم عليهم ، بحسب حظه من تفاصيلها و أقسامها.
و ضالٌ : لم يُعطَ هذه الهداية و لم يُوفق لها .
و مغضوب عليه : عَرفها و لم يوفق للعمل بموجبها.
فالضال : حائد عنها ، حائر لا يهتدي إليها سبيلا.
و المغضوب عليه : متحيّر منحرف عنها ؛ لانحرافه عن الحق بعد معرفته به مع علمه بها.
فالأول المنعم عليه قائم بالهدى ، و دين الحق علما و عملاً و اعتقادا و الضال عكسه ، منسلخ منه علماً و عملاً.
و المغضوب عليه لا يرفع فيها رأسا ، عارف به علماً منسلخ عملاً ، و الله الموفق للصواب.
و لولا أن المقصود التنبيه على المضادة و المنافرة التي بين ذوق الصلاة ، و ذوق السماع ، لبسطنا هذا الموضوع بسطاً شافيا ، و لكن لكلِّ مقام مقال ، فلنرجع إلى المقصود.

عبودية التأمين و رفع اليدين

و شرع له التأمين في آخر هذا الدعاء تفاؤلاً بإجابته ، و حصوله ، و طابعاً عليه ، و تحقيقاً له ، و لهذا اشتد حسدُ اليهود للمسلمين عليه حين سمعُوهم يجهرون به في صلاتهم.
ثم شرع له رفع اليدين عند الركوع تعظيما لأمر الله ، و زينةً للصلاة ، و عبودية خاصةً لليدين كعبودية باقي الجوارح ، و اتباعاً لسنَّة رسول الله صلى الله عليه و سلم فهو حليةُ الصلاة ، و زينتها و تعظيمٌ لشعائرها.
ثم شرع له التكبير الذي هو في انتقالات الصلاة من رُكن إلى ركن ، كالتلبية في انتقالات الحاجِّ ، من مشعر إلى مشعر ، فهو شعار الصلاة ، كما أن التلبية شعار الحج ،(مميز ليعلم أن سر الصلاة هو تعظيم الرب تعالى و تكبيره بعبادته وحده. )

عبودية الركوع

ثم شرع له بأن يخضع للمعبود سبحانه بالركوع خضوعاً لعظمة ربه ، و استكانة لهيبته و تذللا لعزته.
فثناء العبد على ربه في هذا الركن ؛ هو أن يحني له صلبه ، و يضع له قامته ، و ينكس له رأسه ، و يحني له ظهره ، و يكبره مُعظماً له ، ناطقاً بتسبيحه ، المقترن بتعظيمه.
فاجتمع له خضوع القلب ، و خضوع الجوارح ، و خضوع القول على أتم الأحوال ، و يجتمع له في هذا الركن من الخضوع و التواضع و التعظيم و الذكر ما يفرق به بين الخضوع لربه ، و الخضوع للعبيد بعضهم لبعض ، فإنَّ الخضوع وصف العبد ، و العظمة وصف الرب .
و تمام عبودية الركوع أن يتصاغر الراكع ، و يتضاءل لربه ، بحيث يمحو تصاغره لربه من قلبه كلَّ تعظيم فيه لنفسه ، و لخلقه و يثبت مكانه تعظيمه ربه وحده لا شريك له .


إذا عظَّم القلب الرب خرج تعظيم الخلق

و كلما استولى على قلبه تعظيم الربِّ ، و قوى خرج منه تعظيم الخلق ، و ازداد تصاغره هو عند نفسه فالركوع للقلب بالذات ، و القصد و الجوارح بالتبع و التكملة.
ثم شرع له أن يحمد ربه ، و يثني عليه بآلائه عند اعتداله و انتصابه و رجوعه إلى أحسن هيئاته ، منتصب القامة معتدلها فيحمد ربه و يثني عليه بآلائه عند اعتداله و انتصابه و رجوعه إلى أحسن تقويم ، بأن وفقه و هداه لهذا الخضوع الذي قد حرمه غيره.

عبودية القيام

ثم نقله منه إلى مقام الاعتدال و الاستواء ، واقفا في خدمته ، بين يديه كما كان في حالة القراءة في ذلك ، و لهذا شرع له من الحمد و المجد نظير ما شرع له من حال القراءة في ذلك.
و لهذا الاعتدال ذوقٌ خاص و حال يحصل للقلب ، و يخصه سوى ذوق الركوع و حاله ، و هو ركنٌ مقصود لذاته كركن الركوع و السجود سواء.
و لهذا كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يُطيلُه كما يطيل الركوع و السجود ، و يُكثر فيه من الثناء و الحمد و التمجيد ، كما ذكرناه في هديه صلى الله عليه و سلم في صلاته و كان في قيام الليل يُكثر فيه من قول : " لربي الحَمد ، لربي الحمد " و يكرِّرها.

عبودية السجود

ثم شرع له أن يكبر و يدنو و يخرَّ ساجدا ، و يُعطي في سجوده كل غضو من أعضائه حظَّه من العبودية ، فيضع ناصيته بالأرض بين يدي ربه ، مسندة راغما له أنفه ، خاضعا له قلبه ، و يضع أشرف ما فيه ـ و هو وجهه ـ بالأرض و لاسيما وجه قلبه مع وجهه الظاهر ساجدا على الأرض معفِّراً له وجهه و أشرف ما فيه بين يدي سيِّده ، راغماً أنفه ، خاضعاً له قلبه و جوارحه ، متذلِّلاً لعظمة ربه ، خاضعاً لعزَّته ، منيباً إليه ، مستكيناً ذلاً و خضوعاً و انكساراً ، قد صارت أعاليه ملويةً لأسافله.
و قد طابق قلبُه في ذلك حال جسده ، فسجد القلب للرب كما سجد الجسد بين يدي الله ، و قد سجد معه أنفه و وجهه ، و يداه و ركبتاه ، و رجلاه فهذا العبد هو القريب المقرَّب فهو أقرب فهو ما يكون من ربه و هو ساجد .
و شرع له أن يُقلَّ فخذيه عن ساقيه ، و بطنه عن فخذيه و عَضُديه عن جنبيه ، ليأخذ كل جزءٍ منه حظّه من الخضوع لا يحملَ بعضه بعضاً .
فأحرِ به به في هذه الحال أن يكون أقرب إلى ربه منه في غيرها من الأحوال كلِّها ، كما قال النبي صلى الله عليه و سلم : " أقربُ ما يكونُ العبدُ من ربَّه و هو ساجدٌ ".[رواه مسلم (482) عن أبي هريرة رضي الله عنه ].
و لما كان سجود القلب خضوعه التام لربّه أمكنه استدامة هذا السجود إلى يوم القيامة ، كما قيل لبعض السلف :
هل يسجد القلب ؟


الصلاة مبناها على خمسة أركان

قال : " أي و الله سجدةً لا يرفع رأسه منها حتى يلقى الله عزَّ و جل ".[هذا القول عزاه ابن تيمية لسهل بن عبد الله التستري كما في مجموع الفتاوى (21/287) (23/138) ]
إشارة إلى إخبات القلب ، و ذلّه ، و خضوعه ، و تواضعه و إنابته و حضوره مع الله أينما كان ، و مراقبته له في الخلاء و الملأ ، و لما بنيت الصلاة على خمس : القراءة و القيام و الركوع و السجود و الذكر .
سمّيت باسم كل واحد من هذه الخمس :
فسمّيت " قياماً " لقوله : { قُم اللَّيل إلاَّ قليلاً} [ المزمل :2] ، و قوله : {وقُومُوا لله قانتين} [البقرة :238].
و "قراءة" لقوله : {وقرآن الفَجر إنَّ قُرآن الفَجر كان مشهُوداً} [الإسراء :78] ، {فاقرءوا ما تيَسَّر منه } [المزمل :48].
و سمّيت " ركوعاً " لقوله : { و اركعُوا مع الرَّاكعين } [ البقرة :43] ، { و إذا قيل لهم اركعوا لا يركعُون}[المراسلات :48].
و " سجوداً " لقوله : { فسبِّح بحمد ربِّك و كن مّن السَّاجدين} [ الحجر : 98] ، وقوله { و اسجُد و اقترب} [العلق :19].
و "ذكراً " لقوله : { فاسعوا إلى ذكر الله} [ الجمعة :9] ، { لا تُلهكم أموالكم و لا أولادكم عن ذكر الله } [ المنافقون :9].
و أشرف أففعالها السجود ، و أشرف أذكارها القراءة ، و أول سورة أنزلت على النبي صلى الله عليه و سلم سورة { اقرأ باسم ربِّك } افتتحت بالقراءة ، و خُتمت بالسجود ، فوضعت الركعة على ذلك ، أولها قراءة و آخرها سجود.

حال العبد بين السجدتين

ثم شرع له أن يرفع رأسه ، و يعتدل جالساً ، و لما كان هذا الاعتدال محفوفا بسجودين ؛ سجود قبله ، و سجود بعده ، فينتقل من السجود إليه ، ثم منه إلى السجود الآخر ، كان له شأن ، فكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يطيل الجلوس بين السجدتين بقدر السجود يتضرع إلى ربه فيه ، و يدعوه و يستغفره ، و يسأله رحمته ، و هدايته و رزقه و عافيته ، و له ذوق خاص ، و حال للقلب غير ذوق السجود و حالهن ؛ فالعبد في هذا القعود يتمثَّل جاثيا بين يدي ربه ، مُلقيا نفسه بين يديه ، مُعتَذراً إليه مما جَناَه ، راغباً إليه أن يغفر له و يرحمه ، مستَعدياً له على نفسه الأمَّارة بالسوء.

لماذا الاستغفار بين السجدتين

و قد كان النبي صلى الله عليه و سلم يكرر الاستغفار في هذه الجلسة فيقول : " رب اغفر لي ، رب اغفر لي ، رب اغفر لي " ، و يكثر من الرغبة فيها إلى ربه.
فمثِّل أيها المصلي نفسك فيها بمنزلة غريم عليه حق ، و أنت كفيل به ، و الغريم مماطل مخادع ، و أنت مطلوب بالكفالة ، و الغريم مطلوب بالحق ، فأنت تستعدي عليه حتى تستخرج ما عليه من الحق ،؛ لتتخلص من المطالبة ، و القلب شريك النفس في الخير و الشر ، و الثواب و العقاب ، و الحمد و الذم .
و النفس من شأنها الإباق و الخروج من رقِّ العبودية ، و تضييع حقوق الله عو و جل و حقوق العباد التي قبلها ، و القلب شريكها إن قوي سلطانها و أسيرها ، و هي شريكته و أسيرته إن قوي سلطانه.
فشرع للعبد إذا رفع رأسه من السجود أن يجثو بين يدي الله تعالى مستعديا على نفسه ، معتذرا من ذنبه إلى ربه و مما كان منها ، راغباً إليه أن يرحمه و يغفر له و يرحمه و يهديه و يرزقه و يعافيه ، ز هذه الخمس كلمات ، قد جمعت جماع خير الدنيا و الآخرة فإن العبد محتاج بل مضطر إلى تحصيل مصالحه في الدنيا و في الآخرة ، و دفع المضار عنه في الدنيا و الآخرة ، و قد تضمّن هذا الدعاء ذلك كله.
فإن الرزق يجلب له مصالح دنياه و أخراه و يجمع رزق بدنه و رزق قلبه و روحه ، و هو أفضل الرازقين.
و العافية تدفع مضارّها.
و الهداية تجلب له مصالح أخراه.
و المغفرة تدفع عنه مضارّ الدنيا و الآخرة.
و الرحمة تجمع ذلك كلّه. و الهداية تعمُّ تفاصيل أموره كلّها.
و شرع له أن يعودَ ساجداً كما كان ، و لا يكتفي منه بسجدة واحدة في الركعة كما اكتفى منه بركوع واحد ؛ و ذلك لفضل السجود و شرفه و قرب العبد من ربِّه و موقعه من الله عز و جل ، حتى إنَّه أقرب ما يكون إلى ربه و هو ساجد ، و هو أشهر في العبودية و أعرق فيها من غيره من أركان الصلاة ؛ و لهذا جُعل خاتمة الركعة ، و ما قبله كالمقدمة بين يديه ، فمحلّه من الصلاة محل طواف الزيارة ، و كما أنه أقرب ما يكون العبد من ربه و هو ساجد ، فكذلك أقرب ما يكون منه في المناسك و هو طائف كما قال ابن عمر لمن خطب ابنته و هو في الطواف فلم يرد عليه فلما فرغ من الطواف قال : أتذكر أمراً من أمور الدنيا و نحن نتراءى لله سبحانه و تعالى في طوافنا.
و لهذا و الله أعلم ، جُعل الركوع قبل السجود تدريجا و انتقالاً من الشيء إلى ما هو أعلى منه.

لماذا يكرر السجود مرتان

و شُرع له تكرير هذه الأفعال و الأقوال ؛ إذ هي غذاء القلب و الروح التي لا قوام لهما إلا بها ، فكان تكريرها بمنزلة تكرير الأكل لقمة بعد لقمة حتى يشبع ، و الشرب نفسا بعد نفس حتى يَروى ، فلو تناول الجائع لقمة واحدة ثم دفع الطعام من بين يديه فماذا كانت يغني عنه تلك اللقمة ؟ و ربما فتحت عليه باب الجوع أكثر مما به ؛ و لهذا قال بعض السلف : " مثل الذي يصلي و لا يطمئن في صلاته كمثل الجائع إذا قدم إليه طعام فتناول منه لقمة أو لقمتين ماذا تغني عنه ذلك".
و في إعادة كل قول أو فعل من العبودية و القرب ، و تنزيل الثانية منزلة الشكر على الأولى ، و حصول مزيد خير و إيمان من فعلها ، و معرفة و إقبال و قوة قلب ، و انشراح صدر و زوال درنٍ و وسخٍ عن القلب بمنزلة غسل الثوب مرَّة بعد مرَّة .
فهذه حكمة الله التي بَهَرت العقول حكمته في خلقه و أمره ، و دلَّت على كمال رحمته و لطفه ، و ما لم تحط به علماً منها أعلى و أعظم و أكبر و إنما هذا يسير من كثير منها.
فلما قضى صلاته و أكملها و لم يبق إلا الانصراف منها ، فشرع الجلوس في آخرها بين يدي ربه مُثنياً عليه بما هو أهله ، فأفضل ما يقول العبد في جلوسه هذه التحيات التي لا تصلح إلا لله ، و لا تليق بغيره.


عبودية الجلوس للتشهد و معنى التحيات

و لما كان من عادة الملوك أن يحيوا بأنواع التحيات من الأفعال و الأقوال المتضمنة للخضوع لهم ، و الذل ، و الثناء عليهم و طلب البقاء ، و الدوام لهم ، و أن يدوم ملكهم.
فمنهم : من يحيّي بالسجود و منهم من يحيي بالثناء عليه
و منهم : من يحيي بطلب البقاء ، و الدوام له .
و منهم : من يجمع له ذلك كلّه فيسجد له ، ثم يثني عليه ، ثم يدعي له بالبقاء و الدوام.
و كان الملك الحق المبين ، الذي كل شيء هالك إلا وجهه سبحانه أولى بالتحيات كلِّها من جميع خلقه ، و هي له بالحقيقة و هو أهلها ؛ و لهذا فُسرت التحيات بالملك ، و فسرت بالبقاء و الدوام ، و حقيقتها ما ذكرته ، و هي تحيات المُلك و المَلك و المليك.
فالله سبحانه هو المتصف بجميع ذلك ، فهو أولى به فهو سبحانه المَلك ، و له المُلك ، فكل تحية تحي بها ملك من سجود أو ثناء ، أو بقاء ، أو دوام فهي لله على الحقيقة ؛ و لهذا أتى بها مجموعة معرَّفة بالألف و اللام إرادة للعموم ، و هي جمع تحية ، تحيا بها الملوك ، و هي " تُفعُلة" من الحياة ، و أصلها " تحييه" على وزن " تكرمه" ، ثم أدغم إحدى اليائين في الآخر فصارت " تحيَّة " فإذا كان أصلها من الحياة ، و المطلوب منها لمن تحي بها دوام الحياة ، كما كانوا يقولون لملوكهم :
لك الحياة الباقية ، و لك الحياة الدائمة.
و بعضهم يقول : عش عشرة آلاف سنة.
و اشتق منها :
أدام الله أيامك أو أيامه ، و أطال الله بقاءك.
و نحو ذلك مما يراد به دوام الحياة و الملك ، فذلك جميعه لا ينبغي إلا لله الحي القيوم الذي لا يموت.
الذي كل مَلكٍ سواه يموت ، و كل مُلك سوى ملكه زائل.

عطف الصلوات و الطيبات

ثم عطف عليها الصلوات بلفظ الجمع و التعريف ؛ ليشمل ذلك كلّما أُطلق عليه لفظ الصلاة خصوصا و عموماً ، فكلّها لله و لا تنبغي إلا له ،فالتحيات له ملكاً ، و الصلوات له عبودية و استحقاقاً ، فالتحيات لا تكون إلا لله ، و الصلوات لا تنبغي إلا له .
ثم عطف عليها بالطيِّبات ، و هذا يتناول أمرين : الوصف و الملك.
فأما الوصفُ : فإنه سبحانه طيِّب ، و كلامه طيِّبٌ ، و فعله كلّه طيب ، و لا يصدر منه إلا طيّب ، و لا يضاف إليه إلا الطيِّب ، و لا يصعد إليه إلا الطيّب.

معنى الطيِّبات

فالطيبات له وصفاً و فعلاً و قولاً و نسبةً ، و كلّ طيّب مضاف إليه طيّب ، فله الكلمات الطيبات و الأفعال ، و كلّ مضاف إليه كبيته و عبده ، و روحه و ناقته ، و جنته دار الطيبين ، فهي طيبات كلّها ، و أيضا فمعاني الكلمات الطيبات لله وحده ، فإنها تتضمن تسبيحه ، و تحميده ، و تكبيره ، و تمجيده ، و الثناء عليه بالآئه و أوصافه ؛ فهذه الكلمات الطيبات التي يثنى عليه بها ، و معانيها له وحده لا شريك له : كسبحانك اللهمَّ و بحمدك وتبارك اسمك و تعالى جدك و لا إله غيرك.
و كسبحان الله و الحمد لله ، و لا إله إلا الله ، و الله أكبر.
و سبحان الله و بحمده ، سبحان الله العظيم ، و نحو ذلك . و كلّ طيّب له و عنده و منه و إليه ، و هو طيّب لا يقبل إلا طيّباً ، و هو إله الطيبين و ربهم ، و جيرانه في دار كرامته ، هم الطيبون.

أطيب الكلام بعد القرآن

فتأمل أطيب الكلمات بعد القرآن ، كيف لا تنبغي إلا لله ؟ و هي : سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر و لا حول و لا قوة إلا بالله ، فإن " سبحان الله " تتضمن تنزيهه عن كل نقص و عيب و سوء عن خصائص المخلوقين و شبههم.
و " الحمد لله " تتضمن إثبات كلّ كمال له قولاً ، و فعلاً ، و وصفاً على أتمِّ الوجوه ، و أكملها أزلاً و أبداً .
و " لا إله إلا الله " تتضمن انفراده بالإلهية ، و أن كل معبود سواه باطل ، و أنه وحده الإله الحق ، و أن من تأله غيره فهو بمنزلة من اتخذ بيتاً من بيوت العنكبوت ، يأوي إليه ، و يسكنه من الحرِّ و البرد ، فهل يغني عنه ذلك شيئاً .
و " الله أكبر " تتضمن أنه أكبر من كلِّ شيء ، و أجل ، و اعظم ، و أعز و أقوى و أمنع ، و أقدر ، و اعلم ، و أحكم ، فهذه الكلمات لا تصح هي و معانيها إلا لله وحده.

عبودية التَّسليم على الأنبياء و الصالحين

ثم شرع له أن يسلِّم على سائر عباد الله الصالحين ، و هم عباده الذين اصطفى بعد الثناء ، و تقديم الحمد لله فطابق ذلك قوله : { قُل الحمدُ للهِ و سلامٌ على عباده الذين اصطفى}[النمل :59] ، و كأنه امتثال له ، و أيضا فإن هذا تحية المخلوق فشرعت بعد تحية الخالق و قدم في هذه التحية أولى الخلق بها و هو النبي صلى الله عليه و سلم ، الذي نالت أمته على يده كل خير ، و على نفسه ، و بعده و على سائر عباد الله الصالحين ، و أخصهم بهذه التحية الأنبياء و الملائكة ، ثم أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم ، و أتباع الأنبياء مع عمومها كل عبد صالح في السماء و الأرض.
ثم شرع له بعد هذه التحية السلام على من يستحق السلام عليه خصوصاً و عموماً.

معنى الشهادتين في التحيات

ثم شرع له أن يشهد شهادة الحق التي بنيت عليها الصلاة ، و الصلاة حق من حقوقها ، و لا تنفعه إلا بقرينتها و هي الشهادة للرسول صلى الله عليه و سلم بالرسالة ، و ختمت بها الصلاة كما قال عبد الله بن مسعود : " فإذا قلت ذلك فقد قضيت صلاتك ، فإن شئت فقم و إن شئت فاجلس".
و هذا إما أن يحمل على انقضائها إذا فرغ منه حقيقة ، كما يقوله الكوفيون ، او على مقاربة انقضائها و مشارفته ، كما يقول أهل الحجاز و غيرهم ، و على التقديرين فجعلت شهادة الحق خاتمة الصلاة . كما شرع أن تكون هي خاتمة الحياة.
"فمن كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة ".
و كذلك شرع للمتوضئ أن يختتم وضوءه بالشهادتين ، ثم لما قضى صلاته أذن له أن يسأل حاجته.

الصلاة على النبيِّ

و شرع له أن يتوسل قبلها بالصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم ، فإنها من أعظم الوسائل بين يدي الدعاء ، كما في السنن عن فضالة بن عبيد أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : "إذا دعا أحدكم فليبدأ بحمد الله ، و الثناء عليه ، و ليصل على رسوله ثم ليسل حاجته".
ثم جعل الدعاء لآخر الصلاة كالختم عليها.
فجاءت التحيات على ذلك ، أولها حمدٌ لله ، و الثناء عليه ثم الصلاة على رسوله ثم الدعاء آخر الصلاة ، و أَذِنَ النبي صلى الله عليه و سلم للمصلي بعد الصلاة عليه أن يتخير من المسألة ما يشاء.

سنن الآذان الخمس

و نظير هذا ما شرع لمن سمع الآذان :
أن يقول كما يقول المؤذن.
و أن يقول رضيت بالله ربا ، و بالإسلام دينا ، و بمحد رسولاً.
و أن يسأل الله لرسوله الوسيلة و الفضيلة ، و أن يبعثه المقام المحمود.
ثم ليصل عليه .
ثم يسأل حاجته.
فهذه خمس سنن في إجابة المؤذن لا ينبغي الغفلة عنها.

فصلٌ

سرّ الصلاة الإقبال على الله

و سرُّ الصلاة و روحها و لبُّها ، هو إقبال العبد على الله بكليّته فيها ، فكما أنه لا ينبغي أن يصرف وجهه عن القبلة إلى غيرها فيها ، فكذلك لا ينبغي له أن يصرف قلبه عن ربِّه إلى غيره فيها.
بل يجعل الكعبة ـ التي هي بيت الله ـ قبلة وجهه و بدنه ، و رب البيت تبارك و تعالى قبلة قلبه و روحه ، و على حسب إقبال العبد على الله في صلاته ، يكون إقبال الله عليه ، و إذا أعرضَ أعرض الله عنه ، كما تدين تُدان.

للإقبال على الله في الصلاة ثلاث منازل

و الإقبال في الصلاة على ثلاثة منازل:
*إقبال العبد على قلبه فيحفظه و يصلحه من أمراض الشهوات و الوساوس ، و الخطرات المُبطلة لثواب صلاته أو المنقصة لها.
* و الثاني : إقباله على الله بمراقبته فيها حتى يعبده كانه يراه.
*و الثالث : إقباله على معاني كلام الله ، و تفاصيله و عبودية الصلاة ليعطيها حقها من الخشوع و الطمأنينة و غير ذلك.
فباستكمال هذه المراتب الثلاث يكون قد أقام الصلاة حقاً ، و يكون إقبال الله على المصلي بحسب ذلك.

كيف يكون الإقبال في كل جزء من أجزاء الصلاة

فإذا انتصب العبد قائماً بين يديه ، فإقباله على قيُّومية الله و عظمته فلا يتفلت يمنة و لا يسرة.
و إذا كبَّر الله تعالى كان إقباله على كبريائه و إجلاله و عظمته.
و كان إقباله على الله في استفتاحه على تسبيحه و الثناء عليه و على سُبحات وجهه ، و تنزيهه عمَّا لا يليق به ، و يثني عليه بأوصافه و كماله.
فإذا استعاذ بالله من الشيطان الرجيم ، كان إقباله على ركنه الشديد ، و سلطانه و انتصاره لعبده ، و منعه له منه و حفظه من عدوه.
و إذا تلى كلامه كان إقباله على معرفته في كلامه كأنه يراه و يشاهده في كلامه كما قال بعض السلف : لقد تجلّي الله لعباده في كلامه.
و الناس في ذلك على أقسام و لهم في ذلك مشارب ، و أذواق فمنهم البصير ، و الأعور ، و الأعمى ، و الأصم ، و الأعمش ، و غير ذلك ، في حال التلاوة و الصلاة ، فهو في هذه الحال ينبغي له أن يكون مقبلاً على ذاته و صفاته و أفعاله و أمره و نهيه و أحكامه و أسمائه.
و إذا ركع كان إقباله على عظمة ربه ، و إجلاله و عزه و كبرسائه ، و لهذا شرع له في ركوعه أن يقول : " سبحان ربي العظيم " .
فإذا رفع رأسه من الركوع كان إقباله على حمد ربه و الثناء عليه و تمجيده و عبوديته له و تفرده بالعطاء و المنع.
فإذا سجد ، كان إقباله على قربه ، و الدنو منه ، و الخضوع له و التذلل له ، و الافتقار إليه و الانكسار بين يديه ، و التملق له.
فإذا رفع رأسه من السجود جثى على ركبتيه ، و كان إقباله على غنائه وجوده ، و كرمه و شدة حاجته إليهنّ ، و تضرعه بين يديه و الانكسار ؛ أن يغفر له و يرحمه ، و يعافيه و يهديه و يرزقه.
فإذا جلس في التشهد فله حال آخر ، و إقبال آخر يشبه حال الحاج في طواف الوداع ، و استشعر قلبه الانصراف من بين يدي ربه إلى أشغال الدنيا و العلائق و الشواغل التي قطعه عنها الوقوف بين يدي ربه و قد ذاق قلبه التألم و العذاب بها قبل دخوله في الصلاة ، فباشر قلبه روح القرب ، و نعيم الإقبال على الله تعالى ، و عافيته منها و انقطاعها عنه مدة الصلاة ، ثم استشعر قلبه عوده إليها بخروجه من حمى الصلاة ، فهو يحمل همَّ انقضاء الصلاة و فراغه منها و يقول : ليتها اتصلت بيوم اللقاء.
و يعلم أنه ينصرف من مناجاة مَن كلّ السعادة في مناجته ، إلى مناجاة من كان الأذى و الهم و الغم و النكد في مناجاته ، و لا يشعر بهذا و هذا إلا من قلبه حي معمور بذكر الله و محبته ، و الأنس به ، و من هو عالم بما في مناجاة الخلق و رؤيتهم ، و مخالطتهم من الأذى و النكد ، و ضيق الصدر و ظلمة القلب ، و فوات الحسنات ، و اكتساب السيئات ، و تشتيت الذهن عن مناجاة الله تعالى عز و جل .

الكلام على التسليم

و لما كان العبد بين أمرين من ربه عز و جل :
أحدهما : حكم الرب عليه في أحواله كلها ظاهرا و باطنا ، و اقتضاؤه من القيام بعبودية حكمه ، فإن لكلّ حكم عبودية تخصه ، أعني الحكم الكوني القدري.
و الثاني : فعل ، يفعله العبد عبودية لربه ، و هو موجب حكمه الديني الأمري.
و كلا الأمرين يوجبان بتسليم النفس إلى الله سبحانه ، و لهذا اشتق له اسم الإسلام من التسليم ، فإنه لما سلّم لحكم ربه الديني الأمري ، و لحكمه الكوني القدري ، بقيامه بعبودية ربه فيه لا باسترساله معه في الهوى ، و الشهوات ، و المعاصي ، و يقول : قدَّر عليّ استحق اسم الإسلام فقيل له : مسلم.

الشروع في بيان ثمرات الخشوع

و لما اطمأن قلبه بذكر الله ، و كلامه ، و محبته و عبوديته سكن إلى ربه ، و قرب منه ، و قرَّت به عينه فنال الأمان بإيمانه و نال السعادة بإحسانه ، و كان قيامه بهذين الأمرين أمراً ضرورياً اه لا حياة له ، و لا فلاح و لا سعادة إلا به .
و لما كان ما بُلي به من النفس الأمارة ، و الهوى المقتضي لمرادها و الطباع المطالبة ، و الشيطان المغوي ، يقتضون منه إضاعة حظه من ذلك ، أو نقصانه ، اقتضت رحمة ربه العزيز الرحيم أن شَرَعَ له الصلاة مُخلِفة عليه ما ضاع عليه من ذلك ، رادَّة عليه ما ذهب منه ، مجددة له ما ذهب من عزمه و ما فقده ، و ما أخلِقَ من إيمانه ، و جعل بين كل صلاتين برزخا من الزمان حكمة و رحمة ، ليُجمّ نفسه ، و يمحو بها ما يكتسبه من الدرن ، و جعل صورتها على صورة أفعاله ، خشوعاً و خضوعاً و انقياداً و تسليماً و أعطى كل جارحة من جوارحه حظَّها من العبودية ، و جعل ثمرتها و روحها إقباله على ربه فيها بكليته ، و جعل ثوابها و محلها الدخول عليه تبارك و تعالى ، و التزين للعرض عليه تذكيراً بالعرض الأكبر عليه يوم القيامة.


لكل شيء ثمرة و ثمرة الصلاة الإقبال على الله

و كما أن الصوم ثمرته تطهير النفس ، و ثمرة الزكاة تطهير المال ، و ثمرة الحج وجوب المغفرة ، و ثمرة الجهاد تسليم النفس إليه ، التي اشتراها سبحانه من العباد ، و جعل الجنة ثمنها ؛ فالصلاة ثمرتها الإقبال على الله ، و إقبال الله سبحانه على العبد ، و في الإقبال على الله في الصلاة جميع ما ذكر من ثمرات الأعمال و جميع ثمرات الأعمال في الإقبال على الله فيها.
و لهذا لم يقل النبي صلى الله عليه و سلم : جعلت قرة عيني في الصوم ، و لا في الحج و العمرة ، و لا في شيء من هذه الأعمال و إنما قال : " و جعلت قرة عيني في الصلاة ".
و تأمل قوله : " و جعلت قرة عيني في الصلاة " و لم يقل : " بالصلاة " ، إعلاماً منه بأن عينه لا تقر إلا بدخوله كما تقر عين المحب بملابسته لمحبوبه و تقر عين الخائف بدخول في محل أنسه و أمنه ، فقرة العين بالدخول في الشيء أم و أكمل مِت قرة العين به قبل الدخول فيه ، و لما جاء إلى راحة القلب من تعبه و نصبه قال : " يا بلال أرحنا بالصلاة ".

لماذا الراحة بالصلاة ؟

أي أقمها لنستريح بها من مقاساة الشواغل كما يستريح التعبان إذا وصل إلى مأمنه و منزله و قرَّ فيه ، و سكن و فارق ما كان فيه من التعب و النصب.
و تامل كيف قال : " أرحنا بالصّلاة " و لم يقل : " أرحنا منها " ، كما يقوله المتكلف الكاره لها ، الذي لا يصليها إلا على إغماض و تكلف ، فهو في عذاب ما دام فيها ، فإذا خرج منها وجد راحة قلبه و نفسه ؛ و ذلك أنَّ قلبه ممتلئ بغيره ، و الصلاة قاطعة له عن أشغاله و محبوباته الدنيوية ، فهو معذَّب بها حتى يخرج منها ، و ذلك ظاهر في أحواله فيها ، من نقرها ، و التفات قلبه إلى غير ربه ، و ترك الطمأنينة و الخشوع فيها ، و لكن قد عَلِمَ أنَّه لا بدّ له من أدائها ، فهو يؤديها على أنقص الوجوه ، قائل بلسانه ما ليس في قلبه و يقول بلسان قلبه حتى نصلي فنستريح من الصلاة ، لا بها.
فهذا لونٌ و ذاك لونٌ آخر .
ففرق بين مَن كانت الصلاة لجوارحه قيداً ثقيلاً ، و لقلبه سجناً ضيقا حرجاً ، و لنفسه عائقا ، و بين مَن كانت الصلاة لقلبه نعيماً ، و لعينه قرة و لجوارحه راحة ، و لنفسه بستاناً و لذة.
فالأول : الصلاة سجن لنفسه ، و تقييد لجوارحه عن التورط في مساقط الهلكات ، و قد ينال بها التكفير و الثواب ، أو ينال من الرحمة بحسب عبوديته لله تعالى فيها ، و قد يعاقب على ما نقص منها.
و القسم الآخر : الصلاة بستان له ، يجد فيها راحة قلبه ، و قرّة عينه ، و لذَّة نفسه ، و راحة جوارحه ، و رياض روحه ، فهو فيها في نعيم يتفكَّه ، و في نعيم يتقلَّب يوجب له القرب الخاص و الدنو ، و المنزلة العالية من الله عزَّ و جل ، و يشارك الأولين في ثوابهم ، بل يختص بأعلاه ، و ينفرد دونهم بعلو المنزلة و القربة ، التي هي قدر زائد على مجرد الثواب.

من فوائد الصلاة القرب من الله

و لهذا تَعِدُ الملوك من أرضاهم بالأجر و التقريب ، كما قال السحرة لفرعون : { إنَّ لَنَا لأَجراً إن كُنَّا نحنُ الغالبينَ} [الشعراء:41] ، { قالَ نَعم و إنَّكم لَمنَ المُقرَّبين} [الأعراف : 114].
فوعدهم بالأجر و القرب ، و هو علو المنزلة عنده.
فالأول : مَثَله مثل عبد دخل الدار ، دار الملك ، و لكن حيل بينه و بين رب الدار بسترٍ و حجاب ، فهو محجوب من وراء الستر فلذلك لم تقر عينه بالنظر إلى صاحب الدار و النظر إليه ؛ لأنه محجوب بالشهوات ، و غيوم الهوى و دخان النَفس ، و بخار الأماني ، فالقلب منه بذلك و بغيره عليل ، و النفس مُكبَّة على ما نهواه ، طالبة لحظها العاجل.
فلهذا لا يريد أحد من هؤلاء الصلاة إلا على إغماض ، و ليس له فيها راحة ، و لا رغبة و لا رهبة فهو في عذاب حتى يخرج منها إلى ما فيه قرة عينه من هواه و دنياه.
و القسم الآخر :مَثَلُهُ كمثلِ رَجُلٍ دخَل دار الملك ، و رفع الستر بينه وبينه ، فقرَّت عينه بالنظر إلى الملك ، بقيامه في خدمته و طاعته ، و قد أتحفه الملك بأنواع التحف ، و أدناه و قربه ، فهو لا يحب الانصراف من بين يديه ، لما يجده من لذَّة القرب و قرة العين ، و إقبال الملك عليه ، و لذة مناجاة الملك ، و طيب كلامه ، و تذلُّله بين يديه ، فهو في مزيد مناجاة ، و التحف وافدة عليه مِن كلِّ جهة ، و مكتن و قد اطمأنت نفسه ، و خشع قلبه لربه و جوارحه ، فهو في سرورٍ و راحةٍ يعبد الله ، كأنه يراه ، و تجلَّى له في كلامه ، فأشد شيء عليه انصرافه مِن بين يديه ، و الله الموفق المُرشد المعين ، فهذه إشارة و نبذة يسيرة في ذوق الصلاة ، و سرّ من أسرارها و تجلٍّ من تجلياتها.


فصل

الفرق بين أهل السماع و أهل الصلاة

فنحن نناشد أهل السماع بالله الذي لا إله إلا هو ، هل يجدون في سماعهم مثل هذا الذوق أو شيء منه؟ بل نناشدهم بالله ، هل يدعهم السماع يجدون بعض هذا الذوق في صلاتهم أو جزءاً يسيراً منها؟
بل هل نَشَقُوا من هذا الذوق رائحة ، أو شموا منه شمة قط ؟
و نحن نحلف ، عنهم أن ذوقهم في صلاتهم و سماعهم صد هذا الذوق ، و مشربهم ضد هذا المشرب.
و لولا خشية الإطالة لذكرنا نُبذة من ذوقهم في سماعهم ، تدلُّ على ما ورائها . و لا يخفى على من له أدنى عقل ، و حياة قلب ، الفرق بين ذوق الآيات ، و ذوق الأبيات ، و بين ذوق القيام بين يدي رب العالمين ، و القيام بين يدي المغنين ، و بين ذوق اللذة و النعيم بمعاني ذكر الله تعالى و التلذذ بكلامه ، و ذوق معاني الغناء ، و التطريب الذي هو رقية الزنا ، و قرآن الشيطان ، و التلذذ بمضمونها فما اجتمع و الله الأمران في قلب إلا و طرد أحدهما الآخر ، و لا تجتمع بنت رسول الله و بنت عدو الله عز و جل عند رجلٍ أبداً ، و الله سبحانه و تعالى أعلم.


فصل

فمتى تجئ الأذواق الصحيحة المستقيمة إلى قلوب قد انحرفت أشد الانحراف عن هدي نبيها صلى الله عليه و سلم ، و تركت ما كان عليه هو و أصحابه و السلف الصالح ، فإنهم كانوا يجدون الأذواق الصحيحة المتصلة بالله عز و جل في الأعمال : الصلاة المشروعة ، و في قراءة القرآن ، و تدبره و استماعه ، و أجر ذلك ، و في مزاحمة العلماء بالركب ، و في الجهاد في سبيل الله ، و في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ، و في الحب في الله و البغض فيه ، و توابع ذلك ، فصار ذوق المتأخرين ـ إلا من عصمه الله ـ في اليراع و الدف ، و المواصيل ، و الأغاني المطربة من الصور الحسان و الرقص ، و الضجيج ، و ارتفاع الأصوات ، و تعطيل ما يحبه الله ، و يرضاه من عبادته المخالفة لهوى النفس .فشتَّان بين ذوق الألجان و ذوق القرآن و بين ذوق العود و الطنبور ، و ذوق المؤمنين و النُّور ، و بين ذوق الزَّمر و ذوق الزمر ، و بين ذوق الناي و ذوق { اقتربت السَّاعة و انشق القمر } [القمر : 01] و بين ذوق المواصيل و الشبَابات و ذوق يس و الصافات ، و بين ذوق غناء الشعر و ذوق سورة الشعراء ، و بين ذوق سماع المكاء و التصدية و ذوق الأنبياء.
و بين الذوق على سماع تُذكر فيه العيون السود و الخصور و القدود ، و ذوق سماع سورة يونس و هود ، و بين ذوق الواقفين في طاعة الشيطان على أقدامهم صواف ، و ذوق الواقفين في خدمة الرحمن في سورة الأنعام و الأعراف ، و بين ذوق الواجدين على طرب المثالث و المثاني ، و ذوق العارفين عند استماع القرآن العظيم و السبع المثاني ، و بين ذوق أولى الأقدام الصفات في حظيرة سماع الشيطان ، و ذوق أصحاب الأقدام الصافات بين يدي الرحمن.
سبحان الله هكذا تنقسم و المواجيد ، و يتميز خُلق المطرودين مِن خُلق العبيد ، و سبحان الممد لهؤلاء و هؤلاء من عطائه و المفارق بينهم في الكرامة يوم القيامة ، فوالله لا يجتمع محبو سماع قرآن الشيطان و محب سماع كلام الرحمن في قلب رجل واحد أبداً.
كما لا تجتمع بنت عدو الله و بنت رسول الله عند رجل واحد أبداً.

أنت القتيل بكلِّ مَن أحببته ** فاختر لنفسك في الهوى مَن تصطفي

سماع أهل الحق

كان أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم و رضي الله عنهم ، إذا اجتمعوا و اشتاقوا إلى حاد يحدو بهم ، ليطيب لهم السير ، و محرك يحرك قلوبهم إلى محبوبهم ، أمروا واحدا منهم يقرأ و الباقون يستمعون ، فتطمئن قلوبهم ، و تفيض عيونهم و يجدون من حلاوة الإيمان أضعاف ما يجده السماعاتية من حلاوة السماع.
و كان عمر بن الخطاب إذا جلس عنده أبو موسى يقول : يا أبا موسى ذكرنا ربنا ، فيأخذ أبو موسى ، في القراءة ، و تعمل تلك الأقوال في قلوب القوم عملها ، و كان عثمان بن عفان يقول : لو طهرت قلوبنا لما شبعت من كلام الله.
و أي و الله ، كيف تشبع من كلام محبوبهم و فيه نهاية مطلوبهم ؟ و كيف تشبع من القرآن ؟ و إنما فتحت به لا بالغناء و الألحان؟!

و إذا مَرضنا تداوينا بذكركُم ** فإن تركناه زادَ السقم و المرض

و أصحاب الطرب و الألحان عن هذا كله بمعزل ، هم في وادي و القوم في واد.

و الضبُّ و النُون قد يرجى التقاؤهما ** و ليس يُرجى التقاء الوحي و القصب

فأين حال من يطرب على سماع الغناء و القصب بين المثالث و المثاني و ذوقه و وجده إلى حال من يجد لذة السماع و روح الحال ، و ذوق طعم الإيمان إذا سمع في حال إقبال قلبه على الله و أنسه به و شوقه إلى لقائه ، و استعداده لفهم مراده من كلامه و تنزيله على حاله و أخذه بحضه الوافر منه قارئاً مجيداص حسن الصوت و الأداء يقرأ :
بسم الله الرحمن الرحيم {طه ما أنزلنا عليك القُرآن لتشقى إلاَّ تذكرةً لمن يخشَى تنزيلاً ممَّن خلقَ الأرضَ و السَّماوات العُلى الرَّحمَن على العرش استوى له ما في السَّماوات و ما في الأرضِ و ما بينهما و ما تحت الثَّرى و إن تجهر بالقولِ فإنَّه يَعلَمُ السِّرَّ و أخفى}[طه:1-7].

و أمثال هذا النمط من القرآن الذي إذا صادف حياة في قلب صادق قد شمَّ رائحة المحبة و ذاق حلاوتها ، فقلبه لا يشبع من كلام محبوبه و لا يقر و لا يطمئن إلا به ، كان موقعه من قلبه كموقع وصال الحبيب بعد طول الهجران ، وحلَّ منه محلَّ الماء البارد في شدَّة الهجير من الظمأ ، فما ظنُّك بأرض حياتها بالغيث أصابها وابله ، أحوج ما كانت إليه ، فأنبت فيها من كلِّ زوج بهيج ، قائم على سوقه يشكره و يثني عليه.
فهل يستوي عند الله تعالى و ملائكته و رسوله و الصادقين من عباده ، سماع هذا و سماع هذا ، و ذوق هذا و ذوق هذا ، فأهل سماع الغناء عبيد نفوسهم الشهوانية ، يعلمون السماع طلباً للذة النفس و نيلاً لحظها الباطل ، فمن لم يميز بين هذين السماعين ، و الذوقين فليسأل ربه بصدق ، رغبته إليه أن يحيي قلبه الميت ، و أن يجعل له نوراً يستضيء به في ظلمات جهله ، و أن يجعل له فرقاناً فيفرِّق به بين الحق و الباطل ، فإنه قريب مجيب.

فصل
في التنبيه على نكتة خفيَّةٍ من نكت السَّماع

و في السماع نكتة حقيقية أصلية يعرفها أهلها ، و يجدونها بعد انقضائه و هي أنه قد علم الذائقون منهم أنه ما وجد صادق في السماع الشعري وجداً ، و تحرك به إلا وجد بعد انقضائه و مفارقة المجلس قبضاً على قلبه ، و نوع استيحاش ، و أحس ببعده و انقطاعاً و ظلمة ، و لا يتفطن لهذا الأمر إلا من في قلبه أدنى حياة و إلا : فما لجرح بميت إيلام ، و لو سئل عن سبب هذا لم يعرفه ؛ لأن قلبه مغمور في السماع و ذوقه الباطل ؛ فهو غافل عن استخراج آلامه التي طرقته فيه ، و عن أسباب فساد القلب منه ، و لو وزنه بالميزان العدل لعلِمَ من أين أتى ، فاسمع الآن السبب الذي لأجله نشأ منه هذا القبض ، و هذه الوحشة ، و البعد .
لما كان السماع الشعري أعلى أحواله أن يكون ممتزجاً بحق و باطل ، و مركباً من شهوة و شبهة ، و أحسن أحوال صاحبه أن تأخذ الروح حظها المحمود منه ، ممتزجاً بحظ النفس ، و الشيطان و الهوى فهو غير صافٍ ، و لا خالص ، فامتزج نصيب الصادق فيه من الرحمن بنصيب الشيطان ، و اختلط حظ القلب بحظ النفس ، هذا أحسن أحواله ، فإنه مؤسس على حظ النفس و الشيطان و هو فيه بذاته و هو نصيبه من الرحمن فهو فيه بالعرض ، لوم يوضع عليه و لا أسس عليه فاختلط في وادي القلب الماء اليسير الصافي بالماء الكثير الكدر ، و غلب الخبيث في الطيب ، أو تجاورا و التقت الواردات الرحمانية ، و الواردات الشيطانية.
و المستمع الصاد لغلبة صدقه ، و ظهور أحكام القلب فيه يخفى عليه ذلك الوقت أثر الكدر و لا يشعر به سيَّما مع سُكر الروح به ، و غيبتها عن سوى مطلوبه ، فلما أفاق من سكره ، و فارق لذة السماع و طيبه ، وجد اللوث و الكدر الذي هو حظ النفس ، و الشيطان ، و أثر جثوم الشيطان على قلبه فأثر فيه ذلك الأثر قبضاً ، و وحشة ، و أحس به بعداً و كلما كان أصدق و أتم طلباً كان وجوده لهذا أتم و أظهر فإن استعداده هو بحياة قلبه يوجب له الاحساس بهذا ، و لا يدري من أين أتى ، و هذا له في الشاهد نظائر و أشباه منها :
إنَّ الرجل إذا اشتغل قلبه اشتغالاً تاماً بمشاهدة محبوب أو رؤية مخوف ، أو لذةٍ مَلَكت عليه حسّه و قلبه ، إذا أصابه في تلك الحالة ضربٌ ، أو لسعٌ أو سببٌ مؤلم ، فأنه لا يكاد يشعر به ، فإذا فارقته تلك الحالة وجد منه ألم حتى كأنه أصابه تلك الساعة ، فإنه كان في مانع يمنعه من الإحساس بالألم فلما زال المانع أحس بالألم.

أهل الصدق إذا دخلوا في السماع الباطل

و لهذا كان بعض الصادقين إذا فارق السماع بادر إلى تجديد التوبة و الاستغفار ، و أخذ في أسباب التداوي التي يُدفع بها موجب أسباب القبض و الوحشة و البعد.
و هذا القدر إنما يعرفه أولوا الفقه في الطريق أصحاب الفِطَن ، المعتنون بتكميل نفوسهم ، و معرفة أدوائها و أدويتها و الله المستعان.
و لا ريب أن الصادق في سماع الأبيات قد يجد ذوقاً صحيحاً إيمانياً ، و لكن ذلك بمنزلة من شرب عسلاً في إناء نجس.
و النفوس الصادقة ذوات الهمم العالية رفعت أنفسها عن الشراب في ذلك الإناء تقذراً له ، ففرت منه لاستقامتها و طهارتها ، و علو همتها فهي لا تشرب ذلك الشراب إلا في إناء يناسبه ، فإذا لم يجد إناء يناسبه صانت الشراب عن وضعه في ذلك الإناء ، و انتظرت أن يليق به.
و غيرها من النفوس تضع ذلك الشراب في أي إناء انفق لها ؛ من عظام ميتة أو جلد كلب أو خنزير أو إناء خمر ، طالما ما شرب به الخمر ، أو لا يستحي الغراب أن يشرب أطيب شراب و ألذه في هذه الآنية ؟
و لو جرَّد الصادق ذلك في حال سماعه لوجد ذوقه من ذلك ، و لكن حلاوة العسل تغيب عنه نتنه و قذره و أثر قبحه على قلبه في تلك الحال ، فبعد مفارقته يوجب له ذلك وحشةً و قبضاً ، هذا إذا كان صادقاً في حاله مع الله و كان سماعه لله و بالله.
و أما إن كان كاذباً كان سماعه للذة نفسه و حظه فهو يشرب النجاسات في الآنية القذرات و لا يحس بشيء مما ذكرناه ؛ لاستيلاء الهوى و النفس و الشيطان عليه.
و أما صاحب السماع القرآني الذي تذوَّقه ، و شرب منه ، فهو يشرب الشراب الطهور ، الطيب النظيف في أنظف إناءٍ ، و أطيبه ، و أطهره .
فالآنية ثلاثة : نظيف ، و نجس ، و مختلط.
و الشرابات ثلاثة : طاهر و نجس و ممزوج.


القلوب ثلاثةٌ

و القلوب ثلاثة : صحيح سليم فشرابه الشراب الطهور في الإناء النظيف ، و سقيم مريض فشرابه الشراب النجس في الإناء القذر ، و قلب فيه مادتان.
إيمان و نفاق ، فشرابه في إناء بحسب المادتين ، و قد جعل الله لكل شيء قدراً ، فالعارف مَن نظر في الأسباب إلى غاياتها و نتائجها ، و تأمل مقاصدها ، و ما تؤول إليه.
و مَن عرف مقاصد الشرع في سدِّ الذرائع المفضية إلى الحرام ، قطع بتحريم هذا السَّماع ، فإنَّ المرأة الأجنبية و سماع صوتها حرام ، و كذلك الخلوة بها .


المحرمات في الشريعة

و محرمات الشريعة قسمان :
• قسم حُرِّم لما فيه من المفسدة.
• و قسم حُرِّم لأنه ذريعة إلى ما اشتمل عليه من المفسدة.
فمن نظر إلى صورة هذا المحرم ، و لم ينظر إلى ما هو وسيلة إليه استشكل وجه التحريم .
و الله سبحانه و تعالى أعلم ، و الحمد لله رب العالمين ، و صلى الله و سلم على سيد المرسلين محمد صلى الله عليه و سلم و على آله و أصحابه و التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين ، بمنِّك و كرمك يا أرحم الراحمين.


قال محقِّقه ـ عفا الله عنه ـ :
"فقد منَّ الله عليَّ إذ وفقني و انتدبني لإخراج هذا السفر الجليل ، بهذه الصورة ، معتمدا في إخراجه على ثلاثة نُسخٍ خطية من بلدان ثلاث" [7] ، " و هي مصر و العراق و المملكة العربية السعودية.
و الكتاب لم يُنشر سابقاً بهذه الصورة أبداً و لا هو مستلٌ من كتاب كبير .
و حقيقة هذه الرسالة هو أنها جزء من كتاب " مسألة السَّماع " و الذي نشر أيضا بعنوان آخر ـ كما سيمر ـ و لكن هذا الجزء جاء ناقصا عن المخطوطات ، و فيه تقديم و تأخير ، و فيه تحريف."[9]
ثم قال : " فوجدت أن نشر هذه الرسالة بشكل مستقل و باسم مغاير هو عمل شرعي و مشروع ؛ لأسباب كثيرة أذكر منها :
أ‌- أنَّ هذه الرسالة بشكلها النهائي تختلف كثيرا عن الجزء المطبوع في كتاب " الكلام على مسألة السماع".
ب‌- أنها لا تشبه أي كتاب أو رسالة منشورة سابقا ، فقد استلت من كتب ابن القيم كثير من المؤلفات ، منها ما استل قديما ، و منها ما استله المعاصرون .." [9]
و أضاف قائلاً : "فهذا الكتاب لا يعتبر كتاباً مستلاً فهو لا يشبه أبداً المستلات السابقة سواء ما استل حديثا أو قديما ، بل هو كتاب مستقل بذاته.
ج- كتاب " الكلام على مسألة السماع " ألفه ابن القيم على مراحل فهو مكون من قسمين أو جزئين كما في مقدمة الكتاب [3] لمحققه راشد بن عبد العزيز الحمد.
الجزء الأول من فصلين : الفصل الأول بيان حكم الغناء في الشريعة.
الفصل الثاني : أن تعاطي السماع على وجه اللعب و الخلاعة و على وجه للقربة و الطاعة.
و ختم هذا الفصل بالموازنة بين ذوق الصلاة و ذوق الغناء.
الجزء الثاني : و اشتمل على ذكر شبه المغنين و دحضها.
و يبدو لي أن ابن القيم أجاب عن هذه الفتيا في سنة [ 740هـ ] ثم بعد فترة أضاف لها الجزء الثاني و دليل ذلك قول ابن القيم في بداية الجزء الثاني [ 33] : قال الشيخ شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر الحنبلي إمام الجوزية في تمام الجواب عن الفتيا الواردة في السماع سنة أربعين و سبعمائة التي أجاب فيها العلماء على المذاهب الأربعة رضي الله عنهم أجمعين.
أي أن ابن القيم ألف كتابه على مرحلتين .
و رسالتنا هذه مستلة من نهاية الجزء الأول و فصله الأخير
بقي هناك سؤالاً لماذا كل هذه الاختلافات في النسخ بين المطبوع و المخطوط ، و بين نفس المخطوط؟
و أقرب جواب وقع لي هو : أن ابن القيم نفسه استل هذه الرسالة ثم نقحها أكثر من مرَّة.
و مع وقوع السقط و التحريف من النساخ ، و كثرة النسخ المنقحة و المصححة من ابن القيم نفسه.
جعل هذا الاختلاف الكبير بين النسخ.
فهي إذن رسالة استلها ابن القيم نفسه و نقحها و أعاد النظر فيها عدَّة مرات و أضاف و حذف و قدَّم و أخر . و أصبحت على شكلها الحالي . هذه الأسباب الثلاثة هي التي دفعتني لنشر هذه الرسالة بشكل مستقل.[1-22].

انتهى
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 01-13-2013, 01:56 PM
 
اللؤلؤة المكنونة


اللؤلؤة المكنونة
عادل بن عبد الله العبد الجبار

بداية العقد

أختي الكريمة …. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
( اللؤلؤة ى المكنونة )
كلمة أهمسها في أذنك ، كلمة أبعثها إلى فؤادك ، كلمة أزفها إلى روحك الغالية .
إليك …… يا جوهرة مضيئة .
إليك …… يا درة مصونة .
إليك …… يا لؤلؤة مكنونة .
إليك أهدي كلماتي المفعمة بنور الإخوة ورحيق المحبة تحاكي صندوقاً رُصَّ باللاليء المكنونة ألقي عبر شواطيء الحياة يطوف قلمي أعماقه بمجدافه المتواضع .
هذه خواطر صادقة ، ونصائح غالية ، يسَّر الله لي كتابتها والتعليق عليها قمت بجمعها عبر اللقاءات الدعوية في المدارس ودور تحفيظ القرآن الكريم كان ثمرتها هذا الكتاب المتوج باسم :
( اللؤلؤة المكنونة )

عادل العبدالجبار
الرياض : ص . ب : 56 – الرمز البريدي : 11392


اللؤلؤة الأولى
لماذا اللؤلؤة المكنونة ؟

إن الفتاة في هذه السن تسعى في إضلالها أيادي ماكرة ، وعيون حاسدة ، وأنفس شريرة تريد إنزالها من علياء كرامتها وإخراجها من لب سعادتها . فكم ساء وأقض مضاجع الأعداء ما تتمتع به في ظل الإسلام من حصانة وكرامة ، فسلطوا الأضواء عليها ونصبوا الشباك ، ورموها بنبلهم وسهامهم عبر العناوين المشوقة والفضائيات الساحرة ، وآخر صيحات الموضة لتحمل العشرات من الفتيات أهدافاً لا تعود عليهن إلا بخيبة الأمل إن تحققت .
قال تعالى : ( وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ) (البقرة:120) .
أختاه …
هذا ما دفعني للكتابة لهذه المرحلة الحرجة من حياة الفتاة بأسلوب خالِ من العنف والتجريح أساسه الصراحة والعفوية دعوة للفتاة بأن تحافظ على أعز ما تملك من الكرامة والعفاف فاقرأي يا رعاك الله … أوراقي المتواضعة تجيبي نفسك بنفسك .
لماذا اللؤلؤة المكنونة .


اللؤلؤة الثانية
جمانة لا كالجمان
تأملي أختي الكريمة … نظرة العالم للفتاة !!
إنها نظرات تختلف من بلد لآخر ، نراها ونسمعها ونقرأوها عبر وسائل الإعلام عبر الصورة واللقاء المباشر والتقرير ، فما بين انتهاك للحرية ودعوة للمساواة بالرجل . فنحن بين دولتين :-
أولاهما : بريطانيا العظمى :
التي لا تغيب عنها الشمس لكثرة مستعمراتها تعتلي عرشها ( امرأة ) انظري حال فتياتها كم يعشن الجرائم في ظل الأمراض النفسية والاجتماعية الدليل على وجود آثار وخيمة على نشأة الفتاة في تلك البلاد .
ثانيها : أمريكا :
التي يعلو إحدى بناياتها الشاهقة ( نصب الحرية ورمز التحرر ) انظري حال الفتاة كم بلغ من انحطاط وامتهان وذلك عبر الأغاني الساقطة ، والأفلام الآثمة ، والسهرات الفاضحة ، والقصص الداعرة ، والملابس الخالعة ، والعبارات المثيرة ، والحركات الفاجرة ، المسموعة والمقروءة والمشاهدة على الشواطئ والمنتزهات وفي الأسواق والطرقات .
اللؤلؤة المكنونة …
( جمانة فريدة ) في عصر أصبحت فيه الرذيلة عالمية رائحة لها نجومها ومؤسساتها وإعلامها ( فتاة الغرب ) بجمالها .. وأزيائها .. وحريتها .. وتعاملها .. وانفتاحها تدعو ( الجمانة ) إلى اللحاق بها . ما نهاية الاستجابة لها ؟ إلا الفضيحة والعار فلا يليق بالجمانة إلا العلو والرفعة في أعناق الجميلات من الفتيات .
أختي المصونة …
هل أجمل من تلك اللأليء المضيئة التي لا مثيل لها تزين عنق الفتاة بجواهر متماثلة قد انفردت الفتاة المسلمة بإيمانها وجمالها بطهرها ونقائها فاستحقت اسم ( الجمانة ) فكل حضارة من الحضارات هي عقد للجمان قد تميزت الفتاة المسلمة عن غيرها مع تماثلها مع بنات جنسها غي أنوثتها ..
قال تعالى : ( وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) (آل عمران:139) .


اللؤلؤة الثالثة
سحر المراهقة
الصفحات البيضاء الجميلة هي قلوب فتياتنا والحق كله أنا نخاف عليهن من كل شيء كيف لا ! وهن أصحاب القلوب الغضة التي أينما وجهت سارت ولو كان إلى حتفها فما أكثر ما تبكي الفتاة وتشتكي ويزداد الأمر شدة إذا ما قوبل هذا البكاء وهذه الدموع الغالية بالاستنكار واللامبالاة .
( سحر المراهقة ) … دوامة الأسئلة الملحة التي تؤرق الفتاة وتقلق حياتها ، فهموم متراكمة ، ومشاعر شفافة ، ونظرات مثالية ، وكمال زائف … وهي من تحمل الابتسامة الجميلة ، والكلمة الطيبة ، والعاطفة الدافئة ، والتفهم القاصر ، والتقدير الوافر ، والحب الحقيقي الصادق الذي فرض عليها الاتسام بالرقة وحدة الانفعال ولو كان غير مقصود ربما كانت المشاعر الهمشة وقلة الخبرة وضعف التحمل الدافع الأقوى لتقع في القابلية الشديدة للإيحاء إرضاء لمزاجها يظهر جلياً بجذب الأنظار لها بارتداء الملابس والإكسسورات على طريقة مميزة تحمل لغة فريدة في نقدها وتصديها للأخطاء .
( سحر المراهقة ) … للفتاة … لا يعني الراحة والعبث والنوم المتواصل وإعطاء ( أحلام اليقظة ) النصب الوافر من التفكير فالحرية المطلقة في هذه الفترة وسحرها هو الشر والدمار لحياتها حين تقضي على العمر وهي تعيش قمة المراهقة وسحرها تخرج للسوق وحدها لتبهر بجمالها العيون الشاردة ، وتفتن بدلالها القلوب الحائرة لتسقط فريسة سهلة لشاب معاكس يخطط لوأد عفتها وقتل شرفها أو تعيش مع سماعة الهاتف الساعات الطويلة تفشي سرها لغيرها ، أو تسقط ضحية الإعجاب والحب الزائف فتتأثر لأي حركة ولو كانت غير مقصودة … أو تقضي جل وقتها تتنقل ( بالريموت ) من قناة لقناة عبر الفضائيات أو تتابع المجلة الماجنة من عدد لآخر لتلامس حياتها الجو المظلم بهمومها وأفكارها فلا ترى لها موجهاً ولا مرشداً قد تباينت حياتها عن حياة أقرب الناس لها فعاشت السحر في أسوأ تأثيره بينما كان علاجه بيدها ! كيف ؟؟ متى ما خالطت الصحبة الصالحة وكسرت الحواجز الوهمية بينهما وبين والديها وأخواتها قد ملكتهم بسرعة الاستجابة لتبديل الخطأ ، والتقدير الوافر للنصح والإرشاد وحينها ينفك سحر المراهقة وإلى الأبد بتقوية الوازع الديني .. وفي الحديث من السبعة !
.. شاب نشأ في طاعة الله .. تدخل الفتاة تبعاً .

اللؤلؤة الرابعة
رقة أمي ورحمة أبي
أختي العزيزة … بين طيات الأسطر لمسة حانية أودعها سمعك وأهديها نفسك – إنها ( الوالدان ) مضت أيامهما ، وانقضى شبابهما لأجلك ينتظران منك قلباً رقيقاً وبراً رفيقاً .
تذكري … ( والدتك ) حين تعودين من مدرستك تبعد جاهدة صراخ الصغار وأصوات معاركهم لتسعدي بالراحة في عالم حبها لك ودلالها .
تذكري … ( والدك ) كم يلبي طلباتك الشخصية والمدرسية ويؤثرها على نفسه دون تبرم ولا ملل .
قال تعالى : ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً) (الاسراء:23).
تأملي الآية الكريمة .. وصية الله للفتاة بأن تبر ولا تعق وتحسن ولا تنسى وتكرم ولا تهن رحمة بدموع الآباء ورقة الأمهات .
اللؤلؤة المكنونة …
البدر في كبد السماء ، والدرة في قلب المحارة السوداء هي لوالديها السرور إذا ساءت الأيام والفرح يبدد الأشجان والأحزان فهي بارة بوالديها ، مطيعة لهما ، محسنة إليهما ، كلمات منها لوالديها هي من الشهد وأطيب من الحلوى وربما كلمة غير مقصودة أورثت ألماً أرق مضجعهما وأقلق راحتها ، وحينها لن نستورد بر أمهاتنا من عادات غربية عنا بل في ديننا القدوة الحسنة في ظل الحياة السعيدة .
وإليك نماذج فريدة ومواقف جميلة :
كهمس العابد رأى عقرباً فلحقها ليقتلها فلدغته فسئل : لمه ؟ فقال : خفت منها على أمي .
سعيد بن عامر قال : بات أخي يصلي وبت أغمز رجل أمي وما أحب أن ليلتي بليلته .
رأى عبدالله بن عمر رضي الله عنهما رجلاً ينظف أمه من بولها وبرازها فقال : له الرجل أتراني أديتها حقها فقال : لا …
أنت تزيله وترجو موتها … وهي تزيله وترجو حياتك
أنت تزيله كرهاً … وهي تزيله فرحاً
ولكنك محسن والله يثيب الكثير على القليل

اللؤلؤة الخامسة
عفواً
ربما تصاب الفتاة عند بلوغها بصدمة تؤثر في نفسها وذلك حين تتوالى عليها الأسئلة الملحة ولا مجيب الذي يبعث المرارة والأسى في نفسها … من المسؤول عن تساؤلاتها ؟ ومن يجيب عما في خاطرها ؟
سؤال صعب … أصعب منه الغموض في إجابته وحينها نفقد الإبداع والمصارحة في حلولنا فنحن نملك ما لا يملكه غيرنا في إيضاح أحكام المرأة برؤية أبعد وأعمق وأشمل .
أختي العزيزة … لا تفزعي وتخافي إذا رأيتي ( الدم ) في ملابسك الداخلية لأول مرة فهو أمر طبيعي يصيب الفتاة في هذا السن ويسمى الحيض وفي الحديث : ( إن هذا الأمر كتبه الله على بنات آدم ) رواه الإمام مسلم .
وصايا شرعية :
إن الحيض يكون شهرياً لمدة 4 إلى 7 أيام في غالب النساء لا تطالب الفتاة أثناء الدورة بصلاة ولا صيام وتقضي الصوم فقط .
قالت عائشة رضي الله عنها : ( كنا نؤمر بقضاء الصيام ولا نؤمر بقضاء الصلاة ) كذلك لا تمس المصحف الشريف مع جواز قراءته عن ظهر قلب أو بقفازين حين التلاوة ، كما يجب الاغتسال من الحيض والإنزال .
( البلوغ ) للؤلؤة المكنونة :
يعني الالتزام بالحجاب الشرعي فتبتعد عن مخالطة الرجال دون المحارم فلا تصافحهم ولا تجلس معهم .
قال تعالى : ( وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ …) (النور:31)
وحينئذ تستوعب الفتاة صدمات مرحلة البلوغ وتتجاوز آلامها بأية كريمة أو حديث شريف أو أثر مبارك .


اللؤلؤة السادسة
قليل من الشورى
أختك الكبرى … شقيقتك ، مستودع ذكرياتك ، شريكة صباك ، هي الكبرى الجميلة والناصحة الذكية حين ترينها اجلسي إليها واستشعري بأن الدنيا بين يديك وأنك أغنى الناس بها وأوفر حظاً إذا ما نصحتك وأعطتك جملة من التوجيهات الذهنية فربما جلست إلى عشرات وعشرات من أمثالها لكن كفى بالروابط الأخوية الطريق إلى الراحة والتفهم العميق .
أختك الكبرى … بين يديها همومك فهي أغنى الناس فيما تريين من الحياة ، إنها مدرسة تستحق الشكر والثناء فهي وقود الأمل لك ما كانت مستقيمة ناصحة فهي أفضل من الصديقة لأن الصداقة سلعة غالية قل وفاؤها فلا مجال لصداقة زائفة تظهر سرك وتكشف أوراقك وحينها تنتهي حياتك .
أختك الكبرى … لئن تزوجت وغدت ملكة في بيتها تدير مملكتها فليس معناه عدم الشورى معها بل إلى المزيد في ظل واحة تأخذين منه معين مائة وصفائه فيفيض عليك عبير السعادة والهناء …
أختك الكبرى … السد المنيع لحمايتك والسراج المنير لأسئلتك قد استجابت لك وكأنها أنت ولا شيء يفرق بينكما .


اللؤلؤة السابعة
حتى لا أكره أخي !!!
قالت وبكل حرقة وألم .. ( أحب أخي ولكن تفضيل والدي له يجعلني أكرهه ).
( واقع محزن ) محبة العائلة للابن دون البنت في تفضيله والسماع لحديثه وتلبية طلبه أكثر منها في ظل مشاعر قاتلة طفت على سطح العائلة وحقها الاختفاء ، ما لها الفتاة وهي مكسورة الجناح لأن تحمل مشاعر حاقدة تعبر عنها بالكره والقلق . يشارك ذلك تسلط الأخ على أخواته بهذا التفضيل فيسأل عن الخصوصيات بطريقة خاطئة وحينئذ لا يطاق يفرض نفسه وسيطرته بالأوامر والصراخ والمنع من أقل الحقوق .
أختي الكريمة …
سامحي وانسي هذه العادات ، فكثير هن الفتيات اللاتي مررنا بتجارب قاسية من هذا التفضيل انتهت بلا شيء ولم تنقطع العلاقات الأخوية .
اللؤلؤة المكنونة …
تعرف كيف تتعامل مع هذا التفضيل فتوقفه متى رأت أنه زاد عن حده في نفسها الزاكية فتتجاهل ذلك وتعطي أخاها الحب والتقدير وتتلمس دورها القادم في مملكتها الغالية مع أولادها فلا تكرر الخطأ بعد أن ذاقت مرارته .
اللؤلؤة المكنونة …
هي الحكيمة تتعامل مع أخيها بمهارة فائقة ، وابتسامة جميلة ووجه مشرق طبق ، وقلب كبير ، وعاطفة دافئة ، وتفهم عميق ، وتقدير وافر ، وحب صادق ، وإيثار حقيقي لأخيها رمز حياتها ومنبر عزها مع إيمانها ( بأن الفتاة ) محبوبة ومقدرة شرعاً فهؤلاء الأنبياء آباء لبنات وخير مثال يسطر ويكتب معاملة الرسول صلى الله عليه وسلم لبناته اللاتي كن نجوماً ساطعة في حياة الفتاة …

اللؤلؤة الثامنة
من أي الأقسام أنت ؟
الفتاة والصلاة أقسام …
* مهملة وتاركة لها بالكلية … فهذه أخلت بركن من أركان الإسلام قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر ) .
* تصلي أحياناً … الواجب المواظبة عليها في أوقاتها قال تعالى : ( إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً) (النساء:103) .
* تؤخر حتى خروج الوقت … لنوم أو تهاون وهذا حرام لقوله تعالى : ( فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ) (مريم:59)
قال ابن مسعود : ( لم يتركوها بالكلية بل يؤخروها عن وقتها ) .
* تجمعها لغير حاجة … وهذا ملاحظ عند بعض الفتيات وهذا أمر لا يجوز إلا لعذر .
* محافظة عليها … مع أول دخول الوقت فهذه الملتزمة المستقيمة .
… ففي أي قسم تضعين نفسك ؟؟؟
اللؤلؤة المكنونة …
بالصلاة ينبض قلبها فلا يفتر لسانها عن ذكرها إلا حال عذرها سرى حب الصلاة في دمها إذا سمعت المؤذن طارت إليها أشواقها وإذا انشغلت عنها فلا تملك إلا دموعها ترسلها ساخنة من عقوبة تأخيرها .
فهي في هذه الحياة لله وبالله وإلى الله وعلى الله ولا حول لها ولا قوة إلا بالله كانت الصلاة الصلة بينها وبين ربها .
الصلاة إذا تم فعلها على الوجه الشرعي بأركانها وواجباتها وسننها ، وأتم ذلك بخشوع وتدبر فهي إذن منورة للقلب ، مبيضة للوجه ، منشطة للجوارح ، جالبة للرزق ، رافعة للظلم ، قامعة للشهوة ، حافظة للنعمة ، منزلة للرحمة ، كاشفة للغمة ، تكفر السيئة ، تزيد الحسنة ، ترفع الدرجة ، تدفع الفتنة ، تعين على البر والتقوى ، تعالج النفس من الحسد والهلع … وأعظم من ذلك استجابة لأمر الله ووصية رسوله صلى الله عليه وسلم في مرض موته حين قال : ( الصلاة … الصلاة … ) .

اللؤلؤة التاسعة
( صديقتك )
من تجالسين ؟ أخبرك من أنت ؟ حقيقة جميلة أجمل منها تطبيقها فالفتاة في هذا السن تحدد الصديقة والصاحبة سواء كانت صالحة أم سيئة ونحن بين مثالين :
صديقتك السيئة :
التي تستفيد منك ولا تستفيدين منها ، ولا تحب إلا نفسها فهي أنانية في تصرفها ، فاقدة الاتزان في سلوكها ، ضعيفة في تفكيرها ، معجبة برأيها ، سيء خلقها ، ردئية معاملتها ، بذىء لسانها ، شؤم على نفسها ، نكبة على مجتمعها ، بلية على أمتها ، تخدش الكرامة أفعالها ، إلى هاوية تجر من حولها … أما …
صديقتك الصالحة :
فهي فخورة بدينها ، مغتبطة بإيمانها ، تؤدي فرائضها وتصوم شهرها ، مهذبة أخلاقها ، لين جانبها ، رحيب صدرها ، كريمة نفسها ، طيب قلبها ، لا تقلد الكافرة بل تبغضها ، فريدة في تواضعها ، تحب الخير لأخواتها ومن حولها .
( رزان ) .
فتاة في الثانوية – قمة التحصيل والاجتهاد – أحبها المعلمات والزميلات تعرفت على صديقة سيئة فرضت بينها لقاءات متعددة كان الهاتف أقواها كانت النتيجة هدية مغلفة مسمومة إنه ( فيلم ) دمر حياتها وشوش عقلها وأنهك جسدها قد بدت يديها المتعرقة المرتعشة من أسئلتها الحزينة . قد علا الشحوب على وجهها والهالات الصوداء تفتك بأجفانها فلا تكاد ترى إلا …
( ريحانة ذابلة )
( رزان ) ..
بدأت هناك بالصديقة والطعم الهدية وانتهت الصداقة بالندم والحزن الطويلة .
قال تعالى : ( يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً . لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنْسَانِ خَذُولاً) (الفرقان: 28- 29) .


اللؤلؤة العاشرة
يريدك المجتمع طبيبة ولكن ؟!
يسعدنا وبكل سرور اليوم الذي تزاول فيه الفتاة ( معنة الطب ) بكل حب ووفاء تخفف الآهات والأنات عن كل مريض يعاني ويتألم تحمل هم إزالة الحزن والكآبة وهي واسعة الصدر ، ماجدة الخلق ، سالمة النية وفي الأثر … ( أن عائشة كانت عالمة بالطب ) 2/8 سير أعلام النبلاء .
أختي الطبيبة …
دعينا نتشارك سوياً في مهنتك الشريفة من أنت ؟ وماذا يريد منك المجتمع ؟ وما لا يريد ؟
بداية .. لا نريدك طبيبة تحمل نفساً مريضة تهدر كرامتها في طرقات المستشفى وممراته ، قد ألفت مخاطبة الرجال والاحتكاك بهم ، بحجاب مهذب ، وضحكات تدوي ، وزينة واضحة ، ونقاب فاضح ، ويدين مكشوفتين ، ربما أمضت وقتاً ليس بالقصير مع ( مريض ) أو ( طبيب ) بخلوة محرمة تحت مهنة – طبيبة أسنان – أو ممرضة وكأنه لم يوجد إلا هي لهذا العمل …
تأملي … هذه الطبيبة المبتذلة التي تمارس هذه التصرفات الخاطئة التي لم تفعلها لكونها ( طبيبة ) كلا بل هو أمر ترتب عليه فلا مجال لربط التحلل الأخلاقي والديني بعمل الطب …
نريدك ( الطبيبة ) الملتزمة بأخلاقها وحجابها حين تشعر بأن عملها وجمالها برئ لم يؤذ أحداً ، ولم يسبب حسرة ولا شهوة ، فلم تلتهم لحمها الأنظار ، ولم تلك عرضها الأفواه تعالج المواقف الجارجة في المستشفى بحكمة بالغة قد لبت حاجة مجتمعها لمهنة الطب بطاقم نسائي متكامل يغني عن دخول الرجل في تمريض النساء .
أختي الطبيبة :
لو دعيت للحضور إلى المستشفى على وجه السرعة أو كلفت بمناوبة مسائية فما أنت فاعلة ؟ أتذهبين ؟ أم تفضلين العيش بلا زواج ؟ وإلى متى ؟ نحن لا نريدك طبيبة على حساب نفسك وأسرتك كما لا نريد حرمان مجتمعنا من هذه المهنة الشريفة .
هل تفهم الزوج أو الوالد أو الأخ مشكلة حرمان الأبناء من الأم الطبيبة ؟!


انتصاف العقد
حركة تحرير المرأة
حركة تحرير المرأة حركة علمانية نشأت في أوربا ثم تم تصديرها للعالم الإسلامي عن طريق تركيا ومصر ، ثم انتشرت في أرجاء البلاد العربية والإسلامية تهدف لقطع صلة المرأة بالآداب الإسلامية ، والحكام الشرعية الخاصة بها كالحجاب والطلاق والتعدد والميراث لتواكب المرأة الغربية في كل شيء ، فألف كتاب ( المرأة في الشرق ) و ( تحرير المرأة ) و ( والمرأة الجديدة ) دعوة للسفور والتبرج ونبذ الدين … ومع هذا التخطيط المنظم عاد الكثير من النساء في العالم العربي والإسلامي إلى التمسك بشرع الله بعد أن اعتررن مدة من الزمن بسراب هذه الحركة وزيفها . فهل تقد … ( اللؤلؤة المكنونة ) .. ما يراد بها من الأعداء الذين يريدون ابتذالها .. ونزع حيائها .. وتهييجها .. على شرع الله بواسطة وسائلهم المرئية والمسموعة والمقروءة من خلال الجمعيات والاتحادات النسائية الداعية لإخراج ( اللؤلؤة ) من محارتها صمام أمانها .



اللؤلؤة الحادية عشر
الإعجاب !!!
المحبة …
اسم مميز في عالم الفتيات سببها رقة المعاملة وغزارة العاطفة .
فالفتاة …
في الابتدائي المتفوقة # وفي المتوسطة المثالية # وفي الثانوية المجدة أو المشاغبة # وفي الجامعة المعجبة المحبة . ما لنا نراها حزينة داهمتها الحياة بهمومها ؟ قد بخلت بالبسمة عن نفسها فضلاً عن غيرها . لحب زائف مؤقت ( الحب ) ما أقدسها كلمة ، وما أعذبها نغماً ، وما أروعها عالماً ترتع في أرجائه قلوب المحبين . إنه شعور فياض من فتاة لأخرى تعلقت بها فأنست لسماع صوتها والجلوس إليها وإن طال الوقت ، تفرح لحضورها ، وتحزن لغيابها فتغار عليها من كل شيء حتى من نفسها فلها تقدم الهدية وتكتب الرسالة وتنظم القصيدة . وترسلها عبر الوسيطة التي ربما سببت الندم فيما بعد فالإعجاب بزميلة أو معلمة لا يعني المطاردة لها والتصفات الخاطئة ولو كانت غير مقصودة لأجلها .
الإعجاب …
هو تعبير عن حقيقة شخصية الفتاة واهتمامها فهي تبحث عمن يجانسها ويشاركها ربما كانت ملاحة الظاهر وخفة الدم وحسن المعاملة وغزارة العاطفة والفراغ سبب مباشر لذلك …
( فالأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف ) قال ابن القيم : ( وكل حركة في العالم العلوي والسفلي فأصلها المحبة ) فالحب نبع لا يجف مدى الحياة يزيد صفاء وعذوبة ما كان لله وفي الله أما الحزن بفراق الحبيب من البشر فهو الفتنة والعشق الذي قال عنه ابن القيم ( هذا داء أعيى الأطباء دواؤه وعز عليهم شفاؤه وهو الداء العضال والسم القتال ) .
قال تعالى : ( وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ) (الحديد:14) .
إذن بمعاهدة النفس والانشغال بطاعة الله ستتلاشى المحبة فهي عرضية ومؤقتة فرابطة الحب تبقى فترة وستنتهي عاجلاً أم آجلاً .
ويبقى الحب الحقيقي في قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ ) (البقرة:165) .


اللؤلؤة الثانية عشرة
تقول عيناك !!!
بكلمتين ضاعت الفتاة … بخطوتين أسودت الحياة
فتاة في ريعان شبابها … تعيش مع أهلها في بيت أبيها … تخرج للسوق وحدها .. وتدخل على الباعة بمفردها .. بإهمال من أسرتها فمع التردد عل السوق نشأت بينها وبين أحد الباعة علاقة وصداقة فأخذت رقم هاتفه ولم تلبث حتى قويت الصداقة وصارا ينتظران الفرصة المناسبة ، لتتغيب الأسرة في زيارة الأقارب وتتخلف الفتاة لوحدها لتتصل على وجه السرعة بصديقها ليأتي فتقع الجريمة .
وفجأة : تحمل الفتاة سفاحاً فتخفيه عن أهلها بطرق وأساليب شيطانية ليتفقا على إجهاضه وقتله فتخرجا تحت جناح الظلام لتضعه في العراء ويقوم المجرم بقتله لتختلط دماؤه بدماء أمه من جراء إجهاضه ويكشف الله الجريمة على يد رجال الأمن ليخرج الصباح وتبزغ الشمس وتستيقظ الأسرة على مصيبة تحتار لها العقول ، وتشيب لهولها الرؤوس ، وتنوء بحملها الجبال الراسيات .

أختي الكريمة : تأملي عينيك في هذه القصة من نظرات خمس …
النظرة الأولى : النظرة الحانية : إلى الأم الحنون وهي تبحث عن بنتها في كل ناحية من بيتها فلا تجدها لتبحث الأسرة كلها في كل مكان لتجدها لدى رجال الأمن غارقة في ذل عارها .
النظرة الثانية : النظرة الشاردة : لهول الحادثة ونهايتها فبأي وجه تقابل الفتاة أسرتها وبأي عذر تتوجه به إلى أبيها وهو مطأطئ الرأس، مسود الوجه ، يتمنى الموت فلا يجده وقد ذبحته بغير سكين.
النظرة الثالثة : النظرة الحادة : في بشاعة الجريمة ليقدما إلى المحاكمة فيقتل المجرم وتسجن الفتاة إلى حين فما حصل منهما يستحقان عليه العقاب كيف لا !! والمجتمع كله يمقت جرمهما .
النظرة الرابعة : النظرة الصادقة : لكونها بكراً لم تتزوج فيا لهول الصدمة ويا لعظم المصيبة ماذا فعلت بها الطرق المحرمة والسبل الممنوعة ؟! .
النظرة الخامسة : النظرة التائبة : في غلق أبواب الشر عنك لتحفظي شرفك وشرف أهلك فكم من فتاة تورطت فسلبت منها عفتها وأهدرت كرامتها ! .
فالذنوب جراحات ورب جرح أصاب مقتل والسعيدة من وعظت بغيرها والشقية من وعظت بنفسها . قال تعالى : ( وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (النور:31) .
وقال تعالى: ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (النور:63) .



اللؤلؤة الثالثة عشرة
هكذا يصنع الفراغ !!!
أخي المباركة … ما أمانيك ؟ ما أهدافك ؟ ما مشاعرك ؟ ما غاياتك ؟ ما طموحاتك ؟ ما آمانيك ؟ هل لك هدف في حياتك ؟ لترفعي بنفسك وتسمي بأخلاقك وتزهي بإيمانك وتشرفي بعفافك أم أنت من اللاتي لا هدف لهن إلا قتل الوقت ؟! .
( الفراغ ) … هو الداء القتال للفكر والعقل . فكم من الطاقات يهدرها ومن الأفكار يبلدها .
وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم : ( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ … ) كم من فتاة طيبة انقلبت سيئة كان السبب في ذلك الفراغ الذي حرك الشهوات من مكانها ودفع الخطرات إلى خطوات وعمل فظلت الفتاة أسيرة في يد عدوها يسوقها إلى الهزيمة والخسارة كيفما شاء .
أختي قارئة أوراقي : إلى متى الفتاة ، الشهوة تسوقها ، والشيطان يقودها ، والأغنية تنسيها والصورة تؤجج شهوتها ، وتشغل غرائزها ، قد قبلت لنفسها الأبية أن تفكر في تفاصيل …
فيلم خليع رقيع لا يليق … أخذ من وقتها وتفكيرها الأمر الكثير سهل ذلك عنفوان الشباب وقوة الحيوية .
اللؤلؤة المكنونة :
مثال واضح لملء الفراغ ( بالخير ) من دعوة وعمل صالح يقربها من الله ، فشتان بين فتاتين :
فتاة قدوتها الصحابيات
و فتاة قدوتها الأوربيات

فتاة حجابها ستر وحشمة
و فتاة حجابها زينة وقنة

فتاة تبكي لأحوال المسلمات
و فتاة تبكي لأن بطل الفيلم مات

فتاة توزع المطويات النافعة في تسوقها
و فتاة توزع على الشباب رقم هاتفها

فتاة تقتني الكتاب والأشرطة النافعة
و فتاة تقتني الفيلم والمجلات الخالعة

فتاة تحيي الليل بالصلوات
و فتاة تحيي الليل بالمعاكسات

قال تعالى : ( فَأَمَّا مَنْ طَغَى. وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا . فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى . وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى . فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى) (النازعـات:37-41) .


اللؤلؤة الرابعة عشر
حجابك !
عفواً .. ( جروح في جبين الحجاب الإسلامي ) متى ؟ وكيف كان ذلك ؟ حصل ذلك يوم أن …
• تهاونت الفتاة وحملت عباءتها على ساعديها أو كتفها لأنها تعيق الحركة .
• يوم أن لبست الفتاة غطاء شفافاً أو نقاباً لعدم رؤية الطريق .
• يوم أن ارتدت الفتاة آخر موديلات العباءة لجمال المنظر وأصول الشياكة.
• يوم أن وضعت الفتاة التنور الضيقة بفتحة على أحد الجانبين يتصيد عورتها شباب فارغون .
• يوم أن طرزت عباءتها القصيرة بخيوط سوداء في أطرافها تحمل أول حرف من اسمها ( m ) وباللغة الإنجليزية بلون ذهبي حباً في كل جديد .
• يوم أن تفننت الفتاة في نقابها على أشكال مختلفة .
• يوم أن شاركت الفتاة في لبس ( التريكو ) تقليداً للفضائيات .
• يوم أن قلدت الفتاة بلبس ( البنطلون ) و ( الجينز ) و ( الاسترتش )و ( الميني جيب والميكروجيب ) قد حدد جسمها جهلاً بالحلال والحرام .
• يوم أن خرجت الفتاة بثوب قصير أظهر قدميها على كعب له صوت مسموع تساير رفقتها السيئة .
• يوم أن ألحت الفتاة في لبس ( الكاب ) بحجة رقة العباءة وشفافيتها .
• يوم أن أظهرت الفتاة يديها دون لبس القفازين فتنة للباعة وهي الخاسرة .
أختي المباركة … جروح في جبين الحجاب تحاكي رجلاً نزع أسفل حذائه واكتفى بأعلاه كيف يتقي الأشواك والأوساخ ؟
جروح ربما حققت الهدف الغربي في مخططاته ومؤمراته لتخرج الفتاة المسلمة .. سافرة الوجه .. ناشرة الشعر .. كاشفة الساق .. متمايلة المشية .. متزنة متعطرة .. تلفت الأنظار وتثير الفتنة قد استجابت وبكل سهولة لتقسيط الحجاب لتعيش التبذل الممقوت وتصيد الأعين الخائنة ..
قارئتي الكريمة .. كم هو جميل .. هذه المستقيمة وقد أحسنت لبس حجابها أن يكون فضفاضاً قد زينته بلبس الجوارب والقفازين فأكن لها الجميع الاحترام والتقدير والإكبار والإجلال . قد صمدت أمام الهجمات الشرسة لنزع الحجاب كالطود الشامخ تحفظ كيان المجتمع من الإنهيار والإنحراف لا تقبل النقاش أو المساومة على ( الحجاب ) فخر الفتاة وعنوان الطهر والنقاء .
تأملي يا رعاك الله … مثالين ثم احكمي:
( فتاة ) تخرج للسوق واضعة عباءتها على كتفها قد لفت طرحتها المطرزة على رأسها ، قد شكتها بالدبابيس فبدا شكل جسمها بنقاب تعلوه نظارة ذات لون زاهي وغطار فريد تفاخر من حولها في أجمل موديل تقع فريسة سهلة ( لشاب ماكر ) ألح عليها أن يراها بعد مقدمات وهدايا ، فكان ذلك ليذبحها في عفتها بسكين الغدر والخيانة لتعيش ذات الثمانية عشر ربيعاً ذل الحياة بسبب حجاب الموديل .
( فتاة ) تدعوها صديقتها إلى حجاب الموضة ، فتمانع وتعارض بشدة فتصفها بالرجعية فلا تبالي فيكون الحوار بينها وصديقتها لماذا ؟ ولأي شيء ؟ وما السبب ؟ وما الدافع . تساؤلات تدور في ذهن صديقتها . فأجابتها اللؤلؤة المكنونة : في البخاري أن ابن عباس قال لعطاء بن أبي رباح : ( ألا أريك امرأة من أهل الجنة ؟ فقلت بلى ، قال : هذه المرأة السوداء . أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : إني أصرع ، وإني أتكشف ، فادع الله تعالى لي . قال : ( إن شئت صبرت ولك الجنة وإن شئت دعوت الله أن يعافيك ) . فقالت : بل أصبر فادع الله لي أن لا أتكشف فدعا لها .
قالت الملتزمة لصديقتها … هذه امرأة سوداء لكن بيضاء المبدأ ، بيضاء القلب تثبر على المرض وإن كان صرعاً يتخبطها لكنها لا تستطيع الصبر على خدش الحياء وجرح العفاف وإن كان ذلك خارج عن إرادتها وهو التكشف .
سوداء … تستحق وبكل جدارة أن تكون من أهل الجنة – مثالان – كان الحجاب الإسلامي على نفوس الصالحات أبرد من الثلج وألذ من العسل فالحجاب كالصدفة لا يحجب اللؤلؤة المكنونة فوراء الحجاب السمو والاستقرار .
اللؤلؤة المكنونة : بحجابها صفعت دعاة التحرر ، بتمسكها والتزامها قد عضت على حيائها وعفافها بالنواجذ فهي القلعة الشامخة أمام طوفان التبرج وبهرجته .
بيد العفاف أصون عز حجابي
وبعصمتي أعلو على أترابي ..

اللؤلؤة الخامسة عشر
زينتك !!
أختي الفاضلة … تأملي … الفتاة حين تجلس مجلساً أو تحضر مناسبة كم تحمل نفساً لها حساسية شفافة ترى النظرات ترمقها عن قرب وبعد فترصد أعين بنات جنسها ما يقولون في ملابسها وزينتها استجابة لدعوة : ( كن جميلاً ترى الوجود جميلاً ) والمقولة الشائعة ( كل ما يعجبك والبس ما يعجب الناس ) ولهذا نؤمن بحاجة الفتاة للزينة منذ صغرها فهو إرضاء لأنوثتها الذي تراه أفخر الزياء وأحدثها .
( نحن قوم لا نخطئ أبداً ) شعار نرفعه بل نغلفه بتمويهات وتصرفات وادعاءات لا حقيقة لها … لماذا السكوت على مشاهد خاطئة في زينة الفتاة سهل حبها للتجمل التمادي في انتشارها .
( أصول الإتيكيت ) جمال زائف يفرض حياة قسرية وأثماناً باهظة دعت الفتاة لأن تخرج بعيون كحلية وخدود وردية وشفاه ياقوتية وثغور لؤلؤية ولباس قشيب قد ذبحت حياءها وأنوثتها .
قارئة أوراقي … ( أصول الإتيكيت ) فقاعات كاذبة وشرارات نارية تحرق مشاعر الفتاة وفطرتها وتعاليمها المضيئة . قد خسرت أكبر بند في فاتورة جمالها الحقيقي . ولن ننتظر ذلك اليوم الذي تصفعنا به الفتاة بأسئلة حزينة من جراء السكوت على الأخطاء .
نعم .. ( لم تخلق الفتاة على هامش الحياة ولكن كذلك لم تخلق لمخاطبة الرجال والعمل معهم بأجمل زينة .
( فابيان ) .. عارضة الأزياء الفرنسية الشابة البالغة من العمر ثمانية وعشرين سنة بعد إسلامها وفرارها من جحيم عالم الأزياء والفراء ودنيا الموضات قالت : إن بيوت الأزياء جعلت مني مجرد ( صنم متحرك ) مهمته العبث بالقلوب والعقول ، عشت أتجول في العالم عارضة لأحدث خطوط الموضة لم أشعر بجنال الأزياء لامتهان النظرات لي واحترامها لما أرتديه كم كنت سافلة محرومة .
تأملي أختي الكريمة .. حديثها واعترافها وهي من هي في عالم الأزياء والموضات ما همومها ؟ وفيم أحزانها ؟ ودموعها الغالية من أجل ماذا ذرفتها ؟ أسلمت فكانت ذات أجنحة حلقت بها إلى أجواء السعادة والحياة الهنيئة . بعد أن عاشت حبيسة الهموم والغموم .
بعد هذا .. حال الفتاة في زينتها عند الأجانب عبر الأسواق والمنتزهات يجعل أثر الدمع على ورقي ظاهراً أبكانا وكسر قلوبنا مشاهد مخيفة لم تبق جارحة إلا وعبرت عن حزنها كان اعتراف ( فابيان ) أحدها . كيف لا .. والمثل الأعلى للفتاة عبر المجلات والفضائيات هن ما بين الأعمدة المخصصة والمقابلات المطولة اللاتي بعن أعراضهن بثمن بخس ويصفونهن ( بالنجوم ) قد حملن دعايات مجانية لبيوت الأزياء العالمية وكتالوجاتها تحت اسم الأناقة والشياكة .
إليك يا رعاك الله … نماذج عجلى لتمادي الفتاة في زينتها حتى خرج عن المطلب الشرعي :
* العطورات : الخطوة على طريق الأناقة وجمال الأنوثة والخيال نتيجة تأجيج الشهوة وبث الفتنة عند الأجانب .
* الكوافيرات : حماقة أعيت من يداويها .
* المكياجات : دعوة لقتل أشد المناطق رقة وحساسية في عالم جمال الفتاة .
* المسكرة : للعين ورموشها تلهث خلف الموضة . للشعر ربما سببت المسخرة !!
* أحمر الشفاه : الروج .. زينة لكن في نظاق التجمل المشروع .
* تخفيف الوزن : ظاهرة أوجدتها الحياة الزائفة .
* الكريمات : لحفظ البشرة وترطيبها وتغذيتها وتبيضها يكون ظاهراً لكن ما حال البشرة باطناً .
* حجاب الموضة والنقاب الواسع : أصبح أحد أنواع الزينة فهو حجاب يحتاج إلى حجاب .
* الباروكة : وصل للشعر نُهي عنه وتقليد للكفار .
* العدسات الملونة : عين خائنة تدعو عيناً مسعورة لخطفها .
* ارتياد مشاغل الخياطة : ضرورة لها ضوابط شرعية .
* إظهار الحلي : أمام الباعة ما الغاية منه بلغة العقل والحوار الهادئ ؟! .
* تكحيل العينين وإظهارهما مع جزء من الخدين : تعني نفساً ناقصة تعوضه بجمال رائع فاتن لكن في الحقيقة زائف .
* المناكير : طوفان جارف إلى الموضة والتقليد الزائف ، الأولى تركه ويجب إزالته عند الوضوء .
* إطالة الأظافر : ظاهرة مؤسفة شغلت الكثيرات كم يدعو شكلها إلى التقزز والاستهجان .
* قص الشعر : علامة استفهام ؟؟؟ إذا كان للتخفيف والتجمل على طريقة حسنة ( فالجواز ) وإذا كان قص السعر تقليد للكافرات فحكمه ( التحريم ) .
* لبس الكعب : موضة مميزة في عالم الفتاة أقل أحواله الكراهة .
* لبس الثوب الأبيض : إن كان في بلد من سيما الرجال وشعارهم فهو محرم.
* استخدام الجوال : ضرورة تقدر بقدرها .

لعن الله جلّ وعلا .. ( سبعاً ) في الزينة :
1) الواشمة : وهي من تغرز الإبر في الجلد وتنثر ما يشبه النيل أو الكحل ليميل لونه إلى الزرقة .
2) المستوشمة : وهي الطالبة لما سبق من الوشم للعينين والشفاة واليد الواحدة .
3) النامصة : وهي وهي التي تفعل النمص وهو إزالة شعر الوجه والحاجبين لغيرها ترقيقاً أو كلياً .
4) المتنمصة : وهي من تنتف الشعر في وجهها بنفسها أو تطلب من غيرها أن تفعل لها ذلك . ( لعن الله الواشمات والمستوشمات والمتنمصات ، والمتفلجات للحسن ، المغيرات خلق الله ) متفق عليه .
5) المتفلجة : وهي التي تباعد بين أسنانها ليجملها .
6) الواصلة : وهي التي تصل شعر رأسها بشعر آخر مستعار .
7) المستوصلة : وهي من تطلب ما سبق من الوصل . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لعن الله الواصلة والمستوصلة ) متفق عليه .
فعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( صنفان من أهل النار لم أرهما قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا .. ) رواه مسلم .
وبعد هذه المشاهد .. أختي الكريمة .. بما تتفاخرين عن بقية بنات جنسك ؟ بجمالك ؟!! فهناك أجمل … بمالك ؟!! فهناك أغنى .. بحسبك ؟!! فهناك أشرف .
إذن بماذا .. باستقامتك وطهرك وكرامتك وعفافك في زمان فقده نساء الغرب والشرق ، وكم يسعى دعاة التبرج إلى ما يثير مشاعرك ويشغل فكرك بشراك خبيثة ومصائد مسومة تفتك بعفتك وتخدش حياءك وتدنس عرضك .
يا رعاك الله .. حاولي تقريب الخطوط الطبيعية لوجهك ليتلاءم مع مظهر جمالك وأنوثتك في ظل إيمانك وسمو أدبك وأخلاقك ..
فلا يعجبنا منظر الفتاة بعد إزالة المساحيق قد بدا وجهها كوجه مريض شاحب مشوب بالحمرة والإرهاق .
اللؤلؤة المكنونة :
قوية بإسلامها ، أميرة على زينتها ، تختار ما أجازه الشرع لم يقف الالتزام مانعاً أمام الأناقة والشياكة والتناسق في ظل مملكة تتقلب في أرجائها تحت المحارم ، تعيش جمالها وأدبها ووقارها في ظلها فلا تقبل أن تكون عارضة الفتن للأعين الخائنة كالطعام المكشوف يتهاوى عليه ذباب البشر في الأسواق والمنتزهات . فهي تملك قلباً يخفق رقابة الله والخوف منه فأصبحت لمجتمعها قرة العين وبلسم الروح تراها .. في أي مناسبة أو مجلس نسائي أو عائلي في أجمل زينة قد التزمت بالأوامر وتركت النواهي فما أن تخرج من مجلسها أو مناسبتها إلا والحجاب قد غطى زينتها وجمالها كالصدفة لا يحجب اللؤلؤة بل يحميها .
اللؤلؤة المكنونة :
تحب أن تكون حياتها جميلة قد مزجت بين المعرفة والثقة والموضوعية في زينتها وتجملها ؛ فما أجمل لغاتها الراقية وتفاهمها الأكيد حين تتحدث وتتعامل مع الزينة والتجمل حديث وتعامل يجعل نفسها نفساً عالية رائعة قد افتقرت إلى الشرف أشد افتقار منها إلى الحياة …



اللؤلؤة السادسة عشر
سماعة الهاتف
رن الهاتف للمرة الأولى .. رفعت الفتاة السماعة بيد مرتعشة وجبين متعرق وقلب خافق خائف إنه صوت رجل غريب يحاورها بكلام جميل تحت أماني وردية ووعود نرجسية أضفت علاقة حميمة بينهما قد استولى كذبه على عقلها وقلبها . أغلق وأغلقت السماعة بعد أن تم التعارف لتعيش غارقة في أحلام اليقظة .
رن الهاتف مرات عديدة تجرأت من خلالها أن تحادثه وحين سمع صوتها وأنها المتصلة أيقن أنها وقعت في الفخ فطالبها بالرؤية فردت وبكت براءة .. كيف ؟ وأخاف ؟ ويمكن ؟ وأهلي إجابات ساذجة وكأنه الأمل الوحيد في حياتها ، أغلقت السماعة وهي في غاية الارتباك لهذا الطلب هل تحققه أم تمانع وما زال صوته يدوي في آذانها بوعده إنه لقاء رؤية وفقط . فكرت كثيراً .. واستشارات صديقتها السيئة كان نتاجها التنازل له بصورة مع رسالة جميلة وصلت إليه فبادر بالاتصال شاكراً هديتها ..
رن الهاتف فدق قلبها لرنينه .. من ؟ فتى أحلامها قد تغير صوته ونبرة حديثه معها .. يهددها بأن تخرج معه إلا فالفضيحة بهذه الصورة … آهات من صدرها كيف أعطته الطعم الذي اصطادها به طالبها بالخروج تحت ضغط فوافقت المسكينة فقتل عفتها ودنس عرضها ولطخ سمعتها ووقارها وبعد ذلك أعادها إلى منزلها لا تصدق ما حصل !!!! .
رفعت سماعة الهاتف لتكلمه فيما حصل فأخذ يتململ من حديثها نظر باعتبارها وردة شم عبيرها وتركها ذابلة حين أشهر خنجر الذل والعار وغرسه في قلبها ومشاعرها ، طال الحديث معه بعبارات حزينة تذكره بوعوده الهاتفية وأنه فتى أحلامها وهي شريكة حياته وأم أولاده القادمة فأجابها ضاحكاً .. من تكلمني تكلم غيري وتخرج معه ومن العار الاقتران بك عبر هذا الوسيلة وبعد ان حصل ما حصل .. أغلق السماعة وللأبد – تركها .. بعد أن أخذ أعز ما تملك باكية حسيرة يضحك منها بعد أن ضحك عليها قد ندمت أشد الندم يوم أن كلمته وسمعت منه وتمنت أنها لم ترفع يدها سماعة الهاتف ليبقى العار تحمله وحدها بعد أن اشتركا في لذة الثواني لينسى هو وتظل هي تتجرع ألم اللذة المحرمة فخطوة الألف ميل تبدا بخطوة واحدة وبعدها خطوات وخطوات يصعب التراجع عنها .
اللؤلؤة المكنونة :
تعرف ما وراء سماعة الهاتف وراءها دعوة للخيانة والسقوط في المستنقعات الوبيئة ، تعرف أنه يمدح جمالها فإذا نال منها قال : ( عاهرة ) يصفها بملكة الجمال فغذا حال الحول قال : ( قبيحة ) كم من فتاة عبر سماعة الهاتف بقيت حبيسة الدار حاملة العار لا تقبل خاطباً .
سماعة الهاتف : تحمل قائمة من الخسائر في ظل الندم والدموع والضياع لأجل شاب تتسلى معه كان الثمن شرفها فسماعة الهاتف بداية عابثة ونهاية مؤلمة .
قال تعالى :
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ) (النور:21)


اللؤلؤة السابعة عشر
ارتياد المطاعم
أختي الكريمة .. لماذا ارتياد المطاعم ؟ علامة استفهام نقتطع بها الإجابة نعبئ مساحات الورق بما هو جميل وعميق .. تأملي حال الفتيات في هذه المطاعم من ارتفاع أصواتهن بالضحك والحديث الذي ربما سبب التكشف للعمال والخدم وحينها تعود ( دوامة الأسئلة التحذيرية ) عن حجابهن وزينتهن .. كيف ؟ ومن المستفيد من خروج الفتاة مع صديقاتها ؟ وإلى أين ؟ ومتى العودة ؟ وهل ستتأخر ؟ والمصيبة إن خرجت مع من يقتل عفتها باسم ( الحب والتعرف عن قرب ) ..
ارتياد المطاعم عادة أخذت من الكفار لها ضوابط شرعية متى توفرت كان جائزاً وقد كرهت عائشة رضي الله عنها للفتاة الخروج للمساجد وفي الحديث ( وبيوتهن خير لهن ) بل حتى الصلاة في بيتها أفضل من المسجد ... لمه ؟ حماية لها من التبذل والفتنة والمتأمل لعذر من ترتاد المطاعم ... هو الملل والسآمة والفراغ القتل ... فإلى من احتجت بذلك هذا المثال :
حفصة بين سيرين الفقيهة الأنصارية – العالمة العابدة . حفظت القرآن الكريم وهي بنت 12 سنة وعاشت 70 سنة . قال مهدي بن ميمون : ( مكثت في بيتها 30 سنة لا تخرج إلا لحاجة . قد وجدت سعادة قلبها وقرة عينها .. وطمأنينة فؤادها في بيتها المتواضع فلا يتسرب إليها الملل أو تطرقها السآمة وغيرها كثير من فتياتنا المسلمات . اللألئ المكنونة .
أختاه .. كم مرة تخرجين من بيتك شهرياً أو سنوياً ؟ عفواً ( يومياً ) وإلى أين ؟ إلى التسوق مرة وللزيارة والتنزه ثانية وثالثة ومرات بعد مرات بدون مناسبة فهل هذا يليق ؟
من فضلك ...
ارتياد المطاعم هوس في السعر والتكاليف فكم الأثمان الباهظة تدفع لأجل وجبة ربما أشبعت أكثر من جائع .
قال تعالى :
( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى)(الأحزاب: 33)


اللؤلؤة الثامنة عشرة
همسة في أذنك
( أروى ) فتاة تخرج للسوق مشمرة عباءتها عن ساعديها من فوق بنطلون يظهر واضحاً عند مشيتها قد لبست على وجهها غطاء شفافاً يفوح العطر ويتحرك معها تدخل أكثر المحلات وتتحدث مع الباعة بصوت متكسر لمناسبة وبدون مناسبة .
أختي الكريمة ...
ما شعورك تجاه هذا المثال الذي يتكرر في أسواقنا ؟! ما رأيك في همسة أهمس بها في أذنك بحوار هادئ منطقي بعيد عن المجاملة قريب من المصارحة نستعرض من خلاله الدرماتيكية في الصة حين يقع الوالد ( أروى ) ذي الخمسين سنة حادث أليم يسبب شللاً رباعياً يقعد لمدة طويلة في المستشفى . ذهبت لزيارة والدها للمرة الأولى والدموع لا تجف عن حذبها ، دخلت عليه فابصرت أباها في حالة سيئة آلمت نفسها ، وحزنت لشكواه ، ودمعت عينها لآهاته وأناته وهو من ( والدها الكريم الحنون وكفى ) قبلت رأسه ودعت له بالصحة والعافية ... وقفت ( أروى ) مع نفسها تفكر في حال إخوانها الصبية الصغار ينتظرون عودة أبيهم ليقضي حوائجهم ، ويخفف لوعتهم ، ويشبع جوعتهم ، قد تعلقت قلوبهم وقلبها به ، فهموم وأحزان ، وذل وخضوع للناس تتذكر زيارة والدها .. فتلمح في الأفق ( المستشفيات ) كم تعج بالمرضى من كل نوع وحالة ..
فكم من شاب وشابة في أعمار الزهور ومقتبل الحياة أصبحوا معاقين مهمومين .
يا من عافاك الله .. وقفت ( أروى ) تقارن بين حياتين ( قبل وبعد ) كم كانت غارقة في الماديات وآخر الموضات .
( حادث والدها ) أعادها إلى أن تعيش الحياة السعيدة في ظل الصلة بالله عز وجل فلا سفور ولا تبرج بعد اليوم بل حجاب وحشمة وإقبال على الله تعالى ..
أختي المتسوقة :
يا من ابتعدت عن طاعة الله عز وجل .. هذه الدنيا كم فيها من عين باكية وقلب حزين ، كم فيها من الضعفاء والمساكين والمعدين قلوبهم تشتغل ودموعهم تسيل فهذه تشكو علة وسقماً وأخرى هماً وقلقاً ..
عزيزة ذلت ، وصحيحة مرضت ، وجميلة مسحورة ، ومحدة معيونة . تلك هي الدنيا .. تضحك وتبكي ، وتجمع وتشتت ، شدة ورخاء وسراء وضراء .
فاحمدي الله على نعمة الصحة والعافية ..
اللؤلؤة المكنونة :
ما أجملها في تسوقها ترتدي عباءتها قد علا محيا وجهها خمارها الساتر ، كانت مع أخواتها المسلمات يداً واحداً يوصي بعضهن بعضاً بالكلمة الصادقة ، والنصيحة المؤثرة ، والشريط المفيد ، والكتيب الهادف ، والهدية المغلقة ..
قال تعالى :
( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ )(التوبة: 71) .



اللؤلؤة التاسعة عشر
أسطر متناثرة
السائق ضرورة فرضت نفسها لضعف الرجل في تحمل المسئولية فلا مجال لمعاملة خاصة معه من طول الحديث حيناً والضحك معه أحياناً أخرى .
المجلات الماجنة دعوة للسفور تحت ( الحب العصري ) .
أشهر من يملك بيوت الأزياء وينتج كتالوجاتها ( اليهود ) .
الاختلاط يهذب الغريزة ويكبح جماح الشهوة هذه دعوى كاذبة والعالم الغربي شرب من الخطيئة بسببها حتى الثمالة .
حجاب المسلمة : يستورد من ( فرنسا ) فمتى عرفت الحجاب وهي منبع الروائح النتنة والخلاعة .
قبل أن تكسبي قلوب الناس اكسبي قلبك أولاً .
لكل فتاة ( هواية ) كالرسم وجمع الطوابع فهنيئاً لمن كانت هوايتها جمع الحسنات والحذر من السيئات .
تأملي تغريد العصافير يبشؤ بعضها بإطلالة الصباح المشرق .. تطير .. وتحط .. وتغرد .. تبتعد .. وتقترب كوني مثلها وابحثي عن مواطن السعادة الحقيقية في طاعة الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم .
الخادمة .. قدمت من بلاد بعيدة تاركة زوجها وأبناءها فلذات أكبادها كي تخدمك أنت وأهلك تنظف وتغسل وتطبخ وتتعب فيلوح في ذاكرتها أولادها فتفرح وتحزن وقد تنحدر دموعها شوقاً لهم تمضي قرابة السنتين بعيدة عن أهلها لأجل دارهم معدودة تأخذها نهاية كل شهر فتدفعها لأولادها هناك ليفرحوا مقابل حزنها ويسعدوا مقابل تعبها وينعموا مقابل ألمها ويصحوا مقابل مرضها ويضحكوا مقابل دموعها همسة في أذنك ..
احمدي الله إذا لم تكون مثلها وكوني بها رحيمة وعليها مشفقة وقدمي لها الكتب النافعة لها في دينها .
هل غاية طموحات الفتاة ونهاية اهتماماتها ( الرياضة ) ومتابعة أخبارها بكل حماس وفاعلية !!!
أكبر عيب يوجه للرجل أن يقال له : ( امرأة ) فما بال الفتاة المسترجلة تدعوا الآخرين إلى عيبها .
يمتدح الفتى بالشجاعة والكرم بينما تمتدح الفتاة بالحياء والعفة ..

اللؤلؤة العشرون
النهاية
الدنيا بسماتها الجميلة ، وأرضها الشاسعة ، ضمت الموتى كما حملت الأحياء .
تأملي .. أشجارها كيف تنقص أوراقها خريفاً لتعود ربيعاً تصمد أمام البرد والصيف هذه الشجرة ( أنت ) تمضي عليك الأزمنة والسنوات منذ ولادتك وحتى قراءة هذه الكلمات ..
أما تأملت .. هذه المرأة التي احدودب ظهرها ، وابيض شعرها ، وتثاقلت خطاها ، وخارت قواها .. وسقط حاجباها ، وتناثرت أسنانها تقوم وتقعد وتصلي وتصوم وتأكل وتشرب وتقضي حاجتها ( بصعوبة ) ..
هذه المرأة .. ألم تكن شابة مثلك عاشت حياة الشباب وأنها طويلة قاهرة ولما كبرت سنها وضعت بنيتها وتنوعت أسقامها تبكي على أوراق من حياتها سقطت يزداد بكاؤها أكثر إذا ما داهمها المرض وتكاثرت عليها الأوجاع .
كيف بك .. إذا سقطت آخر ورقة وأنت على فراش الموت معلنة نهايتك وانقضاء أيامك من هذه الدنيا . قد أخذت إلى ( المحمة ) مكان تغسيل الموتى تخلع المغسلة ثوبها أو تقصه لتغسلك بعد أن كنت تغسلين نفسك بنفسك تقبلين يمنة ويسرة وأنت جسد بلا روح فتكفنين وتحملين للصلاة قم إلى القبر أول منازل الآخرة فإما روضة من رياض الجنة وإما حفرة من حفر النار .
أختاه ..
أين أهلك ؟ أين صديقك ؟ أين خروجك للأسواق ؟ أين الفاسقين ؟ أين المساحيق ؟ أين السهرات ؟ أين العكوف على الفضائيات ؟ أين المجلات ؟ أين آخر الموضات والموديلات ؟ أين الدنيا بأسرها ؟ أين الدنيا وأهلها ؟
قال تعالى :
( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ) (آل عمران:185) .



اكتمال العقد

اللؤلؤة المكنونة :
هنا اكتمل العقد بنا فأشكر لك الدقائق الثمينة من وقتك لقراءة الكتاب وتصفحه – جعل الله ذلك في موازين حسنات الجميع .
أختي العزيزة ..
الفتاة .. قطرة من قطرات دمائنا ، الفتاة .. نبضة من نبضات قلوبنا .. الفتاة صفحة من صفحات حياتنا .. كتب لهن الكتاب وسطرت صفحاتها وأوراقه .. دعينا نتشارك سوياً بفكرة جديدة أو تعقيب أو نقد هادف حول محتويات الكتيب .
حفاظاً على تلك القلوب الجميلة من لألئنا المكنونة ...


المؤلف / عادل العبدالجبار
1422هـ
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 01-15-2013, 12:40 AM
 
احسنت
اخي الحبيب

لكن لو نزلت الموضوع علي اجزاء صغيره
لكان افضل
لتعم الفائده علي الجميع
بارك الله فيك
وفي قلمك الجميل
يا ابن النيل
وابن السودان الحبيب
__________________
إن كانت غزوة أحد قد انتهتْ
فإن مهمة الرماة
الذين يحفظون ظهور المسلمين
لم تنته بعد..!!
طوبي للمدافعين عن هذا الدين كل في مجاله،
طوبى للقابضين على الجمر،
كلما وهنوا قليلاً
تعزوا بصوت النبيِّ
صل الله عليه وسلم
ينادي فيهم:
" لا تبرحوا أماكنكم " !
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 01-22-2013, 01:32 AM
 
شكرا
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
كلمات مهمة تجعل تارك الصلاة يعرف اهمية الصلاة و عدم تركها** نجم ساحر مواضيع عامة 0 05-29-2009 01:57 AM
*** .... مراهق يضع الخبز في الحمام ليكشف اسرار ..عالم اسرار الجن !! .... *** MAMDOUH أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه 10 12-24-2006 10:45 AM
فتوى مهمة بخصوص الصلاة على النبي عليه افضل الصلاة والتسليم عيون الطفولة أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه 1 09-04-2006 09:24 PM


الساعة الآن 01:41 PM.


Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.

شات الشلة
Powered by: vBulletin Copyright ©2000 - 2006, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لعيون العرب
2003 - 2011