عيون العرب - ملتقى العالم العربي

عيون العرب - ملتقى العالم العربي (https://www.3rbseyes.com/)
-   نور الإسلام - (https://www.3rbseyes.com/forum5/)
-   -   قوله صلى الله عليه وسلم ((إن من البيان لسحراً)).هل هو للمدح أو للذم؟. (https://www.3rbseyes.com/t46427.html)

fares alsunna 11-15-2007 01:02 AM

قوله صلى الله عليه وسلم ((إن من البيان لسحراً)).هل هو للمدح أو للذم؟.
 
روى البخاري ومسلم في صحيحهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( إن من البيان لسحراً )) (103) .

وقد اختلف أهل العلم في هذا الحديث ، وهل هو على وجه الذم أو على وجه المدح ؟

قال أبو حاتم البستي : " قد شبَّه النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الخبر البيان بالسحر ، إذ الساحر يستميل قلب الناظر إليه بسحره وشعوذته ، والفصيح الذرب اللسان يستميل قلوب الناس إليه بحسن فصاحته ونظم كلامه ، فالأنفس تكون إليه تائقة ، والأعين إليه رامقة (104) " . اه .

وقال الخطابي : " البيان اثنان : أحدهما : ما تقع به الإبانة عن المراد بأي وجه كان. والآخر: ما دخلته الصنعة يروق للسامعين ويستميل قلوبهم ، وهو الذي يشبه بالسحر " (105) . اه.

قلت : اعلم أن للعلماء حول معنى هذا الحديث توجهين أو قولين ، وهما مبنيان على ما فهمه كل منهم من نصِّ النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه مالك في الموطأ والبخاري في صحيحه عن ابن عمر قال : قدم رجلان من المشرق فخطبا فعجب الناس لبيانهما ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( إن من البيان لسحراً ، أو إن بعض البيان لسحر )) (106) .
والقولان حول هذه المسألة هما :

القول الأول :
قال أصحابه : إن هذا الحديث جاء في معرض ذم البلاغة ، إذ شبهها النبي صلى الله عليه وسلم بالسحر ، والسحر محرم مذموم ، وذلك لما فيها من تصوير الباطل في صورة الحق والتفيهق (107) والتشدق (108) ، وقد جاء في الثرثارين (109) المتفيهقين ما جاء من الذم ؛ ولما فيه من التصنع والتكلف واستمالة لقلوب المستمعين حتى يحول الشيء عن حقيقته ، فيلوح للناظر في معرض غيره . وإلى هذا المعنى ذهب طائفة من أصحاب مالك ، واستدلوا على ذلك بإدخال مالك له في موطئه في باب ما يكره من الكلام (110) .
قال الباجي من المالكية : الذي ذهب إليه مالك رحمه الله تعالى له وجه إن كان البيان بمعنى الإلباس والتمويه عن حقٍّ إلى باطل ، فليس يكون البيان حينئذٍ في المعاني من بابه ، فيكون في مثل هذا قد سحره وفتنه ، فيكون ذلك ذماً . وأما البيان في المعاني وإظهار الحقائق فممدوح على كل حال وإن وصف بالسحر (111) . اه .
والذين ذموا البيان أكدوا قولهم بما رواه الترمذي من حديث أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( الحياء والعيّ شعبتان من الإيمان ، والبذاء والبيان شعبتان من النفاق)) (112) .
قال ابن الأثير : " وأما ( البيان ) فإنما أراد منه بالذم التعمق في النطق ، والتفاصح ، وإظهار التقدم فيه على الناس ، وكأنه نوع من العجب والكبر ، ولذلك قال في رواية أخرى ( البذاء وبعض البيان ) لأنه ليس كل البيان مذموماً (113) " . اه .
قلت : وقد فسر الترمذي معنى البيان الذي في الحديث بما هو أوضح من كلام ابن الأثير، حيث إنه هو من خرَّج الحديث السابق ذكره، فقد أعقبه بقوله: "والبيان: هو كثرة الكلام، مثل هؤلاء الخطباء الذين يخطبون فيتوسعون في الكلام ويتفصحون فيه من مدح الناس فيما لا يرضي الله" (114) . اه.
فكلام الترمذي هذا يدل على أن البيان لا يذم إلا إذا كان فيما لا يرضي الله ، والله أعلم .
وقد تحدث ابن القيم رحمه الله واصفاً بعض الخطباء بما يذمون به فقال : " وأخلوا بالمقاصد التي لا ينبغي الإخلال بها ، فرصعوا الخطب بالتسجيع والفِقر وعلم البديع ، فنقص بل عدم حظ القلوب منها ، وفات المقصود بها " (115) . اه .
ونقل الباجي : عن عيسى بن دينار ويحيى بن يحيى : أن الطلق اللسان لا يزال صاحبه يكلمه حتى يأخذ بسمعه وقلبه وبصره كما يأخذ الساحر ، ألا ترى إلى ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( ما أعطي العبد شراً من طلاقة اللسان )) (116) (117) . اه .
القول الثاني :
وهو قول جمهور أهل العلم ، فقد ذهبوا إلى أن الحديث جاء على وجه المدح والحث على تخير الألفاظ ، والتأنق في الكلام .
واحتجوا لذلك بقوله صلى الله عليه وسلم (( إن من الشعر حكمة )) رواه البخاري (118) .
وقد قال الخطابي : " مما لا ريب فيه أنه جاء على وجه المدح له ، وكذلك مصراعه الذي بإزائه ؛ لأن عادة البيان غالباً أن القرينين نظماً لا يفترقان حكماً " (119) .
وقال ابن بطال : " أحسن ما يقال في هذا : أن هذا الحديث ليس ذمّاً للبيان كله ولا مدحاً ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم (( من البيان )) فأتى بلفظة ( من ) التي للتبعيض . قال : " وكيف يذم البيان وقد امتن الله به على عباده حيث قال: {خَلَقَ الْأِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ}(120). اه .
قال الحافظ ابن حجر : " والذي يظهر أن المراد بالبيان في الآية المعنى الأول الذي نبَّه عليه الخطابي ، لا خصوص ما نحن فيه . وقد اتفق العلماء على مدح الإيجاز ، والإتيان بالمعاني الكثيرة بالألفاظ اليسيرة ، وعلى مدح الإطناب في مقام الخطابة بحسب المقام ، وهذا كله من البيان بالمعنى الثاني . نعم الإفراط في كل شيء مذموم ، وخير الأمور أوسطها ، والله أعلم (121) . اه .
وقد قال ابن عبد البر عن قول الجمهور ما ملخصه : وأبي جمهور أهل الأدب والعلم بلسان العرب إلا أن يجعلوا قوله صلى الله عليه وسلم : (( إن من البيان لسحراً )) مدحاً وثناءً وتفضيلاً للبيان وإطراءً ، وهو الذي تدل عليه سياقة الخبر ولفظه على ما نورده في هذا الباب إن شاء الله .
فعن ابن عباس قال : " اجتمع عند النبي صلى الله عليه وسلم قيس بن عاصم والزبرقان بن بدر وعمرو بن الأهتم ، ففخر الزبرقان فقال : يا رسول الله ، أنا سيد تميم ، المطاع فيهم ، والمجاب منهم ، آخذ لهم بحقوقهم ، وأمنعهم من الظلم ، وهذا يعلم ذلك – يعني عمرو بن الأهتم – فقال عمرو : وإنه لشديد العارضة ، مانع لجانبه ، مطاع في أدانيه . فقال الزبرقان : والله لقد كذب يا رسول الله ، وما يمنعه أن يتكلم إلا الحسد . فقال عمرو : أنا أحسدك ! فوالله لبئيس الخال ، حديث المال ، أحمق الوالد ، مبغض في العشيرة ، والله يا رسول الله ، ما كذبت فيما قلت أولاً ، ولقد صدقت فيما قلت آخراً ؛ رضيت فقلت أحسن ما عملت ، وغضبت فقلت أقبح ما وجدت ؛ ولقد صدقت في الأمرين جميعاً . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( إن من البيان لسحراً )) (122). اه .
قلت : رواه الحاكم (123) وأخرجه أحمد وابن حبان في صحيحه (124) من غير ذكر القصة .

قال ابن عبدالبر : وفي هذا دليل على مدح البيان وفضل البلاغة ، والتعجب بما يسمع من فصاحة أهلها ، وفيه المجاز والاستعارة الحسنة ؛ لأن البيان ليس بسحر على الحقيقة . وفيه الإفراط في المدح ، لأنه لا شيء في الإعجاب والأخذ بالقلوب يبلغ مبلغ السحر . وأصل لفظة السحر عند العرب الاستمالة ، وكل من استمالك فقد سحرك . وقد ذهب هذا القول منه صلى الله عليه وسلم مثلاً سائراً في الناس ، إذا سمعوا كلاماً يعجبهم قالوا : إن من البيان لسحراً . ويقولون في مثل هذا أيضاً : هذا السحر الحلال ونحو ذلك قد صار هذا مثلاً أيضاً .
وروي أن سائلاً سأل عمر بن عبدالعزيز حاجة بكلام أعجبه ، فقال عمر : هذا والله السحر الحلال . وفي هذا الحديث ما يدل على أن التعجب من الإحسان والبيان موجود في طباع ذوي العقول والبلاغة ، وكان صلى الله عليه وسلم قد أوتي جوامع الكلم ، إلا أنه بإنصافه كان يعرف لكل ذي فضل فضله . وفي هذا ما يدل على أن أبصر الناس بالشيء ، أشدهم فرحاً بالجيد منه ما لم يكن حسوداً . وإنما يحمد العلماء البلاغة واللسانة ما لم يخرج إلى حد الإسهاب (125) والإطناب (126) والتفيهق ، فقد روي في الثرثارين المتفيهقين أنهم أبغض الناس إلى الله ورسوله .
وهذا – والله أعلم – إذا كان ممن يحاول تزيين الباطل وتحسينه بلفظه ، ويريد إقامته في صورة الحق ، فهذا هو المكروه الذي ورد فيه التغليظ . وأما قول الحق فحسن جميل على كل حال ، كان فيه إطناب أو لم يكن ، إذا لم يتجاوز الحق ؛ وإن كنت أحب أوساط الأمور ، فإن ذلك أعدلها ، والذي اتفق العلماء باللغة في مدحه من البلاغة والإيجاز والاختصار ، وإدراك المعاني الجسيمة بالألفاظ اليسيرة ...
وقال ابن عبدالبر أيضاً: "كان الشعبي إذا سمع حديثاً ورده، فكأنه زاد فيه من تحسينه للفظه، فسمع يوماً حديثاً وقد سمعه معه جليس له يقال له رزين ، فرده الشعبي وحسنه ، فقال له رزين : اتق الله يا أبا عمرو ، ليس هكذا الحديث ، فقال له الشعبي : يا رزين ، ما كان أحوجك إلى محدرج (127) شديد الجلد (128) لين المهزة (129) ، عظيم الثمرة(130)، أخذ ما بين مغرز(131) عنق إلى عجْب(132) ذنب ، يوضع منك في مثل ذلك ، فتكثر له رقصاتك من غير جذل ، فلم يدر ما قال له ، فقال : وما ذاك ؟ قال : شيء لنا فيه أرب ولك في أدب" . ومن أحسن ما قيل في مدح البلاغة من النظم ، قول حسان بن ثابت في ابن عباس :

صموت إذا ما الصمت زين أهله
وعى ما وعى القرآن من كل حكمة
وفتاق أبكار الكلام المختم
ونيطت له الآداب باللحم والدم (133)


ولحسان أيضاً في ابن عباس رضي الله عنهما ، ويروى للحطيئة :

إذا قال لم يترك مقالاً لقائل
يقول مقالاً لا يقولون مثله
كفى وشفى ما في النفوس فلم يدع
بمنتظمات(134) لا ترى بينها فضلاً
كنحت الصفا لم يبق في غاية فضلاً
لذي إربة في القول جداً ولا هزلاً (135)


هذا خلاصة ما ذكر ابن عبدالبر (136) .
------------------------------------
(103) انظر : صحيح البخاري ( 10 / 203 حديث رقم 5146 ) ، صحيح مسلم ( 2/ 594 حديث رقم 869 ) .
(104) انظر : روضة العقلاء ص ( 219 ) .
(105) انظر : فتح الباري (11 / 403 )
(106) الموطأ ( 2/ 986 ) . صحيح البخاري : كتاب الطب ( رقم 5767 ) .
(107) قال الأصمعي : أصل الفّهْق الامتلاء ، فمعنى المتفيهق الذي يتوسع في كلامه ويفهق به فمه . المتفيهقون : هم الذين يتوسعون في الكلام ويفتحون به أفواههم .
(108) الشِّدق : جانب الفم ، وخطيب أشدق بيّن الشدق : مجيد . والمتشدق الذي يلوي شِدقه للتَّفصُّح ، وفي الحديث : (( أبغضكم إليَّ الثَّرثارون )) وقيل : أراد بالمتشدق : المُسْتهزئ بالناس يلوي شِدْقه بهم وعليهم . وتشدَّق في كلامه : فتح فمه واتسع .
(109) الثَّرثارُون : هم الذين يُكثرون الكلام تكلُّفاً وخروجاً عن الحق ، والثَّرثرة : كثرة الكلام وترديده . النهاية ( 1/ 209 ) .
(110) انظر : التمهيد ( 5/ 279 ) ، معالم السنن ( 4/ 136 ) ، فتح الباري ( 11 / 403 ) الآداب الشرعية ( 2 / 93 ) ، النهاية ( 2 / 312 ) .
(111) انظر : المنتقى ( 7 / 310 ) .
(112) انظر : جامع الترمذي حديث رقم ( 2027 ) .
(113) انظر : النهاية ( 1 / 171 ) ، تحفة الأحوذي ( 6/ 165 ) .
(114) انظر : جامع الترمذي المصدر السابق .
(115) انظر : زاد المعاد ( 1 / 224 ) .
(116) رواه الديلمي من حديث ابن عباس ( الفردوس 4 / 120 رقم 6373 ) .
(117) انظر : المنتقى ( 7 / 310 ) .
(118) انظر : صحيح البخاري كتاب الأدب ( حديث رقم 6145 ) .
(119) انظر : التمهيد ( 5/ 279 ) ، معالم السنن ( 4/ 137 ) ، والآداب الشرعية ( 2 / 93 ) ، فتح الباري ( 11 / 403 ) .
(120) انظر : فتح الباري ( 11 / 403 وما بعدها ) .
(121) انظر : فتح الباري ( 11 / 404 ) .
(122) انظر : التمهيد ( 5/ 171 – 172 ) .
(123) انظر : المستدرك ( 3 / 613 ) .
(124) انظر : مسند أحمد ( 1 / 269 ) صحيح ابن حبان ( 7 / 515 رقم 5750 ) .
(125) أسهب في الكلام : أطال . أساس البلاغة ص ( 315 ) .
(126) الإطناب : البلاغة في المنطق والوصف مدحاً كان أو ذماً . وأطنب في الكلام : بالغ فيه والإطناب : المبالغة في مدح أو ذم والإكثار فيه . لسان العرب ( مادة طنب ) .
(127) المُحدْرج : السوط . القاموس المحيط ( 1 / 189 ) .
(128) قال محقق التمهيد : كذا ثبت في سائر النسخ " الجلد " بتقديم اللام على الدال ، ولعل الصواب " الجدل " بمعنى محكم الفتل . وفي عيون الأخبار ( 2 / 37 ) ما يفيد ذلك قلتُ : في عيون الأخبار شديد الفتل جيّد الجلاز عظيم الثمرة ، لدْنِ المعزَّة يأخذ منك فيما عجْبِ الذَّنبِ ومغرِز العُنقِ . ِ
(129) يراجع معناه .
(130) ثمرة السوط : طرفه ، وثمر السياط : عُقَدُ أطرافها . لسان العرب ( مادة ثمر ) .
(131) مغرز : مُلزق . لسان العرب ( مادة غرز ) .
(132) العجْبُ : العظيم الذي في أسفل الصُّلْب عند العجْر . لسان العرب ( مادة عجب ) .
(133) لم أقف على هذين البيتين في ديوانه المطبوع .
(134) في ديوانه ص ( 212 ) " بملتقطات " بدل " بمنتظمات " .
(135) انظر : ديوانه ص (212 ) وليس فيه البيت الثاني وإنما فيه بدله
سموْت إلى العلْيا بغير مشقة فنِلْت ذُراها لا دنيا ولا وغْلا
(136) انظر : التمهيد : ( 5 / 174 – 179 ) ، الآداب الشرعية ( 2 / 94 ) .


كتبه/ سعود الشريم

ام محسن 11-15-2007 02:46 AM

رد: قوله صلى الله عليه وسلم ((إن من البيان لسحراً)).هل هو للمدح أو للذم؟.
 

fares alsunna 11-15-2007 12:26 PM

رد: قوله صلى الله عليه وسلم ((إن من البيان لسحراً)).هل هو للمدح أو للذم؟.
 
http://vb.arabseyes.com/imgcache/11849.imgcache

وبارك الله فيكم على المرور والإضافة القيّمة
أخوكم في الله
فارس السنّة

information 11-15-2007 01:56 PM

رد: قوله صلى الله عليه وسلم ((إن من البيان لسحراً)).هل هو للمدح أو للذم؟.
 
جزاك الله خيراً أخي :44: فارس السنة :44:

غرور انثى 11-15-2007 06:26 PM

رد: قوله صلى الله عليه وسلم ((إن من البيان لسحراً)).هل هو للمدح أو للذم؟.
 
http://vb.arabseyes.com/uploaded/24878_1195140391.gif


الساعة الآن 06:38 AM.

Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.

شات الشلة
Powered by: vBulletin Copyright ©2000 - 2006, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لعيون العرب
2003 - 2011