عيون العرب - ملتقى العالم العربي

العودة   عيون العرب - ملتقى العالم العربي > عيـون القصص والروايات > روايات طويلة > روايات كاملة / روايات مكتملة مميزة

روايات كاملة / روايات مكتملة مميزة يمكنك قراءة جميع الروايات الكاملة والمميزة هنا

 
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #11  
قديم 03-18-2015, 08:14 PM
 
[align=center][tabletext="width:70%;background-image:url('http://www5.0zz0.com/2015/03/13/11/945847661.jpg');"][cell="filter:;"][align=center]


الفصلل السادس
السجن الجديد

5

6- السجن الجديد


أخذت لين تتساءل ما اذا كان ممكنا الا يكون رادولف قد سرق كل هذه الأغراض ,
فمن اين اتى بالصحون والسكاكين والملاعق خصوصا وانها من الصنف الغالي ؟

لابد انه يتعاطي سرقة مثل هذه الأشياء لأعادة بيعها الى تاجر شريك بأسعار زهيدة

سألته فيما هو مشغول بتحضير الموقد :

- بماذا يمكنني مساعدتك؟

- هلا احضرت الاطباق ووضعتها على الشرشف ؟

- حسناً

تابعت لين وهي ترى الأطعمة المختلفة في السلة :

- من اين جلبت كل هذا ؟

جاء جوابه ساخرا كما توقعت :

- السرقة وسيلتي المفضلة لا بل الوحيدة !

تنهدت المرأة وأقرت بأن استمرارها في طرح هذه الأسئلة يعني استمرار تلقيها

مثل هذه الأجوبة ، لكنها لم تترك كلماته تمر دون تعليق فقالت :

- توقعت ان تكون فعلت ذلك ولكن من أين سرقت هذه الأغراض ؟

عندما ضحك الغجري وبانت أسنانه الناصعة , شعرت لين بقلبها يخفق بقوة

وحاولت ان تكتم اعجابها المتزايد بزوجها الوسيم

- أغرت في الليل على مطعم قريب من المخيم , لقد كانت مهمة غاية في السهولة !

- لا تختلق الأكاذيب .. لا يوجد أي مطعم بالقرب من المخيم !

- انت مخطئة ياعزيزتي لانك لاتعرفين المنطقة كما اعرفها

برغم دقة الموضع ساد الحوار جو لطيف وكان الزوجان كأي عروسين سعيدين
يتبادلان أطراف حديث عذب ومرح

وحرصت لين جاهدة على عدم اثارة رادولف لئلا
يعود الى مزاجه الشرس ويفسد هذا اليوم الجميل

سألته بصوتها الرقيق :

- هل سرقت المقلاة كذلك ؟

ابتسم رادولف وهو يشعل النار ثم اجاب :

- نعم ولكن سرقتها كانت صعبة وكادت تؤديبي الى السجن , فقد اوقعتها على قدمي
ولم اتمكن من العدو بسرعة حتى كاد رجل الشرطة يلحق بي ... لكن حيلتي كانت اقوى
واستطعت الافلات بعد ان اختبأت وراء سور عال

أضاف وهو يضع شرائح لحم العجل في المقلاة :

- أفعل أي شئ كي لا اعود الى السجن لأن من يجربه مرة يبذل المستحيل لئلا يعيد
الكرة

لم تعلق لين على كلام زوجها لأنها كانت محتارة في تصديقه او لا , بل انصرفت
الى المساعدة في اعداد الطعام

وعندما اكتشفت علبة مليئة بمختلف انواع
الفاكهة قالت :

- لا استطيع ان اتصور كيف جلبت كل هذا! لا ... لا , لا تقل شيئا عن السرقة ، لقد
توصلت الى واقعة ثابته وهي ان في تصرفاتك وطريقة عيشك اشيئا لا علاقة لها
بانتمائك الغجري انت .... انت مختلف

تردد رادولف طويلا قبل ان يتحسس جرحه
ويتكلم :

- ولكنك قلت اني غجري متشرد , حثالة المجتمع

مد يده السمراء القوية وأضاف :

- الا ترين سمرتي الغجرية ؟ ولماذا تهتمين بأموري ما دمت مصممة على الهرب ؟

رمقها بنظرة تحمل الف معنى ومعنى وأكمل :

- لو كنت تودين مشاطرتي الحياة لكانت الأمور بيننا مختلفة

لم تفهم المرأة سبب اهتمامها البالغ بأسرار حياة هذا الرجل

ولكنها أدركت الآن بشكل لايقبل الجدل ان رادولف يرغب ببقائها معه الى الأبد !

لماذا تعتقد ان رادولف سيسأم منها يوما ويطلق سراحها ؟ لماذا ظنت انه كغيره
من الغجر لايستقر مع امرأة واحدة بل يبحث دائما عن صبية تؤمن له دفء الحب
وحرارة العاطفة ؟

فهذا النوع من الرجال لا يرى في المرأة الا جانب المتعة
والعبث دون ان يفكر في الأمور الاخرى السامية كبناء العائلة وتربية الاولاد

غريب كم ان رادولف مختلف بجانب من طباعه عن عوائد الرجال من قومه !

بادر الغجري الى السؤال :

- اما زلت مصممة على الفرار ؟

أجابت المرأة بكل عزم :

- بالطبع , وماذا تتوقع مني غير ذلك ؟

أشاح رادولف بوجهه كي لاتظهر انفعالاته وصرح بصوت مرتجف بعض الشئ :

- برغم البداية السيئة يمكننا ان نعيش معا حياة جميلة

توقف ليستجمع افكاره ثم اضاف :

- اليوم مثلا سار كل شئ على ما يرام

- لا اعتقد ان يوما واحدا من التفاهم يكفي لبناء حياة مشتركة

- كل طريق تبدأ بالخطوة الاولى , فلنعتبر اليوم خطوة اولى ومثالا نحتذيه في تصرفاتنا

لم تصدق لين ان هذا الرجل الذي يتكلم هو رادولف
اين التعالي والغطرسة في صوته ؟
أين نظراته الساخرة ونبرته المتهكمة ؟

من عادة رادولف اعطاء الاوامر ورؤيتها تنفذ , لكنه الآن يطلب من زوجته العيش معه لا بل هو يتوسل اليها !

- اسمع يا رادولف , انا لا انوي ان امضي حياتي متنقلة من مكان الى آخر لأني
احب الأستقرار .. أضف الى ذلك اني لست مغرمة بك وتبعا لذلك يغدو طلبك غير قابل
للأستجابة

لم يعلق الغجري على رفضها بشئ بل غير الموضوع وانصرف الى الأكل بعد ان ملأ
طبقا لزوجته وصب لها بعض الشاي

جلس الزوجان بعد الأكل يتأملان مياه البحيرة
الرقراقة والشمس تغمر المكان بدفئها وطنين النحل يملأ الجو بهجة وفرحا

ماذا يطلب الانسان أكثر من ذلك ليكون مسرورا ؟ ماذا ينشد ليشعر بالأمان والسلام ؟

وهذا ما شعرت به لين فتداعت جدران الحقد الفاصلة بينها وبين زوجها

وشعرت بأن هذا الرجل قريب منها ولم يعد ذلك الشخص الشرير الذي كرهته الى حد لايوصف

نظرت الى وجهه فلم تستطع انكار جماله الباهر وملامحه النبيلة المتناقضة مع انتمائه الغجري

يزيده هذا التناقض غرابة وفرادة لايملكها غيره من الرجال

جعله ذلك أميرا في ثوب فقير , نبيلا في ملامح رجل اسمر عانى شظف العيش وخبر
مصاعب الحياة

لم تر لين في حياتها أحجية بهذا الغموض , وسامة متعالية في رجل فقير ينتمي الى قوم يفتشون عن اللقمة ليسدوا رمقهم , يعيشون متشردين بلا وطن ولا هدف

التفت رادولف اليها فوجدت صعوبة في ازاحة نظراتها المأسوره ببريق عينيه السوداوين

- متى سنصل مقصدنا ؟

- أمامنا الكثير من الأميال بعد

لم تقنع لين بهذا الكلام فقالت :

- هذا ليس بجواب , الا تستطيع ان تكون أكثر وضوحا ؟

تناول رادولف الفاكهة وأجاب :

- أعتقد انه علينا اجتياز حوالي الخمسين ميلا

ناولها تفاحة حمراء سائلا :

- اتريدين تفاحة ؟

- بكل سرور

- على الرحب والسعة ياعزيزتي .. ما رأيك بمزيد من الشاي ؟

استغربت لين كل هذا الانتباه وكل هذه الرعاية من زوجها , لاسيما انها خذلته باعلانها عن رغبتها في عدم العيش معه واصرارها على الفرار

- لا , شكرا

- فلنجمع اغراضنا أذن لنكمل الرحلة

تنهدت المرأة وتمتمت شاكية :

- اود لو اعرف سبب رحلتنا

- كوني على ثقة بأن السبب وجيه جدا

أخذ رادولف يجمع الاغراض في حين توجهت لين الى البحيرة لترمي ي مياهها بقية الشاي وذكرى ساعات بديعة أمضتها في هذا المكان حيث لم تفكر مرة واحدة , خلافا للسابق , بايجاد طريقة للفرار !

في السيارة شاركها رادولف تساؤلها عندما قال :

- ارى انك لم تحاولي الهرب اليوم !

- لم اجد فائدة في ذلك لأنك بدون شك أسرع مني في العدو , فلو حاولت شيئا لأمسكتني بسهولة

- هذا صحيح ولكن مع ذلك لاحت لك عدة فرص للأفلات خصوصا عندما كنت احضر الطعام
من السيارة

- لقد وزنت جميع هذه الفرص ووجدتها خاسرة لأنني كنت سألقي عقابا شديدا على
فعلتي !

لاحظت لين انه انفعل لما سمع وان لم يعلق على الكلام بشئ

ظل رادولف صامتا حتى وصلا أخيرا الى طريق ضيق مقطوع يقوم في نهايته مخيم للغجر

- سنتوقف هنا ياحلوتي

- أهذا هو المكان الذي نقصده ؟

- كلا ... هذه مجرد محطة قصيرة في رحلتنا

أوقف السيارة قرب احدى العربات وأضاف :

- ابقي هنا فلن أغيب أكثر من بضع دقائق ..
وأخيرا وجدت لين فرصة ذهبية لتفلت من قبضة خاطفها فهزت برأسها موافقة وغرقت في مقعدها تنتظر ابتعاد زوجها عن السيارة

تقدم منه بعض الرجال السمر وغرق الجميع في محادثة هامة لم تسمع لين منها شيئا
لأنها كانت بعيدة عن موضوعها

ثم تحسست مقبض باب السيارة وأدارته على مهل , ونظرت الى زوجها الذي ادار نظره لها بعد ذلك لمحت الرجال يرمونها

بين لحظة وأخرى , بنظرات فضولية فتوترت أعصابها وصارت خائفة من الأقدام على خطوة
الفرار ... شيئا فشيئا فترت همتها ورأت ان لا فائدة من المحاولة لأن الجميع في المخيم سيكونون على أعقابها ويعيدونها سجينة .. لذلك أعادت اقفال الباب كما فتحته بهدؤ وفتحت زجاج النافذة لتسترق السمع

فأصيبت بالخيبة لأن الحديث كان دائرا باللغة الغجرية .. لا بد ان لما يدور بين هؤلا الرجال أهمية قصوى

بالنسبة لزوجها وبالنسبة لها

عندها أطل رجل عجوز انضم الى الرجال وتحدث
بالأنكليزية فتمكنت من سماع ما قال :

- انه لم يأت يارادولف .. اتعظ ودعه وشأنه لأنك تعذب نفسك بدون جدوى ، لقد نصحتك مرات عدة

قاطعه رادولف فنظر العجوز الى السيارة وأكمل كلامه بلغة أهل قومه حتى لاتفهم لين شيئا

بعد قليل عاد رادولف الى السيارة غاضبا وفي الوقت نفسه عاقدا العزم على الوصول الى هدفه السري

انطلق بالسيارة دون ان يكلف نفسه مشقة الالتفات الى زوجته ولم يحرك ساكنا الا
عندما انتبه الى ان السيارة تحتاج الى الوقود فقد استنفذت الرحلة محتويات الخزان الذي ملأه رادولف في الليلة الماضية

عاد الغجري أدراجه الى المخيم
وأشار الى أحد الرجال كي يأخذ السيارة ويملأ خزانها بالوقود

ترجلت لين وهي تتحسر على فرصة أخرى ضائعة للأفلات

اذ انها خططت للأقلاع بالسيارة فيما رادولف منشغل في المحطة بتعبئة الوقود ودفع المال

اما الآن فها هي معه في المخيم ويدها حبيسة يده على سبيل الاحتراز ومنعا لأية محاولة
فاشلة تبدر منها

عندما أخرج رادولف المحفظة من جيبه ليعطي المال للغجري لاحظت لين ان فيها مبلغا محترما ,

فقالت :
يبدو ان لديك الكثير من المال

غابت رنة المزاح من صوت رادولف هذه المره عندما أكمل :

-المسروق

كان بلا شك منشغل الفكر بما اخبره هؤلا الرجال فلم ينصرف الى المزاح والمرح كعادته

من الواضح انه يتنقل من مكان الى آخر بحثا عن أحد فهذا ما استنتجته لين بسهولة من كلام اولاف وكلام الرجل العجوز

ولكن هذا لا يفسر اللغز كاملا بل يطرح سؤالا جديدا : من هو الشخص الذي يبحث عنه رادولف ؟
وهذا السؤال يستتبع أسئلة كثيرة منها : لماذا يبحث زوجها عنه
وماذا سيفعل عندما يجده .. ومن الجلي ايضا انه ليس من السهل العثور على هذا الشخص كما انه ليس من السهل ان يستسلم رادولف ويكف عن البحث عنه

فهو مستعد لأن يجوب ايرلندا عرضا وطولا ليصل الى ضالته المنشودة

وما زاد الامر غرابة كون رادولف يملك المال الكافي ليغطي نفقات رحلاته المكلفة ولكن ما يبعث
الرجاء في نفس لين هو ان الفرصة المؤاتية للفرار لابد آتيه في احدى هذهالرحلات

لأن حراسة زوجها مهما كانت دقيقة لن تستطيع منعها من الهرب

كانت الشمس قد بدأت بالأفول عندما وصل الزوجان الى المخيم المقصود , وبريق
النجوم شرع ينفذ من بين آغصان الاشجار الكثيفة

أقيم المخيم في اطار طبيعي خلاب في حضن سهل فسيح محاط بجبال عالية ومروي ببحيرات متناثرة هنا وهناك تتجمع فيها مياه الشتاء المتدحرجة من القمم الشاهقة

كالعادة , هجم الرجال والنسوة والأطفال لملاقاة رادولف مرحبين به اشد ترحيب بلغتهم الغجرية

تكلم رادولف فنظر الجميع باعجاب الى لين وهم يطلقون عبارات الدهشة والفرح

ففهمت المرأة انه شرح لهم انها زوجته ، بعد ذلك توجه واياها
الى احدى العربات الخالية وكأن رادولف منتظرا هنا وأعدت العدة لاستقباله

بعد ان اصبحا في الداخل طرحت لين السؤال الذي يقلقها :

- الى متى سنبقى هنا ؟ أحس وكأني سلعة يتفرج عليها الجميع في معرض !

- سيعتادون عليك ويعتبرون وجودك طبيعيا مع الوقت

- ألم يفاجئهم أمر زواجك ؟

ابتسم رادولف مجيبا :

- لم يفاجئهم بل ادهشهم

- أيدهشهم ذلك لأنك كنت معروفا باصرارك على عدم الزواج ؟

- تماما

- من المؤسف انك رجعت عن مبادئك وتخليت عن اصرارك !

امتلأت نفس لين بالحزن والخيبة من جديد

فاليوم الممتع الذي مر أصبح جزءا من الماضي والذكريات , وها هي الآن تعود الى الوحدة والضجر

أعادت اليها العربة الجديدة دور السجينة الذي لعبته منذ اختطفها رادولف في ذلك اليوم المشؤوم
وأجبرها على ان تصبح زوجته

لكن ما يخفف من وطأة المرارة هو كون العربة
الجديدة في حالة أفضل بكثير من العربة السابقة , فالجديدة أحدث وأنظف

لاحظ رادولف حزنها فسأل بقساوة :

- ما بك الآن ؟ انا لم أر في حياتي انساا متقلب المزاج مثلك !

- وماذا عن مزاجك؟ اليس حادا وقاسيا كمزاج وحش مفترس ؟

- لم اقل ان طباعك حادة بل متقلبة فحسب , ساعة اراك فرحة وساعة حزينة !

أجال طرفه في العربه وأضاف :

- انظري حولك , الا تجدين ان العربة نظيفة ومريحة ؟ سأجلب حقيبتك من السيارة
لتضعي ثيابك في الخزانة

أحضر رادولف حقيبتي زوجته وحقيبة ثالثة وضع فيها ثيابه

جلست لين تراقبه بانبهار يخرج ثيابا أنيقة من حقيبته لا يملكها الا الأثرياء وأصحاب الذوق الرفيع

أدرك الغجري ان زوجته فوجئت بما يملك فقال :

- تركتك نائمة البارحة وسرقت كل هذه ..

قاطعته لين بحدة غير آبهة بالنتائج :

- لاتحاول تفسير أي شئ فأنا لست مهتمة ابدا بمصدر هذه الملابس !

ابتعدت عنه ووقفت تحدق في قمم الجبال المختبئة وراء حمرةالشفق ، تمنت لو تكون هذه اللحظة جالسة هناك حيث الهدؤ والبعد عن الضجيج وكذب حضارة العالم

تجمعت دموع الغضب في عينيها , غضب أثارة فشلها وخيبتها المرة

- انصحك يا لين بألا تثيري أعصابي , فالنتائج معلومة

استدارت المرأة حانقة ويداها على خصرها قائلة :

- اتهددني من جديد ؟ هيا افعل ما فعلته في الأمس !فهذا افضل ما يتوقع من من متشرد حقير !

توقف رادولف عن توضيب ثيابه ونظر اليها والشرر يتطاير من عينيه

- الن تكفي عن التحقير بي ؟ أتحاولين ارغامي على استعمال العنف معك ؟

تقدم منه وأمسك بكتفيها وقال :

- تعلمي لجم لسانك الطويل فأنا لست مستعدا لتحمل الاهانة تلو الاهانة !

هزها بعنف ولكنه لم يتماد كما فعل في الليلة الماضية بل ضبط اعصابه وسرعان ما
تركها

تحسست لين آثار يديه القويتين على كتفيها وتساءلت كم من الآلام ستتحمل قبل ان تفلت من قبضته

من الأفضل ان تضعي ملابسك في الخزانة لأننا قد نبقى هنا بضعة ايام

- والى اين نذهب بعد ذلك ؟

تنهد رادولف وأجاب :

- لا اعلم

ياله من تبدل ! من غجري عنيف الى رجل هادئ تعب ومثبط العزيمة

انتقت لين كلماتها بدقة عندما تكلمت :

- اتبحث عن شخص معين ؟

لم يكن رادولف على علم انها سمعت كلام العجوز وسمعت قبل ذلك كلام اولاف

فرمقها بنظرة متسائلة :

- مالذي يجعلك تظنين اني أفعل ؟

- انه التفسير الوحيد الذي وجدته لهذا التجوال المستمر

- فهمت .. سأخرج بعد حوالي الساعة وأطمئنك بأن العربة محروسة جيدا فلا تحاولي الهرب

قال رادولف ذلك بلهجة عادية كأن الموضوع ليس ذا اهمية مما أثار لين فصرخت :

- وكم ستغيب ؟ لا استطيع تحمل الوحدة ! سأفتح النافذة وأملأ الدنيا صراخا ! لا لن استطيع الصمود

- لاتكوني مأساوية بهذا الشكل المسرحي فلن اغيب عنك طويلا

زادت ثورة المرأة وهددت:

-سأحطم النوافذ , سأحطم كل شئ !

اطلق الغجري زفرة عميقة فأدركت لين ان في ذهنه ما يشغله كفاية ويجعله بغنى عن مشكلة جديدة تسببها له امرأة , فاستنتجت انها اذا زادت الامر صعوبة وتعقيدا

تخلى عنها وأطلق سراحها لينصرف الى حل مشكلته الاساسية

هو بالطبع مشغول بالعثور على الرجل "الخفي" فأذا مارست لين اللعب بأعصابه واثارته كلما سنحت لها الفرصة , ينفد صبره ويتخلى عنها

لاشك انها ستدفع ثمن اغاظته كدمات وجروحا ولكن ذلك لايقاس بالبقاء في سجن الحياة الغجرية الى الأبد

- لقد قلت لك انني لن اتأخر

وجد رادولف صعوبة في الكلام بسبب الارهاق الشديد , الذي لم تسببه ساعات القيادة الطويلة لأن بنيته القوية تجعله بمأمن من الارهاق الجسمي , بل مشكلته مستعصيه تشغل روحه وعقله

وجهت لين اليه سؤالا ليس في محله بل يهدف الى تأخير خروجه فقط :

- الن تتناول طعاما على الأقل ؟

- ليس قبل ان اعود

لم تكن المرأة جائعه بل حاولت بسؤالها ان تعيق ذهابه , لكنها أذعنت للأمر وجلست على كنبة تنتظر خروجه

بدا رادولف مترددا في الذهاب ، هل هو قلق عليها ؟ فشعوره بالقلق واضح على وجهه

عندما فتح الباب ليخرج أعطاها نصيحة أخيره :

- لاتحاولي شيئا سخيفا يا لين لأنك لن تنجحي في الفرار

- سأنجح يوما

لما نظر اليها بعينيه الماكرتين علمت لين انه يخطط لما سيفعله بها عند عودته

وتأكدت من نياته عندما سألها بخبث :

-أواثقة انت من النجاح ؟ سنرى مدى صلابتك عندما اعود !

- نعم ، سأخرج من سجنك وسأحمل معي أبشع الذكريات !

أدركت لين ان لعبتها ناجحة عندما رأت زوجها يعض على شفته السفلى ويده تشد على مقبض الباب

ستواصل حملتها على اعصابه في الغد لتصل الى غايتها

عاد رادولف الى العربة في العاشرة فوجد لين نائمة على كنبة عريضة

استسلمت المرأة بسرعة الى النوم بعد ان وزعت ملابسها في الخزانة والقت نظرة فاحصة على
العربة الواسعة والنظيفة

دخلت الى المطبخ المرتب وحضرت بعض الشاي ثم جلست تحتسي فنجانا في غرفة الجلوس قبل ان تدخل الى غرفة النوم بعد ان تأكدت من
وجود الحراس اليقظين في الخارج يرصدون تحركاتها

لابد انهم يتلقون المال من زوجها لقاء خدماتهم , مال وفير لاتعرف مصدره

وقف رادولف يتأمل شعرها المتدلي كوشاح حريري على الكتف الغض وأحس بالألم يعصر
قلبه و ثم تمتم في نفسه :

غجري متشرد , حثالة المجتمع

توجه الرجل الى المرآة ينظر الى بشرته الداكنة وشعره الأسود القاتم المتشعث كنسيمات الجبال الصباحية

استدار لما سمع زوجته تتحرك في كنبتها وتفتح
عينيها لتشاهده أمامها

عرف من اقفالها عينيها ومن الدموع المنحبسة وراء الجفنين انها شاهدت الرجل
المتوحش , البدائي
- عدت اخيرا

أقترب الغجري منها وسألها بحنان :

- أتفضلين وجودي على البقاء وحيدة؟

كذبت لين كي تجرحه امعانا في ممارسة لعبة حرق الاعصاب

- بالطبع لا ! وجود شخص غير مرغوب فيه لا يشتهيه أحد !

أمسك بيدها وأجبرها على الوقوف ثم ضمها اليه بقوة

- أنت تفقدينني أعصابي !

قاومته لين بعنف وهي ماتزال شبه نائمة , وفجأة تراجعت عندما لامست وجنتها الجرح في خده

- أتخافين من جرح بسيط كهذا ؟

تناول يدها ومررها على جرحه وأضاف :

- ستنالين قريبا من الدواء نفسه لأني احب معاملة الناس بالمثل

أتستمر لين في توتير أعصابه ؟ لا , لن يجدي ذلك نفعا معه عليها الرضوخ لمشيئته والاذعان لاوامره لتخفف من وطأة نار هذا الجحيم

عندما رفع رأسها الى عينيه رأت من جديد الحنان يملأ نظراته ,

رأت رادولف الخير يطغي على رادولف الشر ويتغلب عليه مؤقتا في الصراع العنيف الدائر في
نفسه

وأحست من واجبها مساعدة هذا الرجل كي يصل الى الأمان وتستقر شخصيته ,

ولكن ما السبيل الى مساعدته ؟

لربما كان تجاوبها مع عناقه كفيلا بحل المشكلة
وجعله يشعر بأنه موضع اهتمام

وأخيرا جاءت اللحظة الحاسمة فقد جذبها رادولف اليه ليقبلها

أتقدم على خطوة التقارب أم تحجم عنها ؟

وللأسف تغلبت غرائز لين على ارادتها وابتعدت عن زواجها الذي لم يرض بالهزيمة

وجعلها تسدد الفاتورة بطريقة فظة

بعد ان انقشعت غيوم المهانة والذل تمتمت لين بين الشهقات المتتالية :

- أكرهك وسأجعلك تدفع ثمن كل شئ غاليا في يوم من الايام

لم تؤثر كلماتها في رادولف بشئ لأنها كانت موجهة الى الجانب السئ الذي تحدث عنه

حملها بخفة الى السرير ليكمل انتقامه وينهش من جمالها المستسلم نهشا









[/align][/cell][/tabletext][/align]
  #12  
قديم 03-18-2015, 08:17 PM
 
[align=center][tabletext="width:70%;background-image:url('http://www5.0zz0.com/2015/03/13/11/945847661.jpg');"][cell="filter:;"][align=center]


الفصل السابع
منزل على الشاطئ الذهبي



دام تنقل رادولف ولين من مخيم الى آخر مدة اسبوعين جابا خلالهما أنحاء واسعة من ايرلندا

قطعا الجبال والسهول , والبحيرات والأنهار , والوديان والمراعي , ولو لم يكن هاجس الفرار ماثلا في ذهنها لاعتبرت لين نفسها سعيدة الى
درجة لا توصف

لم يقترب رادولف منها منذ ان صفعها المرة الأخيرة , حتى انه كان ينام على
كنبة ويترك لها السرير لتأخذ حريتها

صار يعاملها بكل لطف وعناية وان لم يخل
الأمر أحيانا من كلمات جارحة تأتي ردا على زلات لسان تبدر من لين

لكن القضية لم تتعد الكلام لحسن الحظ

حاول الغجري ان يظهر الجانب الحسن وبالتالي سحق شخصيته الشريرة المرعبة ، وقد نجح لا في ازالة خوف لين فحسب ,

بل بانشاء علاقة ود بين الأثنين

فأضحت قوته خالية من البطش وسطوته بعيدة من الظلم
كما غاب عن لين الشعور بالأسى والمرارة اللذين رافقاها كظلها في ايام اختطافها الأولى ، ولكنها لم تكف مع ذلك عن الكلام على الهرب في اول فرصة تلوح لها

وفي الحقيقة صارت لين مقتنعة تقريبا بحياتها كزوجة لغجري متجول

لاسيما وان رادولفلا يترك مناسبة الا ويذكرها بأن مكان المرأة هو الى جانب زوجها

لكن ذلك لايعني شعورا بالاستقرار بل كانت المرأة الشابة في حالة انتظار وتوقع دائمين
معتبرة ان عثور زوجها على من يبحث عنه سيغير مسار حياتها

لم يحط الزوجان حتى الان رحالهما في مكان معين بل استمرا في الطواف من مطرح
الى مطرح

, يشغلان العربة الشاغرة , ويحلان ضيفين على قوم الزوج كأن من عادات الغجر ابقاء عربة مخصصة لضيوف غير متوقعين يأتون على حين غرة كما يفعل رادولف


لكن لين مخطئة في تصورها لأن رادولف كان منتظرا أينما حل وكانت تخلي له عربة خصيصا قبل وصوله بساعات قليلة

ويعود اليها سكانها الأصليون فور رحيله


سألت لين زوجها يوما وهما في طريق العودة الى كيلارني بعد ان زارا ثلاثةمخيمات مكثا في احدها يومين وفي الآخرين بضع ساعات

-الى متى سنظل ننتقل هكذا ؟

- أعتقد اننا سنكون في بيتنا بعد حوالي اسبوعين

أوقف رادولف السيارة الى جانب الطريق وأخرج قنينة شراب البرتقال من صندوق السيارة ليتناولا كوبين منعشين

, في حين كان تفكير لين يعمل جاهدا لاستيعاب
كلمة " بيتنا "

عن أي بيت يتكلم زوجها ؟

- اتعني اننا سنستقر في مخيم معين ؟

قالت لين ذلك وهي تهز رأسها وتفكر بوجودها في مخيم للغجر وبالحياة المتعبة التي تنتظرها

وبرغم ذلك فهي تقر أنها لا تتصور نفسها تعيش بدون رادولف من دون ان تعلم السبب

صارت الامور مشوشة في ذهنها فمنزلها ومجتمعها الحقيقيان

يقومان في وطنها انكلترا حيث تحلم بالعيش في منزل صغير لتبني عائلة صالحة

يشاركها في طموحها رجل تحبه او على الاقل ترتاح له وتعيش وادعة مطمئنة

طالما عادت صورة توماس الى ذهنها في الايام الماضية لكن رادولف كان مصيبا عندما قال ان توماس لا يناسبها

, فهو رجل طيب لكنه ليس خلاقا مما يساهم في
زيادة الرتابة والروتين في حياتها التي علمت من خلال تجربتها الجديدة مدى
سخافتها , وانسيابها المجرد من أي نكهة ومعنى

قطع رادولف حبل افكارها بقوله:

- لابد ان ننتهي من الطواف ونستقر

اعترضت لين بلهجة ناعمة قريبة من التوسل :

- لا استسيغ فكرة العيش في مخيم , الا نستطيع السكن في مكان آخر ؟

رماها زوجها بنظرة ملؤها الحيرة والتردد كأنه يخاف من البوح لها بأشياء يكتمها في نفسه على مضض

لذلك اختار كلماته بدقة وقال بتمهل :

- أفهم من كلامك انك أصبحت مقتنعة بالعيش معي ؟

هربت لين من نظراته وأخذت تفكر لماذا لم تعترض على ذلك بشدة كما كانت تفعل في السابق

وبعد أن وزنت الأمور في رأسها وتراءت لها حياتها المقبلة وما يمكن ان تعانيه في المجتمع الغجري من عبودية تصيب المرأة وتذلها ,

صاحت بأعلى صوتها :

- لا ! لم اقتنع بذلك ! سأستمر في محاولة الفرار وسأنجح في ذلك ! انتلاتستطيع مراقبتي الى الأبد , لاتستطيع ان تراقب تحركاتي لسنوات وسنوات حتى نصبح عجوزين هرمين !

ارتفعت حدة نبرة لين حتى جفل رادولف منها

وزادت :

- أرجوك دعني أمضي في سبيلي , أرجوك دعني أعود الى بيتي !

بكت المرأة بمرارة وغشى كيانها اضطراب كبير فأخذت ترتعش حتى اوقعت كوب العصير
على ثوبها

تناول الغجري الكوب من يدها وانتظر حتى هدأت , وبالفعل عادت لين الى هدؤها

السابق وتكلمت بكل واقعية :

- لنعقد اتفاقا مثمرا لنا نحن الاثنين تعطيني حريتي مقابل سكوتي عن حادث الاختطاف وتعهدي بألا اطلع احدا على ما جرى

بلعت لين ريقها لتزيل الثقل القابع في حلقها وأعصابها الثائرة تجعل منطقها مغلوطا , وفكرها شاردا ومشوشا

لم يعد شئ في ذهنها واضحا ، وأحست برغبة في الصراخ عندما مرت أمامها الصور متدافعة ,

صور الحرية والعودة الى الوطن ، صور
رادولف الطاغية وسطوته القاسية تطردها صور طيبته ولطفه اللا متناهي

ودار في خلدها صراع قاس بين الحياة مع رادولف والحياة بدونه ,

فالأولى رحلة لا تنتهي بين المخيمات حيث شظف العيش , والثانية حلقة مفرغة تبحث فيها عن سعادة تائهة

برزت الحقائق من بين غيوم عقلها المنقشعة وعجزت لين عن الاختيار فلم تجد

الا صرخة صادقة تطلقها من اعماقها :

- ساعدني يا الله !

- لين ما بك ياعزيزتي ؟ بالله عليك لاتفعلي هكذا بنفسك !

لمتنبس المرأة ببنت شفه بل نظرت الى الغجري لاتصدق ان ما يختلج في قلبها حقيقة

همست في نفسها :

- لا , هذا ليس صحيحا , لايمكن ان يكون صحيحا

تكلم رادولف ثانية لكنها لم تسمع شيئا لانشغالها بالحقائق الجديدة

سرت في جسمها رعشة قوية وارتجفت بشدة ثم سقطت بين يدي زوجها

- لين , ما بك؟ هل انت مريضة ؟

كان صوته ناعما ينم عن قلق عميق

لكن لين ليست مريضة بل هي في حالة أخطر من
ذلك 0 رفعت رأسها وكأنها تخرج من الغيبوبة , ثم حدقت في الرجل وتساءلت عما

يمكن ان تكون ردة فعله لو اطلعته على ما اكتشفت لتوها

أيستقبل الخبر بفرح ام يقول متشفيا : لقد وقعت في غرام غجري متشرد اذن ! وهكذا لن تتركيني بعد الآن يا امرأة لأن حبك لي يجعلك أمة خاضعة !

لن تخبره بذلك ابدا ! ولن يغير الوضع الجديد من تصميمها على الهرب لأنها

لاتنوي قضاء حياتها مع غجري برغم حبها القاتل لرادولف لن تستطيع رؤية أطفالها يترعرعون في مخيم وسط القذارة وبعيدا عن المدرسة الصالحة والبيئة الصالحة

ستجعل العقل يسيطر على العاطفة وتحكم المنطق ليسحق الحب

لما عادت الى التفكير برادولف من جديد عاد التشوش والبلبلة الى ذهنها

لقد استنتجت في السابق انه يملك شخصية مزدوجة

وقالت انها لو استطاعت ابقاء جانبه السئ بعيدا لاستطاعت تمضية أيام حلوة معه وفي الحقيقة أنه كان انسانا رائعا

خلال الأسبوعين الفائيتين فهو عاملها بكل رقة ولطف , حتى أنه لم يحاول تقبيلها مرة


لقد كبح جماح غرائزه لا سعادها وقدم مصلحتها على مصلحته دون أي انانية أو حب
للذات

أي رجل هو هذا ؟ لا تستطيع لين تحمل العيش مع رجل غامض الى هذا الحد

وان تكن تصرفاتها الاخرى مقبولة ولائقة

نفذ صوت رادولف من خلال أفكارها كالنور يتسلل بخجل من بين طيات الضباب :

- سألتك اذا كنت مريضة

- انا بخير الآن

قالت لين الحقيقة لأنها بدأت تشعر بالتحسن مع ان افكارها ما تزال مبلبلة

نظرت الى وجهه فكادت تقسم أنه ليس غجريا , لا يمكن ان تكون هذه الوسامة الراقية في غجري

أن هذا المكان ليس لغجري وظنت أن رادولف ليس صديقا لمالكه كما ادعى

, بل هو يدخل اليه خلسة عندما يعلم أن أصحابه غائبون ولكن من أين أتى بالمفتاح ؟

الجواب على ذلك ليس مستعصيا لأن هناك نوعا من المفاتيح الخاصة يناسب جميع الاقفال

والغجر مرشحون اكثر من غيرهم لأقتنائهم هذا النوع

أعادها صوت رادولف الى الواقع عندما بادرها بالسؤال :

- بماذا تفكرين؟

- كنت أفكر بكل هذا المال المهدور على بيت شبه مهجور


لم يقنع جواب لين زوجها الماكر فصحح قولها :

- لا ياعزيزتي , كنت تقولين في نفسك كيف يمكن لغجري حقير أن يتعرف الى أصدقاء أثرياء كصاحب هذا المنزل ؟

مرة جديدة عادت مسحة المرارة الى صوت رادولف

ولكن لين لم تشعر بالشماته لذلك بل انزعجت وحاولت تغيير وجهة الحديث

- أهناك حمام في هذا المنزل ؟

- وهل يعقل الا يكون هناك حمام ؟ تعالي لأدلك اليه

بعد ذلك أراها غرف النوم المرتبة والنظيفة كما دخلا الى المطبخ الواسع

والمجهز بأحدث الوسائل وأغلاها

- لابد أن أحدا يأتي الى هنا باستمرار ليبقى المنزل نظيفا

هز رادولف برأسه موافقا وهو يشير الى بقعة خضراء لاتبعد كثيرا عن البيت

- هناك مزرعة صغيرة خلف تلك الاشجار تملكها أرملة في الخمسين كلفها صديقي المجئ يوميا للأهتمام بالمنزل

- يوميا ؟

- ستأتي في الصباح الباكر وهكذا ستتأكدين من اني لست متسللا اليس هذا ما يشغل بالك ؟

احمر وجه لين لملاحظاته الجارحة والصائبة لكنها رأت في مجئ هذه المرأة عملا يحتمل أن يساعدها على الهرب

- لا تبني آمالا كاذبة فالسيدة وايت تحبني كثيرا وتنفذ مشيئتي

- يبدو أن لديك الكثير من المحبين

تجاهل الغجري ملاحظة زوجته وقال :

- المياة ساخنه الآن اذا كنت ترغبين في أخذ حمام لقد أنبأت السيدة وايت بمجيئنا وأمرتها بتسخين الماء

حدقت لين فيه بذهول مطبق

- انبأت السيدة ولكن متى وكيف فعلت ذلك ؟

ضحك رادولف وأجاب :
- طلبت الى احدهم في آخر مخيم توقفنا فيه أن
يتصل بها هاتفيا

- فهمت

تظاهرت لين بالفهم لأنها مهتمة الآن بالدخول الى الحمام والأستلقاء في المياه الساخنة لترتاح وتنعم بهذا الترف الذي حرمت منه منذ مدة طويلة

ولما همت بدخول الحمام لتخلع ثيابها وجدت الباب مقفلا

- ستخلعين ثيابك في غرفة النوم قبل أن اعطيك مفتاح الحمام

- لماذا هذا التعقيد ؟

- لأني أود مساعدتك في ذلك يا حبيبتي

- أنت تفكر في كل شئ

- علي أن أفكر في كل شئ والا أفلت زمام من الأمور من يدي

أمضت لين وقتا طويلا في غمرة المياه الساخنة ولما عادت الى غرفة النوم كانت هادئة ومرتاحة الأعصاب

جلس رادولف على السرير يتأمل جمال زوجته في قميص النوم الذي أخرجه لها من احدى الخزانات

نظر الى ساعة كبيرة معلقة على الحائط وقال :

- يظهر أنك تمتعت كثيرا بالماء لأنك أمضيت ما يقارب نصف الساعة في الحمام

علقت لين بجدية :

- أنا حقا آسفة لتأخري

- لا عليك يا طفلتي فأنا كنت مشغولا باجراء بعض المكالمات الهاتفيةمخابرات هاتفية هذا يعني أن ثمة هاتفا في المنزل

حاولت المرأة أن تتكلم بلهجة عادية حتى لايتنبه زوجها لحيلتها

- الا يمانع صديقك استعمالك لهاتفه ؟

- لا ابدا

دخل رادولف بدوره الى الحمام تحت أنظار زوجته المتسائلة عن ماهية مكالماته التي ليست بالطبع موجهة الى مخيم غجري, لأن هذه الامكنه لا تعرف الهاتف

انتظرت بضع دقائق حتى سمعت صوت المياه وتأكدت من أن زوجها لا يراقبها

, ثم خرجت من الغرفة على رؤؤس أصابعها وشرعت تبحث عن مكان الهاتف دون جدوى

لاعجب في أن يخفيه رادولف الداهية لأنه مدرك أن زوجته لن تكون غبية وتدع فرصة استعمال الهاتف تفلت من يده وتضيع هباء

تخلت لين عن البحث وجلست على طرف السرير تفكر في طريقة حديث زوجها عن الهاتف
, وكأنه يتعمد خلق مواقف تجعل زوجته تطرح على نفسها المزيد من الأسئلة حول حقيقته

تمنت لو تجد سبيلا كي تقنعه بالأجابة على التساؤلات الدائرة في ذهنها والتي تسبب لها حيرة وشكا عظيمين

بماذا تشك المرأة ؟ ماهو التفسير الشافي لكل الغموض الذي يحيط بزوجها؟

من المسلم به أن رادولف غجري ومع ذلك لا يمكنها انكار بعض الصفات التي تجعل منه
شبيها بأي رجل مثقف لا بل أرستقراطي نبيل ,

ان في حديثه أم في تصرفاته وفي الفترة الاخيره بالذات

, أي عندما جالا في البلاد ’انتفت عنه كل علامة تشير الى أنه غجري

حتى بدت متغيرة خصوصا وانه صار يرتدي ثيابا عادية مختلفة عن الزي شبه " الفولكلوري " الذي كان غالبا على هندامه في السابق

والسؤال المحير يبقى لماذا هذا التبدل أو لماذا عمد رادولف في بداية تعارفهما الى كسب عدائها ؟

لماذا !
لماذا!
أسئلة لاتنتهي !

يضاف اليها هذا المنزل الفخم قطعة جديدة في الأحجية

مادام من غير المعقول أن يكون لغجري صديق حميم بهذا الثراء يعهد اليه بمفاتيح بيته ويعطيه حرية التصرف المطلقة ,

سيما وان رادولف بدا معتادا على المجئ الى المكان من خلال معرفته كل التفاصيل المتعلقة
بالأثاث وبتاريخ المنزل وظروف تشييده

يضاف الى ذلك السلطة التي يستطيع بموجبها أن يأمر الأرملة بتحضير البيت وتنظيفه استعدادا لحضوره

غيرت لين الموضوع فجأة وسألته عن هوية الشخص الذي يبحث عنه

جفل رادولف لسؤالها وقال :

- الم تقولي سابقا أني أبحث عن شخص وبررت استنتاجك هذا ؟

- قلت ان هذا هو التفسير الوحيد لتنقلك الدائم

أطرقت لين قليلا وزادت :

- سأكون صريحة معك هذه المرة

- تفضلي

- سمعت الرجل العجوز يتحدث اليك عن رجل لم يأت الى المخيم وينصحك بألا تكمل البحث عنه

فكرت لين بأن تذكر كلمات اولاف أيضا لكنها عدلت لأن ذلك ليس ضروريا

- لم تخبريني بذلك في المرة السابقة

- تعني عندما قلت لك انك تبحث عن أحد ما ؟ لا فقد ظننت أنك تتضايق لو عرفت أني كنت أسترق السمع

حاول رادولف ان يبتسم وقال بعد أن غير وجهة الحديث :

- أطلعتني الآن على شئ يضايقني .. الم تخافي من أثارة غضبي ؟

- لم أعد أخاف منك

- قولي بصراحة يا لين , هل انت أسعد الآن مما كنت عليه

توقف فجأة محاولا ايجاد الكلمات المناسبة لأنهاء السؤال

, لكن دفعة من الشجاعة أتت لين فأكملت عنه:

- مما كنت عليه عندما كنت ترغمني على مشاطرتك السرير ؟

فوجئ الغجري لصراحة زوجته ولكنه كتم شعوره بذكاء

- أحسنت فهذا ما كنت سأقوله

- لست سعيدة بل راضية

ان تردد لين وعدم ثقتها بما تقول يضرب بهما المثل

فلماذا تنكر انها طالما نظرت الى يديه القويتين خلال الأسبوعين الفائتين

وتذكرت مداعباتهما ولمساتهما الجذابة وتمنت لو يعيد الكرة ؟

أهي ترغب فيه ؟ ولم لا فهي تحبه

احتقرت نفسها لأنها وقعت في حبائله لمجرد انه كان ودودا معها في الأيام الماضية , كرهت ضعفها وسرعة ذوبانها في بحر العاطفة

ولكن هل صحيح ان شعور الحب لم يبدأ الا منذ وقت قصير ؟

خصوصا وان لين تعترف أنها وجدت الغجري جذابا منذ رأته

- وهل يرضيك عيشنا بهذه الطريقة حتى نصبح عجوزين هرمين ؟

- سؤالك غير مجد فأنا لا انوي قضاء حياتي معك

سمعت لين زوجها يتنهد بدل أن يغضب كالعادة وتساءلت اذا كان سلم بالأمر الواقع

واقتنع بأن المشاركه في الحياة الزوجية تأتي نتيجة الرضى المتبادل لا القهر والاكراه

بعد دقائق انطلق رادولف بالسيارة صامتا وملامحه قاسية كالحجر , ينظر أمامه
كأن عينيه متجمدتان لا حياة فيهما

وغرقت لين بدورها في التفكير بمشاكلها

وبالحل الأنسب الذي يخرجها من هذا المأزق من دون ان تسبب أي الم أو أذى لزوجها

توقف الغجري في احد المخيمات لكنه لم يمكث هناك سوى بضع دقائق وأبلغ زوجته
بعد ذلك أنهما سيمضيان الليل في منزل يملكه صديق له يقع على شاطئ البحر

- ومن هو هذا الصديق ؟

- لا ضرورة لأن تعرفي

- انه ليس غجريا بالطبع

- لي أصدقاء كثيرون من غير الغجر يا عزيزتي

- أهناك أحد في المنزل ؟

أجاب رادولف بنبرة ناعمة وفي صوته تلك الرنة الموسيقية القريبة من اللهجة الايرلنديه :

- المنزل خال فهو مخصص لقضاء العطلة الصيفية أنا واثق من أنه سيعجبك كثيرا
فهو مجهز بكل شئ برغم بعده عن أي تجمع سكني

- أتعني أن المنزل منعزل ؟

- يبدو أنك فكرت بالهرب ياحلوتي ! لم أكن لأصطحبك الى هناك لو لم يكن المنزل منعزلا عن بقية العالم

- أيستعمل المنزل لأغراض سياحية ؟ فالبعض يحب تمضية وقت فراغه بعيدا عن الناس

ضحك رادولف وعلق :

- استعملت ديباجة بارعة لأخفاء خيبتك

- ماذا تعني ؟

- لاتدعي الغباء يا لين ظننت أن وجودك في منزل على شاطئ البحر سيسهل الفرار

, ففي المخيمات هناك من يراقبك ليلا نهارا

- الفرار من مخيم للغجر هو في الحقيقة مستحيل

, أما بالنسبة لاستنتاجاتك الاخرى فانك مخطئ لأني صرت أعرفك كفاية كي أدرك أنك حاضر أبدا لاحباط اية محاولة أقوم بها للأفلات

كل ما في الامر أني استغرب وجود منزل مخصص للعطلة في مكان منعزل كما فهمت من كلامك

- لقد بنى صديقي هذا المنزل منذ اربع سنوات حتى يهرب من همومه ويرتاح هناك من
عناء أعماله المتراكمة

عجبت لين لكلام زوجها فكيف يتوصل غجري الى مصادقة شخص ثري يبني منزلا لمجرد حبه الاختلاء بنفسه !

- لابد أن صديقك ثري جدا ! انا لم أعد أفهم شيئا آه لو تخبرني المزيد عن نفسك فلربما صارت الامور بيننا مختلفة

ضغط رادولف على المكابح حتى كاد رأس لين يرتطم بالزجاج الأمامي

نظر اليها بدهشة وسألها :

- ماذا تعنين بمختلفة ؟

هزت المرأة رأسها عاجزة :

- لا أستطيع التفسير

وبالفعل لم تكن تستطيع التوضيح لأنها هي نفسها لا تعلم ماذا تقصد تماما من كلامها

انطلق الغجري بالسيارة , وقاد لساعات في طرق منعزلة تتعرج بين الهضاب الخضراء

حتى انعطف أخيرا في زقاق ضيق لا يعرفه أحد وليس موجودا على الخريطة كما أبلغ زوجته

كادت لين تلهث عندما رأت جمال الطبيعة حولها , صخور الشاطئ ورماله الذهبية المترامية كأنها لا تنتهي لايزورها سوى طيور النورس تبحث عن رزقها بعيدا عن
فضول الانسان

استمر سيرهما في هذا المكان النائي حتى وصلا الى طريق صخرية لم تعرف طعم
الأسفلت ,

فأخذت السيارة تثب على الحجارة وراكباها يعانيان صعوبة المسلك حتى بلغا أخيرا بوابة عتيقة منحوتة في الحجر تدل على أن المنزل بني على أنقاض بناء قديم

وخلف البوابة والسور المحيط بالأرض نمت أشجار خضراء من مختلف الأنواع

, وتوزعت أزهار وورود زاهية هنا وهناك تضفي على الجو رونقا وضياء

كانت أشعة الشمس ما تزال ساطعة ترسل ألوانها على المنزل الأبيض المحاط ببساط من العشب الأخضر وسجادة من الأزهار

انعقد لسان لين من الدهشة وصعقت لجمال
هذه البقعة الطاهرة التي لم تدنس عذريتها أرجل الأنسان الشره

قالت وهي تترجل من السيارة :

- آه ما أروع هذا المكان !

أجالت طرفها بين الجبال الشاهقة والبحر المترامي الأطراف في زرقة يخالطها بياض الزبد عجيبة هي طبيعة ايرلندا في جمعها سمو الجبال ووداعة البحر في
لوحة واحدة

- كيف وصل صديقك الى مكان كهذا ؟

مرت لحظات تردد قبل أن يجيب زوجها :

- أن عائلته تملك الأرض منذ عدة أجيال وقد أقامت فيها مزرعة كبيرة

أشار بيده الى بقايا البناء المتهدم وقال :

- كان هذا بيتا لعمال المزرعة ... وجد صديقي
المكان مناسبا ليناء منزل يرتاح فيه عندما يحتاج الى الابتعاد عن عالم
الاعمال والضجيج

- وماذا يعمل صديقك ؟

- لديه أملاك كثيرة

جاء جواب الغجري مقتضبا يحذر لين من التمادي في طرح الأسئلة , ويعلمها بأنه ما عاد يرغب في التوغل في الموضوع أكثر

دخل الزوجان الى المنزل الفخم حيث الاثاث الوثير والسجاد العجمي والستائر الحريرية الفاخرة

وأعجبت لين بالثريات والكريستال والآنية الفضية وتماثيل العاج والبرونز

كما لفت نظرها الديكور الذواق الذي نظمت على أساسه غرفة الجلوس

, ثم هزت رأسها مدركةفي هذه اللحظة دخل رادولف الى غرفة النوم مرتديا لباس نوم أنيقا يتناقض مع
شعره غير المسرح

, ويعطيه شكلا فريدا جامعا بين الظاهر الانيق والطبيعة
البدائية ، لايقال عن رادولف الا أنه طائر يغرد خارج سربه !

عرف الغجري ما أثاره مظهره في نفس زوجته فقال معتذرا:

- لآسف لمظهري , ولكني سأتحسن مع الوقت اذا اهتممت أكثر بالتفاصيل

- لا ضرورة للتهكم ، أتسمح الآن بأن أرتدي ملابسي فالجو ليس دافئا كفاية هنا ؟

لم يحتج رادولف لسماع المزيد فسارع الى تشغيل جهاز التدفئة المركزية وعلى الفور غمر المنزل دفء عارم

بعد ذلك عاد رادولف الى غرفة النوم وفتح خزانة الثياب

- ستجدين ثيابك وحقيبتك هنا

أستدار وأكمل:

-أظن أني رأيت بين ملابسك فستانا طويلا

تأخرت لين في الأجابة لأنها كانت تراقب بتعجب اللباس الذي يرتديه زوجها

والمناسب له تماما مما يدل على أن قياسه معادل تماما لقياس صديقه

حتى الكمان يناسبان ذراعي زوجها المتميزتين بطولهما

- ماذا عن الفستان ؟

- أريدك ان ترتديه الليلة

مرر نظراته الشغوفة على جسمها وأكمل :

- سنتناول العشاء بكامل أناقتنا كأناس متمدنين

- عدلت المرأة عن الأعتراض لأن فكرة ارتداء ثوب أنيق والجلوس الى طاولة

لتناول الطعام محبذة بعد كل هذه الفترة البوهيمية , حيث تخلت مرغمة عن
مبادئها المتعلقة بالنظافة والشكليات ، وفي الواقع وجدت لين نفسها تبتسم

وهي تتصور المائدة المغطاة بشرشف مزركش بالزهور والمزين بآنية فيها ورود مقطوفة من الحديقة المحيطة بالمنزل

منحها رادولف احدى ابتساماته النادرة وهو يتناول الفرشاة ليسرح شعره قبل أن
يقول :
-أرى أن اقتراحي اعجبك أخرجي الفستان المعني لأراه

فعلت لين كما امرها وأخذت تتمشى أمامه في الثوب الأصفر الطويل دون ان تشعر
بأي حرج

بل على العكس قالت بعد أن أحضرت فستانا آخر ذا لون أرجواني :


- ما رأيك بهذا ؟

أقترب الغجري من زوجته فأحست بالرعشة تعتريها وكأن في الرجل قوة مغناطيسية
غريبة يزيد منها طبعه المتكبر

أحمرت وجنتا المرأة وثقل تنفسها وفي ذهنها
فكرة واحدة : حبها لرادولف مع اقتراب رادولف منها أكثر زادت دقات قلبها
أكثر فأكثر وعلمت أنه لو أراد ضمها الى صدره لما أحجمت بل لرحبت بذلك بكل
جوارحها لكن زوجها خيب آمالها واكتفى بطبع قبلة ناعمة على جبينها








[/align][/cell][/tabletext][/align]
  #13  
قديم 03-22-2015, 11:54 AM
 
الفصل الثامن

[align=center][tabletext="width:70%;background-image:url('http://www5.0zz0.com/2015/03/13/11/945847661.jpg');"][cell="filter:;"][align=center]


الفصل الثامن
اشراقة في القلب



جلس رادولف ولين متقابلين الى مائدة مضاءة بالشموع في شمعدان فضي , ومزينة
بمزهرية مليئة بورود حمراء

وعلى طرف المائدة وضع اناء طافح بمختلف أنواع
الفاكهة
أما الشرشف فأبيض كالثلج تضيئه السكاكين والشوك الفضية

جلست لين في فستانها الاصفر سعيدة كما لم تكن يوما منذ أن التقت رادولف , وهي
تعلم أن هذه السعادة لن تعمر طويلا

فالأمسية ليست الا واحة صغيرة في صحراء حياتها مع زوجها , والتي تنوي الخروج
منها برغم كل الاعتبارات الأخرى وأهمها حبها للغجري

تمكن رادولف بطريقة ما من الدخول الى هذا المنزل الذي يحوي في ما يحويه , حوضا للسباحة في قاعة مقفلة مكيفة و وملعبا لكرة المضرب في القاعة نفسها

كما أقيمت في الجهة الخلفية بحيرة اصطناعية صغيرة لاكمال اللوحة الفنية خصوصا وانها تطل على الهضاب الخضراء الحالمة

قررت المرأة الشابة نسيان شكوكها لتمضي وقتا ممتعا في هذا المكان الذي اعتبرته أكثر شاعرية من كل ما أبصرت عيناها فلم تستغل الفرصة وتتذوق حلاوة كل دقيقة تمر هنا بدل أن تشغل فكرها في ما لن تستطيع توضيحه؟

من جهته ارتدى رادولف بزة رسمية سوداء وتحتها قميص أبيض يزيده اشراقا لون
بشرته السمراء , لكنه لم يبد منزعجا من لباسه هذا أو غير معتاد عليه

تدخل صوته معلقا بعذوبة :

- أنت هادئة كثيرا يا عزيزتي

- اني اتمتع بهذه الامسية اللطيفة

أكمل رادولف مازحا :

- وتريدين بالطبع أن تطرحي الكثير من الأسئلة أنت اكبر امرأة متحفظة رأيتها في حياتي

- وهل تريدني ان أضع كل ثقتي بك؟ ماذا تفعل لو كنت مكاني ؟

تجاهل رادولف سؤالها وأهتم بصب الكافيار الفاخر الذي وجد في خزانة مليئة بالمعلبات على اختلافها

وبعد ان انتهى قال :

- لماذا لا تطرحين علي بعضا من تلك الأسئلة المقلقة ؟

- ومن قال اني قلقة ؟

- ذلك يقرأ على وجهك يا عزيزتي فلنقل أنك محتارة لا قلقة وسبب الحيرة أشياء كثيرة حدثت في الفترة الأخيرة

- أشياء لاتحصى ولاتعد

توقفت لين لتتذوق بعض الكافيار ثم أضافت :

- أتعني أنك مستعد للأجابة على الأسئلة , فأنت لم تخرج عن تكتمك حتى الآن ؟

- ليس في الامر تكتم بل عدم ضرورة للبوح بكل الاسرار

وما أكثر هذه الاسرار ومنها أن البزة , وهي بالطبع ملك لصديقه , تناسب جسمه تماما
أمن الممكن أن يكون في الامر مصادفة ؟

- ماذا تعني بعد الضرورة ؟

رفعت لين عينيها الى وجهه فوجدته منقطعا عن الأكل يحدق فيها ووهج نار الشموع يزيد من سحر وجهها وجماله

أعدت اليها نظراته ذكرى لقائهما الثاني في الغابة عند ما جاء على حصانه وبدا مسحورا بجمالها

كان في الحقيقة مختلفا وقتها عما رأته فيه في اللقاء الأول حيث أعمته الرغبة فحاول الأعتداء عليها

في الغابة ظهر مهذبا وحياها بكل بساطة كأنه يقابلها للمرة الأولى , ويسعى للتعرف اليها
ومصادقتها دون الالتفات الى الحادثة السابقة

حبذا لو أن تلك الحادثة لم تحصل وكان اللقاء في الغابة هو الأول , لكانت الامور بينهما مختلفة الآن!

قالت لين أخيرا بعد أن انتهت من تساؤلها :

- وهذه الضرورة أصبحت متوافرة الآن !

وجف قلبها أذ أدركت بحدس ما انها على وشك اكتشاف أمر خطير كفيل بجلب السعادة الدائمة

اختلج في نفسها شعور غريب تلاعب بانفعالاتها وجعلها في نفس الوقت تقتنع بأنها لو عرفت كيف تعالج الوضع الجديد الذي سيخلقه رادولف لما عاد
زواجها منه تلك المأساة التي بدأت عند اختطافها وارغامها على عقد زواج غجري
لا تؤمن كثيرا بصحته

أجاب رادولف على سؤالها وكادت تتولى المهمة عنه عيناه الحزينتان :

- من المفيد لنا نحن الاثنين ان اوضح لك بعض الامور التي اوقعتك في مغالطات جمة

لاحظت المرأة الحزن في عيني زوجها وتمنت لو تستطيع فعل أي شئ لتمحو هذه المسحة الأليمة من نفس من تحب

أزاء سكوتها أكمل الغجري :

- بالرغم من ذلك أفضل يا عزيزتي الا تطرحي أسئلتك الآن بل لندع الامور تتوضح تلقائيا , وذلك بات قريبا

هز رادولف رأسه وتجهم وجهه وبدت عليه علامات القلق والتردد عندما قال بصوت خافت :

- انما في داخلي احساس بأن نظرتك التي تغيرت يا لين , ولكني لست أكيدا لا , لا أجرؤ

نفذت كلماته كالسهام الى اعماق لين واختلطت عليها الامور اذ لم تفهم ما قاله زوجها

ليس أكيدا وبالتالي لا يجرؤ على مصارحتها بما يريدها أن تعلم عنه

أحست ليس بأن فرصة العثور على السعادة بدأت تضيع وبأنها لم تخلق لتعيش مع هذا الرجل تحت سقف واحد
ولكن هل هي واثقة تماما من رغبتها في العيش معه ؟

مرة جديدة رأت مستقبلها قاتما وفارغا اذا تخلت عن رادولف ومن جهة أخرى هي لا تستوعب فكرة الحياة غير المستقرة التي يعيشها الغجر

نظرت الى زوجها متوسلة وتمتمت :

- أرجوك يا رادولف , أطلعني على الخبايا , فانا زوجتك ويحق لي أن أعرف شيئا عنك

هز الغجري برأسه موافقا بدون أن يبدر منه ما يرضي فضول زوجته بل قال :

- لنركز اهتمامنا الآن على وجبة العشاء سيما وأنها الأولى لنا في مثل هذا المكان الرائع

لم تجد ابتسامة رادولف في أزالة خيبة زوجته لأنه تهرب من الموضوع
والألم أصبح الآن أشد وقعا منه في الماضي كونها صارت أسيرة حب هذا الرجل , وأضحت متحرقة لكشف حقيقته

بعد الكافيار جاء دور شرائح اللحم المشوي التي حضرها الزوجان في المطبخ الكبير بعد أن جلباها من الثلاجة الكبيرة المحتوية على الكثير من اللحوم وأنواع الطيور الشهية

وقد برر رادولف وجود هذه الاطعمه بوجود السيدة وايت الأرملة الطيبة التي تهتم بشؤون المنزل

- أنت تتعب السيدة وايت بطلباتك المتعددة يا رادولف

- السيدة وايت راضية فهي تجد في الأمر تسلية تنسيها وحدتها كما أننا بحاجة لهذا الترف بعد طول التنقل من مخيم الى آخر

- ولكنك تحب حياة الغجر , أليس كذلك؟

- العادة تسهل كل شئ وتجعل المستحيل معقولا ولا أخفي عليك سرا اذا قلت أني أحب التمتع بالحرية التي توفرها حياتنا الغجرية

- ولكن حياتكم مضجرة اذ لا عمل فيها ولا نشاط

- ليس كل الغجر بالضرورة عاطلين عن العمل فهم يصنعون بعض أدوات الطبخ ويتعاطون التنجيم وما الى ذلك

علقت المرأة على كلام زوجها بسخرية :

- ماذا يفعل قومك سوى شحذ خناجرهم وتلميعها؟

لم يستطع رادولف الاجابة على هذا السؤال المحرج , بل أهتم بصب الطعام وأحضار عصير البرتقال

ولين خائبة تتحين فرصة أخرى لاستجوابه

أنتهى الزوجان من تناول الطعام فسأل الغجري :

- هل أعجبك الطعام ؟

- كان رائعا , شكرا

طغى على الجو مسحة من السحر والود ولم تفكر لين بالمشاكل التي تفسد عليها روعة الساعة بل طرحتها جانباً لتنعم بهنيهات فريدة نادرة








[/align][/cell][/tabletext][/align]
  #14  
قديم 03-22-2015, 11:56 AM
 
[align=center][tabletext="width:70%;background-image:url('http://www5.0zz0.com/2015/03/13/11/945847661.jpg');"][cell="filter:;"][align=center]










بعد العشاء تناولا القهوة في غرفة الجلوس ثم أقترح رادولف أن يخرجا لتنشق الهواء المنعش

وافقت لين على الفكرة وان اعتراها على الأثر بعض الخجل :

- ولم لا نخرج يا رادولف فالجو جميل

- أنظري الى القمر المشع فوق البحر والى النجوم هناك الملايين منها

سحرت لين بجمال الطبيعة وبا بتسامة رادولف السخية

الآن أدركت مدى وسامته وانها صارت تنظر اليه كرجل مهذب لا كغجري متشرد مثلما اعتبرته في السابق

في هذه الليلة حصلت لين على مملكة رسمتها في خيالها , مملكة تعيش فيها مع فارس أحلامها وفي مكان لا تحققه الا الأحلام

ولكن حلول الغد سينهي هذا الحلم

لا بأس فالغد بعيد جدا

تنزها في الحديقة والمراعي المحيطة بالمنزل والمغمورة بنور القمر , يداعبهما نسيم منعش يحمل معه رائحة البحر مجبولة بعطر الازهار الملونة بألف لون ولون

تنشقت لين الهواء بنهم وأفكارها محاطة بالضباب بفعل الجو الغامض وهي مسرورة بذلك لأنه يحملها بعيدا عن همومها في سمفونية عذبة الالحان

سألها رادولف كي تخرج عن صمتها :

- هل أنت دافئة ؟

- نعم

- البحر هادئ الليلة ويشجع على السباحة

- أنت تسبح أذن

أجاب رادولف متعجبا لسؤالها :
- بالطبع

لم تسأله لين هذه المرة كيف يجيد السباحة مع أن الغجر لا يجيدونها عادة

بل تجاوزت فضولها كي لا تفسد النزهة الليلة

- ما رأيك ياعزيزتي بالصعود نحو التلال ؟

- أتعرف الطريق جيدا ؟

- لا تقلقي فأنا معتاد على المنطقة وأستطيع السير في مسالكها مغمض العينين

أتبدأ لين بطرح الاسئلة حول سبب معرفته التامة بالمكان ؟

لا , فلا حاجة لافساد السهرة الرائعة حتى وان كان انسجامها مصطنعا بعض الشئ اذيتغاضى
كلاهما عن الحقيقة

اتجها نحو التلال في طريق مغطاة بالعشب الطري والقمر بدأ يختبئ خلف بعض الغيوم

فصار مصحوبا بظلال رقراقة تتراقص على البساط الاخضر الفسيح

وضع رادولف يد زوجته في يده فغمر الدفء جسمها ونسيت أن في العالم احزانا ومصائب

وأصبح كل شي جميلا هذا الحلم المجنون

حبذا لو ينقلب الحلم حقيقة

ويصبح فرح هذه اللحظات سعادة دائمة

تفرقت الغيوم فعاد القمر الى وجود عطائه يرمي أنواره على قمم التلال وسفوحها

فتنعكس على حبيبات الندى التي تكلل رؤوس الاشجار وتخالط وريقات العشب

والنسيم الملئ بالشذى يشترك مع الطيور الليلية في أداء أجمل الالحان وأروعها


بعد ساعة من المشي قرر رادولف العودة .. في الطريق تساءلت لين ما اذا كانت الحاجة التي تحثها على البقاء الى جانبه هي وليدة ساعتها وستزول متى انفصلت

والأكيد الآن انها ترغب في الأرتماء بين ذراعيه تدفئ قلبها بحرارة اللهفة والهوى

وصلا الى المنزل ورنين الهاتف يملأ أرجاءه

فهرع رادولف ليجيب ، بقيت لين في الخارج تتأمل الهضاب الواسعة والبحر الرحب تتكسر أمواجه على الشاطئ

وتتطاير حبات الماء لألئ تستحم بنور القمر وفجأة أدركت أن في وسعها الهرب وأيجاد
أكثر من مخبأ في هذه المنطقة الشاسعة بحيث يستحيل على الغجري أن يجدها في الظلام

معطفها معها وكذلك المال , فما عليها الا ان تركض وتنال حريتها

الحرية أصبحت قاب قوسين أو أدنى منها فماذا تفعل ؟

مازال رادولف يتكلم على الهاتف ويبدو أنه لن ينتهي من المكالمة بسرعة

من على الطرف الآخر من الخط؟

لو كانت المكالمة موجهة لصاحب المنزل لانتهت بسرعة كون الغجري سيبلغ السائل أنها ليس موجودا هنا ،المكالمة لرادولف أذن

أصغت المرأة بأنتباه ولكنها لم تتمكن من الفهم لأن زوجها كان يتحدث بصوت منخفض

كيف ارتكب مثل هذه الغلطة وترك زوجته حرة بدون حراسة وقدم بذلك فرصة الفرار على طبق من فضة !

وقفت لين كالبلهاء مشدوهة لا تدري ماذا تفعل

الرحيل مفتوح أمامها على مصراعيه فلماذا لا تستغل الفرصة ؟

لماذا التردد ؟

أخيرا ابتسمت والتمعت عيناها وعلمت أن هذه الليلة الشاعرية يجب أن تستمر حتى آخر فصولها لأن فيها بعد الكثير من السعادة

ألقت نظرة على العالم في الخارج

ثم دخلت وأقفلت الباب بهدؤ

استدارت لين لتجد زوجها واقفا يحدق فيها وعلى وجهه علامات الاستغراب والدهشة

وقفت المرأة جامدة لا تقوى على الحراك اذ علمت نوايا زوجها ، ولكنها لا تأبه بها لأنها مصممة على خوض غمار كل ما تقدمه هذه الليلة " الاستثنائية "

وقفا ينظران الى بعضهما متمتعين بالسكوت لأن الكلام مهما كان بليغا عاجز عن التعبير عما يختلج في النفس ويفيض في القلب

أخيراً استطاع الرجل أن يتلفظ بكلمة :

- يا حلوتي

مد يده الى زوجته وامارات الفرح تقفز من عينيه وتهذب من قساوة ملامحه البدائية ذات الجمال الوحشي الخام

تجاوبت لين لدعوته بابتسامة رقيقة كفيلة باذابة الصخر وأكثر القلوب تحجرا

ومدت يدها بخجل الى يد زوجها

- كان بوسعك الهرب بسهولة ... ولو فعلت لما تمكنت من العثور عليك أبدا

قال رادولف ذلك وهو يكاد لايصدق أن لين أضاعت هذه الفرصة السانحة وفضلت البقاء معه على استعادة حريتها

وأدركت المرأة عندها أنها لو رحلت لما غضب
زوجها بل لأحس بالفراغ بعد ضياع شئ ثمين

تحولت عبارات الدهشة في عينيه الى حنان فائض وملأ قلبها شعور واحد : الحب

حب حملها بعيدا عن الهموم الأرضية , وأحاسيس رفعتها من مستوى المادة الى مستوى الشعور

حملها رادولف كالريشة بين ذراعيه واتجه الى غرفة النوم

-لين ما سبب الذي يجري بيننا الآن ؟

وأضاف متراجعا :

- لا أهمية لذلك فحسبنا ان ما يجري رائع

قاطعه رنين الهاتف فوقف مترددا أيجيب أم يستجيب لرغبته بالبقاء قرب زوجته ؟

كرهت لين صوت الهاتف وتمنت لو يخرس حتى لا يسلبها رادولف

وكم كان سرورها عظيما عندما قرر الغجري تركه يرن والبقاء معها

- فليذهب الهاتف الى الجحيم لأني لست مستعدا لمغادرتك الآن يا حلوتي

تنفست المرأة الصعداء وزادها قراره ثقة بنفسها وبمكانتها عند زوجها

هل فهم رادولف أنها غارقة في حبه حتى أذنيها ؟ هل أدرك أن سلطته عليها لم يعد سببها السطوة بقدر ما صار الحب ؟

- رادولف اسمك غريب ولكنه يعجبني

- اسمي ايرلندي قديم جدا

- أليس اسما غجريا ؟

- لا

تردد الرجل طويلا قبل أن يكمل :

- في الحقيقة هو أسم يطلقه نبلاء ايرلندا على اولادهم

- وكيف أتفق أن غجريا حصل على اسم ايرلندي يعود الى النبلاء ؟

- لا اعتقد أن في ذلك جريمة

دفعها الفضول الى المزيد من الأسئلة

- وهل هناك الكثير من الرجال الغجريين يحملون نفس الأسم ؟

- أظن اني الوحيد الذي يحمله

- لم تذكر لي شيئا عن والديك يا رادولف

قال وفي صوته حزن عميق :

- كلاهما ميتان

غرقت لين في ذراعيه أكثر ووضعت يدها الناعمة على خده

-أخبرني عن والدتك

- ماتت وهي تضعني

- آه ! ان هذا الامر مؤسف حقا

لم ينجح رادولف عندما علق على كلامها في أخفاء الاسى من نبرته

- ان موتها المبكر لم يشعرني بفراغ لفقدانها فلو ماتت وأنا فتى يافع مثلا لكنت أصبت بحزن أكبر

- أنت وحيد في هذه الدنيا أذن

- ولماذا استنتجت أني وحيد في هذه الدنيا ؟

- ألديك اخوة أو أخوات ؟

لم يجب الغجري على سؤالها مباشرة بل اكتفى بالقول :

- كنت اعتبر نفسي وحيدا حتى تزوجت

- لم تجب على سؤالي

- حسنا يا عزيزتي , لي أخ واحد

- اني أحسدك على ذلك .. أين يعيش أخوك ؟

- في احد المخيمات

- الا تراه أبدا ؟

أجاب رادولف بحدة وكأن الموضوع بات مزعجا :

- لم أره منذ مدة طويلة كفانا كلاما ولنخلد الى النوم

- لا أشعر برغبة في النوم

- لماذا ؟

لاتقوى لين على البوح بالسبب الحقيقي الذي يجعلها تتمنى لو تمتد هذه السهرة الى الأبد
والوقت الرائع هذا هو في الواقع أثمن من أن يهدر بالنوم

- لست تعبة

قالت ذلك وأكملت بسرعة حتى تمنعه من التعليق :

- للأسماء القديمة معان فما معنى رادولف ؟

- أخشى أن لايعجبك معناه فكلمة رادولف تعني الذئب السريع

لقد كان الغجري بالفعل ذئبا سريعا لما لحقها على حصانه وأختطفها

نظرت لين الى الجرح فرأت أثره واضحا على خده وخشيت الا يزول أبدا

- أعتقد أن اسمك مخيفا قليلا

- لا أنوي أخافتك الآن لأني أريد أن أغفو

طبع قبلة ناعمة على جبينها وأطفأ النور ضاما أياها بين ذراعيه


وما كادت تمر دقيقة حتى غط في سبات هانئ وعميق

أفاق الزوجان باكرا وجلسا على الشرفة الواسعة يتناولان طعام الفطور وبعد قليل رن جرس الهاتف

هب رادولف من كرسيه معلقا :

- لاشك انها المكالمة التي كان يجب ان أجيب
عليها بالأمس .. أكملي فطورك يا عزيزتي فلن أغيب كثيرا

عاد رادولف بعد قليل متجهم الوجه كأن ويلا كبيرا قد حصل فسألته زوجته قلقة :

- ما الأمر ؟ هل هناك ما يقلق ؟

- لاشئ يهمك يا لين

- ولكن كيف تتلقى مكالمات الى هذا المنزل ولا أحد يعلم بوجودنا هنا ؟

- أنت مخطئة في تكهناتك والدليل على ذلك اني تلقيت مخابرة البارحة

- مخابرة من الأشباح على ما أظن ! لماذا تحيط نفسك بهذه الهالة من الغموض وبهذا الحجاب من الاسرار ؟ أشعر بنفسي حيال ذلك انسانة غريبة لا زوجة !

لم تلحظ المرأة ان عيني زوجها الغاضبتين تدلان على عدم رغبته في الكلام وعلى مزاجه المعكر
بل دفعها قلقها عليه الى المزيد من الالحاح فقال الغجري بحدة :

- ألن تكفي عن الأسئلة السخيفة؟

بدأت الافكار السوداء تلعب في رأسها من جديد

أيكون سبب تكتمه الشديد حيال اتصالاته نشاطات غير مشروعة يقوم بها ؟ وقد تكون هذه النشاطات مصدر المال الوفير الذي يملكه والذي يخوله القيام برحلات طويلة والانفاق على الثياب
الانيقة

كما هناك الحصان الاصيل الذي امتطاه في الغابة , ووجوده في هذه الدار الفخمة

أمن المعقول أن يكون المنزل ملكا له وهو مجرد غجري !

أسئلة لا تعرف لها جوابا واحدا

كانت غارقة في أفكارها فانتشلها صوت زوجها :

- أنا مضطر للخروج يا لين ... أتعدينني بأنك لن ترحلي ؟

ضربت لين الارض بقدمها وقالت مصرة :

- سأرافقك !

سكتت فجأة بعد أن رأت الرفض القاطع في عينيه

ثم هدأت بعد أن خطرت لها من جديد فكرة الفرار برغم الساعات اللذيذة التي امضتها وبرغم بزوغ فجر الحب في قلبها ,

فهي امرأة تنتمي الى محيط اجتماعي مختلف تماما عن البيئة الغجرية

فالحب مهما قوي وعمق لايستطيع أن يغير من واقع الحال شيئا ويجعلها تندمج في
حياة رادولف وقومه , فجذوته لابد ستخبو مع الوقت ومع اصطدامها بمرارة الواقع والحياة اليومية

احتاجت لين الى شجاعة فائقة لتحبس دموعها

ولكن شجاعتها خانتها عندما أعاد عليها زوجها السؤال نفسه

-أتعدينني بأنك لن ترحلي ؟

أمام ترددها لم يجد الغجري حلا سوى حملها الى غرفة النوم وحبسها هناك وفي الوقت الذي سمعت فيه لين صوت المفتاح يدور في القفل نظرت صوب النافذة

غلطة جديدة ارتكبها رادولف بسيي انشغاله وقلقه الشديدين ما عليها الآن سوى انتظار رحيله لتخرج بكل سهولة من النافذة , فالبيت أرضي ولا خطر من التسلل عبرها ولكن لين لم تترو وتنتظر ذهاب زوجها فسرعان ما أرتدت معطفها وأخذت
حقيبة يدها ثم فتحت النافذة وأصبحت في الخارج

كانت أشعة الشمس ساطعة والبحر ساكنا والطبيعة هادئة

ولم تستطع لين محو ذكرى التفاصيل الحلوة التي تسربت في الليل الفائت اتضئ ظلام حياتها

عاد كل شئ الآن الى سابق عهده ، وها هي تنفذ عملية الفرار التي غابت عن فكرها في ساعات
السعادة الماضية

آه لو كان رادولف رجلا عاديا كغيره من الرجال ! رجل يشغل وظيفة محترمة ويهتم بتأمين الرعاية والحنان لزوجته وأولاده

انهمرت الدموع من عينيها وكادت انفعالاتها تقودها الى العدول عن الهرب والمغامرة في البقاء زوجة للغجري قانعة بمصيرها , لكن الغلبة كانت في النهاية للعقل والمنطق

فتابعت المرأة طريقها بين شجيرات الحديقة لتجد منفذا يقودها الى الطريق العام

وبينما هي تختبئ بين الشجيرات سمعت رنين الهاتف في المنزل

ووقع قدمي رادولف يهرع للاجابة عندها دفعها حدسها للعودة الى المنزل فجلست القرفصاء تحت نافذة غرفة الجلوس لتستمع الى الحديث

-أحسنت يا أولاف وستنال مكافأة عظيمة مقابل ذلك

أقلت انه آن الى هنا ؟ أخيرا سأتمكن من

لم تستطع لين فهم بقية الجملة بل سمعت :

- كنت يائسا يا صديقي ومتأكد من أن الامر سينتهي به في السجن لو أستطيع
التحدث واقناعه

وضاعت الكلمات من جديد فجنت لين من الغضب كادت تتوصل الى معرفة الحقيقة لولا حظها السئ

وفجأة سمعت صوت زوجها يقول لأولاف :

- لا حاجة لتحركي من هنا الان لقد اتصل بي راؤؤل منذ بضع دقائق وأبلغني أن بوريل كان في مخيم روجنتري في السهل المجاور , فقررت الذهاب لملاقاته هناك أما الأن وقد اخبرتني انه آت الى هنا فسأنتظره وأفاجئه

توقف رادولف مفسحا المجال لصديقه بالكلام

وتمنت لين لو تسمع ما يقوله الغجري الكهل لزوجها الذي عاد الى الكلام بصوت منخفض فلم تتمكن المرأة الا سماع جمل غير مترابطة

- أرجو الا يعلم بوجودي هنا ... جاء مرة مع فتاته صحيح والا لما عرفت .. لا أعرف كيف أرد لك الجميل يا اولاف

تساءلت لين عن معنى هذا الكلام وهي تنتظرزوجها ليعاود الحديث

لكنها تأكدت من أمر واحد وهو أنها ستبقى حتى يأتي المدعو بوريل علها تشبع فضولها ويصدق
الحدس الذي أنبأها بأن مصيرها ومستقبلها يتعلقان بقدوم هذا الرجل

- كان علي الأخذ بنصائحك يا أولاف والكف عن مطاردته , خصوصا بعد أن أصبحت مثقلا بالمسؤوليات

خفق قلب لين بشدة اذ فهمت أنه يعنيها بالكلام على " المسؤوليات "

- ولكنك تعلم يا أولاف أني لا اقبل الهزيمة وأنا متفائل بأني اذا تمكنت من لقاء بوريل والتحدث اليه فسأسوي الامور وأضع كل شئ في نصابه


أقفل الغجري الخط بعد قليل فقررت لين العودة الى غرفتها قبل أن يكتشف زوجها غيابها

ولكن الحظ أبى الا ان يوقعها في مشكلة جديدة فما كادت تخطو حتى تعثرت بغصن شجيرة وسقطت بقوة فارتطم رأسها بالارض وصاحت من الالم

لم تمر ثانية على سقوطها حتى كان رادولف الى جانبها فحملها الى المنزل على جناح
السرعة

-آه , رأسي !

أحست لين بالدنيا تدور فيها وبكل شئ أمامها يتراقص ومع ذلك لمحت في عيني زوجها مزيجا من الغضب والاسى

لقد خذلته بعد ما تأكد من أنها لن تحاول الفرار
بفعل الانسجام التام الذي ساد بينهما في الليلة الفائتة

أخذت المرأة تتوقع الرد القاسي على عملها لكن الغجري ضبط أعصابه واهتم بأسعافها

- كدمة لا بأس بها على الأطلاق , سأحضر شيئا يريحك

نظر اليها وأضاف :

- لاريب أنك مصابة بصداع من جراء الصدمة

- نعم يا رادولف

- لماذا فعلت ذلك ؟

- لا تعتقد أني كنت أنوي الفرار على العكس

لم ينتظر الغجري سماع المزيد فقاطعها حانقا :

- لاتكذبي ! ماذا عن حقيبة اليد هذه ؟

فتح الحقيبة وتفحص محتوياتها رامقا زوجته بنظرات شريرة

كيف تفسر له ما حدث وهي في الحقيقة كانت تنوي الفرار لو لم تسمعه يتكلم بواسطة الهاتف مع أولاف

قالت بصوت ضعيف والألم في رأسها لا يكاد يطاق :

- حبذا لو استطيع أن أشرح لك ما حدث !

- من الواضح أنك لست على استعداد لشق طريق الحياة برفقة غجري من حثالة المجتمع

أخذ رادولف يقول بشبه همس :

- كان علي أن أعلم أن المسألة ستصل الى طريق مسدود لا محالة

- ما الأمر يا رادولف , أخبرني

أخفت نبرة التوسل في صوتها الحب الجارف الذي يكنه قلبها لهذا الرجل الغامض الواقف أمامها والمرارة تكاد تحطمه على رغم جبروته وسطوته

- مالفائدة من اطلاعك على الحقيقة ما دمت تحتقرينني وتعتبرينني غير أهل بالعيش وأياك؟

أين التعالي الذي قابلها به في السابق ؟
أين الغطرسة والكبرياء ؟

تحول غضبه الى ذل وصلفه الى مهانة

ولما حاولت لين , مدفوعة بشعور الذنب , تطييب خاطره أسكتها بأشارة من رأسه

-لا تحاولي أصلاح ما فسد .. سأعرض عليك خطة أرجو أن توافقي عليها ولكن بعد أن تتناولي هذه الحبوب وتنامي قليلا

نهضت لين من الكنبة وأسرعت نحو غرفة النوم حانقة وهي ترغب برمي زوجها الغمض بأحد التماثيل لعله يخرج عن صمته المطبق

- ما بك يا لين ؟

- بالله عليك ! أطلعني على الحقيقة فهذا من حقي

- أي حق هذا ؟

- أنا زوجتك ولي الحق

قاطعها بضحكة ساخرة تخالطها اللوعة :

- لا أستطيع أن أفضي اليك بأسراري مادمت لا تعتبرين نفسك زوجتي

- ولكنك كنت على وشك البوح بها البارحة

- كدت أفعل لأني كونت فكرة خاطئة عنك شعرت أن نظرتك الي تغيرت وان كرهك لي خف وأننا قد نستطيع

توقف فجأة وناولها الدواء قائلا :

- دعينا من هذا الموضوع وتناولي الدواء ليخف الألم

- لا تخف علي فلن أموت

- هيا الى السرير فأنت متعبة

- لا أريد أن انام !

هددها بلهجة آمرة :

- لاتجبريني على حملك اليه بالقوة !

تناولت المرأة الدواء وتوجهت الى سريرها كي لا تفعل ذلك مكرهة وقبل أن يخرج من الغرفة سألته :

- لماذا لاتبوح لي بكل شئ ؟

- لأن نظرتك الي لم تتغير مع الأسف والدليل على ذلك انك حاولت الفرار .. فلنكن صريحين ونعترف بأنني لست مؤهلا لأكون زوجا لك , على الرغم أنك معجبة بي


لم ترض لين بهذه الحقيقة فصاحت معترضة :

- معجبة بك؟ يا لك من مغرور !

فوجئت المرأة بأن زوجها لم يغضب بل قال لها بهدؤ جعلها تخجل من كذبها :

- أؤكد لك أنك معجبة بي وترتاحين لوجودي معك ولكنك غير قادرة على التأقلم في حياتي الاجتماعية وعلى التخلص من عقدة التفوق

- حسنا , اعترف بأني أشعر نحوك بالتفوق اذا كان هذا يرضيك

- اعتراف غير مقنع تماما .. سنجد فرصة أخرى للتصارح أما الأن فالى النوم !

توجه الى النافذة وأخرج من جيبه قفلا ركزه عليها بطريقة لم يعد ممكنا معها فتحها بدون نزع القفل

- آسف يا حلوتي ولكني مضطر لفعل ذلك

- أمن العدل أن تجعلني سجينة هذه الغرفة ؟

تابعت متوسلة :

- أعدك بأنني لن أهرب

- لن أعود عن قراري فالتجارب السابقة لا تشجعني على الثقة بك

خرج رادولف من الغرفة وترك زوجته وحيدة في سريرها تنتظر المجهول لكن الألم والتعب تعاونا عليها فأغمضت عينيها ونامت








[/align][/cell][/tabletext][/align]
  #15  
قديم 03-22-2015, 11:58 AM
 
[align=center][tabletext="width:70%;background-image:url('http://www5.0zz0.com/2015/03/13/11/945847661.jpg');"][cell="filter:;"][align=center]


الفصل التاسع
الغريب



أفاقت لين مذعورة على صرير باب غرفتها يفتح ورأت رادولف يطل برأسه فسارعت الى القول :

- أدخل فأنا بخير ولم أعد بحاجة الى النوم كم الساعة الآن ؟

- الواحدة ظهرا كيف تشعرين ؟

دخل رادولف فعلمت لين من ملامح وجهه أن بوريل لم يأت بعد

- صرت أحسن بكثير فالصداع زال والحمد لله

- أتستطعين تناول الطعام ؟

استوت المرأة في سريرها وتلاقت نظراتها ونظرات زوجها ولم تمانع في أن يتأمل الغجري مفاتنها بحرية

- أعتقد أن فكرة الأكل صائبة جدا ماذا لدينا اليوم ؟

- لدينا بعض السمك المشوي

- أعتقد أنك تعد لائحة بما نستعمله لتسدد ثمنه لصديقك , اليس كذلك ؟

أجاب الغجري مبتسما :

- لا , ما علي سوى سرقة هذه الاغراض فصديقي لا يعرف ماذا يملك لكثرة غناه

- ألن تستطيع التخلي عن عادة السخرية والتهكم ؟

- ألن تستطيعي التخلي عن عادة طرح الأسئلة ما دمت تعلمين طريقة أجابتي عليها ؟

عقدت لين حاجبيها متذمرة :

- يالك من لغز محير! أكتشفت انك ذو شخصية مزدوجة

- بالله عليك أخبريني عن هذا الاكتشاف العظيم!

- أنت تتحول مثلا من حمل وديع الى وحش مفترس !

رفع رادولف يده الى الجرح الذي ما تزال آثاره بادية في وجنته وقال :

- وحش مفترس ! لقد قدتني بتصرفاتك الخرقاء الى أفعال ما كنت أتصور اني سأرتكبها يوما

ارتبكت لين لأنها لاتستطيع كتم شعور بالذنب كلما رأت ذلك الجرح في وجه رادولف , وان يكن ذلك الشعور لا يعني أن الغجري لم يستحق الضربة

لا بل كان يستحق أكثر ! انه رجل غريب الاطوار فلما تبعها بعد تعطل سيارتها لم يخطر ببالها انه
سيحاول الاعتداء عليها ولكنه فعل !

ولم يحبط محاولته سوى تدخل صديقته الغجرية
التي اختفت منذ ذلك اليوم ولم تر لين وجهها في أي من المخيمات التي زارتهامرغمة في المدة الاخيرة

لاشك ان رادولف تخلى عن صديقته بسهولة , رغم أنه أظهر طاعة عمياء تجاه أوامرها القاضية بالابتعاد عن لين المسكينه

ذكرها رادولف بأن الغداء جاهز

- سأحضر الطعام الى هنا اذا كنت تفضلين ذلك

أومأت لين بالنفي وأسرعت بالنهوض لأنها لاتريد تفويت فرصة لقاء الرجل المنتظر : بوريل

اذا سمح لها زوجها بذلك

كان الزوجان الشابان جالسين الى المائدة لما سألت لين :

- أتريد مناقشة الخطة التي تحدثت عنها ؟

لم يجب الغجري على الفور بل نظر الى ساعة الحائط قلقا من تأخر بوريل في الوصول

- سنبحثها لاحقا بعد أن تستقر أوضاعنا

أيقنت لين أن لاجدوى من متابعة الموضوع ما دام رادولف لا يرغب في أطلاعها على شئ

ماذا عنى باستقرار أوضاعهما ؟

تنهدت معلنة فشلها في حل جزء ولو صغير من
اللغز الكبير الذي يحيط بالغجري ذي الشخصية الغريبة

عاد رادولف الى الكلام وفي صوته نبرة تؤذن بالقلق :

- لا اعتقد أنك تمانعين بقاءنا ليلة أخرى هنا

- أفضل ذلك على وجودي في مخيم غجري

هز رادولف برأسه موافقا كأنه يعتبر كلامها صحيحا ويشاطرها كرهها للمخيمات

- وهكذا سنتمكن مرة أخرى من تناول العشاء كأناس متمدنين

- أحيانا عندما تتكلم , لا أراك غجري يا رادولف !

- ومع ذلك أنا غجري ابن غجري

تفحصت لين لونه الاسمر , شعره المتجعد , عينيه السوداوين اللتين تعلمت قراءة ما فيهما من أحاسيس : الغضب والرغبة , الهوى الجامح الذي تلظت بناره لما أجبرها على الزواج منه وأمضت معه " شهر عسل "

مرا في تلك العربة المقيته ومؤخرا تعلمت قراءة الطيبة , الندم , الأسف والحزن العميق في عينيه السوداوين

أما في هذه اللحظات بالذات فتقرأ فيهما تحديا كن رادولف ينتظر منها أن تحاول انكار كونه غجري انه يعلم ما يدور في خلدها من أسئلة محيرة لكن لين تجاوزت التحدي وقالت :

- ما سبب مكوثنا هنا ليلة أخرى ؟

كانت تعلم أن السبب هو رغبة رادولف بلقاء بوريل , اذا لم يحضر اليوم

وبالفعل لم يخيب زوجها ظنها عندما أجاب :

- أنا انتظر شخصا هنا

تظاهرت لين بعدم معرفتها بذلك فتعجبت معلقة :

- تنتظر رجلا ام امرأة ؟

لم يستعجل رادولف بالأجابة بل صرف وقتا طويلا في تذوق لحم السمك الشهي:

- أنتظر رجلا

- من المستغرب أن تستضيف زواراً في هذا المكان !

قالت لين ذلك وعيناها تنظران الى الأرض مخافة أن تفضحاها ويكتشف رادولف أنها تعلم أكثر مما يجب

- لا يفاجئني ذلك ياعزيزتي فهناك الكثير من الأمور التي تعتبرينها مستغربة ومستهجنة , و أعدك بأنها ستتوضح عندما أطلعك على خطتي

ماذا حدث لصوت رادولف الآمر ؟
لماذا هذا الأرتجاف الذي يخفي خوفا من ان ترفض لين الخطة المذكورة؟

- ما تفعله مجرد تسكين للألم وتأجيل للمشكلة , فأنا ضقت ذرعا بهذه الاسرار !

- الخطأ خطأك لو لم تعتبرينني حثالة المجتمع لما حصل كل ذلك

لم تعرف لين كل هذه المرارة والحسرة في صوته قبل الآن , ولم تر شفتيه مرتعشتين ويديه ترتجفان

ثقته الكبيرة بنفسه لم تفلح في أخفاء توتره وانفعاله وكأن مستقبله معلق على ما سيحدث في الساعات القليلة المقبلة

من جهتها حافظت لين على هدوئها وتكلمت يدفعها الحب المسيطر على جميع تصرفاتها وأقوالها :

- ألم يخطر لك أني غيرت رأيي فيك ؟ لقد قلت ذلك تحت تأثير الصدمة والهلع ! أي انسان يقول أشياء ثم يندم , كما يفعل أشياء ثم يندم

كانت تشير بكلامها الى غلطتهما المشتركة , غلطتها في نعته بحثالة المجتمع , وغلطته في ضربها وارعابها

لا ريب في أن رادولف نادم على استعماله العنف
وأنه لن ينسى ما فعلت يداه بسهولة

أكملت المرأة حديثها والغجري يحدق فيها باستفهام :

- راجعت ضميري مرارا بشأنك أقر بأن عندك ازدواجية في الشخصية وان فيك جانبا سيئا ذكرته مرة ولكنك تملك جانبا حسنا لا انكر اعجابي ب

تبع ذلك سكوت تام , سكوت دهشة بحث خلاله رادولف عن عيني زوجته ليفهم أكثر

ولكنها هربت من نظراته وتكاد لا تصدق ما تفوهت به

كانت على وشك الاعتراف بحبها لله بل هي فعلت بطريقة غير مباشرة اذ لا مفر من كون رادولف فهم ذلك من قولها هذا وتصرفاتها في المدة الاخيرة

أحست لين بالانكسار لانها لم تستطع مقاومة الحب الذي نما في داخلها تجاه هذا الرجل

والذي بدأ كشعور بالانجذاب نحوه منذ ان رأته رغم أن لقاءها به حفل بالذعر والخوف

ورغم أنها تأبى فكرة العيش زوجة لغجري جماله البدائي وطبيعته العفوية المتسلطة سيطرا على كيانها كالقدر المحتوم

ولم تنجح في الافلات من قبضتهما ومن نزعتهما الامتلاكية عندما نظرت اليه أخيرا ووجدت ما وجدت في عينيه , علمت ان الامر قد فصل وانها
مستعدة للمتابعة حتى النهاية ولتسليمه الدفه لقيادتها الى حيث يشاء

قبلت بالعيش مع الغجر مهما كان رادولف ومهما فعل وأدركت أن ارتباطها به ليس آنيا كما تصورت بل نهائيا

أخذ الغجري يهز رأسه غير مصدق ما سمعت أذناه

- اذا صح ما تقولين يالين فهناك أمل كبير لنا !

ظهر للين جليا أن عبئا كبيرا نزل عن كاهله لما تكلم , وان آفاقا جديدة فتحت امام عينيه أيحبها رادولف ؟
أيمكن ان يتخلى عن مجتمعه وأهله من أجل حبها ؟

أمن الممكن ان يعيشا حياة طبيعية في منزل صغير ويتخذ رادولف مهنة شريفة يرتزقان منها ويربيان أولادهما تربية صالحة ؟ ث

عسى الا تكون هذه الافكار سرابا واضغاث أحلام

- لين , أتعنين ما قلت ؟ ألن تحاولي الفرر والرحيل عني ؟

لم يدم ترددها طويلا وسرعان ما منت عليه بأحلى ابتسامة وقالت بصوتها الحنون :

- أعني كل حرف خرج من فمي لن أتركك ابدا

توقف الكلام عند هذا الحد وأظهر الزوجان ارتياحا عارما بعد أن لاحت بشائر الأمل بحياة سعيدة مديدة وان يكن الأمر بحاجة لبعض التفاصيل البسيطة

كانت عقارب الساعة تشير الى الرابعة بعد الظهر لما رن جرس الهاتف

ترك رادولف الرسائل التي كان يكتبها وأسرع ليجيب على المكالمة

رأت المرأة زوجها ينفعل , يتجهم , ويمتلئ غضبا أبيض ثم يقول بصوت مخنوق :

- وهل ماتت ؟ لم تمت ولكنها بحالة خطرة ؟ يجب أن أعثر عليه قبل رجال الشرطة يا الهي لماذا لم يأت الى هنا كما كان ينوي !

تملكها خوف شديد لا تعلم سببه وهي تراقب زوجها يستمع الى محدثه بقلق عميق وعلمت ما سيقوله بعد ان يقفل الخط

- علي الخروج لبضع ساعات يا عزيزتي ارجوك لا تطرحي علي أسئلة لأن الوقت لا يعمل لصالحي
لا خوف عليك من البقاء هنا واذا شئت أرسل لك السيدة وايت لتعني بك في غيابي

-أأستطيع مرافقتك ؟

- لا يا لين فأنا لا اريد اقحامك في هذه المشكلة

اقتنعت المرأة وقالت انها ستكون بخير وبانتظار عودته على أحر من الجمر

- أرجو أن أتمكن من العودة خلال الليل وفي أي حال سأكون هنا صباح الغد كحد أدنى

طبع قبلة ناعمة على جبينها وأضاف :

- سيكون كل شئ على ما يرام بيننا قريبا يا ملاكي

بعد ثوان معدودة أقلع بالسيارة بسرعة فنهبت الارض نهبا مرسلة سحابة من الغبار في الفضاء

جلست لين وحيدة تحدق في البحر الازرق الهادئ المتلألئ تحت قرص الشمس الاحمر وليس لديها سوى أفكارها وتسأولاتها تؤنس وحدتها من يكون بوريل هذا ؟

لا ريب في أنه شخص مهم بالنسبة الى رادولف وانه ارتكب عملا خطيرا يعرضه لملاحقة
العدالة

تنهدت بعد أن تعبت من التفكير وقالت بصوت عال :

- لماذا اتعب رأسي بهذه الأمور ما دمت لا أملك وسيلة ناجحة لمعرفة الحقيقة ؟

تدريجيا بدأ الغسق يلف الدنيا ملونا البحر بستار رمادي والجبال بوشاح قرمزي ناعم

قررت لين ان تقوم بنزهة بعد العشاء الخفيف الذي تناولته

وبعد عودتها تمددت على كنبة مريحة في غرفة الجلوس المضاءة بنور شاحب يضفي عليها جوا
شاعريا يحتاج الى وجود رادولف ليكتمل !

تمنت أن يكون لها يوما بيت كهذا تعيشفيه مع من تحب , ولربما تحققت أمنيتها متى تدبر رادولف وظيفة محترمة

شغلت المرأة نفسها بقراءة بعض المجلات حتى لا تشعر ببطء الوقت وثقل الوحدة

كما استمعت الى موسيقى ناعمة تبث يواسطة مكبرات للصوت منتشرة في جميع غرف
المنزل


في حوالي العاشرة أوت الى فراشها بعد ان استبعدت عودة رادولف وما لبثت ان غفت
على صوت حفيف الاوراق تتصادم بفعل النسيم العليل

أفاقت لين من غفوتها مرتعدة على ضجة خفيفة فجلست في سريرها صامتة , تاركة النور مطفأ

ولما لم تتكرر الضجة غفت من جديد ولكن لدقائق قليلة فقط اذ سرعان ما فتحت عينيها على صوت جرار يفتح

ربما عاد رادولف ولم يشأ ازعاجها فدخل لينام في غرفة أخرى

همت لين بالنهوض لملاقاة زوجها ولكنها عدلت كي لا تزعجه اذ لاشك في أنه مرهق جدا , ومحتاج للوحدة لاستجماع أفكاره والتقاط أنفاسه

بامكانها انتظار طلوع النهار حتى تطلع منه على الحقيقة التي وعد بكشفها حالما ينتهي من مهمة العثور على بوريل

أ ضاءت لين المصباح الكهربائي الموضوع قرب سريرها ونظرت الى الساعة : الثالثة فجرا

لو كان معها كتاب تطالعه لأضاعت الوقت حتى تبدأ الشمس بالنهوض وتطرد ظلام الليل الدامس

أتذهب الى غرفة الجلوس وتحضر كتابا من تلك الكتب المرصوفة على أمتداد الجدران ؟

تخلت المرأة عن هذه الفكرة مخافة اوعاج زوجها ,

فأطفأت النور وعادت الى النوم

أفاقت لين في الخامسة وقررت الانتظار ساعة حتى تنهض لأن رادولف أوى الى سريره
متأخرا

فلا ضرورة لايقاظه في هذا الوقت الباكر بعد ساعة دخلت الى الحمام

وأمضت وقتا طويلا تحت الماء الساخن تنعش جسمها بعد حادث وقوعها في اليوم الماضي

بعد ذلك جلست أمام المرآة تتبرج استعدادا للقاء رادولف على أمل ان تكون مهمته انتهت على خير وتبدأ صفحة جديدة في حياتهما بعد أن تأملت وجهها جيدا في المرآة ووجدته مرضيا أرتدت برنسا ابيض وخرجت الى الممشى تبحث عن
الغرفة التي يحتلها رادولف

في تلك اللحظة فتح باب احدى الغرف فاستدارت لين مبتسمة ولكن الابتسامة لم تطل لما رأت المرأة وجه الغجري

ماذا حل به ؟

عادت الى وجه امارات الفظاظة والوحشية التي طالعها بها في ذلك اليوم الذي لا ينسى حين حاول الأعتداء عليها


همست لين مذهولة :
- رادولف ... ماذا !

صمتت عندما رأت القميص مفتوحا على صدره يغطيه شعر أسود كثيف أكثف مما عهدته فيه!

رفعت عينيها الى وجهه ووضعت يدها على فمها لهول المفاجأة : من أين أتى بهذه النظرات الرهيبة كشخص ظهرت امامه رؤيا أسطورية !

- رادولف أنت تخيفني

كان مظهره كمجنون خطر وظنت لين ان الجانب الشرير طغى مرة أخرى على الشخصية المزدوجة وان رادولف الذي يقف أمامها ليس رادولف الذي تعرفه

ولكنها ما لبثت ان ابتعدت اكثر من ذلك وأدركت أن هذا الرجل ليس زوجها !

توضحت الصورة امام عيني المرأة بسرعة البرق فهذا الرجل هو بوريل الذي يبحث عنه رادولف , وهو بالطبع الشقيق الذي حدثها عنه زوجها وان يكن قد أغفل ان يذكر انهما توأمان !

تكلم الرجل أخيرا :

-مالذي أتى بك الى هنا ؟

تراجعت لين خائفة تفتش عن باب غرفتها لتقفل على نفسها هربا من هذا الغجري الشرير

وكان هلعها شديدا فانعقد لسانها ولم تستطع التفوه ولو بكلمة واحدة

كرر الرجل سؤاله وهو يقترب منها ببطء ولسوء حظها وجدت نفسها تصطدم بالجدار

بدل ان تقودها قدماها المرتجفتان الى الغرفة فجحظت عيناها وفغرت فاها عاجزة عن الحراك

- رادولف يبحث عنك

ارتسم على شفتي الرجل ما ظنته لين ابتسامة وقال بخبث :

- سمعت ان أخي تزوج فأنت ولا شك الزوجة المحظوظة

- أصبت

- ياللصدفة ! وأنا كدت أنال منك في الغابة لولا تدخل هذه الحقيرة ماندا لانقاذك !

أطلق بوريل ضحكة شريرة وأضاف

- يا لسخرية القدر كدت اعتدي على زوجة أخي !

مرر أنامله الطويلة في شعره الأسود الكثيف فزاد شكله غرابة واقترابا من العته


عاد الى الكلام والرغبة تخنق صوته :

- لكن ماندا لن تستطيع انقاذك الآن ومنعي من التمتع بجمالك

سأصيب عصفورين بحجر واحد , ألهو قليلا وانتقم من أخي المحترم بعد كل ما فعله
معي

بدا بوريل مستعدا للأنقضاض على فريسته الضعيفة ولين عاجزة عن الحراك بعد ان خانتها شجاعتها ولم تعد تقوى على الصراخ

مرت في مخيلتها صور كثيرة ففهمت تقريبا كل ما حدث ، حدقت في وجه الغجري جيدا

وأيقنت ان الرجل الذي هاجمها عند تعطل سيارتها ليس نفسه الذي قابلته في الغابة
على الجواد !

لاسيما وان بوريل يحمل أثر جرح عميق في مفرق شعره بان واضحا عندما مرر يده فيه

آه لو انها انتبهت لهذا الجرح لكانت وفرت على نفسها وعلى زوجها الكثير من الألام والأحزان !

وفهمت من الآن لماذا كان رادولف يشير الى
الحادثة الثانية لما كانت تكلمه عن الأولى ! فكيف يذكر الاولى وهو لم يكن طرفا فيها !

أمر بوريل بلهجة مفزعة :

- اقتربي مني يا أمرأة ! تعالي لأرى ماذا تحت هذا البرنس الجميل لابد ان شقيقي المليونير يقدم لك ما ترغبين من الثياب , أما أنا فلا أملك سوى نفسي أقدمها !

تبع ذلك ضحكة هستيرية ملأت أرجاء المنزل وأشعرت لين ان أذنيها ستنفجرا

- لنأمل يا حلوتي ان يطول غياب رادولف حتى اتمكن من الاسترسال بما انوي فعله

مد يده السمراء نحو لين فصارت المرأة على حافة الأغماء ولما انقض عليها بدأت بمقاومته بكل ما أوتيت من قوة

كان لبوريل قوة ثور هائج , لكن يأس لين دفعها الى الصمود وهي تنتظر حلول معجزة ومجئ زوجها لينتشلها من براثن شقيقه المتوحش

ولكن زمن المعجزات ولى وشيئا فشيئا بدأت قواها تخور وعزمها على المقاومة يضعف الى ان هدأت تماما وتمددت مستسلمة على الأرض

حملها بوريل الى كنبة في غرفة الجلوس ولما هم باتمام فعلته , دبت فيها قوة مفاجئة
فركلته على معدته وسقط على الأرض مغشيا عليه بعد أن ارتطم رأسه بحافة الموقد
كان هذا آخر مشهد رأته لين مشوشا وفقدت الوعي يعد ذلك







[/align][/cell][/tabletext][/align]
 

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
شفرة دافنشى رواية عالمية اكثرمن رائعة طليااني تحميل كتب مجانية, مراجع للتحميل 20 05-15-2023 06:51 PM
مكتملة ~ رواية أسيرا الوهم للكاتبة :: قلب الجبل زهرة الوآدي! روايات كاملة / روايات مكتملة مميزة 26 05-25-2017 03:49 PM
رواية الشفق / twilight ستيفاني ماير ، مكتملة Wu Yi Fan روايات كاملة / روايات مكتملة مميزة 93 05-06-2016 02:24 PM
رواية (من أجلك) ~ مكتملة roxan anna روايات كاملة / روايات مكتملة مميزة 38 09-14-2015 06:50 PM
رواية عشقتك من جنوني ~ مكتملة ウシイオ..❆ روايات كاملة / روايات مكتملة مميزة 93 03-03-2015 03:48 AM


الساعة الآن 01:14 PM.


Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.

شات الشلة
Powered by: vBulletin Copyright ©2000 - 2006, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لعيون العرب
2003 - 2011