عيون العرب - ملتقى العالم العربي

العودة   عيون العرب - ملتقى العالم العربي > عيـون القصص والروايات > روايات طويلة > روايات كاملة / روايات مكتملة مميزة

روايات كاملة / روايات مكتملة مميزة يمكنك قراءة جميع الروايات الكاملة والمميزة هنا

 
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 09-20-2015, 04:26 PM
 
رواية عيناك بصري

[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:109%;background-image:url('http://up.arabseyes.com/uploads2013/21_09_15144281477445341.jpg');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center].















.[/ALIGN]
[/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]
[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:109%;background-image:url('http://up.arabseyes.com/uploads2013/21_09_15144281477448283.jpg');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]


بسم الله الرحمن الرحيم
كيفكم أيها الأعضاء والزوار الكرام
هذه مشاركتي بمسابقة الجميلة فلوريسا
أرجو ان تستمتعوا بها






الاسم: عيناك بصيرتي أو
عيناك بصري
الاسم الأصلي:lvory cane
الكاتبة: جانيت ديلي


المخلص
*******************
قالت سابرينا :احبه بجنون ولكني اكرهه بشدة ,هل يجتمع الحب مع الكراهية ؟
بقدر تباعد الحب عن الكراهية ربما فصل بينهما خيط رفيع .
وعلى سابرينا ان تحتكم الى العقل ........بدلا من بناء الآمال الكبيرة .......ولكن هل يمكن الاستماع الى صوت العقل عندما يتورط القلب.؟
وتساءلت سابرينا :هل هي الشفقة التي تدفعه الى مصاحبتها ؟ام انه فعلا احب "مليكته العمياء"
****************








الأول
1_اللقاء الأول
***************


راح طائر النورس يطلق صرخة مذعورة في عنان السماء واخذت الريح تعصف فوق المحيط الهادي فتندفع المياه كالدوامات تلتف حول الزوارق الراسية في ميناء اليخوت على خليج سان فرانسيسكو. وفي الأفق تناهى رنين القطار الكهربائي يتحرك نحو قمة شارع هايد.

واقبلت سيارة كونتيننتال زرقاء اللون يقودها سائقها بسرعة نحو موقف السيارات امام الميناء, وكان
السائق سيدة في منتصف الثلاثينات من عمرها ذات جمال اخاذ وشعر احمر, أوقفت السيارة بين الخطوط البيضاء وبينما هي تضع يدها على مقبض الباب القت بنظراتها على الفتاة الصامتة

التي كانت تقبع الى جوارها وقالت لها:
" البرد قارس في الخارج يا سبرينا ومن المستحسن ان تنتظري في السيارة حتى اعرف اذا كان


ابوك عاد من البحر".
وكانت العبارة التي قالتها السيدة ذات الشعر الأحمر مجرد افادة ,وليست اقتراحا وفتحت سابرينا فمها لتحتج فقد سئمت ان تعامل معاملة العاجز المريض.

وشعرت بنفاذ بصيرتها ان ديبورا لا تأبه كثيرا لصحبتها قدر اهتمامها بقضاء بعض الوقت وحدها

مع والدها.
“كما ترين ديبورا".


قالت سابرينا مستسلمة ولكن بتذمر وراحت تقبض راحتها بشدة على مقبض عصاها.

اللحظات الصامتة التي تلت ذهاب ديبورا اثارت اعصاب سابرينا الثائرة.
كان يكفيها ان تتحمل اغلال قيودها الجسدية بدون حاجة الى احتمال وضع صديقة ابيها بغض

النظر عن أي اعتبار اخر.
صديقة ابيها! وقلبت سابرينا شفتيها في استياء وهي تردد هذه العبارة كانت هناك صديقات كثيرات لابيها منذ وفاة أمها وكانت سابرينا انا ذاك في السابعة لكن ديبورا موسلي لم تكن مجرد امرأة أخرى ولولا الحادث الذي أصيبت به سابرينا منذ ثمانية اشهر لكانت ديبورا الزوجة الجديدة لأبيها.

وقبيل الحادث كانت سابرينا

تجد الامر شيئا رهيبا كلما فكرت في ان اباها قد عثر على واحدة يود الزواج منها.
ولم تكن ديبورا موسلي من اختيار سابرينا صحيح انها تحبها ولكن ما يهمها هو ان يكون اباها

سعيدا.
كانت سبرينا تتمتع باستقلال

تام قبل وقوع الحادث اذ خصصت لنفسها مكانا وهو عبارة عن مسكن صغير جدا كان ملكا لها وحدها وكانت لها وظيفة تمكنها
من ان تعيل نفسها اما الان...وصرخت الكلمة ممتزجة بنحيب يائس.
وسيطول بها الزمن قبل ان تذكر شيئا من احلامها مرة أخرى.

وسألت نفسها بهدوء وهي تنتحب:
" لماذا اختارني انا دون بقية الناس؟"


ثم اردفت تسأل بصوت ملؤه الشفقة على نفسها :
" ماذا فعلت حتى استحق كل هذا؟ لماذا اختارني انا بالذات؟"
واعتصر الالم حلقها اذ لم تجد

جوابا على سؤلها خاصة بعد ان وقع الضرر ولا سبيل الى إصلاحه او تعويضه كما صرح بذلك اخصائي تلو الاخر لها ولابيها وستظل عاجزة بقية حياتها ولن تكون هناك


وسيلة لتغيير الوضع

سوى حدوث معجزة.
وبدأت الثورة والغضب تسريان في عروقها. هل قدر لها ان تجلس الى الابد في السيارات وان تقبع

في البيت تاركة الاخرين يقررون مصيرها؟



وخطرت لها فكرة مقززة للنفس وفكرت سابرينا في ان ديبورا تحدوها الرغبة في

ان تنفرد بأبيها, ليس من منطق الرغبة في الاستمتاع بلحظات رومانسية معه وانما كجزء من خطة تدبرها لاقناعه بارسالها بعيدا الى بيت للتأهيل.بيت للتأهيل! الكلمة دائما تشعرها بأن ديبورا مجرمة وقالت
سابرينا يائسة:


" اضرع اليك يا ربي ان لا تدع ابي ينصت اليها. لا اريد الذهاب الى ذلك المكان. وبالتأكيد توجد
مدرسة اخرى."
كان

ت تشعر بالالم يعتصر قلبها

فقد اعتادت دائما ان تتمتع بالاكتفاء الذاتي والان تعتمد على الاشخاص الاخرين. لعل ديبورا في هذه اللحظة بالذات تحاول اقناع اباها بارسالها الى مدرسة
اخرى.الان يتقرر مصيرها وهي جالسة في السيارة بدون ان تشارك بد

ورها في المناقشة, وانما تدع شخصا اخر يتدخل ليدبر شؤونها.
تذكرت سابرينا كم من الاف

المرات سارت من موقف السيارات الى المرفأ حيث يرسو زورق والدها ولم تكن المسافة بينهما كبيرة ورأت انه لا يوجد اي سبب يحول بينها وبين اجتياز هذه المسافة اذا
ما تمسكت بالهدوء وتمهلت في سيرها.
وبأصابع الفنان الطويلة شدت تنورتها المخططة وثبتت الياقة المطوية ومرت بيدها الناعمة سريعا فوق شعرها لتتأكد من ان خصلاته البنية مثبتة في العقد المعقوصة فوق رأسها.
وشهقت سابرينا شهقة عميقة لتقف
مع الاضطراب المرتعش الذي

سرى في اوصالها وفتحت باب السيارة وخرجت الى الرصيف ثم أغلقت الباب وراءها وامسكت عصاها بحزم وتحركت في بطء نحو سور الميناء
وشعرت بالخوف عبر عمودها الفقري فشاع الرعب في قلبها وهي تخوض رحلتها الصغيرة.

وكان نجاح محاولتها الاولى للخروج من السيارة مشجعا لها على الاسراع في خطواتها بلا وعي لكن قدمها تعثرت فوق حاجز الموقف الحجري ولم تستطع ان تستعيد اتزانها

وافلتت العصا من قبضتها وانزلقت بوجهها على الرصيف.
اختفت روح الاثارة للتو وارتعدت خوفا وبحثت باصابعها المرتجفة عن العصا لكنها كانت بعيدة عن متناول قبضتها, وفيما عدا

الصدمة التي المت بمشاعرها فلم تحس بأي الم. صحيح انها لم تصب بأي ضرر ولكن كيف تستطيع ان تتلمس سبيلها الى المرفأ دون عصا؟

" اللعنة...اللعنة"
راحت سابرينا تلعن حماقتها على محاولتها الفاشلة. لو ان اباها وجدها في هذه الصورة فذلك وحده كاف ليقنعه باقتراح

ديبورا ويؤكد ان سابرينا في ح
اجة الى مزيد من التدريب بمعونة احد الاخصائيين.
وحينما رفعت جذعها مستندة الى احد مرفقيها حاولت ان تكبح جماح الفزع

المتزايد ولذا رأت ان تفكر بروية في الخروج من هذا المأزق الذي تورطت فيه.
“هل انت بخير؟"

تناهى اليها صوت رجل يهمس عارضا عليها مساعدته ورفعت سابرينا رأسها في اتجاه الصوت فقد توردت وجنتاها بحمرة الارتباك

ازاء رجل غريب يجدها في وضع كله مذلة وتضطر الى ان تطلب منه المساعدة. لكنها تطلعت اليه في كبرياء وقالت بسرعة:

" انا لم اصب بضرر!"

ثم اردفت تقول وهي غاضبة:
" عصاي....هل يمكنك ان تناولني اياها؟"
فقال بصوت اختفت منه نبرة المرح:
" بالطبع"
وفي اللحظة التي استرد فيها العصا مدت سابرينا يدها لتتناولها منه

ورفضا لتحمل مذلة شفقة بكلمة شكرا لك حتى, الا انها شعرت بخيبة امل حينما ظلت يدها الممدودة خاوية فتوهجت وجنتاها.
وبغتة انسلت يدان قويتان لتستقر تحت ابطيها وترفعا جسمها لتقف على قدميها.
حدث كل هذا قبل انتطلق زفرة اعتراض ولمست اناملها بشرة ساعديه الصلبة وحملت النسمة التي تهب من مياه المحيط رائحة العطر الذي يستعمله بعد الحلاقة ممزوجا

برائحة رجولته المفعمة بالحيوية.
كانت سابرينا طويلة القامة تبلغ خمسة اقدام وسبع بوصات تقريبا ولكن انفاسه الدافئة

جعلتها تدرك انه اطول منها بست
بوصات على الاقل.
وكانت عصاها المثبته فوق

ذراعه تنقر ساقها نقرا خفيفا فاطبق
ت بأصابعها عليها ورفعتها من فوق ذراعه وقالت له:
" من فضلك دعني ارحل"
فقال الرجل بسخرية رقيقة:
" لم يتصدع شئ فيك سوى كبريائك.

اليس كذلك؟"
وحررها من قبضته فابتسمت سابرينا في سخرية ورغم انها اعتادت التحديق في الاخرين لم تستطع ان تتطلع الى وجه هذا الرجل الماثل

امامها حتى لا ترى نظرة الشفقة في عينيه فأدارت رأسها وتمتمت بامتعاض وهي تخطو
خطوة مترددة الى الوراء:
" شكرا لمعونتك "
وسألها الرجل:
" ما نوع لباس البحر الذي يرتديه ابوك؟ سأذهب لاكتشف سبب تأخره"
ورفضت عرضه وقالت باقتضاب :
" لا...اشكرك ذهابك اليه سيقنعه باني بحاجة الى مرافق دائم."
وبدا السخط في صوتها ثم اردفت تقول:
"اذا وعدتك بانني لن اغادر السيارة فهل ترحل عني وتتركني وحدي؟"
فقال لها الرجل:
" للاسف لم يعد بالامكان اخفاء لقائنا عن ابيك"
فتجهمت سابرينا وسألته:
" ماذا تعني؟"
" هل ديبورا ذات شعر احمر اللون"
" اجل"
" حسنا هناك رجل يسير باتجاه

ابواب الميناء والى جواره تسير سيدة ذات شعر احمر انه ينظر الينا بوجه غاضب وقلق"
قالت وهي تتوسل اليه:

" ارجوك...انصرف قبل ان يصل الينا"


" لقد شاهدني معك لو كنت

في مكان ابيك لراودني الشك اذا رأيت رجلا غريبا يتحدث الى ابنتي وينصرف فجأة
عند قدومي من الافضل ان امكث معك"
" لا.."
وهمست سابرينا متوسلة الا ان

كلمات التوسل لم تعد تجدي اذ دوت صلصلة ابواب سور الميناء وهي تفتح وتغلق فقال لها الرجل:

" كفاك ارتباك وكأنني تقدمت اليك بعرض غير مهذب"

وكان صوته الخفيض مختلطا

بابتسامة دافئة وهو يتمتع بقلقها الواضح للعيان وحاولت بذكاء
إخفاء ارتباكها بابتسامة رسمتها على شفتيها وسمعت صوت ابيها يرحب بها قائلا:
" سابرينا"
وشعرت بخفوت في نبرة صوته الذي

اعتادت ان تسمعه مفعما بالدفء وهو ينادي اسمها. واردف يقول:
" هل ضقت ذرعا بالانتظار؟"


وانتابها توتر عصبي

وبذلت جهدا للاحتفاظ بابتسامتها الباهتة فهي تدرك تماما معنى نظرته
الفاحصة فاستجمعت شجاعتها وقالت:
" اهلا بك يا ابي .هل استمتعت برحلة بحرية طيبه؟"
وضحك ابوها وسألها:
" وماذا أيضا؟"



وانتظرت لحظات لا متناهية وهي تطمع في ان يستأنف الرجل طريقه الى حيث يريد ولكنها
استطاعت ان تشعر بعينيه مسلطتين

على ظهرها وشعرت انه يتمهل قليلا ليتأكد انها لم تصب
بأي اذى من تعثرها وخشيت ان يضطر الرجل الى ان يقدم اليها المزيد من المساعدة لذلك اتخذت
قرارها ان تسير بجرأه. فجأه دوى صوت سيارة مصحوبا بأصوات فراملها


فأشاع ذلك الشلل في جسمها

وتسمرت مكانها لا تحرك ساكنا....وسرعان ما احاطت وسطها ذراع صلبة جذبتها بشدة الى الوراء وسألها الرجل بصوت فقد نبرته الرقيقة:
" هل تحاولين الانتحار؟ الم

تشاهدي السيارة مقبلة؟"
فقالت سبرينا بمرارة :
" كيف يمكنني ذلك؟"
صمتت ثم قالت وهي لا تستطيع الفكاك من الذراع الحديدية:
" عمياء"
عندئذ سمعت وشعرت بزفرة سريعة تنطلق من صدره قبل ان يديرها نحوه ويصبح ساعداها سجينين بين قبضتيه .
كانت عينيه تحترقان فوق وجهها حين امسك ذقنها يرفعها عاليا وادركت سابرينا ان عينيها
الضريرتين تتجهان الى وجهه.
“بالله عليك لماذا لم تقولي هذا من قبل؟"
وكان صوته الغاضب مشوبا بلسعه

وحشية لم تتوقعها واستطرد يقول :
" لماذا لا تستخدمين عصا بيضاء؟"
وشعرت بلذعة تساؤله فأجابت بنفس نبرة صوته:
" لماذا يفترض الناس ان اسير بعصا بيضاء؟ لماذا يتوقع الجميع ان اضع نظارة

سوداء على عيني؟ هل المفروض ان اتجول بعلبة صغيرة من الصفيح واصرخ قائلة معونة للعمياء. ولاني عمياء لماذا اختلف عن الاخرين؟ ولماذا اكون في منأى عنهم؟ انني اكره
حالتي عندما يشير الاباء الي ويطلبون من اطفالهم ان يدعوا العمياء تتقدمهم.عصاي ليست بيضاء لانني لا اريد ان اتمتع
بأية امتيازات خاصة او اي شفقة."
قال الغريب بتجهم:

" ان مقتك للعصا البيضاء

كاد ان يضيع حياتك, ولوان سائق السيارة شاهد العصا البيضاء في يدك لاحتاط اكثروابطأ السير ليتيح لك فرصة للعبور او ربما اطلق زموره تحذيرا لك ولكنك ترفضين امساك عصا بيضاء ارضاء لكبريائك الحمقاء, انت لن تعيشي طويلا ما عليك الى ان تداومي على
التعرض للسيارات وسوف تصرعك احداها ان عاجلا او اجلا."

فأجابت سابرينا بصوت مختنق:

" ليس من الصعب ادراك سر كبريائي . من يفقد بصره يدرك معنى الاهانة في التصريح بالأمر."

فقال الرجل معنفا:

" من الواضح انك ترفضين شفقة الاخرين وتتعثرين في بركة من الشفقة من صنع يدك."
“يالك من متعجرف!"
ولم تتم سابرينا عبارتها اذ قدرت يدها بدقة المسافة والارتفاع قبل ان تهوي بها على وجنة الرجل لتصفعه صفعة مدوية

لكن مسار يدها لم يكتمل حين شعرت بيد لاسعة تلمس وجنتيها توبيخا وتأنيبا وكانت صدمة لم تتوقعها تفاقمت عشر مرات في اعماق نفسها فهمست همسة غاضبه:
" كيف تجرؤ على ان تصفع شخصا اعمى؟"

فقال ساخرا :
" ظننتك لا ترغبين في التمتع بامتيازات خاصة اليس كذلك؟ او انك تحللين الامور كما يحلو لك؟ قرري واختاري بين اللين والرفق

أو العنف والشده."
ولهثت سابرينا بحده وقد وقعت في شراك كلماتها فقالت:
" انت شخص لا يمكن احتمالك"
وحين التقطت انفاسها تحولت عنه

ولكن انامله كانت غائرة في كتفها فتوقفت فقال لها:
" ليس بهذه السرعة أنت اسوأ من طفل يحبو"
ثم تمتم وقد عيل صبره :

" هل تسمعين صوت اي سيارات قادمه؟ هل تعرفين اين انت ذاهبه؟وهل عرفت اتجاهك بالضبط؟ "
وسألته سابرينا قائلة:
" دعني وحدي ارجوك فمسؤولية

سلامتي من شأني وحدي."
“اسف....."

لم يكن في نبرة صوته الاجش ما ينبئ بالاعتذار واردف يقول:
"ولكنه سواء شئت ام ابيت ارى من واجبي ان تبلغي هدفك بسلام. اذهبي وسوف اسير ورائك."
وشعرت سابرينا به يهز كتفيه

استهجانا وودت من اعماقها ان
تصرخ لتريح نفسها لكن تصرفه الصارم اشعرها بأن صرختها ليست سوى تبديد علاقتها

وفكرت في اللحظة التي سيراها ابوها مع هذا الرجل الى جوارها

وكل انواع الاسئلة التي سينهال بها عليها والقصة المحرجة التي سترويها عندئذ استدارت في الاتجاه الذي قدمت منه ثم قالت بخشونة:

" لا حاجة الى ان تجهد نفسك سأعود الى السيارة "
" وتقومين بقيادتها...على ما اعتقد!"

وعادت نغمة السخرية الى صوته الخفيض ورأت سابرينا ان تتجاهل سخريته وتملكها الارتباك والغضب وحاولت ان تسير وتتجاوز هذا الغريب..لكنه تحرك سريعا ليسد عليها الطريق وسألها برقة:
" اية سيارة؟"
" الكونتيننتال الزرقاء التي تقف ورائك في الصف الثاني"


" ليس هذا هو المكان الذي توجهت اليه حين رأيتك اول مرة"
وكزت على اسنانها ثم قالت بمرارة :
" كنت انوي السير على رصيف المرفأ لألقي والدي وديبورا حيث انك تصر على مصاحبتي فأنني افضل ان انتظرهما في السيارة"
فسألها:

" وهل ابحرا وحدهما وتركاك وحدك في السيارة؟"
وبدا ان نبرة صوته كانت تشير الى ان اباها وديبورا كانا مجحفين بحقها فبادرت سابرينا تقول:
" لا, ابي ابحر وحده اما ديبورا وانا فقد جئنا لنعود به انها الان تقف في مكان ما على الرصيف. وكنت ذاهبة لأتبين سبب تأخرها"
فسألها:

" هل ديبورا اختك؟"
تنهدت وقد نفذ صبرها:
" يبدو انك مصر على التدخل في شؤوني الشخصية. ديبورا سوف تصبح امي الجديدة, اذا كان الامر يهمك!"

واطبقت يده على مرفقها وقادت قبضته الحازمة قدميها في الاتجاه الذي تعرف
سابرينا انه موقف السيارات.

وبعد عدة خطوات ارتطم طرف العصا بالسيارة.
واحست سابرينا ان اباها يتسائل عن الرجل الذي يقف الى جوارها. وشغلها التفكير العميق في العثور على وسيلة للتخلص من الرجل الغريب حتى تعذر عليها ان تجد حجة واحدة تفسر بها وجوده الى جوارها وافلت منها زمام الموقف حين تحدث الرجل الغريب قائلا :
" لابد انك والد سابرينا كانت لتوها تسألني اذا رأيت سفينتك ليدي سابرينا وهي تلقي بمرساها على الرصيف. انا املك سفينة شراعية دام فورشن. اسمي باي كاميرون."
فقال ابوها وقد تلاشى الحذر من صوته:
" وانا اسمي غرانت لين"
وكانت سبرينا تمسك بلا وعي انفاسها خلال الحوار الدائر بين ابيها والغريب. وبعد انتهائه اطلقت زفرة صامتة. الان عرفت ان الغريب يدعى باي كاميرون.
وكانت واثقة انه لا يوجد زورق يحمل اسم ليدي سابرينا لكن الرجل اختلق هذا الاسم عندما ذكر ابوها اسمها وقدم عذرا معقولا ليبرر حديثه معها.
ولمس ابوها كتفها بيده فحولت وجهها اليه وعلى شفتيها ابتسامة رقيقة.
سألها مداعبا:
" هل كنت قلقة علي؟"
ضحكت وقالت:
" ابدا يا ابي لن اقلق على بحار قديم مثلك فأنت افضل بحار رأته عيني"
" حسنا"
واحست بكلمات التأييد تتعثر على شفتيه وتمنت لو كانت التزمت الصمت فلم تكن تريد ان تذكره بالساعات السعيدة التي امضتها معه في نزهاتهم البحرية بهذه المنطقة نفسها قبل ان تفقد نعمة البصر.
وقطع باي كاميرون الصمت وقال:
" دائما تقلق النساء عندما يكون الرجال في البحر"

وقالت ديبورا بصوت خفيض:
" انها طبيعتهن ولا اظن ان الرجال يحبون رؤيتهن بغير هذه الصورة"
وافق الاب على كلامها:
" تماما يا ديبورا دعني يا سيد كاميرون اقدم لك خطيبتي ديبورا موسلي"
قال باي كاميرون:
" يسرني لقائك يا انسة موسلي وسامحوني لاني استبقيتكم طويلا. انني واثق من ان لديكم مشاغل."
فقال السيد لين وصوته يتسم بنبرة العرفان الصادق:
" شكرا لصحبتك لابنتي سابرينا"
واضافت سابرينا تقول:
" وانا ايضا مقدرة لك يا سيد كاميرون اهتمامك بامري"
فقال السيد كاميرون:
" اجل..اعرف"
وكانت سابرينا تعلم ان فقدان بصرها يجعل سمعها اكثر حدة. لذا ادركت رنة السخرية في كلماته الذي لم تلتقطها اذان ديبورا وابيها وكان يدرك تماما على ماذا تشكره واستطرد يقول:
" ربما نلتقي مرة اخرى. استودعكم الله"
وبعد تبادل التحيات سمعت سابرينا خطواته تختفي تدريجيا وهي تبتعد الى مكان اخر من موقف السيارات وتساءلت لماذا لم يجد الامر مناسبا فيذكر لابيها لقاءهما كما حصل ربما الدافع الى ذلك هو شعوره بالشفقة عليها ولو انه لم يبدو عليه ذلك وانفتح باب السيارة وراءها فقطع سلسلة افكارها بينما كان ابوها يقودها الى المقعد الخلفي وقالت لها ديبورا بصوت زاجر بعدما جلسوا:
" ظننتك ستبقين في السيارة"

فقالت سابرينا كاذبة:
" شعرت بضيق نفس فقررت الخروج لاستنشق الهواء."
قال غرانت لي:
" خروجك اضفى بعض اللون الى وجنتيك وخير لك الاستمتاع بمزيد من هذه النزهات"
تساءلت سابرينا هل تتضمن عبارته تعليقا بريئا ام انها ملاحظة تنم عن موضوع اثارته معه ديبورا يتعلق بمدرسة المكفوفين الجديدة؟ لم يكن بامكانها ان تجيب على هذا السؤال فعقدت سابرينا ما بين اصابعها وقالت ديبورا:
" هذا السيد كاميرون هل التقيت به من قبل"
فاجابت سابرينا بخشونة وهي تدافع عن نفسها:
" لا...لماذا؟"
فأجابت ديبورا:
" ليست من طبيعتك ان تتحدثي الى الغرباء هذا كل ما اعنيه."
واجابت سابرينا مصححة بخشونة:
" بل انت تعنين ليس قبل ان اصبح عمياء فانا لم اشعر يوما ما بالخجل وكل ما فعلته هو انني سألت السيد كاميرون عن ابي."
وشاب الموقف لحظة صمت مطبق ولم تكن اجابتها تستدعي مثل هذا الصمت, رغبة ديبورا في اشاعة القلق وتدخلها السافر اثار اعصاب سابرينا وقطعت ديبورا الصمت لتسألها :
" هل يعد السيد كاميرون واحدا من اسرة آل كاميرون سماسرة العقارات؟"


فأجاب الاب:
" آل كاميرون من الاسرة التي اسست سان فرانسيسكو."
ان باي كاميرون مواطن من مواطنين سان فرانسيسكو تلك المدينة التي كانت سابرينا على اطلاع بتاريخها ولم تكن سان فرانسيسكو شيئا يذكر حتى عام 1849 الذي تم فيه اكتشاف الذهب كانت مجرد مستعمرة صغيره تطل على خليج سان فرانسيسكو ويعني اسمها العشب الطيب وكان الخليج ميناء للسفن التي ترسو بغية الانطلاق نحو ذهب كاليفورنيا.
وعثر قلة من رواد الذهب على المعدن النفيس لكن الكنز الحقيقي كان يكمن في السلع والخدمات التي اتوا بها معهم وامتلك القلة من الرجال الجزء الاكبر من الذهب الذي جلبوا معظمه من

كاليفورنيا واسهموا به في انشاء مدينة سان فرانسيسكو.
وكانت اسرة كاميرون من الاسر التي اسست المدينة وهذا بالتأكيد سبب كبرياء الرجل.
تنهدت وتسائلت...ماجدوى التفكير فيه؟ فالمرء لا يلتقي بمثل هؤلاء كل يوم. ومع ذلك احبت صوته وخاصة حين كانت نبرته الخفيضة دافئة محببه وتساءلت عن حقيقة عمره.
وكانت مشكلتها انها عمياء لذلك عليها ان تعتمد على حواسها الاخرى لتحكم على الاشخاص الجدد الذين تلتقي بهم وقد نجحت في هذا المضمار وبدأت تكون فكرة عن شخصيته نتيجة المقابلة


الصغيرة التي تمت بينهما.
كان طويل القامة, يزيد قليلا عن الستة اقدام وحين جذبها عن الطريق احست بمنكبيه العريضين, والبطن المسطحه, والارداف النحيلة, كما انه يتمتع بقوام فارع كما يبدو من صلابة عضلاته.
وكانت رائحة المحيط التي علقت به اكبر دليل على قيامه برحلات بحرية عديدة في زورقه الشراعي مما ينم عن حبه للبحر وكشفت له رائحته النظيفة وعطر ما بعد الحلاقة شيئا من عاداته الشخصيه.
وكان الغضب يقف حائلا دون ادراك روحه المرحه التي شعرت بها خاصة تحت شعار تعليقاته الساخره ويمكن قياس ذكائه من خلال اسلوب حديثه معها اما بالنسبة لعمله فانه فيما يبدو يتمتع

بذكاء خارق ودهاء ماكر ولا شك في ان ثروة الاسرة امنه بين يديه هذا اذا لم يكن قد نماها.
واسندت ظهرها الى المقعد واختالت بانتصار كبير اذ حصلت على قدر كبير من المعلومات من اول لقاء بينهما ولكن لم يبقى سوى امرين لم تدركهما بعد اولهما عمره الذي تستطيع ان تقدره...فهو بين الثلاثين والخمسين وقد اعتمدت في حكمها على نضج صوته وحالته البدنية والامر الثاني الذي تود معرفته هو الوصف التفصيلي لملامحه ... لون شعره, وطبيعة



عينيه.....واخيرا شعرت بالارتياح والسرور من نفسها.
ولوهلة اعتراها السكون كان هناك شيئ اخر لم تعرفه بعد...هل هو متزوج ام اعزب وهو امر لن تستطيع ان تتأكد منه حتى لو كانت مبصره هذا اذا لم يكن واحدا ممن يحتفظون بخاتم الزواج في اصابعهم ولم تستطع ان تتذكر وجود الخاتم بأصبعه ولم تأبه كثيرا ان تعرف ان كان كاميرون متزوجا ام لا. كل ما كانت تفعله هو مجرد تدريب لحواسها....وكان تدريبا مرضيا للغاية.



*******نهاية الفصل الأول******







استودعكم الله



[/ALIGN]
[/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN][ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:109%;background-image:url('http://up.arabseyes.com/uploads2013/21_09_15144281477447062.jpg');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]
.










.
[/ALIGN]
[/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]









__________________

حينَ تتجاهلُ كوني لُغزاً....
فإياك وتجاهُلُ كوني همساتُ جنون....
مُدونتي||....тнιѕ ιѕ мє

التعديل الأخير تم بواسطة Florisa ; 09-21-2015 الساعة 09:13 AM
  #2  
قديم 09-22-2015, 05:36 PM
 
الفصل الثاني

[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:109%;background-image:url('http://up.arabseyes.com/uploads2013/21_09_15144281477445341.jpg');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center].















.[/ALIGN]
[/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]
[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:109%;background-image:url('http://up.arabseyes.com/uploads2013/21_09_15144281477448283.jpg');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]



[/ALIGN]
[ALIGN=center]





بسم الله الرحمن الرحيم
كيفكم يا غاليين
اخليكم مع الفصل الثاني

--------------------




2_فنجان قهوة
***************
تذوقت سابرينا الكريم شانتيه التي علقت باصابعها
ونظمت بالسكين طبقة الكريمة على سطح الكعكة.

وبغض النظر عن نوع الكعكة التي تصنعها
كان ابوها دائما يقول لها تركت بصمات اصابعها عليها.
ولم تكن سابرينا دائما على ثقة من ان طبقة الكريم شانتيه تغطي الكعكة كلها
وانما كانت تدع الحكم لمشاعرها واطراف اصابعها.

ووضعت سابرينا السكين على المنضدة
وابعدت طبق الكعكة وابت ان تستسلم
لاحساس ينبئها بوجود ثقب غائر في الكعكة يشوه زينتها.
كانت سابرينا قبل ان تفقد بصرها بسبب الحادث تتقن كل شيء
على اكمل وجه اما الان فاصبح غسيل الاطباق امتحان لقدرتها ومهارتها
فما بالك بطهو الطعام الذي اتقنت طهو مختلف انواعه
فيما عدا طبق البيض فلم تكن تعرف سوى طريقة واحده لاعداده....طبق الاومليت لا غير
ولذا اصبح اعداد وجبة الافطار من اختصاص والدها.

وكان يوم الاحد هو اليوم الذي تقوم فيه ديبورا باعداد الطعام
كما حدث في نهاية الاسبوع الاخير.
وكانت سابرينا تشعر بان مستواها في اعداد الطعام عاديا
اذ ما قورنت بالمهارة التي تمتاز بها ديبورا
ومع ذلك كان والدها دائما يمتدح طهوها للطعام .

كانت هناك خادمة تتردد على المنزل مرتين كل اسبوع
للقيام بمهام التنظيف الدقيق اما بقية الاسبوع فكانت سابرينا تتولى العناية بالمنزل,
تنظفه بالمكنسة الكهربائية المهمة التي تعودت القيام بها متمسكة باهداب الصبر.

وتعلمت سابرينا ان تتحمل الملل الرهيب الذي كبلها
بعدما اصبحت عمياء وعرفت كيف تكبح جماح المرارة
لان مستقبلها الفني توقف اثر الحادث.
فمنذو ان امسكت باصابعها فرشاة الالوان اصبح الفن معشوقها
ومن ثم تبنى موهبتها الفنية افضل المدرسين المحيطين بها
فاصبحت فنانة ناجحة وهي لم تزل في الثانية والعشرين من عمرها
وبفضل ما حصلت عليه من تدريب طوال خمسة عشر سنه
اتقنت رسم صور الشخصيات التي قابلتها في مطعمي مرفأ الصياد والقطة الصغيره.

وكانت قمة المأساه يوم حرمت من بصرها بسبب حادثة السياره...
لم تعد تذكر تماما ما حدث في ذلك اليوم
كل ما تذكره انها كانت تقود سيارتها عائده الى المنزل في ساعة متأخره من الليل
بعد قضاء عطلة الاسبوع مع صديقة لها في ساكرامنتو
وفي الطريق غلبها النعاس على عجلة القيادة فاختلت يدها
وكان الحادث الاليم ونقلت الى المستشفى.
وعلى فراش المرض احست بأن العودة السريعة الى المنزل
لا معنى لها بعدما امضت شهرا في المستشفى للعلاج من كسور في ضلوعها
وارتجاج في المخ وكانت الحقيقة المؤلمة ان الصدمة التي
اصابت رأسها دمرت الاعصاب البصرية تدميرا لا يمكن علاجه.
وهزت سابرينا راسها هزه حازمه علها تدفع بهذه الذكريات
بعيدا عن تفكيرها فحياتها اصبحت بين يدي المستقبل
وليس بالتطلع الى الماضي. في هذه اللحظة بدا المستقبل
امامها فارغا مع انها لم تكن تعتقد منذ سبعة شهور خلت انها
سوف تنجز ما انجزته حتى الان.

وكانت العقبة التالية التي واجهتها سابرينا هي الخروج من المنزل
لشراء زجاجة شامبو من الصيدلية على بعد خمسة مبان من منزلها
لانها كانت تخشى حركة المرور واجتياز اربعة تقاطعات للطريق.
واستطاعت خلال شهرين الاخيرين ان تستعيد ثقتها لمحاولة القيام بمثل
هذه الرحلة بدون احد.
بينما كان كبرياؤها دائما يمنعها من القيام بهذه المحاولة خشية ان تضل طريقها.

ولكن سابرينا ارتدت ملابسها وامسكت بالعصا البلوطية وذكرتها نعومة الخشب بذلك الغريب المتعجرف باي كاميرون الذي التقت به في ميناء اليخوت الاحد الماضي ولم تأبه به كثيرا.

خرجت سابرينا من المنزل بحرص وكان الطريق منحدرا فراحت تعد الخطوات ببطء وحرص شديد وهي تتجه للباب الامامي للمنزل المجاور.

ودقت سابرينا الجرس وانتظرت ان ترد عليها جارتها حيث كان ابوها حريصا
على ان تبلغ اي شخص بوجهتها وميعاد عودتها سواء ابلغت ذلك جارتها
بيغي كولنز التي تعرفها
منذ خمس عشرة سنه او اتصلت به في مكتبه.
واجاب صوت نسائي على الرنين:
" من هناك"
" انا سابرينا. انا ذاهبة الى الصيدلية. سأعود خلال ساعة تقريبا. هل تحتاجين شيئا؟"

" هل لك ان تحجزي لي تذكرة سفر بالطائرة المتجه الى امريكا الجنوبية؟"
ضحكت سابرينا وسألت :
" هل الامر سئ الى هذا الحد؟"

فقالت بيغي:
" اتصل بي كين منذ ساعة وابلغني انه ينوي دعوة اثنين من عملائه
لتناول العشاء هنا وليس في البيت اي طعام وقد نظفت الثلاجة
من الثلج كما ان محتويات الخزائن متناثرة في الغرف."
فابتسمت سابرينا وقالت:
" سأعود بعد ساعة تقريبا. اخبريني هل تحتاجين الى شئ...ثلج او طعام او شراب؟"
فتنهدت بيغي وقالت:
" الحل الوحيد هو ان اعثر على زوج يحسن اختيار التوقيت المناسب. احترسي يا سابرينا من المرور وسوف اخبرك اذا احتجت الى شئ حين تعودين"

استأنفت سابرينا السير مرة اخرى وساعدتها روح جارتها المرحة
على ان تستعيد قوة عزيمتها واصبحت الرحلة الى الصيدلية مجرد مغامرة وليست عقبة .
وارتطمت طرف عصاها بصندوق البريد وعرفت اين وصلت وعبرت الطريق
وبدأت تعد خطواتها حتى لا تدخل صالون التصفيف الشعر بدلا من الصيدلية
كما فعلت في المرة السابقة.
وانتابها فجأة احساس اثار الضحك في اعماقها فرفعت ياقة
سترتها بطرف اصابعها وسيطرت على رغبتها بالضحك.
وصدق احساسها حينما سمعت صوتا اجش مألوفا لديها جاءها من خلفها:
" ارى انك لا تحملين عصا بيضاء"
واصاب اطرافها شلل مفاجئ قبل ان تستدير برأسها لتواجه صوت الرجل وقالت ببرود:
" السيد كاميرون؟ لم اتوقع رؤيتك مرة ثانية"
قال كاميرون:
" المدينة ليست كبيرة كما تبدو لك. كنت اقود سيارتي في الطريق حين رأيت فتاة وهي تسير وفي يدها عصا فانتابتني دهشة لانها لم تلقى مصرعها بعد. وتعجبت حينما عرفت ان الفتاة الصغيرة هي انت"

ثم سألها بنغمة ساخرة تعرفها تماما :
" هل تبحثين عن ابيك مرة اخرى؟"
وحولت سابرينا رأسها في الاتجاه الذي كانت تسير فيه وقالت:
" كنت في الطريق الى الصيدلية. هل كنت تقود سيارتك؟"
" اجل. تركت سيارتي في الطريق. هل تقطنين هنا؟"
" على بعد بضعة مباني. لماذا توقفت؟"

القت عليه السؤال وهي تهزرأسها, وتحدوها الرغبة في ان ترى التعبير الذي ارتسم على وجهه.
فأجاب بنعومة :
" لاطلب منك ان تتناولي فنجان من القهوة معي"
ولم تستطع ان تخفي القلق الذي شاب صوتها حين سألته:
" لماذا؟"

قال باي كاميرون ضاحكا:
" هل من الضروري ان يكون هناك سبب؟ لم لا تكون دعوة يقدمها لك صديق؟"
" انا لا ارى سببا يدعوك الى تناول القهوة....."
وصمتت قليلا واوشكت ان تقول " مع فتاة عمياء" ولكنها ختمت عبارتها
بكلمة..."معي"
"اعتقد يا سابرينا انك لا تعانين عقدة التعذيب فقط وانما تعانين الاحساس بعقدة النقص ايضا"
ردت سابرينا:
" هذا سخف "
وتوقفت العينان البنيتان اللتان لا تبصران عن التطلع اليه وحولت وجهها الى السيارات المارة في الطريق, واطبقت اصابعه القوية على مرفقها وقال:
" حسنا..اين تودين ان تتناولي القهوة؟ انني اعرف مقهى صغيرا في المبنى التالي يمكننا الذهاب اليه"
فقالت له وهي تبدي اعتراضا واهيا:
" انني على يقين من ان زوجتك ترحب بقضاء وقت فراغك معها"
قال لها:
" اني واثق من ذلك....هذا اذا كان لي زوجة"

واعترضت سابرينا ثانية وقالت:
" سوف اشتري شيئا من الصيدلية"
فسألها:
" هل تحتاجين الى وقت طويل؟"

وتمنت ان يحتاج قضاء مهمتها الى وقت طويل فلم
تكن راغبة في قضاء اي وقت معه لان نبرة الثقة
التي احاطت بلهجته جعلتها تشعر بأنها دونه بكثير.
واخيرا قالت ورأسها منكسة الى الارض:
" لا....ان الامر لا يحتاج الى وقت طويل"

فقال باي كاميرون في رقة:
" افتقادك للحماسة غير مشجع هل تفضلين ان انتظرك خارج الصيدلية؟"

فهزت سابرينا رأسها وقالت:
" لا يغير ذلك من الموقف كثيرا"
فقال:
" في هذه الحالة...سأذهب معك انني في حاجة الى شراء بعض السكاير"

وشعرت سابرينا باحتكاك ذراعه بكتفها حينما قام بفتح باب الصيدلية
وقد اطلق سراح مرفقها من قبضته لتتخذ طريقها وحدها
وتنفست الصعداء حينما سمعت خطوات كاميرون
وهي تتجه الى قسم التبغ وبلغها صوت العاملة يسألها:
" هل هناك اي خدمة يمكن ان اقدمها لك؟"

وقبل ان تجيب سابرينا سمعت صوت رجل يرحب بها قائلا :
" سابرينا...بدأت اظن انك نسيت اين تقع صيدليتي, لم ارك منذ اسبوعين تقريبا"
فابتسمت سابرينا قائلة:
" اهلا...جينو"

فقال الرجل للعاملة:
" اتركيها يا ماريا وسأقوم انا بخدمتها. اذهبي لتلبية
طلب الرجل الواقف عند قسم الادوية"
وبعد ان انصرفت العاملة همس جينو مارشيتي في اذن سابرينا قائلا:
" ماريا عاملة جديده وهي ابنة عم زوج شقيقة زوجتي.
بدأت العمل في الصيدلية منذ اسبوع فقط ولم تتعرف بعد على زبائني"

وكانت سابرينا تعلم ان جميع العاملين بالصيدلية يمتون بالقرابة لصاحبها
لكنها ادركت انما ذكره جينو كان بمثابة اعتذار مهذب اذ ان العاملة الجديدة
لم تكن تعرف ان سابرينا مكفوفة."
قالت سابرينا:
" انها تتمتع بصوت جميل واني على يقين من انها ستدرك حالتي"

سألها الرجل:
" ماذا تحتاجين اليوم؟ قولي لي لاحضره لك سريعا."
“اريد شامبو"
وبينما ذهب جينو لاحضار ما تريد راحت تتحسس العملات
الورقية الموجودة في حقيبتها وقد ميزت كل عملة بطية خاصه
حتى يسهل عليها استخراج المبلغ الذي تريده.

وعندما وقف جينو امام الخزنة قال لها:
"مازالت الصورة التي رسمتها لي معلقة على الحائط والزبائن دائما يقولون لي: هذه الملامح تشبهك تماما فأقول لهم: طبعا..انها صورتي
واخبرهم ان الفنانة التي رسمتها كانت تتردد على
الصيدلية منذ كانت طفلة صغيره واهدت الي اللوحة بمناسبة
مرور خمسة وعشرين عاما على افتتاح الصيدلية والكل يعتقد انها افضل هدية قدمت لي."

فابتسمت سابرينا وقالت:
" يسرني انها تعجبك يا جينو"
وتذكرت سابرينا كم كان سعيدا يوم قدمت له هذه اللوحة منذ حوالي لسنتين اذ نجحت في ان تبرز فيها ملامحه وكان ذلك مبعث فخر لها. اما الان فلن تعرف هذا الاحساس الخلاق مرة اخرى وانتشلها صوت جينو من افكارها وهو يقول:
" سابرينا.....انني لم اقصد"

واحست في صوت الايطالي العجوز نبرة اعتذار وتقريع للنفس
وشعرت ان ملامح الاكتئاب والحزن ارتسمت على شفتيها
فاستعادت طبيعتها وقالت له متعمدة ان تفوت عليه لهجة الاعتذار:
" لم تكن اللوحة سوى هدية متواضعة تعبيرا عن امتناني لاصابع
النعناع التي كنت تقدمها لي"

وشعرت ان شخصا يراقبها عن كثب ولم تدهش حين تكلم باي كاميرون .
لان حدسها نبهها الى وجوده. سألها بهدوء :
" هل رسمت هذه اللوحة؟"
قالت:
" اجل"
فقال جينو:
" انها رائعة..اليس كذلك؟ لقد بعت لها اول اقلامها ثم الالوان المائية والطباشير الملونة وبأسلوبي البسيط ساعدتها على ان تكون فنانة فمحتني هذه اللوحة هدية منها.
واعتادت ان تأتي الى الصيدلية مرة كل اسبوع واحيانا مرتين حتى ذلك اليوم الذي وقعت فيه الحادثة."

واعترت صوته نبرة أسى ثم اردف يقول:
" اما الان فقلما تأتي الى هنا وفي الاسبوع الماضي شاهدتها وهي تمر بصيدليتي وتساءلت عن وجهتها ورأيتها تدخل صالون تجفيف الشعر الذي يقع الى جواري
فقلت في نفسي: اوه...انها تنوي قص هذا التاج من الشعر الذي يزين قمة رأسها ولكنني تبينت انها كانت اتية الى الصيدلية فأخطأت الطريق.

وعقب باي كاميرون على كلامه بصوت ناعم:
" هل تعلم انه حين رأيتها اول مرة بدت لي هذه العقدة من الشعر البني الحريري كما لو كانت تاجا يزين رأسها "

واحست سابرينا بتورد وجنتيها فقالت بسرعة :
" اخذت من وقتك الكثير ياجينو انني اعرف انك مشغول بعملك والزبائن بانتظارك. سوف اراك في الاسبوع القادم."

" بالتأكيد سأراك في الاسبوع القادم يا سابرينا"
" اجل وداعا يا جينو"
واستدارت بسرعة وهي تدرك ان باي كاميرون قد افسح لها الطريق ويتتبع خطاها ولم تعتمد عليه ليقودها.
واجاب جينو دون ان يبدي دهشة لوجود هذا الغريب معها:
" وداعا يا سابرينا"

وقال لها باي كاميرون وهما يغادران الصيدلية :
" المقهى يقع على اليسار عند المنعطف:
فقالت سابرينا بخشونة:
" انني اعرف اي مقهى تقصد فقد اعتدت على ارتياده لسنوات طويلة"

وسارا جنبا بجنب على الرصيف ولم يحاول ان يقودها وتركها تسلك طريقها دون اي مساعدة وانهى باي الصمت الذي خيم عليها وقال:
" انها لوحة جميلة للغاية. هل تدربت على الرسم منذ طفولتك؟"
وابتلعت الغصة التي توقفت في حلقها واجابت في هدوء:
" تلقيت دروسا فيه. كان الرسم مستقبلي وحققت فيه نجاحا نسبيا"

فقال لها:
" اعتقد ذلك. كنت ممتازة في مضمارك"
فقالت بمرارة:
" كنت......"
ثم التقطت انفاسها قائلة:
" انا اسفة"

فقال مستهجنا:
"لا داعي للاعتذار لابد انها كانت ضربة قاسية مزدوجة ان يفقد الفنان بصره
ولابد انك تشعرين بظلم القدر والا ما كنت انسانة"

ومد يه ولمسها في ذراعها لمسة خفيفة ليجذب انتباهها ثم استطرد يقول:
"يمكنك الاستعانة بالدرابزين الحديدية لهبوط السلم".
وحين استقرت يدها على الدرابزين عادت يده الى جانبه وتقبل باي الالم الذي شعرت به لفقد مستقبلها كأمر طبيعي وكان في غنى عن اي تفسير ولم يردد اي من تلك الكلمات الجوفاء التي قالها البعض بأنها ستتغلب على عجزها يوما ما..
.تلك الكلمات التي لم يكن بمقدور سابرينا ان تصدقها في يوم من الايام.
وعند نهاية السلم تقدمها باي ليفتح باب المقهى لها وامسكها بيد حنونة وظلا مكانهما حتى قادتهما المضيفة الى مائدة صغيرة بين مقعدين طويلين مرتفعي الظهر.
ثم قال لها:
" دعيني اخذ عصاك سوف اعلقها على العمود القائم الى جوار مقعدك حتى لا تعترضي الطريق"

ناولته سابرينا العصا وجلست على المقعد واستقرت اناملها في عصبية فوق المائدة.
كانت فيما مضى تتجنب المطاعم العامة لانها كانت تشعر بانها مقيدة. ولمست طرف قائمة الطعام ثم ازاحتها جانبا .
________________________________________
كانت المضيفة قد اقبلت نحو المائدة وطلب باي فنجانين من القهوة قبل ان يوجه حديثه الى سابرينا:
" لديهم فطائر طيبة من صنع ايديهم..هل تحبين تناول واحد منها يا سابرينا."
وفي عصبية قالت بسرعة:
" لا...لا...اشكرك"

واخرج علبة السكاير وقال:
" هل ترغبين بالتدخين؟"
" لا بأس"
واقبلت المضيفة بالقهوة في اللحظة التي وضع فيها باي سيكارته المشتعلة بين اصابع سابرينا وقرب المنفضة قليلا حتى تكون في متناول يدها وسحبت نفسا عميقا من السيكاره وانتابها دهشة خفيفة حين شعرت بدفء شفتيه على السيكارة, وسألها باي:
" هل اصب لك القهوة؟"

وقالت سابرينا وهي تنفث الدخان من فمها ممتزجا ببعض التوتر:
" اذا سمحت....شكرا"
وساعدتها رائحة القهوة المتصاعدة في العثور على الفنجان بسهولة فأطبقت باصابع يدها حوله وخيم الصمت الذي اشاع الهدوء في نفسها,
حين مقابلتها الاولى له مشوبة بغطرسته التي مازالت قائمة وهذا ما اكده لها سلوكه حين قادها الى المقهى وان كان تفهمه لها قد خفف من حدة تلك الغطرسة.

وعلى الرغم من الجدل الذي دار بينهما حول العصا البيضا الا انها احست بأنه بدا ينصاع الى رغبتها في الاستقلال وان المساعدة التي قدمها لها لم تكن
فضولية واقترن ذلك بتعليقه الواقعي على ضياع مستقبلها ودفعتها كل هذه العوامل الى ان تعيد النظر في رأيها عنه.
وبدا لها باي كاميرون رجلا غير عادي وودت لو انها التقت به قبل ان تفقد بصرها حتى تستطيع ان تقوم بدراسة ملامح وجهه.
وتنهدت سابرينا فتسائل باي كاميرون ساخرا:
" لماذا تتنهدين؟"

فقالت باستخفاف:
" لا شئ....."
فسألها:
" مجرد عادة لقطع الوقت"
" احيانا..حين لا يوجد شئ يجذب انتباهي"

ومرت سريعا باصابعها حول حافة الفنجان ثم استطردت تقول:
" واتساءل حين اكون وحيدة ماذا كنت افعل لو لم تتح لي الحياة نعمة رؤية الناس والامكان والاشياء بكل دقائقهم فاستطعت ان اختزن ثروة من المشاهد الجميلة التي اتذكرها الان"

فسألها باي بهدوء:
" اذن فأنت تؤمنين بالقدر؟"
اجابت سابرينا:
" احيانا يبدو انه التفسير الوحيد......وانت ما رأيك؟"

" اعتقد ان الحياة منحتنا بعض المواهب والقدرات واسلوب تعاملنا معها هو الدليل على شخصيتنا وانا احب ان اكون سيدا لقدري"
وكانت اجابته مغلفة بروحه المرحة وعقبت سابرينا على رأيه بابتسامة شاحبة:
" اشك في انك لا تبغي شيئا الا وتحقق لك"

" ربما.....وربما اكون حريصا على ما ابتغيه"
وغابت الابتسامة عن شفتيه ثم استطرد يقول:
" خبريني يا سابرينا... كم من الوقت مضى عليك منذ فقدت بصرك؟"

بدأت سابرينا تدرك ان باي كاميرون معتاد على طرق الموضوع بشكل مباشر
وكان اغلب الناس الذين عرفتهم او التقت بهم يتجنبون الاشارة الى موضوع فقد بصرها ويحرصون على ان لا تتضمن احاديثهم اية كلمة تشير الى البصر لذلك تعجبت من ان صراحته لم تؤلمها.

والتقطت نفسا من السيكارة قبل ان تجيب على سؤاله:
" منذ ثمانية اشهر تقريبا"
وخالجها احساس بانه رفع حاجبيه وهو يسألها مداعبا:
" وكم يوما....وكم ساعة؟"

حاولت سابرينا تبدو فاترة وهي تقول له :
" توقفت عن متاعبة تحديد الزمن بعد ان ابلغني الاخصائي الرابع بانني لن ابصر مرة اخرى"
فسألها:
" ماذا حدث؟"

قالت:
" حادث اصتدام سيارة كان الوقت متأخرا من الليل وكنت اقود سيارتي عائدةمن ساكرامنتو وغلبني النعاس وانا في الطريق فاختلت عجلة القيادة في يدي ولم اعلم ماذا حصل بعد ذلك..."

واضطربت اصابعها فعادت تمسك الفنجان واستطردت تقول:
"ونقلت الى المستشفى ولم يكن هناك اي شهود سوى راكب دراجة بخارية تصادف مروره وراى حطام سيارتي ملقى في حفرة فأبلغ السلطات المسوؤله التي وصلت بعد عدة ساعات من الحادث."

وانتظرت سابرينا ان تسمع منه التعليقات تعقيبا على حديثها وخاصة بعد ان فاضت في سرد التفاصيل
وتوقعت ان يقول عبارات مثل كان من المحتمل ان يكون الحادث ابلغ سوءا مما كنت تتوقعين او انت سعيدة الحظ لانك لم تصابي بشلل ولكنه لم يتفوه بواحدة منها لكنه سألها:
"وماذا ستفعلين الان؟"

" لا اعرف لقد هيأت نفسي لي اتعلم من جديد كل الامور التي اعتدت القيام بها تلقائيا
ولما كنت قد قررت ان اتخذ الفن مهنة لي لذا لم اتعلم شيئا اخر سوى القراءة والكتابة والحساب. اما الان فانني ابحث عن افاق جديده حتى لا اكون عبئا على ابي."

فقال لها:
" اشك انه يرى في انك تشكلين عبئا عليه"
" اعلم تماما في انه لا يفكر في ذلك"
وراحت بلا وعي تؤكد على ضمير المذكر ولم يغب عن باي كلميرون مقصدها فأضاف:
" ولكن هناك شخص اخر يفكر في ذلك اليس كذلك؟ هل هي خطيبة ابيك؟ "

وحاولت ان تعترض ولكنها اومأت برأسها وقالت:
" انني لا الوم ديبورا فهي تريد ابي لنفسها"
وترددت قليلا قبل ان تتابع حديثها قائلة :
" ارجو ان لا تسئ فهمي فأنا احبها, وفي الحقيقة انا التي عرفتها بأبي انها تملك حانوتا للتحف
هنا في سان فرانسيسكو وهي تعلم تماما انه لا يمكن ان يجعلني واياها في بيت واحد وترغب في ان التحق بمدرسة اخرى سمعت عنها حيث يدرب المكفوفين على بعض المهارات الجديدة
ولا اعني اشغال السلال او مهنا حرفية وانما مهارات متنوعة, وتعد المدرسة ايضا برامج للتأهيل المهني بعد اتمام الدورة."

" وما هو رأي ابيك؟"
اجابت وعلى شفتيها ابتسامة ملتوية:
" اعتقد انها لم تخبره بعد على فكرتها واظن انها تريد ان تدعني اقع في خطأ كفيل بأن يدعم موقفها حينما يعرض ابي الامر علي."
وسألها باي وهي تطفئ السكارة في المنفضة:
" هل تضيقين بنفسك؟"

ومدت سابرينا اصابعها فوق المنضدة وراحت تتطلع اليه كما لو كانت حقا تراها ثم قالت:
" اعتقد ذلك....انه امر طبيعي اليس كذلك؟ كل انسان يريد ان يوهم نفسه بأنه مفيد."
" لا تفعلين شيئا تعتبيرينه مفيدا؟"

" اعني بشؤون المنزل واقوم بطهو الوان الطعام ولن يكون في وسعي مواصلة اداء ذلك بعد ان يتزوج ابي ديبورا فعندئذ ستصبح هي ربة البيت"
وتابعت النظر الى اصابعها بعينين فقدتا نعمة البصر ثم اردفت تقول:
" انا اعرف ان في وسعي ان اتعلم شيئا"

واطبقت يديها حول الفنجان وهزت رأسها في قلق ثم قالت:
" انني مازلت مفعمة بقدر كبير من الكبرياء واعرف مدى اهميتي ويداي تحملان دائما فرشة الفنان لذلك اتساءل لماذا ارجئ اليوم الذي ينبغي فيه ان تقوما بشئ اخر؟"
" وماذا يقول حبيبك اتجاه كل هذا"

" حبيبي؟ ليس لي حبيب. لي اصدقاء كثيرون من الرجال ولكن ليس لدي احباب"
وعلق باي على قولها بصوت يشوبه الشك:
" انت فتاة جذابة ويصعب علي ان اصدق انه ليس لك علاقة عاطفية بأحد"

وهزت كتفيها باستهجان:
" كان لدي دائما مستقبلي الفني. وكثيرا ما خرجت مع بعض الاصدقاء ولكنني كنت حريصة على عدم الارتباط بهم عاطفيا. كنت ارى ان الحب والزواج
سوف يأتيان في المستقبل. انا سعيدة الان بموقفي الذي اتخذته. كم من الرجال يرغبون بالارتباط بزوجة عمياء برأيك؟"

فسألها وهو يكتم ضحكة:
" الا تعتقدين انك تعرضين وجهة نظر ساخرة تجاه الجنس الاخر؟"
فابتسمت وقالت:
" انها ليست وجهة نظر ساخرة لا اتجاه الجنس الاخر ولا اتجاه الحب وانما هي نظرة واقعية.
ان الناس يشعرون عادة بالحرج امام الاعمى ويحاولون ان يكونوا في منتهى الحرص عند التعامل معه فلا يجرحون مشاعره بالاشارة الى عجزه عن القيام باية مهمة توكل اليه او انه يشكل عبئا في علاقته بهم"

فقال ساخرا:
" غريب فأنا لا اشعر بأقل عبء او حرج وانا اجالسك الان"
واضطربت سابرينا حين سمعت منه هذه الملاحظة لانها كانت نابعة من شعور صادق فاعترضت قائلة:
" الواقع انني لا اعنيك برأي هذا وانما كنت اشير الى بعض اصدقائي الذكور منهم والاناث على حد سواء. انهم مازالو على اتصال بي يتحدثون الي هاتفيا او يزورونني او يدعونني الى الخروج معهم كسابق عهدهم
وكان الفن هو الصلة التي تربطني بهم لذا ادرك سبب حرصهم على عدم الاشارة الى موضوع فقد البصر امامي وهناك اخرون يتملكهم انزعاج مبهم عند الحديث عنه
اما معك فاني لم ادرك بعد كنة اقبالي عليك. ووجدت نفسي اتحدث اليك في اشياء لا تهمك ولا ادري لماذا اسردها على مسمعك. هل انت من هواة التحليل النفسي؟"

ارتسمت تقطيبة صغيرة من الحيرة فيها بين حاجبيها واحست سابرينا بابتسامته وهو يقول لها:
" لست محللا نفسيا ولم اشعر مطلقا بالضجر وانما كنت اتخيل كل هذه الخلجات تتصارع داخل نفسك لفترة من الوقت.
________________________________________
ان من السهل على الانسان دائما ان يتحدث الى الغرباء الذين لم يحددوا تصورا مسبقا لآرائه وقد حدث انني كنت انا هذا الغريب الذي امكنك العثور عليه بسهولة."

فسألته وقد ارتسمت على شفتيها ابتسامة يشوبها التحدي:
" وفي هذه الحالة ما هي النصيحة الحكيمة التي تسديها الي؟"
" الغرباء لا يقدمون النصائح انهم فقط ينصتون"
وكانت الضحكة واضحة في صوته الخفيض وهو يجيب على سؤالها بحنكة.

واقتربت اقدام متعجلة نحو المائدة وسألتهما المضيفة :
" هل تريدان المزيد من القهوة؟"
فقالت سابرينا:
" لا حاجة بنا الى المزيد. اشكرك"

وتحسست سابرينا باصابعها الارقام البارزةالموجودة في ميناء ساعتها ثم قالت:
" حان الوقت لكي اعود الى المنزل"

وقال باي للمضيفة:
" الحساب من فضلك."
وفي نفس الوقت غادرت سابرينا مقعدها ووقف باي الى جوارها وهو يقدم لها العصا البلوطية, واستقرت يده مرة ثانية بخفة على وسطها من الخلف وراح يقودها عبر الموائد حتى وصلا الى باب المقهى وانتظرت هناك قليلا حتى دفع الحساب.

وصعدا الدرج الى الشارع وسألها باي:
"هل قلت انك تقطنين على بعد عدة مبان قليلة من هنا؟"
وادارت سابرينا رأسا نحوه وقالت مبتسمة:
" اجل...يقع بيتنا على الطريق المؤدية الى الربوة العالية"
" هناك عزاء وحيد لعلاج مشكلة الربوات في سان فرانسيسكو فحين تشعرين بالتعب من الصعود فانه يمكنك ان تستندي اليها"

وضحكت سابرينا من وصفه الرقيق وردف يقول بصوت خفيض:
" ضحكتك هذه علامة جيدة فقد راودني التفكير في انك فقدت قدرة على الضحك منذ فقدت بصرك ولكنني سعيد اذ خاب ظني "
بدا ان قلبها قد وثب من صدرها لبضع ثواني واكتفت بان تتمنى بالا يكون تعليقه ملاحظة عابرة والتزمت الصمت.

ويبدو ان باي كان يتوقع منها هذا الصمت فقال:
" سيارتي تقف بالقرب من المنعطف. دعيني اوصلك الى المنزل"
كانت الفترة التي امضتها خارج البيت قد تجاوزت الساعة التي اتفقت عليها مع بيغي كولينز ولهذا قبلت سابرينا واعطته عنوان البيت ذي التصميم الفكتوري الذي يقع في قطاع باسفيك هايتس. وكانت ساعة ازدحام المرور قد بدأت.
واتخذت سابرينا من جلبة حركة المرور الصادرة عند التقاطعات مرشدا لها

فاستطاعت ان تحدد مكان البيت الذي تقيم فيه حين انعطف باي بسيارته وقالت له:
" بيتنا هو المبنى المطلي باللون الذهبي الداكن والمزين بخطوط بنية وبيضاء"

وفي لحظات وقفت السيارة بمحاذاة الرصيف المواجه للمنزل وجذب باي الفرامل واوقف المحرك.
وما ان غادر السيارة والتف حولها واتجه ليفتح الباب المجاور للمقعد الذي تجلس عليه سابرينا حتى سمعن جارتها تنادي:
" سابرينا.....هل انت بخير؟"

وسارعت الجارة الى فتح الباب وسمعت سابرينا خطواتها وهي تهرع نحوهما...لتقول لها:
" كنت لتوي قادمة لاعرف ما اذا كنت قد عدت الى البيت ام لا ظننتك نسيت ااتصال بي لتخبريني بوصولك"
قالت سابرينا:
" امضيت وقتا اطول مما توقعت"

" هذا واضح"
وساد صوت بيغي نبرة غريبة نمت على انها رأت الرجل الذي يصاحب سابرينا وتنتظر ان تقده لها :
" بيغي... اقدم لك باي كاميرون.... وهذه السيدة كولون جارتي."

وتبادلا التحية قبل ان يوجه حديثه الى سابرينا ويقول:
" جاء دوري لاخبرك يا سابرينا.... بأنه لا بد لي من الانصراف"
ومدت سابرينا يدها لتصافحه مودعة :
" اشكرك....لقد سعدت بذلك"

وشد على يدها بقبضة دافئة ثابته بالرغم من ان المصافحة لم تستغرق سوى وقت قصير واردف يقول:
" سوف اراك مرة اخرى في وقت اخر."


ورنت الكلمات في اذنها كأنها وعد منه وتمنت ان يفي بوعده وشعرت ان عجرفته التي شابت لقائهما الاول قد تلاشت تماما ولاح لها الموقف غريبا حقا اذ تسائلت: كيف به هكذا سريعا؟
كانت مستغرقة في تفكيرها حين سمعت باب السيارة يفتح ثم يغلق والمحرك يدور وعجبت كيف كانت تحادث باي بمثل هذه الحرية التي ماكانت لتستطيع ان تتحدث بها حتى مع ابيها الذي هواقرب الناس اليها.
وانتشلتها بيغي كولينز من تفكيرها حين سألتها بفضول :
" اين التقيت به؟"

قالت موضحة:
"يوم توجهت الى مرفأ اليخوت مع ديبورا لنصحب ابي الى المنزل"
ونسيت لوهلة ان جارتها كانت تقف بجوارها ثم اردفت تقول :
" من ذلك اليوم التقيت بذلك الرجل الطيب..اعني.."

ثم توقفت عن مواصلة الحديث وهي تتابع برأسها صوت رحيل السيارة التي غابت عن مسامعها ثم استدارت الى المرأة العجوز وسألتها:
" بيغي.... كيف تبدو ملامحه؟"

وتمهلت المرأة قليلا لتستجمع افكارها.. ثم قالت:
" انه طويل القامة.... يقترب عمره من الثلاثين, شعره احمر داكن, عيناه بنيتان. لا اقول انه وسيم او بهي الطلعة ولكنه يبدو رجلا بمعنى الكلمة...هل تعرفين ماذا اعني؟"
اجابت سابرينا بنعومة:
" اجل...اجل...اعتقد اني اعرف ما تعنين"

وادركت ان ملامحه القوية مؤثرة وفجأه صرخت بيغي قائلة:
" يا الهي نسيت ان اضع البطاطا في الفرن. سأتحدث اليك فيما بعد يا سابرينا"
" حسنا..يا بيغي"
وعادت الجارة بسرعة الى منزلها بينما كانت سابرينا تستمع الى كلماتها بلا وعي

*****نهاية الفصل الثاني*****

ارجو ان يعجبكم
استودكم الله
________________________________________


[/ALIGN][/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN][ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:109%;background-image:url('http://up.arabseyes.com/uploads2013/21_09_15144281477447062.jpg');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]
.










.
[/ALIGN]
[/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]









__________________

حينَ تتجاهلُ كوني لُغزاً....
فإياك وتجاهُلُ كوني همساتُ جنون....
مُدونتي||....тнιѕ ιѕ мє

التعديل الأخير تم بواسطة Florisa ; 09-25-2015 الساعة 02:47 PM
  #3  
قديم 09-22-2015, 05:52 PM
 
الفصل الثالث

[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:109%;background-image:url('http://up.arabseyes.com/uploads2013/21_09_15144281477445341.jpg');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center].















.[/ALIGN]
[/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]
[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:109%;background-image:url('http://up.arabseyes.com/uploads2013/21_09_15144281477448283.jpg');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]



[/ALIGN]
[ALIGN=center]





بسم الله الرحمن الرحيم
كيفك ؟ان اء الله خير
اسفة على الاستعجال بانزال الفصول
ولكن الظروف تمنعني من البقاء بعد العيد
اترككم مع الفصل الثالث





3-الشعلة
************
سألت ديبورا سابرينا بحدة :
" هل ترغبين حقا بالتنزه على رصيف الميناء؟"
فأجابت سابرينا وهي تنظر اليها:
" اجل. الا اذا رغبت في الانفراد بأبي لبعض الوقت"
تنهدت ذات الشعر الاحمر بيأس وقالت:
" ليس الامر كذلك غرانت يقلق عليك لانه لا يوجد درابزين
في الميناء ومن الطبيعي ان يهتم بسلامتك"

قالت سابرينا بهدوء:
" كل الاباء يقلقون على اولادهم ولكن قلق والدي يختلف
عن قلق بقية الاباء وله مبرر وانا لا استطيع ان اقضي بقية عمري
متحاشية فعل ما يسبب القلق لابي"
" صدقني لو استطعت ان اجد طريقة تخلصه من قلقه عليك لما ترددت في اتخاذها"

وكان جواب ديبورا مشوبا بالعصبية والتوتر وهي تغادر السيارة التي وقفت
في المكان المخصص لها في ميناء اليخوت.
وغادرت سابرينا بدورها مكانها ببطء واستدارت
حول السيارة حتى وصلت الى جوار خطيبة ابيها
وسألتها وهما سائرتان نحو ابواب السورك
" هل ذكر ابي شيئا عن موعد الزواج؟"
" لا.... وانا لم اطرق الموضوع معه"

وخيم الصمت للحظات قبل ان تواصل ديبورا الحديث:
" اعرف بانني امرأة غيور حريصة على الاستئثار بمن احب.
فاذا تزوجت اباك وانت مازلت تقيمين في البيت
فلا بد ان ينشأ الاحتكاك بين ثلاثتنا وليست عندك اي رغبة
في ان تكوني عبئا على ابيك بقية عمرك."

وتنفست سابرينا الصعداء وهي تعلم مدى صدق الكلمات التي تفوهت بها ديبورا ثم قالت:
" ولهذا تستميلين ابي للاخذ بفكرة هذه المدرسة"
فقالت ديبورا:
" ربما لا تكون هي الحل ياسابرينا ولكنها البداية"
ورفعت سابرينا رأسها وتركت النسمة اللطيفة التي تهب من المحيط تلفح وجهها وقالت:
" احتاج الى وقت للتفكير ومازال الامل يراودني للعثور على بديل اخر لا اعرف كهنه"
" اذن...فان فكرة الاتحاق بالمدرسة موضع اعتبارك؟"

" من الضروري ان اضعها في اعتباري...سواء راقتني الفكرة ام كرهتها "
واضطرب صوت ديبورا قليلا وهي تقول:
" اشكرك"
ثم واصلت الحديث بعزم وتأكيد :
" انا احبك يا سابرينا...ولكني اعشق اباك لقد انتظرت طويلا قبل
ان التقي برجل مثله. ارجوك حاولي ان تفهمي السبب
في اصراري على ان تتركي البيت"

" افهم ذلك تماما...لو كنت مكانك واحببت رجلا فلا بد ان
اكون قلقة مثلك للاستحواذ عليه لنفسي.
ولكنني لن اندفع الى اتخاذ اي قرار ما
لم اكن على يقين من عدم وجود بديل له."
ولمست ديبورا بيدها مرفق سابرينا قائلة:
" اتجهي الى اليسار"

وكانت السيدة ذات الشعر الاحمر تدرك مدى عناد سابرينا
ورأت ان الوقت قد حان لكي تنهي مناقشة الموضوع برمته
حين ادركت ان سابرينا ستفكر باقتراحها.
وشعرت سابرينا برغبة ديبورا لذا غيرت برضا تام موضوع الحديث فسألت:
" هل وصل ابي؟"
فاجابت ديبورا:
" اجل انه ينزل شراع الزورق الان"

وبعد مرور بضع دقائق نادت ديبورا قائلة:
" مرحبا...هل امضيت وقتا طيبا يا حبيبي؟"
" طبعا...طبعا"
وكان صوت ابيها ينم عن السعادة والرضا مما اشاع الابتسامة على شفتيها ووجه سؤاله الى ابنته:
" سابرينا... لم اكن اتوقع رؤيتك مع ديبورا؟"

وبدا قلق باهت على وجهها ولكنها استعادت ابتسامتها وقالت:
" انه يوم جميل شجعني على عدم البقاء في السيارة. لا تقلق يا ابي فلن اضل الطريق اثناء سيري على الرصيف"
فقال:
"سالحق بكما بعد قليل"

وبادرت ديبورا لتقدم مساعدتها قائلة:
" سأحضر بقية حاجاتك من القمرة اذا شئت يا غرانت"
ولاحت على وجهه علامات التردد قبل ان يوافق على الاقتراح.
كانت سابرينا تعرف ان اباها يعتريه القلق اذا تركها تقف وحدها على رصيف الميناء.
وربما كانت موافقته دليلا على ان ديبورا القت عليه نظرة نمت عن مغالاه في حمايتها.

كان صرير الزورق يمتزج بصوت تلاطم المياه بينما راحت اجنحة طائر النورس ترفرف فوق رأس سابرينا
واخذت صرخاته تتناهى الى سمعها
ونسمات المحيط المعبقة برائحة الملح والسمك تداعب
خصلة الشعر التي تتراقص فوق جبينها .

وداعبها احساس لذيذ راح يدغدغ ظهرها وفي الحال تنبهت سابرينا الى وقع اقدام تقترب منها وحدثتها نفسها بأنها خطوات باي كاميرون وراودها الامل في ان يتحقق حدسها ولكن يبدو ان شخصا اخر كان بصحبته بل اكثر من واحد وربما كانوا ثلاثة.
وتبينت من وقع الخطوات ان بين الثلاثة سيدة.....
حيا باي السيد لين وقال:
" لقد اكتفيت اليوم يا سيد كاميرون كيف حالك؟ هل انت عائد من نزهتك ام لم تبدأ بعد؟"

فأجاب:
"سنقلع بعد قليل...رأينا ان نستمتع بغروب الشمس على المحيط."
تأكدت سابرينا من كلامه ان الخطوات الاخرى التي سمعتها كانت تصحب
كاميرون الذي اتخذ مكانه الى جوارها وشعرت بأنه يقف الى يسارها
لا يفصله عنها سوى مسافة قصيرة للغاية وسألها:
" كيف حالك اليوم ياسابرينا؟"

فمالت برأسها وقالت في كامل وعيها :
" بخير......"
واحست بان رفاقه يرغبون في مواصلة سيرهم ولكنه توقف ليقول :
" ارى انك نجحت في محاولتك السير على الرصيف هذه المرة دون ان يصيبك سوء.
هل فعلت ذلك وحدك؟"

كانت كلماته ناعمة وخفيضة حتى ان النسيم الرقيق لم يستطع
ان يحملها على اجنحته لشخص اخر سوى سابرينا.
وتمتمت تقول دون ان تحرك شفتيها:
" لا....."
وتناهى الى اذنيها صوت نسائي نافذ الصبر يسأل:
" باي....هل انت قادم معنا؟"

فأجاب كاميرون:
" اجل يا روني"
ثم التفت الى سابرين ورفيقيها وقال:
" سأراكم مرة ثانية"
كان الوعد الذي ردده مبهما وموجها الى سابرينا ورفيقيها وقال ابوها:
" رحلة طيبة..."



اما سابرينا فلم تتفوه بشئ.
وران عليها اكتئاب باهت ولكنه تفاقم حينما حمل الريح اليها
تساؤل روني المتعالي عنها وعن ابيها ولكن حدة سمع سابرينا لم تستطع ان تلتقط اجابة باي.
واشتدت قبضة اصابعها على يد العصا البلوطية وكانت سعيدة لان عصاها لم تكن بيضاء حتى لا يدرك اصدقاؤه انها عمياء.
فلن تتحمل نظرة الشفقة في عيونهم واحست بالضيق حين تصورت باي وهويروي لهم قصة الحادث الذي تسبب في فقدها لبصرها وتمنت لو لم تستجب لدعوته الى تناول القهوة اليوم السابق وليتها لم تبح له بمتاعبها فسألت بجدية :
" هل انت مستعد يا ابي؟"

فقد انتابها فجأة رغبة قلقة في الرحيل ولم تجد اي متعة في رائحة البحر وهديره فأجاب ابوها:
" سآتي حالا...هل احضرت كل شئ يا ديبورا؟"
قالت:" نعم.."

وبعد دقائق كان الاثنان يقفان بجوار سابرينا واحاط كتفيها بذراعه
وعاد بها من حيث اتت ولم تحاول ان ترفض مساعدته لانها كانت تبحث عن الطمأنينه والحماية تحت كنف ذراعيه.
وعندما بلغت المنزل وحاولت ان تسدل الستار على ذكرى يوم الاحد لكن الذكرى بقيت ظلا يتراقص بالقرب من حدود عالمها المظلم.
ولما كانت تتذكر مواقع الاثاث في منزلها فأنها نجحت في ان تأخذ طريقها الى الاستديو وتدير المفتاح لتسمع انغام الموسيقى.

ودق جرس الباب الامامي بصوت عال قطع عليها الصمت المطبق المحيط بها واطلقت زفرة ضيق من هذا الشخص الذي اقتحم عليها خلوتها وسارت نحو الباب وقالت:
" نعم.....من انت؟"

سألت سريعا بعد ان عثرت اصابعها على المفتاح. فأجاب الصوت:
" باي كاميرون"
وران عليها هدوء تشوبه الدهشة ظل بضع ثوان ولم يكن صوتها مفعما بالدفء عندما سألته:
" ماذا تريد يا سيد كاميرون؟"
فأجاب بصوت مرح:
" انني ما جئت لكي ابيع فرشاة او بوليصة تأمين او كتبا مقدسة
وانما اعتقد ان السبب الوحيد الي يجعلني اقف امام بيتك هو ان اراك"

" ولماذا تريد رؤيتي؟"
" انني لا اريد ان اتحدث الى صناديق. هلا تنزلين؟"
وتنهدت سابرينا باضطراب امام نبرة الصوت المتحدي فقالت:
" سأكون هناك خلال دقيقة"


وادارت المفتاح وفتحت الباب المؤدي الى السلم الذي يصل ما بين الطابق الثاني ومدخل الشارع وكان يوجد بابان عند السلم احدهما يؤدي الى الكراج في الطابق الارضي.

وسارت اربعة خطوات ثم توقفت وكان باب حديدي على بعد قدم واحدة منها يحول دون دخول المارة وكان باي يقف وراءه سألته سابرينا ببرود:
" ماذا تريد الان...يا سيد كاميرون؟"
سألها بصوت ساخر:
" هل تسمحين لي بالدخول؟"

تخلت عن نزعة الحرب الصامتة وفتحت له الباب وتراجعت الى الوراء وقد تشابكت اصابعها امامها وبدت عليها سمت الجد ومالت برأسها في استعلاء مبهم عندما سألته:
" لماذا تريد ان تراني؟"

" لان السماء صافية والشمس مشرقة
والنسيم لطيف ودافئ ومثل هذا اليوم الجميل يصلح لرياضة المشي.
وتوقفت لاسأل عما اذا كانت تحدوك الرغبة في ان تأتي معي"
وراودها الشك في اخلاص كلماته ولم تستطع ان تصدق ان هدفه من سؤلها ينبع عن رغبة حقيقية في اصحابها.
انه يشعر بالاسف لها. قالت:
" انا اسفة ...غير ممكن."

ورفضت طلبه باعتذار مهذب فسألها:
" غير ممكن.....لماذا؟"
فأجابت وهي واعية لصورة علامات التساؤل والكبرياء التي ارتسمت على حاجبيه:
" لانني اقوم باعداد طبق من اللحم المشوي للعشاء ويجب ان اضعه في الفرن......"

واخذت تتحسس باصابعها الارقام المجسمة الموجودة على ميناء الساعة ثم اردفت تقول:
" خلال خمسة واربعين دقيقة فاذا مشيت معك فلن نقطع مسافة تذكر وسوف نضطر للعودة سريع وبعد انقضاء ساعة لابد ان اضيف البطاطا والجزر والبصل"
" هل هذا هو عذرك الوحيد؟"

فقالت له بحزم"
" انه عذر مقبول"
" اذا كنت تتذرعين بهذا العذر الوحيد فهناك حل, ان تفرغي من اعداد اللحم المشوي
سأقوم بضبط الساعة لكي يشرع الموقد في العمل بعد خمسة واربعون دقيقة . في وسعنا الان ان نضع الطعام في الموقد ونقضي ساعتين سويا في التنزه قبل ان تعودي الى المنزل وتضعي بقية المواد .

وحاولت ان تعترض قائلة:
" ولكن..."
ولم تستطع مواصلة عبارتها لان عقلها كان صفحة بيضاء ...فسألها:
" ولكن ماذا؟ هل ترغبين بالتمتع برياضة المشي؟ انه يوم جميل يجب ان لا نقضيه في البيت"

وتنهدت في سخط واستدارت نحو الباب وهي تقول:
" اوه..حسنا"
وسمعت جلجلة صوته الساخر من موافقتها المتأرجحة وهو يقول لها:
" ادهش كثيرا من انك تتكرمين علي دائما بقبول دعواتي"
واجابت عليه بنبرة حادة:
" ربما لانني اود ان ابحث عن جواب شاف لتقديمك هذه الدعوات"

وسبقها ليفتح لها الباب قبل ان تبحث بيدها عن المقبض ثم قال لها:
" لانك اذا توقفت عن اتخاذ موقف الدفاع عن نفسك كانسانة عمياء فان صحبتك تبعث على السرور"
ومرة اخرى شمخت سابرينا برأسها في هدوء عندما تذكرت الوقت الطويل الذي امضته وهي تبكي حظها.
___________
--------------------
ولما كانت قد بنت حياتها ومستقبلها على اساس قدرة عينيها على رؤية الاشياء التي ستقوم يدها برسمها فأنه من الطبيعي ان تشعر بالمرارة من ظلم القدر لها.
وحتى باي نفسه اعترف بذلك واذا كان اقر الامر فماذا يملك من حق لكي يدينها به؟ واخيرا سألها:
" هل انت مستعدة للرحيل؟"
" يجب ان اتصل هاتفيا بأبي"

قامت بحركات تنم عن عصبيتها وقالت:
" عندما تغادر جارتنا منزلها فان ابي يجب ان يعرف اين اذهب ومتى اعود"
فقال لها ساخرا:
" وخاصة اذا لقيت مصرعك على يد راكب دراجة بخارية لم تكن في الحسبان"

وشدت شفتيها فاتخذت شكل مستقيم ثائر وهي تشيح بوجهها بعيدا عنه ثم تمتمت ساخرة:
"بالتأكيد تشير الى العصا البيضاء. اليس كذلك؟."

ووافق في تراخ وقال:
" اعتقد ذلك. اذهبي واتصلي بابيك هاتفيا"
" شكرا لك...سأذهب بعد ان منحتني الاذن"

اخبرت سابرينا اباها سريعا بأن بيغي غير موجودة في منزلها وانها تتحدث اليه لتعلمه بأنها سوف تغادر المنزل لفترة ولكنها لم تذكرله مع من.

فسألها غرانت لين:
" كم من الوقت ستمكثين خارج البيت؟"
فقالت له:
" ساعتين....سأتحدث اليك بمجرد عودتي"

" اعرف ان الجو صحو ولكن هل انت مضطرة الى البقاء خارج البيت كل هذا الوقت؟ فأنا لا احب فكرة تجوالك في الطريق وحدك"
" سأكون بخير"

وران عليها قلق غريب منعها من ان تخبره بأنها ستكون في صحبة باي كاميرون, ثم اردفت ضاحكة :
" لا تبدأ في القلق"
وانتزع باي من يدها سماعة الهاتف وحاولت ان تنتزعها
ولكن يدها اصدمت بجدار صدره, فتراجعت اصابعها وكأنها اشتعلت بالنار وسمعته يقول:
" السيد لين. انا باي كاميرون....سابرينا ستكون في صحبتي.
ستعود ابنتك وقت يسمح لها ان تعد لك فيه طعام العشاء"

وعندما ابلغه ابوها بموافقته قال له باي وداعا ثم وضع السماعة في مكانها
بعد ان التفت نحوها يقول:
" ابوك يتمنى لك وقتا طيبا"
فتمتمت قائلة شكرا ثم سارعت الى الخزانة لتأخذ معطفها الخفيف.
وحملت عصاها من فوق حامل المظلات. وسمعت باي وهو يفتح الباب فسارعت تمر من خلاله وانصتت وهو يوصد الباب وراءها قبل ان يقتفي خطواتها تهبط درجات السلم وقال لها:
" فكرت ان نستقل حافلة هايد ستريت لنبلغ ميدان جيراردلي. هل توافقين؟"

وكان المرح يشوب نبرة صوته فهزت كتفيها باستخفاف وقالت:
" لك ما تريد"
لم يضف كلمة اخرى لكلامه ولو لم يمسك مرفقها اثناء عبور تقاطع المرور لكان في وسعها ان تسير وحدها حتى تبلغ موقف الحافلة. وفيما عدا كلمة شكرا التي قالتها له وهو يعينها على صعود الحافلة والهبوط منها فانها لم تتفوه بكلمة اخرى معه.
" الم تتخلصي بعد من عبوسك؟"

سألها وهو يخفي ضحكته بينما امسكت قبضته الحازمة
بوسطها حتى يستطيعا اختراق جحافل السياح الذين يعبرون الطريق.
وردت سابرينا عليه ببرود:
" انا لست عابسة"
فقال ساخرا:
" احقا ما تقولين؟"

قالت وما زالت مسحة من الغضب مرتسمة على وجهها:
" ربما قليلا ولكنك تتخذ احيانا مظهر رئيس العمل الذي لا يمكن احتماله"
فقال لها:
" ان عنادك فاق الحد مؤخرا والناس الذين اعتادوا الاهتمام بك لا يحبون التفوه بكلمة لا."
" ونفس الشيء يمكن ان يقال لك"
" انني واثق ان هذا ليس بصحيح"

وادركت سابرينا قبوله المتراخي لنقدها ثم اردف يقول:
"لم يكن الحديث عني انما كنا نتحدث عنك وانت عابسة"
فأجابت قائلة:
" لانك تناقش الامور وتدير دفتها دون ان تسألني"
" وما رأيك في الموقف الان؟ هل تعلنين حالة حرب ام نسير كأصدقاء؟"

وكانت تشعر بعينيه وهما مسلطتان على وجهها عندما استطرد يقول:
" لم تكن الحالة بهذه الصورة السيئة عندما سرنا سوية في المرة السابقة.
واطلقت سابرينا زفرة عميقة وشعرت بنفسها تستسلم لجمال صوته الخفيض فقالت له:
" نسير كأصدقاء"

واستسلمت سابرينا ورأت انه من السهل عليها ان تدع نفسها
تتمتع بدفء قدرته على الاقناع وهو يدير برقة دفة الحديث الذي يناقش الموضوعات
التي لا تحتاج الى جدال.
وقاما بجولة حول النافورة الواقعة في الساحة الرئيسية لمصنع شوكلاته جيرارديلي القديم
الذي تجدد بعد تحويله الى حانوت.

وتوقفا امام مقهى في الهواء الطلق وتناولا بعض الفطائر الرقيقة المحلاة الطازجه.
ثم تابعا السير بجوار نوافذ الحوانيت الكثيرة التي تقع تحت المباني المطلة على الميدان.
وتحداها بي في ان تقوم بتحديد نوع الحانوت عن طريق الصوت او الرائحة.
_______________________________________

ونجحت في محاولاتها عندما وقفت امام محلات الزهور والجلود
وحددت انواع الاكلات التي تقدم في المطاعم المختلفة ولكنها فشلت تماما ازاء حوانيت المجوهرات والهدايا ومخازن الايستيراد.

وتوقفت امام نافذة حانوت واطلقت زفرة مقهورة وقالت:
" حقا بدأت الان افقد قدرتي على التخمين. ارجوك لا حاجة بي الى المزيد من الامتحان"
عفواً لايمكن عرض الرابط إلا بعد التسجيل
واستجاب لطلبها وهو شارد وقال:
" لا حاجة بك الى تحديد نوع الحانوت الذي نتطلع اليه. اننا نقف الان امام بيت ازياء يضع لافتة تحمل اسم ازياء راقية تقدمها جاكوبينا.
انني ارى ثوبا في نافذة العرض واقسم انه اعد خصيصا لك. هيا بنا....."

وفجأة اطبق بذراعه بشدة حول وسطها وهو يقول لها:
" سندخل الحانوت لتشاهدي الثوب.."
وفي الحال توترت اعصاب سابرينا وقالت بحدة:
" انت تتغاضى عن حقيقة واضحة للعيان وهي انني امرأة عمياء و لا تستطيع ان ترى الثوب"

فقال بصبر:
" انا لم اتغاض عن شيئ..يا ملكيتي العمياء وفي وسعك ان تمسحي من مظهرك الكبرياء
الذي ارتسم على وجهك.
اين ذلك الخيال الخلاق الذي كنت تفخرين به في اليوم السابق؟
سأقودك الى داخل الحانوت وسوف ترين الثوب بيدك"

وانتابها احساس بالتأنيب.
ودوى جرس صغير فوق رأسيهما عندما اجتازا الباب وفي الحال بدأت خطوات اقدام تقترب منهما قادمة من نهاية الحانوت وسأل صوت نسائي:
" هل من خدمة اقدمها؟"
اجاب باي:
" اجل...نود رؤية الثوب الموجود في نافذة العرض"

قالت السيدة بأدب:
" اننا لا نبيع هنا ثيابا جاهزة انه نموذج نصنع مثله طبقا لمقاسات الزبونة"
قال باي بصوت يتسم بنعومة خلابة:
" دعيني اشرح لك ما اعني.
الانسة لين عمياء. وانا اعجبت بالثوب المعروض من النافذة وترغب في رؤيته
ولكي تفعل ذلك لا بد ان تلمسه هل هذا ممكن؟"

استجابت المرأة بسرعة وقالت بدفء:
" طبعا..انا اسفة لن يستغرق الامر سوى بضع دقائق لكي ارفع الثوب من فوق الموديل"

وتناهى الى سمعها صوت صادر عن حركة ثوب عقب حديث المرأة وشعرت سابرينا بيد باي تضغط على وسطها ليهدئ من روعها وبعد مضي عدة دقائق اقترب منها حفيف الثوب وقالت البائعة:
" اليك الثوب يا آنسة لين"

وسألها باي:
" هل يمكنك ان تصفيه لها؟"
فأجابت العاملة:
" بالطبع. الآنسة جاكوبينا تطلق عليه اسم الشعلة لان الوانه الاحمر والذهبي والبرتقالي والاصفر تتماوج بتماوج طبقات الشيفون السباعية اشكل والمعقودة على اطرافه
فتبدو للعيان اشبه بالسنة النار المشتعلة"

وصمتت العاملة قليلا بينما راحت اصابع سابرينا تتحسس اطراف الطبقات العديدة.
وقطعت العاملة الصمت لتواصل الوصف:
" ان قصة الرقبه على شكل سبعة كما ان الاكمام
قد حيكت بالشيفون على شكل سبعة وزينت الاكتاف والصدر ايضا بالشيفون"

وواصلت اصابع سابرينا اكتشاف باقي اجزاء الثوب
بعدها استطاعت تكوين صورة عنه بمساعدة الوصف الذي ادلت به العاملة .
وفي النهاية تمتمت سابرينا :
" ثوب جميل"
وسأل باي العاملة:
" ماهو مقاس الثوب؟"

ولما اخبرته العاملة بالمقاس التفت باي الى سابرينا وسألها:
" هل يناسبك الثوب يا سابرينا؟"
فأومأت سابرينا برأسها وقالت:
" اظن ذلك"
فسأل العاملة:
"هل تتجاوزين القواعد وتسمحين لها بقياس الثوب؟"

وكانت نبرة صوته بالغة الاقناع لدرجة ان سابرينا كانت واثقة تماما
من ان احدا لا يستطيع ان يرفض طلبه.
وتنهدت العاملة بعمق ثم ضحكت وقالت:
" لا اعتقد ان هناك اي مانع. لدينا غرفة لتبديل الثياب تقع في الحانوت.
انسة لين...يمكنك ان تأتي معي"
ترددت سابرينا في بادئ الامر ولكن باي حثها على ان تتقدم وقال لها:
" اذهبي...واعرفي كيف يبدو الثوب عليك"
وتنهدت وقالت:
" لماذا تركتك تدفعني الى مثل هذه المواقف؟"
فقال لها:
" سوف تستمعين بهذه المواقف كلما غصت الى اعماقها
واراهنك انك لم تشتري ثوبا جديدا منذ الحادث"
وعارضته سابرينا معاضة ضعيفة:
" انني لا احتاج شيئا البتة"

فقال باي ساخرا:
" ومتى كان ذلك عذرا قويا تتمسك به المرأة؟ الان..
توجهي الى الغرفة وحاولي ارتداء هذا الثوب هذا امر"
قالت:
" سمعا وطاعة... يا سيدي"

ولم تكن سابرينا في حاجة الى ان يجبرها على فعل شئ
وكانت صورة الثوب التي ارتسمت في عقلها وملمسه الثمين قد اثاراها مما جعلها لا تحجم عن ارتدائه ولو لم تستطع ان تعرف النتيجة.

ولكنها اسرعت تخلع ثوبها الرياضي لترتدي الثوب الفاخر.
ولم تطلب اي معونة من العاملة الا عندما ارادت ان جذب السحاب.
والقت براحتها على العاملة وتحركت بعصبية نحو مدخل الحانوت حيث كان باي بانتظارها.
وقالت لاهثة الانفاس:
" حسنا...؟"

وخيم صمت فوق احتمال البشر دام فترة طويلة مالت خلالها سابرينا برأسها جانبا استعدادا للانصات فقال باي ببساطة:
" انت في اجمل صورة يا سابرينا "
وشاركت العاملة في الحديث قائلة:
" يعجز اللسان عن الوصف.انت تديرين الرؤوس.
لا اقول ذلك لانني اعمل هنا ولكن الثوب صمم خصيصا لك.
الموديل مناسب لك تماما واللون مدهش للغاية.
انت لديك نفس مقاسات الموديل التي صمم عليها الثوب"

ومرت سابرينا بأصابعها سريعا على فتحة الثوب ثم سألت وهي تتحسس طيات الشيفون الشفاف:
" هل يمكن..هل انت مستعدة لان تبيعي هذا الثوب؟"
قالت العاملة:

" ليس المعتاد...."
وتوقفت قليلا عن مواصلة الحديث ثم اردفت تقول وعلى شفتيها ابتسامة مستسلمة:
" دعيني اسأل..."
وعندما رحلت العاملة استدارت سابرينا نحو باي وسألته بقلق:
" ها انت متأكد ان شكل الثوب جميل؟"

فاشعل سيكارة وسألها:
" هل انت في حاجة الى المزيد من الاطراء؟"
وانكرت قائلة:
"لا....."

ومرت بيدها سريعا على وسطها وراحت تتأمل بعينين غير مبصرتين الطيات السباعية المتماوجة فوق ذراعها.
وواصلت تقول:
"لانني لا استطيع ان اكون ايجابية."
وانتقل الى جوارها بخطوات اشبه بخطوات القطة ورفع ذقنها باصابعه وقال لها:
" كوني ايجابية لانني اخبرك بالحقيقة, انت جميلة في هذا الثوب"

وتمنت في هذه اللحظة ان ترى التعبير المرسوم على وجهه
في حين انها لم تشك في الاخلاص في صوته ولكن احساسا خادعا
راح يصور لها بأن باي بعيد عنها.
وكانت خصلة من شعرها البني تخفي تقطيبة ارتسمت على جبينها.
فسألها باي قائلا:
" ماذا يضايقك الان؟"

فقالت:
" انا...انا اتسائل متى سأرتدي هذا الثوب"
وكانت سابرينا تثير حقيقة في اوانها ولكن باي اجاب بنبرة متغاضية:
"ستأتي المناسبة التي تتطلب منك ارتداء الثوب, وحينئذ ستشعرين بالسعادة لانك قمت بشرائه"

وتمتمت قائلة: "
لم اسأل عن ثمنه"
وتوقفت عن المضي في الكلام اذ فطنت لشئ ضايقها ولكنها استجمعت نفسها وقالت:
" ليس معي النقود الان. هل تعتقد انني استطيع ان اقدم لهم
بعض المال تحت الحساب ليحجوزوا لي الثوب وسوف اتي انا وابي فيما بعد لسداد باقي الثمن"
واقترح باي قائلا:
" استطيع ان ادفع ثمنه"

وعضت سابرينا شفتها السفلى...
كانت شغوفة بشراء الثوب الذي ارتدته ولكنها غير راغبة في ان تلزم رجلا غريبا بالدفع..
وفي نفس الوقت ليس بغريب.

وكان قبولها للعرض يشوبه التردد فقالت له:
" اذا لم تشعر بالضيق..اكتب لي عنوانك والمبلغ الذي دفعته وسوف اطلب من ابي ان يرسل لك الليلة شيكا بالبريد"
" هل ترفضين قبول الثوب هدية مني؟"
وتراجعت سابرينا الى الوراء وقالت:
" لا اقبله"

ثم هزت رأسها بحزم واستعدت لمناقشة الموضوع مناقشة طويلة اذا حاول من جانبه ان يجبرها على قبوله.
ونفث دخان سيكارته في اتجاهها وهو يقول:
" لم افكر في انك ستقبلين"

وبدا صوته غاضبا ثم استرد يقول:
" حسنا...سأقدم لك المبلغ دينا عليك"
وتنفست سابرينا الصعداء وقالت:
" اشكرك"

ومن ثم قدم لها اقتراحا:
"بدلا من ان يرسل لي ابوك شيكا بالبريد هل لديك اي مانع من ان امر عليكم في البيت بعد ظهر يوم الجمعة؟"
ولاح على وجهها التجهم وقالت:
" اذا احببت..."

" بالتأكيد هذا ما اريد"
وعادت الفرحة الى صوته ومنحته بدورها ابتسامة مرحة. واقبلت العاملة
واخبرتهما بأن المحل على استعداد لبيع الثوب ولم يكن الثمن باهضا كما كانت تتوقع سابرينا وعندما ارتدت زيه الرياضي كان باي يقوم بدفع الثمن.

ولما غادرا المتجر اخبرها بنبأ سئ : انقضت الساعتان وحان الوقت لان يعود بها الى المنزل.
واقترح عليها ان يستقلا سيارة اجرة بدلا من القطار الكهربائي ثم مواصلة السير على الاقدام.

وكانت سابرينا يحدوها الرغبة في ان تطيل فترة الوقت التي تمضيها خارج المنزل ولكنها احست برغبته في عدم الأخير.. لذا وافقت على اقتراحه.

وردد باي كلامه ثانية:
" ساراك في الساعة الثانية من بعد ظهر يوم الجمعة"
وتوقف بعد ان اجتاز الباب الحديدي فسألته:
" هل تحب ان تدخل معي لتناول القهوة؟"

ورفض دعوتها لكنه استدرك قائلا:
" سأحتفظ ببطاقة الدعوة مفتوحة الى يوم الجمعة"
ووافقت سابرينا وعلى شفتيها ابتسامة اسفه:
" حسنا...الى القاء يوم الجمعة"

*******نهاية الفصل الثالث*******

____________________


[/ALIGN][/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN][ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:109%;background-image:url('http://up.arabseyes.com/uploads2013/21_09_15144281477447062.jpg');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]
.










.
[/ALIGN]
[/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]









__________________

حينَ تتجاهلُ كوني لُغزاً....
فإياك وتجاهُلُ كوني همساتُ جنون....
مُدونتي||....тнιѕ ιѕ мє

التعديل الأخير تم بواسطة Florisa ; 09-25-2015 الساعة 02:50 PM
  #4  
قديم 09-22-2015, 09:41 PM
 
الفصل الرابع

[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:109%;background-image:url('http://up.arabseyes.com/uploads2013/21_09_15144281477445341.jpg');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center].















.[/ALIGN]
[/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]
[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:109%;background-image:url('http://up.arabseyes.com/uploads2013/21_09_15144281477448283.jpg');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]



[/ALIGN]
[ALIGN=center]





بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وبلا مقدمات اقدم الفصل الرابع





4_العصا العاجية
*****************
لمست سابرينا باصابعها ميناء الساعة
وعرفت انها تشير الى الثانية وتأكدت
ان الشيك مازال فوق مائدة القهوة حيث تركه ابوها في الصباح.
واتكأت على الوسادة الموضوعة على الاريكة
ودعكت ظهرها لتسترخي عضلاتها المشدودة
وكان من الجنون ان تصل حالتها الى هذا المدى من الاضطراب
والتوتر بسبب قدوم باي كاميرون.

هزت سابرينا نفسها عندما دق جرس الباب الامامي فهرعت الى البهو لتسأل بلهفة:
" من بالباب؟"
" باي كاميرون"
" انا قادمة حالا"

وكادت سابرينا ان تطير فرحا وهي تهبط درجات السلم
وشاعت ابتسامة على وجهها وهي تفتح الباب.
قالت له:
" وصلت في الموعد تماما"
" احاول دائما المحافظة على مواعيدي"
وسبح دفء صوته في الهواء حتى مس وجهها
وهي تفتح البوابة التي راحت تجلجل بصريرها.
قالت له:
" اعددت القهوة..اذا كان لديك فسحة من الوقت للبقاء معي؟"

فأجاب باي:
"لدي بعض الوقت"
وقادته وهي تصعد درجات السلم الى الطابق الثاني
حيث توجد غرفة الجلوس وعندما بلغت الغرفة قالت له:
" خذ مكانك حتى احضر صينية القهوة. الشيك الخاص
بثمن الثوب موجود على المنضدة التي تقع امام الاريكة."

ولم يحاول باي ان يقدم لها اي مساعدة وهي تصب القهوة
وتناول الفنجان الذي قدمته له واشار حفيف الوسائد الصغيرة الى
انه استند بظهره على الكرسي الذي يقع بجوار الاريكة.
وسألها:
" لديك بيت جميل. هل هذه اللوحات المعلقة على الجدران لك؟"
" اجل"

واقرت كلامه وهي تبذل جهدها في ان تثبت الفنجان. وبعد ذلك استطردت تقول:
" ابي يحب المناظر الطبيعية ولهذا اختار هذه اللوحات للبيت.
ولعشقه العظيم للبحر كانت اللوحات تعبيرا صادقا عن مشاهد مختلفة للمحيط"
" وهل هذه هي مجموعتك الوحيدة التي بقيت من اللوحات؟"
ومالت سابرينا برأسها وزمت على فكيها وقالت:
" لا...."

وسألها:
" هل يمكن رؤيتها في وقت اخر؟"
وابتلعت سابرينا ريقها ورفعت رأسها بكبرياء:
" افضل الا تراها"
وهز منكبيه باستخفاف:
" لن اصر اذا كنت لا ترغبين ولكنني اتمنى
لو اعرف سبب رفضك في ان اراها وخاصة انني رأيت من قبل عدة نماذج من اعمالك.
لماذا ترفضين ان ارى بقية الاعمالك؟"

تململت سابرينا بقلق وهي تقبض على الفنجان ثم
وضعته على المائدة وهي تحاول ان تتخذ مظهر عدم الاكتراث:
" سأريها لك"

ولم تكن واثقة من ان نبرة صوته المرحة أو استدراكها لوعيها كانا سببا في تغير رأيها اذ وقفت وادارت رأسها في اتجاه مقعده وقالت له:
" اللوحات موجودة في الاستديو في الطابق العلوي"

ووقف باي بدوره وقال لها:
" تقدمي في الطريق"
وصعدت درجات السلم الى الطابق العلوي وتحسست بيدها الجدار حتى بلغت الباب الثاني.
وعبقت رائحة الالوان الزيتية حولها ودخلت الغرفة ووقفت امام الحائط ثم قالت:
" لم اعد استعمل الغرفة ولا عجب ان شعرت بالضيق منها"

ولم يبادر باي بالتعليق على كلامها ورأى انه في غنى عن ذلك
وكانت تسمع اصوات هادئة وهو يقوم بجولته في انحاء الغرفة
ثم يتوقف احيانا ليلقي بنظرة ملية الى شيئ اختطف بصره
وفي مرات اخرى كانت تسمعه وهو يحرك الاقمشة ليرى اللوحات التي تقع وراءها.

وقال لها:
" كل هذه اللوحات جميلة للغاية....يا سابرينا"
وادارت رأسها في اتجاه صوته الذي تناهى اليها عن بعد عدة اقدام من المكان الذي وقفت فيه وكان قريبا من الباب ثم استطرد يقول:
" من المؤسف ان تحتفظي بهذه اللوحات مخبأه في هذه الغرفة "

وابتعلت الغصة التي تعلقت بحلقها ثم قالت:
" اتفقت مع ابي على ان نبيع هذه اللوحات...يوما ما"
" هل سبق لك ان صنعت تمثالا من الصلصال؟"
" لا...لقد اعتدت ان ان اقوم برسم اي شخص واقف امامي"
فبادر باي شارحا:
" اقصد النحت"

وتحرك باي بخطوات هادئة متأنية حتى وقف الى جوارها.
ولمست يده بخفة ذراعها ليدير جسمها نحو الباب المفتوح وقالت:
" اجل عندما كنت اقوم بدراسة الوسائل المختلفة للتصوير الفني. ولكن علام السؤال؟"
" هل يمكنك ان تستأنفي الان العمل بهذا الاسلوب الذي يناسب فتاة عمياء مثلك"
هزت رأسها وقالت:
" لا...."

وسمحت له ان يقودها الى الردهة وهي شبه غائبة عن الوعي.
كان تساؤله غير متوقع فأطلقت العنان لافكارها
ولكن صوت اغلاق الباب اعادها الى دنياها.
ولم يتطرق الحديث الى موضوعات اللوحات عندما
تركها باي تهبط امامه درجات السلم وتعمد ان يتيح لها الوقت لتفكر بالامر
دون اي محاولة منه لتأثير عليها.

وبالرغم من وجود الرغبة الداخلية التي تجعلها ترفض اي
فكرة تدعوها للاشتغال بأي عمل اخر غير ميدان الرسم الذي اختارته
فان الاقتراح كان بمثابة البذرة التي وجدت التربة الخصبة الصالحة لزراعتها.
قال باي وهو يتناول من يدها فنجانا مملوءا بالقهوة الساخنة:
" اريد ان اسأل فيما اذا كنت مشغولة مساء الغد مع ابيك؟"

وكانت تمسك بفنجان مملوء بالقهوة الى منتصفه وارتج في يدها واجابته متسائلة باستغراب:
" لا...ابي يمضي ظهر ومساء يوم السبت مع ديبورا. لماذا تسأل؟"
فأجاب باي بنعومة:
" فكرت في ان نتناول العشاء في اي مكان. وستكون فرصة ترتدين فيها ثوبك الجديد"

ورفضت قائلة باقتضاب مفاجئ:
" كلا...اشكرك"
" هل انت مشغولة؟"
" كلا...."
سألها وهو غير حافل تماما برفضها البارد:
" اذن هل يمكنني ان اسألك لماذا ترفضين تناول العشاء معي؟"

قالت: "ربما...."
وتوقفت عن مواصلة الحديث وقد رفعت رأسها بكبرياء ثم
وضعت فنجان القهوة فوق الطبق واسندت ظهرها الى الاريكة واستطردت تقول:
" انني لا اتناول الطعام في اماكن عامة حيث ترتطم يداي بالاكواب ويسقط الطعام مني على الارض. انه امر يدعو الى الخجل..."
فعاد باي يقول:
" انني على استعداد لتحمل المغامرة"

قالت وقد نفذ صبرها:
" حسنا. اما انا فغير مستعدة "
وتناولت رشفة من القهوة واحست بلسع سخونته
على لسانها فقال لها بصوت يشوبه المرح:
" ما رأيك في شراء الكبوريا والقريدس من حانوت المرفأ والخبز والسلطات
بكل انواعها ثم نذهب الى قضاء رحلة خلوية في مكان ما يقع على شاطئ منتزه الباب الذهبي"

وترددت سابرينا قليلا وبدا الاقتراح مسليا ولكنها لم تكن واثقة من انها ستقبل دعوته.
واكتشفت انها تحبه وراودها هذا الشعور خلال اللحظات التي كانت تغضب فيها
من عجرفته ومع ذلك ساورها الشك في ان الصداقة الدائمة يمكن ان تنمو وتزدهر بينهما.
فسألها باي:
" هل هي دعوة صعبة لا يمكن قبولها؟"

وكانت سخريته رقيقة جعلتها تشعر انها حمقاء.
وبأنها كانت تبالغ في اهمية الدعوة حتى بدت في اكبر من حجمها فاحمر وجهها وهمست:
" ليس الامر صعبا"
ومالت برأسها نحو الفنجان الذي وضعته لتخفي علامات الحيرة التي لاحت على وجهها ثم استطردت تقول:
" اقبل دعوتك"

" هل تناسبك الساعة السادسة ام انك تفضلين قدومي في وقت مبكر؟"
" السادسة وقت مناسب"
ودوى فجأة صوت ارتطام جسم بالارض فرفعت رأسها فزعة وقالت:
" ماهذا؟"

فأجاب باي قائلا:
" انه شئ صغير اشتريته لاقدمه هدية لك. كنت انوي اعطاءه لك في وقت مبكر
الا ان الحديث انساني. كنت قد اسندت الهدية على المقعد
ولكنني دفعتها عفوا فسقطت على الارض. اليك الهدية."

ووضع باي صندوقا طويلا ونحيلا في حجر سابرينا بعد ان رفعت الفنجان ووضعته فوق المنضدة واسترخت يداها بلا حراك فوق البطاقة.
وسألته بقلق:
" لماذا اشتريت لي هدية؟"


فقال:
" لانني رغبت في...ولكن ارجوك الا تعيديها لي لانها لا تفيديني
اوتفيد اي شخص اخر. واشك في اعادتها للمتجر."
ومالت سابرينا برأسها نحوه في تعجب وسألته:
" ماهي الهدية؟"
فأجاب باي:
"افتحي الصندوق وسوف تعرفين فحواها بنفسك"

وبدأت اثار الاضطراب العصبي واضحة عليها وهي تفض الشريط الذي يحيط بالصندوق
ثم وضعتها على الاريكة واحست بنظراته وهي تراقبها فازداد نبض قلبها ولامست اصابعها المترددة نسيج الورق الذي اصدر حفيفا رقيقا وهي تبعده لتعرف ماذا يخفي تحته.

كان الجسم الموضوع في الصندوق مستديرا وصلبا اسطواني الشكل
غير محدد المعالم وشعرت سابرينا باستطالته فالتفت يدها حوله لترفعه من الصندوق
ولكنها تركته بغتة في مكانه وقبضت يدها بشدة وهي تضعها في حجرها.
واعتصر معدتها الم حمضي عندما سألته في اتهام قاس:
" هل هي عصا بيضاء؟"

فأجاب باي وصوته خال من اي احساس باللوم او التقريع:
" اجل ولكنني احب ان تعرفي انها ليست عصا بيضاء عادية"
ونقل الصندوق من فوق حجرها جانبا واطبقت على شفتيها
بشدة وتشابكت يداها في قبضة مستميتة الا ان اصابع باي اطبقت على رسغيها
لتفرق بينهما وهو غير مكترث بالمقاوة التي تبذلها للحيلولة دون نجاح غرضه.

واطلق سراح احدى اليدين بينما امسك الاخرى بمجهود قليل
ودفع بمقبض العصا الى راحتها واجبر اصابعها على الالتفاف حوله
وكان السطح الاملس والناعم هو اول انطباع عن العصا
ثم لمستها الحساسة جعلتها تشعر بالنقوش التي زينتها واكتشفت
اطراف اناملها تصميم هذه النقوش وانقضت بضع دقائق تابعت اصابعها الخطوط الحلزونية الدقيقة التي امتدت عبر العصا حتى نهاية المقبض.
حيث استطاعت ان تحدد معالم تصميمه الذي اعد على شكل رأس التنين.

وقال باي موضحا:
" انها عصا صنعت من العاج رأيتها من نافذة محل تحف صيني من عدة ايام"
فقالت سابرينا مترددة:
" انها جميلة للغاية لابد انها ثمينة لا استطيع قبولها"

واسترخت قبضته على يدها ولم تعد تجبرها على مسك العصا ولكنها ظلت في موضعها لبضع دقائق حتى يتبين تصرفاتها واستطردت سابرينا تقول:
" لابد انها ثمينة لا استطيع قبولها"
وتجاهل اليد الممدودة بالعصا وقال:
" ان التصميم رائع ولكن من الصعب ان نعتبرها قطعة فنية. انت ترفضين قبولها لانها بيضاء..."

قالت:
" لا استطيع قبولها"
فقال لها باي بهدوء:
" وانا لا استطيع ان اعيدها"
فقالت:
" انا اسفة..."
ودفعت العصا الى يديه وتركتها ووجد نفسه مجبرا على اخذها.

وعادت سابرينا تواصل الحديث:
" اعرف انك كنت تحاول ان توليني كثيرا من اهتمامك ولكنك تعرف رأيي في موضوع العصا
قبل ان تشتريها يا باي. حقا ان العصا فريدة من نوعها وجميلة ولكنني لا استطيع قبولها.
انا مرتاحة لعصاي"

" هل هذا جوابك النهائي؟"
" اجل"
اجابت سابرينا بحزم واصرت على عدم الاستسلام او حتى
الشعور بالذنب لانها رفضت قبول هديته فتنهد باي قائلا:
" اعتقد انني اذا واصلت محاواتي لاقناعك بتغيير رأي فانك ستنقضين
موافقتك على الخروج معي مساء الغد"
وهزت كتفيها وهي تأمل ان لا يضعها في موقف محرج ثم قالت:
" من المحتمل..."

" اذن سأوفر مناقشاتي الى وقت اخر"
وتردد صوت حفيف الورق ووضع الغطاء على الصندوق ثم واصل باي حديثه محذرا اياها بسخرية:
" تذكري...اني لم استسلم بعد وانما اجلت المعركة "
فأجابت سابرينا بعناد ولكن آثار ابتسامة ارتسمت على شفتيها:
" لن اغير رأيي"
" وانا قبلت التحدي"

واستطاعت ان تسمع اجابته الضاحكة في صوته واستطرد يقول
" هل استطيع ان اتناول فنجان اخر من القهوة مادمنا نواصل مناقشة الشروط؟"
" طبعا"

ولم يتطرق الموضوع ثانية الى موضوع العصا العاجية ولكن بعد مضي نصف ساعة من رحيل باي كاميرون
حاولت سابرينا ان تتأكد من انه حمل معه الصندوق ولم يحاول نسيانه بطريق الصدفة ولكنها اكتشفت الطريقة التي خدعها بها باي في المساء عندما عادت ديبورا وسألتها بصوت يشوبه الفضول والدهشة:
" متى حصلت على هذه ....يا سابرينا؟"
واستدارت برأسها في اتجاه صوت ديبورا وسألتها:
" ماهي...."

" عصا عاجية. المقبض على شكل تنين ونقوش على الجوانب
عثرت عليها ملقاة على الارض بجوار المقعد. هل تخفين عنا شيئا؟"
فقالت سابرينا بتجهم:
" لا...لم احاول اخفاء شئ"
وهمست ديبورا قائلة:
" انها لطيفة...اين عثرت عليها؟"

واشترك السيد لين في الحديث قائلا:
" اجل..اين عثرت عليها؟ لم ارها من قبل.
هل هي الشئ الاخر الذي قمت بشرائه في اليوم السابق عندما كنت بصحبة باي كاميرون؟"
قالت سابرينا:
" يجب ان تعلم يا ابي انني لم اشتر عصا بيضاء
أو بالاحرى عصا عاجية انها هدية قدمها لي باي وطبعا رفضت قبولها. وظننت انه حملها معه"

وسألتها ديبورا بتعجب:
"رفضت قبولها؟ لماذا رفضت قبول شئ جميل كهذا؟"
فقالت سابرينا باستعلاء:
" لانني لا اريدها"

وغاصت الوسادة الناعمة اتي كانت تقع بجوارها عندما القى ابوها بجسمه الثقيل عليها.
وسألها ابوها بصوت رقيق:
" الا تظنين انك تصرفت بحماقة يا حبيبتي؟
كلانا يعرف تماما انك رفضت قبول العصا لانها بيضاء
ولم يكن رفضك اياها لانها غالية الثمن او غير جميلة انت تعتقدين بأن العصا البيضاء
تعلن للجميع بأنك فتاة عمياء. ولكنك لا تستطيعين الهروب من هذه الحقيقة
برفضك استخدام عصا بيضاء"

فقالت باقتضاب:
" لكنني لا اريد ان اعلن هذه الحقيقة "
وجادلها غرانت لي قائلا:
" لابد ان الناس تعرف....ولا اهمية لاي نوع او لون تكون عليها عصاك.
بحق السماء... ليس هناك اي خجل من ان يكون الانسان اعمى"

فقالت سابرينا بسرعة:
" انا لست خجلة من امري"
فتنهد قائلا:
" احيانا تتصرفين كما لو كنت خجلة"
فقالت متحدية مرفوعة الرأس:
" اعتقد انك ترى انه من المحتم علي استعمالها"

" انا ابوك يا سابرينا. تخلصي من هذه الرجفة التي تعتلي كتفيك"
وخففت نبرة التقريع اللطيفة التي شابت صوته من حدة بروز ذقنها فاستطرد يقول:
" انت فتاة ناضجة فلا تجبريني ان اشير عليك بما يجب ان تفعليه
فانت قادرة على معرفة التصرف الصحيح والعاقل.
وقبول العصا او رفضها رهن بقرارك وحدك"
ووقفت سابرينا قائلة:
" استأذن في التوجه الى غرفتي"
وكانت تعرف انه من الصعب عليها ان تستمر في المناقشة
مع ابيها بالمنطق حيث تحس بالضياع.
وسألته ديبورا بتردد:
"ماذا افعل بالعصا؟"

فأجاب الاب:
" ضعيها الان في حامل المظلات وفي وسع سابرينا ان تقرر ما تريد ان تفعله قبل ان يأتي باي كاميرون مساء الغد"

وقبل ان تضع سابرينا قدمها على اول درجة من درجات السلم الى الطابق العلوي حيث غرفة نومها سمعت ديبورا تسأله:
" باي كاميرون قادم مساء الغد..لماذا؟"
فأجاب الاب:
" سيصطحب سابرينا الى المرفأ"
فسألته خطيبته بدهشة غير مصدقة:
" هل تعني موعد غرام؟"

" يمكنك ان تطلقي عليه ذلك. اتصل بي هاتفيا بعد ظهر امس
وانا في مكتبي عقب لقائه بسابرينا وسألني اذ كان لدي اي اعتراض على خروجه معها ولم استطع ان اسأله على نواياه لانني سأبدو له وقحا في سؤالي
في حين كان رقيقا في معاملته لها"
" هل اشار الى العصا؟"
فأجاب:
" كلا..كانت مفاجأة لي"

حسنا...تنفست سابرينا الصعداء على الاقل لم يكن لابيها ضلع في المؤامرة التي دبرها باي كاميرون.
وانتابها القلق عندما راودتها الرغبة بالتأكد ان اباها لن يدبر شيئا اخر لخداعها حتى تحقق رغبته. وكذلك كان عليها ان تسلم بأن باي لم يجبرها على قبول العصا العاجية وانما تركها ببساطة ووجودها خلق ازمة ولكن شكرا لحكمة ابيها.

*****
بضع دقائق قبل الساعة السادسة جلست سابرينا على الاريكة وراحت تقرض طرف اظافرها. وللمرة الثانية تأكدت من وجود سترتها الجلدية ملقاة على ذراع الاريكة ولكن رنين الجرس اعادها من حالة التأمل الى دنياها.

وجذبت بسرعة السترة ووضعت محفظة نقودها الصغيرة في حقيبة يدها
ومررت يدها سريعا على شعرها الذي استرسل على كتفيها
لتثبت خصلاته المتنافرة في الشينون المعقود فوق رأسها وسمعت باي كما توقعت.
وتمتمت قائلة:
" انا قادمة"

وقبضت يدها على مقبض الباب ولكنها ترددت
اذ تطلعت عيناها المظلمتان الى حامل المظلات وامتدت يدها نحو العصا البلوطية
وظلت ساكنة لبضع دقائق ثم اطلقت زفرة بعدها ابعدت يدها عنها
ثم راحت تبحث بشغف عن العصا العاجية .
وهبطت درجات السلم ببطء وفتحت الباب الخارجي ثم اوصدته وراءها
وشدت كتفيها وهي تتجه نحو البوابة الحديدية وباي...الذي استقبلها قائلا:
" استغرقت وقتا طويلا حتى بدأت اتسائل عما يعوقك عن القدوم"

وكذبت سابرينا قائلة:
" كان علي ان اضع السترة على كتفي"
وانتظرت منه التعليق على العصا العاجية ولكن باي قال وهو يفتح لها البوابة الحديدية ويلحق بها عند الرصيف :
" سيارتي تقف عند المنعطف"

ووضع يده على مرفقها وراح يقودها الى السيارة وترقبت مفاجاة التعبير عن انتظاره
وهو يساعدها على دخول السيارة
ولما كان باي صامتا لا يتفوه بكلمة بعد ان مضت بهما السيارة واتجهت الى الطريق
وجدت نفسها لا تستطيع الاستمرار بالسكوت حتى يختار هو اللحظة
التي يتكلم فيها فقالت له بتحد وهي تدير رأسها نحوه:
" حسنا؟"
سأل باي بهدوء:
"حسنا...ماذا؟"

" الا تقول شيئا عن العصا؟"
قال بصوت هادئ وخفيض:
" ماذا تتوقعين مني ان اقول؟"

فقالت له بأتهام:
" اظن انك تشعر بالغرور بنفسك.... انك تركت العصا عن عمد"
اجاب باي:
" قدمتها هدية لك وانا لا استعيد هداياي والامر كان متروك لك تفعلين بها ما تشائين ولم اصر ابداعلى استعمالك لها ولن امنعك من رميها في سلة المهملات"

فقالت له:
" حسنا..لقد قررت استعمالها"
قال لها والسيارة تنحدر عبر التل:
" انا سعيد ولكن هل ندع الان الحديث عن العصا؟"
وتنهدت سابرينا قائلة:
" نعم"

ويبدو انها كانت ترغب في كل مرة ان تعرف كيف يكون رد الفعل عليه
ولكن باي لم يحقق لها رغبتها. ربما انتابه شعور بالانتصار
أو كان مصيبا بعض الشئ في سلوكه الا انه ظل هادئا.
وفي الواقع كان من الخطأ ان تستسلم سابرينا لمشاعر الحنق ضده.

فهي وحدها التي اتخذت قرار استخدام العصا ولم يكن باي صاحب القرار وهذا ما يعرفه حق المعرفة. وعندما بلغ باي نهاية الطريق المنحدر استدار بالسيارة مرة اخرى وقال:
" فكرت ان اقف بالسيارة عند ميناء اليخوت ثم نسير بمحاذاة البحر حتى دكان مرفأ الصياد هل توافقين؟"
" حسنا"

وتوقفت السيارة في الموقف واغلق باي ابوابها ثم شرعا في السير وقد تأبط ذراعها اليسرى بيمناه. وراحت طيور النورس تصرخ في السماء وهما يعبران فورت ماسون ويقتربان من ارصفة اسطول السمك. وتغيرت رائحة الهواء المعبقة بالملح المندى برائحة السمك.

وبالرغم من ان هدفهما كان التوقف عند الاكشاك التي تبيع الاطعمة البحرية الا انهما قررا متابعة السير ثم العودة ثانية.
وكان الطريق مزدحما بالسياح الذين راحوا يكتشفون مواقع المنطقة ويتدافعون بمناكبهم وهم يستنشقون الهواء كما كان سابرينا وباي يفعلان.

وعند نهاية الدرابزين عبرا الشارع الى صفوف من الدكاكين ثم قفلا راجعين حتى بلغا اكشاك الاطعمة البحرية ورفعت سابرينا وجهها تستقبل النسمة المملحة ثم سألت:
" هل الضباب قادم؟"

اجاب باي:
" بدأ يحجب القناطر العالية لغولدن غيت (البوابة الذهبية) وتلال مارين شمال الخليج.
وربما تزداد كثافة الضباب في الليل "
فابتسمت سابرينا ابتسامة شيطانية وقالت:
" وفي هذه الحالة سأعود بك الى السيارة"
وضحك باي ضحكة مكتومة فرفعت رأسها نحوه في استغراب وسألته:
" من اين حصلت على اسم باي؟"

قال مداعبا:
" اعطاني والدي اياه..هل تظنين انني اطلقته على نفسي؟"
سألته وهي تحاول ان تغير دفة الحديث:
" هل مازال والداك على قيد الحياة؟"
" اخر مرة سمعت انهما مازلا على قيد الحياة ويقضيان شهر عسل ثان في اوروبا"

ثم شد على ذراعها محذرا اياها وقال:
" عليك بالهبوط درجة هنا"
وسألته سابرينا مرة اخرى:
" هل باي اسم العائلة؟"
فقال باي موضحا:
" اتمنى ان يكون ولكنه ليس اسم العائلة
انما اشتقوا الاسم من سان فرانسيسكو باي الذي شاهدته امي من نافذة المستشفى.
فهي مولودة هنا في
سان فرانسيسكو وترعرعت هنا ايضا وشاهدت الخليج الاف المرات.
وانت كيف اطلقوا عليك اسم سابرينا؟"
" امي احبت موسيقى الاسم..انه رومنسي"

فقال ساخرا:
" وانت لست رومانسية"
فأبتسمت بفتور:
" ربما قليلا"

قال باي ليغير بسهولة دفة الحديث:
" سرنا اكثر من ساعة...هل تشعرين بالجوع؟"
" اوشكت على الجوع"
" كان يجب ان تقولي ذلك"

وهزت كتفيها باستخفاف وقالت ضاحكة:
" ان الطعام في الجانب الاخر من الشارع. يكفي ان اتتبع الرائحة التي تلتقطها انفي"
فسألها:
" هل انت متأكدة انك لا ترغبين في تناول الطعام في احد المطاعم هنا؟"
اوقفها حتى تمر سيارة كانت تعبر الطريق بهدوء فقالت له بحزم:
" بالتأكيد"

وعلى طول اكشاك الاطعمة البحرية راح باي يختار الكبوريا المطهوة ورغيفا مستديرا من الخبز وسلطة وكوكتيل القريدس بينما سابرينا ضغط على معدتها الجائعة التي اثارتها رائحة الطعام اللذيذة.

وعندما انتهى باي من الشراء ناولها الحقيبة وسألها ان تنتظر قليلا حتى يشتري زجاجة مشروب.
وداعبت دغدغة خفيفة ظهرها ,قبل ان تلمس يده ذراعها معلنة عن عودته.

من الواضح ان لديها قدرات من تبادل الخواطر مع غيرها حتى تخبرها بميعاد اقتراب باي منها.
وسألها :
" هل انت مستعدة لنزهتنا؟"

وفي هذه اللحظة زأرت معدتها تطالب بالطعام فانفجرا ضاحكين.
وتناول حقيبة الطعام منها وكانت يدها التي تعلقت بذراعه اقرب الى المصاحبة منها الى طلب ارشادها للطريق التي يسيران فيها متجهين الى ميناء اليخوت والشاطئ المتاخم له .
وعندما بلغا حافة الميناء احست سابرينا بأن الضباب بدأ يزداد كثافة فقالت بأنين غاضب:
" انه رذاذ المطر"

فتنهد باي قائلا:
" على ما يبدو ان السماء ملبدة بالغيوم وكذلك الضباب"
فاقترحت سابرينا قائلة:
" في وسعنا ان نحمل الطعام الى المنزل"
" عندي فكرة افضل. يختي مشدود الى رصيف المرفأ. يمكننا ان نتناول الطعام على ظهره.
فما قولك؟"

فابتسمت قائلة :
" اعتقد ان هذا المكان اكثر بهجة من المنزل"
انتظرت سابرينا على رصيف المرفأ حتى قام باي بترتيب الطعام
في اليخت ووقف ومد ذراعيه واحاط وسطها براحتيه ورفع جسمها ووضعه على ظهر اليخت
وظل ممسكا بها حتى استقرت قدماها على الارض
وزاد المطر من رائحة العطر الذي يستخدمه بعد الحلاقة
واحست بظهر اليخت الذي تطأه بقدميها يتحرك حركة منتظمة مع ارتطام مياة الخليج بجسمه.

قالت سابرينا وقد شاب صوتها نبرة غريبه:
" مضى وقت طويل منذ ان وطأت قدماي سطح الماء.
ان برودته تبعث رعشة خفيفة في ساقي"
وبدا هذا التبرير معقولا.... يوضح سر ضعف اطرافها.
والتفت ذراعه بقوة حول وسطها ليقودها الى اسفل اليخت.

وعندما تأكد من انها تشبثت بشئ ما هبط درجات السلم امامها حتى يلتقطها بذراعيه اذا ما تعثرت قدماها.
ولما استقر بهما المقام في اسفل اليخت اخبرها بمكان المقاعد وتركها تأخذ سبيلها اليها. وسألها:
"هل تحبين الابحار باليخت؟"

واشار حفيف الحقائب الى قيامه باخراج الطعام منها استعدادا لتناوله وقالت بحسرة:
" احب ذلك... فقد اعتدت الاستمتاع بالرحلات البحرية مع ابي"
سألها بصوت خفيض حاد مشوب بالدهشة:
"الم تبحري ثانية منذ الحادث؟"

قالت:
" اوه...عدة مرات وكان علي ان امكث في اسفل اليخت لان ابي لا يجيد السباحة
وكان يخشى ان اسقط في الماء من فوق السطح فيعجز عن انقاذي.
اما انا فأحب ان اجلس على متن اليخت حتى احس بالريح المملحة
تلسع وجهي والامواج تتكسر على مقدمة السفينة.
وعندما فقدت هذه المتعة لم اعد ارغب بالخروج ثانية"
" الا تخشين الان السقوط في لبحر؟"
وهزت كتفيها باستخفاف: "لا...."

وقدم لها باي كوكتيل القريدس ثم اتخذ لنفسه مقعدا في مواجهتها
وراحا يتناولان الطعام في ببطء ويتبادلان الحديث الذي تركز لفترة حول الرحلات البحرية
ثم تحول الى موضوعات اخرى مثيرة ... رشفت سابرينا قليلا من الشراب وقالت:
" اعتدت ان اراقب الناس عن كثب واقوم بدراسة ملامح وجوههم.
ان موقف الانسان من الحياة مكتوب على وجهه. النظرة المتجهمة للمتشائم,
والسلطة في وجه القائد, و الرضا في وجه رب الاسرة وهناك اشياء عديدة اخرى
ولكن ليس من السهل ان اعتمد على الاصوات لتحديد ملامح الوجوه ولكنني
واصلت التدريب بالرغم من ان المهمة كانت شاقة لادراك تعبيرات الوجوه من اصوات اصحابها"

وسألها باي متحديا اياها ساخرا:
" وماذا عرفت عني؟"
وتراقصت لمحة يأس على شفتيها وقالت:
" حسنا... انت شخص واثق من نفسك الى حد الكبرياء اعتدت على فرض سلطتك على الاخرين وتحب ان تتمتع بالرحلات خاصة البحرية منها ولك سجية سريعة ولكن في وسعك ان تكون عميق التفكير اذا لزم الامر"

" وهل تصورت وجهي من خلال صوتي؟"
واحنت سابرينا رأسها بسرعة لتتوارى عن نظراته وقالت:
" انها صورة مشوشة لملامح قوية"
ودفعت بالطبق بعيدا عنها وقالت:
" الطعام جيد"
وسألها باي بهدوء. متجاهلا محاولتها لتغيير دفة الحديث الى الطعام:
" لماذا لم تطلبي مني ان تتطلعي الى وجهي؟"

وتلعثمت وهي تسأل:
"ما....ماذا"
فقال موضحا:
" كما فعلت يوم شراء الثوب"

ورفرف المرح على حافة صوته عندما رأى القلق يعتريها فاندفعت
تغير من وضعية جلستها على المقعد لان مجرد التفكير في اكتشاف وجهه بيديها
كان كفيلا بأن يشيع الاضطراب في نفسها. واردف باي يقول:
" يمكنني ان اكمل لك وصف الاجزاء. شعري اخضر وعيناي ارجوانيتان وتوجد ندبة طويلة قبيحة على جانبي وجهي اخفيها بلحية كثيفة خضراء اللون وهناك رسم جمجمو وعظمتان متقاطعتان فوق جبيني ولن اخبرك بشكل الصورة المنقوشة على صدري"


وتحولت الابتسامة التي تعلو شفتيها الى ضحكة عندما انتهى من عرض صورة لملامح وجهه واردف يقول:
" الا تصدقينني؟"
فاستمرت بالضحك ثم قالت بعد ان خف توترها:
" بالكاد...فان جارتي اخبرتني من قبل ان شعرك بني يميل الى الاحمرار وكذلك عيناك"

وصحح باي كلاما قائلا:
" في لون القرفة كما تقول امي. كنت شغوفة على الاقل لمعرفة كل شئ عني"
فقالت وهي تحاول ان تجعل اجابتها عابرة:
" بالطبع"
فسألها:
" وماذا قالت جارتك عني ايضا؟"

وكانت سابرينا تعزف عن الاشارة الى ما قالته لها بيغي عن رجولته فأجابت مراوغة:
" بيغي لم تحسن وصفك"
فقال متحديا :
" من الافضل ان تتبيني الامر بنفسك"

وسمعته وهو يرتب الاواني ويعيد الاطباق واتاحت لها تحركات باي
الفرصة للتفكير في العثور على عذر يساعدها على تجنب مهمة اكتشاف ملامحه
وبذلت ما في وسعها ولكن جهودها باءت بالفشل في العثور على هذا العذر بحيث لا يكشف شعورها بالخوف من هذه الالفة التي ابداها باي.

وعندما عاد لم يجلس في مقعده الاول وانما اختار مقعدا الى جوارها
وقبل ان تبدي ادنى معارضة اخذ معصميها بيدين رقيقتين لكنهما حازمتان
ورفع راحتها الى وجهه وزجرها برقة وهي تحاول ان تنأى بهما بعيدا. وقال لها:
" لا حاجة لك بالشعور بالخجل ان الامر لا يدعو للحرج"

وشعرت بالمعالم الصلبة لفكه القوي تحت يدها التي راح يضغط عليها وهي تسير على جانبي وجهه واطلق سراح يدها عندما تلاشت مقاومتها.
وكان دفء حرارة جسمه يخفف من برودة اصابعها فبدأت سابرينا رحلة استكشاف معالم وجهه وحدها.

وانطلاقا من خط الفك اخذت اطراف اناملها تسري على خديه
حتى وصلت الى عظمتي الوجنتين ثم فوق رموشه المعقوسة
وبعد ذلك تحسست حاجبيه الكثيفين وجبينه العريض وشعرت بشعره الكثيف
المتماوج قليلا الذي تشبع بندى الضباب ورذاذ المطر ووجدت انفه الروماني محدب الشكل
يتناسب مع كبريائه وبدا على شفتيه الحزم الرقيق
وعندما انتهت من فحص زاوية ذقنه القوية القت يديها جانبا.

وفكرت سابرينا باقتناع ان وجهه حقا ينبض بالرجولة ولا جدال في ذلك.
ولا يمكن ان يصفحه احد بأنه مليح الوجه فقط وانما
بالتأكيد مثير ايضا يجذب اليه الابصار ويدير الرؤوس عندما يدخل الى اي غرفة.
وسألها باي بصوت رقيق ناعم:
" ما الحكم؟"

وحدست ان رضاها قد انعكس في التعبير الذي ارتسم على ملامحها
واشاحت برأسها بعيدا عن نظراته التي شعرت بها مركزة على وجهها.
اجابت باستخفاف كاذب:
" الحكم هو...انني احب وجهك"

ووضع احد اصابعه تحت ذقنها وادار رأسها نحوه وهمس برقة:
" وانا احب وجهك..ايضا"
ومن ثم امسك باي يدها بقبضته وقال لها:
" هيا بنا نذهب الى احد المطاعم لنشرب فنجان قهوة"

ووافقت سابرينا بترحاب على مغادرة اليخت
لسبب ما احست ان الارضية التي تقف عليها غير مستقرة تحت قدميها
وهي ترغب في العثور على ارض صلبة لتشعر فوقها بالاطمئنان.

وكانت الساعة تجاوزت العاشرة ببضع دقائق عندما اوقف باي سيارته
امام منزلها وسار معها حتى البوابة الحديدية فالتفتت نحوه سابرينا وقالت بتردد:
" امضيت وقتا طيبا معك...اشكرك"
" وانا ايضا...ومن ثم لا حاجتة بك لتقديم امتنانك.
سأقضي الاسبوع القادم كله في لوس انجلوس وعند عودتي سأتصل بك هاتفيا"

قالت:
" ليس هذا ضروريا"
وكانت سابرينا تتمنى ان لا يفكر باي في انه قد اصبح واقعا تحت اي التزام يجبره على رؤيتها ثانية.
قال:
" اعرف انه ضروري. وداعا يا سابرينا. سأنتظر في السيارة حتى ارى النور في غرفتك وتأكدي من اطفائه عند الذهاب للنوم. هل يمكنك ان تفعلي ذلك؟"

وهزت رأسها قائلة:
" اجل. وداعا....باي"
وعبرت الباب الحديدي واوصدته وراءها... وسارت نحو باب البيت وهي تشعر بنظرات عينيه تتبعانها...هاتان العينان البنيتان في لون القرفة التي تتماشى مع شعره البني.

******نهاية الفصل الرابع******



استودعكم الله



[/ALIGN][/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN][ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:109%;background-image:url('http://up.arabseyes.com/uploads2013/21_09_15144281477447062.jpg');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]
.










.
[/ALIGN]
[/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]









__________________

حينَ تتجاهلُ كوني لُغزاً....
فإياك وتجاهُلُ كوني همساتُ جنون....
مُدونتي||....тнιѕ ιѕ мє

التعديل الأخير تم بواسطة Florisa ; 09-25-2015 الساعة 02:53 PM
  #5  
قديم 09-22-2015, 09:52 PM
 
الفصل الخامس

[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:109%;background-image:url('http://up.arabseyes.com/uploads2013/21_09_15144281477445341.jpg');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center].















.[/ALIGN]
[/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]
[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:109%;background-image:url('http://up.arabseyes.com/uploads2013/21_09_15144281477448283.jpg');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]



[/ALIGN]
[ALIGN=center]





بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته




5-رحلة عمل
*********************
توجهت سابرينا الى جهاز الاستريو وادارت بعصبيه المؤشر لتوقفه.
لم تجد في الانغام الموسيقيه ما يرضيها بل لم تجد ادنى رغبة في الطهو أوالتنظيف..
.حتى لو احتاج الامر الى ذلك.

وسئمت كذلك القراءة لانها تحتاج الى تركيز كثير منها في حين انها كانت شاردة الذهن وقلقة.
وهتف بها صوت داخلي يلقي اللوم على باي كاميرون لانه كان السبب الحقيقي
وراء هذه الصورة التي الت اليها ولم تعرف لماذا اثرت عليها رحلة العمل التي قام بها باي
الى لوس انجلوس كل هذا التأثير.

كانت نوبات القلق تنتابها كثيرا من قبل وحتى قبيل الحادث لكنها كانت تعرف كيف تتغلب عليها
بتكريس كل طاقتها للرسم اما الان. فليس لديها اي متنفس ترجع اليه.
" هل حاولت تشكيل اي تمثال بالنحت؟"

خيل لها صوت باي يتحدث بوضوح في عقلها كما لو كان يقف الى جوارها.
واحست ان البذرة التي غرسها منذ عدة ايام بدأت تؤتي ثمارها.
وقبل ان تغير رأيها اتصلت بالهاتف بمخزن الادوات الفنية
وطلبت سام كارليل وتقلصت اصابعها بعصبية على حبل الهاتف
وبعد عدة دقائق سمعت صوتا فأردفت تقول:
" اهلا سام...انا سابرينا"

فصاح بدهشة تخالجها الشجاعة:
" سابرينا....كيف حالك؟"
ثم تغيرت نبرة صوته في الحال وقال:
" اسمعي...انا اسف. مضت مدة طويلة لم اتصل بك هاتفيا
أو اتوقف للسؤال عنك ولكن على اي الاحوال..."
فقاطعته بسرعة وقالت:
"كل شئ على ما يرام. في الواقع انني اطلب منك ان تؤدي لي خدمة"
" اطلبي ما تشائين وسوف البي طلبك"
" هل في وسعك ان تبعث لي رسولا معه صلصال وادوات نحت زهيدة الثمن؟"

فسألها مشدوها:
" هل عزمت على ممارسة النحت؟"
قالت سابرينا:
" سأحاول.ولهذا اطلب منك ان ترسل لي الادوات الضرورية حتى ارى
ما اذا كانت المحاولة تستحق الاستمرار او انفض يدي منها"
فقال سام:
" اعتقد انها فكرة رائعة...ضربة عبقرية"
" هل يمكنك ارسال الادوات مع رسول؟"

" اتمنى ان آتي بنفسي لو سمح لي العمل ولكن عندي موظف
سيغادر المخزن بعد عشر دقائق وسيكون منزلك هو اول محطة له"
وشاعت البهجة في وجهها وهي تقول:
" شكرا لك يا سام"

قال وهو لا يعير اهتماما لايات الشكر التي طوقت عنقه بها:
" اسمعيني...انا اسف لانني لم اقدم لك اقتراحا كهذا من قبل.سوف تصلك الادوات حالا.
سوف نلتقي قريبا. اليس كذلك؟"
فقالت سابرينا:
" اجل يا سام...قريبا"

وبعد مضي نصف ساعة وصلت الادوات وكانت سابرينا
قد نظفت مكانا صغيرا في الاستيديو حيث تستطيع ممارسة عملها
اما في المساء ستعهد الى ابيها برفع بقية الادوات الثقيلة.
وكان الرسول تطوع بحمل الطرود الى المكان الذي ترغب به سابرينا
حتى يوفر عليها مجهود نقلها الى الاستديو.
تراقصت رعشة من الاضطراب في سلسلتها الفقرية وكان قميصها الفضفاض القديم
معلقا وراء الباب تنبعث منه رائحة الالوان الزيتية وسوائل التنظيف حيث كانت ترتديه فوق ثيابها
اثناء الرسم لحمايتها من الاتساخ فارتدته ثم سارت نحو مائدة العمل
وهي تحدث نفسها قائلة: قريبا سوف يمحو عبير الصلصال هذه الرائحة.

وانهمكت في العمل وتلاشت من حسابها مشكلة الزمن
وواصلت تشكيل تماثيل بسيطة واتخذت الفاكهة التي حملتها معها من المطبخ نماذج راحت تتلمسها بيدها.
واستفاقت من استغراقها عندما نادى عليها ابوها للمرة الثانية. فأجابت:
" انا فوق...في الاستديو"

وتراجعت خطواتها وهي تمسح يدها في قطعة القماش وسمعت اقداما تصعد الدرجات بسرعة فالتفتت نحو الباب ووجهها يكسوه الخوف والاضطراب.
وعندما رآها ابوها تنهد ثم قال:
" كدت اجن. لماذا لم تجيبي على ندائي؟ ماذا تفعلين هنا؟"
اجابت سابرينا:
" اعمل"
______________
_____________

وخيم صمت مطبق افصح لسان حاله عن ان التفسير ليس ضروريا بعد ان راى بنفسه.
وانتظرت سابرينا بضع ثوان ليدلي بالتعليق على اعمالها الفنية ولما طال انتظارها سألته وهي لاهثة الانفاس:
" ما رأيك؟"
فقال لها:
" لا كلام عندي.كيف؟...متى؟...."

وانفجر ضاحكا عندما تعثرت اسئلته على لسانه فألقى ذراعه على كتفيها وقبلها قبلة عنيفة واسترسل يقول:
" انت فتاة رائعة...وانا فخور بك"
واضطرب صوته مشوبا بحرارة عواطفه.

فقالت بشوق:
" طبعا...ولكن ما رأيك؟"
فابتسم ابوها قائلا:
" اذا كنت تسألين عما اذا كان في وسعي ان افرق بين التفاح والاجاص فأن جوابي: نعم بالأكيد استطيع.
وفي وسعي ايضا ان ارى عنقود العنب الذي تقومين بتشكيله الان.
ولا حاجة بي الى ان اقول انه يصعب على المرء ان يميز بين الطبيعة الحية والطبيعة الصامتة"
" هل حقا تعني ما تقوله يا ابي؟"

قال مؤكدا على كلامه:
" اعني ما اقول. والان اسألك: متى قررت القيام بكل هذا؟ لم تشيري لي بكلمة واحدة عنه؟
متى حصلت على كل هذه الادوات؟"
" في الاسبوع الماضي سألني باي اذا كان بوسعي استعمال الصلصال في تشكيل التماثيل
وفكرت مليا في اقتراحه واتخذت قراري هذا الصباح فقط لكي ابدأ المحاولة
وطلبت من سام في مخزن الادوات الفنية ان يبعث لي بأدوات نحت مع رسول"

" هذا الصباح؟ انت تعملين منذ هذا الوقت؟ لابد انك مجهدة؟"
" مجهدة؟؟"
وادارت وجهها نحوه وعلى شفتيها ابتسامة عريضة واردفت تقول:
" كلا يا ابي..احس بأنني ما زلت على قيد الحياة. هذه اول مرة اعمل فيها من فترة طويلة"
وران الصمت لفترة فالتقط ابوها نفسا عميقا وقال:
" في الواقع انت استغرقت في العمل يوما كاملا ولا معنى لبذل المزيد من الجهد
وخاصة انك نسيت تناول وجبة العشاء"

قالت مستسلمة:
" انا طوع امرك"
وامضت سابرينا كل دقيقة من وقتهاعلى مدى اسبوع في حجرة الاستديو
وكانت النتائج النهائية اقرب الى الفشل منها الى النجاح
ولم تأبه عندما اصر ابوها على انها لن تتوقع الكمال
وهي في بداية الطريق ولكن سابرينا كانت تبذل كل جهد لكي تحقق الكمال
مهما كلفها الامر ولا شيئ اقل من الكمال يرضيها.

وفي صباح يوم الاحد امرها ابوها ان تغادر الاستديو قائلا:
"بالله عليك استريحي يا سابرينا فلقد ارهقت نفسك طوال الايام الستة الماضية"
وسقطت مستسلمة لمنطقه وشعرت اصابعها بالالم من الصلصال الذي غطى راحتها
وادركت ان اباها على حق وقال لها:
" لدي عمل اريد انجازه في الزورق. لماذا لا تأتين معي اليوم
ستكون ديبورا مشغولة في المطبخ وانا واثق انك ستتسللين الى
هنا عقب رحيلي اذا لم يكن لديك اي شئ تقومين به"

وضحكت سابرينا وقالت:
" لن افعل ذلك"
فقال ساخرا:
" اوه....اعلم ذلك..اذن ستأتين معي؟"
قالت بعتاب:
" اعتقد انه امر رهيب اذا كنت لا تثق بي... انا ابنتك.
وخير لي ان اذهب معك ما دمت ترى اني لم اعد موضع ثقتك "

اضاف ابوها قائلا:
" البسي ثيابا كافية لان هناك نسمة شديدة تهب من المحيط الهادي
واختاري منها ما يتحمل الاتساخ لانني فكرت في ان اعهد اليك بتنظيف قاع الزورق"
وهزت سابرينا رأسها وقالت:
" لهذا السبب تريد مني ان اذهب معك"

فقال لها وهو يتجه الى السلم:
" الا تظنين حقا اني ابغي صحبتك؟"
واكتشفت سابرينا ان الريح كانت قارسة وضباب الصباح
لم ينقشع بعد لذلك فشلت حرارة الشمس في تدفئة الجو.

وعندما هبطت الى قاع الزورق لم تشعر بتلك النسمة الباردة فبدأ العرق يتصبب فوق جبهتها....
مسحته وبدأت تطوي اكمام بنطال العمل الازرق الذي كانت ترتديه وشرعت في تنظيف ارضية الزورق
وتعلقت قطرات من العرق بالياقة الصوفية لسترتها التي اخذت تدغدغ جلد ظهرها الحساس
ولم تستطع ان تحكه اذ كانت يداها تغطيهما رغوة الصابون وما ان انتهت من اداء مهمتها
حتى قررت ان تنادي اباها ليتناول فنجان من القهوة
وادركت من الاصوات التي تناهت اليها انه يتحدث مع احد هواة الرحلات البحرية .

وفكرت ان تحمل دورق القهوة وبعض الفناجين الى سطح الزورق لتقديم لهم القهوة
ولكنها سمعت خطوات هادئة لشخص ينتعل حذاء مطاطي
وهي تقترب للهبوط على الدرجات المؤدية الى قاع الزورق
فأسرعت سابرينا تزيل الصابون الذي يكسي الارضية
وعندما بدأ يهبط السلم توقفت ثم التفتت في اتجاه الخطوات القادمة:
" فكرت ان اقدم لكم القهوة على سطح الزورق يا ابي حالما انتهي من التنظيف هنا.
وسوف احضر معي فناجين اضافية اذا احب الاخرون مشاركتنا في احتسائها"
" هذا اقتراح جميل"

" باي عدت ثانية"
واطلقت صرخة السرور والفرح بلا وعي من شفتيها!
فقال لها باي:
" عدت متأخرا بعد ظهر امس وتوقعت رؤيتك هنا اليوم مع ابيك
ولكنني لم اتوقع ان يجعل منك جارية تقوم بتنظيف ارضية الزورق "
ابتسمت سابرينا وقالت:
" هل امضيت رحلة طيبة؟"

" نعم ... قمت بمراجعه حسابات بعض العقارات المستثمره و تفقدت بعض الاراضي التي ارغب في شرائها.
ثم التقيت بصديق قديم كان صديقا لي في الجامعه و تركته يتحدث مع ابيك على سطح الزورق.
لما لا تأتين لمقابلته ؟ "

و كانت تتوقع ان يكون هذاالصديق امرأه و خشيت ان ينعكس شعورها في تعبيرات وجهها
و ودت من اعماقها الا يحدث ذلك حتى لا يشعر باي انها غيوره .
انهما مجرد صديقين و اخيرا قالت :
" سأنتهي خلال دقيقة. اذا كنت تحب ان تتناول القهوة احمل معك الدورق
وهناك فناجين اخرى في الخزانة خذها معط. وانا سأحمل معي علبتي السكر والحليب"

ووافق باي قائلا: " حسنا"
وبعد مضي دقائق انضمت سابرينا الى الاشخاص الاخرين المجتمعين على سطح الزورق
وعندما رفعت الريح خصلت شعرها من فوق جبينها ادارت وجهها لتستقبل لفحة الهواء البارد فقال لها ابوها:
" سابرينا...دعيني اتناول منك هذين العلبتين"

وتناول العلبتين منها وساعدها في الوصول الى سطح الزورق.
فقال باي:
" هذه الانسة سابرينا لين...ابنة السيد غرانت لين وهذا اخي الصديق العجوز الدكتور جو براوننغ"

قال صوت اجش في لهجة ساخرة:
" انا معروف لدى جميع مرضاي واصدقائي باسم جو او الدكتور جو"
وسرت رعشة باردة عبر سلسلتها الفقرية وقالت:
" كيف حالك"

وكانت تحيتها جافة منذ ان اعتادت ان تنأى عن كل العاملين في مجال الطب
منذ اللحظة التي وقعت فيها الحادثة ولقاءتها المتتالية لسلسلة الاطباء.

وافاقت على صوت الدكتور وهو يقول:
"جو....اسمي جو. اخبرني والدك انك عمياء منذ عام واحد. ارى ان امورك تسير على مايرام"
فقالت له:
" ليس لدي اي اختيار. هل هناك سبيل اخر؟"
" بالطبع يوجد هناك سبيل اخر وهو ان يسوء بك الحال"

كانت اجابته هراء بعثت ابتسامة شاحبة الى شفتيها وكانت دائما تتوقع من الطبيب ان يكون- حتى في بيته – حازما..غير عاطفي.. يؤدي واجب الاحسان لمريضه ولكن هذا الطبيب يبدو مغامرا تماما فقالت له:
" كنت اندفع الى الاثاث والمباني اول مرة"

" وهل تستعملين عصا او تستخدمين كلبا يكون بمثابة عينك المبصرة"
ولم يتح لها الفرصة للاجابة عن سؤاله وتابع قائلا:
" اسمع ان العميان يستخدمون كلاب البودل مثلما يفعل رعاة الغنم وتكون هذه الكلاب عيونهم المبصرة.
هل تتخيلين شكل كلب البودل بتسريحة بومبادوروخصلة من الزغب تعلو ذيله يقود رجلا اعمى؟
ان منظر الرجل يبدو لي في قمة السخرية على حين لا اشعر بأي امتنان لذكاء الكلب"

و ضحكت سابرينا من تلك الصورة التي رسمها الطبيب في ذهنها فقد كان تصويره لا يدعو الى الاحترام
بقدر ماكان يبعث على الضحك مما بدد القلق الذي سيطر عليها ولاقى ضحكها ارتياحا لدى الجميع
مما جعل الحديث يتدفق طبيعيا بينهم.
وهيمن الدكتور جو على دفة الحديث بموضوعاته المتعددة الا ان الحديث كان يتركز في بعض الاحيان
حول موضوع فقد بصرها والضرر الذي لحق بالاعصاب البصرية نتيجة لاصابة رأسها.
عفواً لايمكن عرض الرابط إلا بعد التسجيل
وادركت فجأة ان هذه التساؤلات لم تكن عرضية وانما كانت موجهة اليها بفكرة مدروسة
وقاطعت الطبيب في منتصف حديثه قالت:
" انتظر دقيقة. اخبرني بالضبط اي نوع من الاطباء انت."
قال:
" واحد ممتاز..جراح متخصص"
بعدها رفعت رأسها مستوقفة وسألته بنبرة اتهام:
" من اي نوع؟ انتظر....دعني اتكهن. انت جراح عيون."
قال جو براوننغ بلا ادنى حرج:
" تقديرك في محله وهذا دليل على انك فتاة شديدة الانتباه"

" علام كل هذه الاسئلة هل هو امتحان خبيث؟"
فقال ببساطة:
" اجل"
عندئذ تملكها الغضب فاستدارت تجاه المقعد الذي يجلس عليه باي وقالت:
" هل طرحت الموضوع عليه, اليس كذلك يا باي كاميرون؟
وانت يا ابي لابد انك طرقت الموضوع معه ايضا؟"

فأجاب ابوها بصوت يشوبه الندم:
"كانت فكرتي انا في اخفاء سبب قدوم الدكتور جو لرؤيتك.
باي قام بالاتصال به فقط اما بقية الفكرة فكانت من عندي"
قالت سابرينا:
" ولكنك ادعيت يا باي انه زميل دراسة قديم!"
فقال الدكتور:
" اجل انها الحقيقة. الحقيقة ايضا اننا التقينا مصادفة في لوس انجلوس
ولم تكن لديه اي فكرة بانني عدت الى هناك منذ غادرت المدينة لاقضي عدة سنوات في الساحل الشرقي.
وفي لقائنا نوه عنك في الحديث الذي دار بيننا وبحكم المهنة...تاقت نفسي الى رؤيتك"

وقال باي بهدوء:
" انا آسف يا سابرينا....انني اعرف مسبقا انك سوف تضيقين ذرعا عندما تكتشفين الامر"

" اذن....لماذا حاولت خداعي؟"
" شعرت ان من واجبي احترام رغبات والدك وكان هناك احتمال قوي بأنك لن تكتشفي جلية الامر
اذا لم يكن الدكتور جو على يقين من وجود امل ان تستعيدي بصرك"
فسألت:
" هل تعتقد يا دكتوران هناك اي امل؟"

ورفعت رأسها في خيلاء نحو الطبيب في محاولة لاخفاء اي ردة فعل لقراره.
قال الطبيب بصدق وامانة:
" احب اجراء بعض الفحوص في احدى المستشفيات قبل ان اصدر قراري الاخير.
واعتقد انه توجد هناك فرصة ضئيلة تبلغ نسبتها عشرة في المائة..تتيح لنا اجراء عملية"

فقالت سابرينا متحدية:
" ادرك ما تقول..فأنت تظن ان هذا ما حدث معي تماما......."
قال:
" لا اعرف تماما ولكن من واجبنا الا نتجاوز هذا الاحتمال وللتأكيد ستدخلين المستشفى لاجراء بعض الفحوصات.
انا لا احب ان ابعث امالا كاذبة في نفسك يا سابرينا
وانما توجد امامك فرصة ضئيلة لاستعادتك بصرك والقرار متروك بين يديك"

******
لم تتغلب رائحة الزهور التي حملها ابوها معه على رائحة العقاقير الطبية المنتشرة في ارجاء المستشفى.
وانتهت ساعات الزيارة واطفئت الانوار وازداد عالمها المظلم سوادا في هذه الليلة وشعرت انها وحيدة..
فريسة للآلام. كانت تخشى ان تتعلق بأمل ان يأتي الغد ويخبرها بنجاح الفحوص
ولكن لماذا كل هذا الخوف وقد جاءت الى هنا بمحض ارادتها لاجراءها.

واطبقت سابرينا اصابعها حتى استحالت الى قبضة استكانت الى جوارها.
ولعنت باي لمقابلته صديقه الطبيب. لقد رضيت بالامر الواقع وبدأت تعيش حياتها الجديدة.
ومنذ ان كان باي هو المسؤول عن وجودها جزئيا في المستشفى فان اقل ما كانت تتوقعه منه
ان يأتي لزيارتها ولكنه لم يفعل واكتفى بارسال رسالة شفوية مع الدكتور جو متمنيا لها حظا سعيدا
ثم سار في سبيله لحظة ان سمحو لها بدخول المستشفى.

واعترى جسمها الاضطراب وادركت انها خائفة وودت ان تصرخ او تبكي ولكن الوضع انفرج قليلا
ودخل شخص الى الغرفة اخذت خطواتها تقترب من فراشها وخالجها شعور ان هذا الشخص ليس بالممرضة
وتأكد لها ذلك عندما نفذت رائحة عطر ما بعد الحلاقة الى انفها.
وسألها برقة:
" هل انت مستيقظة؟"
فهمست سابرينا:
" اجل"

ورفعت جذعها ليتخذ وضعا قائما وهي تحاول تسوية ثوبها الرقيق على جسمها واردفت تقول:
" ساعات الزيارة انتهت وليس مفروضا ان تكون هنا الان"
فابتسم قائلا:
" صحيح واذا شوهدت هنا فسيطلبون مني الرحيل. كيف حالك الان؟"
قالت كاذبة:

" بخير...."
وشعرت بثقل جسمه على حافة الفراش واستطردت تقول:
" خيل الي ان الدكتور جو اشار عليك بالذهاب الى حفل او اي شئ من هذا القبيل"

فقال باي:
" ذهبت...لكني تسللت لاراك. هل هذا يرضيك؟"
فأجابت سابرينا:
" يرضيني...مادام يرضي السيدة التي كنت بصحبتها"
" وما الذي يدفعك الى الاعتقاد بانني كنت بصحبة احدى السيدات؟ بالتأكيد كنت اتمنى ذلك"

" ولكنك لم تفعل...لانك لو كنت مع احدى السيدات لتعطرت بعطر باريسي باهظ الثمن."
وكانت تحاول بحديثها اخفاء مخاوفها عنه.

فقال ساخرا:
" اه... من المخبرة العمياء"
وهزت كتفيها باستخفاف:
" واذا سلمنا مبدئي بأنك كنت في الحفل...فمن المنطق انك سحرت احدى الجميلات"

" الان اخطأت الهدف"
فمالت سابرينا برأسها جانبا وسألته بسخرية:
" لماذا؟"
فأجاب باي بخفة:
" لانني اركزكل سحري على فتاة عمياء اعرفها...انسانة جذابة للغاية"
فشعرت سابرينا بغصة في حلقها وهي تقول:
" اجد صعوبة في ان اعتقد....."

واحست بيده الدافئة فوق يدها وقال:
" يداك باردتان يا سابرينا.....ما الامر؟"
وبعث اتهامه رعشة في جسمها وتنهدت باضطراب ثم قالت:
" انا خائفة يا باي... من الغد"

ولم يتفوه بكلمة لدة دقيقة وشعرت به يغير من ثقله على الفراش
والتفت ذراعه حول كتفها وجذبها الى صدره وراح يهدهد رأسها وتمتم بهدوء :
" دعينا نفكر ماليا....مخاوفك ليست بسبب الفحوص التي سيجريها الدكتور جو
وانما هناك امران اولهما خوفك من ان تستعيدي بصرك والثاني خوفك من ان لا تستعيديه...اليس هذا صحيح؟"

وهزت سابرينا رأسها بالايجاب وشعرت بالسعادة وهي تستمع الى دقات قلبه المنتظمة تحت رأسها
والطمأنينة في كنف ذراعيه القويتين واسترسل قائلا:
" اعرف انك لا تخافين من عودت الابصار اليك لان ابصارك سيسعد الجميع بقي الامر الثاني..."

" انا...انا تقبلت وضعي في ان اكون عمياء وبدأت امارس تشكيل التماثيل بالصلصال هل اخبرتك بذلك؟ انا جبانة...ليتني ما رضخت لهذه الفحوص. ليتني ما قابلت الدكتور جو.
لا اريد ان اعاني الالام مرة ثانية التي تذكرني انني سأبقى عمياء الى الابد "
فقال باي ساخرا:
" اين تلك الفتاة الثائرة. انت لست جبانة يا سابرينا لان الجبان لا يأتي الى المستشفى
ولا يشترك في المغامرة الصغيرة التي يقدم عليها جو.
انت لن تنفجري بالبكاء او تلطمي صدرك اذا جاءت الفحوص سلبية.
اما الفتاة الثائرة التي اعرفها فستهز كتفيها باستخفاف وتقول: حسنا...انه قدري."

وشعرت به يبتسم وهو يردد عبارته ثم استرسل يقول:
" لن تزداد حالتك سوءا وما من شئ تخسرينه"
فتنهدت قائلة:
" هذا ما حاولت ترديده لنفسي"

" دورك ان تكفي عن الكلام وتستعدي لمواجهة الامر الواقع"
ولم يكن بحاجة الى جواب لانه امسك بيدها عدة دقائق فسرت
قوة عضلاته الى ساعديها لتطارد مخاوفها المفرطة"
واخيرا سأل:
" هل انت بخير الان؟"

وهزت رأسها.
ولمست ذقنها صدره وقالت مبتسمة:
" اجل"
فقال برقة:
" خير لي ان اذهب قبل ان تاتي الممرضة وتظن بنا الظنون "
واسند رأسها على الوسادة وقام بتسوية الغطاء حول صدرها
وعندما انتصب بقامته بحثت سابرينا عن ذراعه وهمست قائلة:
" شكرا لمجيئك يا باي"

" لا تشكريني على امر احب ان اقوم به. ليلة طيبة يا سابرينا سأراك ثانية"
وتناهى الى سمعها صوت خطواته الرقيقة وهي تبتعد وشعرت بتيار الهواء ينساب عندما فتح الباب واغلقه وراءه.

******
لاح لها فراش المستشفى وكأنه وسادة مملؤة بالدبابيس تغرز جلدها
وهي تتقلب فوقها وكانت تعلم ان الانتظار هو الذي يؤرق مضجعها.
فقد مر يومان ومازال الدكتور جو ينتظر نتيجة الفحوص
ولكن التجهم الذي بدا في صوته بالامس اكد لها ان النتائج غير مشجعة.

سار ابوها في غرفتها وكان القلق باديا في خطواته وفجأه توقف عن المشي واستدار نحوها
وبعد دقيقة هبت نسمة من الممر فمست وجنتها فأتجهت برأسها نحو الباب:
" صباح الخير سبرينا...صباح الخير سيد لين"

" انه طقس سئ اليوم ولكنكم يا معشر سان فرانسيسكو اعتدتم على ضبابه"
ولكن اباها تجاوز مزاحه وقال:
" هل وصلت نتيجة الفحوص؟"
" اجل"
ورفعت سابرينا رأسها استعدادا لسماع النتيجة ونادت بلا وعي قائلة:
"باي...هل انت هنا؟"

فأجاب باي بهدوء:
" مرحبا يا سارينا"
فقال الدكتور بعد لحظة ضاحكا:
" لا تخبرني بان المريضة هبة تبادل الخواطر مع الاخرين"
فقال باي مصححا:
"ابدا...لديها حاسة شم قوية تعرف بها رائحة عطر ما بعد الحلاقة"

ولم تصحح سابرينا كلامه...لانها لم تكن واثقة من ان هذا الشعور الذي خالجها
هو الذي حدثها عن وجوده هناك ام ان رائحة عطره هي التي اهدتها اليه
.
وتنفس الدكتور جو نفسا عميقا وقال:
" فلنعد الى المهمة التي بين ايدينا الان لقد قمت بتحليل نتيجة الفحوص مرتين"
وتوقف عن مواصلة الحديث قليلا فاندفع غرانت لين قائلا:
" وماذا بعد...؟"
" لا تنسى اننا نقامر يا سيد لين"

وكان التجهم الذي يشوب صوته يحمل بين طياته انذارا.....وودت سابرينا ان تسمع بقية الجواب بسرعة...
فأردف يقول:
" وعلى ما يبو انه ليس بامكاننا فعل اي شئ وانني لشديد الاسف ان افضي لكم بهذه الحقيقة"
وكان الصمت الذي ران على ابيها يحدثها بأن ابيها كان يتلو الصلوات من اجل حدوث معجزة.

وصلت هي بدورها ولكن النطق بالحكم الذي صدر منذ دقائق سحقها تماما.
ورسمت بسمة باهتة على شفتيها وقالت:
" كان علينا ان نتخذ الفرصة التي اتيحت امامنا....يا دكتور جو"

وازدادت ابتسامتها عندما استعات ذكرى اول ليلة امضتها في المستشفى
وتذكرت باي وهو يقول لها: يجب ان نهب الفرصة حماستنا.
وسار الطبيب نحو الفراش وامسك احدى يديها بدفء وقال:
" شكرا لك يا سابرينا"

وبعد ان قدم التحية لابيها رحل وهو يعتذرله مرة ثانية ثم سمعت باي يقترب من فراشها
ويتوقف بالقرب منها وشعرت بنظراته النافذة ترمق وجهها وسألها بهدوء:
" هل انت بخير؟"
فأجابت هامسة: " نعم"

وادركت انها تقول الحقيقة وليست مجرد كلمات شجاعة ترددها فقال باي لها:
" انا اعرف ان ملكتي العمياء الثائرة ستعيد صقل الموقف مرة اخرى"
فأجابت سابرينا:
" بمساعدتك استطات هذه الملكة ان تفعل الكثير"
فقال باي مستنكرا:
" لا يسعني ان اشهد الا انك ذات ارادة قوية ولكننا سنناقش الامر في وقت لاحق.
ما رأيك ان نلتقي في مساء السبت؟"
فكررت كلامه:
" مساء السبت!"

" اجل يمكننا ان نتناول العشاء سويا. سأمر بسيارتي حوالي الساعة السابعة."
سألته وفي حلقها حشرجة:
" هل هذا امر ام دعوة؟"
" كلاهما هذا يتوقف على ردك"

فقالت سابرينا مطأطئة الرأس:
" انا فخورة ان اتناول العشاء معك....يا سيد كاميرون"
واضافت تتحدث الى نفسها في صمت: بل انه اكثر من الفخر.
ثم اخذت تتطلع الى مساء السبت بشغف غير عادي.

********نهاية الفصل الخامس********


استودعكم الله


[/ALIGN][/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN][ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:109%;background-image:url('http://up.arabseyes.com/uploads2013/21_09_15144281477447062.jpg');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]
.










.
[/ALIGN]
[/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]









__________________

حينَ تتجاهلُ كوني لُغزاً....
فإياك وتجاهُلُ كوني همساتُ جنون....
مُدونتي||....тнιѕ ιѕ мє

التعديل الأخير تم بواسطة Florisa ; 09-25-2015 الساعة 02:58 PM
 

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
" رواية عيناك عذابي ... " roxan anna روايات وقصص الانمي المنقولة والمترجمة 85 06-01-2020 10:56 PM
رواية جديدة للدكتورة ناعمة الهاشمي 2012 تعالوا يا بنات رواية شما وهزاع احلى رواية florance أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه 2 02-26-2014 02:28 PM
رواية/ عسى مين يفكر يمسك ايدينك وفيها يذوب تصرخ اوجاعه ولايلاقي مين يسكتها .... احساس مراهقه روايات و قصص بالعاميه 10 04-18-2013 09:34 PM
ماتشوف بعينيك فى هذا الشكل او هذه الصورة ليس ما تره عيناك انظر جيدآ بامعان ستشوف شكلآ ثاني غير ماتشوف عيناك . SCORPIONKING أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه 27 06-01-2010 11:44 PM
عيناك عيناك سيدتي dyadak قصائد منقوله من هنا وهناك 1 12-28-2009 10:49 AM


الساعة الآن 08:44 AM.


Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.

شات الشلة
Powered by: vBulletin Copyright ©2000 - 2006, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لعيون العرب
2003 - 2011