عيون العرب - ملتقى العالم العربي

العودة   عيون العرب - ملتقى العالم العربي > عيـون القصص والروايات > روايات طويلة

روايات طويلة روايات عالمية طويلة, روايات محلية طويلة, روايات عربية طويلة, روايات رومانسية طويلة.

Like Tree10Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #6  
قديم 10-18-2015, 10:38 PM
 
"""؟===



بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
اما بعد
فاني اشكرك بشدة على طرحك الجميل ..و امتدح حبك و شغفك لاحد الكتاب الجزائريين
غير انني اود منك لو تغيرين اختيارك المرة المقبلة..فهدا الكتاب بالضافة لمجموعة اخري من الكتب
اعتبره طرحا اضاع من وقتي الكثير ..فهي في كلماتها قد اهلكت السرد بالاستعارات و التشبيهات حتى استحال كومة من الكلمات
ان انهيت قرائتها كانك لم تبدا ولم تفهم في مقصدها فكرة
على كل اشكر لك جهدك..و ان شاء الله ساتابع في زمن آزف قصة من ابداعك
__________________





أحلى صديقة
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 07-13-2016, 01:29 AM
 
ستتم اكمال الرواية
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 07-13-2016, 01:36 AM
 
تساءلت دائما: ما هي نوعية المسافة التي تفصلنا عمّا نشتهي؟ أتراها تقاس بالمكان؟ أم بالوقت؟.. أم بالمستحيل؟
وأي منطق هو منطق الرّغبة؟ أيكون منطقا لغوياً أم منطقا زمنياً..
أم منطق ظرف تضعك فيه الحياة؟
وهذا الرجل الذي انتقل بكلمة واحدة, من خانة الغرباء إلى الرجل المشتهى, كيف تمكّن من التنّقل في سلم الرتب بهذه السهولة؟ ترى تواطأت معه اللغة؟ أم العتمة؟ أم هذا المكان الملتبس بين الوهم والحقيقة. بين النهار والليل. بين الحلم والواقع. بين الأدب والحياة؟
لو أنه تحدّث لساعدني بعض الشيء على فهم ما يحدث. ولكنّه لم يفتح أيّة نافذة للكلام. وظلّ مشغولاً عني بمتابعة ذلك الفيلم. دون أن يتوقف أثناء ذلك عن بثّ ذبذبات حديث يقال صمتاً, في عتمة الحواسّ.
وأنا نفسي, لم أجد معه شيئا يمكن أن يقال, وقد انطفأ معه الكلام, لتشتعل به مساحات الصمت.

لا أدري كم قضينا من الوقت على هذا النحو, هو يتابع الفيلم, وأنا أتابعه هو. أو أسترق النظر أحيانا إلى عاشقين, لم يعد أمرهما يعنيني, ولا ما يقولان يسعفني في شيء, مذ قال هذا الرجل, كلمة واحدة.. وصمت!
أثناء انشغالي به, مرّت مشاهد وأحداث, حاولت عبثاً أن أركّز عليها, غير أن أحدها استوقفني.
كان الأستاذ يشرح درساً ما. عندما راح يوضح للطلبة أنّ وجهة نظرنا في أي أمر, تختلف حسب موقعنا, والزاوية التي نقف فيها.
ولذا طلب منهم أن يأتوا صوبه, ويصعدوا الواحد تلو الآخر فوق مكتبه, كي يروا من حيث هم كيف أنّ قاعة الصف نفسها تبدو مختلفة, عندما نراها من فوق مكتب الأستاذ, من الجهة المقابلة لنا.
فالطريقة الصحيحة لفهم العالم. هي في التمرد على موقعنا الصغير فيه, والجرأة على تغيير مكاننا وتغيير وضعيتنا, حتى بالوقوف على طاولة, عوض الجلوس أمامها والإتكاء عليها.
كان يتحدث بينما كان الطلبة يتتالون على مكتبه صعوداً ونزولاً. يستبقي بعضهم قليلاً, طالبا منهم أخذ المزيد من الوقت, للنظر إلى الأشياء من حيث هم, فينظرون إلى مقاعدهم الفارغة دونهم.. ثم ينزلون مندهشين.

وفجأة وبعد أجواء مرحة. يأخذ الفيلم منحى مأساوياً, بانتحار طالب قررّ أن يخوض تجربة مسرحية سراً, وضد مشيئة أبيه, الذي بعث به إلى هذا المعهد الراقي والباهظ التكاليف , كي يصبح طبيبا..
ولا شيء غير هذا.
يحدث ذلك في الليلة التي يقدم فيها عرضه المسرحيّ ببراعة جعلت القاعة تصفق له طويلا, بينما يحضر أبوه الذي يسمع بالأمر, ليؤنبه ويهينه أمام الجميع, ويعود به إلى البيت.
عندها اتجهت أصابع الاتّهام نحو الأستاذ الذي عدّه الأهل سبباً لانتحار ابنهم. وقررت إدارة المعهد طرده لأنه أفسد تفكير الطلبة وحرّضهم, بطريقته الغريبة في التعليم, على التمرد.
وطالبت الإدارة الطلبة بتوقيع عريضة أعدتها ضدّه, مهددة كلّ من يرفض توقيعها بعقوبة الطرد.
كانت بي رغبة في مشاهدة نهاية الفيلم, ومعرفة ما إذا كان الطلبة سيتخلون عن الأستاذ الذي علّمهم كلّ شيء بما في ذلك الدفاع عما يعتقدونه حقيقة, أم هل تراهم سينهزمون, أمام أول مساومة دنيئة تضعهم أمامها الحياة, لولا أنني تنبهت إلى مرور الوقت واقتراب نهاية الفيلم, الذي سيفاجئني الضوء بعده ويحرق شريط حلمي ويحوّلني كما في قصة سندريلا من سيدة المستحيل إلى امرأة عادية, تجلس في قاعة بائسة, جوار رجل قد لا يستحق كلّ هذه الأحاسيس الجميلة التي خلقها داخلي.

وكنت قد يئست من مباغتة هذا الرجل لي بكلمة تؤكد أو تنفي ظنوني. ولذا قررت أن أباغته بانصرافي. فوقفت وتوجهت إليه بكلمات أردتها عاديّة قدر الإمكان:
- عفواً.. هل تسمح لي بالمرور؟
وجاء جوابه كلمة واحده:
- حتماً..
ووقف ليلتصق بكرسيّه, تاركا لي ما يكفي من المسافة, ليلامس جسدي جسده من الخلف, دون أن يحتك به تماما.
مسافة ل أعد أدري أعبرتها في لحظة أم في ساعات. ولكنها المسافة الصغيرة والكبيرة في آن واحد, تلك التي عندما نقطعها, نكون قد تجاوزنا عالم الحلم, إلى عالم الحقيقة.
أكانت كافية.. ليلتصق بي عطره, ويخترق كل حواسي حدّ إيقافي بعد ذلك أشهرا, أمام رجولةٍ لن أستدل عليها سوى بعطرها؟
أعتقد أن نظراته قد رافقتني حتى مغادرتي القاعة. فقد أحسست بها تودعني بصمت, ولكن دون أن يكلف نفسه مشقة استبقائي بكلمة.. أو بسؤال.
من الأرجح أنه كان مأخوذا بنهاية الفيلم. فلحظة غادرت القاعة, كان الأستاذ يجمع أشياءه من الصف. بينما كان ينوب عنه المدير العجوز في إعطاء درس الأدب, في انتظار تعيين أستاذ جديد.
كان المدير يبدو صارما ومتحمسا لإصلاح كلّ ما أفسده هذا الأستاذ. حتى أنه طلب من التلاميذ أن يفتحوا كتبهم على الدرس الأول. لأنه يريد تعليمهم كل البرنامج الدراسي منذ بديته.
ولكنّه فوجئ بهم يملكون نسخا مختلفة عن نسخته؛ تنقصها تلك المقدمة النقدية.
فقد ذهب الأستاذ, ولكن بعد أن ألقى ألى سلة المهملات, كل ما كان يعتقده غير صحيح. ولم يعد بإمكان أحد بعد الآن أن يقنع الطلبة بشيء مزّقوه ورموه.
كان الأستاذ يراقب المشهد بصمت, وهو يغادر الصف محمّلا بأشيائه الصغيرة, على مرأى من المدير.
وعندما وقف ليلقي نظرة أخيرة على طلبته, نهض أحدهم وصعد على مكتبه ليودّعه من علوّه, دون أدنى كلام, بذلك القدر من صمت البكاء.
لحظتها.. كانت عدوى الشجاعة تنتقل إلى بقية الطلبة, الذين راحوا يصعدون الواحد بعد الآخر على طاولاتهم ليوّدعوا صمتأ ذلك الأستاذ الذي طرد من وظيفته, لأنه علمهم الوقوف على الممنوعات والنظر إلى العالم بطريقة مختلفة.
وكما في الحياة, كان هناك قلّة فضلوا البقاء جالسين على كراسي الخضوع, تملقا للمدير.
ولكنهم في انحنائهم, لم يكونوا ليستوقفوا النظر, فقد قصرت قامتهم. وسط صف أصبح كلّه على الطاولات!
كان الأستاذ يغادر الصف. وكنت أغادر القاعة, واثقة من أنني تقاسمت مع ذلك الرجل الغريب لحظة بكاء, بعدما تقاسمت معه لحظة من الرغبة الصامتة.
ولم يكن مهماً لحظتها أن تكون تلك المرأة التي جلست إلى جواره "هي" أم "أنا"؛ فقد حدثت الأشياء بيننا كما أرادها في عتمة قاعة سينما.

* * * *



ما كدت أرى السائق في انتظاري عند الباب, حتى ألقيت بنفسي داخل السيارة على عجل, وكأنني أريد أن أحتفظ بتلك الأحاسيس الجميلة في مكان مغلق.
خفت على ذلك الشيء الجميل, الذي عشته بصمتٍ جوار رجل غريب أن ينطفئ داخلي بسرعة, أن يقتله أو يبعثره الشارع, بضوئه وضجيجه وفضول مارته وبؤس واقعه.
كان شيئا شبيها بتلك اللحظات التي نعيشها مع شخص لا نعرف شيئاً عنه. نتقاسم معه كرسياً مجاوراً أو مقابلا في عربة ميترو أو في مقطورة, مسافة من الزمن, دون أن نتبادل شيئاً, عدا النظرات المتواطئة. ثم ننزل مكتفين بمتعة الصمت, وبلحظات شفافة مرت بنا كشال من دانتيل الشهوة. وخلفت داخلنا كل تلك الفوضى الجميلة. وإحساسا غريبا بأننا قد لا نرى هذا الوجه بعد ذلك أبداً وأنه كان يكفي قليل من الشجاعة.. وكلمات فقط.. كي يصبح لذلك الوجه اسم وعنوان.
ولكن, ماذا نفعل بمتعة المجهول.. إذن؟
* * * *

في المساء كنت أرتب حقيبة يدي عندما عثرت على ذلك القرط الذي توقعته قد ضاع مني. كان قد وقع داخلها.
تساءلت.. أيمكن لشيء صغير إلى هذا الحد أن يغير مجرى قصة؟ وهل كان لي أن أتنبه لوجود ذلك الرجل إلى جواري – وليس أمامي- لولا تلك الحادثة الصغيرة التي دونها كنت على الأرجح, عدت إلى البيت, واثقة من حماقة مراهنتي على الأوهام؟
نعم.. أليست حياتنا في النهاية إلا نتيجة مصادفات, وتفاصيل أصغر من أن نتوقعها على قدر من الأهمية, بحيث تغير أقدرانا أو قناعاتنا؟
تفاصيل, في حجم تينك الكلمتين, اللتين على صغرهما, جعلتاني أصدق أن الأحلام الأكثر جنونا قابلة للتحقيق, وأنه لا حدود بين الكتابة والحياة.
منذ البدء, أخذت بجمالية تلك العلاقة الغريبة والمستحيلة, وبذلك الحب الافتراضي الذي قد يجمع بين رجل من حبر وامرأة من ورق, يلتقيان في تلك المنطقة المتلبسة بين الكتابة والحياة, ليكتبا معا, كتابا خارجا من الحياة وعليها في آن واحد.
أكثر من انبهاري بشخصية ذلك الرجل , ومساحة الظل فيها , كنت مبهورة بلقائنا المحتمل بين عتمة الحبر .. وعتمة الحواس.
كلما تعمقت في هذه الفكرة. ازددت تصديقا أو تورطا في مقولة أندريه جيد, واثقة تماما بكتابة قصة حب من الجمال إلى درجة لم يعد بها الجنون أية كاتبة قبلي!
الجنون.. بدايته حلم.
وحلمي الليلة, أن أسكن جسد تلك المرأة التي ذهبت نيابة عنها, لمشاهدة فيلم.
أود لو استعرت جسدها لمدة كتاب, كما تستعير النساء عادة مصاغا أو ثوبا يرتدينه لعرس.
في هذه المدينة التي تستعير فيها النساء من بعضهن بعضاً كل شيء ويتبادلن كلّ شيء, أنا التي أعرت الجميع كلّ ما في خزانتي, ماذا لو استعرت الشيء الوحيد الذي لا أملكه حقا؟
جسد امرأة غيري, وجهها, ملامحها , ذاكرتها العشقية, قصتها مع رجل يعنيني أمره, ويعنيني أكثر أن أتأكد من كوني لم أكن أحلم.. ولم أجنّ. وأنني جلست فعلاً إلى جواره لمدة ساعتين.. وأنه قال لي خلالهما كلمتين!
أود لو كان بإمكاني أن أتنكر في زيها, ليكون لي حق رؤيته في الضوء لا في العتمة.
أن نتبادل كلاما طبيعيا, لا كلمات قاطعة أو متقاطعة كتلك التي تبادلناها.
أن نجلس متقابلين, لا متجاورين, في الزاوية اليسرى أو اليمنى في أي مكان كان.
ولكن كيف؟ وأين؟
تستدرجني هذه التفاصيل إلى فكرة على قدر من الجنون, فأركض نحو مكتبي, أحضر الدفتر الأسود. وأشرع في قراءة تلك القصة, قافزة على الأسطر, لاهثة النظرات, بحثا عن شيء محدد, ما أكاد أعثر عليه, حتى أتوقف عن القراءة, بفرحة من عثر على شيء أضاعه في البحر.
أغلق الدفتر, وأتنفس الصعداء. فقد عثرت على اسم المقهى الذي كانا يلتقيان فيه.
وهذه المرة أيضا.. لم أكن قد سمعت به من قبل
رد مع اقتباس
  #9  
قديم 07-13-2016, 01:37 AM
 
سائق الأجرة الذي طلبت منه مرافقتي إلى مقهى "الموعد", بدا عليه شيء من الاندهاش جعلني أعتقد أن لا وجود لهذا المقهى.
غير أنه سألني, وهو يراني محملة بالجرائد والأوراق, بنية التمويه, إن كنت أقصد المقهى القائم بجوار حي الفوبور. أجبته بالإيجاب, تفاديا لمزيد من الأسئلة.
ولكنه راح يمد معي حديثا عن الأوضاع الأمنية. وعن شرطي ألقوا به ليلة البارحة من الجسر, وعن فتاة ورفيقتها اختطفتا أثناء عودتهما من المدرسة.. وذبحتا.
كنت أستمع إليه وهو يسرد علي أخبار الأقارب والجيران والزبائن. وكل ما سمع به من مصائب. ولا أدري أكان من الأفضل أن أسايره بالحديث, فأشغله عن فضوله تجاهي, أم أصمت, كي لا أِجعه على تعكير مزاجي. فأنا أدري تماما أن الوضع الأمني سيئ هذه الأيام. وهو أحد أسباب زيارة زوجي للعاصمة. ولست في حاجة إلى مزيد من التفاصيل, في هذا الصباح بالذات..
كنت أعي أنني أقترف حماقة أخرى بذهابي إلى مكان لا أعرف شيئا عنه. حتى أني لست واثقة من وجود ذلك الرجل فيه. ولم أحتط, سوى في ذهابي إليه صباحا, في ساعة لا يكون مكتظا فيها بالزبائن, وهو الوقت الذي أتوقع أن يلتقي فيه اثنان, لو أنهما أرادا التلاقي في مقهى.
أما الجرائد والأوراق التي أحملها, بنية التمويه, فيبدو أنها قد تكون سببا إضافيا للمتاعب, ولن تقيني من شبهات أخرى.
في النهاية.. لم يكن لي من شيء أحتمي به في ذلك الصباح سوى مقولة للشاعر الإرلندي شيماس هيني "امش في الهواء..مخالفا لما تعتقده صحيحا!"
وهكذا رحت أمشي نحو قدري, عكس المنطق.

كان المقهى أكثر هدوءاً مما توقعت. وبرغم ذلك دخلته بارتباك واضح. فأنا لا أدري عمّن جئت أبحث, ولا أين يجب أن أجلس, ولا ماذا يجب أن أطلب, وهل أخفي أوراقي أم هل أفردها على الطاولة.. وكأنني جئت هنا لأكتب.
وقبل كل هذا.. أية زاوية يجب أن أختار للجلوس. كي لا أخطئ باختيارها قصدي.
هو قال "احجزي لنا طاولة أخرى.. في أية زاوية عدا الزاوية اليسرى.. ما عاد اليسار مكانا لنا".
أيعني أنني يجب أن أجلس في الزاوية اليمنى من المقهى وأنتظر؟ أم أجلس في الزاوية اليسرى, ترقبا لمن سيأتي ويجلس إلى يميني؟!
بدا لي المكان شاسعا. يجلس في ركن أيسر منه شاب وفتاة, مأخوذين بنقاش حول أمر ما. وفي زاويته اليمنى رجل بقميص أبيض دون ربطة عنق, منهمك في الكتابة. أمامه أوراق.. وجرائد.. وكثير من أعقاب السجائر.
جلست في الزاوية المقابلة له. محافظة على مسافة ثلاث طاولات بيننا, تحسبا للخطأ.
بدت منه التفاتة فضولية. نظر إلي بعض الشيء. وإلى الجرائد التي وضعتها على الطاولة. ثم عاد إلى الكتابة.
لم أفهم يوما, كيف يكون بإمكان البعض أن يكتب هكذا في مقهى أو في قطار. دون أي اعتبار لحميمية الكتابة.
أن تجلس لتكتب في مكان علني, كأن تمارس الحب على وقع أزيز سرير معدني. وبإمكان الجميع أن يتابعوا عن بعد, كل أوضاعك النفسية, وتقلباتك المزاجية, أمام ورقة.
حاولت أن أنشغل عن ذلك الرجل, ولكنني لم أتوقف عن متابعته.
أذهلني غيابه لحظة الكتابة. وأذهلني أكثر أنه يكتب كلاما في صيغته النهائية. دون تفكير, أو تردد, أو شطب.
كان يتوقف أحيانا. يأخذ نفسا من سيجارته, ثم يعود إلى الكتابة.
في لحظة ما, بدا لي وكأنه على وشك أن يبادرني بالكلام. فقد توقف بين جملتين. وراح ينظر إلي دون أن يقول شيئا. توقعت التفاتة تفضحه. ولكنه كان وكأنه ينظر إلى شيء وحده يراه. ولم أجد شيئا أهرب إليه من نظرته تلك, سوى فتح جريدة كانت معي.. ورحت أطالعها كيفما اتّفق.
بدت منه لحظتها, ابتسامة مربكة, لم أفهمها تماما؛ أكان يسلم علي بها؟ أم يشفق علي من وحدتي؟ أم يسخر مما أقرأ؟.. أم يقول لي فقط إنه تعرف إليّ!



ربما كانت تلك المرة الأولى التي أطلت فيها النظر إلى ملامحه.
كان على قدر من الوسامة. وكنت أشعر بمودة غامضة تجاه هذا الوجه, وضعف تجاه هذا الحضور الرجالي الصامت الذي لا يشبه في شيء التصرفات الذكورية في هذه المدينة.
إحساس ما, كان يقول لي إنني في زمن ما, أحببت رجلا يشبهه أو أنه يشبه تماما رجلا سأحبه يوما.

ورغم ذلك لم أجرؤ على القول إنه "هو" قبل أن تصدر عنه أية التفاتة تشي به.
أكان منشغلا عني حقا؟ أم كان فقط يتحرش بي بصمته. يجلس أمامي هكذا على مرمى قدر. ينتظر سؤلا يأخذنا إلى شيء قد يحضر؟
أنا المرأة الجبانة التي لم تبادر يوما رجلا بالكلام, كيف لي أنا أشاغبه, أن أشعل تلك الانارات الصغية التي ستجعله يوقف الكتابة ويقول لي شيئا؟
كم تمنيت لحظتها أن ينطق! ولكنه كان يعبث بي بكلام لا يقال إلا صمتا.. ويدخلني في حالة من الارتباك الجميل.
أثناء تفكيري, جاء النادل وسألني ماذا أريد. لا أدري لماذا أجبته على غير عادتي "قهوة".
ربما لأنسيه أنوثتي. مادام الرجال يطلبون عادة قهوة.
ذهب ولم يعد.
ولم يعنني كثيرا أنه لم يأت بقدر ماكان يعنيني قدوم رجل مميز المظهر, يرتدي قميصا اسود ونظارات شمس سوداء, في العقد الرابع من عمره. له خطى واثقة, وأناقة رجولة, في غنى عن أي جهد.
بدا على الرجل وكأنه يعرفني, أو كأنه فوجئ بوجودي هناك؛ فقد ألقى نحوي نظرة مندهشة, ثم سلاما وديا بإشارة من رأسه. ذهب للجلوس جوار ذلك الرجل, الذي توقف أخيرا عن الكتابة. وراحا يتبادلان حديثا,لم يصلني منه شيء.
داهمني شعور بالندم, وربما بالضآلة, كلما طال حديثهما, وكلما طال انتظاري لشيء لا يأتي.
عندما تنتظر أحدا, أنت لا ترى شيئا بعينه, ولا تتأمل شيئا بالتحديد؛نظراتك مبعثر كمزاجك. والذي تنتظره قد يأتي من اللامكان, ويفاجئك وسط ذهولك , وفوضى أفكارك.. وأسئلتك.
من هو هذا الرجل؟ هل تعرف إلي؟بل كيف أتعرف إليه؟وهذه المرأة التي سطوت على هويتها, ما شكلها, ما لون شعرها؟ ما هي عاداتها في السلام.. عاداتها في الكلام.. عاداتها في الانتظار؟
وهذا الرجل الذي بادرني بالسلام ومضى,أتراه يعرفني؟ أم يعرف أخي.. أو زوجي؟ أم تراه يعرفها؟ ولماذا يتأملني هكذا؟ تراني أشبهها؟ تراه كان ينتظرني؟ أم كان ينتظرها؟ أم تراه كان موجودا هنا للتحدث إلى هذا الصديق لا أكثر.. وماذا لو كان "هو"؟
أبحث في عينيه عن شيء ما, عن ذكرى.. عن شوق مؤجل, عن بقايا حزن سري, عن حب مات في هذا المكان.
ولكن عينيه المختفيتين خلف نظارات سوداء, لا توصلانني إلى أي جواب. بينما يطالعني هو عن بعد, دون أن تفضحه نظراته.
أن يسترق النظر غلي أثناء حديثه, هذا لا يعني شيئا. أي رجل غيره كان تصرف كذلك, على الأقل من باب الفضول, إن لم يكن من باب التحرش الصامت بأنثى تجازف بالجلوس بمفردها في مقهى بمدينة كهذه.
وماذا لو كان صديقه, هو الرجل الذي جئت من أجله, وأنه يمثل معي دور التجاهل كما فعل طوال عرض الفيلم, إن هذا الدور يشبهه تماما. إنه رجل يشي به الصمت, وتلك الزاوية اليمنى التي أختارها للجلوس مقابلا للذاكرة.
أخيرا جاء النادل بفنجان القهوة, وضعه أمامي, أو بالأحرى رمى به أمامي وذهب.
انتبهت لعدم وجود السكر جواره, كما هي العادة. رفعت يدي لأناديه, ولكنني عدلت فقد كان بعيدا, ولم أشأ أن أرفع صوتي لأقول كلاما تافها مثل "ياخويا.. يعيشك.. جيبلي سكريه".
شعرت أن صمتي أجمل من أن أكسره لأقول شيئا لنادل, خاصة أن عواقب ما سأقوله لن تكون محمودة, حسب ما توحي به لحيته.
فقد يرفض أن يعطيني السكر. وقد يطلب مني أن أذهب إلى بيتي, واشرب القهوة بالسكر أو بالقطران.. إذا شئت. هذا إذا لم يقلب علي فنجان القهوة.
فمنذ الأزل, الجزائر بلد يمكن أن يحدث لك فيه أي شيء مع نادل!
كتلك الحادثة التي روتها لي صديقة صحافية كانت موجودة في السبعينات في نزل فخم بالعاصمة, مع وفد من الصحافيين الجانب, بمناسبة الذكرى الثلاثين لاندلاع الثورة. وبعد انتظار طويل, وبعد أن يئست من إحضار طلباتها, استدعت النادل, وقالت له على طريقة الشرقيين:
نحن ننتظر منذ نصف ساعة, عليك أن تولينا اهتماما خاصا. إننا ضيوف لدى الرئاسة!
ولكنه رد عليها بطريقة لا يتقنها غير الجزائريين:
ما دمت ضيفة عن الرئاسة.. روحي لعند بن جديد "يسربيلك".
ومضى ليتركها مذهولة.
طبعا عندما عادت إلى سوريا وروت هذه الحاثة, لم يصدقها أحد. فعندنا فقط, يطلب النادل من رئيس الجمهورية أن يخدم ضيوفه بنفسه!

أمام ما أعرفه من قصص. عدلت عن طلب أي شيء من ذلك النادل. خاصة أنني في وضع "مشبوه" بالنسبة إليه.
حتى إنني, لم تكن بي رغبة في النهاية لاحتساء تلك القهوة.
ولكن.. فجأة وقف ذلك الرجل ذو القميص الأسود, واتجه نحوي, وفي يده صحن عليه بعض قطع من السكر.
لا أدري كيف انتبه لما كنت سأطلبه,, رغم كونه كان يبدو منشغلا بالحديث إلى صديقه.

إحساس غامض انتابني وهو يقترب مني. ويمدني بذلك الصحن الصغير. عطره الذي اخترق حواسي, أعادني إلى العطر الذي شممته في السينما, عندما اقترب ذلك الرجل مني ممسكا ولاعة.
فانتابني مزيج من الخوف والاندهاش.
وحدها نظرته كانت تنقص, ليكتمل المشهد. ولكن كان باستطاعته أن يثير داخلي الأحاسيس نفسها, ويقول الشيء نفسه, دون أن يخلع نظارته السوداء؛ فقد اصبح لهذا العطر ذكرى تقودني في عتمة الحواس.. لأستدل عليه.
ولذا لم أقاوم رغبة في استدراجه, أو في اختباره, وأنا أكرر معه المشهد نفسه, مستعملة الكلمات نفسها:
- أسفة.. لقد أزعجتك..
وجاءني الرد, مذهلا في تطابقه:
- قطعاً..
وكما في المرة الأولى قالها ومضى, دون ان يضيف شيئا.
أما أنا, فمن ذهولي بقيت لحظات أتابع عودته إلى تلك الطاولة. وجلوسه بالتلقائية نفسها التي غادرها بها.
لحظات.. أتأمله, قبل أن أصدق ردّاً لفرط ما أردته بدا لي كأنني توهمته.
لم يكن قرطي هو الذي وقع مني هذه المرة. وإنما قلبي الذي أصبح بكلمة واحدة يقع مغمى عليه كلما خطر للحب أن يلعب معي لعبة الغميضة, ويضعني أمام رجلين, عليّ كل مرة أن اتعرف بكلمة واحدة إلى أحدهما!

كنت ما أزال تحت وقع تلك الكلمة, عندما رأيتهما ينهضان. بدت من الرجل صاحب القميص الأبيض إشارة من رأسه كأنه يودعني بها, رافقتها نظرة غائبة تعد بشيء ما. ومضى.
لاحظت انه كان يرتدي بنطلونا أبيض ايضا, بينما توجه نحوي الآخر, ممسكا جريدة, لم تكن معه عند مجيئه.
وقف برهة أمامي.. ثم سألني:
- أتسمحين لي بالجلوس؟
كان يجب أن أقول "لا". أو في حالة أخرى "تفضل" ولكنني أجبت:
- طبعًا..
لكنه لم يجلس. قال وهو ما زال واقفا:
- في الحقيقة.. أنا أكره هذا المكان.. وأفضل أن نذهب لتناول شيء معًا في مقهًى آخر.. أيزعجك هذا..؟
أجبته:
- قطعًا.
طبعا, كان يجب أن اقول العكس. ولكن وجدتني لا أملك من لغة سوى لغته, خاصة أنني وجدت في عدم حبه لهذا المكان, دليلا آخر على كونه "هو".
أخرج من جيبه قطعة نقدية, تركها على الطاولة, ثمن قهوتي. ثم بلياقة فاجأتني, سحب الكرسي الذي أجلس عليه, ليساعدني على مغادرة المكان.
ولم أملك سوى أن اتبعه. أو بالأحرى أن أتبع شيماس هيني وأواصل مشيي في الهواء, مخالفة لما أعتقده.. صحيحا!
أمام باب المقهى أوقف سيارة أجرة بإشارة من يده وجلس جوار السائق. ووجدتني ألحق به, وأجلس خلف سائق شاب, فاجأتني طيبته. مما جعلني أغفر له ضيق سيارته وحرارتها القاتلة.
كنت سأفتح النافذة. ولكنني خفت أن يزيد هذا من احتمال رؤية الآخرين لي. فرحت أنتظر أن ينطق هذا الرجل.. لتنطلق بنا السيارة أخيرا.
- هل تعرف مكانا يمكن أن نذهب إليه؟
التفت السائق دهشا نحوه؛ فلم يحدث أن طرح عليه راكب سؤالا كهذا.
رد مع اقتباس
  #10  
قديم 07-13-2016, 01:38 AM
 
تأمله بشيء من السخرية. ربما أشفق علينا, أو بارك جنوننا..
قال:
- أين تريدان الذهاب؟
أجاب اللون الأسود:
- إلى أي مكان لا يزعجنا فيه أحد. هل هناك مقهى, أو قاعة شاي هادئة؟
ابتسم الرجل ساخرا من طلبه. ومن الأرجح أن يكون قد استنتج أننا غرباء.
أدار محرك سيارته وطار بنا.
كان الطريق بعيدا بعض الشيء. ورغبة لم تفارقني أثناءه. بالجلوس أخيرا الى هذا الرجل. أن أكون جواره أو مقابلة له, لا خلفه كما أنا الآن. يصلني منه بعض عطره, تحمله نسمت سيارة مسرعة. فأتقاسم معه مجرى الهواء.. وكثيرا من صمت الأسئلة.
أولها: لماذا جلس جوار السائق؟ أليضع بيننا مسافة ما.. لسبب أو لآخر, أم لأن أي سائق (أجرة) في الجزائر يشترط علي أن تجلس جواره لا خلفه؟ وقد يذكرك بهذا صارخا في وجهك "يا خو.. مانيش خدّام عندك!".
أما السؤال الأهم فهو ليس سبب جلوسي وراءه وإنما طبعا سبب وجودي معه.
ما الذي أوصلني إلى هنا؟ ترى فضولي الأدبي هو الذي جعلني أدخل مغامرة على هذا القدر من الغرابة؟
أم تراني أذهب نحو الحب بذريعة الأدب؟
وكيف يمكن لرجل لم يقل لي سوى بضع كلمات, أو بالأحرى كلمة, أن يأتي بي حتى هنا, دون أن أسأله حتى من يكون. وكان كل قدراتي العقلية قد تعطلت, لتنوب عنها حواسي. فألحق رجلا اختزن جسدي رائحته؟
في لحظة ما, كدت أسأله "ما اسم عطرك يا سيدي؟" ثم ترددت. جنون أن أسأل رجلا عن اسم عطره, قبل أن أسأله عن اسمه الآن, فسيأخذ السؤال بُعد الإهانة للحلم.
الحلم لا اسم له.
وهو, تراه يعرف اسمي؟ وأي الأسماء تراه يعرف.. اسمي أم اسمها؟ ورفقة من هو جالس.. برفقتي أم برفقتها؟ ومع من هو ذاهب إلى هذا العنوان الذي لا يعرفه, معي أم معها؟
عند "سيدة السلام" توقفت بنا السيارة, أمام مقهى شاهق الموقع, هادئ الأجواء, يطل على أودية لا نهاية لعمقها.
مضى السائق محملا بشكرنا اللغوي.. والنقدي ليتركنا أمام الأسئلة.
أجبنا عن سؤال النادل بالجواب نفسه: "نريد كوكا". وكأننا نقول, نريد أن تتركنا وشأننا.
وصمتا لنترك المجال لأسئلة أكبر.
كنت أعد نفسي لكلام كثير. ولكنه لم يقل شيئا. أشعل سيجارة, وراح يتأملني في نظرة تطالعني بين غيابين. ثم قال وهو يسكب لي المشروب, بيد ما زالت ممسكة بالسيجارة:
- أخيرا أنتِ!
كان في نبرته شوق, أو اندهاش جميل. كأنما لفرطه, لا يمكن أن تختصره أكثر من كلمتين.
شعرت أنه يواصل الحديث إلى امرأة غيري. ربما تلك المرأة التي لم يكن يقول لها شيئا, عدا صمته. وربما امرأة أخرى غيرها.
ذهلت لاستنتاج كهذا. أيعقل أن يأخذني مأخذها؟
ولكنه واصل بما يؤكد ظني:
- غريب حقا.. أن أصادفك في ذلك المقهى. لولا صديقي لما حضرت إلى هناك.
صمت قليلا ثم واصل:
- شيء فيك تغير منذ ذلك الوقت. ربما تسريحتك... أحبك بشعرك الطويل هذا. أتدرين... كدت لا أتعرف عليك لولا ثوبك الأسود.
سألته دهشة:
- وهل تعرف هذا الثوب؟
أجب ضاحكا:
- لا.. ولكنني أعرف لك طريقة في ارتداء الأسود.. لكأنه معك لون خلق للفتنة لا للزهد.
لم أدر كيف أرد على غزل لم اكن مهيأة له, ولا أظنني كنت المقصودة به.
قلت وأنا أسايره في خطاه:
- أما أنا.. فاعترف أنك فاجأتني.. قبلك لم أر رجلا يلبس الأسود في هذه المدينة, حتى لو كان ذلك حدادا. لكأن الرجال يخافون هذا اللون أو يكرهونه.
- وأي لون توقعت أن أرتدي؟
- لا أدري لكن الناس هنا يرتدون ثيابا لا لون لها.



ثم واصلت بعد شيء من التفكير:
- صديقك أيضا يبدو غريبا عن هذه المدينة.
رد ضاحكا:
- لماذا؟ ألأنه يرتدي قميصا.. وبنطلونا أبيض؟
- بل لأنه يرتدي الأبيض باستفزازية الفرح, في مدينة تلبس التقوى بياضا.
- ابتسم وقال:
- صدقيني فرحه إشاعة. إنه باذخ الحزن لا أكثر. والأبيض عنده لون مطابق للأسود تماما!
وأمام صمتي واستغرابي لكلام من الواضح أنني لم أفهمه, واصل:
- الأبيض هو خدعة الألوان.. ألا تعرفين هذا؟
قلت كمن يعتذر:
- لا.. لا أعرف.
وغرقت في لحظة صمت.
كيف لي أن أواصل الحديث مع رجل يبدو هو نفسه كاذب الفرح.. بقدر ما صديقه باذخ الحزن؟
وأنا التي جئت مصادفة لهذا اللقاء.. في ثوب أسود.
كيف أبرر هيأتي, ولم يحدث أن أقمت علاقات لونية مع الأشياء.
حاولت أن أغادر سيرة الألوان, كي لا ينفضح جهلي به؛ قلت:
-عجيبة علاقتنا التي بدأت في العتمة؛ منذ ذلك اليوم وأنا أريد أن أدخل الضوء إلى هذه القصة.
- ابتسم وأجاب:
- ولكننا لم نلتق في العتمة..
- كدت أسأله "أين التقينا إذن؟" ولكن سؤالا كهذا بدا لي غريبا. وقد يفضحني في حال أنه يتوقعني "هي".
- رحت أستدرجه لاعتراف ما؛ قلت:
- أحب قصص التلاقي.. في كل لقاء بين رجل وامرأة.. معجزة ما؛ شيء يتجاوزهما, يأتي بهما, في الوقت والمكان نفسه, ليقعا تحت الصاعقة إياها. ولذا يل العشاق حتى بعد افتراقهما.. وقطيعتهما, مأخوذين بجمالية لقائهما الأول. لأنها حالة انخطاف غير قابلة التكرار, ولأنها الشيء النقي الوحيد الذي ينجو ممّا يلحق الحب من دمار.
توقعت أن يقول ما يشي بلقاء, أو بقصة ما. ولكنه قال:
- كل البدايات جميلة في الحب.. وأجملها بدايتنا.
قلت بمراوغة الاندهاش:
- حقا؟
أجاب:
- طبعا.. لأنها معجزة تتكرر معنا كل مرة.
لم يقل أكثر من هذه الجملة, التي جعلتني استنتج أننا التقينا قبل عرض ذلك الفيلم. ولكن أين.. ومتى؟ تلك أسئلة لم يبد مهيأً للجواب عنها؛ فقد دخل في حالة صمت, واضعا بيني وبينه جملا من ضباب الدخان.
رحت أتأمله للحظات, وهو مشغول عني, بنا.. أو بها.
ثم كسرت الصمت بأول جملة خطرت بذهني.
قلت:
- إن رجلا يرتدي الأسود هو رجل يضع بينه وبين الآخرين مسافة ما. ولذا ثمة أسئلة, لا أجرؤ على طرحها عليك, رغم بساطتها. إنك تبدو لي رجلا يكره الأسئلة..
قاطعني شبه مندهش:
- أنا أكره الأسئلة؟ من قال هذا؟
توقعت للحظة أنني أخطأت. ولكنه واصل:
- أنا أحب الأسئلة الكبيرة.. الأسئلة المخيفة التي لا جواب لها. أما تلك الفضولية, فهي تزعجني بسذاجتها. وأظنها تزعج آخرين غيري..
- وكيف ترد إذن على أسئلة الناس حولك؟
سحب نفسا عميقا من سيجارته وكأنه لم يتوقع سؤالي.. ورد بنبرة لا تخلو من مسحة تهكمية:
- الناس؟ إنهم لا يطرحون عليك عادة, إلا أسئلة غبية, يجبرونك على الرد عليها بأجوبة غبية مثلها..
يسألونك مثلا ماذا تعمل.. لا ماذا كنت تريد أن تكون. يسألونك ماذا تملك.. لا ماذا فقدت. يسألونك عن أخبار المرأة التي تزوجتها.. لا عن أخبار تلك التي تحبها. يسألونك ما اسمك.. لا ما إذا كان هذا الاسم يناسبك. يسألونك ما عمرك.. لا كم عشت من هذا العمر. يسألونك أي مدينة تسكن.. لا أية مدينة تسكنك. يسألونك هل تصلي.. لا يسألونك هل تخاف الله. ولذا تعودت أن أجيب عن هذه الأسئلة بالصمت. فنحن عندما نصمت نجبر الآخرين على تدارك خطأهم.
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
فوضى...ابتسامه قارب الغروب نثر و خواطر .. عذب الكلام ... 31 05-20-2017 07:56 PM
فوضى.......بقلمي jehan1970 أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه 13 09-29-2011 09:03 AM
فوضى في المحاكم الأمريكية دارين! نكت و ضحك و خنبقة 3 11-29-2010 10:49 PM
###فوضى## ليالي الأنس أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه 9 08-14-2009 12:13 AM


الساعة الآن 11:33 PM.


Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.

شات الشلة
Powered by: vBulletin Copyright ©2000 - 2006, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لعيون العرب
2003 - 2011