عيون العرب - ملتقى العالم العربي

العودة   عيون العرب - ملتقى العالم العربي > عيـون القصص والروايات > روايات طويلة > روايات كاملة / روايات مكتملة مميزة

روايات كاملة / روايات مكتملة مميزة يمكنك قراءة جميع الروايات الكاملة والمميزة هنا

 
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 12-17-2015, 02:37 PM
 
البيت المائل ~ اجاثا كريستي

[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:700px;background-image:url('http://up.arabseyes.com/uploads2013/17_12_15145035209314512.jpg');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]



كيفكم ياعضاء المنتدي و زوارنا الكرام
اقدم لكم احدي اجمل القصص التي قرائتها للكاتبة
العالمية اجاثا كريستي انتظروني مع الفصول



اسم الرواية:- البيت المائل
اسماء اخري:- البيت الاعوج
التصنيف:- بوليسية
عدد الفصول :- 26 فصلاً
[cc=الفهرس]
الفصل الآول

الفصل الثاني

الفصل الثالث

الفصل الرابع

الفصل الخامس

الفصل السادس

الفصل السابع

الفصل الثامن

الفصل التاسع

الفصل العاشر

الفصل الحادي عشر

الفصل الثاني عشر

الفصل الثالث عشر

الفصل الرابع عشر

الفصل الخامس عشر

الفصل السادس عشر

الفصل السابع عشر

الفصل الثامن عشر

الفصل التاسع عشر

الفصل العشرين

الفصل الحادي والعشرين

الفصل الثاني والعشرين

الفصل الثالث والعشرين

الفصل الرابع والعشرين

الفصل الخامس والعشرين

الفصل السادس والعشرين-الآخير-[/cc]



كانت عائلة ليونايدز عائلة كبيرة سعيدة يعيش أفرادها بقناعة في بيت واسع
(كثير الزوايا والأشكال المثلثة) في بعض ضواحي لندن الفاخرة.
و لكنهم يكتشفون – بعد مقتل أريستايد ليونايدز – أن بينهم قاتلاً...

الشرطة يراقبون و يحققون، و لكن جريمة أخرى كادت تقع أمام أنظار الجميع،
ثم يكاد شخص ثالث أن يلقى حتفه.هل أمسك الشرطة القاتل الصحيح؟





[/ALIGN]
[/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]
__________________






التعديل الأخير تم بواسطة Freesia | فريسيا ; 12-22-2015 الساعة 07:10 PM
  #2  
قديم 12-17-2015, 02:57 PM
 
[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:70%;background-image:url('http://up.arabseyes.com/uploads2013/17_12_15145035209314512.jpg');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]



- 1 -


عرفتُ صوفيا ليونايدز أول مرة في مصر قبل نهاية الحرب العالمية. كانت تشغل
منصباً إداريا رفيعاً في إحدى دوائر وزارة الخارجية هناك، و قد عرفتها أثناء وظيفتي
بصفة رسمية فأُعجبت في الحال بكفاءتها التي أوصلتها إلى ذاك المنصب رغم صغر
سنها إذ كانت آنذاك في الثانية و العشرين من عمرها.

و إلى جانب حسن مظهرها فقد كانت ذكية و صريحة تسهل محادثتها رغم ميلها
للسخرية، فأصبحنا صديقين، و أحببتها و رغبت في الزواج بها. كان ذلك حين
تقرر نقلي للعمل في المشرق بعد خمود الحرب في أوروبا.

عزمت على هذا القرار بعدما تناولنا العشاء في فندق شبرد، فأقررت بحقيقةٍ كنت
أعرفها منذ زمن طويل، فقد أعجبتني منذ رأيتها قبل الحرب! أعجبني كل شيء رأيته
فيها: الشعر الداكن الأجعد الذي كان يتشامخ إلى أعلى من جبهتها، و العينان
الزرقاوان المفعمتان بالحيوية، و الذقن البارز الصغير، و الأنف المستقيم، و ثيابها الأنيقة!

كانت تبدو إنكليزية ممتلئة بالحيوية، و قد أعجبني ذلك كثيراًبعد ثلاث سنين
قضيتها غائبا عن بلدي. و فكرت في نفسي أنْ لا أحد يبدو إنكليزيا أكثر منها..
ترى هل تستطيع أن تكون إنكليزية حقا كما تبدو؟ هل يصبح الشيء الزائف
كالشيء الخالص في الكمال؟
أدركت أن صوفيا – رغم حديثنا الحر الطويل و مناقشة الأفكار فيما نحب و ما
نكره و المستقبل و أصدقائنا المقربين – لم تذكر شيئا عن بيتها و أسرتها. لقد عرفت
كل شيء عني – و كانت مستمعة جيدة – و لكني لم أعرف عنها شيئا! كنت
أقدر أن لها الجذور الاجتماعية المعروفة، لكنها لم تتحدث عنها قطّ، و لم أدرك
الحقيقة حتى هذه اللحظو. سألتْني:

- فيم كنت تفكر؟

أجبتها بصدق:

- أنت!

- عرفت ذلك.

- قد لا نلتقي قبل عامين، لا أعرف متى أعود إلى إنكلترا، لكن أول شيء أفعله
حين أرجع إلى إنكلترا هو المجيء لكي أراك و أطلب منك أن تتزوجيني.

تقبلت صوفيا الأمر دون أن يطرف لها جفن، و جلستٍ نحنسي القهوة دون أن
تنظر إليّ، و شعرت بالعصبية قليلاً، قلت:

- اسمعي، سأفعل كل شيء إلا شيئاً واحدً، لن أطلب منك الزواج الآن، ربما
ترفضينني فأرحل بعدها يائساً، و ربما أعشق امرآة اخرى قبيحة حتى أنتقم لغروري،
و حتى لو وافقتِ فما عسانا أن نفعل إزاء هذا الأمر؟ نتزوج في الحال؟ نعلن خطبتنا
ثم نبقى على تلك الحال زمناً طويلاً؟

لا أحتمل رؤيتك على هذه الحال، فقد تلتقين رجلا غيري ثم تشعرين بأن عليكِ أن
تكوني مخلصة لي. أحب أن أراك تعودين إلى وطنك حرة مستقلة لكي تنظري
حولك و تعرفي عالم ما بعد الحرب الجديد و تقرري ما تريدينه من هذا العالم،
فالذي بيني و بينك يا صوفيا سيبقى خالداً لأنني لن أتزوج أي امراة أخرى.

- و أنا أيضاً..

- هل تعلميبن بم أشعر؟

همست صوفيا:

- لا ينبغي الغزل الآن.

- حبيبتي، ألا تفهمين؟ لقد حاولت ألا أقول بأنني أحبك..

قاطعتْني:

- إنني أفهم يا تشارلز، و أنا أحب أسلوبك الغريب، قد تأتي لتراني حين تعود إن
كنت تريد أن..

و قاطعتُها:

- لا شك في ذلك.

- الشك يدخل كل القلوب يا تشارلز، قد يظهر أحياناً أمرٌ غير محسوب و لا
مقدر يغير الأحداث كلها. تذكّر أنك لا تعرف شيئاً عني، أليس كذلك؟

- بلى، حتى أنني لا أعرف أين بيتكم في إنكلترا؟

- إنني أعيش في سْوينلي دين.

أومأتُ برأسي حين ذكرت هذه الضاحية الشهيرة في لندن التي تتباهى بثلاثة
ملاعب غولف، و أضافتْ بهدوء و صوت مطمئن:

- في بيت صغير مائل..

و ضحكتْ فجفلتُ قليلاً، ثم أردفت بجملة مقتبسة:

- ((و كانوا جميعا يعيشون في بيت صغير مائل))، هذه حالنا نحن، بيتنا ليس بيتا
صغيرا، لكنه حتما منحرف خشبي موشور الشكل، في سطحه زوايا كثيرة!

- هل أنت من عائلة كبيرة؟ إخوتك و أخواتك؟

أخ واحد و أخت واحدة، و أبي و أمي و عمي و زوجته و جدي و زوجته و خالة عجوز.

صحت و أنا مرتبك قليلاً:

- يا إلهي!

ضحكت صوفيا:

- نحن لا نعيش معاً، لكن الحرب و الغرات الجوية هي التي اضطرتنا أن نجتمع،
لكنني لا أدري.. – و قطبت حاجبيها تفكر - .. ربما كان أبناء العائلة يعيشون
معاً في الروح تحت رقابة جدي و حمائته، إنه رجل له شأنه. لقد تجاوز الثمانين من عمره،
و هو قصير القامة، لكن شخصيته قوية بدرجة غير عادية.

- يبدو مثيرا للاهتمام.

- إنه فعلا كذلك، فهو يوناني من سميرْنا، اسمه أريستايد ليونايدز. ثم أضافت و
عيناها تطرفان: و هو غني جداً!

- من يرثه بعد وفاته؟

- جدي سيقرر، و لن يئثر فيه أي أسلوب أو يزحزحه، إنه داهية! ترى، هل ستحبه؟

- و هل تحبينه أنت؟

- أكثر من أي شخص في الدنيا.






[/ALIGN]
[/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]


التعديل الأخير تم بواسطة زيزي | Zizi ; 12-18-2015 الساعة 12:25 AM
  #3  
قديم 12-17-2015, 03:34 PM
 
[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:70%;background-image:url('http://up.arabseyes.com/uploads2013/17_12_15145035209314512.jpg');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]




- 2 -


كان ذلك قبل سنتين من عودتي إلى بلدي. لم تكن سنين الغربة سهلة، كنت
أكتب صوفيا و أسمع منها كثيراً، و كانت رسائلها مثل رسائلي: رسائل صديقين
حميمين لا رسائل حب، فكانت هي تكثر من ذكر شؤون الحياة اليومية، لكنني
كنت أعرف أن مشاعر أحدنا تجاه الآخر كانت تزداد و تقوى.

و رجعت إلى إنكلترا في يوم هادئ كئيب من أيام أيلول: بدت الأوراق على
الأشجار ذهبية في ضوْء المساء، و كانت الريح تعصِف.

أرسلت لصوفيا برقية من أرض المطار:

((لقد عدت لتوي.
أرجو أن نتناول العشاء معاً هذا المساء في ماريو الساعة التاسعة!
تشارلز)

بعد ذلك بساعتين كنت أجلس أقرأ جريدة (التايمز) و أتفحص أعمدة المواليد و
الزواج و الوفيات، فوقعتْ عيني على اسم ليونايدز:

(في 19 أيلول، في ثري غابِلْز، سوينلي دين، مات أريستايدليونايدز زوج بريدنا
ليونايدز المحب عن عمر يناهز الثامنة و الثمانين. مع الأسف العميق!)

ثم قرأتُ إعلاناً آخر:

(مات أريستايد ليونايدز فجأة في مسكنه ثري غابلز، سوينلي دين! ينعاه أولاده و
أحفاده المحبون بعمق الأسى!ترسل الورود إلى كنيسة القديس إلْيرْد في سوينلي دين)

أثار الإعلان استغرابي، فربما أدّى خطأ من جانب المحررين في الصحيفة إلى هذا
الإزدواج، لكنّ شغلي الشاغل كان صوفيا.

أرسلت لها برقية ثانية على عجل:

(لقد قرأت لتوي خبر وفاة جدك.. آسف جداً!
متى أستطيع رؤيتك؟
تشارلز))


وصلتني برقية من صوفيا في السادسة و أنا في بيت أبي:

(سأكون في ماريو في التاسعة ليلاً.
صوفيا))


جعلتني فكرة لقاء صوفيا مرة أخرى عصبياً. و كان الوقت يمرّ بطء يثير الجنون.
كنت أنتظرها في الماريو قبل الموعد بثُلث ساعة و تأخرت هي عن الموعد خمس دقائق.

إن لقاء شخص مرة أخرى بعد انقطاعٍ طويلٍ مربكٌ إلى حدٍّ ما و إن يكن حاضراً
في ذهنك طوال تلك الفترة. حين دخلت صوفيا من الباب الدوار كان لقاؤنا
متكلِّفاً. كانت تلبس الأسود بسبب الحداد بلا ريب، و قد فاجأني أن صوفيا من
الذين يلبسون الأسود حقاً حداداً على قريب مات!

شربنا عصيراً ثم ذهبنا إلى طاولتنا. تحادثنا سريعاً بطريقة محمومة، نسأل عن الأصدقاء
القادمى أيام كنا في القاهرة. و كان حديثنا مجاملة لكنه طغى على الارتباك الذي
ساد بداية اللقاء.

واسيتها بوفاة جدها و قالت صوفيا بهدوء بأنها حدثت فجأة كلُّها.

ثم اطنلقت مرة أخرى للذكريات، وبدأت أشعر بالخوف من شيء ما، شيء غير
الارتباك الطبيعي من اللقاء ثانية بعد غيبة طويلة. كان في صوفيا شيء غير طبيعي
حتماً: هل تخبرني بأنها عرفتْ رجلاً آخر غيري تهتم به أكثر مني و أن إحساسها
بي كان خداعاً؟ ساورني إحساس عميق بأن الأمر لم يكن كذلك، و لكني فشلت
في الاهتداء إلى احتمال آخر، و في غضون ذلك أكملنا حديثنا المصطنع!

ثم فجأة عندما وضع الساقي القهوة لنا و تراجع و هو ينحني، بدأ الحديث يتغير،
فأنا أجلس الآن مع صوفيا كما كنا نفعل من قبلُ كثيراً على طاولة صغيرة في
مطعم، كأن سنين الغربة التي عشناها لم تكن أبداً. قلتُ:

- صوفيا!

- تشارلز!

تنهدتُ عميقاً دلالة على الارتياح و قلت:

- أحمد الله أن هذا الأمر قد انتهى و ولّى. ما الذي أصابنا؟

- ربما كانت غلطتي، كنت حمقاء!

- هل الأمرُ الآن طبيعي؟

- أجل.. طبيعي الآن.

و ابتسمنا، فقلت:

- حبيبتي، هل نتزوج قريباً؟

انطفأت ابتسمتها فأصابني الانقباض ثانية، قالت:

- ربما، لا أدري يا تشارلز إن كنت أستطيع الزواج بك؟

- و لِمَ لا يا صوفيا؟ ألأنك تشعرين بأنني غريب؟ أتريدين وقتاً لتعتادي عليَّ ثانية؟
هل عرفتِ رجلاً غيري؟

هزت رأسها و قالت:

- لا، ليس كذلك..
و خفضت صوتها
– .. بل بسبب موت جدي.

- موت جدك؟ لماذا؟ و ما الفرق؟ إنك لا تقصدين حتماً أن امتناعك بسبب
المال، أليس كذلك؟ و هل ترك جدك مالاً؟ لكنّ الأمر يا عزيزتي..

- إنه ليس المال – وابتسمت ابتسامة سريعة – أظن أنك سكتون راغباً تماماً أن
تأخذني على حالتي الجديدة كما يقول المثل القديم، ثم إن جدي لم يخسر مالاً في حياته.

- إذن فما الأمر؟

- أظن – يا تشارلز – أن جدي لم يمت موتاً طبيعياً، ربما يكون قد قتل!

- يا لها من فكرة غريبة! ما الذي يجعلك تظنين أن جدك قُتل؟

- أنا لم أفكر فيها، بل كان الطبيب يشك في الأمر. إنه لم يوقّع شهادة الوفاة،
و سوف يشرّح الأطباء الجثة، فلعل في الأمر شيئا غير طبيعي.

لم أجادلها، لأنها فتاة ذكية جداً، صاحبة آراء صائبة و استنتاجات سليمة، بل قلت لها جاداً:

- قد يكون لشكوكهم أسبابُها، لو أن لها أسباباً فكيف يؤثر هذا علينا نحن الاثنْين؟

- قد يؤثر في حال من الأحوال، فأنت تعمل في السلك الدبلوماسي. إنهم شديدو
الاهتمام بأمر الزوجات. لا، أرجوك لا تقل شيئا يتفطّر له قلبك! كأنك تريد أن
تقول: (أريد أن يكون زواجنا حسناً، لا ينبغي لأحدٍ منا أن يضحي من أجل
الحب!)، فما يدريك يا تشارلز؟ ربما يكون كل شيء طبيعياً..

- أيكون الطبيب قد ارتكب خطأ؟

- و إن لم يرتكب خطأ فلا يهم ما دام ذلك الشخص قد قتله.

- ماذا تقصدين يا صوفيا؟

- إنه أمر بغيض لكنني أريد أن أكون صريحة.

و أدركتْ صوفيا كلماتي قبل أن أقولها، فقالت:

- لا يا تشارلز، لن أقول شيئا آخر. ربما قلت كثيراً من قبل، لكنني أصررت على
المجيء هنا و لقائك هذه الليلة؛ لكي أراك بعيني و أفهمك. لن نفعل شيئا حتى
تنجلي هذه المشكلة.

- اخبريني عنها على الأقل.

- لا أريد يا تشارلز، لا أريدك أن ترى الأمر من زاويتي، بل أريد أن تكون نظرتك
صواباً و أن ترى الأمر بطريقة صحيحة.

- كيف أفعل ذلك؟

قالت لي و هي تنظر إليَّ بعينين زرقاوين تبرقان بوهج غريب:

- فلتسمعه من أبيك.

كنت قد أخبرت صوفيا – و نحن في القاهرة – أن أبي يعمل مساعد مفوّض في
سكوتلانديارد، و هو ما يزال كذلك. و عندما قالت كلمتها الأخيرة أحسست
بالإحباط فقلت مستفسراً:

- إذن فالأمر سيّء إلى هذا الحد؟

- أظن ذلك، هل ترى رجلا يُطيل الجلوس إلى طاولة قرب الباب وحيداً؟ رجلاً
وسيماً بليداً كان يعمل من قبل في الجيش؟ لقد كان هو نفسه على رصيف محطة
سوينلي دين هذا المساء ساعة دخلتُ القطار.

- تقصدين إنه تبِعك إلى هنا؟

- نعم، أظن أننا جميعاً تحت الرقابة، لقد ألحوا إلينا أن من الأفضل أن نمكث جميعاً
في البيت، و لكنني كنت عقدت العزم على رؤيتك – و برز ذقنها الصغير و هي
تتكلم مشاكسة – لقد خرجت من شباك الحمام ة انزلقت على أنبوب المياه!

- حبيبتي!

- لكن الشرطة قديرون في عملهم، و هناك طبعاً البرقيةُ التي أرسلتُها لك. حسناً، لا
تؤاخذني، إننا هنا معاً لكنّ علينا من الآن فصاعداً أن نفترق.. و سكتت قليلاً ثم
أضافت:

- و لسوء الحظ، فإن أيّاً منا لا يشك بحب صاحبه له يا تشارلز!

- لا شك بتاتاً، و لا تقولي: (لسوء الحظ)، لقد بقيت أنا و أنت على قيد الحياة
أثناء الحرب العالمية، و نجونا من الموت المفاجيء كثيرا، و لا أعلم كيف يدهم
الموت عجوزاً فجأة؟.. كم كان عمره؟

- سبعة و ثمانين عاماً!

- أجل، قرأته في جريدة (تايمز) و لو سألتني لقلت أنه مات في الشيخوخة، و أن
أي طبيب يحترم نفسه سوف يرضى بهذه الحقيقة.

- لو كنتَ تعرف جدي لأسِفْت على موته.





[/ALIGN]
[/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]

التعديل الأخير تم بواسطة زيزي | Zizi ; 12-18-2015 الساعة 12:24 AM
  #4  
قديم 12-17-2015, 04:46 PM
 
[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:700px;background-image:url('http://up.arabseyes.com/uploads2013/17_12_15145035209314512.jpg');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]




- 3 -

اهتممت على الدوام بعمل أبي في الشرطة، لكني لم أتهيأ للّحظة التي أكون فيها مهتماً
بشكل مباشر هكذا. و لم أكن بعدُ قد رأيت الرجل العجوز، فعندما وصلت البيت كان
هو في الخارج. بعدما اغتسلت و حلقت ذقني و غيّرت ثيابي خرجت من أجل صوفيا،
و حين رجعت أخبرني جلوفر أنه كان في مكتبته.

كان يجلس وراء مكتبه عابساً يطالع كثيراً من الأوراق، و حين رآني داخلاً قفز عن
مقعده مرحبّاً:

- تشارلز، لم أرك منذ زمن بعيد.

كان لقاؤنا بعد خمس سنين من الحرب لقاء يصيب أي فرنسي بخيبة أمل، و الحقيقة
أننا كان بيننا عاطفة اجتماع الشمل؛ فأنا و العجوز نحب بعضنا كثيراً و نفهم بعضنا
جيداً. قال العجوز:

- آسف لأنني كنت خارجاً حين وصلتَ هنا، إنني غارق في العمل حتى أذنيّ، تباً!
لهذه القضية التي بدأت أدرسها الآن..

أسندت ظهري إلى الكرسي و سألته:

- قضية أريستايد ليونايدز؟

عبس العجوز و قطب حاجبيه و نظر إلي نظرة تقدير، و قال بلسان هادئ و قوي:

- تشارلز، كيف عرفت ذلك؟

- بلغتني معلومات.

- ما خطبك يا تشارلز؟ أخبرني.

- أخشى ألا يعجبك كلامي! لقد لقيت صوفيا ليونايدزفي القاهرة. أحبتها، و سوف
أتزوجها. ألتقينا هذه الليلة. لقد تعشّت معي.

- تعشت معك؟ في لندن؟ و كيف خرجتْ؟ لقد طلبنا من أفراد العائلة ألاّ يغادروا البيت.

- أجل، لكنها انزلقتْ على أنبوب المياه من شباك الحمام.

ابتسم العجوز ابتسامة سريعة و قال:

- تبدو فتاة داهية!

- لكن شرطتكم قديرون تماماً، فقد تبعها شرطي إلى مطعم ماريو، و سوف ترى
أوصافي في البيانات التي بين يديك: الطول خمسة أقام و أحد عشر إنشاً، الشعر بني،
العينان عسليتان، بدلة كحلية مقلّمة..

نظر العجوز إليّ نظرة قاسية، و سألني:

- أهذا كلام جاد؟

- أجل، إنه كلام جدا يا أبي!

صمتنا برهة قصيرة، ثم سألته:

- و هل تمانع ذلك؟

- لم أكن لأمانع ذلك قبل أسبوع. إنها أسرة غنية جداً، و الفتاة سوف ترث المال، و
أنت فتىً بالغ عاقل راشد، و لكن..

- ماذا يا أبي؟

- سيكون الأمر طبيعيا لو..

- ماذا؟

- لو كان الذي فعلها هو ذاك الشخص!

للمرة الثانية أسمع العبارة ذاتها في تلك الليلة، و بدأت أتشوق لمعرفة التفاصيل و جلاء الموضوع:

- من هو ذلك الشخص؟

نظر إليَّ نظرة حادّة:

- ماذا تعرف عن هذا الأمر؟

- لا شيء.

تساءل مندهشاً:

- (لا شيء)؟ ألم تخبرك الفتاة؟

- لا، قالت بأنها تحب أن أرى الأمر من وجهة نظري من غير تأثيرٍ منها.

- لماذا؟

- أليس ذلك واضحاً؟

- لا يا تشارلز.

و جعل أبي يروح و يجيء و ما زال عابساً. أشعل السيغار و نفث دخانه، فعرفت أن
الوالد العجوز انزعج. ثم فاجأني بسؤال:

- ماذا تعرف عن العائلة؟

- تباً! أعرف أن هناك الرجل العجوز و العديد من أبنائه و أحفاده و أزواجهم. لكني
لم أستوعب جميع أفراد هذه العائلة الكبيرة، ليتك يا أبي توضح الصورة لي!

قال و هو يجلس:

- نعم، هذا جيد. سوف أبدأ بالأب الكبير إريستايد ليونايدز، فقد وصل إلى إنكلترا و
هو في الرابعة و العشرين.

- يوناني من سميرنا؟

- ها أنت تعلم هذا!

- أجل، لكن هذا هو كل ما أعرفه.

و انفتح الباب، و دخل جلوفر ليقول إن رئيس المفتشين تافيْرنر حضر فقال أبي:

- إنه المسؤول عن القصة فلْنُدخلْه، لقد كان يطلع على ملفّ العائلة، و هو يعلم عن
أفرادها أكثر مما أعلم.

و سألتُ أبي إن كانت دائرة الشرطة المحلية قد استدعت سكوتلانديارد فقال:

- إنها من شأننا، لأن سوينلي دين تقع في منطقة لندن الكبرى.
و دخل رئيس المفتشين تافيرنر إلى الغرفة فأومأت برأسي محيّياً، فلقد كنت أعرفه منذ
سنين. حيّاني بحرارة و هنأني على عودتي سالماً. ثم قال أبي:

- إنني أبين الصورة لتشارلز، فإن أنا أخطأت فذكّرْني يا تافيرنر. وصل ليونايدز إلى
لندن عام 1844، حيث أنشأ مطعماً صغيراً في سوهو، و كان ناجحاً، فأنشأ مطعماً

آخر، و ما زال هكذا حتى صار يمتلك سبعة مطاعم أو ثمانية، و كانت كلُّها رابحة!


تافيرنر: لم يكن ليونايدز يخطئ في أي شيء يفعله.

أبي: كانت فيه حاسة طبيعية، و سرعان ما أصبح وراء معظم مطاعم لندن الكبرى.
ثم عمل في سوق التجهيزات الغذائية، و كان عمله فيها ضخماً حقاً.

تافيرنر: و كان ليونايدز وراء بعض التجارات الأخرى مثل الثياب البالية و محالّ
الجواهر التقليدية و غيرها كثير!.. و كان رجلاً غير أمين.

قال تافيرنر الجملة الأخيرة بعد هنيهة من التفكير، فسألته قائلاً:

- أكان محتالاً؟

- لا، كان فيه عِوجٌ و لكنْ لم يكن محتالاً، و هو – و إن لم يخرج عن القانون – إلاّ
أنه كان يفكر بأي أسلوب للالتفاف عليه. لقد جنى أرباحاً كبيرة بهذه الطريقة، و حتى
في الحرب الأخيرة رغم أنه كان أثناءها طاعنا في السن. لم يفعل شيئا غير قانوني،
لكنه كان إذا شرع في عمل يلتمس له في القانون مخرجاً ثم يكون قد انتقل إلى عمل
غيره! أرجو أن تكون قد فهمت ما أعنيه.

قلت:

- إنه لا يبدو شخصية جذابة.

- من الغريب إنه كان جذاباً قوي الشخصية حتى أنك لتشعر بذلك من لمحة واحدة. و
إذا نظرت إليه لم تَرَ ما يثير إعجابك، كان قزماً قبيحاً لكنه كان ساحر، فما أكثر النساء
اللائي أحببْنه!
قال أبي: لقد تزوج زواجاً يصدم السامع، تزوج ابنة إقطاعي في الريف صاحب اراضٍ
لتربية الثعالب.
رفعتُ حاجبيّ من الدهشة و قلت:

- المال!؟

هز العجوز رأسه و قال:

- لا، كان زواج حب. لقيَتْي الفتاة لتبحث معه شأن بعض التجهيز الغذائي في حفل
زفاف صديقة لها فوقعت في حبه. و سخِط أبوها عليها لكنها ألحّتْ في الزواج منه. لقد
قلت لك بأن للرجل سحراً عجيباً جذبها، و يبدو أنها كانت قد سئمت من الرجال
التقليديين حولها.

- و هل كان زواجهما سعيداً؟

- كان سعيداً جدا. و رغم أن أصدقاءهما المحترمين لم يخالطوهما فإن ذلك لم يكن
يقلقهما، و عاشا من غير أصدقاء. و بنى زوجها بيتاً تنكره الطبيعة و العقل في
سوينلي دين، و سكنا هناك و أنجبت هي ثمانية أطفال. كان العجوز لينايدز ذكيا حين
اختار سوينلي دين؛ لأنها كانت في بداية التحول إلى منطقة نموذجية راقية، فلم يكن
فيها – بعدُ – ملعبا الغولف الثاني و الثالث.

و كان حولهما جماعة من السكان القدامى الذي كانوا يحبون حدائقهم كثيراً، أحبوا
جارتهم السيدة ليونايدز، و أحبوا رجال المدينة الأغنياء الذين أتوا ليعيشوا جوار السيد ليونايدز.

أعتقد أنهم كانوا سُعداء تماماً حتى ماتت السيدة في عام 1905 بمرض ذات الرئة!

- و هل تركته مع ثمانية أطفال؟

- أحدهم مات طفلاً و اثنان قُتلا في الحرب الأخيرة، و كان هناك ثلاث بنات إحداهن
تزوجت و رحلت إلى أستراليا و ماتت هناك، و الثانية بقيت عانساً ثم صدمتها سيارة
فماتت، و الثالثة ماتت قبل سنة أو اثنتين. و ما زال من أبنائه اثنان على قيد الحياة:
روجر، الولد الأكبر، تزوج و لم ينجب أطفالاً، و فيليب الذي تزوج ممثلة شهيرة
فأنجبت له ثلاثة أطفال: صاحبتك صوفيا، و يُوسْتيس، و جوزفين.


- و هل يعيشون جميعاً في.. ما اسم ذلك البيت؟ ثري غابلز؟

- أجل، لقد تدمر بيت روجر ليونايدز من القصف في أوب الحرب. أما فيليب و بناته
فإنهم يعيشون هناك من عام 1937. و هناك الخالة العجوز أخت السيدة ليونايدز –
الآنسة دي هافيلاند – التي كانت تشمئز من زوج أختها، لكنها عرفتْ أن من واجبها
بعد موت أختها أن تقبل دعوة السيد ليونايدز لكي تعيش عنده و تربي الأطفال.

قال تافيرنر: إنها دائمة الحماس في عملها لكنها لا تغير رأيها في أحد من الناس، فهي
تعارض ليونايدز و تنقد أسلوبه.

قلت:

- حسنا، يبدو إنه بيت مليء تماماً! فمن تظنه القاتل؟

هز تافيرنر رأسه و قال:

- الوقت ما يزال مبكرا لقول ذلك.

قلت:

- ماذا دهاك يا تافيرنر؟ أنا واثق بأنك تعلم القاتل، تحدث بحرية فنحن لسنا في محكمة يا رجل!

تجهّم تافيرنر و قال:

- لا، و ربما لا تنعقد المحكمة أبداً.

- هل تقصد أنه ربما لا يكون قد قُتل؟

- بل قُتل بلا شك، تسمم، لكن إثبات الدليل في أحوال التسمم هذه يتطلب براعة شديدة،
قد تشير جميع الوجوه إلى اتجاه واحد. إنها قضية واضحة، جريمة كاملة، لكني في
حيرة، إنها جريمة متقنة جداً!

نظرت إلى العجوز مستغيثاً، فقال بطء:

- أنت تعلم يا تشارلز أن الحل الواضح في قضايا القتل يكون غالبا هو الحل الصحيح.
لقد تزوج العجوز ليونايدز مرة ثانية قبل عشر سنين.

- و هو في السابعة و السبعين؟

- أجل، تزوج فتاة في الرابعة و العشرين!

صفَرتُ مندهشاً:

- و من هي؟

- فتاة كانت تعمل في مقهى، محتشمة و حسناء، لكنها ضعيفة و مهمِلة.

- أتكون هي قتلتْه؟

و خاطبني تافيرنر:

- إنني أسألك أنت يا سيدي، فالفتاة قد بلغت الرابعة و الثلاثين، و هذه سنّ خطرة. و
هي فتاة تحب العيش الهاديء، و في البيت شابّ غريب يعلّم الأطفال، و هو لم يذهب
إلى الحرب لمرضٍ أصاب قلبه، و كانت علاقتهما معاً علاقة حميمة.

نظرت إليه متأملاً، كان ذلك نموذجاً قديماً و مألوفاً: تلك العائلة المتباينة الأفراد، و
معها السيدة ليونايدز الثانية التي كانت – حسب كلام أبي – امرأة جديرة بالاحترام، و
لكن لا يجدر أن ننسى أن الكثير من الجرائم ارتكبت دوما مستترةً بثوب الاحترام.

و سألت تافيرنر:

- و ماذا كان ذلك السم؟ أهو الزرنيخ؟

- لم يأتينا – بعدُ – تقرير المختبر، لكن الطبيب يظن أنه سُمّ الإيسيرين.

- هذا مُستغرَب قليلاً، أليس كذلك؟ من السهل حتما كشف المشتري.

- كان دواء يتداوى به... لقد كان قطرة عين.

قال أبي: كان ليونايدز مصاباً بالسكري، و كان يأخذ حقناً دوريّة من الأنسولين. كان
الأنسولين في قنانيّ صغيرة أغطيتها من المطاط، فيوخز الغطاء بإبرة الحقن ثم تسحب
الحقنة و فيها الأنسولين.

قلت مستنتجاً:

- و لم يكن الذي في الزجاجة الأنسولين، بل اٌيسيرين، أليس كذلك؟

- تماماً.

- و من الذي حقنه الإبرة؟

- زوجته.

لقد فهمت الآن ماذا كانت تقصد صوفيا بقولها: (ذلك الشخص). و سألته:

- و كيف كانت العائلة مع السيدة ليونايدز الثانية؟

- لم تكن جيدة، و نادراً ما تبدلوا الحديث مع بعضهم.

كان كل شيء يتضح أكثر فأكثر، لكن كان واضحا أن المفتش تافيرنر لم يكن سعيداً
بذلك. فسألته:

- لا يبدو أنك مقتنع تماما بهذه الفرضية؟

- لو أنها فعلت ذلك يا تشارلز لكان سهلاً عليها أن تستبدل بالقنّينة قنينة أنسولين
حقيقية بعد ذلك، لا أستطيع أن أفهم لِمَ لمْ تفعل ذلك؟

- و هل في البيت كثير من الأنسولين؟

- أجل، قنانٍ ملأى و أخرى فارغة، و لو أنها فعلته لما استطاع الطبيب كشفه قطّ، لأن
جسم الإنسان إذا تسمم بالإيسيرين فمات لا يُعرف في الأعراض التي تظهر على
الجثة إلا قليلاً جداً. أما الذي حصل هنا فهو أن الطبيب قد فحص زجاجة الأنسولين
فعرف فوراً أن الذي فيها لم يكن أنسوليناً.

قلت متأملاً:

- إذن فإما أن تكون السيدة ليونايدز غبية جداً و إما أن تكون ذكية جداً.

- أنت تقصد..

- ربما راهنت على استنتاج ستصلون إليه بأن أحداً لا يمكن أن يكون بالغباء الذي
يبدو لكي يرتكب عملاً كهذا. على أية حال، هل هناك مشبوهون آخرون!

- كل من في البيت مشبوهون جميعاً، و قد كان فيه مخزون كبير من الأنسولين يكفي
أسبوعين، فربما عبثتْ يدٌ بإحدى القوارير و تم وضعها لكي تستعمل في الوقت المقرر.

- و هل يستطيع كل منهم أن يصل إليها؟

- أجل، فلم تكن في خزانة مقفلة، بل كانت تحفظ على رف خزانة الأدوية في الحمام،
و كل ساكن في البيت يأتي و يذهب إليه بحرية.

- و ماذا يدفعهم لقتله؟

تنهد أبي و قال:

- يا عزيزي تشارلز، كان أريستايد ليونايدز غنياً جداً، صحيح أنه خصّص مالاً كثيراً
لعائلته، و لكن لعل أحدهم أراد المزيد.

- لا يوجد أحدٌ يريد أن يكون نصيبه أكبر من الجميع أكثر من تلك الأرملة، هل كان
صديقها ذا مال؟

- بل فقيرا مثل فأر الكنيسة!

و فجأة لمعت في ذهني بعض الأفكار. تذكرت عبارة صوفيا المقتيسة، و تذكرت فجأة
أبيات نشيدنا في الحضانة:

((رجلٌ ملتوٍ مشى مسافة ميلٍ ملتوٍ فوجد قطعة شِلْنٍ ملتوية عند باب ملتوٍ و قطّه
الملتوي أمسك بفأرٍ ملتوٍ، و عاشوا جميعاً معاً في بيتٍ صغيرٍ ملتوٍ)).

قلت أخاطب تافيرنر:

- كيف وجدت السيدة ليونايدز و ما رأيك فيها؟

ردّ بطء:

- إنها ليست سهلة، هادئة جداً قلا تعرف ما تفكر فيه لكنها تحب العيش الهاديء، أقسم
إنني لعلى حق في هذا. إنها تذكرني بقطة، قطة كسولة كبيرة تهرهر، و هذا لا يعني
أنني أكره القطط، إنها جميلة! – و تنهد - .. إننا نسعى وراء الدليل.

أجل، كنا جميعاً نريد دليلاً على أن السيدة ليونايدز قد سممت زوجها. صوفيا كانت
تريده، و تافيرنر رئيس المفتشين، و كذلك أنا، و كل شيء سيكون حسنا بعد ذلك.

لكن صوفيا لم تكن متأكدة، و أنا لست متأكداً، و رئيس المفتشين مثلنا




[/ALIGN]
[/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]


التعديل الأخير تم بواسطة زيزي | Zizi ; 12-18-2015 الساعة 12:31 AM
  #5  
قديم 12-18-2015, 12:19 AM
 
[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:700px;background-image:url('http://up.arabseyes.com/uploads2013/17_12_15145035209314512.jpg');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]


[/ALIGN]
[ALIGN=center]


- 4 -


ذهبت في اليوم التالي إلى منزل ثري غابِلْز مع تافيرنر. كان موقفي غريباً و غير
تقليدي أبداً، لكن العجوز لم يكن تقليدياً بتاتاً.

و كانت لي مكانة، فقد عملت في الشهبة الخاصة في سكوتلانديارد في أيام الحرب
الأولى، و عملي ذاك قد بوأني مكانة رسمية إلى حدّ ما، و إن كانت مهمتي الآن
مختلفة تماماً. و قال أبي:

- إذا أردنا حل هذه القضية فينبغي أن نحصل على معلومات داخلية، يجب أن نحيط
بالناس الذين يعيشون في ذلك البيت، علينا أن نعرفهم من الداخل لا الخارج. أنت
وحدك الذي تستطيع فعل ذلك.

لم أكن أحب ذلك. ألقيت عقب لفافة التبغ في المنفضة و أنا أقول:

- و هل أنا جاسوس للشرطة؟ هل عليّ أن أجلب معلومات داخلية من صوفيا التي
أحبها و تحبني و تثق بي؟

انفعل العجوز كثيرا و قال محتداً:

- أرجوك لا تنظر للأمر هكذا. أولاً: هل تظن أن فتاتك الشابة قد قتلت جدها؟

- كلا، هذه فكرة سخيفة دون شك.

- حسناً، و نحن لا نظن ذلك أيضاً؛ لأن صوفيا كانت في الخارج بضع سنين، و كانت
على علاقة ودية معه دائماً، و كانت تتقاضى راتباً سخياً منه، و لا شك أن خطوبتها
كانت ستسره. إننا لا نشتبه فيها، لكني أريدك أن تعلم شيئا واحداً: إذا لم يتم حل هذه
القضية فلن تتزوجك الفتاة، إنني متأكد مما أقول بسب ما أخبرتني به، و هذه جريمة
لعلها لا تحلّ أبداً.

ربما نكون – يا تشارلز – متأكدين أن الزوجة و صديقها الشاب تعاونا على هذا
العمل لكنّ إثباته مسألة أخرى. و ليس بين أيدينا حتى الآن قضية بيّنة نرفعها إلى
المدعي العام، و ما لم نحصل على دليل قطعي يدينهما فسيبقى هناك شك بغيض دائم،
هل تفهم؟

- أجل، لقد فهمت.

- لم لا تلجأ إليها؟

- هل تقصد أسأل صوفيا إن كنت..؟

ثم سكتُّ و ما زال العجوز يوميء برأسه بقوة:

- نعم نعم. لا أقصد أن تتحيّل و تخادعها من غير أن تصارحها. انظر ماذا تقول.

و هكذا حدث، خرجت في اليوم التالي مع رئيس المفتشين تافيرنر و الرقيب التحري
لامب إلى سوينلي دين.

انعطفنا إلى طريق ضيقة وراء ملعب الغولف عند واحدة من البوابات، و سرنا
بالسيارة على طول طريق ملتوية غطت الأعشاب جنباتها، و انتهت هذه الطريق إلى
كومة من الحصى عند باب البيت.
عجبت لذلك البيت، و أحسسن أنه مشوّه غريب التصميم، و لعلّي قد عرفت السبب،
فالبيت كان على هيئة كوخ تضخّم بصورة غير هندسية، كأنك تنظر إليه من خلال
عدسة مكبّرة: عوارضه الخشبية مائلة، و أخشابه مسّندة... كان بيتاً صغيراً أميل
كأنه نما كما ينمو الفطر في الليل!

و لقد عرفت الفكرة. فكرة صاحب مطعم يوناني فيها شيء من الإنكليزية، كان يريد
أن يجعله بيت رجل إنكليزي مبني بحجم القلعة! تُرى، ماذا كان رأي السيدة ليونايدز
حين رأته أول مرة؟ أظن أنها لم تستشر و لم تَرَ مخطط البناء بل الأرجح أنها كانت
مفاجأة من زوجها الغريب، لكني أظنها عاشت فيه راضية.

و قال المفتش تافيرنر:

- إنه يحير الناظر قليلاً، أليس كذلك؟ كأن العجوز رأى في البيت حين بناه شيئاً كبيراً
على شكل ثلاثة بيوت منفصلة مع مطابخها، و جُهّز في الداخل بمثل الفنادق الفخمة.

و جاءت صوفيا من الباب الأمامي حاسرة الرأس تلبس قميصا أخضر و تنورة من
الصوف الخشن، فوجئت من رؤيتي و صاحت:

- أنت؟

- لقد جئت لأتحدث معك يا صوفيا، أين يمكننا أن نذهب؟

اعتقدت في البادية أنها سترفض، لكنها التفتت و قالت:

- من هذه الطريق.

- سرنا فوق المرجة، كان المنظر رائعاً عبر ملعب الغولف في سوينلي دين، حيث
كانت تبدو في الاتجاه المقابل مجموعة من أشجار الصنوبر فوق إحدى التلال، و
الريف يمتد وراءها داكناً.

أخذتني صوفيا إلى حديقة صخرية، و جلسنا على مقعد خشبي بسيط غير مريح. قالت:

- حسناً؟

لم يكن صوتها مشجعاً. أخبرتُها عن دوري كلِّه و استمعتْ إليِّ بإصغاء شديد و كان
وجهها يخبرك بما تفكر فيه، لكنها حين أتممت كلامي تنهدت عميقاً و قالت:

- إن أباك رجل ذكي جداً!

- الرجل العجوز له أهدافه، أظن أنها فكرة حقيرة، لكن...

قاطعتني قائلة: لا. ليست فكرة حقيرة على الإطلاق، بل هي الشيء الوحيد الذي قد
يكون مفيداً. إن أباك يا تشارلز يعرف يقيناً ما يدور في دماغي، يعرفه أكثر مما
تعرفه أنت.

و أطبقت كفيها بعنف يائس و قالت بحدّة:

- يجب أن أصل إلى الحقيقة. يجب أن أعرف!

- هل هذا بسبنا؟ لكن يا عزيزتي...

- ليس بسبنا فحسبُ يا تشارلز. يجب أن أعرف حتى يطمئن بالي. إنني لم أخبرك يا
تشارلز الليلة الماضية، لكن الحقيقة هي.... إنني خائفة!

- خائفة؟

- نعم، خائفة، خائفة، خائفة. الشرطة يعتقدون، و والدك يعتقد، و أنت تعتقد، الجميع
يعتقدون أن بريندا هي القاتلة.

- الاحتمالات...

- آه! إنها مجرد احتمالات. إنها ممكنة، لكن حين أقول: (من المحتمل أن بريندا
فعلت ذلك) فإنني أدرك تماما أن ذلك ما هو إلا أمنية أتمناها؛ لأنني في الحقيقة لا
أعتقد ذلك.

قلت بطء:

- ألا تعتقيدن ذلك؟

- لا أدري، لقد سمعتَ عن الجريمة من الخارج كما أردتُ لك ذلك، و الآن سوف
أريك إياها من الداخل. إنني – بساطة – لا أشعر أن بريندا تفعل شيئا يوقعها في
الخطر؛ لأنها تحرص على نفسها كثيراً.

- و ماذا عن هذا الشاب لورنس براون؟

- لورنس جبان كالأرنب، ليست لديه الشجاعة لفعل ذلك؟

- عجيب!

- الناس يفاجئون بعضهم كثيراً، أحياناً تظن بإنسان شيئا فيكون ظنك خاطئاً، ليس
دائماً، أحياناً..

و هزتْ رأسها و قالت:

- بريندا كانت تتصرف دائماً تصرفات مناسبة للنساء: تحب الجلوس في البيت و أكل
الحلوى و لبس الثياب الجميلة و المجوهرات، و كانت تقرأ الروايات الرخيصة و
تذهب إلى السينما.
و من الغريب أن جدي كان في السابعة و الثمانين لكنها كانت تحبه، كانت فيه قوة
مؤثرة تجعل المرأة تشعر كأنها ملكة في قصرها! و لعلّه أقنع بريندا أنها امرأة
متميزة، فقد كان ذكيا في معاملة النساء طوال حياته.

و تركت مشكلة بريندا و رجعت إلى كلمة قالتها صوفيا أزعجتني. سألتها:

- لماذا قلت إنك خائفة؟

ارتعشت صوفيا قليلاً و ضغطت على يديها و قالت بصوت خافت:

- لأن هذه حقيقة يجب أن تفهمها يا تشارلز. نحن – كما ترى – عائلة غريبة جداً،
و هناك الكثير من القسوة في داخلنا... أنواع كثيرة من القسوة.

لعلّها رأت عدم الفهم بادياً على وجهي و لكنها استمرت تتحدث بنشاط:

- سوف أحاول أن أوضح ما أعنيه. جدّي – مثلاَ – كان يحدثنا ذات مرة عن صباه
في اليونان، و ذكر عرضاً و بدون أي اهتمام أنه طعن رجلين بسبب شجار حدث
هناك بصورة طبيعية تماماً و نُسي هذا الحادث. و لكن بدا غريباً الحديث عنه هنا في
إنكلترا بهذه الطريقة العرضية غير المبالية.

أومأت برأسي موافقاً و أكملت صوفيا:

- كان ذلك نوعاً من القسوة. ثم كانت جدتي التي أكاد لا أتذكرها، لكني سمعت عنها
كثيراً. أظن أنها كانت قاسية أيضاً، و لعل سبب قسوتها افتقارها إلى الحنكة.
كل هؤلاء الأجداد صائدي الثعالب و الجنرالات العجائز الذين كان القتل يسري في
دمائهم، نفوسهم مليئة بالغرور و الاعتزاز بالنفس، و لم يكونوا يخافون تحمل
المسؤولية في المسائل التي تتعلق بالحياة و الموت.

- أليس في ذلك بعض المبالغة؟

- بلى، أظن ذلك، و لكنني أخاف هذا النوع كثيراً، إنه معتدٌّ قاسي الفؤاد. ثم هناك
والدتي. كانت ممثلة. إنني أحبها، لكنها مغرورة و غير واعية ترى الشيء حسب
تأثيره فيها و لا يهمها تأثيره في الناس. إن هذا مخيف!
و هناك زوجة عمي روجر. اسمها كليمنسي. إنها عالمة باحثة تقوم بإعداد أبحاث
هامة جداً، و هي قاسية القلب أيضاً اذت دم بارد عديمة الإحساس. أما عمي روجر
فهو عكسها تماماً: لعله ألطف و أحب امرىءٍ في العالم، لكن فيه حدة بغيضة، إذا
أصابه أمر جعل دمُه يغلي ثم لم يعرف ما يفعله! و هناك أبي...

و توقفت طويلاً، ثم قالت ببطء:

- أبي يضبط نفسه. لا تعلم فيم يفكر، و لا يُظهر أي انفعال على الإطلاق. ربما يكون
ذلك نوعاً من الدفاع اللاواعي عن النفس ضد والدتي المنغمسة في العاطفة، لكن ذلك
يضايقني قليلاً في بعض الأحيان.

- أنت يا طفلتي تثيرين نفسك من غير ضرورة. إن الذي نفهمه في النهاية هو أن كل
شخص ربما كان قادراً على ارتكاب الجريمة.

- أجل، حتى أنا.

- ليس أنت!

- لا يا تشارلز، لا تسْتثْنِني، أعتقد أن بإمكاني أن أقتل شخصاً.. و لكن إنْ حدث ذلك
فلابد أن يكون من أجل شيء يستحق.

و ضحكتُ. لم أملك ألاّ أضحك، و ابتسمت صوفيا و قالت:

- ربما كنت حمقاء، و لكن كان يجب علينا اكتشاف الحقيقة حول وفاة جدي، يجب
علينا. ليتها كانت بريندا..!

أحسست فجأة بالأسف على بريندا ليونايدز.





[/ALIGN]
[/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]

 

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الجرائم الابجدية abc ~ اجاثا كريستي زيزي | Zizi روايات كاملة / روايات مكتملة مميزة 25 07-19-2017 06:13 PM
من روايات وقصص اجاثا كريستي.. عاشقة لان أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه 19 06-06-2011 03:54 PM
نبذة عن الكاتبة اجاثا كريستي Kairis kingdom أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه 24 12-02-2010 08:57 PM
رواية ( البيت المائل) آغاثا كريستي ***peer dagher*** أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه 5 07-26-2007 04:17 AM


الساعة الآن 10:04 PM.


Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.

شات الشلة
Powered by: vBulletin Copyright ©2000 - 2006, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لعيون العرب
2003 - 2011