عيون العرب - ملتقى العالم العربي

العودة   عيون العرب - ملتقى العالم العربي > عيـون القصص والروايات > روايات طويلة

روايات طويلة روايات عالمية طويلة, روايات محلية طويلة, روايات عربية طويلة, روايات رومانسية طويلة.

Like Tree29Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #11  
قديم 07-18-2016, 11:58 PM
Sia
 
ارتجفت و سرت في برودة عندما توقف والدي خارج فناء المدرسة ... أبنية كبيرة , لا أدري كم عددها ربما أربعة .. والكثير من المراهقين يسيرون للداخل وهم يتمازحون و يضحكون ... وهناك الفتيات .. لبسهن ليس بالملفت كانوا يدلفون من هذه البوابة الكبيرة ... توقف والدي أقرب شيء ممكن لها ...
ثم التفت إلي , قال فزعا فجأة : تبدين شاحبة للغاية , هل أنتِ بخير ؟!.
نظرت نحوه و انتبهت لنفسي .. كنت فاغرة فمي وعيناي زائغتان لا تطرفان وكأني وسط فلم رعب ... هززت رأسي بسرعة و حاولت السيطرة على تعابير وجهي ... قلت بضعف مخفي : لا , أنا بخير...
بينما قلبي يضرب بقوة أضلاعي مرعوباً... ظل والدي بنفس نظرته الفزعة جعل لون عينيه الأزرق يفتح بشدة
_ أأنت واثقة ؟! , سأنزل معك قليلا فقط للأسف لا يمكنني ترك الطفلة هنا .. كلآرا ؟!.
قلت مجدداً بآلية : أنا بخير والدي , أنها مدرسة وليست قاعدة عسكرية ...!
عبس والدي ثم ألقى بنظرة على جيني كانت لا تزال تلعب غير أنها متململة قليلا .. نزل فجأة وفتح بابها ثم حملها بين ذراعيه بحرص... فتحت فمي مصدومة , لا يظن بأننا سنسير وسط المدرسة كلنا ...!!
نزلت بضيق ولكن ما أن وطئت قدمي اليمنى ارض حتى أرسلت موجة من الألم الحاد في جسدي كله... " آآه " تأوهت بداخلي وأنا أتمالك
نفسي و أعض على شفتي لأتمسك بالعكاز بكلا يدي
_ كلارا ؟!.
التفتُ لأبي المتوتر ..مددت يدي لأقول بأقصى هدوء أملكه : اعطني حقيبتي أبي , وعد مع جيني أنا أعرف كيف أدبر أموري.
قال بضيق وهو يحدق حوله لكل الطلاب الذي يمرون قربنا ويحدقون بنا : لكن....لـ...
قاطعته بضيق و الألم يحرق قدمي : أسمع أبي... لا تنظر إلي هكذا وكأنني في السادسة ! .. أرجوك...
شعرت بأن أمله خاب قليلا وكأن ليس بيده شيء ليساعدني... قال باستسلام : سأعود إليك قريباً.. دعيني أرى كيف تمشين ..
مد لي بحقيبتي فأخذتها و ثبتها على كتفي اليسرى , ثم ابتسمت له بوهن و بصعوبة حركت قدمي وأنا أنظر لطريقي في الأرض. آوه كم يبدو شكلي مثيراً للشفقة ... كانت الأرض ترابية قليلا لكن مستوية و نظيفة من الأشياء... سرت بعض خطوات ضاغطة على نفسي وأحاول ألا أركز ثقلي على قدمي المصابة سوف تقتلني ..

نظرت لأبي خلفي و ابتسمت مجدداً له , كان عابساً لكن أومأ برأسه و بقي ينظر نحوي. بينما أفكر أنا ألا يوجد مكان خاص كفاية ليصرخ أحد فيه من الألم حتى يهدأ ...
رأيت مجموعة من الفتيات و الفتية يفسحون لي الطريق بينما نظراتهم غريبة علي .
دخلت من البوابة بهدوء و أنا أنظم أنفاسي , آآه لقد انظمت قدمي الأخرى لحملة الألم في جسدي ... هيا لا توجد كراسي هنا في هذه الباحة , سحقاً ؟!
وظللت أحث السير البطيء نحو البناء الكبير الذي يدلف منه الطلاب ... ثم ألقيت بنظرة خلفي , ماذا ألم يغادر بعد ؟!. وقعت عيناي بعينيه فتوتر هو ... ظن بأني لن أراه من هنا ..لوح لي و بتردد واضح عاد ليضع جيني بالسيارة و ليصعد هو...
تنهدت بغيض وحزن متراكم ... هل سيبقى حالي هكذا طوال حياتي ؟! معاناة لي و لمن حولي ..وهم و ثقل... و...
قاطع بؤسي صوت عالي فتى يقول : احذري هذه الحفرة !.
توقفت بسرعة شديدة جعلتني اصاب بالدوار .. وحدقت حولي جيداً كان الصبي يمشي موازياً لي و من عينيه التين تلمعان علي يبدو بأنه كان يتأمل منظري و سيري...
كان هناك بالفعل حفرة صغيرة أمامي لكنه كفيلة بأن تسقطني أنا و عكازي هذا...
اقترب الصبي الأشقر وابتسم بحذر نحوي .. يبدو أصغر مني بسنة أو سنتين ولكنه طويل القامة و جميل المظهر... عيناه بنيتان مألوفتان قليلا...
قال بهمس دون أن يلتفت كليا إلي : أنتِ جديدة . أعرف بأنه يجب أن تذهبي لمكتب الوكيل أولاً .
كان عقلي مرهق و يعمل بكد... قلت بهدوء : شكراً لك , و... أن لم يكن لديك مانع أن تـ...
قاطعني بذكاء غريب وهو ينظر بعيناي : بالطبع ليس لدي مانع لأوصلك للمكتب.
سار أمامي برشاقة وأنا أتعثر كعجوز , كان الجميع يفسح لنا و يحدقون بي مطولا وإلى جينزي الواسع القديم ثم جاكيتي الرمادي وحقيبتي البنية و حذاء رياضي أسود واحد بينما القدم المصابة في وسط جبيرتها المحمية والمخصصة للمشي .. كنت أغرب خليط للألوان , أقسم بأنه لو كان هنا مصمم أزياء لخر صريعاً...!!!

فجأة تردد الفتى و توقف ليلتف إلي , كنت ألهث ألماً و تعباً وأشعر بأني اتصبب عرقاً في هذا الجو البارد ... لكني بسرعة أخفيت كل مظاهر بؤسي الغبية وتظاهرت بالتركيز والثقة !
_ أتظنين بأنك قادرة على صعود الدرج , أم أنادي الوكيل ليهبط إلى هنا ؟!.
كان ينظر نحوي متسائلاً , فقلت بكل برود بينما أعلم بأنني سأتألم كثيراً : استطيع الصعود لا بأس.
نظر نحوي شاكاً قليلا ثم همس : طيـب ..
صعد أمامي وأنا وراءه , في البداية تسمر جسدي رغما عني خوفاً , لكني بصعوبة تحاملت على نفسي و صعدت الدرج ... رباه كم كان هذا مؤلماً و مرهقاً...
يا ألهي أن لم أصل حالاً سأسقط على وجهي ليغشى علي...!
_ أن مكتب الوكيل في آخر الممر...
قال مصرحاً , ثم سار بهدوء و بطء من أجلي , بينما ألتقط أنفاسي تعباً ... و رأيت بعض مقاعد فتمنيت لو اقدر على الجلوس قليلا...! , أشار لي بالمكتب الذي في آخر الممر و توقف ليحدق بي...
قال بتوتر : تبدين مرهقة للغاية و شاحبة , أجلسي قليلا... أتودين بعض الماء ؟!.
آوه كم كان هذا لطيفاً منه ... لكن لا ... كبريائي اهتاج فجأة ... قلت بابتسامه لم تظهر : لا أني بخير , سأدخل فقط ,شكراً لك...
أومأ و غادر ببساطة ... هه أشعرني بأني عجوزة !. على العموم سأسير هذه الخطوات البسيطة فقط ...
طرقت الباب مرتين ثم سمعت صوتاً يقول " أدخل... "
فدخلت ... نظر نحوي رجل في منتصف العمر ببرود ثم عاد لأوراقه ... كنت على وشك ألقاء التحية لكن رفع رأسه مجدداً بسرعة و حدق بي مصدوماً قليلا...
قال وهو ينهض : آوه المعذرة , هل أنتِ طالبة جديدة ؟!, أجلسي هنا من فضلك و أعطيني فقط أوراقك..
أومأت و جلست على الأريكة متنهدة بداخلي وشاكرة ... ثم أخرجت أوراقي لاحظت بأن يداي ترتجفان و أظافري مزرقة ... سلمته الأوراق بسرعة لاتفحص نفسي .. عندما يقولون شاحبة , ماذا يعني هذا تحديداً...
فتشت بحقيبتي التي لا أعلم ما بداخلها ... أصابني الرعب , لم أضع بها شيئا !!! غير تلك الأوراق المهمة وأيضا والدي هو من وضعها وليس أنا !!... يا ألهي لم هذا الأهمال مني ...!! آوووه لا حتى قلم ><"؟!. آهئ أود لو ألقى بنفسي من الشرفة...
_ الآن يا كلآرا , سآخذ أوراقك للمدير و يمكنك البدء اليوم بالدراسة .لقد تأخرتِ كثيراً لكنك ستقدرين على المضي صحيح ؟!.
ابتسم لي بلطف , أومأت بصمت.
_ سأخبر الآنسة ماري لتعطيك جدول صفوفك وخارطة للمدرسة مكتبها بالأسفل من الجيد لك , هلا نزلنا الآن .
فكرت بعبوس " أريد البقاء جالسة قليلا بعد ~~" لكني نهضت و عاد الألم و تبعته وأنا أكتم آلآمي , أكاد لا أرى شيئا أمامي !.
رحبت بي امرأة شابة بلطف بالغ اعطتني الأوراق و اصطحبتني لأول صف لي... كان صف العلوم الكيميائية .
طرقت باب المعمل ثم دخلت برشاقة اتبعها أنا ببطء و اعتراني خجل شديد و توتر و ألم في المعدة .. كان المعلم يقف مشدوهاً قليلا يحدق بي والآنسة ماري تحدثه , ثم ابتسم بلطف من خلف طاولته ... بينما أنا لم أجرؤ على النظر ورائي حيث الطلاب يبدون كثيرون جدا ربما مكتملو العدد ...!
اعطتني الانسة ماري ابتسامه مشجعة و غادرت .. قال المعلم بلطف : اهلا بك ..
ثم وجه كلامه للطلاب الصامتين جداً : أنها كلارا موند وهي معنا في هذا الصف .. أرجوكم رحبوا بها وأفسحوا لها مقعداً.
رفعت عيناي قليلا فقط متوترة بينما قال بعض الطلاب بصوت واضح : اهلاً... والبعض همهم وهم ينظرون بفضول عادي.
وجدت مقعد فارغ أمامي فجلست به بصمت .. لكن لم استطع الاسترخاء على مقعد المعمل الذي بلا ظهر . وضعت حقيبتي أرضا , و بدأ المعلم يشرح الدرس بهدوء .. فجأة سألني :
_ آه صحيح , لأي درس وصلتم به في مدرستك القديمة كلارا ؟!.
غاصت بطني و حدقت به بشكل افزعه قليلا كان الكل سكت فجأة ... قلت و أنا أشعر بصداع يعمني : أنا... أنا للتو أبدأ الدراسة.
حدق بي لثوان مدهوشاً قليلا , ثم حرك رأسه : آه فهمت .. لا بأس .. سيساعدك الطلاب في الدروس الماضية ..
أكمل الدرس بينما أشعر أني وسط المجهول لا أفهم شيئا .. شعرت بالغربة والضيق أريد فقط العودة للمنزل .
انتهى أخيراً بينما ألقي نظرة على جدولي , تذكرت شيئا ما اسعدني .. لدي موعد اليوم وسأخرج باكراً أي تقريباً بعد ساعة , لأول مرة في حياتي أشعر بأن الذهاب في موعد للطبيب أخف وطأة من الدخول في مدرسة لأول مرة .. سأطلب منه أن يعطيني وعداً غداً أيضا...
نهضت عندما لاحظت أن الصف فرغ تقريباً وأن الجميع قد خرجوا .. آوه يجب أن أذهب لصف التاريخ في الطابق الثاني كما هو موضح مع الأسف !. , كانت قدمي ثقيلة مخدرة بشكل أخافني وثقيلة .. بصعوبة أرفعها و أخفضها بحذرة .. وهكذا أسير أبطأ من حلزون !.
توقفت أمام الدرج أخيراً بعدما تجاوزت حشود الطلاب وأنا ألتقط أنفاسي .. حدقت بيأس بالدرج , هل علي أن... ؟!
قاطع تفكيري صوت مألوف خلفي
_ كلآرا ..
التفت ببطء و حدقت بالطبيب لوك فرانس , وبجانبه الآنسة ماري التي تشير إلي بمرح ثم تقدموا بسرعة قبل أن اتحرك بجسدي..
قال الطبيب بلطف وهو يتأمل وجهي : مرحباً كلارا , كيف حالك ؟! , تبدين لي مرهقة جداً .. جئت لاصطحبك للمستشفى بعدما حدثت والدك بالطبع .
قالت الانسة ماري : لقد أخذ الدكتور فرانس العذر لك عزيزتي يمكنك الذهاب الآن .
حدقت به و قلت بتوتر مخفي : يفترض أن الموعد في الساعة..
_ أنا أعرف , هيا اعطني حقيبتك..
أخذ مني الحقيبة و انتظرني لأسير بجانبه .. تباً لا أريده أن يلاحظ ... لكن ودعتنا الآنسة ماري و غادرت .. كانت الممرات فجأة قد خلت لأبتداء الصف الثاني الآن...
مشيت بتعب ضاغطة على نفسي و فكرت بأني سوف أموت أن استمريت على هذه الحالة لساعة أخرى .. أن لتحملي حدود ..
_ اووه أنت تعرجين بشكل سيء , لقد أصبت قدمك ... أليس كذلك ؟!.
قلت باضطراب وأنا ألقي نظرة خاطفة لوجهه المصدوم : لا , أني فقط مرهقة و...
قاطعني بجدية حادة وهو يقف أمامي كي اتوقف : توقفي عن الكذب على طبيبك كلارا أنا أعرف تماما عندما يكذب المريض وقد تجاهلت كذبة الأمس لكن اليوم .. هل تريدين الأصابة بالشلل وأنت تضغطين على أصابك بهذه القسوة ..؟! .... آنسة ماري..
نادي وهو ينظر من خلفي , لتأتي المرأة وهي تقول بتعجب : ماذا ؟!.
_ أرجوك هل تملكون مقعداً متحركاً ... كلارا تشعر بالألم...
_ آه أجل , سأجلبه حالاً...
لم اقدر على النظر بوجهه , قلت بهمس بارد : لا تقل شيئا لأبي ..
_ سيأتي لرؤيتك بعد الموعد .. والدي الذي قابلته يتحدث إليه بشأن عمل ما.
جلست على كرسي متحرك مخصص للحالات الطارئة في المدرسة و دفعني الطبيب إلى سيارته لينطلق بنا للمستشفى ..
_ آوه لا , .. لا ...
و هز رأسه عابساً و مقطباً وهو يحدق بصور الأشعة , بينما سقط قلبي في هوة مظلمة و توتر لا نهاية له.. مالذي يراه ؟!.
رفع عينيه إلي وبدا منزعجاً جداً .. شعرت بأنه سوف يوبخني ... كنا قد انتهينا للتو من تصوير الأشعة واعترفت أنا له بأني ضربت قدمي هذا الصباح لكني لم أظن بأن الوضع حرج لهذه الدرج....!
_ كلارا !.. أنظري مالذي حدث بقدمك اليمنى .. لقد تورمت جداً و المفصل بحالة رهيبة فهو لم يعد قادر على حمل الثقل بينما الأربطة التي بدأت تتكون و تنمو مجدداَ تقطعت تماماً .. العصب الحركي لا يزال تالف بينما الأعصاب الحسية تعرضت لضغط شديد جعلها تتوقف عن عملها وهو نقل الأحساس والألم لهذا تشعرين بالخدر و الثقل الشديد بسبب التورم ... هل تريدين أن أطلع والدك على هذه الأشياء... سوف يفزع جداً...
حدقت به برعب و فمي مفتوح .. لا أدري ما أقول أو أفكر...
_ أنتِ ممنوعة من السير يا آنسة لمدة أسبوع حتى يتحسن الكاحل ! , آوه نسيت أمر القدم الأخرى , أنها في وضع سيء , أنتِ تحملينها كل ثقلك .. أخشى بأنك أن استمريت هكذا سوف تتعب الأربطة و الأعصاب لتتلف بالنهاية .. بالإضافة إلى أن جسدك نحيل ضعيف ووجهك شاحب جدا يجب أن تتناولي الكالسيوم والمعادن ... سأصف لك كل شيء بالورقة .. الآن هيا نضع مرهما مخفف للألم و معالج للانتفاخات ثم نعيد التضميد بشكل جيد ..
قلت بضعف و الممرض تأتي لتساعدني على الجلوس فوق السرير الأبيض العالي :
_أرجوك سيد فرانس . لا تخبر أبي بكل هذا ... سوف... سوف...
_ اهدئي عزيزتي , أنا سأخبره بأن المشي الكثير سيضر قدمك .. لذا استرخي فقط ودعيني أفحص كاحلك .
تمددت على السرير بينما يضعون على كلا قدمي الدهان و يلفانهما , لكن قدمي اليمنى حظيت بلفافات اضافية داعمة ...
اعتدلت بجلوسي بينما هو يقف قربي يكتب تقريراً ما و الممرضة تساعدني في ارتداء فردة حذائي و الداعم لقدمي المصابة ..
_ همم عدم المشي لأسبوع , و آه نسيت القول بأن بعد هذه الفترة أن اردت استخدام العكاز فأنا سأصف لك عكازين وليس واحداً , سيضرك هذا...
حدقت به مصدومة و فزعة ... بضيق واضح قلت مرتجفة : لكن ... لماذا ؟!.
_ لأسباب بسيطة و خطرة بنفس الوقت , العكاز الوحيد يشوه كتفك وذراعك معاً خاصةً أنهما بطور النمو ..بينما تـ...
قاطعته بصوت مرتجف وعيناي تقدحان : هذا يكفيني أني أتقيد أكثر و أكثر كل يوم .. أني أريد العودة إلى ماكنت عليه بأسرع وقت , كيف يمكن لوالدي أن يعود لطبيعته و للعمل ؟! , وأنا لن أحب الدراسة بهذا الشكل .. المصاعب لا تحتمل والنظرات أ...
_ هذا يكفي كلارآ , الصراخ و الغيض مما آل إليه حالك لن ينفع .. عليك بالتعايش .. استرخي أرجوك و خذي عدة أنفاس عميقة...
قلت بحده شديدة : ليس هو الحال الذي أنا به أنما فقدت قدرتي على معرفة مايجب علي فعله !!.
رد بضيق : لا تزالين صغيرة على تفكير كهذا أنتِ...
قاطعته بنفس الصوت الحاد الغاضب : أكرهه هذا النعت !, كن مكاني لنصف يوم مقيده بالعكاز أحدق بأبي بعجز شديد بينما هو يحمل كل الثقل جيني بأحدى ذراعيه وبذراعه الأخرى يهتم بي...!
هز رأسه وهو يقول بضيق شديد : أنتِ لم تمنحي نفسك الفرصة و النظر لكيفية أصلاح الأمر ...
_ وكيف هذا ؟!. أني عاجزة للأبد .. على كل خططي للحاضر و المستقبل أن تتغير كلياً , بت لا أقدر على تخيل ماسيحدث لي لاحقاً... بدأت...
كدت أقول " بدأت أهلوس , " لكن عضضت على لساني بقوة و أحدجه بنظرات حارقة وعيناي محمرة من شدة الاحتقان , ظللنا نتبادل النظرات القوية إلا أن فجأة طرق الباب و دخل والدي ..
طرفت بعيني كثيرا وحاولت أن أبدو هادئة بصعوبة .. تبادل تحية حارة ومصافحة مع الطبيب ثم وقف قربي وهو يمسك بيدي و يهمس بحنان لي :
_ هاي حبيبتي , كيف حالك ؟!.
_ بأفضل حال أبي . ,,, ومنحته ابتسامه رقيقة جعلته يرد علي بمثلها بينما يدق قلبي بعنف ... كان الطبيب يراقبني ..ثم قال بهدوء يحدث والدي
_ أريد التحدث معك قليلا جاك . جينا اجلبي هذه العربة و اصطحبي كلارآ للاستراحة ..
حدقت به بقلق شديد وعيناي زائغتان , بينما هو تجاهل نظراتي وبدت عليه ابتسامه توترني .. الويل له أن أخبر أبي... سأقتله !.
كنت جالسة على المقعد بصمت وظهري مشدود و أوجه عبوساً لاذعاً و نظرات قاتلة حادة لمن ينظر نحوي , يبدو بأن هذه البلدة السخيفة الهادئة لا يوجد بها أشخاص مصابون كفاية لأن يجلسوا على المقاعد المتحركة .. إذن أنا ككائن فضائي بالنسبة لهم .
تبسمت لي الممرضة برقة وهي توقفني قرب المقاعد الخالية , يبدو لي المستشفى شبة خالي في هذا الوقت .. قالت برقة
_ أتحبين أن أجلب لك بعض العصير ؟.
فكرت بقول "لا" بفضاضة , لكن مظهري وأنا جالسة أشرب شيئا ما وأحدق بوالدي بنظراتي اللطيفة سيجعله يسترخي .
_ آوه أجل أرجوك...
وبالفعل جاء والدي يسير كان متجهما قليلا ,لكنه تبسم لي بحنان و شكر الممرضة التي غادرتنا .. حدقت بأبي وابتسمت بارتباك...
_لا بأس عليك حبيبتي , هل تشعرين بالألم ؟!.
_ لا أني بخير ,لقد تناولت مسكناً قوياً قبل دقائق..
تذكرت جيني فجأة فقلت بتوتر بينما هو يدفعني للخارج : و أين جيني ؟!.
تردد لثانية فقط ثم قال بهدوء : أنها ..عند السيدة فرانس .. أقصد والدة لوك جيراننا لقد أحبتها جيني من أول نظرة وهي تبدو بخير معها...
كنت مصدومة جداً لأرد ... لقد قال الطبيب بأن أبي يناقش أمور العمل مع والده "جورج" ولاشك بأن جيني بنفس الوقت تلاعب فوق حجر سيدة عجوز !... هذا أًصابني بالدوار , شئت أم أبيت علاقة والدي تقوى بسرعة مع هؤلاء الناس ..
نظرت إليه , كان عابساً بنظرة غريبة , همست بتوتر : مالذي.. قاله لك الطبيب...؟!
ألقى إلي بنظرة سريعة شبة حادة , قال ببرود : مالذي تتوقعينه بما أنك لن تستطيعي المشي لأسبوع !.
كتمت شهقة ! , ذلك الرجل أخبر والدي .. قلت بحرج وضيق شديد : أبي .. أن الوضع كان ....
قاطعني بحده : كلارآ , هل تظنيني أحمق ؟! , أنا من رأيتك تسقطين صباحاً نصفك تحت عجلات السيارة !. لقد أخبرته بهذا عندما قال بأنك ستتحسنين لكن ببطء ... و أردت حقاً...
شهقت : عساك لم تلكمه !!. أبي !!!
_ اششش لا بالطبع .. هلا هدأتِ !.
حدق بي و أكمل بجدية يائسة : هل تفكرين بأخفاء كل شيء عني ؟!, أين نوع من الآباء أكون ! .بحق الرب ربما تودين الموت دون أخباري حتى ... كيف أمكنك كتم كل هذه الآلام ؟ كنت أشعر بأن هناك خطب ما ..لكنك .. يالك من فتاة .. أتساءل من تشبهين ... إياك التظاهر مرة أخرى.
شعرت ببؤس و حرج لم أشعر به منذ ...!..ضممت شفتي بقوة ولم أنطق بشيء , فقط زفر والدي بعمق و قال بعد دقيقة بصوت رقيق : سيتحسن كل شيء عما قريب صغيرتي , أنتِ تفتقرين للصبر , عليك فقط أن تصبري.. اتفقنا ولا مزيد من الخداع..
أومأت ببرود وقلت بقلبي " أنا لا أعدك " ... لكن والدي نظر نحوي وابتسم وهو يمد يده ليلمس أنفي مداعباً...
_ ... آه صحيح نسيت أخبارك , نحن مدعوين للعشاء لديهم الليلة. أقصد آل فرآنس ..
هززت رأسي دائخة أشعر بالتعب البالغ .. والدي ساعدني في الدخول للسيارة ,لقد حملني كلياً متجاهلاً اعتراضي ..
lazary likes this.
__________________


رد مع اقتباس
  #12  
قديم 07-19-2016, 12:00 AM
Sia
 
الجزء الثالـث (( بلا سابق إنذار !! ))


كان هناك ذلك الشيء مجدداً ..! , الطنين الحاد القوي ثم ضوء يصيب العمى و ضربة قوية هوت بي رأساً على عقب ... في دوامة من الظلام و الألم ~
تأوهت و تقلبت ... ما كان هذا ؟!.
..." ..... " همهمة غير معروفة تجيء من مكان ما .. حككت رأسي بقوة أحاول تصفيته من الطنين المزعج , ثم تلاشى الظلام ببطء ... رأيت ملامح منزل كئيب في الليل القاتم ... آه ... صراخ امرأة , ثم صوت ضربه وتعثر وسقوط مستمر على درجات السلم المظلم ... صوت صراخ المرأة ارعبني ... و استقر جسدها آخر الدرجات وهي شبة صريعة تقاوم الألم بصعوبة ..
صرخت برعب : أمييييي !!! كانت أمي من سقط من الدرج الطويل وهي تتلوى أمام عيني وقد بدأت تنزف بشدة الدماء .
شعرت بأنني سأموت خوفاً عليها , مالذي حدث.. لم أرى شيئا ... هرعت إليها و أنا أتحسس جسدها برعب .. انتفضت وهي تقول : " كلارا ... استدعي اباك ... آه " و خرت صريعة من شدة الألم ..
الشيء الذي لا افهمه هو رؤيتي لمنزل جدي بالتبني من الخارج .. كأنني أقف قرب شجرة ضخمة و الوقت ليلاً... و القمر بعيد و ضعيف خلف الغيوم ...آه يجب أن أجد أبي لأجل المساعدة بسرعة ... صوت بعيد يتنامى لسمعي... ثم علا ... أنها جيني تبكي من الغرفة ... نافذتها المفتوحة لغرفتها المظلمة ...
أطل ظل مريع طويل منها قطعاً ليس والدي ... حدق هذا الشيء بي ثم عاد للداخل و أقفل النافذة .وكأنه يريدني خارجاً !!!.
هززت رأسي مرعوبة مصدومة ... و ركضت نحو البيت أصرخ : أبييييي .... جينييي ... هناك غريب بالمنزل ..!!!
كنت أصارع ما أراه وما يحدث ... وفجأة ظهرت شاحنة لا أدري من أين و ضربتني و مرت فوقي بينما جسدي يتقطع تحت عجلاتها ... صرخت بألم رهيب يجتاحني و حرارة فضيعة ...

_ كلآرا ... كلآرا ... يا ألهي كفي عن الصراخ ...!!

ناداني صوت مألوف بعيد وشيء قابض على ذراعي يهزني !... ثم رشة باردة على وجهي جعلتني انتفض و افتح عيني باتساعهما ... كان وجه والدي قريباً وهو يحدق بي شاحباً جداً خائفاً ... بينما جيني تبكي بقوة خلفه ..
_ كان هذا كابوساً حبيبتي لا تخافي... اهدئي ... اشربي هذا الماء...
ادركت بأنه رشني بالماء , امسكت بالكأس بيد ترتجف بينما هو يلتفت للصغيرة , كانوا بغرفتي و الوقت لا أدري لكن الجو قاتم قليلاً... تنهدت بتعب بينما جسدي يؤلمني كله ورأسي يدور ..و يدور بصداع معذب ... ما كانت سلسلة الكوابيس المريعة قبل قليل ... أقسم بأنها أسوأ ليلة أمر بها حتى الآن ...
_ هل تحسنتِ ؟!... كلآرا ؟!
سألني والدي وهو يرمقني بقلق ... نظرت نحوه وأنا أدعك جبيني المتعرق , قلت بارتجاف :
_ بخير ... لا بأس ...
كان وجهه الشاحب و عيناه المتوترتان تقولان الكثير مما حدث .. لكني لا استطيع التذكر .. هل كنت أصرخ حقيقة ؟!.
قال بتوتر خفيف : الساعة الآن السادسة مساءاً , إن كنتِ غير مستعدة للذهاب فسوف نعتذر و...
قلت بترديد ويدي لا تزال فوق جبيني : ...للذهاب ؟!
_ آ ... للعشاء الليلة ... منزل آل فرآنس !.
_ آها , لقد نسيت , آسفة أبي ... آه بالتأكيد سأستعد الآن .
حدق بي بتركيز بينما هو يهدهد جيني التي تحدق بي هي الأخرى فوق ذراع والدي ... قال بخفوت :
_ هل تشعرين بالألم حبيبتي في ساقيك أو أي مكان ...؟!
قلت بهدوء أخفي تعبي : لا سأتناول الدواء الآن .. لا بأس علي ..
عندما خرج , كنت لا أزال أتصبب عرقاً بارداً و انتفض لا أقدر على السيطرة على يداي .. لكني بصعوبة بدلت ثيابي لتنورة واسعة و طويلة وكنزة عادية , لملمت شعري وغسلت وجهي بمنديل مبلل و كدت أقف لولا وجود الكرسي المتحرك بجانب السرير ولا وجود لعكازي !. كما أن ساقي ارسلت إنذاراً مذكراً و محذراً أيضاً...
تأوهت بضيق وأنا أتخيل نفسي أدخل لمنزل غرباء فتاة بكرسي متحركة و من خلفها والدها المرهق يحمل رضيعة بين يديه ..!!
ولم تعجبي الصورة أبداً ... هل هناك مجال للتراجع ...؟!
وظللت أحدق بالكرسي الجلدي الأسود .. طرق الباب وظهر صوت أبي خافتا : كلآرا ؟!.. هل أنت جاهزة ؟.
قلت و أنا أقفز فوق الكرسي : أجل سأخرج الآن ..
كنت أتولى قيادة نفسي , حتى توقفت برعب أمام الدرجات ,عائق لم يكن في الحسبان .. مر والدي من جانبي وهو يحمل جيني و حقيبتها الخاصة .. همس لي بشيء ما لم اسمعه .. كان الظلام يعم بالخارج و ضوء المصباح الخارجي يغمر سيارة أبي .. وضع جيني بمقعدها الخاص و حقيبتها .. ثم التفت الي و تقدم وهو ينحني ليحملني ..
قلت محتجة : لا أبي .. اسمع .. اسندني فقط أنا...
_كلآرا هيا لا وقت لدينا...
تعلقت به وهو رفعني بكل سهولة ... ربما لأنني فقدت الكثير من الوزن منذ الحادثة ..ولأن والدي رياضي منذ زمن وهو يزور النادي بانتظام لكنه توقف حتما بسبب الحادثة .. غير أنني أشك بأنه يخفي رياضته المفضلة عنا "الملاكمة" , لأنه دائما ما يلكم الناس اذا غضب و يكسر أسنانهم !!. لذلك أحمد الله أنني ابنته لأنه يستخدم اللكم لحمايتي ^^!.
فكرت بصمت وهو يضعني في المقعد ... هل لهذا السبب أرى الشبان لا يقتربون مني >>"؟؟؟! لكن هذا مريح جداً...~
وضع كرسيي الخاص ثم عاد لينطلق .. جلس ثم انحنى للخلف يتفقد جيني التي بدأت تثرثر لنفسها و تعصر لعبتها المرنة
فابتسم وهو يهمس لها برقة حسدتها عليها : من هي أروع كائن على وجه الأرض .. نعم هي أنتِ .. أنتِ تعلمين أليس كذلك ؟! .
كانت جيني تحدق إليه بعينيها الزرقاوان السماويتان الجمال وتضحك له بسعادة .. فضحكت أنا أيضاً .. لقد شعرت بشيء رائع يلف قلبي .. حدق بي أبي مبتسما و داعب مقدمة شعري ثم همس : وأنت أجمل شابة في الكون .. هيا اربطي حزامك حبيبتي...
فأطعته بلا أي اعتراض حتى ولو كانت المسافة مترين ..!
توقفنا أمام منزل كبير جداً و طراز كلاسيكي يشابه منزل جدي ... غير أنه حديقته نظيفة و مخضرة و الأنوار تسطع منه .. تضايقت عندما رأيت العتبات .. لكن جلب والدي المقعد و تبثه لأجلي حتى استقريت فوقه بصمت وقد بدأت التوتر يتسلل .. عاد ليحمل جيني و حقيبتها الصغيرة .. قمت أنا بدفع نفسي قربه و لأجل أن يبدو الجو أكثر طبيعية رسمت ابتسامه لم أعلم بأنها مزيفة إلا عندما ألقي إلي والدي نظرة غريبة متساءلة !.
فتح لنا الباب .. وظهرت لنا سيدة جميلة المظهر رشيقة القوام حتى ولو كان نصف شعرها فضي اللون مرتب و لامع بشكل جميل وثوبها أنيق ... هذا غير معقول أهي السيدة فرانس ؟!.
تخيلتها عجوزاً قبيحة لا تقوى على شيء ...! لكني أنا و خيالاتي الرهيبة ~~"

قالت بسعادة بينما أقف أنا أمام أول العتبات خلف أبي الذي تقم و صافحها :
_ يا ألهي كم أنا سعيدة برؤيتكم مجدداً , شعرت بالفراغ من بعدكم .. آه جيني الفاتنة ..
و اخذت الطفلة من ذراعي والدي بشوق وهي تقبلها بحنان بينما والدي يقول بتهذيب : مساء الخير سيدة فرانس .
_ آآوه دع عنك الرسميات جاك أرجوك .. نادني فقط جورجيا ..
شعرت بأني مختفية بينما والدي يحدثها و ظننت لوهلة بأنهما سوف يدخلون و يغلقون الباب أمام وجهي .. لكن تخيلاتي التعيسة مجددا مرت في اجزاء من الثانية أعلم بأن هذه اللحظات ستغذي تعاستي عندما أكون وحدي ليلاً و ستبدأ الهلاوس , لكني سأقاتلها هذه المرة إن عادت...
التفت إلي والدي ونزل الدرجتين وهو يضع يده على كتفي و يقول بحنان : هذه ابنتي كلآرا ..
حدقت بي المرأة بدهشة أولاً .. ثم قالت بعطف أو شفقة لا أدري : آوووه يا حبيبتي . آسفة لم أرك .. كم أنتِ جميلة .
لكني رأيت الحيرة بعينيها , ربما لأني لا اشبه جيني و والدي كثيراً .. استغربت جداً , فأنا لم أنظر لنفسي من هذه الناحية .. جاء السيد فرانس و قال ضاحكا من خلف زوجته : أتريدين إبقاءهم خارجاً طوال العشاء , آوه يا ألهي . أرجوكم ادخلوا..
أنا أنكست رأسي لا أدري ما العمل , لكن والدي انحنى نحوي و حملني... آآه يا الإحراج ... فحاولت ألا أنظر حولي ..
كانت السيدة فرانس تقول ضاحكة أيضا في ممر الردهة : آوه يا ألهي كم أنسى عندما تكون جيني الملاك بين يدي.
وأخذت تداعب الصغيرة بسعادة و جيني تضحك , وهذا أشعرني بالحنق الشديد .. لقد وثقت جيني بالغرباء سريعاً .. لم يعجبوني عائلة فرانس أبداً ..وتمنيت من كل قلبي لو أنني في المنزل مع الهلاوس .. أشعر بأنها أرحم ><...!!
كانت الردهة مضاءة جدا و فاخرة وجميلة التحف للغاية .. ل
كن هه بالطبع ردهة منزلنا أجمل و أفخم... لا أدري لم أشعر بالغضب و النبذ , لكني لا أحب الزيارات طبعا وأنا محمولة أمام غرباء ...!!
lazary likes this.
__________________


رد مع اقتباس
  #13  
قديم 07-19-2016, 12:01 AM
Sia
 
وضعني والدي بخفه فوق أريكة طويلة مريحة و همس لي : سأجلب العربة لأضعها في الممر ...
ابتسم للزوجين مستأذنا و خرج .. وبعده بثوان دخلت سيدة أخرى .. لكنها امرأة شابة وجميلة جداً شقراء وأنيقة للغاية ابتسمت لي بمرح و قالت بصوت ناعم وهي تقترب بسرعة بخطوات رشيقة حسدتها عليها :
_ لقد قابلت السيد موند قبل ثوان .. ياللروعة ظننت أنهم لن يأتون .. أنتِ مؤكد كلارآ ..
صافحتني بحب و ظلت واقفة قربي لثوان .. شعرت بالأمتنان جدا لهذه السيدة الجميلة التي لم تعتبرني خفية من أول نظرة ..
ثم داعبت جيني التي بحجر السيدة فرانس برقة و التفتت لتقول لي و للزوجين : سوف أجلب الشاي حالاً ..
توقفت فجأة و التفتت لتقول بحرج وابتسامه خفيفة : اووه يالا قلة ذوقي ! , أنا جوليان زوجة لوك. ولا أدري أين ذهب أليكس لا شك بأنه يذاكر بالأعلى , سينزل فوراً ..
قلت بهدوء و ابتسامه : تشرفت سيدة فرانس ..
ابتسمت لي برقة و خرجت .. قالت السيدة فرانس العجوز بمرح في لحظة دخول والدي : لقد حدثنا لوك عنك كثيراً عزيزتي , كم أنت فتاة طيبة .. لا شك بأن أليكس بمثل عمرك ..
ابتسمت بوهن و والدي يجلس بجانبي شعرت بالهدوء .. قال السيد فرانس معترضا : لا أليكس أصغر سنا بقليل .. أنه في الخامسة عشرة .. لم لا ينزل لقد أتوا الضيوف ؟!
تساءل بحيرة وهو يلتفت للمدخل , سأل والدي بهدوء : ألن يأتي لوك الليلة ؟!.
اجابته السيدة فرانس وهو تضع جيني على الأرض كي تحبو كيفما تشاء : آه لا مع الأسف لقد أوصل زوجته وابنه ثم غادر لديه عمل كثير...
اومأ والدي و ظل صامتاً .. جلبت زوجة لوك الشاي و الكعك و جلست على الأريكة المفردة التي بجانبي وشعرت بالسعادة لأنها لم تتجاهلني كما يفعل الجميع وكأنني طفلة في الخامسة .. تحدثت إلي بكل رقة و لطف وليس بالشفقة .. بل شعرت من كلامها بأن هنالك أمل كبير بالتغير للأفضل... اعجبتني هذه المرأة جداَ... ثم أخذت تتحدث إلي والدي كذلك بسعادة ..
فجأة أطل ظل شخص من المدخل .. و ظهر فتى أشقر طويل بجينز وتيشرت مرتب .. صدمت لدى رؤيته ... آآوه لا يمكن أن يكون هو ... التفتت إليه جوليان و قالت بسعادة : تعال يا عزيزي .. الضيوف هنا .
اقترب أكثر للضوء و بدا هو أيضا مندهشا لرؤيتي .. نظرت إليه من جانب وجهي و بقيت صامتة .. اقترب هو من والدي و صافحة مبتسما وهو يقول : اهلا سيد موند .. آسف لتأخري ..
ثم نظر إلي و قال بتهذيب : مرحباً ..
قلت بلا ابتسام : اهلا ..
وجلس على أريكة قرب جده بينما أمه تقول مندهشة من برودنا : أليكس هذه كلارآ أنتما بنفس المدرسة , ألم تلتقيا ؟!.
قبل أن أجيب قال هو بهدوء وهو ينظر في عيني : آه لا .. مع الأسف لم أرها.
فشعرت بارتياح لا أريد أن يقول لهم كيف كنت تعسة باليوم الأول وكدت أسقط على وجهي ..
أتبع الفتى كلامه : أننا في صفين مختلفين ..
قلت ببرود وعيناي منخفضة : أنا في الصف الأخير.
تأوهت السيدة فرانس الشابة محبطة و نظرت نحوي وهي تقول : تبدين أصغر سنا حبيبتي ,لكن هذا جيد لك سوف تتخلصين من الدراسة خلال سنة بينما بقيت سنة أخرى لـ أليكس ..
و ظلوا الكبار يتحدثون و يثرثرون بينما أنا و أليكس صامتين و كلانا يشعر بالملل . لقد لمحته مرتين يتثاءب .. وجعلن هذا اتثاءب أنا أيضا .. ثم حككت عيني .. الكعك و الشاي خدراني و تمنيت لو أنني بالمنزل في سريري .. بينما جيني تتمشى أو تحبو بسعادة بين أقدامنا حملها والدي و داعبها كثيراً حتى ملت منه ثم قفزت لحجري وأنا استقبلتها بكل فرح ..
لكن السيدة فرانس العجوز شهقت فجأة قائلة بقلق : آووه لا .. جيني سوف تؤذين أختك .. أليكس خذ الطفلة قليلا...
قلت معترضة بينما حدق بي والدي مثلهم : لا أنا بخير .. أننا بخير..
لكن أليكس نهض وقال مبتسما بقلق : لا بأس سأهتم بها ..
ضحكت أمه لتقول : أنه يحب الأطفال .. أليكس سيكون والداً رائعا بالمستقبل.
أحمر الصبي خجلاً و التفت ليعود للجلوس قرب جده .. و للتو لاحظت شيئا .. كان جده السيد فرانس يرمقني بنظرة غريبة .. نظرة متسائلة مرتقبة .. ليست عدوانية أبداً .. أنما كأنه يحدق إلى كائن غريب ولا يدري أهو مؤذٍ أم لا ... باختصار كان يتفحصني .. استغربت كثيراً و التصقت بوالدي وقلبي يخفق ..
قال الرجل فجأة وهو يرفع فنجانه لفمه : جيني تمتلك عيني والديّها , لكن كلآرا تبدو مختلفة .. لكنك جميلة ياصغيرتي الرمادي لون هادئ كطبعك ..
لا أدري ما خلف كلماته لكن والدي ابتسم برقة ,,, قلت بصوت بارد دون درايتي : أنها خضراء .. عيني ..
قال والدي بسرعة و كأنه يشعر بشعوري : أن كلآرا بلا شك تملك عيني من عائلة والدتها .. رمادية مخضرة جميلة ..
_ حقا ؟! , أنها تبدو لي رمادية فقط الآن .
نظر نحوي والدي باهتمام , بينما فكرت بعبوس وأنا أحدج الرجل ما شأنك بلون عيني >< ..!!
قال والدي بلطف يهدأ توتري : هذا شيء مميز حتماً , يبدو لي عميقاً ..
همهم السيد"جورج" بلا اكتراث و عاد ليتناول بعض كعكه .. بعدها ظلت الأحاديث هادئة حتى حان وقت العشاء ... بعد العشاء بقليل و الجميع يتناول القهوة , سألني أليكس أن كنت سأذهب للمدرسة غداً .. حدقت به وأنا لا أدري حقاً... قلت بتردد " لست واثقة ربما سأذهب ..." .
وفكرت بالأشخاص الذين رأوني بالعكاز ... لآتيهم في اليوم الآخر على كرسي متحرك .. ألن تتحسن هذه الفتاة أبداً ؟!.
بدأت قدمي المصابة تؤلمني بشكل مفاجئ جعلتني ارتجف لثوان .. فقبضت على ذراعي بقوة و صررت أسناني مفكرة هل تناولت المسكن و الدواء .. لكني لم اتذكر شيء .. تباً ... أصابني الصداع ايضا وبدأت أنفاسي تضطرب من الألم المكبوت ...!
انتبهت أن الجميع فجأة يحدقون بي... سألت السيدة العجوز بقلق : هل تشعرين بالبرد عزيزتي ؟!.
بينما يحدق بي والدي بتوتر مشدود .. حككت جبيني و قلت بصعوبة اقاوم الألم : لا . أنا بخير ..
قال "جورج" فجأة وهو يتمعن فيّ : لا شك بأن الصبية متعبة جداً , يجب أن ترتاح كثيراً وتتمدد .
كانوا كلهم يحدقون بي قالت السيدة جوليان برقة : اوه حبيبتي , ربما تشعرين ببعض الصداع لدي بعض المسكنات.
نهض والدي فجأة وقال برسمية وهدوء معتذراً : آسف حقا , الأمسية كانت رائعة , لكن جيني بحاجة للنوم أيضاً , وكلآرا امضت يوماً مرهقاً..
نهض جورج وهو يقول بتعاطف : نعم بالطبع .. لقد أرهقناكم .. لا بأس جاك.
تبعونا كلهم للخارج و حملني والدي و أنا لا أزال أتألم من الساقين كلاهما بدئا يحرقانني وكأن هنالك جمر داخل اللفافات !.
جلست اتنفس بصعوبة في السيارة و يداي ترتجفان محاولة اغلاق الحزام , بينما والدي يعود ليأخذ جيني من يدي السيدة ... سمعت صوت حركة غريبة بعيدة , فلتفتت بتعب أحدق في الأشجار البعيدة المظلمة .. كانت الساعة تقترب من التاسعة .. عدت كي أربط الحزام .. لكن الصوت عاد و كأنه مشي ثم توقف .. رفعت عيني بإرهاق أنظر بتوتر فألمي جعل مشاعر مشوشة ...
لكني صدمت .. وأنا أرى بين شجرتين ظل طويل ... لشخص ما واقف يتطلع نحو السيارة , لكن كل شي مظلم فيه لا ملامح ولا عيون... عيون آآه تذكرت العيون التي بالأمس .. اللعنة لقد عادت الهلاوس أنها تتشكل لي تدريجياً ..
_ حبيبتي ؟!.
حدقت بأبي الذي جلس وراء المقود و هو يعتدل و يساعدني في ربط الحزام .. قال معاتباً و قلقا بنفس الوقت :
_ لقد نسيت تناول دواءك أليس كذلك , آوه كلارا ؟!.
اضطربت و قلت مشوشة : أبي .. هناك شيء ما قرب الأشجار...!
حدق والدي إلى حيث أشير بأصبعي ولم يكن هنالك من شيء.. عاد ينظر نحوي وقال مكملا كلامه : سنعود بسرعة كي تتناولي طعامك و لترتاحي فأنت شاحبة جدا و مرهقة للغاية .. آسف لأرهاقك كان علينا رفض الدعوة الآن .
_ آه لا , أرجوك .. أنا متوترة فقط ولم اعتد على العكاز حتى يجلسوني على مقعد .. لكني أعدك بأن أكون افضل عما قريب...
هز رأسه ولم يجادلني و وصلنا للمنزل .. حدق أبي بـ جيني الصامتة فوجدناها نائمة .. قال بهمس لي : سآخذها أولاً ثم أعود إليك ..
اومأت برأسي بتعب .. فنزل و حملها ليدخل المنزل .. بينما بقيت أنا أسمع صوت الرياح .. و فجأة وخزني كاحلي المصاب بشكل قوي جعلني أتأوه ألماً و أنحني نحوه كي أمسكه بقوة .. لكن ظل يؤلمني .. قلت صارخة والدموع في عيني : هذا يكفي...!
" لا تصرخي !."
جاءني همس عجيب مع صوت الرياح و حركة الأشجار في ظلمة الليل , شهقت و أخذت التفت حولي مرعوبة أقصى درجة أضم نفسي... و هاهو مجدداً , تبا للهلاوس .. أنه نفس ظل الشخص الذي كان قرب منزل آل فرآنس ... لكنه يبدو أقرب قليلا... غير أنه مظلم ... وقد تحرك ليضع يديه حول وسطه ...
هذه ليست هلوسة !... منزلنا مراقب ..!!
كدت أصرخ بـ أبي... لكن الهمس عاد ليقول بشكل أكثر وضوحاً " لا تصرخي و إلا سيعود !! "
أخذت انتفض بمكاني و ظل الشخص مهما كان واقف على مسافة كبيرة ربما أكثر من عشرة أمتار كان ينظر بعيداً بحسب التفافة رأسه .. وكأنه يراقب شيء ما ... أخذ قلبي يقرع بقوة ... سمعت صوت والدي ينادي .
_ كلارا ...؟!
وفتح لي الباب لأرمي بنفسي عليه و أتعلق بعنقه... تفاجئ و قال وهو يحتضنني مهدأ : حبيبتي ما بك ؟!. آه أنتِ متجمدة...
قلت بتوتر مخفي وأنا أرى الشخص يختفي في الظلام : أني مرهقة جدا أبي...
ساعدني في دخول الحمام , لأخذ دشا سريعا حاراً ... ثم دفئت نفسي ببجامة داكنة ثقيلة و طويلة الأكمام ,ثم ساعدني أبي في ربط كاحلي مجدداً بالأربطة الجديدة بعد دهنهما , تناولت الدواء و كأس كبير من الماء .جلس معي قليلا يسألني أن كنت أشعر بالألم ... فطمأنته أنني بخير الآن وسط سريري و قد بدأ الألآم تختفي... قبلني على شعري برقة وهو يقول : سأكون بالأعلى أعمل على شيء ما .. تركت جيني نائمة في غرفتي .. استطيع أن اسمعكما كلاكما أن ناديتماني ..
قلت بخفوت و تعب : آسفة أبي لأرهاقك .
_ لا عليك حبيبتي .. تصبحين على خير..
وغادر الغرفة ليطفئ النور ... ثم وضعت رأسي على الوسادة من التعب نمت سريعاً...

لا أدري كم مضى علي .. كان كل شيء هادئ ثم فجأة دوى بأذنيّ صوت صراخ بعيد للغاية و كأن أحدهم يطلب النجدة !!.
فتحت عيني بصدمة و حدقت حولي وشفتي تنطقان بلا وعي كلمة : أين ؟!.
حدقت بنفسي و تذكرت كل شيء... ثم فجأة تراءت لي صورة أمي و تلاشت بسرعة وكأنني لم أرها منذ سنوات...! رفعت يدي و تحسست وجهي ... كله مبلل بالدموع ... سحبت الغطاء و مسحته بهدوء بينما يداي ترتجفان ...
مالذي يجري لي ؟! .. شيء غريب و مخيف ... هلاوس أحلام مريعة كأنها حقيقية جداً .. ألآلام لا تنتهي ... لقد اكتفيت من كل هذا ...!
حدقت بالساعة .. كانت التاسعة صباحاً .. فكرت ببرود فلتذهب المدرسة إلى الجحيم ...! رأيت الكرسي قربي فقفزت عليه .. و دفعت نفسي خارجاً بعدما اصطدمت بالباب وآذيت أصبعي و شتمت . لكني ظللت مستمرة
حدقت بالردهة متكاسلة أن أدخلها. ناديت بهدوء : أبي ؟!.
لكن لم يرد علي أحد .. توقفت أمام الدرج الطويل الذي لا أمل بصعوده , كان الطابق يبدو مظلما هادئاً. غريب , ذهبت للمطبخ ولم أجد شيء , نظرت من النافذة فرأيت سيارة والدي ساكنة بمكانها ... ربما لا يزال أبي و جيني نائمين ..
عدت للمطبخ وأنا أقول سأصنع لهم الطعام .. أخرجت البيض و الأجبان وبعض الخضار للسلطة و بدأت العمل وأنا جلسة في كرسيي أضع كل شي بحجري و أقطعه .. آآوه أنا لست سيئة .. أبدو جيدة بهذا العمل ..
صنعت عجينه صغيرة لأجل الفطائر بالجبنة و وضعتها بالفرن و قمت بصنع البيض المقلي و تقطيع السلطة و تجهيز التوست و المربى و الكريمة ... صنعت أفطاراً جيداً جداً.... ثم وضعت أبريق القهوة على النار بينما أشرب بعض العصير البارد كي اتنشط...
اقتربت الساعة من العاشرة , وأنا أسكب القهوة في فنجانين كبيرين .. فاجئني صوت مذهول
_ كلارآ ! , ماذا تفعلين ؟!.
التفتُ لوالدي و قلت مبتسمة بأشراق قدر ما استطيع : صباح الخير أبي .. وضعت لك قهوتك سوداء كما تحب.
بالرغم من نظرة الذهول في عينيه وهو يحدق بالطاولة المملوءه بالأصناف - قال معاتباً وهو يرفع يديه باتجاهي :
_ لكن ... عزيزتي , قد تؤذين نفسك .. لا تفعلي هذا ماذا لو حدث لك شيء ما ؟!.
قلت بامتعاض وهو يقترب مني قليلا لينظر إلى الفرن خلفي لعله يحترق : أن كل شيء بخير , يداي كما ترى و عقليتي بخير جداً..
حدق بي قليلا ثم ابتسم اخيراً و انحنى نحوي كي يضمني بحنان و تقدير همس : أنتِ تفعلين دوماً مافي رأسك أليس كذلك ؟!
قلت بمرح : أجل ألستُ اشبهك طباعاً .. لا تتذمر إذن.
ضحك بصوت عالي اسعدني ... ثم فجأة تعالى صوت جيني تبكي... قال بسرعة وهو يهرع للباب : أظن بأن الجميلة النائمة استيقظت...!
مر اليوم بسلام فقد خرجا في نزهة بالبلدة الجميلة بالسيارة و توقفنا عند عدة محلات يشتري منها أبي اطعمة , كتب , أدوات مكتبية لأجل عمله القريب , وجلب جهاز خاص للاستماع للأطفال عندما يكونون بغرفة بعيدة , فكرت بأنه مفيد جداً ..
كنت استمتع بيوم العطلة الجميل هذا و جلسنا كلنا معاً على تلة جميلة قرب الأشجار و تناولنا الغداء ونحن نتحدث قليلا , استلقى والدي ليغفو وبقيت أنا و جيني نلهو قربه حتى فجأة اقتربت غيوم لتغطي الشمس ببطء ...
فتح والدي عينيه و حان وقت العودة للبيت ..


كان أبي يصنع العشاء بينما جيني تنام قليلا في الردهة أنا تسللت إلى غرفة البيانو .. وجدت آلة الموسيقى و مكتبة صغيرة بها تسجيلات وبعض الكتب الموسيقية ... لم آبة لها وأخذت أعبث بالأدراج .. وبينما كنت أمد ذراعي بطولها داخل درج ضيق ... لمست شيئا رقيقاً .. كأوراق مجمعة معاً... مندسة تحت كومة من الاسطوانات ..
سحبتها بحذر ألا تتمزق , و بالفعل ظهرت مجموعة من الأوراق القديمة الصفراء .. قرأت التاريخ , آوه يعود ربما لخمسة عشرة سنة و أكثر .. ضيق عيني .. خط اليد صغير وأنيق لكنه مستعجل جداً ومكتوب بالفرنسية أظن .. تباً .. أنا أبدا لم أكن جيدة بهذه اللغة >>!.

وضعت الأوراق فوق الطاولة , و تابعت عبثي بالدرج الطويل هذا .. تلمست اصابعي سلسلة ما... سلسلة صغيرة ناعمة و...
_ كلارآ ؟؟!.
افزعني ابي فلتفت بسرعة و دفعت بالأوراق في الدرج و أغلقه .. ثم ظهر أبي ينادني بهمس عالي قليلا : ماذا تفعلين ؟!.
_لا شيء...
_ هيا لتناولي العشاء .

بعد العشاء أخذ والدي جيني للأعلى و معه أيضا زجاجة حليبها في حال أن استيقظت جائعة ... جاء إلي وكنت جالسة على الأريكة في الردهة و بين يدي كتاب لا أدري ما عنوانه .. مر بي والدي سريعاً و قال بهدوء وهو واقف قرب مدخل الردهة المقوس
_ سأكون في غرفة المكتبة هنا أرى بعض أوراق العمل , ناديني أن اردتِ النوم .
قلت بهدوء : حسنا " ... وأنا أفكر بأنني سأمر عليه فقط لألقي التحية لا لأجل المساعدة .. بعدما ذهب بدقائق لاحظت جهاز الاستماع الخاص بـ جيني على الطاولة البعيدة ... فكرت لقد نسيه والدي هنا .. لكن مؤكد بأن الآخر قرب جيني النائمة ...
مر وقت طويل وأنا اقرأ و عقلي في خمول غريب ... لم يكن نعاساً أنما خمول حتى عن التفكير , نظرت للساعة فكانت الحادية عشرة .. صدمت لثوان , هل ظللت اقرأ لساعتين !!. يجب أن أنام باكراً حتى ولو لم تكن لدي نية للمدرسة غداً ..
سحبت المقعد المتحرك قربي و جلست عليه بحذر .. ثم ذهبت لغرفتي و لبست منامتي و ربطت شعري الداكن ثم عدت للردهة اخذت جهاز جيني و اطفأت المصابيح ... دفعت نفسي لغرفة المكتب التي بآخر الممر و طرق الباب ثم فتحته .. فوجئت بـ أبي نائم فوق المكتب .. والضوء مسلط عليه وعلى شعره البني الداكن ..

_ آوه , تأوهت بخفه , والدي حبيبي العزيز يبدو في غاية الأرهاق .. فكرت هل اوقظه ؟! , لكنه سينهض و يعود للعمل .. اقتربت منه و اخذت معطفه الملقى على كرسي قريب وغطيته به ثم قبلت جانب وجهه .. يبدو الكرسي المكتبي مريح نوعاً .. لن يتألم من ظهره ان استيقظ ..
غادرت المكتب و صعدت لفراشي غطيت نفسي جيداً و وضعت جهاز جيني على طاولة السرير ...

ظننت بأنني غفوت لثوان , لكن شيء ما لمس جانب وجهي ففتحت عيني مرعوبة و بشهقة غير مقصودة ... نظرت في الظلام حولي ...لا شيء... تنفست بسرعة وأنا انصت .. متأكدة بأني سمعت شيء خفيفاً , صوت كـ .. غطاء يسحب على الأرض...
نظرت للضوء الطفيف القادم من أسفل الباب , مصباح الممر لا يزال مضاءاً ... ظللت احدق بقلق .. فجأة مر ظل سريع يغطي الضوء ويعيده ... شخص ما يركض بالممر !!! .
شهقت برعب لا يوصف !!. هنالك لـص في المنزل !!!. .. يستحيل أن يكون أبي ... نظرت لساعة يدي لتضيء بشكل خفيف .. تشير الساعة الى الثالثة فجراً ...!!
انتفضت بخوف , والدي لا يمكنه أن يركض هكذا في المنزل بهكذا وقت .. ولمَ يفعل , الجزء المرعوب بعقلي يحاول أقناعي بأنه أبي و أن علي فقط أن أندس تحت الأغطية أدعو بمرور الليلة بسلام ...!
لكن صوت ما جعلني اقفز من مكاني ...
" ... هسسس ...!! " وكأنه صوت أفعى ضخمة ... ثم " وآآآآء ....وآآآآآآآآآآآآآآآ "
صراخ جيني !! ... أنه صادر من الجهاز قربي... هناك شيء ما مرعب عندها في الغرفة وهي وحيدة ....ربما والدي لا يزال نائما في المكتب ...

لست أدري كيف فعلت ذلك لكني قفزت على الجدار اتمسك به , وقد أمسكت بيدي بشيء لا أدري ماهو و ركضت أفتح الباب و ثم فجأة صرت أصعد الدرج بسرعة لا أشعر بأي شيء... لا أعرف أين تنام جيني لكن صوتها قادم من الظلام ... ركضت بجنون ودخلت الغرفة ... لأصقع بمنظر رهيب ...!

كان هناك شيئا ما ,, ظل طويل جدا يصل للسقف رأسه و يحيط به هالة من الظلام الأشد اسودادا من أي شيء رأيته في حياتي .. كان هذا الشيء يملك عيناي مشقوقتين حمراوين كالجمر , والذي أرعبني لحد الموت أن له يدان كالسيوف يحمل بهما جيني التي تبكي بخوف شديد ...
حدقت بي بعيونها الخائفة الباكية... اقسم بأنها تستنجد بي ... صرخت بقوة وأنا أركض إليه كالمجنونة : اتركهااااا ....
و أخذت أضربه بكل قوة بالشيء الطويل الذي امسكه ظهر بأنه عكازي.. حاولت أن ادفعه بجسدي لكنه وجه لي ضربه بصدري ..وكأن سكينا من جليد اخترق قلبي فارتجفت كل اوصالي .. ان كان يظنني سأستسلم بسهولة فهو مخطئ مهما كان هذا الشيء....
تعلقت به احاول الوصول لـ جيني ... وضربت أحد عينيه بالعكاز الذي امسكه ...
لكنه اللعين رد لي الضربة وشعرت بالأرض تبتعد وأنا أطير عالياً ... اصطدمت بالجدار خلفي بقوة وسقطت على ذراعي التي التوت بشكل مريع . صرخت ألماً ثم رفعت رأسي بجهد جهيد و رأيت شيء آخر يقفز من زاوية ما ...
كان ظلا بشرياً على الأقل , و لدهشي ذلك الشيء ذو العيون الحمراء تراجع بعيداً .. الظل البشري لم يفعل له شيئا سوى أنه قفز عليه و اختطف "جيني" من بين ذراعيه المرعبة ...
صرخ صوت غريب للغاية من خلفي : اقتله !!. بحق الأله !!. اقتله...!
دخت بشدة و صرخت ألماً عندما أمسك بي بقوة شيء من الخلف.
_ بها خمسة كسور على الأقل ! . توقفي عن الصراخ .
لكمت المتحدث المزعج البارد ...على وجهه كما شعرت من خلف ظهري .. لكن جسدي ارتفع عن الأرض...
_ الجحيم !!!.
زجر صوت بارد مخيف من الواقف قرب النافذة . وهو يعيد جيني الى سريرها , وقد مسح بخفه على وجهها و فجأة هدأت نهائياً و أغمضت عينيها ..
تطلب مني الأمر خمسة ثوان لاستوعب ما يجري حولي .. هناك شخصين هنا .. و الظل ذو العيون الحمراء اختفى وكأن لا وجود له ...!! بينما أنا محمولة بين ذراعي شخص بارد للغاية .. أعني بارد فعلياً وكأنه تمثال جليد ...!!
شفتي نطقتا بلا وعي مني : النجدااااااااة ... أبــــــــي ....!!
_ أنها لا تدرك بأن النجدة هنا بالفعل .. ألم أقل اخرسي...!
اللعنه عليه , سوف أموت ألماً وهو يصرخ بي... ضربته مجددا على وجهه بذراعي السلمية .. وأخذت أرفس وأقاوم ...
_ هل تريدنني أن أسقطك أرضاً ... بحق الأله ! اهدئي الآن...
قال كلامه بشكل أرق قليلاً بالرغم من حدته .. وضعني على كرسي كبير وارتد قليلا , كنت اترنح و أرى الأرض تقترب و تبتعد كما أن النجوم ترقص أمام عيني وفي رأسي حفلة من طنين رهيب مؤلم..
لكن زجر نفس الشخص الذي قربي .. فزعت حسبته سيقتلني ... لكن بسبب الدوار و مقاومة الأغماء اسمع الكلام متأخراً
_ لقد جعلته يفلت عمداً !! , أنت حتى لم تخدشه !!.
_ لن اقتله ! , أنه لم يقصد الأذية ...!!
قال الصوت البارد ببطء و بكسل لا يحتمل , بينما لم استطع رؤية صاحبة جيداً , لكن ضوء القادم من خارج النافذة وضحت لي معالم لشخص طويل بجسد ممشوق وذراعين بعضلات مفتولة معقودتين فوق صدره ... لكن هناك... عيناه .. عينان مستحيلتان !! ...
لا يمكن أن تكون ... ذهبي داكن يسبح حول بركة من الرماد المنطفئ... جمع أغرب لونين في الوجود ينكر كلا منهما الآخر " الذهب " ذو القيمة الرهيبة ..,..... "الرماد" الذي لا شيء ...!.
زجر الصوت الذي قربي مجدداً فانتفضت من شدة حدته و برودته :
_ سحقاً , "دانييـل" ! أنت تراه يكاد يقتلهما معا .. لمَ لم تتدخل منذ البداية ؟.
_ لن تفهمني "ليونارد" . أليس كذلك ؟! , أنظر لفتاتك سوف تموت حالاً ان استمريت بمجادلتي و تجاهلها !.
كنت ارتجف اضطراباً خوفا , بل رعباً و برداً , فالجو فجأة اصبح جليدياً قاتلاً .. بينما صاحب العينان البركانيتان تحدقان بي بحقد لا أفهمه !..
شعرت بلمسه خفيفة على كتفي .. ثم صوت هادئ قريب مني : هيه , كلآرا قاومي قليلا .. سوف اساعدك.
واخيرا صوت لطيف بعض الشيء ~~"
ارتجفت وأنا اهمس بخوف : لا تؤذي جيني .. أرجوك... جيني...
_ ستكون بخير , لا داعي للقلق...
قلت مجدداً وأنا اترنح لا أرى أمامي : والدي... والدي ...
_ أنهما بأمان كلاهما .. حاولي ألا تصرخي اتفقنا , سأحملك. تماسكِ ..
عندما دس بذراعيه حولي شعرت بهما كالجليد والألم هاجمني بقوة من كل مكان حتى رأسي أشعر به سينفجر ...
أخذت اشهق كاتمة صرخاتي ... آآه الوضع لا يصدق ... أنه من أسوأ الأحلام أو الكوابيس أو الهلاوس... أنها أسوأ من الحقيقة أو واقعي الذي اعيش به... وضعت يدي السلمية بفمي أعضها بقوة من شدة الألم و دموعي تسيل كالنهر...
_ آسف جداً لما حدث , سأزيل الألم سريعاً عنك .
قال بصوت هادئ للغاية , لكني لست واثقة بأنه آسف حقاً !! .. وضعني فوق سريري , و بالكاد رأيته , اقصد خياله , كان يشبه قوام ذلك الشخص , طويل ورشيق وقوي وصوت بارد ... لكن عيناه مختلفتان ... بلون بركة جليدية في الظلام... زرقاء باهتة هادئة و... متجمدة ...!

همس بهدوء وهو يضع يده الباردة البيضاء على جبيني : أولاً يجب أن تنامي ..
lazary likes this.
__________________


رد مع اقتباس
  #14  
قديم 07-19-2016, 12:03 AM
Sia
 
الجزء الرابع [ صدمة متأخرة ! ]

-----



شعرت بيده تهزني و بصوته القلق يقول :
_ كلآرا .. عزيزتي , استيقظي فالوقت ظهيرة !!. كلآرا ؟!
تمتمت بتعب بداخلي : أشعر بأن عظامي متفتتة , لماذا يجب علي الاستيقاظ ..؟!
وضعت يد باردة على جبيني فانتفضت أنا .. سمعت تأوه ثم حركة قلقة ..
_ يا ألهي كان يجب أن أعرف , حرارتك مرتفعة جداً .. كلارآ صغيرتي قولي شيئا ..
همست بتعب : أنا ... عطشى ...
_ سأجلب لك الماء حالاً و سأتصل بالطبيب . لا تتحركي...
سمعت صوت خطواته خارجاً . فتأوهت بعمق ... ظهري صدري و رأسي و ساقاي و كل شيء يؤلمني .. تباً لهذا الجسد الضعيف ... مالذي يجري لي ؟! ..
وآه .. أريد التحدث لأمي فقط .. أين هي ؟!
استندت لمرفقي و ناديت بصوت مبحوح عالي : أمــــــــــي ؟!... أمـي ؟!.
ثم نهضت بتعب بالغ و ظننت بأني سأسقط لكني تحاملت على نفسي ملتصقة بالجدار .. أصبح الجدار صديقي... مشيت خطوات بطيئة و ناديت أمي مجدداً ... ترى كم الساعة الآن ... هل هي بالعمل و تركت جيني بالحضانة ؟!. ومالذي يفعله والدي عندي .. أليس لديه عمل أيضاً... آه لا صحيح , لقد لكم مديره و استقال .. ربما هذا من حسن حظي .. أشعر بأني مريضة !.
_ ياااربي !!!... كلآرا !!!.
فتحت عيناي جيداً لأراه يهرع نحوي و يمسك بي جيداً... صرخ بي : مالذي تفعلينه يا فتاة ! هل أنتِ بوعيك ؟!.
قلت متذمرة : لا أريد العودة للسرير , لكن بما أننا متفرغان أنا وأنت , أجلب جيني من الحضانة لنهتم بها...
حدق بي مصدوماً ... : حبيبتي أنتِ تهذين ...!
نظرت إليه و قلت ببرود : حسنا ربما أنت لم تجد عملاً بعد .. لكنك جيد جداً بالعناية بالأطفال أبي , سوف ترى .. اتصل بأمي و أخبرها ... آه اتركني قليلا لأجلب كنزتي حتى أذهب معك ...
لا أدري لمَ شحب وجهه بشدة وكأنه رأى شبحاً .. حملني فجأة و عاد بي للسرير...
قاومت معترضة : لماذا تحملني !! أبـــي !! أنزلني .. هل اتصلت مديرة المدرسة بك وأنت غاضب مني ؟!.
_ يا ألهي ساعدني ! , حبيبتي أبقي هنا لدقائق فقط... أنت محمومة .. سيأتي لوك فوراً...
حدقت به باستخفاف .. أنا محمومة .. آه أبي مالذي يجري له ... ثم من يكون لوك هذا ؟!..
قال مجدداً برعب وهو متردد بمغادرة الغرفة : لا تتحركي سأعود حالاً ..
_ ماذا ؟ هل تخشى أن أقفز من النافذة مثلا !!. سأنتظر هنا أبي و أين عساي أذهب....
هز رأسه مرعوباً و عيناه واسعتان بلونهما الأزرق الفاتح ... ثم اختفى ... بقيت ادندن لنفسي و أفكر بما سأتناوله على الغداء , ربما أمي ستجلب معها شيئا لذيذا كما تفعل دوماً ... اممم سأخمن . من المطعم الفرنسي , فهي تحبه جداً...
دخل فجأة رجل طويل , خيل لي رؤيته بمكان ما ... حدق بي بريبة ثم اقترب خطوتين و والدي خلفه يهمس له بشيء ما ..
_ مرحباً كلآرا , تبدين مرهقة .. دعيني أقيس حرارتك...
بينما هو يضع المقياس بفمي , نظرت لأبي و ابتسمت له ففزع هو !! أهذا ما تسببه ابتساماتي ؟!. من الأفضل أن أصمت فقط !
قال الطبيب بعبوس : حرارتها شديدة , يجب أن أعطيها حقنة ثم تتناول الدواء و الماء لتعود للنوم والراحة.
اقترب مني أبي و مددت له يدي الأخرى خائفة من الأبرة التي أخرجها الطبيب من حقيبته .. أمسك والدي بيدي يدعمني ..
قلت له بتوتر : أنا أكره الإبر .. أريد الحديث عن أي شيء .. >< .. ما رأيك , مالذي ستجلبه أمي معها اليوم... أنا أراهن أنه المطعم الفرنسي وأنت...
تمتم والدي بشيء ما و انحنى ليقبل رأسي ... مابه ؟! يبدو خائفاً جداً و حساساً...
حدق بي الطبيب بغرابة , و سألني بهدوء : كلآرا , أتعرفين من أكون ؟!
بادلته التحديق و قلت مخمنة : صديق لـ والدي ...!
_ حسنا... تخمين جيد... لكني أقصد .. ما اسمي ؟!.
ضيقت جبيني اتفرس به , ثم هززت كتفي و قلت ببرود : لا , لم اتشرف بعد ..
رأيت عيناه يتوسعان صدمة ... ثم وقف ليشير لأبي ... خرجا معاً و تحدثا طويلا في الممر اسمع همهمتهما ... ثم عاد الطبيب بينما لمحت أبي يذهب باتجاه الردهة...
اعطاني الطبيب الدواء بصمت ... ثم تبسم بوهن و قال بخوف : أنتِ تعانين صدمة عزيزتي... بعد النوم المريح سوف تتذكرين كل شيء...
_ حقا ؟!. حقيقة أشعر بالنعاس , مالذي وضعته بالحقنة هاه...
ابتسمت له بمزاح فتوتر قليلا لكنه ابتسم , ورتب على رأسي ثم غادر... وضعت رأسي على الوسادة و نمت بعمق ..~
فتحت عيني بعد وقت ما , و رأيت ظل شخص واقف في زاوية الغرفة يراقبني ... ركزت النظر ولم أرى من ظلامه شيء سوى عيناه الزرقاء المنطفئة الهادئة ..
تساءلت من يكون .. اشار بيده بملل وكأنه يقول عودي للنوم .. التفتُ على جانبي وقد اعطيته ظهري ثم عدت للنوم ... ياله من حلم غريب !.
_ كلآرا حبيبتي ..
همهمت بسعادة و همست : نعم أبي..
_ ألن تستيقظي ؟ , أنه وقت العشاء ..
فتحت عيني بدهشة , عشاء !. والدي يعاني مشكلة جدية بالنظر للوقت , رفعت جسدي قليلا و شاهدته يمسك بـ جيني واقف عند طرف السرير ... قلت بهدوء :
_ ماذا ؟!.
رفع حاجبيه و قال بهمس بينما يبعد قبضة جيني الصغيرة عن فمها : الساعة السابعة ليلاً .
نظرت ببطء إلى النافذة , الجو مظلم بالخارج .. قلت بتوتر طفيف : أعطني بعض الوقت ..
لكنه بقي واقفاً بتوتر ينقل ثقله من ساق لأخرى .. سألني بخفوت و عيناه ترتجفان علي :
_ هل ... هل تدركين .. أين أنتِ ؟!.
صمتُ وحدقت به بتركيز , قلت بهمس وأنا ألف شعري بربطة صغيرة : ما شأن هذا السؤال ؟!.
رد بصوت متوتر حقاً : قولي فقط كلآرا ...!
_ في منزل جدي أبي... أهناك خطب ما...
حدقت به بتوجس وأنا أشعر ببرودة غريبة داهمتني , لاحظت مرور نظرة رعب في عينيه ثم هدأ و قال بهدوء شديد :
_ منزل جدك , من ؟!.
كنت ألعب بأصابعي وعيناي مركزتان بعينيه , قلت وأنا اخفي ارتجافه : جدي براين .. هل أنت مرهق أبي ؟!.
أجابني بابتسامه مضطربة : لا .. سننتظرك بالمطبخ .. كوني حذرة حبيبتي .. آه هذا مقعدك قرب السرير...
كانت عيناه متوسعتين بشكل غريب وهو يراقبني ,بينما أنا ضيقت جبيني و جعدت أنفي عدم رضى وأنا أحدق بالكرسي المتحرك الذي نسيت أمره .. بدا وكأني لم أره من دهور... !
_ أجل أبي " همست له ثم جهزت ابتسامه خلال ثانية وأنا التفتُ إليه..
قال بهدوء وهو يبعد يد جيني عن فمها المتلهف مجدداً : حسنا , يبدو بأن جيني لن تنتظرك حتى تنضمي إلينا .. لكني سأفعل , أرجوك لا تتعجلي.
ثم التفت و خرج بصمت , ظللت أحدق بظله الذي اختفى , ترى مالأمر .. لمَ يبدو مرعوباً جدا وكأنه حدث أ.........
و قطعت أفكاري سلسلة من الأحداث الرهيبة و الآلام .. الركض على الدرج ... ظل طويل بعيون حمراء ... طرت لاصطدم بالجدار و أهوي .. شخصين يتجادلان في الظلام ....!!
شهقت وأنا أحاول التنفس جيداً... ما كان هذا ..؟! ومالذي حدث بحق الآله...؟! هذا ليس حلماً... لا أنا واثقة .. وعندما... وعندما يحدث شيء مجدداً بل لن أجعله
يحدث وسأصمد بقوة نعم... نعم .. ثم أن قدمي بخير , أشعر بها جيدة....
لكن ما أن وضعتها على الأرض لمستها فقط ارتفع منها الألم بشكل رهيب فشهقت مجدداً و رفعتها وأنا أمسح عليها شبة باكية من شدة غيضي ..

تمالكت نفسي و أخذت أنفاس كثيرة عميقة و مرتجفة ... ثم جلست على المقعد المتحرك و ذهبت إلى المطبخ....
بعد العشاء و في الردهة الدافئة بالطبع لاحظت نظرات والدي الغريبة المتوترة إلي .. و قال طالباً مني ألا أذهب غداً للمدرسة , فوافقت بلا مبالاة حقيقية ...
وفكرت بنفسي أنني سوف أكون في أسوأ وضع لتأخر دراستي أكثر وأكثر... طلب والدي هذا لم يأتي إلا من قلقه علي.
بما لم يتبقى على الاختبارات الفصلية سوى شهرين ... لم انتبه إلا عندنا نهض والدي وبين ذراعيه جيني النائمة ليصعد للأعلى ..
ذهبت لغرفتي ثم بدلت ثيابي بصعوبة لأن قدمي كانت تؤلمني , تناولت الدواء و تجهزت للنوم من شدة التعب
حتى عقلي لم يكن يعمل جيداً لأجل التفكير بتلك الأمور الغامضة ... دخل والدي اطمئن علي و غادر بتردد ..


كنت غارقة بظلام النوم .. حتى سمعت صوتاً .. شخص ما يهمس .. و همس آخر يرد عليه... كانت الأصوات الخافتة و البعيدة تأتي من الممر خارجاً... فتحت عيني بثقل شديد و حاولت النظر بتعب الى الباب .. الممر مضاء و هناك ظل... بل ظلين متوقفين يقطعان الضوء القادم من أسفل باب غرفتي...
حاولت التركيز على الهمس .. لكن صمتا فجأة ... كنت مرهقة لحد الموت .. لذا عدت للنوم سريعاً جداً ...
ايقظني والدي مجدداً , وقال بأن الطبيب "لوك" هنا يريد رؤيتي .. عبست لكن قلت بتهذيب : سأكون حاضرة خلال دقائق...
كانت قدمي مخدرة هذا الصباح , فارتديت بنطال واسع أسود وقميص أبيض من فوقه كنزة حمراء اللون ثم قصعةُ شعري الداكن المتناثر و الذي كان في حالة رهيبة ...عندما نظرت في المرآة كدت اشهق , توسعت عيناي ... يااه وجهي مرعب .. أبيض رمادي شديد الشحوب وكأنه رخام . وعيناي حولها هالات من السواد كما أن لونها مخضر بشكل غريب !!...
بالتفكير قليلا .. لون عيناي لا يفتح بهذا الشكل إلا عند الهلع .. أو أن المصيبة التي حدثت هي قوية جداً لواقعي ..!!
بينما شعري الداكن لا أريد التحدث عنه... أغمضت عيني لثوان طويلة ...لم أنتبه سوى طرقات لباب غرفتي ..
قلت بصوت عالي : قادمة أبي...
في الردهة , وبعد تناول بعض القهوة .. أخذ الطبيب "لـوك" كل وقته في التحديق بي .. ثم سألني بضع أسئلة سخيفة لا أدري ما علاقتها بوضعي ... كـ... متى تنامين وهل تستيقظين لفترات في الليل ؟! , وماذا تأكلين ؟! , وهي تشربين الحليب يومياً وكم الكمية ؟! , ما رأيك بالمدرسة ؟! , و سألني عن دوائي وغضب قليلا عندما رأى أن بعض الحبوب يفترض أن لا توجد بسبب نظامي .. مما يعني أنني فوتها !!.
بعد فترة صمت و راحة جلب والدي العصير لهم , ولي كأس ضخمة من الحليب الدافئ ... قبلته على مضض ><" لأجله فقط .. ثم جلب جيني من كرسيها لتجلس على حجره .. كانت جيني مفتونة بالطبيب ولأن والدي يجلس على المقعد المجاور له فأخذت تحاول بهمة لمسه و الضحك معه .. يالا الفتاة الجريئة هذا وهي طفلة ..
لكني مسرورة لأن هذا الطبيب حول انتباهه لها وأخذ يداعبها قليلا و يريح والدي منها ..
قال "جاك" بعد ثوان من تأمل شكلي : امم .. كلآرا , أريد أخبارك بأنني ..و لوك وجدنا آحم مُدرسة خاصة سوف تقوم بتعليمك بعض الوقت في المنزل...
توسعت عيناي و شعرت بهما تحترقان من شدة دهشتي "مدرسة" ؟؟!! ... قال "جاك" بسرعة قبل أن أنطق النيران التي تكوني بداخلي :
_بالطبع سوف تذهبين للمدرسة .. لكن أنتِ تدركين حقاً بأنك متأخرة كثيراً جداً .. وهذه السيدة سوف تساعدك في دروسك السابقة...
تحدث "لوك" قبل أن استوعب ما قاله أبي : أنها ممتازة جداً و طيبة للغاية كما أنها ستخفف عن والدك حمل جيني .. هي آمم مدرسة و مربية ماهرة... .
قاطعته بصوت يرتجف لا أدري لمَ : مهلكما كلاكما !.. أني لا أعاني مشاكل بالدارسة لأنني .. لم أبدأ حتى !!!
قلت الكلمتين الاخيرتين بصوت حاد ثم أكملت بسرعة : ..و جيني !! من أخبرك بأنها تحتاج لمربية ؟! , وكيف اتفقتم على هذا دون أخباري .. أبي ؟! , أنظر إلي هل أنا طفلة ؟!.
رد علي والدي بضيق : لا لست كذلك , بل أنتِ معـ...مصابة !! وتحتاجين للمساعدة شئتِ أم أبيتِ .. كفي عن هذا الكبرياء الأحمق...
قبل أن يكمل كان قد صدمني بقوله وكأنني تحت عجلات سيارة , اهتج صوتي ببكاء وغضب وأنا أقول مقاطعة : أنا أعرف تماماً ما ترمي إليه ... لكن أعطني بعض الوقت... كي .. اعتاد .. أقسم لك بأنني سأكون جيدة كفاية ولأساعدك...
_ بربك كلآرا !! كيف تساعدينني ؟! ما هذا الهراء الذي تتفوهين به ؟!, أنا من يجب عليه أن يهتم بكما ..! أنت قادرة بالفعل على الكثير , لكن... يجب عليك تقبل الواقع أرجوك...
كتمت دموعي بقسوة وحاولت بجهد ألا أنظر بحده نحو الطبيب الصامت الذي يحتضن جيني يهدئها ... قلت بجرأة وقحة :
_ وبالطبع هذه السيدة ذات المواصفات الطيبة حد الشفقة علينا لم تكن سوى اختيارك هاه ؟!.
_ كلآرا....!! " صرخ أبي مستنكراً .
بينما رد الطبيب بكل هدوء أعصاب : أنها فقط مرشحة و الخيار الآن يعود إليك...!
_ أخرسس !! ..." لآ أدري و أقسم بهذا كيف نطقت بهذه الكلمات .. أنا لست عادة من النوع المتفجر هكذا ...
صرخ بي أبي مجدداً وهو يقف : كلآرا !! , هذا يكفي ... لقد أرعبتني ليلة الأمس بما يكفي طوال عمري!! , لقد فقدتِ ذاكرتك لفترة و ظننت بأننا في العاصمة !. لقد أفزعتني !, أنتِ تعانين من مشاكل عدة وهذا بسبب عنادك و تكبرك على الحقيقة , الآن فقط عيشي كفتاة عادية و تقبلي ماحدث لك... و سوف تأتي المربية رغما عنك... وسوف تفتح عينيك ...
درات بي الغرفة و أبيض الجو فجأة ... لا , لن يغشى علي ... لأول مرة في حياتي كلها... سبعة عشر عاماً لم يصرخ بي قط ... لم أكن أسمع سوى صوته الناعم الهادئ... و لكن الآن .... أبي ..... أنه... يكرهني.... أو... الأقل يكره ما صرتُ عليه.....
لا ... رباه.... هذا لم يحدث ....تباً !, الأمور التي لا تعجبني أنكرها... أنه محق !! .... آآه آه يجب أن أخرج من هنا ...قبل أن....
حركت الكرسي المتحرك و خرجت سريعاً جداً أكاد أطير من سرعتي...
_ آه كلآرا.... مهلا .. عزيزتي !!!
_ تحتاج أن تكون وحدها ,جاك...
...بالكاد رأيت باب غرفتي , دخلتها بسرعة و أقفلت الباب بهدوء ألا يصد صوت ... حتى لا يظنني مجنونة تضرب الأبواب ...! ... بقيت ثانية فقط خلفه ... ثم أخذت أشهق ... و سالت دموعي ... وضعت يداي بقوة على فمي المحتقن أكتم الشهقات لا أريد أحد أن يعرف أو يسمع صوت بكائي... ظللت أشهق طويلا و دموعي المالحة ملئت وجهي .. بينما عيناي محمرتان جداً كما شعرت و حرارتهما تحرقني كليّ...
مالذي أخطأت به ..؟! أني أحاول أن أكون جيدة كفاية ...؟! أقسم بأنني أحاول جهدي أن أعيد نفسي القديمة.... آه أريد أمي ... تراءت لي صورتها مشوشة جداً.... لكن بشكل ما حاولت الشعور بها فبكيت أكثر و أكثر... حتى مر وقت طويل ربما ساعة ...كان الوقت لا يزال صباحاً .. وفكرت بأن حمام طويل سوف يهدئني فأنا لا أزل حانقة و أن رأيت أحداً فسأعود لغضبي و صراخي....!
فتحت باب غرفتي و انصت ... لم أسمع شيئا... هل غادر ذلك الأحمق الطبيب ؟!... لا يهم....
كان الحمام قرب غرفتي لا يفصل سوى أربعة أمتار ... قطعتها بسرعة و ملابسي بحجري... دخلته و أقفلت الباب و قربت الكرسي الصغير البلاستيكي الذي وضعه لي والدي هنا – تحت الدوش ...
بعد عشرون دقيقة أو أكثر خرجت و شممت رائحة طعام طيبة .. بالرغم من هدوئي بعد الحمام لم أرغب بتناول الطعام الآن ... أريد قرآءة كتاب ما .. أو النوم طويلاً ....
بسرعة تسللت لغرفتي و أقفلت الباب خلفي.... آوه !!
كانت هناك صينية طعام ساخن لذيذ فوق الطاولة قرب سريري.... شعرت بالغصة وبعيوني تبدأ الاختراق... لكني تماسكت بقوة فأنا لا أريد العودة لأخذ حمام آخر... اقتربت من الطاولة .. و وجدت , رز أبيض لذيذ , ستيك لحم مشوي , بعض الحساء الأبيض الذيذ بالفطر و قطع خبر محمص وعصير فاكهة بارد , وعصير برتقال طازج , و كأس ما و طبق صغير به فاكهة صغيرة ....
طرفت بعيني كثيراً .. قلت بصدمة : هذا جديد ...! حسنا .. هل يحاول أن يهدئني ؟! .
حملت الصينية الكبيرة بحذر بالغ و ضيق لأنها ثقيلة , ثم فتحت الباب لأخرج ... بعدها بثانية وقبل أن أقطع الممر بعربتي هذه ظهر والدي من طريق المطبخ .. أولاً فزع وهو يحدق بي.... تباً دائما أفزعه ... من عذره فوجهي مرعب وشكلي بائس...!!
_ لا يا ألهي...!
" آووه" قلت بقلبي وأنا أكشر بلا قصد .. اقترب مني بسرعة و أخذ الصينيه بينما هو يحدق بي بصدمة طفيفة ... كنت لا أنظر إليه بل إلى الأسفل ... عما ما أقول و كيف اعتذر....
لكن لساني نطق شيء مختلف تماما وبصوت خافت شبة مبحوح : دعنا نأكل معاً ...
_ أجل. بالطبع حبيبتي... .
دخلت المطبخ بعربتي هذه التي أكرهها كره ال... من الأفضل ألا تعرفوا ... و اصطدمت !!
بأول كرسي طراخ ! , لكني بسرعة ابتعدت بتوتر بينما سمعت صوت تأوه والدي القلق... قلت بتعثر : آوه لا مشكلة !.
و توقفت قرب الطاولة التي كانت مرتفعة قليلا بالنسبة للكرسي الذي أجلس عليه .. وضع والدي الطعام أمامي بهدوء ثم مشى قرب الفرن ليسكب له بعض الشاي... أخذت المعلقة وبدأت الأكل بلا شهية فقط لأجله ... بينما هو يتكأ يراقبني للحظات ..
قلت بعد دقيقة وأنا أنظر بحثا عن آوانٍ أو فوضى في المغسلة كما تعلمون... فوالدي لا يمكنه طبخ كل هذا خلال ساعة :
_ ممم .. هذا لذيذ , هل صنعت كل هذا ؟!.
رد بهدوء شديد : آوه لا .. جلبت سلطة الفاكهة و الرز واللحم من الخارج .. هل , اعجبتك الشوربا والعصير ؟!.
قلت بسرعة وأنا أنظر له نظرة خاطفة : آوووه لذيذ جداً , أعرف بأنك تجيد هذا أكثر مني .. حقا...
كنت أعرف بأنه الرز والستيك اللحم من الخارج كما هو واضح لذا من البداية ركزت على تناول الشوربا كثيراً حتى يسعد هذا أبي مع أنني فاقدة لشهيتي وأفكر بالنوم...
بعد دقائق سريعة انتهيت فتناولت العصير و الفاكهة بسرعة كبيرة كدت أغص , بينما أشعر بالتخمة ~~" .. بعدها استرخيت بالكرسي الغبي و انتظرت بهدوء مراقبة نقاط العصير في كأسي ..
مرت ثوان ثم تحرك والدي وسحب كرسيا لقربي .. جلست عليه و قال هامسا بلطف : هيه حبيبتي كلآرا أنتِ تعلمين بأنك و جيني أغلى وجودي أليس كذلك ؟!.
التفتُ إليه و هززت كتفي برقة أي معلومة قديمة ... كان يحدق بعيني بغرابة و تركيز .. ثم أمسك بيدي يلاعبها وهو ينظر للأسفل ... قال مجددا بهدوء : يقول لوك بأنه عرض حالتك على بروفسور في طب الأربطة و العظام يعرفه ماهر جداً و يعمل بالمدينة .. قال هذا الرجل بأن هنالك أمل ما بعودتك إلى طبيعتك بعد الفحوصات .. سيأتي لرؤيتك بعد أيام.. آمم ما أريك أنتِ ؟!.
طرفت بعيني و قلت بجمود : لا بأس بالتأكيد من المحاولة...
قال مبتسما بشكل واهن : أنها ليست محاولة صغيرتي , أنا واثق بأنك ستشفين كلياً .. لا تضعي قط في عقلك بأني أنا سأظل هكذا طوال حياتي ..!
قلت بنفسي "فات الآوان فقد تركزت الفكرة ببواطن عقلي ! " ... ابتسمت ابتسامه غريبة و قلت بهدوء : لست أدري لكني واثقة بأفكارك أبي .. وعندما تقول شيئا ما أشعر بأنه سيحدث .
اتسعت ابتسامته بينما برقت عيناه بدموع خفية ثم مال نحوي و ضمني بقوة وهو يقول بسعادة :
_ آوووه فتاتي القوية الحبيبة , أنا أحبك يا صغيرتي وسامحيني على صراخي عليك...
ضمته بقوة لأني شعرت بأنه بحاجة هو أيضا للدعم , آه والدي العزيز ... قلت اتمالك دموعي :
_ لا يوجد شيء أسامحك عليه , أنا بلهاء أبي اعذرني .. أني لا أفقد أعصابي هكذا .. فقط كنت متوترة...
تركني وهو يكاد يضحك , قال وهو يقرص أنفي : أنتِ لستِ بلهاء , هذه إهانة لي أيضاً لأنك تشبهينني وتفكرين بكل المصائب التي لا يتخيلها أحد .. أنا أعرف بأن خيالك جامح عكس شكلك !.
ثم أخذ يقهقه ... خيالي جامح عكس شكلي ... طيب يا أبي .. !
قلت ببرود : تذكر بأني اشبهك ...
_ ليس في الأفكار...!
_ و ما أدراك ! , أنت مخيف و غامض و تفعل ما يحلو لك... لا أدري كيف لكنك تعتني بنا بشكل ممتاز !.
حدق بي غير مصدق وهو يكتم ضحكة قال : طيب ما رأيك بهذا , أنت شريرة مع أنك تبدين بريئة ..! هاه تغلبي على هذا...
هززت رأسي وقلت مصدومة : أنا لستُ كذلك ..
_ بلى ! أنت ترعبيننا و خاصة لوك يخاف منك ! آوبس لا تقولي له هذا !.
ثم ضحك بسعادة , قلت بعبوس : وكأنك تقول أنني أشبة الوحوش ! , ثم أن الطبيب لوك طيب جداً وأنا لا أكرهه ...
_ آوه هذا تحسن جيد ..^^ هو صديق طيب ..
_ أجل....
ثم أخذنا نثرثر كثيراً ولم يجلب أبي سيرة المدرسة الخاصة أو المربية مهما كانت ارتحت لهذا لأني أريد التفكير بهذا لاحقاً وحدي ..
ثم خرجنا للحديقة , عاد والدي ليوقظ جيني من غفوتها ويجلبها هنا لنلعب .. و ظللنا نلعب و نضحك حتى غربت الشمس ... فعدنا للداخل و بدأت أنا ووالدي بتحضير عشاء بسيط ..



قلت لوالدي بأني أريد الذهاب غداً للمدرسة , فوافق هو بعد تردد طفيف .. ثم غادرت للنوم باكرة بعد أن جهزت حقيبتي , كان الليلة ساكنة على نحو غريب ولم أعد اسمع همسات غريبة أو أي شيء... هذا جيد يبدو بأنني اتحسن من الهلوسة و التخبط في الظلام ..!
استيقظت فجراً قبل ظهور الضوء , فاغتسلت بأسرع وقت قدرت عليه , ولبست جينز مناسب وكنزة رمادية , تناولت المسكن ثم أعدتُ ربط الضمادات حول كلا قدمي .. جففت شعري سريعاً و عندما دخلت ممر المطبخ المقابل للردهة خيل لي سماع صوتٍ ما في الردهة .
دفعتُ نفسي بسرعة إليها وحدقت بالمكان المظلم الهادئ ... ركزت بصري بتوتر وقلبي يخفق خوفاً .. لكن لم يكن هنالك من شيء.... هلوسة مجدداً , تباً .. لكن قلبي يقول شيئا آخر .. هناك شيء مريب وخطير يجري في زوايا الظلام حيث لا يشعر أحد .. أقفلت عقلي سريعاً عن التفكير في ذلك الحدث الذي جعلني أركض على الدرج...!!
أني لن أفكر فيه و تمنيت لو محيَ من ذاكرتي الغبية هذه التي تحتفظ بأشياء لا معنى لها ... أنه حلم و هلوسة ممزوجة بأصاباتي العديدة ونفسيتي الغريبة و أظهرت لي تلك الأمور ...لخوفي الفضيع على جيني و والدي... آمممم سأذهب للمطبخ الآن...!
صنعت لي بعض القهوة وشربتها بسرعة قبل أن يفيق والدي و يعاتبني عليها , ثم صنعت الشاي و بعض الخبر المحمص والبيض .... وبينما أنا منهمك بوضع الجبنة فوق الخبر شعرت بشيء خفي يمر من ورائي فلتفتُ بسرعة ولم أرى سوى الممر!!
ذو الأضاءة الخافتة والسكون المريب ..!
ارتفعت ضربات قلبي بقوة , هناك أشياء بالمنزل !!! ... أشباح !! , شياطين .. وحوش مهما كانت فهي ليست جيدة !!!
هززت رأسي و تنفسي ينقطع من التوتر .... هلوسات ..... هلوسات ..... هلوسات !!!
_ كلآرا ؟!
_ آآه !! , شهقت بقوة وأنا ألتفت بسرعة لأجد والدي يحدق بي مصدوماً قليلا واضح بأنه للتو يستيقظ من بدلة نومه الداكنة وشعره المتناثر ..
_ حبيبتي ! ماذا تفعلين في هذا الوقت الباكر؟!.
قلت بعد أن تنفست جيداً : لقد اكتفيت من النوم , أفضل أن أكون باكرة ..
_ اوه . طيب صغيرتي انتظريني سأعود بسرعة...
اختفى والدي بسرعة و تابعت أنا تناول فطوري بصعوبة من شدة توتري .. و رأيت خطوط الفجر تظهر بوضوح مع أصوات العصافير ..
أوصلني والدي للمدرسة وبالطبع جلبنا جيني النعسة معنا... ظل يدفعني حتى أدخلني المبنى متجاهلاً كلياً نظرات الطلاب المندهشة ... حدثني قليلا يمطئنني بينما هو قلق على جيني في السيارة وحدها .. و ارتاح عندما رأى تلك الآنسة "ماري" التي اعطتني الجدول تتعرف علي من بعيد و تأتي نحوي للمساعدة ..
حيت والدي سريعاً و قالت بأنها ستهتم بي وليس هنالك داعٍ للقلق... أومأ والدي و غادر بسرعة بعد أن وعدني بالحضور لأصطحابي باكراً...
مر الصف الأول بهدوء ولم يزعجني أحد وهذا اراحني كثيراً... ثم كان هناك صف الحساب لكنه بعد عشرة دقائق يبتدئ ... فتوقفت أنا في الممر الكبير أو "البهو" الذي يمرون من عنده حشود الطلاب و الاستاذة نحو الدرج الكبير أو الممرات الأخرى الصغيرة ...
وبينما أنا اشرب الماء وأتأمل جدولي المعقد شعرت بوخزة في قدمي المصابة جعلتني ارتجف لثانية , آه مالأمر لقد تناولت الدواء قبل ساعتين !!
رفع عيني وأنا أنظر بعيداً إلى لا شيء... لكن ... كان هناك شيء.... وشيء ملفت للنظر و مرعب...!!!
انقطعت حشود الطلاب لفترة ورأيت ذلك الظل المتكأ بعيداً جداً في أول المدخل , لكني لم أخطئ عيناه .. كان هو ... لقد عرفته .. في تلك الليلة التي أحاول محوها من الذاكرة ... صاحب العينين الغريبتين الحادتين وكأنه على وشك الدخول بصراع ما ..
لكن هذه المرة كان هناك هدوء ما به ... ليته يقترب من الضوء قليلا ... عيناه المنطفئتان هذه المرة تحدقان بي .. حسنا !. نحن نتبادل التحديق من أكثر من عشرة ثوان وهو بلا شك يعلم بأنني أراه يحدق بي , لكنه كما يبدو لا يهتم سوى انتبهت أم لا لنظرته ..
ياله من وقح .. !! آوووه لقد تحرك قليلا اخيراً. .. . اقترب من الضوء و ... آه !!.
فتحت فمي بلا قصد ثم سرعة ضممت شفتي بقوة ... غريب... غريب جداً .. أنه و تبا لهذا جيد المظهر... آه لاعترف بالحقيقة أنه ذو وسامة مذهلة , غريبة , فريدة , لا معقولة و.... تبدو خطيرة ... بالتأكيد أي عقل موجود بهذا الجسد الطويل الممشوق ...
ملامحه حادة الأطراف , عضلات ذراعيه و صدره بارزة من التيشيرت المناسب الذي يرتديه , يرتدي الرمادي بنفس لون عينيه الداكنة في هذه اللحظة و بنطالة الجينز الأسود .. بينما لآ أثر لـ ... حقيبة مدرسة , أو جاكت معه بالرغم من بروده الصباح !!.
كان يضع أحد يديه على حزامه و يده الأخرى مستريحة بجانبه .. عندما رفعت بصري إلى وجهه مجدداً .. آوه مبيّض البشرة بشكل مميز وكأن الشمس مسلطة على وجهه الجامد هذا شعره حالك السواد وناعم كما يبدو من استرساله حول وجهه وجبينه .. أنفه مستقيم جميل وشفتين مطبقة بصمت ولكن بلا عبوس... و آخ ..
كان لا يزال يحدق بي .. آوه لم اعتقد بأن شخص مقعداً مثلي ملفت جدا لانتباهه !!
ضيقت جبيني و ارتجف قلبي وأنا ألقي بنظرة خاطفة حولي , أهناك من أحد لـ... ربما النجدة في حالة ما قرر هذا المجهول مهاجمتي ...! لا أدري ما السبب لكنه لا يبدو لطيفاً... أبداً...
عدتُ بالنظر إليه و كأنني لمحت شبح ابتسامه هازئة ! , هل لاحظ توتري...؟! ولما يحدق بي هكذا هذا المعتوة الوسيم ؟!
قلت برعب وأنا أحسب المسافة نحو المدخل إلى الصفوف : ماذا تريد ؟!.
نظرت إليه بتوتر و صدمت برعب عندما دقق النظر بي بعبوس شديد وهز بكتفيه وكأنه يجيبني من تلك المسافة البعيدة... حرك رأسه بخفه بلا مبالاة وتحرك شعره الداكن ... بينما ومضت عيناه بلون ذهبي خطير وكأن أفكاره تغيرت...!
لكني أجفلت وحاولت التحرك بسرعة غير أن أوراقي التي بحجري سقطت متناثر على الأرض , عظيم !!... عظيم للغاية !!.
شخص ما تحرك من جانبي وانحنى ليلتقطها كلها بحركة واحد .. ثم استقام ...
نظرت لعينين زرقاوين فاتحتين جداً كلون سماء الفجر... كان هذا الآخر ... اللعنة أني لا استيقظ من الكوابيس بسهولة والهلاوس بدأت تتحقق .... كان هو الشاب الآخر في الظلام أنا واثقة... هو الذي كان يشاجر ذلك الآخر..
قلت بسرعة وبخوف شديد وكأنني محاصرة : ماذا تريد ؟!!!
تراجع خطوة عني لأنه كان قريب جدا ... وبدا هو أيضا واضح الوسامة والهالة المخيفة التي تحيطه , بشرته البيضاء و تقاسيمه الحادة و شعره ... مهلاً... شعره بني ذهبي فاتح قليلا ... وملابسه كان أيضا تيشيرت خفيف أزرق داكن وبنطال جينز أسود .. !!
مد لي بأوراقي بينما أنا أشعر بأنني محاصرة وعلى وشك الدخول بمعركة ..
سمعت صوته يقول شيئا .. وتأكدت بأنه نفس الصوت الحاد الذي كان يزمجر بالظلام .. أريد أن أتحرك وأن أهرب لست واثقة مما , لكن لا أريد من تلك الهلوسة كما أظنها أن تكون حقيقية ..!! لم أكن مرعوبة منه لكني خائفة مما حدث أن يكون حقيقياً جداً...
شعرت بالبؤس .. كم أنا جبانة مرعوبة لا استطيع مواجهة ما حدث ..
_ هيه ؟!
سرت كهرباء قوية بجسدي , فحدقت به مجدداً , يبدو ألطف قليلا , بالرغم من عبوسه هذا الغريب... مد لي بأوراقي وهو يراقب وجهي بنظرات دقيقة ..
خطفتها منه بسرعة و أخيراً تحرك دمي بذراعيّ وبدأت أو خطوات الهروب للنجاة ... وحاولت تحريك العربة لكنها لم تتحرك أنش واحداً حتى ... تبا ما الخطب ؟!.
انتبهت أنني أما عتبات صغيرة للمدخل الآخر .. أنه ليس الممر الذي جئت منه...!
_ تماسكِ سأرفعك..
_ ممـ... ماذا ؟!.
شهقت وأنا أشعر به خلفي يمسك بالعربة , قلت برعب : لا .. لا .. اتركني... مهلاً...
صعد بي الدرجات وأنا مسحوبة الانفاس خوفاً كأنه لا وزن لي... وضعني أرضاً بهدوء ثم جاء أمامي ليقف. ..
_ استرخي فقط , أنا لا أعض .. حالياً.
أضاف كلماته ببرود مع ابتسامة ساخرة للغاية اضافت لوسامته كماً رهيباً . رغم هذا لم يكن مرعباً كذلك الآخر ذو العيون المميتة , نظرت إليه بتوتر أولاً ثم عدلت نظرتي سريعاً للحده , كان هناك بعض الطلاب يسيرون بعيداً ولم ينتبه أحد لهذا الشخص الغريب...
حسنا أن حاول فعل شيء فسوف أصرخ إلى أن أسمع أصوات تحطم الزجاج !!
_ نصيحة إياك أن تفعلي ما تفكرين به مهما كان .
وذكرني هذا بصوت غريب أتى من الغابة في ظلام الليل ... أكان هو ... قلت بخوف وأنا أتراجع عنه قليلا : ماذا ؟!.
_ تراجعي أكثر وستسقطين على رأسك !.
توقفت بسرعة , الدرج خلفي...!! , اقترب خطوة وبدا طويلاً جداً .. قال وهو ينحنى قليلا نحوي :
_ اعتمدي علي , سأوصلك بسلام لصفك ..
هززت رأسي خوفاً وأنا أشهق : لا .. ابتعد .. سأذهب بنفسي .
_ مشكلتك هي .. عدم الثقة بأي شيء... حتى نفسك .
قام بدفعي برفق وسهولة إلى الأمام بينما تشنج كل جسدي , قلت بصوت يرتجف : ما شأنك ! , أتركني قلت لك...!
_ صدقيني أنتِ لن تواجهي كل هذا وحدك كلآرا.
تنفست بصعوبة من كل نبراته الباردة والواثقة , اعتصرت دماغي استرجع اللحظات المخيفة التي أحاول قتلها منذ زمن ... لقد ذكرت اسماء في تلك المحادثات القاسية .. اسم... آه ... كان هناك "دانييل"....! لكنه ليس هو ... "ليونارد"... هذا الذي خلفي .
وهم يعرفون اسمي .. وكانوا بمنزلي ... مع.... شيء آخر ...!
_ آآووه , تنهدت بضيق وخوف .. كل شيء حقيقي ! . والآن مالعمل ؟؟!.
_ ما كانت هذه ؟, استسلام للحقيقة .
سمعت نبرته الساخرة فرددت بحده : أنا لا استسلم لشيء .
دخلنا الممر الكبير الذي به عدد كبير من الطلاب والفصول , ولاحظت بأن أغلبهم التفت ليحدق , ليس إلي أنما... إليه هو...
همس بشيء ما وكأنه يحدث نفسه ثم عاد الجميع للانشغال بأنفسهم... وكأنه لا وجود لنا .. هذا يعجبني...!
توقف أمام أحد الفصول و مشى من جانبي بكل ثقة وكبرياء ليفتح الباب , كانت حركاته سلسة رشيقة وجميلة مثل وجهه ..
نظر نحوي وقال بهدوء بينما أنا أدفع نفسي للدخول : نحن في نفس الصف...
اوقفني هذا رغماً عني وحدق به بتعب لطوله الشديد , قلت بحده : ماذا ؟!.
_ دعينا نجلس و سأحدثك عن نفسي ..
_ لا التحدث إليكم ولا رؤيتكم , فقط ابتعدوا عنا .. فقط هذا كل شيء.
لمعت عيناه بشكل مخيف وتحرك أمامي للصف توقف جانباً و لزم الصمت وعيناه تراقبانني بتركيز يرعب .. تحركت بضيق و صرتُ خلف أحد الطاولات الخشبية وحاولت أن أتأكد من أوراقي ... لكنه تحرك بعد سكونه الغريب و جاء ليجلس إلى جانبي..!!!
نظرت إليه بخوف أولا ثم تمالكتُ نفسي... قلت بتوتر وكأني أخشى أن ينقض علي ويقتلني : ألم أقل ابتعد عني ؟!.
_ قلتها حتى الآن ثلاث مرات , وكان من الواضح أنني اتجاهل ما تطلبين يا آنسة .. فعندي واجب أقوم به .. لذا اهدئي.
فجأة تملكني فضول مريع لكل شيء... قلت بتلعثم : مالأمر ؟!.
نظر في عيني بتأمل غريب وعبوس , فهمس : أمور .. وليست أمر واحد .. لكن المهم الآن أن تهدئي اتفقنا.
لكني عدتُ وقلت : لقد .. رأيتكم من قبل . أنت تعرف أين ..
كنت أريد التأكد من تلك الفضاعة التي حدثت , وضع يديه فوق الطاولة و قال بهمس طفيف : جيد وسيء بنفس الوقت .
قلت بسرعة : ما كان اسمك ؟!.
_ ليونارد , يمكنك مناداتي بـ ليون فقط ان احببت .
هززت رأسي مستنكرة وهمست وأنا أرى طلاباً يدخلون : نحن لسنا اصدقاء , كما أني أشكر لك اهتمامك الغريب لكن...
قاطعني ببرود وسخرية : هذا ليس المطلوب . و لا يمكنني تركك قريباً .. سواءً اعتدتِ على وجودي أم لا ..
قلت بغيض : يمكنني جعل والدي يلكمك بقوة ..
_ لست اوافقك الرأي , في الواقع أظنه سيكون إلى جانبي عندما يعلم السبب... لكن....
نظر إلي بجدية اخافتني ... وأكمل : لكن .. يمكنك أن تكوني أكثر تكتماً إلى أن نحل المشكلة.
بلعت ريقي وقلت : أنت و رفيقك ذاك ..!
_ رفيقي ذاك يدعى دانييـل .. وهو لا يحب أن تخرج الأمور عن السيطرة.
قلت برعب وقلبي يضرب بقوة : أنا خائفة على والدي وأختى الصغيرة ..أنـ...
قاطعني بلطف غريب هذه المرة : قلت قبلاً ألا تقلقي بشأنهما أبداً أنهما أكثر حظاً منك .
نظرت إليه بشكل كسير بائس , كنت أعلم هذا .. لمَ عليهم تذكيري بأن حظي لعين ؟! ..
تابع فجأة برقه أكثر وهو يميل برأسه : أعلمي بأني هنا للمساعدة , أنا لستُ العدو !.
ضاق جبيني قليلاً , وللبرهة نتبادل النظرات ... في الواقع هو لا يبدو شخصاً سيئا .. مع أنهم أخافوني حد الموت في البداية !!
دخلت معلمة الحساب وهي تحيي الصف بمرح شديد قاطع الجو الغريب الذي يحيطنا .. فنظرت نحو هذا الفتى الغريب الذي يبدو أكبر من عمره بكثير , والوسيم بشكل يخيف أيضاً .. بادلني نظرة نهائية ثم اسند ظهره لمقعده ... حاولت الاسترخاء طوال الصف لكني لم أقدر ... كنت أمسك القلم ويدي ترتجف وعلمت بأن حياتي لن تعود قط.... قط إلى ما كانت عليه...!
أنا لن أكون بخير , يا ألهي ساعدني...!
lazary likes this.
__________________


رد مع اقتباس
  #15  
قديم 07-19-2016, 12:05 AM
Sia
 
الجزء الخامس [ شيء خاطئ وعيون زئبقية ! ]



دوى صوت خطواتي في المنزل الشبة مظلم وكأن الوقت الغروب , قلت مفكرة بدهشة , لقد شفيت بسرعة غريبة وأنا أقف على قدمي ...
حدقت بالدرج الطويل المفضي للطابق الأعلى المظلم بشكل أشد ..
ناديت : أبي .. ؟!
لكن لم أتلقى رداً ... كان الصمت شديداً .. صعدت الدرج بتوتر غريب انتابني .. مالأمر , أين أبي ؟!.و أين جيني ؟!.
مشيت بالممر في العتمة وخوفي يزداد .. مررت من نافذة الممر و سمعت صوت غراباً عالياً فوق الشجرة قرب النافذة , حدقت بضيق في الغراب الأسود الذي بادلني التحديق بعينيه السوداوين .. فتشاءمت منه و شعرت بالسؤ ...
تبا .. أني لا اعتقد بهذا !... لكني على حافة الرعب !.
ناديت بأنفاس مقطعة وأنا أحدق بالممر الذي يغرق بالظلام أكثر وأكثر : أبي ؟! أ...أبي ؟!.
مرت ثانية ثم سمعت صوت اجابني ..." تا...تاتا ... تاا ..."
شهقت وقلبي يقع من مكانه : جينـــييي !!
وركضت بالظلام أناديها : جيني ... حبيبتي , أين أنتِ ؟!... رباه جيني ..
رأيتها تزحف داخل غرفة ما مفتوح بابها , فهرعت خلفها اتخبط , لا أدري كيف لكن الطفلة وهي تزحف أسرع مني وأنا أركض !!
دخلت خلفها شبة ميتة من الرعب أتذكر الوحش ذو العيون الحمراء قد يقتلها...!
لكن ما رأيته شيء آخر تماماً...
كانت الطفلة تزحف نحو شخص ما واقف أمام النافذة التي يطلع منها القمر المكتمل الكبير ..ولم أرى ملامحه .. لكنه رجل كبير بمعطف بني , أنحنى هو و حمل جيني برقة ... شعرت به يحدق بي عندما اعتل منتصباً.
مد إلي بيده ... كانت تتدلى منها سلسلة فضية ناعمة للغاية , بنهايتها عقدة ما ... لم أفهم ....!!
حدقت به جيداً , ماذا يريد ؟!.. لكن الصمت كان مطبقاً هنا , .. كما أنني لاحظت لون عينيه الذي برق فجأة .. عينان خضراء رمادية عميقة ... وابتسامه صغيرة جداً...
_ آ آ ه ه ...!!
شهقت منتفضة بقوة هزت كل أوصالي...
_ آوه آسفة جداً , هل أنت بخير ؟!
انتبهت للخشب الذي أمام أنفي , دار رأسي لثانية ثم رفعته لأعود للواقع ... حدقت بفتاتين واقفتين قربي .. أحداهما بشعر أشقر داكن والأخرى بشعر بني محمر قصير , ينظران نحوي وكأنني مجنونة صعقت بكهرباء !.
قالت الفتاة الشقراء بأسف مجدداً : آسفة , كنتِ نائمة بعمق وقد انتهى الصف منذ وقت طويل..!
لكن الفتاة الأخرى قالت بصوت رنان منفعل قليلا : لكني لست آسفة !, بدا لي أنك تواجهين كابوساً , كنت ترتجفين فترة طويلة قبل أن نعيدك للواقع...
ثم ابتسمت بذكاء .. فحدقت بها رفيقتها بخجل وقالت بينما أنا اعدل شعري المنفوش وارتب قميصي :
_ آمم المهم الآن كيف تشعرين تبدين شاحبة ..
بللت شفتي واستعدت انفاسي لأقول بهدوء : آوه شكراً , أنا بخير...
قالت الفتاة ذات الشعر القصير بلطف : هل تحبين أن تشربي معنا شيء ما ؟.
ترددت وأنا أنظر لهما , لست واثقة .. أيمكنني هذا . أشعر بأني أود العودة للبيت لأطمئن على جيني و والدي ..متأكدة أنه ليس الذي بالحلم الغريب...! وياله من نوع غريب من الغرابة !.
_ لا أظن أنـ...
قاطعتني الفتاة نفسها : صدقيني , ليمون بارد ممتاز جداً .. بالمناسبة أنا لونا وهذه ستيلا . أنت كلآرا صحيح ؟!
حدقت بهما بتوتر , عقلي يعمل بكد وتعب ... حسنا...
ابتسمت بوهن و قلت : تشرفت , لونا , ستيلا .. حسنا لا بأس بالنسبة للعصير.
سارت لونا بجانبي و ستيلا أمامنا .. وهما يبطئان السير لأجلي .. فحاولت ألا أبدو بائسة متعبة .. بينما أحداث الحلم تدور بعقلي .. جلسنا في المطعم الذي كان واسعا جداً ومكتظا ً بالطلاب والأصوات .. حدقت بالساعة بينما ذهبت ستيلا لجلب العصير .. كانت الساعة الثانية عشرة ظهراً , كما أنه بقي صف واحد فقط لمدة ساعة و أعود للبيت...
شعرت بأني غائبة عن البيت منذ شهر ... أود بشدة رؤية أبي و جيني ... لكني لا أريد أن أكون حمقاء .. سأهدأ .. كل شيء بخير... ذلك كان مجرد حلم ...
_ إذن .. كنا معاً في صف الحساب ^^.
كانت لونا تبتسم لي , فبادلتها الابتسام .. قالت وهي تنظر حولها بحماس : هي , كان بجانبك شاب ما غريب , أعني جديد .. هل تعرفين من هو ؟!.
التفت نحوها فكانت تغمز لي مازحة .. شاب , من ؟!... عمل عقلي بتعب أكثر ولم اتذكر شيئا...
لكني عدت للنظر متظاهرة بالتفكير بعيداً نحو الشرفات التي تطل على الخارج . واتسعت عيناي , لقد رأيته و تذكرته فوراً , وكان هو أيضاً يحدق بي بعبوس وعيون حادة ضيقة ولامعه من هذا البعد ...! كان يتكأ وحده على جدار جانبي حيث لا يراه أي أحد ألا من موقعي أو قريب ...
اللعنة ! , قلت بقلبي وأنا أعض شفتي ... ماكان اسمه ... تبا كنت آمل بأن كل شيء حلم أو كابوس .. أو هلوسة غبية...
كان يحدق بي بذقن مرفوعة وبرود , وكأنه يعرف ما أفكر به ويقول ساخراً شئت أم أبيت هذا كله حقيقي ..
_ آه ..
_ ماذا ؟!... إلى أين تنظرين ؟!.
قالت لونا بفضول وهي تحاول النظر حيث أنظر , قلت لها بتوتر : آه لا شيء... فقط أردت فجأة العودة للبيت...
نظرت نحوي بعطف وقالت برقة : آه لا عليكِ بقيت ساعة واحدة , لنا جميعاً , آوه صحيح أريني جدولك لأرى أن كنا بنفس الصف , أنا وستيلا نأخذ نفس الدروس ونستمتع معاً .. ماذا عنك ؟.. سيكون جميلاً أن كان لديك صف تاريخ بعد قليل...
أريتها ورقة الجدول بهدوء وقلت بتهذيب : شكراً , هذا لطف منك .
_ آوووه ... تقريباً نفس الجدول . لديك تاريخ بعد قليل , هذا رائع .
ابتسمت لها , و أقبلت علينا ستيلا بأكواب العصير .. شربنا قليلا , لكن الفتيات كما هو واضح فضوليات لأمري .. وأخذن يسألنني من أين قدمت وأين أسكن و من هم أفراد عائلتي ..
من الجيد أنهن لم يسألن شيئا عن أصابتي .. أو مالذي حدث .. فقط كنت كالطالبة الجديدة الآن !.
سرنا لصف التاريخ كان واسعاً وعدد الطلاب ليس كثير جداً .. كما أن المقاعد متفرقة بشكل عامودي , جلسنا أنا والفتيات بمستوى واحد .. ودخل الطلاب ليشغلوا مقاعدهم .. ضاحكين مثرثرين مع بعضهم ..
وفجأة دخل ... ذلك الشاب الغريب , ساد صمت غريب لثوان , ثم عاد الكل للكلام بصوت اهدأ قليلا وبحماس متوتر وعيون فضولية إليه ...
آخ تذكرت اسمه .. ليونارد... طيب .. لا أزال لا أفهم مالذي يريده ...
سار ببطء وبرشاقة بين المقاعد مر من جانبي متجاهلاً إياي تماماً و جلس خلفي بصمت ... لقد تصلب جسدي وتوترت كثيراً بسببه .. لكني حاولت الاسترخاء أكثر وأكثر وأحاول أن استعيد حواري السابق معه....
أني مرهقة وما كان علي النوم في الصف , ولما لم يوقظني هذا الابله خلفي .. تركني نائمة وخرج .. , المهم ماذا كان يقول لي... آه ... آه ... شيئا ما عن... محاولة حل مشكلة ؟! , وأنه للمساعدة هنا....!
أني لا أرى فيه شيئا يساعد =.=" ...
دخل استاذ التاريخ , رجل بدين لطيف ... و بدأ الشرح من فوره , ولم يلاحظ وجود طلاب جدد .. هذا جيد بالنسبة لي... لا أحب أن يلاحظني أحد .. سيكون هذا مريحاً جداً...
مر الصف بسهولة وسلام .. ثم قرأ الاستاذ الاسماء وانتبه لي و ذكر كذلك اسم ليونارد ..لكنه لم ينطق اسم العائلة .. هز رأسه عندما رآنا ولم يعلق على شيء... فتاة مقعدة تبدو كالأشباح , وفتى غامض يبدو كمصاص دماء ..!
عندما هممت بالحركة , سمعته يقف .. ثم اقترب إلى جانبي الآخر من جهة الجدار ... همس وهو ينظر بعيداً وكأنه لا يحدثني :
_ سأدفعك أنا , اطلبي من رفيقاتك الذهاب , أن سألن عني . قولي بأني صديق قديم ..
رفعت رأسي أنظر إليه , آخ عنقي !.. أنه طويل . المهم أني سمعته لا حاجة للنظر إليه .. التفتُ لأنظر نحو الفتاتين اللتين تحدقان بنا بتوتر و غرابة ...
ابتسمت لهما وتحركت قليلا , فاقتربتا وقالت ستيلا : لقد انتهينا أخيراً الاسبوع المقبل ستبدأ الاختبارات التقويمية ... هممم هل نخرج الآن ؟!.
ابتسمت بتوتر وألقيت نظرة سريعة على الذي خلفي قرب النافذة , قلت بأسف أنظر إليهما : أجل لكن , هو سيرافقني...
نظرن نحو بخجل , ثم قالت لونا : آه , هذا صديقك .. صحيح !.
قلت سريعاً : أنه مجرد ... صديق قديم . سيساعدني ..
هزت الفتيات رؤوسهن تفهماً , فمن الواضح جداً لهن أن ليونارد غير مهتم أبداً سوى بالمساعدة... كما أن وجهه لا يوحي بأنه مستمتع بالأمر ...!!
قالت لونا بمرح : حسنا إذن . نراك غداً ^^
_ إلى اللقاء كلآرا...
ودعنني و خرجن سريعاً , ارتحت لهاتين الفتاتين الطيبتين ... وشكرت الله , لا تبدوان من أصحاب الفضول الشديد بل فضول طبيعي يمكنني التعامل معه...
سأحدث والدي عنهما و سيسعد هو و يرتاح قلبه أن رآني أشق طريقي الطبيعي في الحياة !.. آه ياله من وضع ...
دفعني ليونارد فجأة فشهقت وتمسكت بقوة ... قلت بتوتر : هاي , من فضلك .. استطيع دفع نفسي .
_ كلا , ابقي هادئة ..
رد علي ببروده فصمتُ وهو لم ينطق كذلك , عند العتبات كان يرفعني وكنت مصدومة جداً منه , أنه يرفعني بكرسيي وكأن لا وزن لي ..! كأنه يرفع كتاباً عن الأرض .. ثم يضعني بسرعة وخفة قبل أن يلتفت أحد نحونا ...! أنه غريب جداً ... ترى ما يكون ؟!
أصبحنا في الباحة المتربة ... أوقفني بمكان ممتاز بعيد عن سير الطلاب وقريب من البوابة حيث أرى السيارات ...
تركني و سار قليلا ليقف في ظل شجرة يراقبني بنظراته الغريبة الدقيقة .. وكأنه يتوقع أن أتحول لدودة أرض أو ماشابه !!
_ هاي كلآرا !.
التفت بسرعة نحو مصدر صوت هادئ لطيف , فرأيته .. أنه أليكس .. الفتى الهادئ... رأيته يترك رفاقه و يتقدم إلي ...
دهشت وهو يرمي لي بقطعة شوكولا من مسافة قصيرة ... امسكت بها مبتسمة بمرح ..
قلت ضاحكة : آه شكراً ..
_ كيف حالك ؟!.
توقف بجانبي وهو يراقب السيارات ...
_ أفضل , وأنت ؟!.
ابتسم وهو يرد : جيد جداً , مع أنك تبدين شاحبة مرهقة , لكنك قد تحسنت .. كيف كانت الدروس ؟!.
مع أنه في الخامسة عشرة لكني أشعر بأنه أكبر مني بكثير... تنهدت وقلت بهدوء : لا بأس بها ...
بالطبع لن أذكر بأني نمت في آخر الصف ...حدثني قليلا عن دروسه وكم كانت مملة تجلب الصداع , ثم تحدث عن الجو الملبد بغيوم بيضاء لا تنذر بشيء سيء ... بعدها بثوان سمعت صوت والدي ينادي ..
كان يقف بالسيارة أمام البوابة تماماً .. جعل هذا بعض الطلاب ينزعجون .. لكنه لم يبال بهم بل اشار إلي بيده وقد رسم ابتسامه صغيرة ... تسائلت هل جيني معه ؟!
قال أليكس : سأساعدك ..
وأخذ يدفعني برفق نحو السيارة , في حين خرج والدي .. التفت بي وانحنى والدي يريد حملي , وأمام الفتية مستحيل ..
قلت بسرعة وخجل : لا .. لا أبي أنا أرفع نفسي ...
تراجع أليكس يكتم ضحكة من تعابير وجهي ... لكن والدي طبعا لم يستمع لي .. بل بسرعة خاطفة رفعني و وضعني على المقعد الجلدي البارد ... حدقت به بغيض لكنه تجاهلني و أخذ الكرسي... تقدم أليكس وقال بمرح :
_ اراك لاحقاً , كوني بخير ...
_ شكرا لك أليكس ..
أقترب أبي وصافح أليكس وشكره وعرض عليه أن يوصله أيضا , لكن أليكس رفض لأنه سيذهب مع رفاقه للدراسة بمكان ما ... صعد والدي وراء المقود و تحرك بسرعة ...
_ هاي حبيبتي , كيف كان يومك ..؟!
_ جيد جداً , كان اليوم لطيفاً ..الدروس لا بأس بها وقد تعرفت إلى بعض الفتيات.
تعمدت البدء بالثرثرة وحذفت ذكر ليونارد الغامض وتلك الأحاديث المخيفة ..!
نظر نحوي نظرة خاطفة وابتسم بحنان, علق قائلا وهو يحدق بالطريق : آوه هذا رائع .. سترين أنه يوما عن يوم ستتحسن الأوضاع بكل شيء... الزمن كفيل بعلاج الجراح.
_ واو يالها من حكمة عميقة . لا بأس أنت محق ..
ثم هززت رأسي وقلت فجأة : مهلاً ... أين جيني ؟!.
قال أبي بارتياح : نائمة بالمنزل .. للتو تغذت ونامت تلك المزعجة الصغيرة ..
سألته بهدوء : ماذا عن عملك ؟!.
_ أني جيد تماماً بالأمور الادارية ..تعرفين هذا عزيزتي كما أن الوظيفة رائعة والمرتب ممتاز .. أنه لا يجعلني امتيازاً لشيء لأنه صديق قديم لوالدي .. لكن السيد فرانس رجل قدير جداً .
غاص قلبي فجأة وقد عادت ذكرى الحلم ... والد أبي... هو من كان بالحلم ...!! آووه .. لأن ...لون عينيه مشابه تقريباً لعيني أيضاً... ما ... ما شأنه ؟! , وما .. كان يريد.... وما شأن جيني ؟!...
تقلصت معدتي اضطراباً , فحاولت أن اهدأ ... يجب أن اهدأ ....
حدق بي أبي وقال بتردد : حبيبتي ؟!.
هززت شعري ونظر إليه احاول الابتسام و طمظانته ...وصلنا للمنزل وقدم لي والدي بعض الطعام , ثم صعد ليطمئن على جيني ...
دخلت بغرفتي وضعت حقيبتي ولم أبدل ملابسي ... فقط غسلت وجهي و لملمت شعري مجدداً .. ثم أخذت بعض كتبي للدراسة بالردهة ...
قفزت من كرسيي إلى الأريكة الواسعة بسعادة دون أن يراني أحد و يهلع .. ثم وضع كتبي على الطاولة وقربتها مني ... بدأت أحل الواجبات ... ثم ظهر أبي يمشي بسرعة ...
حدقت به وهو يفتح بعض الأدراج بعصبية يبحث عن شيء ما ..
قلت بتوتر : مالأمر ؟!.

قال آسفاً بهدوء : آوه لا شيء مهم , أظنني وضعته بمكان ما ونسيت ..
_ ماذا ؟!
_ مفتاح الغرفة .. آه غرفة الرسم , بها أموراً أريد رؤيتها... لكنها مقفلة ولا أدري أين اختفى المفتاح !.
ضيقت جبيني .. غرفة الرسم .. اقترب مني و ألقى إلي بجهاز الاستماع الخاص بـ جيني ...قال
_ ابقي هذا معك قليلا حبيبتي .. سأبحث بعض الوقت...
أومأت بهدوء وهو ذهب نحو غرفة المكتب .. عندما عدت لمحاولة حل واجباتي , واجهتني الصعوبة وكنت أحدق فاغرة لا أفهم شيئاً ... تأوهت بحنق ! .
أني بحاجة ماسة فعلاً لمدرس خاص أو مدرسة مهما كانت !!... وهم كانوا على حق .. تباً !.
أغمضت عيناي بقوة و حككت جبيني , بعد ثانية سمعت شيئاً... فتحت عيناي بسرعة و حدقت بالجهاز اللاسلكي !.
لقد سمعت صوت تكة ما .. كأنه نافذة تفتح أو باب أو....
" تاتتا .. دوي .. مما.. ماما... تاتا... بابا...! آبا ... "
شعرت بكهرباء تضربني ... جيني مستيقظة , و كأنها تتحدث مع نفسها .. أو....
_ أبيييي !!!
ناديت بصوت عالي... فسمعت صوت خطواته السريعة راكضة .. دخل فزعا وهو يقول بعيون متسعة :
_ ماذا ؟! مالأمر... كلآرا ؟!
_ جيني ...!
فكرت قد يكون الأمر سخيفاً ... لكني تابعت بصوت مضطرب بينما والدي يحدق بي وكأنني قد جننت :
_ آه جيني ..لقد استيقظت كما يبدو , اسمعها تتكلم .. لقد افزعتني قليلاً ..
_ آوه !.
تنهد والدي ثم قال وهو يتحرك خارجاً : سأجلبها إن كانت مستيقظة ..
بعد دقيقة عاد و جيني تصفق بمرح بين ذراعيه ومعه بطانية صغيرة ولعبتها البلاستيكية وضعها على الأرض فوق بطانيتها وسلمها اللعبة .. ثم نظر نحوي وقال بوقار :
_ سأذهب لصنع القهوة , أتحبين أن تشربي قليلا ؟!.
قلت بهمس : أجل ..
أخيراً لا يعترض على شرب القهوة .. تابعت بريبة خافتة : آممم بقليل من السكر والكريمة... ربما ؟!.
أومأ موافقاً و غادر , عدت لمحاولة حل واجباتي بينما جيني تزعجني بصوتها ولعبها , آه لقد بالغت في ردة فعلي مجدداً لم يكن هناك من شيء مقلق ..
نظرت نحو الصغيرة ابتسمت لها فضحكت و قبضت على شيء ما في الأرض ثم وضعته بسرعة خاطفة بفمها , أنا صدمت رعباً وسقط فكي وأنا أحدق بها ... هي على بعد مترين تقريباً ... لذا وبلا تفكير كثير لانقذ الطفلة ..
قفزت من مكاني إلى الأرض إلا بي قربها مددت ذراعي أسحبها إلى حجري و أمسك بوجهها بين يدي وهي أخذت تقاومني بعصبية وقد أقفلت فمها بأحكام !!
صرخت بصوت مرعوب : جينيييي ! افتحي فمك ! مالذي بلعته ؟!... افتحي فمك يافتاة...!!
وحاولت أن افتح فمها ونجحت ثم سحبت بأصابعي ما كانت تحاول بلعه ... كانت قطعة فضية صغيرة .. تشبه جرس صغير جداً !
حدقت به ما هذا ؟!
دخل والدي فجأة وهو فزع قليلا وكأنه سمعني ... هرع نحونا وكان مرعوبا مني أكثر مما حدث لجيني ...
_ يا ألهي ! كلآرا مالذي حدث ؟!
_ لقد أخرجت هذا من فم جيني ...
و ألقيت القطعة الفضية بيده , حدق بها قليلا بدهشة ثم نهض واقفا و رفع جيني من بين يدي ليضعها جانبا بسلام وكانت هي على وشك البكاء وعيونها الجميلة الواسعة تلمع بالدموع .. ثم ساعدني على الوقوف والجلوس مجدداً...
_ هل تأذيت ؟! كيف اصبحت بجانبها ؟...عليك الحذر كثيراً حبيبتي.
_ أني بخير أبي لكن جينـي أ....
وقاطعنا صوت صراخها العالي و موجة بكاء شديدة فلتفت إليها أبي بسرعة و حملها يهدهدها بين ذراعيه لكنها لم تسكت بقي تبكي بحرقة وصوت عالي ... فجأة صدر صوت هسيس من المطبخ !
قال والدي فزعاً : القهوة !!!
قلت بسرعة : اعطني جيني ...
سلمني إياها رغما عنه و هرع يركض للمطبخ . كان الله بعون والدي .. أنه يعمل و يهتم بنا وبالمنزل بنفس الوقت !! .
تبا متى اشفى ><...!
صرختُ متألمة عندما أخذت جيني تشد شعري بقوة بكلتا يديها وهي تصيح غضبا مني ربما لأني اخذت ذلك الشيء من فمها المتلهف !!
_ جيني !! آآخ توقفي عن هذا ><!!
امسكتها بأحكام لكن دون قسوة و حاولت تهدئتها ..
_ ياحبيبتي الغاضبة ! هل أنتِ غاضبة مني ؟ , آوه كم أنا سيئة كلآرا فتاة سيئة .. جيني الفتاة الأجمل على الأطلاق ..
أخذت تحدق بي بريبة وأنا امسح دموعها عن خديها الممتلئين المحمرين ..واقبلها بحب واضمها إلى قلبي .. ياحبيبتي ~
بعدها بشكل غريب هدئت وأخذت تلمس وجهي بلطف وتحدق بعيني بتركيز تتعرف إلى حالتي وشعوري نحوها ...
فابتسمت لها واظهرت اسناني ... فاستغربت وهي تكور قبضتها لتدخلها بفمي ..
_ اوه مهلك يافتاة !... هنا يجب ان تتوقفي هاها ها ..جيني !.
ودخل والدي وهو يمسك بصينية القهوة يحدق بنا ..فابتسم بحب و وضع الصينية جانباً ليأتي وليجلس بجانبي ليضمنا معاً أنا و الطفلة ...
_ مالذي تفعلنه أجمل فتاتين بالعالم ..؟! هاه كم أحبكما ..
ما أجمل هذا الشعور , يجب أن احتفظ به بالذاكرة لأطول أمد .. نهض والدي وحمل جيني السعيدة به ليجلس على أريكة مفردة قربي والصغيرة على ركبتيه , ثم سكب القهوة و مد لي بالفنجان ..
ظل هو وجيني يمرحان ويتحدثان معا و أنا عجزت عن المذاكرة لصعوبة ما أجده .. فالدروس هنا مختلفة وأشعر بأنها أكثر صعوبة ودقة ... كما أني لم أحب المدرسة كثيراً مع أن بعض المعلمين تعاطفوا مع حالتي أنني جديدة وفوت علي نصف الفصل الدراسي فقال لي أحدهم أنهم سيأجلون بعض الامتحانات الدورية من أجلي .. وهذا جيد .. لكن الصعوبة ستبقى كما هي...!
أتى المساء , قام والدي بتسخين بعض الطعام الذي جلبه مجهزاً و صنع العصير بينما أنا أعد السلطة وجيني خلفي بكرسيها الخاص ترميني أحيانا باللعبة كي التفت إليها فقط .. كما أنا تنادي أبي و تظل معلقة على الكلمة " بابابابابابابابباب...."
إلى أن يرد أبي عليها برقة : نعم يا ملكة روحي....
أو من تلك الكلمات الجميلة حتى تفرح و تصمت بعض الوقت , لتعيد الكرة برميي باللعب ><"...
بعد العشاء اتصل أحدهم واستطيع ان اخمن من يكون ..
كنا بالردهة وجيني نسعِه جداً تشرب الحليب من الزجاجة فوق اريكتها وهي على وشك النوم .. اخيراً سينام مصدر ازعاجنا !
بينما أتأمل منظر الأشجار في الخارج من جانب الستار , كان والدي يحدث الطبيب "لوك" بالهاتف كلاما عادياً وتبادل تحيات ..
ثم فجأة سمعت أبي يقول بجدية : ماذا ؟! , غداً ..
ألقى إلي بنظره سريعة جداً وكأنه لا يريدني أن انتبه له لكن عيناي تركزت عليه ..
_ آه بالطبع .. بعد المدرسة , هممم ... من ؟!
فجأة تغير صوت أبي ليكون حاداً فلتفتُ إليه بكامل جسدي بقلق ... نطق كلمة "من" بعصبية !!
رأيته شاحباً وعيناه ضيقتان حادتان .. تنفس بحده وقال بصوت حاد لكن منخفض وهو يلقي بنظرة قلقه إلى جيني النائمة :
_ آوه لا . لا . لا ... لو سمحت لوك .. لم نعرف هذا ولا أظننا نريده .. لا يمكنك فعل هذا بي !!.
فتحت فمي بقلقٍ ودهشة ... مالذي يحدث ؟!
كان والدي غاضباً بالرغم من أدب كلامه .. قال مجدداً : هي من اقترح هذا ! , عفواً لكني لا أعرف اختك !!!
خفق قلبي بقوة توتراً ... هي ! أختك ...! من .. وعما يتحدثان ><!! اكاد أموت فضولاً وقلقاً...!
_ تعرفنا ربما !.. لقد وضعت بعقلي سيدة عجوز ذكية .. لا شابة غريبة , آسف لوك , لكني لا أعرف عائلتك تماماً ..ولا أعلم بأن لديك أختاً حتى .. ولا أظن بأن فتاتيّ يعرفان ويتوقعان هذا...
صمت والدي فترة طويلة وهو لا ينظر إلي لقد أعطاني ظهره وأنا أعرف عندما يفعل هذا .. فهي حانق جداً ولا يريد من ابنته رؤيته هكذا ...!
لكني رأيته من قبل كثيراً وأني معجبة بجانبه هذا , فلست قلقه .. عندما لا يكون غضبه نحوي ^^"!
قال فجأة وكأنه يقاطع المتحدث : غداً سوف نرى كل شيء ! , إلى اللقاء لوك .
و أغلق السماعة وبقي ينظر بعيداً لفترة ... بعدها التفت واتجه إلى جيني ليغطيها جيداً , رفع رأسه إلي وقال بهدوء :
_ سأبقيها هنا قليلا فهي غافية قد تستيقظ إذا حملتها... ابتعدي عن النافذة حبيبتي , قد تصابين بالبرد...
أومأت بصمت أغلقت النافذة واسدلت الستائر ثم اتجهت نحو المقاعد ..
_ ما رأيك بحليب ساخن...؟!
وافقت بهز رأسي وأنا أحدق به , فسارع بالخروج ... عاد بعد دقيقة معه حليب ساخن بلا اضافات وفنجان قهوة صغير له ...
شربت قليلا وأنا أراقبه يضع فنجانه على الطاولة ويمشي يدور في الردهة ينظر إلى التحف الصغيرة ..
قال فجأة وهو يقترب مني و يرفع شيء بيده : هذه .. أنها جزء من شيء ما لم أعرف ما هو احتفظي بها قليلا حبيبتي أنها فضية خالصة ..
و وضع بيدي تلك القطعة التي حاولت جيني التهامها .. جرس صغير جداً بحجم ظفر اصبعي الصغير .. قربته لأذني وهززت قليلاً لكني لم اسمع شيئا ..
_ لا أظنه صدفة حبيبتي !
حدقت بأبي و وجدته يقاوم الضحك , حسنا ! هل كانت حركتي بلهاء >>"...
_ ظننت جرس ما ...
_ لست واثقاً , سنرى لاحقاً .. آه يجب أن تنامي الآن .
نظرت لساعة يدي , الثامنة مساءاً .. قلت بهدوء : لا بأس , لكن أخبرني من كان المتصل ..لوك صحيح ؟! , ماكان يريد...؟!
حدثته بهذا بسرعة قبل أن يماطل أكثر ...
قال بتردد وهو يجلس على الأريكة القريبة , : غداً يريد رؤيتك بالمستشفى مع الاخصائي الذي حدثنا عنه ..
حسنا أني أعلم تماما أن لوك تكلم مع أبي بموضوعين .. الأول يعنيني وحدي والثاني يعنينا جميعاً....
فقلت بهدوء وأنا أهز رأسي : حسنا لا بأس... و...
ضيق عينيه وحك جبينه ثم خطف فنجان قهوته وجرعه بسرعة .. خفت عليه فالقهوة لا تزال ساخنة جداً..!
_ تلك ال... المربية لـ جيني وال... المدرسة لك بنفس الوقت .. ظهرت أنها .. أخت لوك , حسنا وهي امرأة شابة و بحسب ما يقول فقد تخرجت بشهادات عالية من الجامعة , تباً ..هذا لا يهمنا !.
شتم بقوة و نهض واقفاً .. دار حول مقعدة و زفر بقوة ثم هدئ نفسه بسرعة وعيناه على جيني النائمة ثم إلي ...
حسنا أنا كنت مصدومة لكني بقيت صامتة انتظره ينهي ما يقول...
_ تلك المرأة تعلم بالطبع عنا أخبرها لوك كل شيء... وهي متفرغة حسنا و تريد القدوم ظنا منها أنها تناسب الوضع . وهذا لن يروقني على العموم هي تبدو حمقاء لتتعامل مع أطفال , تعرفين نساء المدينة !! أنا لن أسمح لها بأن تدخل بيننا و تهتم بكما !.
حدقت به فكانت عيناه زرقاء جداً حانقة ... قلت بتردد : هل قلت بأنها هي من اقترح هذا...؟!
_ أجل .. حاول لوك المراوغه لكنه مضطر لأخباري لأن اخته ستأتي غداً... آوه حسنا لن يحدث ما يتوقعونه...
و حدق بشرّ في الفراغ , فهززت رأسي قائلة بنفسي نفس جملته .. أنا لا أحب الدخلاء الماكرين خاصة ..! لقد توقعت مثل والدي سيدة بدينة لطيفة ذكية و محترمة .. وليس شابة قادمة من المدينة كي تعتني بفتاة مقعدة و طفلة رضيعة لم تبلغ السنة !
جهزت لي بضعه ثياب كي استحم سريعاً بالرغم من برودة الجو .. لكني اشعر بالاختناق .. صعد والدي بجيني للأعلى ...
قبل أن اتحرك صدر صوت رنة طفيفة لا تكاد تسمع من جيب بنطالي... دسست يدي واخرجت القطعة الفضية ..حدقت بها , اقسم بأني سمعت رنة ما ... وضعتها قرب أذني و انصت كل حواسي...
سمعت صوت تكة خفيفة من النافذة خلفي , فلتفتُ بسرعة...
كان المكان بالخارج شديد الظلام وكأننا تجاوزنا منتصف الليل , لكن فجأة خفت الظلمة و ظهر ضوء النجوم الخافت ... ضيقت جبيني ... واقشعر جسدي... شيء ما .. أشعر بوجوده .. مر سريعاً جداً فأظلم الجو بسرعة و عاد ...!
شعرت بشيء غامض ثم فجأة رن الجرس الصغير من تلقاء نفسه أقسم بأني لم احركه ... صدر صوت كـ .. ترن...!
مرة واحدة .. هززت رأسي متوترة جداً , و خفق قلبي... آخ الليل هنا لا يعجبني أبداً...!
وبعد هذه الرنة الخافتة للغاية ارتعشت الأضواء لجزء من الثانية , كدت أصرخ باسم أبي لكني أوقفت نفسي بقوة !!... ما هذا ...؟! و فجأة خطر ببالي ليونارد وذلك الشاب المخيف الآخر...
فتحت باب غرفتي وشهقت عندما رأيت أبي... كان يطمئن علي فقط و يلقي التحية .. قال بأنه سيبقى مستيقظا بعض الوقت في الغرفة يقرأ .. وعلي فقط أن أصرخ باسمه أن أردت شيئا...
أومأت و غادر هو يصعد ... أخذت حماماً سريعاً ولم تكن المياه ساخنة كما يجب .. فارتجفت و خرجت بسرعة... كان شعري لا يزال يقطر.. ساعدتُ نفسي بنفسي و وصلت غرفتي لارتدي كنزة ما و أجفف شعري ..
لكني توقفت بممر الردهة المظلمة وقد رن الجرس الصغير بجيبي رنتين حادتين لكن منخفضتين وكأنه جرس مزعج يرن من بعيد... فتوترت بقوة ... هناك صوت ما يقول لي بعقلي بأن هذا الجرس ليس عادياً وهو يرن قبل حدوث شيء ما... سيء أظن...!
حدقت بالردهة بتوتر ... و رأيت ظل شخص طويل قرب النافذة البعيدة .. في البداية لم أرى والآن ظهر لي وكأنه سراب... ركزت بصري و جهزت حنجرتي للصراخ لأبي...
لكن الظل تقدم خطوتين و تعرفت إليه ... رفع يده ببرود وعيناه الذهبية تلمعان محذرتين.. مال برأسه وكأنه يتأمل شكلي جيداً...
ثم رفع بصره لعيني وشعرت وكأن مساميراً تثبتي بقوة ... ضاقت عيناه وأصبحتا رماديتان فجأة !
_ ما هذه بالضبط ؟!.
كان فمي مفتوحاً همسة لكن باردة , ما... ماا... ماذا ؟!... كأن يسأل شخص آخر... ولكن ...
_ أنها كلآرا ,.. الابنة الأخرى...
أجابه صوت عميق أتى من خلفي , وعرفت صوت ليونارد ... لكن.. هذا الذي أمامي ..
اللعنة وكأنه وليد الظلام أو شيء ما كونته الظلمة وشكلته ليكون بين الناس !... هذا الشيء الخطير !!!
lazary likes this.
__________________


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
وردة بالخرز , صنع وردة بالخرز , عمل وردة بالخرز 2013 هبه العمر إقتصاد منزلي 8 02-12-2013 02:22 PM
وردة بالشرائط بالصور،طريقة عمل وردة بالشرائط خطوة بخطوة،ورود روعه بالشرائط،اعمال يدوية FATIMA27 إقتصاد منزلي 1 08-25-2012 09:09 PM
ستخخَتفي الالوآن وسيحل الضلأم =| Ħ3 Ĥā3 «♣ ملحقات الفوتوشوب 3 01-30-2012 03:50 AM
لكل شهر وردة ومعنى.....فأي وردة انت/ي ؟ loai72m نكت و ضحك و خنبقة 9 03-15-2011 11:15 PM
وردة لكل شهر فأى وردة تناسب تاريخك المشتاقات إلى الجنة مواضيع عامة 9 03-08-2010 07:49 PM


الساعة الآن 04:25 PM.


Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.

شات الشلة
Powered by: vBulletin Copyright ©2000 - 2006, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لعيون العرب
2003 - 2011