عيون العرب - ملتقى العالم العربي

العودة   عيون العرب - ملتقى العالم العربي > عيـون القصص والروايات > روايات طويلة

روايات طويلة روايات عالمية طويلة, روايات محلية طويلة, روايات عربية طويلة, روايات رومانسية طويلة.

Like Tree29Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #16  
قديم 07-19-2016, 12:05 AM
Sia
 
شهقت الهواء بصعوبة وحاولت التراجع .. لكن لم أقدر... ظللت متجمدة لا أقدر على شيء...
_ دانييـل , توقف عما تفعله ..!
تحرك خياله و أغمض عينيه ليفتحهما ويظهر لونهما الرمادي مجدداً ... عندها فقط تنفست مجدداً و شعرت بالدم الحار يسيري بداخلي أخيراً.... مالذي فعله بي ؟!... تبا...
_ .. هذه بها شيء خاطئ... لا .. ليست ما نرى !.
ظهر صوته غريباً خافتاً و بارداً .. وهو ينظر ورائي حيث رفيقه ...
تقدم ليونارد ليصبح بجانبي ثم انحني قليلا ليحدق بوجهي وعيناي .. ضاقت عيناه وكأنني لمحت شيئا ما أحمر يمر بزرقتهما !!
_ أنا... أيضاً لست واثقاً مما أراه .. سيكشف كل شيء قريباً ..
حرك الشاب المدعو دانييل يده في الهواء وقال ببرود وحده خافتة : لا يهم أن عرفت أو لا .. المهم ألا تؤذي وإلا سنقتلها !.
من الذي يتحدثان عنه ؟!... أهي أنا .. ولم هذا الأبلة المخبول يتحدث عني وكأني جماد لا حياة لي و جماد بصيغة الغائب أيضاً ... تبا لهذه الأهانات !! ... لكن مهلاً... هل قال نقتلها ××"؟؟؟
تحدث ليونارد بحده خافتة أيضاً : لن نقتل بشرية ليس بعد...
_ لقد عملنا معاً طويلاً , لكن الآن نتجادل ... مالسبب ؟!.
و عادت عيناه نحوي وقد ومضتان بلون غريب... خفت بشدة هززت رأسي استوعب كل شيء... ثم نطقت أخيراً :
_مالذي تريده ؟!... مالذي يحدث...
أجابني بكل برودة اعصاب : لستُ أنا الذي يريد .. في كل الأحوال الهدف غامض قليلاً...!
اتسعت عيناي , وقلت بسرعة : أخبراني بوضوح تام مالذي يجري...؟! ثم كيف لكما أن تقتحمان منزل قرب منتصف الليل ؟!
هز "دانييـل" كتفه بملل واضح لكنه قال بقسوة ولفحة برد اجتاحه المكان بسرعة : إن لم نكن هنا فسيكون هناك شيء آخر أقل لطفاً منا ! , لذا وفري على نفسك الهستيريا و الهلع !.
ابتلعت لعابي و قلت وأنا أشعر بالبرد : هلا عرفتم عن نفسيكما مجدداً , ومالذي تفعلانه ؟!.
ضاق جبين الذي يواجهني والذي أشعر بأنه يود لو يقطعني على هذه اللباقة التي هبطت فوقي رأسي فجأة ..
أجابني ليونارد ببطء وصبر : هذا دانييل وأنا تعرفين من أكون .. تتذكرين طبعاً ذلك الزائر الأسود الذي سبب لك كسوراً رهيبة آه صحيح لا تذكرينها لقد عالجناها .. لكن حاولنا افقادك الذكرة كي تعيشي بهدوء غير أنها.... ماكانت الكلمة ..؟! هممم
زجر دانييـل بقسوة ولفحة هواء صقيعية آخرى تمر : لم تنجح !!..
_ نعم لم تفقدي ذاكرتك سوى مؤقتاً .. وسبب هذا أموراً أخرى .. المهم الآن أننا نحاول منع ذلك الزائر من العودة ..
كان فمي مفتوحاً أحدق به ... تحرك عقلي بسرعة لكني لم ادرك شيئا... شعرت بجسدي يبرد جداً و الدماء تنسحب مني لذكر الزائر ذو العيون الحمراء !.
_ الفتاة .. مالذي جرى لها ؟!
سأل دانييـل بلا مبالاة وهو يضع يديه بجيبه ... لكزني ليونارد في كتفي , فلتفت إليه بحده , رفع حاجبيه وقال يحدث رفيقه :
_ أنها لا تزال حية ...!
رفعت يدي و دلكت كل وجهي بسرعة ثم حدقت بهما... قلت أسألهما بقلق ويدي منقبضتين فوق قلبي :
_ ما ذلك الشيء ؟!, ومالذي يريده منا ؟!.
لم يجبني أحد لثوان طويلة , فقط تحرك صاحب العيون الزئبقيه و همس ببرود يحدث رفيقه : أرسلها للنوم !.
جزعت و قلت برعب وأنا أرى المدعو ليونارد يقترب مني خطوة : لا ...!
_ الوقت غير مناسب للكلام الآن..
_ ماذا تعني . أنا أريد...
قاطعني بنفاذ صبر : هدئي من روعك.
وقبل أن أهرب أو أحاول الهرب حتى , مس جبيني بيده الباردة كالثلج . وشعرت بدوار غريب... ثم الظلام يطبق فوق جفوني... .
---.
_ هل كل شيء بخير ؟!.
رفعت بصري ببطء ولاحظت نظرة والدي المتوترة... هززت كتفي و بقيت جامدة لا أفكر بشيء معين , كنت أشعر بالاهتزاز قليلا فقط ..
_ لم تنطقي بشيء منذ استيقاظك ولا يبدو بأن ذهابك للمدرسة غير شيئا !.
انطلقنا بالسيارة الى المستشفى و جيني نائمة في كرسيها الآمن بالخلف , لقد مر نصف اليوم الدراسي فقط و أتى والدي لأخذي في موعدي , لم يكن مزاج والدي جيداً أيضاً .. و أراهن بأن الطبيب لوك لن يفرح حقاً برؤيتنا...
حدقت به وهو يقترب منا بسرعة وقد رسم ابتسامه رائعة على شفتيه .. قال بمرح و ذراعيه مفتوحه ومعطفه الأبيض يتحرك حوله :
_ اهلاً بكما , صباح جميل .. كيف حالك أيتها الشابة ؟!
سلم على والدي الذي رد مبتسما قليلا , ثم صافحني بحرارة , وداعب وجنة جيني النعسة ليجعلها تضحك برقة ..
حسناً .. أعرف بأني أظن بأن كل الناس عابسين بوجهي .. وهذا من عذري لأني تلقيت زيارة غير ودي ما قبل منتصف ليلة أمس لشابين معتوهين كلياً ساحرين ربما , شكلاً و افعالاً .. كذلك أرغماني على النوم , لذا لا اعتقد بأني بمزاج لطيف لأجل الفحص !
دخلنا في غرفة الفحص الكبيرة , وساعدتني الممرضة بلطف على الجلوس فوق السرير العالي جداً , بينما والدي وجيني يستريحان فوق أريكة جلدية سوداء في الطرف البعيد , و أنا محاطة بأجهزة ضخمة مخيفة في الأعلى معلقة و قرب السرير...
تقدم مني لوك وهو يحمل ملفا للأشعة بين يديه قال بلطف أبوي : استرخي فقط كلارا , سنصور بعض الأشعة لنرى تحسنك ثم سيأتي الاخصائي لرؤيتك ..
قال والدي من بعيد مشجعاً : سيكون كل شيء بخير حبيبتي...
ابتسمت بوهن ولم أنطق .. قال الطبيب بدهشة : ما بك كلآرا ؟! , تبدين مرهقة...
قال والدي بعبوس من بعيد : أنها صامتة منذ الصباح لا أدري ما بها ؟!.
رفع لوك أحد حاجبيه والتفت لينظر لوالدي ثم إلي , ابتسم بحنان : متوترة من لقاء الاخصائي , آوه لا تقلقي بهذا...
فكرت بعبوس , هذا آخر شيء أقلق لأجله .. تبا !.
أجريت الاشعة بهدوء .. وكانت قدمي مخدرة بغرابة و الآخر تؤلمني قليلا مع أنني لا أدري ما شأنها... لكن ربما لا تزال متضررة من شيء ما ..
قال الطبيب فجأة بعبوس : سنجري اشعة للرأس ..
حدقت به و نطقت بدهشة و توتر : ماذا ؟!.
ابتسم لي بشكل مكلف سريع ثم التفت نحو والدي وحدّثه : للأطمئنان على الأعصاب , الشيء الغريب هو أن العصب الحسي يعمل بضعف و يتوقف أحيانا , أما الأعصاب الحركية فهي متوقفة تماماً و الأربطة توقفت عن النمو فجأة .. يجب أن أطمئن على الغدد في الدماغ , فـ كلآرا لا تزال بطور النمو كما أن هناك أمور أخرى معقدة .. و أخشى أن يتطور الوضع إلى نفسي عميق .
كنت مدهوشة و مرتعبة حقاً , بينما تحولت نظرة والدي للصدمة , وجيني بين ذراعيه , نظر نحوي بقلق بالغ لا يستطيع اخفائه أو أنا من يلاحظة بهذا الوضوح ..
_ الوضع ليس خطيراً بهذا الشكل , مع الأدوية يتحسن هذا , لكن الأعصاب تقلقني ..على كلٍ الاخصائي الدكتور "لايت" سيراك .
صور لي أشعة رأسي وأنا أفكر ببرود ربما خلل ما حقاً .. ربما أن أتخيل حقاً كل تلك المصائب .. آه ~~" .
دخلنا غرفة المكتب و نهض رجل عجوز مسن , لكنه طويل القامة جداً و رشيق كذلك , شعره فضي مصفف بعناية و ملامح وجهه طيبة كان يرتدي بذلة رمادية وليس المعطف ..
قال بمرح وهو يصافح أبي بينما عيناه تحدقان بي بشكل خاطف : مرحبا سيد موند , أنا سيركل لايت .. يمكنك مناداتي لايت فقط ..
داعب جيني بسعادة ظاهره وهي تضحك له , قال : يا ألهي كم أحب الأطفال .. أنها تبدو كملاك حقاً , ماسمها يا ترى ؟!
_ جيني ...
_ جيني ! , أنها فاتنة , مرحبا ياحلوتي ! , هل تأكل الحلوى؟! , لدي هنا حلوى بمكان ما...
ضحك أبي و قال بمزاح : أنها تآكل كل شيء تقريباً .. شهيتها دوما مفتوحة ..
_ أليست ظريفة ؟!.
بينما جيني تضحك بسعادة والجميع متهم بها , شعرت بأنني مختفية حقاً , فـ الفرار من هنا أفضل هيهيهي...!
_ كــلآرا !.
وتجمدت بينما يدي فوق العجلات أريد حقا التحرك , صوت والدي اخترق عقلي.. كان الكل يحدق بي الآن !! , ياربي اهتمامهم بي دوماً يأتي في وقت خاطئ متأخر...!
تقدم من العجوز بسرعة وكأنه يراني للتو !, أمسك بيدي كلاهما معاً وهزهما برقة وهو يبتسم بوجهي , قال بلطف :
_ لديك ملكة جمال آخرى هنا يا سيد موند , يالك من محظوظ !.
جعلني أضحك تبا له ! .. أحمرت وجنتاي سعادة , أحب الأطراء بعد أن فقدت ثقتي بنفسي , ربما لا أزال جميلة المظهر حقاً ..
كان الاخصائي ظريفاً حقا , ويمزح كثيراً .. اختفى تخيلي لرجل عجوز عابس وقاسي .. ارتحت لهذا الرجل المضحك .. وكذلك والدي ضحك كثيراً .. و ثرثروا بكل شيء تقريباً وكأننا في زيارة عائلية وليس موعد في المستشفى ..
جلب عامل ما العصير و شربنا كلنا وتناولنا الكعك وكذلك جيني , ثم لاحظت فجأة البرق و المطر بدأ يهطل بالخارج , حدقت بالساعة إلا بها الثالثة والنصف ..
أخيرا تطرقوا لموضوعي .. وكان السيد لايت قد قرأ ملفي مسبقاً , وعرف بحادثتي لكنه لم يذكرها أنما شعرت بهذا فقط .. نهض و نادى الممرضة لنذهب لغرفة فحص صغيرة وبسيطة ..
وتحت اضاءة بسيطة جلست فوق السرير وكلا قدمي فوق وسادة خاصة , توقف أمام قدمي و ظل يحدق بهما بعيون ذكية دقيقة بينما والدي و الطبيب لوك يقفان خلفه صامتين .. أمسك بقدمي بلطف وحركها شيئا يسيراً ..!
لم تكن قدمي اليمنى المصابة حقاً تؤلمني , أنما فقط لا أشعر بها .. سألني هذا السؤال وقلت له بأني لا احس بها حقاً , فعبس .. ثم تركها و عندما لمس الآخرى شعرت بالوخز .. فقلت له قبل أن يسأل : أنه ألم بسيط...
_ أين تحديداً تحسينه ؟!
_ آمم , كاحلي عند المفصل .
_ طيب , خذي نفسا يا عزيزتي ..
تركني و طلب مني أن اخفضهما من السرير دون أن تلامسا الأرض , ثم طلب بأن أحرك اليمنى , فلم أقدر , ثم طلب بأن أحرك اليسرى , فحركتها شيئا يسيراً بألم .. وقلت بأنها تؤلمني بعض الشيء...
أومأ برأسه و شكرني ثم طلب من الممرضة أن تصنع لي ضمادتين .. وقال لي بأني ربما سأترك العربة بعد قليل من الأيام ...
تبا ! , حسبتني سأتركها اليوم .. آه ليس لدي سوى الصبر ..
قال لي الطبيب لوك بهدوء : لا تحركي قدميك أبداً , كلاهما .. اتركيهما يرتاحان كي تلتئم الأربطة , فهمتني يا كلآرا...
واقفه كذلك الاخصائي , تمتمت أنا مطأطأ الرأس يأساً : حسنا !.
رتب والدي على كتفي , ثم ودعناهما على أن يراياني في موعد بعد ثلاث أيام .. وقفنا قرب البوابة وكانت السماء تمطر بغزارة وهناك رياح قوية .. قال والدي بضيق و جيني بين يديه متوترة : يجب أن أجلب السيارة .
قلت بتوتر أيضا وأنا أراقب الطريق الذي لم يبين منه سوى خيالات السيارات السريعة بسبب المطر المنهمر والرياح :
_ حسنا أبي , اعطني جيني ..
اعادني للداخل و لكنه لم يعطني جيني , بل بقي ممسكا بها بأحكام وحقيبتها الصغيرة , قال لي بهدوء : سأجلب السيارة قرب البوابة لا تتحركي حتى آتي أنا وأساعدك.
لم يعطني فرصة للرد بل غطى جيني بمعطفه وبقي هو بالقميص الخفيف ثم هرع مسرعاً للخارج . لا أدري لكني فزعت بشدة لرؤيته , وصعب علي تخيل شيء مرعب لكنه هاجم عقلي ... وكأنني رأيت والدي وجيني وسط الشارع وقد أتت سيارة مسرعة نحوهما ..
ناديت برعب : أبيييي !!... مهلاً...!!
دفعت بنفسي بقوة تجاه الباب الزجاجي الكبير , لم يكن هناك أحد سواي ... فقررت الخروج للرصيف ... كان المطر يضرب وجهي , ولم اقدر على الرؤية جيداً .. فجأة رنّ صوت صغيف بجيب بنطالي , ثم آلمني كاحلي المصاب بشدة و بسرعة وكأن كهرباء مرت به !!.
تأوهت و ترنحنت لكن لم ابقي واقفة بل تحركت فوق الرصيف أريد رؤية أبي وجيني , لكن علقت العربة الغبية عندما هبطت من الرصيف و اوقفتني في طرف الشارع المبلل بالمطر..
شتمت متألمه ولم أقدر على رؤية ما خطبها أو فيما علقت !... فكرت كثيراً بأن أقف و أركض بيأس لكن الضوء الذي ظهر أعماني ولمحت سيارة قادمة مسرعة , ظننته أبي يريد التوقف قربي , لكنها ظهرت شاحنة مزرعة مستعجلة زرقاء كبيرة ...
توسعت عيناي رعباً , ربما لم يلاحظني بسبب المطر والرياح !!
كانت تبعد عني ثانية تقريباً وأنا أستعد للقفز بقوة للجانب .. شعرت بأني أطير ! , غريب أنا لا أذكر بأني قوية في القفز لهذه الدرجة ...
أنما كانت هناك يدان تقبضان على خصري بأحكام وتسحبانني بسرعة خاطفة عالياً من مكاني , تمسكت بخوف بذراع قوية وأنا لا أرى شيئا من شدة الهواء الذي ضرب وجهي وجسدي فجأة !.
_ سحقاً !.
شتم صوت قريب من أذني و سمعت صرير عنيف لحديد ما... قلت فزعة : عربتي !.
لم ادرك بأني مرفوعة عن الأرض وأن هناك من يحملني فقط بذراعين إلا عندما وضعت فوق كرسي خشبي جانبي تحت مظلة ما ... والشخص الطويل الذي استقام أمامي وسحب يديه بسرعة وكأنني قمامة ما ..
زمجر بحده وهو يعطيني ظهره : ليــوون ؟!.
_ هاك !.
ابعدت شعري عن وجهي وأخذت أحدق جيداً... بينما تجمد عقلي عن التفكير و شعرت بالبرد الشديد...
سحب أمامي عربتي السوداء ووضعها تماماً امام قدمي .. شاهدت خيلاً آخر يختفي بسرعة خلف الشارع ..
_ اجلسي هنا بسرعة !
تعثرت بقولي : ممـ..ماذا ؟!
_ آآوه ><
زمجر الشاب مغتاظاً نافذ الصبر جداً , ثم انحنى قليلا فقط و قبض بقوة على وسطي بكلا يديهإلا بي فوق كرسيي المتحرك ..!
ما أن استقريت حتى قال بعصبية مخيفة شعرت أنه يود ضربي : لا تتحركي !
و التفت مختفياً بسرعة مثل ذلك الخيال , عرفت أذناي أصواتهما ومن يكونان قبل أن تدرك عيناي الأحداث السريعة جداً... لقد انقذاني أولاً ثم كرسيي .. وها هما يختفيا فوراً ...
توقفت أمامي سيارة عادية سوداء و خرج والدي قافزاً ...
هتف بذعر : كلآرا !!!

اقترب مني بسرعة تحسس وجهي و ذراعاي , قال موبخاً بخوف : ماذا تفعلين هنا !!.. تعالي بسرعة أنتِ مبلله , ألم أقل انتظريني حتى أجيء بالسيارة ... آه منك !
قلت آسفة بسرعة شاعرة أنني على وشك البكاء : آسفة أبي أنا....
مالذي أخرجني حقاً ؟!, تخيلاتي و خوفي... ~~"
وضع حولي الحزام ثم كرسييّ في صندوق السيارة تحرك سريعاً , ثم انطلقنا .. ظل يوبخني طوال الطريق على أنني لا اسمع الكلام و أتصرف كالحالمة المذهولة ... فكرت ببؤس أن هذا جنون , و أنني يوماً ما سأنتهي في مصحٍ عقلي !!!
كما أن جيني أخذت تبكي بحرقة مما عكر والدي أكثر و أكثر...
طلب مني البقاء قليلا , حمل جيني أولا للداخل .. ثم جلب كرسيي المتحرك , دخلت في غرفتي مباشرة قائلة بأني أريد تجفيف نفسي... كان المكان مظلماً والساعة تقريباً الخامسة مساءاً... كما أن الغيوم و المطر جعلا الجو أكثر عتمة وكأننا بمنتصف الليل ..
مسحت وجهي بالمنشفة ثم ما أن أنزلتها حتى صدمت وأنا أحدق بهما في غرفتي .. كانا يقفان متجاورين بينما رفع المدعو ليونارد
يده قليلا فقط فأغلق الباب خلفي بالمفتاح كالسحر .. بقي صاحب العيون الزئبقيه يحدق بي ببرود .
قال ليون بهدوء : يجب أن نتحدث , مالشيء الذي رأيته ؟!
دخل مباشرة بما يريد .. ضيقت جبيني و قلت بتوتر: مهلا ! , مالذي تفعلانه هنا ؟!. ثم أنت لم أرك بالمدرسة ...!
رفع ليونارد أحد حاجبيه وهمس : كنت موجوداً لكن ليس المهم أن ترينني.. إذن ... مالذي رأيته ؟!
_ رأيت ماذا ؟!.
_ تلك الفتاة بلهاء حقاً.
علق صاحب العيون الرمادية اللامعة ببرودة لكن بغضب مخفي , فتقدم خطوة وقال ببطء : هناك واحد آخر يسعى ورآءك كما يبدو كما أن هناك شيء ما يجذبهم , تبا ألا تفهمين ؟!.
قال ليونارد بصوت هادئ يحدث رفيقه ذو العيون القاتلة : دان . نحن نفترض أن هناك علامة ما , لكن الفتاة مسكينة لا تدري !.
حدقت بهما وقلت بتوتر : علامة ؟!
حرك دانييـل يده بملل واضح وهمس ببرود : يجب عليها أن تنتبه لنفسها أكثر , أحيانا تشكل خطراً على الاشخاص الذين أحميهم .. قلت لك لنقتلها فقط و ليبدو الوضع حادثاً... والدها سيتجاوز المحنة .
زاغت عيناي و فغرت فمي , قلت بحده أخاطبه : مالذي تعنيه بأني أشكل خطراً أيها المجنون ؟!!.
نظر نحوي بحده و تحولت عيناه للون الذهبي علامة الخطر , قال يزجرني : بلى أنتِ خطر !! و خطر أحمق أيضاً... فقط لو أقتلك !. لكن هناك ما يمنعني !
كدت أبكي مصدومة و مرعوبة , فهو بلا شك قادر على قتلي ... نظرت بذعر و توسل نحو ليونارد العابس... وعندما لاحظني قال بحده يخاطب رفيقه المرعب :
_ دانييل ! أرعبت الفتاة ! هذا ليس أسلوبنا .. ونحن لسنا متأكدين من..
نظر نحوي بضيق مخفي وأكمل : من .. أنها لديها... آه شيئا...!
بردت عينا المدعو دانييل , وعاد لونهما رمادي داكن .. همس ببرود بشيء ما يكلم رفيقه ثم أظلم الجو فجأة و عاد الضوء الخافت , لأرى فقط أمامي ليونارد الذي قال بهدوء :
_ هدئي من روعك , اتفقنا ؟! لا داعي للخوف هو لن يقوم بإيذائك نحن نقوم بالعكس تماماً.
حاولت أن أتحدث لكن حلقي جاف جداً , تنفست بعمق و مرت الثوان , ثم نظرت إليه وقلت بنبرة متوسلة خائفة لا أدري كيف ظهرت مني :
_ كيف... يمكن... يمكن أن أكون ..خـ... خطراً على عائلتي؟!.
كتمت شهقة و ضمتت يداي لقلبي الخائف أكاد أبكي .. رقت نبرته فجأة وهو يقول بلطف غريب وصوت ناعم :
_ قلت بأننا لسنا متأكدين , ثم من المستحيل أن تؤذي شخصا تحبه.. فقط تماسكِ أنها فترة عصبية لكنها ستمر ..
ارتجفت شفتاي و همست : أنا لن أقدر على أخبار والدي عن هذا ... كل شيء أعني...
رفع حاجبه و أجاب بهدوء : لا أظن هذا كلآرا , هل تفكرين بهذا ؟!
فكرت فقط بأن والدي سيصدم جداً , وأنه لن يصدقني , سوف يجلب لي طبيباً نفسياً و عقلياً ... وسأجلب له الكثير والكثير من المشاكل , وهو لا تنقصه هذه ...!
ابتعلت غصتي وحدقت به قلت بتوتر و قد داهم عقلي فكر آخر : لكن... ذلك الشيء هل سيعود ؟!. وما علاقته بي وكيف يمكنني أن أؤذي ؟!.
_ ما دمنا هنا لست واثقا من عودته , لكنه ماكر .. كما أننا لا نفهم ما يريده منك أو من تلك الرضيعة .. هم بالأحرى يريدون الصغار أكثر لأنهم انقياء وسهل ال... سهل جدا عليهم فعل الكثير , وهو بالطبع يريد القضاء عليك أنتِ و والدك لأنكم عائق أمامه !.
توترت وقلت وأنا أضغط زر المصباح لأن الجو أصبح معتما جداً : ح..حسنا.. لم تقل لي كيف يمكنني أذياء من أحب ؟!.
رفع حاجبه ثم ضيق جبينه متضايقا من الضوء , تراجع للنافذة وقال بهمس بارد : راقبي تصرفاتك فقط... و سترين بنفسك !.
ابتعلت لعابي وقلت بتوتر يخفي خوفاً : حسنا.. و.. تظنون بأن قتلي هو الحل ؟!.
هز كتفه وقال بهدوء عادي : ليس تماماً...
هذا الجواب غير مريح أبداً... شعرت بمعدتي تؤلمني بقوة من شدة التوتر والخوف .. قلت وأنا أتذكر العينان المتقلبتان بين الذهبي والفضي :
_ رفيقك ذاك يود قتلي بشدة .. مالذي يجعله يريد هذا مالذي فعلته ؟!
كنت أسمع صوت ضربات قلبي بأذنيّ .. فتأوهت بضيق , هذا يدل على رعبي الشديد و أشعر بأني وحيدة بمواجهة كل شيء...
_ أنه... دانييل لا يريد هذا أنما يود لو ينهي الأمر بسرعة.. ربما كان الطريق الأسهل لحل المشكلة قتلك فقط !.
حدقت به بعيون زائغة , قبل قليل كان رقيق الصوت , لكنه الآن بارد عادي وكأنه يتكلم بموضوع ممل .. و ليس موضوع يتعلق بحياتي أو موتي !.
قلت بسهولة : أنا لا أثق بكما !.
رفع حاجبيه : ثقتك بنا ليست مهمة !
آآخ شعرت وكأنه طعنني , أنه أيضا وقح !!... كلاهما متشابهان . لكن هذا الشاب أكثر هدوءا من صاحب العيون الزئبقية والمزاج البركاني !
تنفست بصعوبة فهما ليسا الوحيدان اللذان لا يهتام بمسألة الثقة ! والدي لا يثق بي أيضا !. أنا أشعر وقتا بأني لا أثق بنفسي...
هززت رأسي و شعرت بالحقد تجاههما ...
قلت ببرود : حقا ! , أليس قتلي سيسهل الأمر على ذلك الوحش لأخذ جيني ؟!. أنتما لا تفكران جيداً.
ظل ينظر نحوي ببرود و مال برأسه وهو يهمس : أشك بأنك أنت من يفكر جيداً , انتبهي لنفسك , نحن نشعر بأن لك علاقة بالوحش .. فقد أتى مرة بسبب صوتك !.
التفت في الظلام و قفز من النافذة ليختفي كلياً...
تاركاً إياي أغرق بدوامة من الرعب والصدمة !!.
لي علاقة بالوحش !!!!!!

فجأة بدت فكرة قتلي ليست بالسيئة !!! ~~"
هل وصل بي البؤس لهذا الحد ....!!
لكن قالوا شيئا عن... شيء آخر يلاحقني ! .
أغمضت عيني بقوة , أتخيل منظري أن دخل والدي الحمام فجأة ووجدني قد قطعت شرياني وسط المغطس لأموت وحدي....
... آه لا كلآرا أنت لا تستسلمين بهذا الشكل ..لن تفعلي ...
__________________


رد مع اقتباس
  #17  
قديم 07-19-2016, 12:06 AM
Sia
 
الجزء السادس ( زائرٌ جديـد )
*×*×*

لم استطع النوم جيداً , لكني نمت في آخر المطاف من شدة التعب و قبيل الفجر بقليل , شيء هزني بقوة في جانب ساقي !.
كان الجرس الصغير يرن ويهتز .. لكن بشكل خفيف جداً , وهذا ما ارعبني في منتصف نومي.. افقت خائفة و قلبي يدق بقوة !
و عندما حدقت بالشيء الذي يقف أمام قدمي عند طرف السرير اختنقت الصرخة في حلقي !!.
كان الظل , أو مهما سموه ...
لكن... حسبته سيقتلني أو يبدأ معركة !, أنما .. كان مختلفاً . كأنه ظل شخص طويل جدا و نحيل واقف فقط و بلا ملامح وجه ..
كان فقط رأساً و ذراعان بجانب جسده و ساقين ...!
كتمت انفاسي وعيناي زائغتان عليه , لكنه هو لم يكن له عينان .. ولا أي ملامح في الوجه ...!

و بالرغم من هذا عرفت بأنه يحدق بي بقوة وهدوء .. و كأنه أمضى الساعات بانتظار استيقاظي ..
رن الجرس مرتين في جيبي جعلني استعيد نفسي ... همست بصوت يرتجف : ممـ.. ماذا ؟!.. ماذا تريد...؟!
مال الظل برأسه و رفع يديه أمام وجهي .. و رأيت الشيء الذي تدلى من يديه .. الشيء الفضي اللامع وسط الظلام ... و مده إلي كي آخذه ربما ..
ازدرت لعابي و جلست جيداً لأمد يدي نحوه بتردد شديد وارتجاف .. كم أنا بلهاء كبيرة , ربما يريد اذيتي ..!!
عندما حدقت بيديه هاتين , كانتا كما يشبه الضباب أو الدخان المكثف مكون هذا الشكل .. فتح يديه عن بعضهما وانزلقت
السلسلة الفضية الناعمة وسط راحة يدي ..
اخذت نفسا مرتجفاً و حدقت بوجهه , صعقت عندما صدر منه صوت ما .. صوت ناعم خافت كأنه "هممم .. مم " !!
ومال برأسه مجدداً , وشعرت لثانية بأنه كائن لطيف !!. لكنه شكل غريب غامض بعيد عن اللطف !.
و في الثانية الآخرى أدركت ما يكون أو مالا يكون على الأقل .. أنه ليس نفس الظل ذو العيون الحمراء السابق الشرير !!!
شهقت و قلت مرتعبة : أنت لست هو أليس كذلك !!.
ولدهشتي أجابني , وهو يرفع رأسه شامخاً كما بدا و صدر صوت غريب آخر لكن حاد قليلا .. كـ " سسسسليس ..!! "
همست دون وعي وعيون متسعة متسمرة : ممأا.. ماذا ؟!.
كرر وهو يميل بوقفته ناحيتي قليلا : سسليس ...
سقط فكي صدمة !... هل... هل يفهم ما قلته ؟!!!...
هززت رأسي و قرصت وجهي كي افيق من هذا الحلم .. لكن بقي كل شيء كما هو .. الظل الغريب الهادئ الذي يقف عند طرف سريري ..
فجأة تحرك , فانتبهت إليه خائفة .. سرى بخفه حتى وصل إلى الجانب للسريرفتراجعت أنا أضم الغطاء إلي...
لكن الظل ارعبني وهو يسحب الغطاء بقوة و سرعة عني بيديه , رمى به بعيداً في زاوية الغرفة ..واجتاحتني موجة برد رهيبة !
صرخت برعب : آآآآآه !!
لكنه لم ينظر إلي وأنا أنكمش على نفسي حتى الزاوية , لم يبال بي .. ومن وضع رأسه كان ينظر إلى قدميّ... اقترب و أصبح فوق السرير معي !!!!
صرخت به برعب : اتركني ... ابتعد !! – أين اؤلائك الحمقى عندما احتاجهم !
لكنه انحنى و أمسك بقدمي اليمنى !!., عندها شهقت متجمدة شاعرة وكأن قدمي غطست بحفرة مياه جليدية في القطب الجنوبي !!!
كان يمسك بها بكلتا يديه , ارتفع طرف البيجاما قليلا ليظهر كاحلي كله .. و هنا كانت الصاعقة !!
رأيت شيئا على قدمي .. شيئا لم يظهر من قبل قط !!
كان هناك ما يشبه الندبة ... لكنها ندبة مضيئة بلون أبيض وكأنها مصباح .. و على شكل غريب... شكل نجمة سداسية !!
ما هذه !!! و من أين جاءت و كيف....؟!!
كل الأسئلة قطعت وأنا اراقب الظل و قدمي التي فقدت الاحساس بها .. كان هو يمسكه بكلا يديه وكأنه تحفة ما .. رأسه منحنٍ جداً نحوه يكاد يلامسه ..!!
صدر عنه صوت خفيض حاد مجدداً .. وهو يهسهس منزعجاً و يحرك رأسه وكأنه يقول ..لا ..!!
أخذت انفاسي تتسارع و خفقات قلبي جنت ..و أنا أرى قدمي يتحول لونها للأزرق ...!!
لم يتركها , وكدت أقول له : دعها أرجوك وإلا سوف تموت أكثر و يقطعونها !!.
لكن لم يتحرك بل جثى أمامي !! .. فقدت الأمل في أن يتركني و شأني ... لذا قلت بتوتر : وأنا أيضاً لا يعجبني وضعها , لكني لا أكف عن النظر نحوها !.
رفع رأسه و حدق بي قليلا بوجهه وبلا عيناي .. هز رأسه يمنة و يسرة بخفه ... ثم تلاشى فجأة من أمامي وظهر بشكل مفاجئ ارعبني يقف قرب السرير ..
مد ذراعه بطولها فطار إليه الغطاء الذي بالزاوية .. غطاء سريري ...
و رفعه ليلقيه فوقي مجدداً...!!!
بلرغم من صدمتي إلا أنني قلت بصدمة : شكرا على لباقتك !!
ثم تحرك و اختفى كأنه ضباب ينجلي ... بعدها بدقائق افقت من صدمتي و جمودي عندما بدأت اسمع اصوات العصافير في الخارج .. حاولت التحرك واكتشفت أنني ارتجف برداً...
فاختطفت كنزتي من فوق الطاولة الجانبية للسرير و دسست رأسي بها و أنا اتنفس بعمق وبصوت عالي ...
شهقت عندما طرق الباب علي طرقاً خفيفاً... فأكملت ارتداء كنزتي وأنا اقول بصوت مبحوح غريب : من ؟!!
فتح الباب و أطل أبي وهو يقول باستغراب : من ؟!... أنه أنا حبيبتي ... صباح الخير .
اخذت نفساً وأنا اقول : آوه !!.. ثم : أبي !!.. صباح الخير .. لقد افقت لتوي...
حدق بي والدي كثيراً بنظرة قلقة ... اقترب مني وقال وهو يضع يده على جبيني : أنتِ شاحبة جداً... آه و باردة جداً... ما بك ؟!.. هل تشعرين بالمرض صغيرتي؟!.
قلت بسرعة أحاول جعل صوتي عادياً : آه , لا .. كنت أشعر بالبرد قليلا فقط .
أومأ ببطء و ظل يراقبني لثانية قبل أن يقول : هل ستبدلين ملابسك , أنا سأصنع القهوة والفطور...
_ أجل... أجل.
_ جيني مستيقظة منذ فترة هي بالمطبخ تلعب تبدو بمزاج جيد بعد بكاء أمس ..
بعدما ذهب أبي تنفست الصعداء و ألقيت نظرة على نفسي بالمرآة , و فزعت من شكلي.. كان رأسي كالجمجمة ..
وعيناي غائرتان حولهما دوائر من السواد , بينما شفتي بيضاء وأطراف يدي وقدمي مزرقة قليلا .. وكأن غرفتي قُلبت لـ ثلاجة مجمدة !
كما أن شعري وكأنه مرت به كهرباء متطاير و اشعث !!.. رحت بسرعة للحمام أعيد شكلي الطبيعي .. أو شيئا منه !!
ارتديت بنطال أسود واسع وقميص أبيض من فوقه كنزتي البنية .. ثم وضعت كلا قدمي بالضماد الداعم المطاطي بعد أن لففتهما بضمادة جديدة ,
سرحت شعري قليلا وتركته بعد ان سقطت من يدي الربطة تحت الكرسي !!.
قفزت فوق كرسيي شاعرة بكره شديد له , وأحلم فقط باليوم الذي سأتخلى عنه .. سأقيم حفلة ضخمة !!!
لكن لأجل هذا سوف أصبر ...
لم اسمع صوت أبي وأنا أدخل المطبخ .. رأيت جيني بكرسيها الطويل الخاص وهي تهمهم و تضحك بسعادة ..
قلت بمرح : مالذي يضحكك يا فاتنتي ؟!.

_ كنا نضحك فقط قبل أن تأتي وتفسدي علينا !.
توسعت عيناي صدمة وحدقت بزوج من العيون الرمادية الباردة وجسد طويل ممشوق مائل باتكاء على طاولة الطعام يواجه الطفلة .. تلفتُ حولي برعب , و كدت أصرخ أو أبكي وأنا أقول بصوت عالي أسأل نفسي : أين أبــــــــــي !!!
أجابني هو ببرود مع أنني لم أكن أسأله : ذهب ليبدل ثيابه بالأعلى .. هذه قهوتك كما أظن !.
_ مالذي تفعله هنا ؟!.
شعرت بنبرتي باكية يائسة ... فحدق بي لثانية ,ثم قال متكاسلاً : كنا نستمتع بوقتنا .
ثم تحولت عيناه إلى جيني لمعتان بشكل ساحر وهو يكمل بنعومة : قبل ان تستيقظ الاخت الكبرى المزعجة !.
فضحكت جيني مجدداً بمرح شديد وهي تصفق بيديها .. حدقت بها مصدومة , هذه الطفلة الخائنة ..!!
قلت مهتاجة لا اكاد استوعب : أنت !... أنت !!. أ... مالذي تفعله هنا ؟!.
لم يكلف نفسه عناء النظر نحوي , بل منح جيني ابتسامه , جعلتني اترنح في كرسيي مع أنها لم تكن موجة لي ..و شعرت بمجهوداتي في اصلاح شكلي الخارجي تذهب سدى ..!!
_ يبدو بأنك مضطرة للعيش مع أخت كبرى بلهاء و صماء كذلك و ربما مصابة بداء النسيان !!.
كيف يجرؤ !!.. افقت من موجه الدوار و التعب وأنا أصيح به بحده : أخرج !!.. أخرج من هنا... سأصرخ بأبي... أبـــــــــــــي !!
وصرخت بصوت يجلجل الجدران لم يقطعه سوى نوبة كحة فضيعة داهمتني .. فانحنيت أحاول تجميع انفاسي...
صوت ركض في الممر ... ثم ظهر والدي وهو يقول مرتعباً : كلارآ...!!! جيني... آآه !!
رفعت رأسي و رأيته لا يزال واقفاً هذا الولد المجنون .. التفت إلى أبي بقوة وأنا أصيح : أبي , أبي أنظر ... غريــب هنا !!.
رفع والدي عينيه نحو "دانييـل" الهادئ ثم حدق بي وكأنني مجنونة هاربة...
قال بأسف وهو يرتب عللى ظهري المشدود : يا حبيبتي... آوه كم أنا آسف .. لم أخبرك , دانييل جار لنا قريب من هنا , رأيته مرتين .. وهذه المرة كان يركض متمرنا بالخارج ألقى علي تحية الصباح فدعوته لفنجان قهوة... هل فزعتِ , أنا آسف...؟!
حدقت به بعيون زائغة تكاد تسقط من محجريها و أنما سقط فكي مصدومة ... نظرت نحو الشاب هنا و رأيت نظرة انتصار و تحدٍ خبيث في عينيه ...
عندها ابيّض الجو فجأة في عينيه , و دار المطبخ بي... فانحنت بسرعة أضع جبيني على ركبتي بألم ..!!
_ كلآرا ...؟! كلآرا حبيبتي !.
انحنى والدي فوقي وهو يحيطني بذارع .. همس بقلق : هل أنتِ بخير ؟!
استرددت انفاسي بتعب و بدأت النجوم تتراقص ثم تختفي ببطء ... همست بصوت بح تماماً : أعطني دقيقة , أنه دوار !.
_ لا بأس عليك حبيبتي , بعد الفطور ستتحسنين .
رفعت رأسي قليلا فقط أتكأ على يدي , لمحت دانييل يناول أبي شيئا .. شكره والدي بهدوء : شكرا لك..
ثم وضع والدي بيدي الأخرى كأس ما , بينما أرفع رأسي أكثر و أرى نظرته الغريبة ونصف ابتسامه ساخرة متكلفة !.
_ لا بأس سيد مونـد , شكراً لك على القهوة.
شكر أبي بلباقة وهدوء تعجبت منها جداً , فأومأ له والدي ورافقه نحو باب المطبخ إلى الخارج ..
وضعت يدي على جبيني , هذا الماكر اللعين المتوحش الذي يهدنني بالقتل و يتمنى موتي ذو العيون الغريبة المتسلل لبيوت الناس ...
دخل إلى حياتي من أهم أبوابها "عائلتي" !! هذا غير معقول !... تباً !... لو كان ليونارد كان تقبلت الأمر أكثر قليلاً...
_ كيف أصبحتِ الآن ؟!
جاء أبي نحوي يسألني بحنان , ثم أمسك بيدي يقول بهمس : آسف لم اخبرك به من قبل , لقد رأيته قبل يومين ربما , يبدو شاباً طيباً حذقاً .
آوووه بربك أبيييييي >< !!... كدت أصرخ بهذا !! طيباً و دانييل لا يكونان في جملة واحدة !!.. لكني تماسكت بقوة ألا أصاب بنوبة دوار و شحوب مجدداً ,
أقسم بأني سوف أموت من هذه الأسباب أكثر من أي شيء آخر ..!!
اشحت بوجهي و قلت بهدوء : أنني جائعة ..
قال والدي ببساطة وهو يسخّن لي القهوة مجدداً : نسيت أن أخبرك به , كما أنه لا يبدو مرعباً جداً كي تصرخي باسمي هكذا وكأنك رأيتِ وحشاً , مع هذا أنا آسف عزيزتي .. لا شك بأنك مرهقة...
كلمتُ نفسي ببرود , آه بالطبع الارهاق أقل شيء أشعر به الآن , بعد ليلة من المشاحنات مع شخصين مثيرين للغرابة والرعب , ثم زيارة آخرى لشيء لا أدري ما هو ...
ثم أجد أن أكثر هذين الشخصين رعباً و جنونا مدعو لقهوة الصباح مع أبي , و يضحك مع جيني ساخران مني..!.

حدقت بأبي قلقة , هذا غريب ... والدي غير متفتح أبداً مع الغرباء , وحتى مع الأقرباء هو جدّي قليلاً... لكن .. مالذي يحدث هنا ؟!... توسعت عيناي ... هل فعل لأبي شيئا ... سحره ربما !..
التفت نحوي وهو يتكلم بشكل طبيعي و هادئ لا يبدو بأنه مسحور !! , أخذ جيني لأحضانه وهو يداعبها و يحاول جعلها تتناول طعامها , غير أنها هذه البنت الصغيرة تبدو متململة بعد ذهاب ذلك الفتى , بصراحه يبدو شاباً يافعاً وليس فتى مراهق عادي !.
عضضت شفتاي و احترق لساني من القهوة , تأوهت .. لقد قلبت حياتي رأساً على عقب .. و لن أسامح السبب في هذا طوال عمري !!.
_ ماهذا الذي بيدك عزيزتي , آوه سوار جميل .
حدقت بأبي ببلاهة , و الآن عما يتحدث !!.
كانا ينظران نحوي و يبتسمان .. حاولت قول شيء ما لكن والدي قال : أين وجدته ؟!.
رفعت حاجبي و حدقت حيث ينظرون , فتحت فمي دهشة , تلك السلسلة الناعمة الفضية تحيط معصمي برقة .. و تلمع حتى بدون ضوء ... ازدرت لعابي و تنهبت أنه ينتظر جوابي ...
قلت بسرعة ابتسم بتوتر : تحت.. ال ..تحت السرير !.
رفع والدي حاجبيه دهشة ثم ابتسم بحنان وهو يقول : يبدو ملائما جداً لك , لا شك بأنه مفقود من ممتلكات زوجة أبي , مع أنني لم أعش معاها فترة طويلة , لكنها سيدة مميزة و ذكية حقاً .
ثم نهض وهو يضع جيني في كرسيها قال متذكراً : آآوه المدرسة !!... هيا عزيزتي استعدي سأقرب السيارة قبل أن نتأخر أكثر.
طوال الطريق بالسيارة و عقلي متعكر جداً و أفكاري تتخبط لا استطيع السيطرة عليها , أشعر بأن ليلة الأمس كابوس .. لكن هذا الصباح كان هو الكابوس الحقيقي !!.
أنزلني والدي و ابتسمت له مودعة فتمنى لي يوماً جيداً مع أن نظره كان قلقاً بعض الشيء ..
قلت له مذكرة بلطف : لدي بعض الزملاء هنا . لن أواجه مشاكل .
ابتسم مجدداً و غادر بهدوء .. دفعت نفسي قليلا حتى المدخل كانوا قد طلبوا من البواب أن يضع هذه الألواح الخشبية القوية لأجلي ..
أخذت نفسا ودفعت نفسي فوقها لكن يدي انزلقت فجأة و كدت انزلق متراجعة أنا و كرسيي .. لكن أحدهم ثبتني بالخلف.
_ يالا بداياتك السيئة !.
بالطبع هذا ليس ليونارد !! , أنه يتحدث ببرود فقط أحياناً , لكن البرود والسخرية المستفزة معاُ .. هذا صفة شخص واحد !.
شهقت بعصبية و هو يرفعني بكرسيي دون ملاحظة أحد ويسير بخفة حتى الممر : دعنييي !! دعني دعنــي حالاً...!
ثبتني على الأرض و سار حتى توقف أمامي لأراه جيداً , بجينز أسود و تيشيرت أزرق داكن كان طويلاً مميزاً
ورشيق القامة كما أن عضلات ذراعيه الواضحة تقول لا تعبث معي ! .. تحسرت على هذا المظهر الرائع لشخص بلا أخلاق جيدة !.
انتبهت له وهو يرفع أحد حاجبيه قائلا ببرودة الصقيع : والآن بعدما انتهيت من النظر , هلا أخبرتني من أين لك بهذا ؟!.
توترت وأنا أقول بتلعثم : ممـ..ماذا !, يالك من وقح... ><"
ثم التفتُ بكرسيي و بسرعة أريد الهرب إلى أقصى مكان ... تحركت العربة قليلا ثم .. تجمدت بقوة !! ولم تسير حتى أنشا واحد...
التفت إليه أحترق غضباً ! أعلم بأنه هو من يفعل هذا ! لكن لا أدري كيف...!
قلت بحده : دعني أذهب و إلا سأصرخ و أجلجل هذا المكان وأجمع الناس حولنا !.
وضع يديه في جيبيه و مال بوقوفه وهو يرفع بصره من العربة ليظهر بأن لون عينيه اختلف من الزئبقي إلى الذهبي الداكن السائل ...
قال يهمس ببطء : لا تجعليني أغضب !.
رفعت رأسي بشموخ وأنا أبادله التحديق , من يظن نفسه ! هه .. حتى لو أصبحت عيناه بلون الدم فلن يخيفني ..
قلت بحده خافتة لأن مجموعة من الطلبة يمرون : لا يهمني ما يحدث معك أو ماتريد , لآن يفترض كما فهمت بأن ليونارد من يكون معي وليس أنت !.
المجنون الشرير الوقح البغيض السليط ال.... أكملت بقلبي
قاطع افكاري بكسل وعيناه تبردان للون الرمادي : أكاد أسمع عيناك تنطقان بباقي كلامك التافة !, على العموم ليون غادر بعض الوقت لأجل صديقته .
ادهشني قليلا , آوه ليونارد لديه صديقة !..آممم أنا لا اتخيل بأن شخصين مثلهما يمكن أن يكون لديهم صديق من الجنس الناعم !
أكمل ساخراً : هل اصبت بالأحباط ؟!.
lazary likes this.
__________________


رد مع اقتباس
  #18  
قديم 07-19-2016, 12:07 AM
Sia
 
فتحت فمي مصعوقة , رددت بسرعة وحده : يالك من أحمق !! كلاكما ذو وجود ثقيل مرهق .. أنا و بكل صراحة لا أحب رؤيتكم !.
زم شفتيه ورد ببرود : و نفس الشيء معنا تجاهك !. بلهاء !.
هزت كتفي بلا مبالاة وقلت ببرود : لا يهمني رأيك !.
حدق بي بعنف وعيناه تلمعان بموجة ذهبية تنذر بالشر .. كتمت ابتسامتي بصعوبة و التفتت بكرسيي أريد الذهاب , لكن الكرسي المتحرك لا يزال جامداً بمكانه !!
_ لن تذهبي لأي مكان حتى تقولي من أين لك بهذه السلسلة !.
نظرت إليه بغضب عارم أكتمه , وقلت بحده : أي سلسلة ؟!!
_ أكره الذين يدّعون البلاهة فوق بلاهتهم !.. أنتِ لا ينقصك هذا .. إذن....
ضيقت جبيني و تمالكت أعصابي بقوة بينما هو ينتظرني اتكلم , تنفست بسرعة مرتين... ثلاث.... اربعة ... ثم قلت بهدوء و صدق :
_ لا أدري ما تسمونهم .. لكن أحدهم قام بزيارتي قبيل الفجر , واعتقد بأننا تحدثنا , آوه ومد لي بهذه .. أظنها كانت بمكان ما بالمنزل , وهو جلبها إلي..
وابتسمت أغيضه , ضاق جبينه وبدا غارقاً بالأفكار لثانية , ثم حرك شعره الحالك السواد وقال بجدية شديدة وعينان ضيقتان :
_ حسناً , و ماذا بعد...؟!
هززت كتفي ببرود و قلت وأنا أطرف بعيوني ببراءة : هذا كل شيء ..
ضاق جبينه والتمعت عيناه وهو يقول بصوت خفيض حاد : ليس من مصلحتك اخفاء بعض الأمور عنا !.
تابعت بنفس النبرة البريئة المثيرة للسخط : صدقني أو لا تفعل , هذا لا يهمني !.
صر بأسنانه وسمعت الصوت فسرت رعدة غريبة بي , قال بهمس خطير : كان يفترض بي مراقبتك جيداً بعد ذهاب ليون , لكني لا ألوم نفسي .. أنما السبب بك أنتِ !.
حدقت به : بي أنا ؟!... مالذي تقوله ؟!.
وفجأة تذكرت العلامة الغريبة التي ظهرت من لامكان مطبوعة في كاحلي حيث اصابتي .. لم تكن موجودة أبداً من قبل وإلا لرأيتها .. لرآها الأطباء !!.. الاشعة أي شيء...! لكنها ظهرت فقط عندما... عندما قام الظل بـ.... لمس قدمي ربما !!
سمعت صوته هادئ وغريب يخترق عقلي : إذن , اخبريني كلارا !.
وجدت نفسي أتحدث بغرابة وهدوء ناظرة إلى قدمي : إن .. قدمي... قدمي المصابة هذه بها ... شيء غريب. أراني إياه الظل , كما اعتقد... كانت تشبة... ندبة غريبة... شكلها .. نجمة , لكنها غريبة و... لم نرها من قبل أبداً... أبداً... لم تكن موجودة...
رفعت بصري إليه وفمي نصف مفتوح , كان يراقب ملامحي بهدوء , لكن قال ببرود وهو ينظر نحو قدمي : هذا لا يبشر بالخير ...
_ لـ.. لماذا ؟!.
_ سأخبرك شيئا , كنت محقاً منذ البداية , وأنا عندما أقول بأن هذا الشيء يحدث فهو يحدث حقاً... همم ....
ابتعلت ريقي , قلت بتعب : إذن ما تكون , أليست أثر من الحادث ؟!
_ لا اعتقد , العلامة موجودة دوماً .. لكن الظل أظهرها لك ... وهذا يعني شيء واحد فقط ... كلآرا أنتِ بوابة .. أنت بوابة مفتوحة للوحوش ... و لكن العلامة ممنوحة من ذلك الوحش المطارد ذو العيون الحمراء كما تصفينه . وهو ظل لعين ماكر شرير و خطير , اختفى أثره حالياً لكنه سيعود وعندها سنرى .
كنت أحدق به و لا أرى ... أنما اتخيل ما ينطقه فقط .. علامة , أظهرها ... بوابة !... وحوش... باب مفتوح ... عيون حمراء .. شرير ... اختفى .... و سيعود !!...
دخت و بدأت النجوم تضرب عيناي !... انحنت بسرعة لأضم رأسي بين ركبتيّ وألف ذراعي حول نفسي لا استطيع التنفس... لا اقدر على التنـ.....
_ آووه الدوار مجدداً ! , بربك تماسكِ يا فتاة..
حاولت التنفس جيداً وأنا أحشر نفسي على بعضها ... احسست بيده على ظهري !. شعور غريب ؟! هل هو متعاطف معي ؟!.
_ سأجلب لك الماء...
زاغت عيناي , هل سيتركني لبضع دقائق وحدي !!!... بدا هذا مرعباً للغاية بعد كلامه المخيف الذي نطقه بكل جدية وهدوء...
لم أكمل أفكاري لقد قطعها بقوله : هاكِ الماء..!
لقد شعرت فقط باختفاء يده من على ظهري , ثم عودتها بعد ثوان قليلة جداً... اتكأ على ذراعي المقعد وأنا ارفع رأسي ببطء ...
سلمني قارورة ماء باردة قليلا منعشة ... فشربت منها بهدوء ..
استعدت وعيي جيداً و ميزت الالوان ... كان هو قربي و يده على ظهر المقعد اصبحت , كما أنه ينظر نحوي باهتمام وانتظار ..
همست بضعف : شكراً.
_ مهما يكن , لم انهي حديثي ...!
حدقت به وقلت متلعثمة : ممااذاا ؟!... لكن ماذا بقي أيضا ؟!.
رفع أحد حاجبيه و اعتدل بوقوفه وهو يقول ببرود وهمس : الظل الآخـر ... نوع مختلف , و لديه هدف مختلف ... الآن صفيه لي !.
وأنا أحدق بالعينين الغريبتين الرماديتين بخطوط ذهبية راودتني الاحاسيس والغرابة , والفضول الرهيب . من يكون و من أين جاء ؟!....
ولما يحمل هذه الصفات الغريبة .. ترى ما يكون هو بالضبط و رفيقه ؟!. وتلك الاشياء المريعة التي دخلت حياتنا !.
lazary likes this.
__________________


رد مع اقتباس
  #19  
قديم 07-19-2016, 12:13 AM
Sia
 
الجزء السابع (( مفاجئات غير سارة البتة ! ))

أنني واثقة عندما بدلت ضماداتي هذا الصباح بأن كاحلي طبيعي جداً خارجيا على الأقل ولا وجود لأي علامة أو أي شيء مريب ...!
_ هل انتهيتِ ؟!.
لقد قاطع حديثنا الغريب والمخيف صوت رنين جرس الصف ولم يساعدني في دخول الصف أو حتى يرافقني بل دفعت نفسي بنفسي و مر صفين متتاليين من الدروس المرهقة ...
والآن هاهو بجانبي في وقت الاستراحة بعد أن احرج الفتيات بنظرته فغادرن بهدوء .. ماخطب المدعو "دانييل" هذا ؟!
حشرت كتابي بقسوة في حقيبتي التي اضعها خلف ظهري , قلت بهدوء : حسنا , مالأمر ؟!.
توقفت قرب طاولة خشبية دائرية في الباحة حيث الجو بارد قليلا لكنه لطيف وهناك الكثير من الغيوم البيضاء , جلس هو على الكرسي على الجانب الأيسر مني كي يكون متراوياً قليلا و يسمح لي برؤية الباحة و الطلاب في جهتي اليمنى...
_ كيف كان يبدو ؟!.
التفتُ إليه و اضطربت قليلا لقربه ولتحديقه الشديد في عيناي , لأول مرة أجلس مع هذا الشخص الفظ الناري الطباع يجب أن أتوخى الحذر في كلامي معه... فأنا لا اعتبره كـ ليونارد. قد ينفجر بي في أي لحظة , وأجد نفسي ميتة فجأة !.
أجبته بصدق وهدوء لا أدري من أين جلبته وأنا أتأمل بحر الفضة في عينيه و خطوط الذهب السائل : ...ذلك الخيال , كان... كظل طويل يملك ذراعين و ساقين أظن... و بلا ملامح, لم يكن هنالك من عينان أو فم...وما شابة.
ضاقت عيناه قليلا و التمعت , أومأ وهو يهمس بنعومة : ومالذي كان يفعله ؟!.
_ آحم .. لستُ واثقة , كان يراقبني لفترة... اعتقد ..
صمت احاول تذكر الليلة الماضية جيداً , فقال هو يحثني بهمس : و بـعد...؟!
_ أظهر .. تلك العلامة في كاحلي..
_ ...و السلسلة ؟!.
مرت رياح باردة عبثت بشعري و قميصي , فلممته بسرعة و وضعته تحت القميص عند رقبتي , بينما هو لا يبدو متأثراً قط .. لقد تطاير شعره الأسود الحالك حول وجهه الرائع التقاسيم لكنه لم يتحرك قط بقيت عيناه مركزتان في عيني ..و باردتان منتظرتان ...
_ لا أدري من أين جلبها , لكن...والدي لاحظها و أظنها كانت لزوجة أبيه بالتبني ..
كنت أريد أن أشرح له أيضا أن السلسلة تبدو مألوفة بشكل ما لكنه قاطعني بفظاظة وبرودة : أخرجي ذلك الجرس...!
حدقت به , قلت بتوتر : أي جرس ؟!.
_ افعلي فقط ! , أني لا أملك النهار بطوله !!.
أجابني بحده بالغة و عصبية , فرمقته بضيق شديد ثم هززت رأسي و أخرجت الجرس الصغير للغاية والناعم الفضي...
حدق به بضيق واستنفار ثم حرك رأسه ولم يلمسه بل قال بصوت منخفض : أنه جزء من السلسلة ..لا انتبهي !!
كنت على وشك أن أضعهما معاً السلسلة الناعمة والجرس لأن السلسلة ناعمة جدا ستدخل بحلقة الجرس الصغير...لكني فوجئت بقبضته قوية جداً وباردة أطبقت على معصمي بشدة آلمتني !!
_ آآه , ماذا ؟!.
قال بقسوة وهو يصر على أسنانه كي لا يرفع صوته : يالك من ! , لقد أخبرتك صباحاً بأنك بوابة للوحش و ها أنت على وشك وضع شيء ما خطير عليك . هل تحبين رؤية قدمك تتقطع ؟!.
ترك يدي وكأنه مشمئز , ضممت يدي برقة أحاول تدفئتها بينما قلت منزعجة : أتعني بأن بي شيء شرير و هذا الجرس سيحاول اقتطاعه مني ؟!.
_ ها أنت بدأتِ تفهمين !.
قالها لكل سخرية وكأني شخص أخرق للغاية , هززت رأسي احاول التركيز ,قلت أهمس بيأس : و كيف الآن سأحمي نفسي .. كيف أتخلص من تلك العلامة مهما كانت في المقام الأول..!
_ مادام هذين الشيئين منفصلين فهما يقومان بعملية تنبيهك لا حمايتك .. لكن لا تجميعهما معاً فستقلتين , أما بالنسبة للعلامة فهذه .. من وضعها وحده هو من يستطيع ازالتها ..!
لم اقدر على التنفس لثوان , قلت بقلق : ذلك الشيء... لن .. يزيلها أليس كذلك ؟!.
_ ولمَ يفعل ؟! , أنت بوابة ممتازة له ..
_ لا أحب نبرة السرور في صوتك !.
ضاقت عيناه الرماديتان و هزأ قائلا : وأنا بدأت أندم على تحذريك من ذلك الجرس والسلسلة.
رددت بحده : يلا الأسف ندمك متأخراً !.
وافقني ببرود : لكن , رؤيتك تتقطعين أشلاءاً وسط ساحة المدرسة غير جيد على البشر هنا...!
رفعت رأسي ببرود : تتحدث وكأنك لست بشرياً مثلهم !.
ومضت عيناه بخطورة : ومن قال ؟!.
خفق قلبي قلقاً .. ماذا يعني هذا ال... قلت بتردد : إذن لست... بشرياً حقاً... ولا... ليونـ...
قاطعني بلا اهتمام : ليس تماماً بالنسبة لي , لكن ليو حالة أخرى...
همست بقلق وعيناي متوسعة : وماذا تكونان ؟!.
_ أنت لا تزالين في مرحلة أنكار لتلك الوحوش التي تزورك بسعادة , فكيف تردينني أن أخبرك , لن يعجبك هذا لكني لا أهتم في الواقع لما تظنين ..
ضاق جبيني و حاولت قائلة : مصاص دماء مثلاً ؟!. مع أنني أظنك أسوأ...
لمعت عيناه و مط شفتيه ليقول بهمس ناعم : هذا ليونارد ..بالطبع أنتِ عديمة الملاحظة , لكنك نلت نقطة على معرفتك لهذا الوجود !.
فغرت فاهي , ياله من وضيع لا يفوت أي فرصة لأهانتي...
قلت ببرود : مع هذا ليون أفضل منك , لا شك بأنك ابن الوحوش...
ولينتي لم أنطق , لقد برقت عيناه ببرق ذهبي و اهتز جسده مع لفحة هواء جليدية ضربت وجهي .. شحب وجهه جداً وأبيض كالثلج بينما أحمرت شفتاه و قلبت عيناه بسرعة خاطفة للون الذهبي النارية المشتعل ..
هب واقفاً فضممت نفسي بسرعة وكأنني خشيت أن يقطع رأسي .. هدر بحده لم أسمعها من قبل أبداً :
_ لعلمك فقط ولأنارة عقلك الغبي !, أنا ولدت من أروع أبوين عرفهما كلا العالمين هنا.. لا يمكنك حتى أن تنعتهما بأي صفة قريبة من قلة الأحساس !...
التف من الطاولة بسرعة و عنف ثم ذهب بعيداً بينما عبثت رياح باردة شديدة في الساحة جعلت الأشجار تتمايل و الطلبة القليلون يهرعون إلى الساحة الداخلية...
كنت مصعوقة , مالذي جرى له بحق ال....!!
هززت رأسي أحاول التفكير , هل يظنني أهنت أبويه ؟!. آه يالا الحماقة , كلانا أبله و غبي... أني أقصده هو فقط بالتشبيه , ما كان له أن يثير أعصابي هكذا .. لكني لم اتوقع أن يكون محباً لوالديه بهذه الشدة ..! كان علي أن أتعقل أكثر منه... لا يمكن أن يفقد كلانا صبره .. سأضع أعصابي في مياه باردة المرة القادمة .. أن لم يكن هو متعقلا أنا سأكون !.
ساعدت نفسي بنفسي مجدداً و بصعوبة كي ارتقي الألواح و أدخل البناء , رأينني الفتيات "لونا" ذات الشعر القصير و "سيلا" ذات الشعر الأشقر , نظرن نحوي بقلق طفيف ثم ابتسمن وساعدنني في الوصول للصف التالي ..
لم أرى ذلك المدعو "دانييل" كل اليوم و هذا حسن , أني حتى لست متأكدة بأنه يتظاهر بالدراسة لأجل حراستي كـ ليون .. ليونارد الذي قال أنه مصاص دماء .. بصراحة أنا لم أكون أي فكرة أو شكلاً معيناً في عقلي لهؤلاء ..!
حسنا ربما فكرت بـ .. وحش ضخم شاحب اللون جداً رمادي ربما بأجنحة جلدية مخيفة و أنياب ظاهره .. وليس شاباً وسيم المظهر هادئ وحاد بنفس الوقت , مع هذا هو أفضل أخلاقاً من رفيقه .
وفي نهاية اليوم , جاء والدي وكان يبدو شاحباً أكثر من العادة فخفق قلبي توتراً وقلقاً... قلت بهدوء وهو يساعدني على الجلوس في المقعد :
_ أين جيني...؟!
_ في المنزل , معها السيدة فرانس...
عندما قال السيدة فرانس هل يقصد زوجة لوك الرقيقة , أم تلك العجوز التي لا تراني ؟!. لكن لا يهم كثيراً هذا .. ما يقلقني هو أبي , قلت مجدداً بتوتر : ماذا إذن ؟!.
حدق بي قليلا ثم قال وهو ينطلق بالسيارة : لا أدري لقد اسيقظت جيني باكية لاكتشف أنها مصابة بالحمى .. أخذتها للمستشفى ليس بالشيء الخطير أنما فقط مجرد برد , أخذت بعض الادوية و عدت...
شهقت بقلق حبيبتي جيني مريضة , قلت : آوه وكيف هي الآن ؟!.
_ تركتها نائمة و بصبحتها السيدة فرانس لقد تحسنت قليلا..
كنت قلقة جداً وأصابني الرعب فجأة , ماذا لو لم تكن حمى عادية , ماذا لو أذاها شيء ما....! عندها ماذا سأفعل ؟!.
رأيت وجه والدي قلقا جدا شاحباً وكأنه أصبح في الخمسين فجأة , فمسحت على يده برقة و اكتشفت بأن يدي كالثلج ..
صفيت حنجرتي كي يخرج صوتي صافياً : ستكون بخير أبي...
زفر ثم نظر نحوي وابتسم بعطف ولم ينطق بشيء , حتى توقفنا أمام المنزل , لكن والدي لم ينزل من السيارة بل بقي قليلا منتظراً ينظر خارجاً , عرفت بأنه يريد التحدث إلي... و بهذه الطريقة لا يبدو أن الحديث جيد !.
التفت نحوي وقال بهدوء وعيناه الزرقاء لامعة بحزن : لقد وصلت... المربية أنها أخت لوك تدعى ليندا , وهي تعمل طبيبة أطفال لكنها تركت العمل و أتت هنا , هل يمكنك تخيل هذا ؟!.
كان يتكلم بهدوء خافت شديد , يخفي عاصفة غضب رهيبة أعرفها ... كنت أنا أيضا مصدومة أنما ليس بهذا القدر لقد خفف غضبي أيضا من شدة الصدمة ...
هززت رأسي و قلت بتماسك : لندخل أبي .
خرج بخفه من الباب و جلب عربتي لكنه أخذها للداخل , فغرت فمي ... أبــــييي ><... !!
أتى نحوي فقلت مسيطرة بصعوبة على أعصابي : أنت لا تفكر بأدخالي للمنزل محمولة هكذا !!.
زم شفتيه ولم يأبه لي قال بهدوء : هيا كلآرا , أنهم في الأعلى سينزلون خلال دقائق...
فحملني بخفه و أنا أسأل بتردد : عندما قلت أنهم ... من يكونوا ؟!.
_ لوك هنا أيضا , والسيدة جورجيا لكنها قد غادرت قبل مجيئنا...
حسنا ربما تلك العجوز اطمئنت على جيني و غادرت لا يهمها أيا منا الابنة الأخرى المقعدة و والدها البائس !. تضايقت من نفسي و من سوداوية أفكاري ..!
أجلسني أبي على الأريكة و عندما هم بالخروج من الردهة , دخل لوك أعرف قامته الرشيقة كوالدي و من خلفه فتاة . لا بل شابة تكبرني بعشر سنوات ربما !!.
كانت بشعر أشقر داكن وعينين واسعتين عسليتين , آه ربما كانت في السادسة و العشرين , عبست بشدة تبدو جميلة جداً و أصغر بكثير من عمرها , فكشرت بقوة و ألتمعت عيناي و أوشك على الأنفجار...
نظر نحوي لوك و تبسم بقلق واضح , بينما بقي والدي واقفاً قربي ببرود يديه في جيبيه , وقفت الشابة بتوتر هي أيضا ببنطالها الجينز الجديد هذا و قميصها الذي يبدو ثمينا ><"...
بدأ لوك الكلام بهدوء وتمالك : جيني بخير الآن , أنها نائمة , تحتاج لكثير من النوم...
ثم نظر نحوي و تبسم قائلا : هاي كلآرا , كيف حالك عزيزتي ؟!.
أومأت برأسي ولم ابتسم تماماً , مع أن لوك لا ذنب له , لاحظت نظرات المرأة الفضولية نحوي تتأملني بدقة ثم وقعت عيناها بعيني فضيقتهما بعبوس , ابتسمت لي بتوتر ثم تقدمت برشاقة احسدها .
و صافحتني بحرارة وهي تقول بصوت ناعم : كلآرا الجميلة , مرحبا حبيبتي أنا ليندا . كيف حالك ؟!.
توترت جداً , حسنا اعترف بأنها تبدو لي لطيفة لكن لنرى لاحقا....
رددت بهدوء وبلا ابتسام : اهلا , أنا بخير...
قال والدي فجأة ببرود : سأحضر الشاي .
فقال لوك سريعاً : سأساعدك ...
و خرجا معاً و أنا أحدق بهما برعب ... هييييه تركتماني مع هذه المرأة وحدي لماذا ؟!.
بقيت دقيقة جامدة لا أفعل شيئا فتحركت ليندا هذه لتجلس على كرسي قريب مني تقابلني , سألت برقة :
_ كيف كان يومك كلآرا , هل المدرسة لطيفة ؟!.
رددت بهدوء كي لا تظنني مضطربة نفسية : جيد جداً , لا بأس .
أومأت و قالت بهدوء : أنا آسفة أن ضايقتكم و جئت بهذا الشكل وكأنني وضعتكم أمام الأمر الواقع , لكني في الحقيقة تركت عملي منذ زمن و كنت أريد العودة لعائلتي هنا .. كنت بائسة بالمدينة حقاً , لم أحبها .
صمت أحدق بها بهدوء , بدت هناك ظلال داكنة حول عينيها و وجهها شاحب قليلا , سألت بهدوء : أليست الوظيفة رائعة ؟!.
طرفت بعينيها كثيراً وكأنها تفاجئت من تجاوبي معها , قالت مبتسمة بحنان : رائعة جداً , لكني لم أتأقلم جيداً فحاولت و بقيت هناك ثلاث سنوات بلا جدوى .. اكتسبت خبرة لكنها ليست كافية بالنسبة لي.
ابتسمت مجدداً وقالت بتوتر خفي لاحظته : حسنا أنا لا أريد التطفل أبداً , لقد جئت للتحية فقط و رأينا فجأة والدك قادم و معه جيني من المستشفى .. آه لقد انزعج كثيراً .
ضاق جبيني وقلت بخفوت : لكن شكراً لزيارتك.
ابتسمت لي مجدداً ثم نهضت وهي تنظر في ساعتها الثمنية بمعصمها قالت : سأعود لوالداي الآن , يجب ان اعتذر عن الشاي ..
دخل والدي فجأة بالشاي ومن خلفه لوك يحمل صينية كعك , نظروا نحوها متسائلين فابتسمت وهي تقول : يجب أن أذهب.
قبل أن ينطق والدي , قال لوك بسرعة : لا بأس عزيزتي سأوصلك.
زممت شفتي بقوة , قال والدي بصوت بارد واضح جعلنا كلنا ننتبه : ليس قبل شرب الشاي.
خفق قلبي و قلت بنفسي لو أنني مكانهم لفررت بسرعة لا يهمني الشاي , لكن الشابة قالت بابتسام خفيف : لا بأس , لكني سأخرج مباشرة , والداي يريدان التحدث إلي.
فجلست على نفس مقعدها و جلس لوك بترقب على مقعد مجاور , بينما سكب والدي الشاي لهم ثم سلمني كأسي و جلس بجانبي تماماً و رفع ذراعه من خلف ظهري ولم يشرب هو شيء... بل بقي يراقب الجميع ببرود .
حسنا , فعلته هذه وكأنه يحميني , لكن مما أبي بربك أهدأ .. هذه المرأة مسكينة , لا شك بأن لوك بقي أيضا لحماية أخته ×× أكره الأوضاع العائلية المعقدة...!!
قالت المرأة فجأة بمرح : هذا الشاي لذيذ من منكما أعده هكذا , أم أنكما تعاونتما معاً مع أنني أشك بهذا ..
تجهم والدي بينما كدت اختنق أنا بشرابي , نظر لوك نحونا بانتظار , فأجاب أبي بهمس هادئ : لقد تعاونا , المهم هو النتيجة .
ابتسمت بهدوء وهي تلقي بنظرة سريعة على اخيها : معك حق .
ثم قالت مجدداً بهدوء : أتيت من المطار والسماء تقصف و تمطر بقوة , لكن الغيوم هنا كثيفة جداً تبدو كأنها تمطر ..
انصتا فجأة و سمعنا صوت المطر يشتد بتدرج , قلت أنا بهدوء : آوه بهذه السرعة !.
فتبسمت لي الشابة , بينما قال لوك : ربما يجب أن نذهب قبل أن يشتد المطر أكثر , سأجد أليكس وسنمضي الوقت بالبيت...
فوقفت معه اخته و كذلك أبي الذي قال بهدوء : أيمكنك زيارتي غداً...؟!
لاحظت بأنه وجة الدعوة لـ لوك فقط !.. فراقبت ملامح الشابة الهادئة الطبيعية , بينما لوك يجيب : آه بالطبع لا بأس .
لكن فجأة قالت المرأة بهدوء وعيناها مركزتين على أبي : هل يمكنني أن أتحدث معك غداً أيضاً ؟!.
رأيت ملامح وجهه تشتد و شفتيه تحمران , آوه سوف يرفض , لكنه أشاح بنظره فجأة و نظر إلي أنا ..
رد عليها وهو يحدق بي : أجل .
ثم اصطحبهم إلى الباب ... وتأخر بالعودة ربما ذهب للمطبخ , أو ليطمئن على جيني .. قضمت من الكعك
و تناولت الشاي الساخن و عيناي على النافذ المسدلة الستائر لا استطيع الرؤية لكن صوت المطر بدا واضحا أكثر ..
يجب أن اهنئ أبي على قوة تمالكه اليوم , لقد ارهق كثيراً ولم ينفجر غاضباً .. أو ربما غضب وانتهى >>؟!
_ صنعت هذه الشطائر ...
التفت اليه وهو يضع طبق ملئي بالشطائر الساخنة أمامي , و أكمل بسرعة : سأرى جيني...! .
ثم اختفى سريعاً من الباب , تأوهت , أنه لا يزال غاضب...!


مرت ربع ساعة ولم ينزل أبي أو أره , هدر صوت الرعد بقوة قريباً جداً و اشتد المطر أكثر , قربت مقعدي كي أجلس عليه , لكن داهمني شعور مفاجئ و ألم رهيب في عظامي كلها و ساقي خاصة !!.
انحنت و أنا اشهق وأضم نفسي ..وكأن كهرباء صعقتني فجأة , كتمت ألمي بصعوبة وشعرت بغثيان رهيب و كدت أخرج كل مافي جوفي على السجاد .. لكني تمالكت نفسي و ترنحنت يمنة و يسرة .. شعرت بيد تقبض على كتفي ..
_ مالذي جرى ؟!.
ما هذا الصوت لم أعرفه , لكن اليد الباردة ليست يد والدي .. رأيت بعيناي شيئا غريباً .. و لأول مرة ...
ظلا غريباً ينحني فوقي ويرفعني عالياً بلطف , ثم وكأنه أحاطني بذاعيه محتضنا , كنت صغيرة الجسم جداً بالنسبة إليه .. بعدها انزلني و رأيت ظلال غرفة ما لم أعرفها...
_ كلارا ؟!!!
شهقت بقوة و التفتُ بعنف نحوه الصوت , كان أنفي على بعد سنتميتر واحد فقط من انفه , وعيون زرقاء فاتحة جداً متسعة في عيني المرعوبة ..
آوه لا داع للخوف , أنه ليونارد ... ابتعد بسرعة عني , كان خلف الأريكة منحنِ نحوي , التفت و جاء يقف أمامي ..
_ مالذي جرى لك ! , لقد اغشي عليك لثانية !!.
حدقت به وأنا استرد أنفاسي.. رفعت حاجبي مصدومة , قلت بتردد : اغشي علي ؟!.
طرف بعينيه بحده و تلفت حوله , كان يلبس ملابس جلدية سوداء , ويبدو كـ شاب عصابات . لكنه وسيم جداً..
_ لقد زاغت عيناك و تشنج جسدك بشكل رهيب ثم اغشي عليك بين ذارعي بعدها افقت مرعوبة ! قلت أن الفتاة ماتت !!.
لكن الألم في ساقي كلاهما لا يزال يسري , لم اقدر على تحريكهما قط , مالذي دهاني ؟!.
قلت برجاء : ساعدني ارجوك .. لأجلس هنا .
كنت أشعر بأن عيناي تدمعان لكني لن أبكي , رفعت بصري نحوه فتقدم مني بهدوء وقال هامساً : سأحملك ..
_ لـ....
لم أكمل اعتراضي لأنه حملني حقاً و سار بي بهدوء , قلت بتوتر : لا ارجوك , احتاج أن أجهز ثيابي و أذهب للاستحمام !.
رد ببرود : لا , يجب ان تتناولي الدواء أولاً ..ثم ترتاحي , الاستحمام سينتظر .
نظرت الى الساعة ما أن انزلني فوق السرير و التفت حوله , كانت تشير الى الخامسة تماماً و الجو قد أظلم بشدة ..
اختفى الشاب بسرعة من الباب ثم عاد بسرعة و وضع كرسيي قرب السرير , همس : والدك آتٍ ..
سمعت صوت والدي ينادي بتوتر : كــلآرا ؟!..
_ هنا أبي ! , بغرفتي...
لا أدري أين اختفى ليونارد .. لكنه فعل هذا بسرعة تربكني , دخل والدي بسرعة أيضا و حدق بي بعيون قلقة ...
_ حبيبتي ما بك ؟!.
طرفت بعيني ببرائة : ماذا ؟!.
اقترب مني و حدق بي جيداً , هو يشعر بشيء ما لكنه غير واثق .. مسح على شعري المتطاير الاشعث ثم على وجهي برقة ..
_ أنتِ متجمدة كالصقيع , آوه يا صغيرتي سأجلب لك غطاء اضافياً .
فتحت فمي لاعترض لكنه خرج سريعاً , آووف لمَ الناس يتحركون بسرعة دوما هكذا !! , وفكرت بـ ليونارد , ألم يكن خارجاً لمقابلة صديقته , لكنه عاد و هذا مريح يعني أن مقابلة ذلك المزاج الناري المخيف ستقل !. كننت معه ليوم واحد وكاد يصيبني الجنون !.
جلب لي والدي الغطاء و جلس يتحدث معي قليلا على أمور غير هامة كـ عمله المكتبي العادي و عند كتب مفيدة في مكتبة جدي ثم قال بأن جيني تحسنت وهي تنام كثيراً , آوه افتقد صغيرتي المدللة ..!
كنت أعلم بأنه يتجنب الحديث عن تلك المرأة , ما كان اسمها ؟!
لكنها أقل همومي حقاً , لدي اشياء تفزعني و تشغلني طيلة حياتي المتبقية .. التي أشعر بأنها لن تكون طويلة...
_ هل ستنامين الآن ؟!
اجبت بطبيعية : سأقرأ كتاب ما و أظنني سأنام قريباً أجل .
همهم بهدوء ثم نهض ليتمشى بغرفتي قليلاً توقف أمام النافذة و ظل يحدق بالظلام بصمت , سألني فجأة بهدوء :
_ هل يعجبك هذا المكان ؟!.
هل يعجبني أنه لا يعجبني قط ,, أني أكرهه جداً , أني أكرهه لحد أن...
_ لا بأس به أبي .
وجدت نفسي أكذب لأجله وابتسم بتردد , من الجيد انه التفت بالحظة المناسبة ولكنه لم يبتسم إنما التمعت عيناه ..
اقترب مني و ضمني بحنان ثم قبل رأسي وهو يقول : فتاتي الصغيرة تحاول أن تكون قوية . لن أغضب أن قلت بأن المكان مقرف حبيبتي اتذكر انزعاجك في أول يوم .. أنا أيضا منزعج قليلا.. لكننا سنمضي...
ضحكت بلا صوت رغما عني .. فأكمل وهو يعانقني : اشعر بأنك ستتحسنين بسرعة و سأفعل ما تريدين .. البقاء هنا أم الرحيل .. و ستختارين مدرستك بنفسك...
آوه , هذا ما يفكر به !.. قلت ضاحكة : حسنا تذكر هذا عندما أسير على قدمي مجدداً ^^ .
ضحك هو أيضا بمرح : آوه أجل ستفعلين.
...
كان الطبيب لوك يتحدث بأمور تافهة غريبة وأنا أحدق به بتركيز وتعب و ملل .. مالذي يحاول قوله بالضبط !.
كنت في موعدي معه بعد ثلاث أيام وقد قلت له بأن قدميّ كلاهما يقتلانني من الألم حتى المسكنات لا تنفع كثيراً , وأنا أخفي هذا عن والدي , لكنه اكتشف هذا و غضب ثم اتصل بـ لوك وقدم موعدي الذي يفترض به أن يكون بنهاية الاسبوع ..
و هاهو يذهب مع ذلك الأخصائي و يتركني وحدي مع لـوك الذي اصبح ثرثاراً فجأة !!.
و قلقاً أيضاً , جلب لي العصير و استئذنني قليلا ..بعدما خرج فكرت بأبي و جيني التي تركها مع ممرضات لطيفات بالحضانة ..
دخل لوك بعد دقائق ولا يبدو سعيدا أبداً حتى بعدما ابتسم بتوتر .. خفق قلبي هناك شيء سيء بالطريق...><"...
لم يجلس أمامي على المكتب بل ظل واقفاً الى جانبي قليلا ... رفعت رأسي إليه مستفسرة بقلق.
_ كلارا , لقد ظهرت نتائج التحاليل والأشعة ..
كان صوته دافئاً لكن البرودة اجتاحت جسدي , قلت قبل أن يكمل كلامه : خارج التوقعات !. أني أفهم إن كانت سيئة !.
حدق بي مصدوما قليلاً هز رأسه وجاء ليجلس لكن بجانبي , بطريقة تشبه طريقة والدي قلقة يحاول حمايتي ربما...
قال متردداً لكن مصراً : كلارا , أرجوك افهمي هذا , في عالم الطب....
آوووه هاقد عاد للثرثرة مجدداً ... قلت بسرعة اطمئنه : يمكنك أخباري بأي شيء أنا بخير تماماً .. أعرف بأن التحاليل ليست جيدة ..
تنهد و قال بأسى وهو يحدق بسقف الغرفة : حسنا .. أنها ليست جيدة , وهذا أمر يمكنك تخمينه أليس كذلك ؟!. لكن الأمر الآخر هو...
نظر في عيني وأكمل بنبرة حزينة : لن تتحسن قدمك مطلقاً كلارا .. أبداً .. لن تقدري على السير مجددا بطبيعية . أنا آسف جداً .. آسف حقاً لأن لا يداي هاتي ولا يدا الاخصائي لايت ولا الاستشاري الذي تحدثنا معه و لا غيرهم يقدر على اعادتها كما كانت .. تستطيعين السير بمساعدة عكاز فقط..
حدقت به دون أن اتنفس .. اللعنة ! ...
تباً مالذي سيحدث لـ والدي !!.. كان يشعر بالأمل أكثر مني... آه ه ه
شعرت بسكين يقطع بأحشائي , ابتعلت لعابي و أنا أحدق بعيني الطبيب الحزينتين , قلت بهدوء : حـ...حسنا...!
تبا صوتي يرتجف , آه أنها صدمة , ظننت بأني قادرة على التقبل... ظننت بأني .. سأتحسن يوما ما...
لكن لا ... كل ظنوني خابـت .. و أملي الوحيد البائس , ظهر بأنه سراب لا أمل ...!
_ كلارا ؟!.
همس الطبيب بقلق , كان الغشاوة ابتعدت عن عيني و رأيته أمامي , قلت ببرود غريب : ماذا ؟!.
كان قلقاً جداً , هز رأسه بشكل خفيف و قال بدفء مشجع : أنها تتحسن ببطء , لكن في النهاية تحتاجين لعكاز فقط للمساعدة على التوازن , الأعصاب ماتت تماماً لكن الأربطة تنمو و تتحسن وأنت شابة قوية , لا تتوقفي عن القتال أبداً , اتفقنا ؟.. لا للاستسلام ؟!.
كان كلامه نصف مشجع نصف مُغضب ... قلت وأنا أحاول التنفس طبيعياً : وماذا لو... لو اردت الاستسلام , ماذا لو اردت التوقف عن القتال كما تقول .. ماذا لو أني سأعيش مع هذه الحقيقة لكني لن أكون راضية .. ماذا لو أردت أن أقفز على قدمي حتى لو تكسرت .. ماذا لو اصبحت عصبية جداً و أغضب و هكذا.. أسيء للناس و ألوم نفسي و أود لو أكون مجرمة و أكره الحيـ....
اوقفني وهو يمسك بذراعي قائلا : توقفي كلارا... اهدئي .. اهدئي خذي نفساً...
رددت بحده : لا أريد أخذ نفس , أرأيت لقد خابت كل آمال والدي بي... أنه يعاني لأجلي .. أنت لا تفهم .. ها أنا أخذله مجدداً... و مجدداً و... ومجـ...
_ كلارا !!
لم يكن هذا صوت الطبيب , بل....
حدقت بالباب برعب , كان أبي واقفاً يحدق بي بصدمة ومن خلفه شخص ما ..
شعرت بأن العالم يتحطم حولي كله !!!... لقد رأى والدي ضعفي وانهياري ... لقد تحطم كل شيء... تماسكي . درعي... كل شيء...
كدت أبكي ... لكن لا أدري لم بردت عيناي فجأة و تسمرت...
نهض لوك وقال لي وهو يمسك بيدي يشد عليها قليلا : لقد أخبر الدكتور لايت والدك , سأخرج قليلا الآن.
صدمت وكدت اقول له لا تتركني هكذا مع أبي ...!! أني منهارة ويجب أن يغطي علي قليلا حتى لا يلاحظ أبي كل شيء...
لكن فات الأوان !.
كان الطبيب لايت هو من يقف خلف أبي و خرجوا جميعا مغلقين الباب خلفهم , بينما تقدم مني بهدوء ..
قلت بسرعة قبل أن ينطق بشيء يقتلني : أسمع ! , هذا الوضع كل تافه !.. حقاً , بربك لا يوجد شيء أسوأ من هذا أليس كذلك , اعتقد بأننا وصلنا للحد الأقصى ! . هذه الحياة سخيفة , أعني ...
وضحكت فجأة بصوت عالي لا اعرفه , أكملت وأنا أنظر لأي شيء غير وجه والدي :
_ كل ما أقصده هو .. سأسير بثلاث سيقان بدل اثنان لما تبقى من حياتي , هذا ليس بتلك القضية الكبرى , هناك المئات غيري , مهما يكن , أنا غير مهتمة . لكني خيبت أملك بشكل فضيع للمرة الثانية .. لا أنا لست منهارة أبي لكني اتمنى لو كانت لديك آي ابنة غيري تستطيع أن تعتمد عليها و تحبها جيداً .. آوه ربما جيني رائعة بما يكفي .. أليست كذلك ؟!. أني اشعر بالسخافة حقا , كلامي أخرق لا أدري لم أثرثر الآن . لكن سامحني .. سامحني أرجوك.
نظرت نحوه برعب وجسدي يتعرق ببروده , فوجئت بالصدمة والدموع اللامعة في عينيه الزرقاء الداكنة الرائعة ..
قلت بخوف وأنا ابتلع دموعي : أبي ؟!.
تغيرت نظرته للحدة ! , فقال بغضب وهو لا يزال واقفا أمامي : في الواقع نعم ثرثرتك خرقاء سخيفة ولا معنى لها ! , و تستمرين بهذا مع علمك بأنك فتاتي المفضلة وابنتي الأولى الثمينة ... لم أكن أظن بأن ردة فعلك للنتيجة غريبة و بلهاء بهذا الشكل ... لماذا تستمرين بالتقليل من شأنك و بأن نهاية العالم غداً...؟!
كدت أبكي من نبرته أكثر من كلامه .. فأنا لا اسمعه جيداً الآن .. قلت بصوت مبحوح : وآسفة لأن ردة فعلي غير طبيعية أيضا...!
تأوه بغضب وهو يرفع رأسه عالياً : ياااارب ساعدني !!.
تقدم مني وجلس بجانبي ثم أخذني بين ذراعيه كان يخفي عينيه عني .. من يرانا يظن بأنه هو المصاب لا أنا .. لا أدري من أين اتاني الجمود و البرود ....و الغباء هذا كله !!.
_ حبيبتي الصغيرة الحمقاء .. أنا أحبك مهما حدث , وأنتِ لم تخيبي أمالي قط ! , أنا الذي اعطاك أملاً زائفاً اتذكرين حديثنا قبل أيام ... قلت بأنك ستسيرين مجدداً .. وشجعتك , لكني خذلتك . آسف صغيرتي .. أنا آسف...
يالا الغباء كلانا يتعقد بأنه خذل الآخر ... لكن والدي لا ذنب له .. لا ذنب له بأي شيء من البداية ... وهو لا يستحق هذه المعاناة ... لقد عانى من قبل بما فيه الكفاية...!
قلت بهمس : وأنا أحبك أبي , فقط .. لننسى الأمر...
ضحك بحزن وابتعد قليلا عني ليقول بحنان وهو يمسح على وجهي : من أين جلبت كل هذه القوة ؟!.
يظنني قوية ! وأنا أشعر بأنني اتفتت من الداخل ببطء و أتلاشى ...~
_ لكني عند وعدي... سيبقى كما هو...
حدقت به و قلت : وعد ماذا ...؟!
ضاق جبينه و كلمني بجدية : أن كنت تريدين الرحيل فسنرحل و سنمكث بمكان تحبينه و سأجلب لك خادمة خاصة و ستدرسين بـ...
قاطعته بضحكة متكسرة : لا أبي... لا أريد أن نرحل , ونبدأ من جديد برحلة آخرى للبحث لك عن وظيفة !.
_ هاا أيتها الماكرة الخبيثة ! , هكذا إذن ...
قرصني على أنفي بلطف فضحكت رغما عني , قال فجأة وهو يتأملني : .. لكانت والدتك فخورة بك , أنا أدرك بأنك قوية حبيبتي , لكن لهذه الدرجة .. لقد اذهلتني...
تجاهلت كلمة قوية و قلت : وستفخر أيضاً بك ..
جاء الطبيب لايت و لوك وحدثنا قليلا , بينما بقي لوك صامتا عابساً قليلا وغارقا بالأفكار .. آوه لا يمكن أن يشعر هو أيضا بالذنب...!
قال لي الاخصائي بلطف بالغ ومرح رائع هو يسلمني باقة ورد بيضاء و زهرية رائعة و كبيرة
_: هذه لأجلك اقتطفتها من حدائق الملكة أليزابيث منتصف الليل تحت ضوء قمر كامل لعلها تضاهيك جمالاً لكن لا جمال يضاهيك يا عزيزتي...
و غمز لي مداعباً وهو يقول : ليتني اصغر بعشرين سنه هاها...
فضحكت بشدة و كذلك والدي و لوك الذي جلب لي هدية أخرى أيضاً , في الواقع ثلاث هدايا , تحفة رائعة بشكل حورية على الصخور , و وشاح حريري , وساعة ثمينة !.
وكذلك الممرضة اللطيفة جلبت لي هدية لوحة رائعة لبحر و شروق الشمس... أحببتها كثيراً.
خجلت منهم جداً , كانوا يعلمون بالنتائج سابقاً و أظنهم جهزوا هذا لأجلي لعلي انهار و أبكي .. لكن كما يبدو لم يتوقع أحد ولا حتى أنا ردة فعلي البائسة تلك...
رافقنا لوك للمنزل و كانت الساعة السابعة مساءاً .. وجيني قد عادت لطبيعتها المشعة الرائعة ..
تركاني وجيني في الردهة و ذهبا ليعدا معا شيئا للعشاء ..



ظللت أفكر بسكينة و جيني تلعب قربي بألعاب وهدايا أيضا من الأطباء الذين سحرتهم بجمالها و برائتها ..
فكرت بـ أني ... كنت حمقاء... و حمقاء رهيبة أيضاً . كان علي الصبر و التماسك , لكني غضبت من لوك و من نفسي و حاولت لوم العالم و الحياة التي اعيش بها أيضا .. آه .
تنهدت بأسى و شعرت بأني سأنهار عند أي كلمة سيئة .. لكن الجميع حرص على اللطافة البالغة والابتسام والمرح بوجهي... لذا ليس لدي عذر غير رد الابتسامات والمرح ... الزائف.!
لقد عملت هذا ... لقد عرفته . أني أعرف نفسي حقاً ... أنا لست راضية الآن , و مجدداً أرى مستقبلي أشد أسودادا مظلم لا أعرفه ... تبا أكره أن أواجه المجهول ... أكره بأن أكون عاجزة هكذا , مسلوبة الأسلحة لا شيء لدي .. وبمواجة تلك الأمور الأخرى...!
شعرت بشيء يملس ركبتي...
نظرت لـ جيني التي وقفت على قدميها و توازن نفسها علي , كانت تحدق بي بعيونها الواسعة الرائعة التي بلون السماء ..
_ تارا .. تاتا .. تــارا ؟!
كانت تحدق بي مستفسرة وكأنه قلقه علي , و تتلمس ركبتي و ساقي بيديها الصغيرة الناعمة بينما شعرها الأشقر الفاتح جدا والناعم كالحرير متطاير حول وجهها الأبيض و خديها الحمراوين ..
تأوهت وكدت أبكي , لكني رفعتها إلي و احتضنتها وقبلتها , أنها نسخة عن أمي الراحلة .. هذه الفاتنة الصغيرة الطيبة...
وهي تحاول قول كلارا ... لكنه يتحول لـ تارا ؟!... هذا ليس سيئا .. ابتسمت لها بحب فأخذت تتحسس وجهي بنعومة ..
دخل لوك وهو يحمل كأس عصير ضخم , ابتسم لنا بلطف ثم انحنى و حمل جيني مني , سلمني الكأس و جلس على الكرسي قربي و الطفلة بحجره يلاعبها ..
همست أشكره , فأومأ وهو يقول بهدوء : أننا نطهو شرائح اللحم والمكرونة بالجبنة .. مع عصير الفاكهة .
أخذ يداعب جيني بأبوة , بينما أنا أشرب , توقفت قليلاً , ثم قلت باحراج له : لوك , أنا .. آسفة لقد سببت لك الأزعاج , الكثير منه في الحقيقة , وأنا آسفة ..
حدق بي وقال متفاجئاً : آووه لا عزيزتي , لا أزعاج أبداً , بل العكس أنت أفضل شابة في سنك قابلتها مختلفة جداً , كما أنك أفضل مريض حظيت به . لقد ساعدنا بعضنا البعض أليس كذلك ؟!.
خجلت واخفضت عيناي , بينما تابع بمرح : ولا حتى عندما قلتِ بأنك ستصبحين مجرمة ؟!
وابتسم بحنان , كدت اضحك , قلت بتردد : أجل , كما أني أشكرك على الهدايا , أنها جميلة جداً .
ابتسم وقال بهدوء : الوشاح من جوليان أنها معجبة بك و نتمنى معاً أن تزورونا يوماً في منزلي الخاص ..
شكرته بلطف ثم فكرت بالذهاب لغرفتي كي آخذ حماماً سريعاً و ابدل ثيابي قبل العشاء.. فنظرت إلى كرسيي المتحرك...
_ يمكنك التخلي عن هذا في نهاية الأسبوع , يمكنك السير الأسبوع المقبل الى المدرسة بالعكاز .
نظرت إليه و سألت بهدوء : وهل سيكونان اثنان ؟!.
_ في البداية نعم . اننا نفصّله بشكل خاص و سنعلمك كيفية السير به بسهولة .
أومأت بهدوء بدا لي العكاز شيئا رحيماً .. ساعدني في الوصول لغرفتي ثم عاد بسرعة ليهتم بـ جيني .. اخرجت ثيابي و نظرت الى الساعة كانت تقترب من الثامنة ..
وأنا استحم تفحصت كلا قدمي و كاحلي .. يبدوان طبيعين جداً , لكنهما ليسا كذلك ..
غسلت شعري جيداً ثم ارتديت ملابسي بعجل و خرجت والمنشفة فوق كتفي حيث شعري المبلل يستقر , دخلت غرفتي وأنا اسمع أصواتهم في المطبخ وكانت جيني معهم .. جففت شعري جيداً وحدقت بوجهي بالمرآة ..
كات شكلي مريعاً , لكن ماذا أفعل لقد اعتدت عليه الآن وتلك الهالات حول عيني تصبح زرقاء , ووجهي بلا دماء وعيناي بلون غريب أخضر باهت كأنه عشب ميت رمادي ..
صمت قليلا , أبدو كالمومياء... لا أدري كيف يتحمل الآخرون النظر نحوي...! أني أجلب الغثيان ~~’ !.
تناولنا العشاء معاً وكان والدي ودوداً رقيقاً أكثر من المعتاد حتى مع لوك , الذي قال وهو على وشك النهوض سأحضر المزيد من العصير , لكن والدي أجلسه ورفض أن ينهض و قام هو بجلبه ... مع أن لوك صديق طفولته ...
عندما ودعنا لوك كرر طلب زيارته لوالدي فوافق أبي فوراً , حمدا لله أن لوك دعانا بمنزله الخاص وليس لدى والديه ..!
لم يحدثني والدي كثيراً كان يعلم بأني أحتاج لبعض الوقت ربما بالنسبة للأمر .. كنت سعيدة بهذا لأني سأنهار هذه المرة أمامه منذ البداية ..
لبست بجامتي البيضاء وجلست على سريري اطفأت المصباح لكني لم أقدر على النوم .. بالرغم من وجود الغيوم تمر بالقمر الكامل والضوء الخافت يأتي و يذهب لم يكن هناك من مطر أو أي أزعاج , المفترض أن أنام ..
لكني وضعت يداي على وجهي وعيناي كي أغلقهما رغم عنهما لأنهما يفتاح من تلقاء نفسيهما و أجد نفسي
أحدق بالسقف المظلم !....
فجأة سمعت تكة ما قرب دولاب ثيابي , فتحت عيني وأنا أزفر بحده .. في البداية لم أرى شيئا ... ثم وقع بصري على ظل نحيل طويل مألوف .. لكنه ملتصق بالجدار يرمقني بلا ملامح للوجه يراقبني بدقة و صمت ...
همس خافت جداً صدر من خلفي : أهذا زائرك الذي كلمني عنه دان ؟!.
كان ليونارد يجلس على طاولة السرير بلا أدنى صوت ولو لم يتحدث لما انتبهت له قط .. كما أنه قرب رأسي جداً كان المفترض أن انتبه له أولاً .. ألقيت إليه نظرة عندما تسلل ضوء القمر و بانت عينيه الزرقاء و وجهه الجميل ..
لم اتكلم , فقال هو مجدداً بهدوء : أنه لا ينوي اذيتك أبداً . كما أنه لا يخافني .
همست بتعب : مالذي يريده ؟!.
ضاقت عيناه و رد : لا ندري .. لكنه ... مهتم بك كما أرى !.
توسعت عيني بقلق , همست برجاء : أطلب منه الرحيل ...!
التفت نحوي بهدوء و رد بهمس : لقد سبق و فعلت , لكنه مصر على البقاء . هناك شيء ما بك يثير اهتمامه...!
خفق قلبي بتوتر , قلت وأنا اختلس النظر إلى الظل الصامت في زاوية الدولاب : اقنعه بأن لا شيء بي مثير للاهتمام !!.
_ أنهم يرون مالا نراه , اسمعي الأمر الأهم هي تلك السلسلة والجرس الصغير .. يجب أن تخرجيها من عندك كلارا...
هززت رأسي بتوتر , قلت : لكنهما ينذراني !.
_ لكنهما يجتمعان , ولكن ليس لك كلارا... سيقتلانك ..
ومض شيء بعقلي , قلت بهدوء اجتاحني فجأة : مهلاً , أنتم على حق ... ربما ليست لي. ربما لـ جيني .. نعم , أو والدي.
نفى برأسه وهو يهمس بصوت مقنع ناعم : لا , أعتقد بأنهما لك , لكن ليس و أنت بهذه الحال.
قلت ببؤس : هذا مرهق , لقد اكتفيت , سأضعها لـ جيني.
و نزعت السلسلة من معصمي لكن الظل اهتاج فجأة وتحول لدخان أسود ثم طار إلي بسرعة , حدقت به مرعوبة بينما قفز ليونارد ليصبح بيننا وهو يرفع ذراعيه أمامه ..
قال بصرامة هامسة : أخرج من هنا ..
لكن الدخان الأسود جداً أخذ يفور حول نفسه ثم تشكل على شكله السابق و هسهسة حادة صدرت منه ..
هز ليون رأسه وقال بحده : أنت تخيفها ! , ابقى هادئا أو أذهب إلى حيث تنتمي !.
اهتز الظل غضباً وهو يصدر الصوت الغاضب , وكأنه يتحدث بغضب وكأنه على وشك الأنفجار أو .. أسوأ...!
رأيت شيء مضيء يلمع بيد ليونارد الممدودة أمامي , وكأن أصابعه تضيء بتوهج متوتر !!.
_ أرجع للظلام أو اهدأ .. يمكنك الاختيار من هذين فقط , أي حركة أخرى سيحدث أمر مؤلم !.
شعرت وكأن الظل توقف عن الاهتزاز لكنه اخذ يحدق بـ ليونارد الهادئ بحقد شديد وبتموج كالدخان ..
قلت بخوف هامسة : مالأمر ليون ؟!.
بقي ليونارد واقفاً أمامي و ظهره إلي , همس بغرابة دون أن يتحرك : أنا أيضا لست واثقاً , لكن حالياً أبقي السوار في معصمك.
لكن الظل أصبح دخان مجدداً و مرق بسرعة من خلال ليونارد ليصبح بجانبي تماماً و احسست به كسحاب بارد جداً وكثيف ..
همس قرب أذني : سيلييسسس...!.
شهقت دون قصد لأن انفاسي كتمت فجأة بينما ليونارد يلتفت بسرعة و قد أظهر ضوء قوي من يديه فأضاء المكان بقوة و حرارة غريبة , فطار الظل من جانبي وهو يهس غاضباً و يلتوى ثم اختفى فجأة من النافذة النصف مفتوحة ..
_ هل أنتِ بخير ؟! , مالذي فعله بك ..
كان يمسك بكتفي ويحدق بي بقوة , قلت بسرعة : لا شيء.. لا شيء... لقد كلمني ربما... اعتقد...
كانت عيون ليونارد حمراء كالدم , و وجهه متغير قليلا , هز شعره وقال بهدوء : آوه , هذا غير مريح قط , قال دانييل بأن هذا الظل يحاول استخدامك او السيطرة عليك مهما يكن.
حدقت به وقلت سريعاً بحده : لا يهمني ما يقوله ذلك المعتوة !.
بردت عيناه ليصبحان زرقاوان ثانية ,قال بهدوء : آها ,وهو أيضاً يبدو غاضباً جداً عندما قابلته في الطريق, هل قال أنك معتوهة .. آوه لا لقد قال بأنك مجنونة وأنك أتعس شخص في العالم !.
توسعت عيناي : مــاذا ؟!!!
_ مهلك ! , كان يقصد بأنه من المحال أن يطارد ظلين شخص واحد بنفس الوقت .. هذا بؤس !.
كانت هذه القشة التي قسمت ظهر البعير ! , بؤس .. تعاسة !... ~~
احترقت عيناي بالدموع وصرخت به : وكأنني أنا من يختار هذا !! . تبا لكم .. لا أريد رؤية أحد .. ابتعدوا جميعاً عنا !!.
_ هييه هدئي من روعك .. حمدا لله أن الغرفة محمية بغطاء .. كلارا ..؟!
تمالكت نفسي وقلت بصوت هادئ غريب : هل يمكنك ان تجيب عن اسئلتي أنها قليلة !.
ظل صامتاً يحدق بي , فقلت بهدوء وعينان تركزان عليه : والدي و جيني هل هما محميان هل تطاردهما الظلال ؟!.
_ أنهما محميان كلارا , لو اراد الظل أذيتهما , دانييل قادر تماماً على ردعه .
سألت بضيق : هل هو هنا ؟!.
_ لقد رحل لمكان ما...
توسعت عيناي و هتفت برعب : من سيحمي والدي و جيني الآن ؟!.
هز ليونارد رأسه وقال بهدوء : هناك شخص آخر يحميهما بالرغم أن دان سيعود غداً ..
غضضت شفتي وقلت ببرود : أن كان الشخص الآخر قادر على الحماية فلا نحتاج أن يعود أصلاً.
رفع ليونارد أحد حاجبيه وجلس على طرف السرير و بعينيه بريق ما .. قال متسائلا بفضول غريب :
_ هل تشاجرتما ؟!. لقد تركتكما يوم واحد فقط...!
قلت أدافع عن نفسي : هو لا يكف عن اهانتي , لا أدري لما يحميني وهو يتمنى موتي من البداية !.
مال ليونارد برأسه وقال بشرود : تشاجرتِ مع دانييـل وريث الظلام و خرجتِ سالمة !...هممم !.
_ في الواقع ظننت بأنه سيقطع رأسي , لكن ها أنا أمامك !... مهلا ً قلت وريــث ماذا ؟!.
_ لا شيء...
ونهض بسرعة , قال بجدية : يجب أن تنامي , غداً لدينا عملية بحث !.
حدقت به : عملية بحث ماذا ؟!.
_ بالضبط , احلاماً سعيدة ...
_ لا .. مهلاً ...
لمس جبيني , فأظلم كل شيء فجأة .. و غرقت بالنوم...~
lazary likes this.
__________________


رد مع اقتباس
  #20  
قديم 11-02-2017, 01:06 AM
 
السلام عليكم
😄😄😄😄
احم انا جديده هنا بس حبيت استفسر اذا كانت هاي الروايه مكتمله أو لا
lazary likes this.
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
وردة بالخرز , صنع وردة بالخرز , عمل وردة بالخرز 2013 هبه العمر إقتصاد منزلي 8 02-12-2013 02:22 PM
وردة بالشرائط بالصور،طريقة عمل وردة بالشرائط خطوة بخطوة،ورود روعه بالشرائط،اعمال يدوية FATIMA27 إقتصاد منزلي 1 08-25-2012 09:09 PM
ستخخَتفي الالوآن وسيحل الضلأم =| Ħ3 Ĥā3 «♣ ملحقات الفوتوشوب 3 01-30-2012 03:50 AM
لكل شهر وردة ومعنى.....فأي وردة انت/ي ؟ loai72m نكت و ضحك و خنبقة 9 03-15-2011 11:15 PM
وردة لكل شهر فأى وردة تناسب تاريخك المشتاقات إلى الجنة مواضيع عامة 9 03-08-2010 07:49 PM


الساعة الآن 05:40 AM.


Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.

شات الشلة
Powered by: vBulletin Copyright ©2000 - 2006, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لعيون العرب
2003 - 2011