قصة جرحي

كلمات / عماد خالد حاج علي
قدْ كان لي في زمانٍ
حبيبة مثل القمر ..
إي والله !!
مثل القمر ..
عيناها
تسحر الأكوان
ملؤها
حياء وروعة
جمال ودهشة
براءة وخفر..
فوق أكتافها النضيرة
قد تهّدل موج الشعر..
كنا صغاراً..
نلهو
فوق جزيرة شمّاء..
إحتضنها بين كفيّه
موج النهر ..
كنا
بين أغصان الخمائل
نجري ونجري ...
يا لسعدنا !!!
ساعة نقطف الثمر ..
ذلك النخيل
بقامته السامقة
نراه مبتهجاً ..
يرقص ويغني لنا ..
وتحت ظلّه الوارف
كم وكم يحلو السمر...
عالمنا الصغير
قد اكتسى
براءةً وشقاوةً
طهراً ونداوةً
وإبتسامات تراقص
صهيل المطر ..
الله الله حين يأتي
موسم المطر ..
نطارد الغيمات
نتوّسل لها
أن تغدق أعيننا
من زخّات المطر..
البرق والرعد
لا نخشى غضبته
قال لنا الكبار
إذا انفجرت ثورته
سيخطف البصر
صوتها الدافئ
يصدح في الدواخل
كما الحان الوتر..
روحها الشفيفة
تحلّق بي في
سماوات الخلود
بعيداً عن البشر..
زاهية كانت حياتي
نضيرة كانت أيام العُمر..
رفيقنا السهل
والرمال العذراء
وأريج الزهر ..
شدو العنادل
والصباح
والمساء..
وشفق الغروب
يعلن لحظات السفر
نشتاقه
حين يغيب عن أنظارنا
نناجيه بشغف اللقاء..
ساعة يتوارى في كبد
السماء..
وبين حجب الظلام
يستتر ..
فلا يضّن علينا بلقائه
غداً في الموعد
يطّل علينا بسَمِتهِ
عيدٌ لنا ..
إذ ظهر...
أحلامنا
تعانق هامات النجوم
وترتحل إلى أضواء
القمر...
وأبي الحبيب هنالك !!
عمامته الكبيرة
وجلبابه الفاره
يأسر النظر ..
عصاه مكوّرة بين أنامله
تارة بيمناه
وأخرى بشماله
يخطّ على الثرى
أجمل الصور...
وأمي الحبيبة هنالك ..
حيث ..
دفق الحكايا
والأحاجي
كالسيل المنهمر ...
نثمل وننتشي
وفي النشوة
حديث مستتر ..
ها قد مضى بنا
ذا الزمان..
أعوام تلوها أعوام ..
وفؤادي بهواها
قد انفطر..
وكبرتْ حبيبتي
واستقام عودها ..
والقدُّ قد شرب اخضراراً
و ازدهر ..
وسرى في الوجود
شدوها
كما أنشودة قيثارة
وُلدتْ من رحم الوتر..
من رحيق أشواقي
قد سقيتها
ومن رضاب روحي
قد رويتها ...
وحين تلوت لها آيات حبي
إذا بالدمع من مآقيها
قد انهمر..
كنت أناجي روحها
عيناها ..
كيانها..
ولهيب حبها
في قلبي قد استعر...
ومن القريض
كم وكم ذا
قرأتُ لها
أبيات الشعر
حرفاً يعتلي بذخ الثرّيا
ويكتسي
بأحلى الدرر
واعتصرتُ من خمر هواها
حباً وعشقاً
وكؤوساً من مذر..
فشربتُ وارتويتُ
وثملتُ وانتشيتُ
حدّ السُكر..
وفي هواها
قد رجوتُ
فؤادي مراراً..
أن يكّف عن ذاك
الجزع ويصطبر
فما كان منه
إلاّ الغرور والصدود
والتمرّد والتجّبر
والعناد والضجر..
فما أجدى
معه اصطباري
وطفق يهزأ
بكل توسل
ورجاء..
فأرتحل عني بعيداً
ولم ينتظر..
وأبصرته في المدى
ثورة تشتعل
يحرق لظاها كل
الكائنات والدنيا معاً..
فلا يُبقي شيئاً ولا يذر..
ولهيب الجوى
قد أضرم
أوردة الروح نيراناً
فاصطلاها لهيب من سقر..
وخفق الجوانح
يناجي الفؤاد
ما أرداكَ في شِراك الهوى
وقد أذعنتْ له
جيوش عشقك
إذا نهاها أو أمر..
وكيف اصطفيتَ سبيل الهيام
وذا دربه وعر المسالكِ
محفوفاً بالمكاره وبالخطر
فلم يأبه لقوله
ومضى في سبيل الهيام
وما همّه إن بقى على قيد
الحياة أو انتحر..
يا لحُسنٍ !!!
ذاك الذي
غار منه الحُسن
فتوّرد الخدّ منه
حياءً
واكتسى بالخفر
يا لعينانٍ
غار منهما
حورَ الحُور وانبهر..
يا لظمأ أشواق دفيقةٍ
تخالج قلباً جريحاً
كم في محرابه لم يقوى
الصمود على صموده
فخرّ صريعاً وانكسر
أيا لهف قلبي
على خدّ زاهر
وخصر يتمايل في فرح
كما أغصان الشجر..
هذه أنتِ
حبيبتي
نور قلبي
سنا روحي
وضوء العمر ..
وفي ذات يوم !!!
أتاني الخبر..
قد نهش السقام
جسداً عفيفاً نضيرا..
وأعمل فيه مخالبه
وانتشر ..
رأيتها ..
طريحة الفراش..
فأبصرت حلمي
أمام عيناي يحتضر..
تمتمتْ بصوتها الضعيف
وأنفاسها تتسارع ..
تحت صفع الأنين
وبين براثن القدر..
أتسلو هوانا..
وبعد لحيظات
سيحتضنني القبر..
وصدى صوتي
يتوكأ على مزالق الحزن
وقد ظننت ان الحزن
غادرني
فمات منذ زمان بعيد
واندثر ..
ناجيتها !!!
يا مليكة القلب
ويا سنا الروح
كيف أسلو هوانا
وفي قلبي عميقاً
قد إنحفر...
منازلها هناك
بين التراب
و بين الصخور ..
وتحت رأسها
وسادة ..
هي الحجر...
تباً لذاك الثرى
ما به من رحمة
إذ يلتهم جسداً نضيراً
وذوائب الشعر
وينهش خدّاً نادياً
وعينان
أجمل من الدرر
كم قد ذرفت الدموع
لفراقها مدرارة
فما أجدى
دمعي السخين المنهمر ..
و ذا الجفن مني قريح ساهد
كم وكم ذا بللّه الدمع
وعلى محاجره
قد عبر..
ها قد عادتْ مواكب الحزن
تضرّج نضار عمري
بالأنين وبالبكاء..
بالمواجع والشقاء..
فأين الملاذ يا عمري
وأين المفر ..
الجمعة 17 يناي014
59