عيون العرب - ملتقى العالم العربي

العودة   عيون العرب - ملتقى العالم العربي > عيـون القصص والروايات > روايات و قصص الانمي

روايات و قصص الانمي روايات انمي, قصص انمي, رواية انمي, أنمي, انيمي, روايات انمي عيون العرب

Like Tree90Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #36  
قديم 08-19-2018, 04:44 PM
 
ممكن تكملى و تعتبرىنى من المتابعىن
Nor*! and Krustavia like this.
__________________


قمة الحزن ان تسكت وفي قبك جرح يتكلم
وقمةالصبر ان تبتسم وفي عينك الف دمعة
كل شي في حياتنا له حكمة فلولا وجود السيئين ما عرفنا قيمة الرائعين.



#-مبروك-علينا-لاكوب-دافريك.







رد مع اقتباس
  #37  
قديم 03-04-2019, 11:43 PM
 
السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته
اتمنى تكوني بخير اختي...
لا تخافي مو جيت مشان انبش عن الفصل اللي الو مددددة...مسامحة مسامحة...
قلت خلينا انبش الرواية من الصفحات القديمة و اطلعها للمقدمة عشان يشوفها اكبر قدر من الوافدين الجدد..~.~

اتمنى تكوني بخير...و امانة امانة قولي لكروس تشتمو لجيو لما تشوفو ..او ماتديهاش فيه..امم كيف اقولها بلهجة مفهومة..اممم يعني تستصغروا ..يعني ..يعني ادا كان فاكر انو كروس رح تبقى تنظر تجاهه و رح تكون مستنياتو ..خليها تصبلو طاسة ميه باردة..و تطردو من حياتها...ههه و تتجاهلو مثل ما تجاهلها و خلاها تحس انها صغيرة امامو ..امانة امانة
و الله انا احبهم همالاثنين..بس بدي رجع كرامتك يا كروس و الله.

اتمنى حقا ان تكون الاوضاع بفلسطين بخير و ان يكون كل اخوتنا بخير..استودعناكم عند الحفيظ

سلام

سبحان الله و بحمده سبحان الله العظيم
Krustavia likes this.
__________________



نحن أمة لا تنتصر بالعدة والعتاد، ولكن ننتصر بقلة ذنوبنا، وكثرة ذنوب الأعداء، فإن تساوت الذنوب انتصروا علينا بالعدة والعتاد.

الحمد لله الذي تواضع لعظمته كل شيء
الحمد لله الذي استسلم لقدرته كل شيء
الحمد لله الذي ذل لعزته كل شيء
الحمد لله الذي خضع لملكه كل شيء

اللهم صلي و سلم و بارك على سيدنا محمد و على آل سيدنا محمد


رد مع اقتباس
  #38  
قديم 12-25-2019, 12:17 AM
 
السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته

و الله اشتقت لفصل جديد🥺
أتمنى أنكي بخير
السلام عليكم

سبحان الله و بحمده..سبحان الله العظيم
Krustavia likes this.
__________________



نحن أمة لا تنتصر بالعدة والعتاد، ولكن ننتصر بقلة ذنوبنا، وكثرة ذنوب الأعداء، فإن تساوت الذنوب انتصروا علينا بالعدة والعتاد.

الحمد لله الذي تواضع لعظمته كل شيء
الحمد لله الذي استسلم لقدرته كل شيء
الحمد لله الذي ذل لعزته كل شيء
الحمد لله الذي خضع لملكه كل شيء

اللهم صلي و سلم و بارك على سيدنا محمد و على آل سيدنا محمد


رد مع اقتباس
  #39  
قديم 12-31-2019, 11:12 PM
 
رماد تختبئ تحته النار

احم احم احم



ترقبوا
Nor*! likes this.
__________________



"وَالعقلُ استَلهَمَ مِنّا عِصْيانَ الأفُقِ فَزال مُخلفّاً بُرودَة بلوتُو"
سبحان الله-الحمدلله-لا اله الا الله-الله اكبر

رد مع اقتباس
  #40  
قديم 01-01-2020, 01:01 AM
 

[TABLETEXT="width:80%;background-image:url(https://mrkzgulfup.com/uploads/157780414220584.png);"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]

[/ALIGN]
[ALIGN=center]
[/ALIGN][/CELL][/TABLETEXT]
[TABLETEXT="width:80%;background-image:url(https://mrkzgulfup.com/uploads/157780414220584.png);"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]











*3*



ما كانت تتوقع أن الوصول إلى مسعاها سيكون بالأمر الهين، وهل هو كذلك فعلاً؟!

هكذا ظنت لكنها تناست حقيقة أن العالم مليء بمن هم جُنات على مبادئ كاد ليسلم الكون لو بقيت نصب أعينهم...

ومدى أذيتها من قبلهم حقيقة لا يبرهنها سوى الزمن...

.

.

[ am 4:00 -- فرانكفورت-- ]



وكما اعتادت كل ليلة، كأن كائناً غريباً يدفعها إلى الاستيقاظ في مثل هذا الوقت!

منذ ساعة، في تمام الثالثة بعد منتصف الليل، فتحت عينيها لتجد نفسها متلحفة بغطائها الناعم، غارقة في ظلمة الغرفة التي وعلى ما يبدو غاب عنها ضوء القمر فلم ينر لها زاويتها التي لطالما فضلت الجلوس فيها والتفكير....

آخر مكان أدركت فيه وجودها كان سيارة يولاند ثم لا شيء بعدها.....

فقط تحدق في السقف دون صداعها، بفستانها، علبة دواءٍ وكأس ماءٍ ممتلئ حتى منتصفه موضوعان على الأباجورة القريبة منها على الجانب الأيسر...

وخلال ساعة فقط استطاعت التخلص من آثار تلك الأمسية بحمام دافئ أنعش لها خلايا جسدها، وعادت تفكر! تتذكر وتحاول البحث عن إجابات.... ككل ليلة!

في تلك الزاوية، شريكة أفكارها، على أريكتها الخمرية المريحة، غرقت مسترخية تميل رأسها، ذقنها يستند على راحة يدها اليمنى، بإنارة صفراء خفيفة، مصدرها مصباح صغير يستقر على طاولة دائرية تتربع محاطة بجداري غرفتها في الزاوية على جانبها الأيسر، بجانبه إطارٌ صدفي يحمل بداخله صورة تجمعها بوالديها يوم تخرجها.....

صندوق خشبي متوسط الحجم وضعته في حضنها، مفتوحٌ قفله كانت حاله، مجوهرات والدتها التي عهدتها إليها موضوعة فيه، قلادة، خاتم، سوار وأقراط ألماسية، ذاتها التي كانت تلبسها في الأمسية، وورقة!

زرقاويتاها تحدقان في الفراغ، على مرأى بصيرتها، تتداخل الكلمات في تحليلات وتعقيبات داخل عقلها، تلك الكلمات التي خُطَّت على ورقة كبيرة على كلا الوجهين، من والدتها! تحمل في طياتها الكثير المريب، الجديد الصادم؟!

حرفت بصرها إلى حيث الورقة، التقطتها من داخل الصندوق بيدها اليمنى التي كانت تسند ذقنها عليها، حدقت بالكلمات وأعادت القراءة مراراً... رسم لها خيالها تصوراً لوالدتها تقف أمامها تخبرها هذه الحقائق بلسانها....

مزاعم؟! اختلاق أكاذيب وانحراف عن الحقيقة! اكتشفها والديها! ما كان مخفياً لسنوات طويلة! وكان المقابل حياتهما!

هذه الرسالة.... رسالة والدتها التي علمت بوجودها حديثاً، عندما عادت من روسيا برفقة يولاند....

روسيا... موسكو! جيوفينتوس! هناك حيث اكتشفت بعضاً من الحقائق، كان قدراً مرسوماً، لقاؤها بـ جيو تراها، ولكن سفرها إلى هناك أخرها عن إيجاد بعض الحقائق الأخرى! هذه التي خطت في الرسالة! لربما حدث كل هذا ليس بمحض الصدفة، لربما هناك رابط، دليل وهدف من كل ما حدث! خاصة لقاءها بالمدعو جيو! مقتحم قلبها، ويا لها من تعاسة!

أغمضت كروس عينيها تتذكر ما حدث يوم عودتها....

هرعت إليها إيلين في المطار وأخذتها في عناق شغوف أوقع كليهما أرضاً، بكت كثيراً، إيلين صاحبة القلب الحديدي المرهف، وجن جنونها لذلك التبدل الشكلي الي طرأ على شعر كروس!

لم تكن إيلين وقتها تعلم أن يولاند هو القاتل، كروس اختفت بعد الجنازة مباشرة ولم تتكلما بعدها أبداً فممن عساها ستعلم؟!

وأمضت كروس يوماً كاملاً تخبر إيلين كل ما حصل منذ لحظة قتل والدتها أمام عينيها وصولاً إلى سفرها إلى روسيا انتهاءً بما آل إليه شعرها .... ولم يكن شرحها بتلك التفاصيل العميقة، بالتحديد تلك التي تخص جيو وحقيقة مشاعرها، ولا حتى محاولتها قتل نفسها!

كان حال من في القصر كما كان عليه، وكأن تلك المأساة لم تحدث يوماً، كل شيء يسير على أفضل ما يكون! حتى أنهم لم يحاولوا إيذاءها بأي طريقة كانت! وهذا ما دفعها إلى التفكير والتفكير! أهناك سبب أو هدف؟! قطعاً هناك لكن ما هو؟!

وجدُّها الذي ما عاد يفكر بالمجيء إلى القصر مذ وفاة والدها! حتى أنهم لا يعلمون أين خطت رجله واستقرت!

عادت إلى غرفتها، حالها كما تركتها، وعلمت من داركو أن يولاند لم يسمح لأحد بدخولها أياً كان.... عداه هو!

غرفة غيلبيرت وغرفة والديها اختفتا من القصر مع كل أغراضهم، لم يبقَ شيء! لم يتبقَ لها أي ذكرى ملموسة من والدتها!

لكنها وجدت واحداً! ذلك المفتاح الصغير الذي تعرفه جيداً! مفتاح صندوق مجوهرات والدتها! كان مخبأً في غرفتها، بعناية! لم تكن تعلم بوجوده من قبل... قطعاً والدتها من تركته هنا؟!

بإطارها الصدفي، كان مثبتاً بداخله بلاصق بين الصورة والقطعة الخشبية التي تثبته من الخلف وتسنده! وهنا بدأت التساؤلات تملأ رأسها ...

كان هدفها هو الانتقام لا شيء سواه... وبعد ايجادها المفتاح بدأت البحث، التحليل والتفكير علها تجد الجواب، لم تكن ترغب بمشاركة أفكارها مع أحد آخر سوى انعكاسها في المرآة.... سوى نفسها هي!

بحثت عن الصندوق لعله يكون مخبأً في مكان ما داخل غرفتها! لكن لا شيء! لم يكون له أي أثر أو لأي شيء آخر... وبقي المفتاح لغزاً!

يومان تبعهما ثالث ثم رابع وخامس! إيلين صديقتها الصدوقة، مأمن أسرارها، كانت الخيار الأمثل قطعاً لوالدتها لائتمان ذلك الصندوق الخشبي!

" والدتك طلبت مني أن أحتفظ به لأعطيكِ إياه إن حدث لها أي مكروه... يا الهي كأنها شعرت بالخطر يومها، حدث هذا قبل مقتلها بيوم!"

" أنا أتسأل لما لم تعطني إياه مباشرة؟! لما خبأته عندك؟"

" سألتها هذا السؤال وحصلت على إجابة مبهمة!.... قالت لي عزيزتي تافيا ستعرف السبب حالما تعطنيها إياه!... لكنك لا تعلمين؟!"

سألت إيلين مشككة في نهاية كلامها فقابلتها كروس بهزة من رأسها تنفي معرفتها عن هذا الأمر....

وعادت بعدها تحمل الصندوق بحقيبتها تخفيه عن أعين الجميع، وفي غرفتها مساءً اكتشفت!

كان وقع الصدمات على رأسها رهيباً.... شعرت لحظتها بأنها داخل أحد الروايات المأساوية؟! من أين خرجت كل هذه الخفايا؟! ومنذ متى؟!

كانت الرسالة ناقصة.... ختمتها والدتها بهذه الجملة..

" عند العم داركو.... تابعي الأخبار.. واحصلي على إجابات..."

ومن هذا المنطلق ابتدأت كروس تحقيقاتها بتلك الشؤون، ولم تفتأ تسأل العم داركو في كل مناسبة يكونان فيها وحدهما لكن الأخير يعطيها كلاماً مبهماً ويقول لها بأن الوقت لم يحن بعد!....

إنه يعرف، لكن أي وقت هذا الذي لم يحن بعد! لما كل هذا التكتم؟!

عادت تحدق في الفراغ جاعلة من عالمها المليء بالشكوك يجذبها إليه دون مقاومة..

كما هو منطقي تماماً هدوء كاذب ثم العودة إلى الواقع المقيت....

وذكرت نفسها بصوت خافت: " قريبة أنتِ مني.. سأجدكِ أيتها الحقيقة!"

تنفست بعمق وحثها عقلها على الذهاب إلى شرفتها لكنها رفضت مبدئياً كي لا تتلاقى نظراتها بنظرات خاطبها ككل ليلة!

يظن أنها حمقاء ولا تدرك شيئاً مما يدور حولها، قطعاً سيكون غبياً إن اعتقد هذا للحظة....

آرين وهو يخططان لأمر ما، صحيح أنها لم تعرفه بعد لكنها على يقين أنه يخصها ويخص جيو!

وظهرت ملامح الانزعاج على وجهها وهي تعاود الوقوف وجيو يعود مرة أخرى إلى تفكيرها...

سألها يولاند قبل ساعات عنه! لماذا تذكره الآن؟

بالتأكيد هو لم يكن بحاجة لتذكره فذلك الأخير سرق قلب من انحنى قلبُه لها دون سابق إنذار....

وكيف يصفح عنه إذاً؟ سؤاله يؤكد لها أن مصير جيو كان معلقاً بإجابتها....

ولا يمكنها تخمين المدى الذي سار به تفكيره بعد تعليقها....

لكنها عقدت حاجبيها وأغمضت عينيها منزعجة وهي تقر داخل خلجات نفسها أنها ما زالت بحاجة لوجوده...

ودفعتها رجلاها إلى الوقوف أمام النافذة خارج إرادتها وأبعدت الستائر قليلاً بالقدر الذي تحتاجه لرؤية يولاند دون أن يراها....

" هل هناك طريقة لألقاك فيها أيها المزعج؟"

تمتمت واشتدت قبضة يدها على الستارة وهي تتذكر أيامها ومناوشاتها معه...

وتذكرت غموضه في الفترة الأخيرة واختفاءه الجالب للحيرة!








[9:00 pm: -- كندا -- ]



تنهد العجوز أشيب الشعر حال انتهائه من عمله الجالب للإرهاق الكامل، وما أتعبه هو إرغامه لهذا المجنون على أخذ المخدر ليستطيع إنهاء عمله براحة دون أي شعور بالذنب....

بالرغم من إصابته إلا أنه كان يملك من القوة ما يطيح بعشر رجال!

" تريد مني أن أزيل لك الرصاصة وأنت بوعيك؟! لقد تمكنت منك يا بني أخيراً"

عدل نظارته الدائرية التي غطت نصف وجهه المجعد وأخذ يحدق بملامح جيو الساكنة، ثم ابتسم وهو يعدل الوسادة أسفل رأسه..

تأمله قليلاً ثم هم بالخروج مغلقاً الباب خلفه بهدوء....

سار في الرواق الصغير على مهلٍ حتى توقف أمام باب بنّيِّ قديمِ كقدم هذا البيت الذي يعيش فيه منذ ثلاثين سنة...

فتحه وفوراً سقطت نظراته على تلك الشابة المنزوية على الأرض بالقرب من السرير..

كانت غرفة تشبه العيادة الصغيرة، تحتوي خزانة فيها ما يلزم طبيباً ليعالج فيها بعض الحالات في قريته الصغيرة التي تبعد عن المدينة مسار ساعة...

من الواضح أنها لم تشعر به فهي لم ترفع رأسها لمواجهته بل احتفظت به بين ذراعيها الملتفتين أعلى ساقيها...

تقدم منها وأخرج صوتاً حانياً مخاطباً إياها: " صغيرتي جينا هل أنتِ بخير؟"

لم تجبه وهو لم ينتظر منها إجابة منذ البداية... قرفص أمامها ورفع يده على كتفها وهزها برقة وهو يكمل بلطف:

" أرفعي رأسك وانظري لي لأقوم بالاطمئنان عليكِ"

" هل جيو بخير عم جوشوا؟"

كان صوتها مختنقاً بعبرات احتبست بصدرها، كانت قلقة منذ البداية على جيو ليس إلا!

ابتسم لها بالرغم من أنها لا تنظر إليه وأجابها وهو يمسد شعرها بعطف:

" أجل إنه بقوة ألف حصان لن تؤذيه رصاصة طائشة"

" لماذا لا أسمع صوته؟"

قالتها وهي لا تزال على وضعيتها وسمعت العجوز يقول:

" هذا لأنه تحت تأثير المخدر... لا تقلقي ربع ساعةٍ أو أقل وسيصل صوته إلى وسط المدينة... والآن علي أن أطمئن عليكِ أنتِ الأخرى أرجو أن تنهضي عن الأرض"

وابتعد عنها واعتدل واقفاً وانتظر منها المثول لطلبه، كانت ثوانٍ حتى رآها تحرك رأسها وأتبعته بيديها التي أخذت تجفف عن عينيها الزرقاوين دموعاً انبجست قلقاً على حال جيو....

" هيا صغيرتي"

نظرت إلى يد العجوز جوشوا ومدت يدها، ساعدها على النهوض عن الأرض برفق، ومع ذلك شعرت بالدوار فجلست على السرير سريعاً وأمسكت رأسها بكفها الأيمن...

سألها العجوز بجدية وهو يعدل نظارته: " هل تشعرين بالدوار جينا؟"

" قليلاً"

تمتمت وسمعته يتنهد بهدوء، ثم ابتعد إلى خزانة تحتوي أدوات ومستلزمات طبية وأخذ منها جهاز قياس الضغط وعاد إليها..

" أظنه هبوط في ضغط الدم، دعينا نرى ذلك"








أخرج زفرات متتالية من رئتيه وهو يكمل الانصات لــ آرين فقد أخبره للتو أموراً غريبة عن جيو.. حقاً! ما الذي يفعله في كندا الآن؟

" حسنٌ أرين... أظن أن عقلي ملَّ من الحديث عن ذلك المدعو جيو"

واستدار غريزياً لينظر إلى شرفة كروس ولاحظ ظلاً يبتعد من خلف الزجاج الخاص بنافذتها فعلم أنها هي...

وأظهر شبح ابتسامة وأكمل كلامه عبر هاتفه: " أظن أن علينا الاتقاء غداً أرين.... في الشركة صباحاً"

وأغلق الهاتف ووضعه بجيب بنطاله... كان يود الذهاب إليها لكنه حث نفسه على التوقف، لا يريد أن يتسرع وهو الذي لا يعلم ما الذي تخطط له كروستا في هذه الآونة....

تظاهر أمامها أنه يعلم لكنه لا يستطيع خداع نفسه بهذه الكذبة!

وضع يديه في جيبي بنطاله واسترسل بأفكاره محاولاً تجميع شكوكه ليخرج بشيء مفيد...

أن تكون كروس على تواصل مع جيو أمر غير مستبعد فذلك الأخير تصرفاته غريبة كما أفصح له آرين الآن...

شهر يمضيه في سان بطرسبورغ وشهر آخر في كندا حيث لا علم لأي أحد أين يكون وماذا يفعل!

عندما يغادر المطار في كندا يختفي كما لو كان شبحاً يستطيع التنكر على هيئة أناس غرباء!

استطاع تضليل أمهر الرجال عنده بعد دقيقة واحدة من مغادرته المطار البارحة فأين عساه يكون وماذا يفعل هناك؟!

" لو كان هناك تواصل بينكما...."

تكلم من بين أسنانه وضرب الشجرة بجواره بغضب والهدوء الذي يغلفه عادة انمحى عن قسمات وجهه...

" سحقاً ما الذي تفكرين به؟"

وشتم وهو يستدير ليعيد نظره باتجاه غرفتها حيث اختفى ظلها...

حانق الوجه مشدود الأعصاب التقط سيجارته، أشعلها وأخذ يدخن وينفث دخانها في الأرجاء ...









" أجل كان هبوطاً في ضغط الدم... أظنكِ لم تأكلي شيئاً منذ الصباح..."

نزع جوشوا زيه الأبيض الطبي وعلقه على مشجب بالقرب من الباب ثم استدار إلى جينا الممددة على السرير وحدثها محذراً:

" سأعود إليكِ بعد قليل بحساء، أرجو أن لا تنهضي عن السرير"

وخرج تاركاً إياها خلفه بجسدها الهزيل تحدق بالسقف الأبيض بشرود..

أغمضت عينيها الزرقاء الشاحبة بإرهاق لكنها سرعان ما انتفضت وهي تتحسس يدها....

واتسعت حدقتيها في قلق وخوف من أن تكون قد أضاعته!

" يا إلهي أين سواري!"

وأطلقت شهقات مرتعشة وهي تتصور أن وسيلتها للعثور عليهم قد اختفت!

ونسيت أوامر الطبيب العجوز وهرعت خارجة من الغرفة وبحكم أنها تعرف المنزل بسبب مرات قدومها المعدودة إليه، توجهت بخطواتها مسرعة إلى باب المنزل وعندما أمسكت بمقبضه حاولت فتحه لكنها لم تستطع...

" أفتح الباب عمي أرجوك أريد البحث عنه"

وأصبحت تضرب الباب بهستيرية، ودموعها شوشت عنها الرؤية، وتعالت شهقاتها في المنزل بشكل محزن آلم قلبه.. وانهارت أمامه على الأرض وهي تستمر بالنحيب والصراخ ويدها تطرق على الباب بأسى...

أطل جوشوا وكاد يريد الذهاب إليها لكن يداً قوية منعته من ذلك رغم إشفاق صاحب تلك اليد على حالها...

"أرجوكَ عمي افتح الباب"

وكيف لا تنهار وقد فقدت أملها في العثور على عائلتها؟!

" جيو أيها المتحجر ألا ترى حالتها.... على الأقل دعني أعطيها مهدئاً"

" فقط مهدئ ولا شيئاً آخر... ما زلتُ أريد قتلك لما فعلته بي"

ازدرد جوشوا لعابه وتقدم إليها في حذر بعد أن أبعد جيو يده اليسرى من أمامه، وبقي واقفاً مكانه يراقب في صمت بعينين تنافسان الظلام وملامح جامدة كالصخر....

تنهد العجوز بحزن وتمكن من الإمساك بيد جينا لكنها فور شعورها به بدأت تصرخ بهستيرية أكبر وكأنها أدركت ما هو مقدم على فعله....

لكنها لم تستطع منعه من إفراغ الحقنة في يدها وكانت دقائق حتى سقطت على الأرض بلا حراك كالجثة وعندما أراد الطبيب حملها شعر بــ جيو بجانبه، وعندما رأى نظراته المخيفة ابتعد عنها ليتمكن جيو من حملها بنفسه..

ولم يمنع الأشيب صاحب العيون البنية نفسه من الكلام فعلق متجهماً:

" تتصرف بحمق أيها الصغير الطائش.. لم يمض على استعادتك لوعيكَ سوى دقائق"

" بل أكثر... كنت بكامل وعيي عندما خرجتَ من الغرفة وما منعني من الانقضاض عليكَ هو فارق السن بيننا"

قالها ببرود وهو يسير بــ جينا إلى تلك الغرفة التي كانت فيها فلحق به الطبيب وسمع جيو يعقب من بين أسنانه:

" ودعني أسمع اللقب الأحمق موجهاً إلي مرة أخرى.. أعدك أنني لن أكون مسؤولاً عن أفعالي ولن يردعني فارق السن هذه المرة "

" يال هذا الطبع الحاد"

" ألم تعتد عليه جوشوا!"

وضع جينا على السرير بحذر وكان جوشوا يراقب ذراعه المضمدة بقلق خشية رجوع النزيف لكنه لم يحدث..

والتفت جيو ليحدق بالرجل العجوز ورآه يوجه نظراته إلى صدره العاري، إلى ذلك الأثر!

زفر أنفاسه بحدة ما دفع جوشوا إلى غض بصره عنه، استطاع جيو بهذه الحركة منع وابل من الأسئلة - التي باتت أسطوانة مزعجة- من الخروج على لسان جوشوا!

تقدم جيو خطوة باتجاهه فابتسم جوشوا له وتحدث وهو يرفع كفيه أمام وجه جيو محاولاً التخفيف من غضبه:

" لن أسألك وسأكتم فضولي حياله كما كتمته منذ ثلاث سنوات"

" جيد"

تمتم ثم أكمل بحدة: " ولا أريد رؤية هذه النظرات على وجهك في كل مرة تراه فيها!"

تمتم الطبيب بتمهل: " حسناً!"

وابتعد بسرعة من أمامه متحاشياً عصبيته المقيتة...

تركه خلفه عند جينا وذهب بدوره إلى غرفة أخرى على ما يبدو أنها تخص شاباً، وبحث في خزانة الملابس عن قميص ينفع جيو..

دائماً ما يجعله هذا الشاب يتصرف على غير طبيعته، لم يسبق له أن سمح لأحدهم بالتحدث معه بهذا الشكل حتى ابنه الغائب، صاحب هذه الغرفة الذي أصبح يقيم في العاصمة أوتاوا ليكمل دراسته....

لكن بحكم أنه ابن صديقه العزيز الراحل تحامل على نفسه واستطاع بجهد التصرف معه كإنسان عاقل.....

لا يزال يتذكر ذلك اليوم قبل ثلاث سنوات عندما رآه صدفة في مواجهة مجموعة من المجرمين وكان قد حصل على نصيب جيد منهم....

استغرب وجود ابن صديقه العزيز في كندا وهو في مثل ذلك الوضع!

كان الوقت متأخراً وكانوا يحيطونه في ذلك الشارع الخالي ويتعاركون معه دفعة واحدة كالجبناء، تصدى لهم جيو بشكل جيد لكن ذلك لم يمنعه من الإصابة ببضع ضربات مباغتة.

شهق وقتها بصدمة عندما سقط أمامه بسبب رصاصة اخترقت ظهره وهرب المجرمون بسرعة بعد أن ظنوا أنهم قد نالوا منه......

في ذلك اليوم استطاع إنقاذه وأزال له الرصاصة هنا في منزله، في عيادته الصغيرة هذه...

مع أنه كان يريد أخذه إلى المشفى الذي يعمل به لكن هذه الفعلة ستفتح عليهم ألف باب وباب، استجواب وتحقيق حول الحادث هم في غنى عنها...

وكان الحظ حليف جيو يومها لأن من وجده هو طبيب مختص....

وتغلغلت التساؤلات إلى عقله وقتها عندما لاحظ تلك الجروح، لم تكن وليدة تلك اللحظة! وذلك دفعه إلى استنتاج أن هذا الشاب واقع في المتاعب حتى أخمص قدميه!

وحتى هذه اللحظة، لم يجد إجابة دقيقة لما حصل مع جيو قبل أن يجده في كندا، وعن سبب تلك الندوب!

سأله في ذلك الوقت عنها لكنه لاقى منه بروداً وتجاهلاً ففهم أن جيو لم يكن يريد من أي مخلوق كان رؤية ما رآه هو وكتم له سره الغامض بناءً على طلبه....









سحب جيو كرسياً بجوار سرير جينا ليجلس عليه، وتسللت يده اليسرى إلى وجهها مبعداً خصلاتها السوداء القصيرة عنه ثم مسح لها دموعها..

تنهد وحرف بصره لينظر إلى ذراعه المصابة... كان يشعر بوخزات مزعجة لكنه يستطيع تحملها.. فأي ألمٍ هذا الذي سوف يجاري آلامه الداخلية؟!

أغمض عينيه وقطب حاجبيه عندما عادت تلك اللحظات المؤلمة إلى رأسه، إلى ذلك اليوم! قبل خمس سنوات وبضعة أشهر!

كلاهما، قلبه وجسده اللذين شهدا دناءة أفكارهم!

بنظر ابن عمه براد استحق جيو كل ما حصل له من أذية، وسيستحق اللعن أبداً!..

كان شعوراً حقيراً، مقت نفسه ونبذ ذاته التي عرفها طيلة سنوات حياته بسبب كل ما حصل له، بعد ذلك الانقلاب الذي حصل لمسار حياته، أصبحت السماء أرضاً والأرض سماءً، كان عليه التقدم بالمقلوب حتى لا تُكشف الأوراق! حتى لو كان هذا على حساب عدد ضربات قلبه؟!

لم يستطع الأخذ بثأره من براد ولم يستطع حتى الدفاع عن نفسه، بدا الوغد الحقير الوحيد ذلك الوقت وما زال!

لم يشعر به أحد من بعد والده العزيز!

وكادت تنفلت من قلبه آهات معذبة! كما لو كانت البارحة...

تلك السنة التي فقد فيها أرسلان، فقد فيها ثاني أغلى إنسان على قلبه، والده!

سيبقى حاقداً على أوليفيا حتى آخر نفسٍ من روحه! هكذا وعد نفسه!

لم يفهم أحدهم موقفه ولا حتى والدته؟! فمن أين بحق سيشعر بالعاطفة نحوها... نبذته يومها وأبعدته عن والده في آخر أيام حياته؟! أنَّى له أن يصفح؟!

" جيو!"

هتف جوشوا وركض باتجاهه فزعاً عندما رآه مغمضاً عينيه ويده تعتصر ذراعه المصابة بقسوة.

وصرخ به عندما رأى الدماء تظهر فوق الضماد:" أيها المجنون ما الذي تفعله!"








[10:00 am: -- فرانكفورت -- ]



دخلت لونا إلى غرفة كروس وكانت الأخيرة تقف في وسط الغرفة تحدق بشاشة هاتفها في شرود ما دفع لونا للتساؤل....

تقدمت ووضعت القهوة على الطاولة الصغيرة أمام أريكتها الحمراء ذات المقعد الواحد القابعة أمام السرير وقالت وهي تسير إليها بقلق:

" كروستا... هل هناك خطب ما؟ لما وجهكِ شاحب هكذا؟"

رفعت كروس نظرها إلى لونا وسألتها على عجل: " هل يولاند في الأسفل؟"

" خرج لتوه"

" سألحق به إذاً"

علقت لونا على كلامها محتجة: " وماذا عن القهوة؟!"

" اشربيها أنتِ"

خطفت حقيبتها السوداء عن الأريكة وركضت خارجة من الغرفة ولونا تحدق في أثرها بريبة...

" لما الكل مستعجل هكذا؟ هل هو يوم برعاية كن الأسرع ولن تندم!"

رفعت كفيها وأسندتهما على خاصرتها وتنهدت بهدوء وهي توجه نظرها إلى كوب القهوة وتمتمت:

" استغرقت وقتاً في تحضيره لكي يعجبها وفي النهاية تخرج دون أن تشتم رائحته حتى!"

أمسكت الفنجان وارتشفت منه القليل وهي تتنهد بأسى... تأملت غرفة كروس ذات الطابع الراقي والمتزن علها تجد شيئاً ترتبه لكنها لم تجد كالعادة فغرفة كروس ليست بحاجة لمن يشرف على نظافتها فصاحبتها تعتني بها بشكل مميز...







وقفت كروس في حديقة المنزل وكانت بين خيارين.. إما أن تسرع إلى الشركة أو أن تذهب إلى حيث العجوز داركو قرب بركة السباحة...

أرسلت نظرة عجولة إلى البوابة الخارجية ثم عادت تحدق بــ داركو...

لعنت في سرها وسارت إليه وهي تحاول إقناع نفسها أن هذا هو الخيار الأصوب..

" على أي حال أنا بحاجة لسؤاله عن ذلك الأمر لعل اليوم هو الوقت المناسب!"

انتبه داركو لقدومها فابتسم لها بعاطفة أبوية وترك مقص الأشجار قرب باقي الأدوات...

وقفت قبالته وكلمته مبتسمة: " ألا ترى أن هذه الأعمال مرهقة لك عمي"

رد عليها وهو يربت على كتفها: " ربما كانت كذلك لكنني لن أترك هذه الأشجار لأيادٍ أخرى وأنا موجود "

" لا يمكنني جدالك في هذا"

صمتت وكانت مترددة في سؤاله، نظرت إلى ما حولها لتتأكد من خلو المنطقة منهم وعندما تأكدت أن ما من أحد هنا كلمت داركو الذي عاد إلى عمله مرة أخرى: " أنا أتسأل عمي إذا كنت تود إخباري عن المزيد من الأمور؟"

توقف لحظة عن العمل وشعرت كروس بشروده وعندما أرادت النطق التفت إليها وتمتم بخفوت:" كما أخبرتك مراراً... إنه..."

" ليس الوقت المناسب! .... عمي! ألا تنوي إخباري أبداً؟! أنت تؤجل محادثتنا منذ ثلاثة أشهر!"

تمتمت كروس بصوت بارد ووجهٍ خالٍ من التعبير، حدق داركو بها بعينين تحملان تصميماً أفقد كروس أملها في الحصول على جواب في هذا اليوم أيضاً!

كاد يقول شيئاً لكنه أعاد إغلاق فمه الأمر الذي دفعها للتساؤل عن السبب...وإلى حيث كان ينظر وجهت نظرها لتجد عمها الموقر يقف على بعد خطوات منهما!

احتقن وجهها غضباً فها هو يقطع محادثتها مع العجوز للمرة المئة بعد الألف ربما!

وكأنه يمتلك قرون استشعار تستشعر اقترابهما من بعضهما! كرهت الأمر وأرادت الصراخ بوجهه لكنه كان الأسبق بالكلام..

" داركو أيها العجوز هل هناك خطبٌ ما؟"

استشعرت أمراً مريباً في صوته وكأنه كان يعلم أن الهدف من هذه المحادثة هو كشف مجموعة من الأسرار المدفونة...

وقف داركو بثبات ورد على لافغورد: " أبداً سيد لافغورد"

" لا أظن ذلك."

تحدث وهو يقلل من المسافة بينهما ووقف في مواجهة كروس وابتسامة كريهة ظهرت على وجهه...

انتابتها رغبة أخرى بالصراخ في وجهه عندما استقرت يده القذرة التي قتل بها والديها على كتفها لكنها تحاملت على نفسها وحاولت السيطرة على أعصابها قدر المستطاع خاصة بعد ظهور ناردين وابنتها واقترابهما منهم، وكأنهم ظهروا من العدم!

وابتعد داركو عنهم قبل أن يطلب لافغورد منه ذلك...

" صغيرتي العزيزة كروستافيا، زوجة ابني المستقبلية إذا كنتِ بحاجة إلى أي شيء فأخبريني حتى أساعدك"

قالها لافغورد بنبرة طبيعية لكنها تحمل في طياتها كل معاني التهديد ووجدت نفسها تبعد يده عن كتفها وهي تجيبه بسخرية:

" أهذا حقيقي عمي العزيز؟!"

حدقت بعينيه في ضيق ثم تحولت نظراتها إلى البرود وهي تكمل بجمود: " إذا كان كذلك فأرجو أن تبقي نفسك بعيداً عني وسأكون ممتنة حينها"

" تكلمي بأدب أيتها الصغيرة"

صرخت نادرين بها وهي تقف بجوار زوجها الذي وضع يديه في جيبي بنطاله وعيناه الخضراوان تدققان النظر في عيني كروس الباردة....

" لم أكن أكلمكِ أيتها السيدة بل كان كلامي موجهاً إلى هذا الرجل"

أشارت إليه بحاجبيها في استحقار وأكملت تنظر في عينيه: " لن أقف مكتوفة اليدين صدقني، إذا لم يكن الآن فسيكون غداً وإن لم يكن في الغد فسوف يكون بعد سنة"

ضغطت على أسنانها وأكملت بحقد وهي ترفع سبابتها في وجهه: " سأذيقك الألم وستطلب مني أن أسامحك وقتها لكنني لن أفعل... أقسم أنني لن أفعل."

ولم تنتظر تعليقاً، هرولت مبتعدة إلى حيث سيارتها الحمراء، فتحت الباب الأمامي بسرعة وألقت حقيبتها على الكرسي المجاور وركبت فيها، سرعان ما شغلت المحرك وتوجهت بها خارجاً عندما فتح الحارس لها البوابة الأمامية للقصر...

وهناك حيث تركتهم واقفين يحدقون بأثرها كلٌّ بتعبير مختلف..

" كيف تسمح لها بالتمادي هكذا!"

استنكرت صمت وبرود زوجها فالتفتت إليه تحدق فيه، استأنفت الشقراء عوضاً عن والدتها بعد أن اقتربت منه ووضعت يدها على ذراعه بدلال:

" ستحاسب تلك الخرقاء أبي أليس كذلك؟"

" اذهبي إلى جامعتكِ بريتني.. وأنتِ ناردين اتبعيني علينا التحدث في أمر مهم"

وابتعد متجهاً إلى داخل القصر ولم تلبث ناردين طويلاً وتبعته إلى مكتبه، أما بريتني أخذت طريقها لتذهب لجامعتها بمزاج معكر.....

كان العم داركو يراقب من بعيد ما حدث وتنهد بأسى على حالة كروس وعزم على إخبارها بالحقيقة قبل أن تفارق روحه جسده!









انبجست الدموع بعينيها وحاولت منعها قدر الإمكان لكنها لم تستطع...

ركنت سيارتها على جانب الطريق وأغمضت عينيها في قهر وذلك المشهد عاد يتجسد أمامها ....

عندما قتل يولاند السيدة التي أحبته من كل قلبها، بقلب هو أقرب للميت منه للخالي من المشاعر...

لم يرف له جفن وهو يطلق رصاصته بغدر قذر لتستقر بظهرها!

وكأن روحها سحبت في ذلك الوقت، ظنت أنها ستستطيع تدارك الأمر بهتافها لوالدتها بأن تحذر منه!

رؤيتها في ذلك الوقت كانت ضبابية، تبع ذلك المشهد سقوطها مغشياً عليها فلم ترَ ما حدث بعدها!...

وضعت يدها على فمها لتمنع شهقاتها وشعرت بحرقة دموعها على وجنتيها...

والذي زادها سوءاً هو معرفتها باختفاء الملف الذي كانت تبحث عنه، الذي أخبرها عنه العم داركو، الملف الذي يحمل في طياته بعض الأجوبة، والقليل من الأدلة!

" جدي الملف الذي يثبت قضية تبنيها، بحث والداك عنه طويلاً ولم يجداه، سيساعدك إلى جانب ما هو عندي في تحقيق طلب والدتك..."

كانت هذه هي كلمات العم داركو قبل مدة والتي لم يزد عليها حرفاً واحداً!

ثم يأتيها هذا؟!

[كان الملف في الشركة، سبقنا إليه أحدهم وسرقه دون ترك أي أثر خلفه، من الواضح أننا لسنا الوحيدين الذي كنا نبحث عنه، لم يكن لافغورد أو أحد أتباعه، كان شخصاً ماهراً ذو حدس ذكي لم أعلم هويته بعد.. ومن الواضح أننا متأخرون بخطوة عنه.. أعتذر لأن إيجاد الملف بعد الآن أصبح من المستحيلات، رغم ذلك سوف أحاول ايجاده، حتى ذلك الوقت أرجو أن تحافظي على هدوئك. ]

كانت مجرد رسالة من مجهولها، أجل رسالة لكنها بمثابة ألف سكينة ورصاصة!

خسرت الدليل! أملها الوحيد بات العم داركو، لكن الوغد لافغورد لا يعطيها مساحة لتختلي بالعجوز...

شعرت بالعالم يتقلص حولها، وبالهواء ينكمش داخل رئتيها، أصبح التنفس صعباً عليها، وارتجف جسدها...

احتوت نفسها بذراعيها، وبكل الأسى والألم الذي امتلكته داخل قلبها صرخت باسمه!

" جيــــــو!"

لم تعلم لماذا؟! لكنها تريده الآن! تريد مقابلته، تريد الصراخ في وجهه، بلا سبب، ليس له علاقة بكل ما يحصل إلا أنها تريد الصراخ أمامه، ضربه، تريد سماع صوته البارد، تريد الأمان الذي كانت تشعر به قربه!!!

شهقة تبعتها أخرى، أخرجتها تعبر عن صدمتها من ذاتها! وانكمشت تبكي في حرقة وحدها، في خلوتها بعيداً عن أي إنسيّ!









[4:00 am: -- كندا -- ]

ضغط على أسنانه بقوة وحفز نفسه على النهوض بجسده على السرير ليستطيع فعل ما يريد...

يتلقى دوماً نتائج عكسية بسبب ما يفعله بنفسه، أي حماقة تلك التي جعلته يزيد من ألم ذراعه؟ أكل هذا بسبب تلك الذكريات؟!

" وكأنها بالشيء الهين!"

تمتم وزفر بحدة ثم دفع ظهره إلى الخلف ليستند جيداً ونادى بصوت حاد مستنكراً تأخر ذلك الأشيب:

" جوشوا هل ذهبت لتشتري حاسوباً جديداً!"

وسمع صوته قادماً من بعيد:" انتظر قليلاً أنا عند جينا"

" بسرعة رجاءً"

نظر إلى الطاولة الصغيرة المجاورة للسرير ووجد هاتفه... التقطه وكاد يعيد تشغيله لكنه عدل عن هذه الفكرة في آخر لحظة، لا يمتلك ذرة واحدة من الرغبة في التحدث مع أحدهم لكن هستون مستثنى من الأمر كله....

" ها هو الحاسوب أيها العصبي"

اقترب جوشوا من سرير جيو وبيده حاسوب محمول صغير الحجم وضعه على رجليه....

" ألا تمتلك واحداً أكبر من هذا الشيء!"

تمتم جيو وهو يهم بتشغيله فأجابه جوشوا وهو يستريح على أقرب أريكة في الغرفة: " إذا لم يعجبك فلا تستخدمه"

" ألا تظن أن عليكَ الخلود للنوم الآن جوشوا؟"

سأل جيو وهو يحدق بشاشة الحاسوب فأجابه جوشوا مداعباً: " وأترك مفترساً مجنوناً مع حاسوبي المسكين"

" أنا جاد.. يمكنك الذهاب أنا بخير"

علق ولم يرفع رأسه عن الشاشة فوقف جوشوا وسار حيث جيو وهو يمسك بالقميص الذي انتقاه له من قبل ووضعه على حافة السرير التي يستند عليها جيو وقال له:

" ارتدي هذا حتى لا تصاب بالمرض وإن احتجت لأي شيء فيمكنك مناداتي"

" أشكرك جوشوا وأرجو أن تغلق الباب خلفك"

أومئ له بصمت وخرج مغلقاً الباب خلفه بينما هو انتظر من هستون الرد على رسائله...

انتظر مدة خمس دقائق ولم يظهر بعد فشعر جيو بالغضب..

نقر بأصابعه على الحاسوب بانزعاج وتمتم: " ما الذي يؤخرك هستون!"

قرر هذه المرة الاتصال عليه باستخدام هاتفه، سحبه من مكانه وعندما كاد يعيد تشغيله تراجع فوراً عندما شعر بحركة قرب الباب.. وجه نظره إلى هناك وهو يعقد حاجبيه...

" جينا؟"

تمتم يحدث نفسه، ثم نظر إلى صدره العاري لحظة وتدارك الأمر سريعاً ملتقطاً القميص، ارتداه على مهل فهو لا يريد ألماً اضافياً وأغلق أزراره عدا الاثنين العلويين...

أخذ نفساً عميقاً زفره بهدوء ثم تكلم بجدية:" جينا يمكنكِ الدخول"

لكن ما من أحد قد دخل فكرر كلامه ولكن بصوت مرتفع حاد ليخيفها....

فتحت الباب بروية وأطلت برأسها فقط وعندما فتحت فمها لتتكلم سبقها قائلاً وهو يعقد حاجبيه: " قلت أدخلي وليس أريني وجهك"

دخلت هذه المرة وأغلقت الباب خلفها وبقيت واقفة مكانها تحدق بــ جيو في صمت....

" هل علي أن أخبرك بما عليكِ فعله في كل ثانية؟"

ابتسمت لتعليقه، تقدمت إلى الأريكة القريبة وجلست عليها تضم كفيها في حضنها، تابعها جيو بنظراته وكان يدرس تعابير وجهها ليحضِّر لها الاجابات المناسبة لما ستقوله....

" جيو"

همست وأبعدت خصلة متمردة إلى خلف أذنها واستأنفت بصوت يائس:" أنا آسفة لما أصابك"

نظر لها بعينين مطمئنتين وقال بصوت هادئ:" هل تريدين العودة إلى سان بطرسبورغ جينا؟"

استطاع اخراجها من يأسها وضجرها بهذا السؤال وكأنما بث الحياة من جديد إلى روحها، انتابه شعور جيد لأنه أخرج تلك العينين الذابلتين من حزنهما وابتسم لابتسامتها...

هتفت متحمسة وقد رأى جينا الحقيقية عادت من جديد : "سأقابل براد مرة أخرى!"

بدا لها الأمر مستحيلاً منذ أحضرها جيو إلى كندا قبل ثلاث سنوات فقد بعدت بينهما المسافات، لم تكن متأكدة من بقاء ذكراها في قلب خاطبها السابق لكن جيو أكد لها أنه لم ينساها لحظة واحدة، ما قاله جيو أكد لها أنها يوماً ما ستعود إلى حياتها الطبيعية قبل ظهور فيليب....

" ليس حالاً لكنك ستعودين إليه جينا"

تقلصت ابتسامته وهو ينحرف بتفكيره إلى حيث ثبت قراره بشأن الخطوة القادمة... ستتعقد الأمور وهذا أكيد! لكن هذا التعقيد يزيده متعة عجيبة فستدخل شخصية أخرى في هذا الصراع وستشعل الفتيل من جديد بقدومها.. خطته مع هستون كانت البداية وسيكمل حتى نهاية ستخفي الكثير معها إلى أجل معلوم هو مُقَرِّره!

ستكون قد حانت النهاية وقتئذ لكنها لن تكون سوى وهم من نسج خططه الغريبة!

" أنا أثق بكَ جيو لكن ماذا عن فيليب؟"

سألته ليجيبها بثقة أشعرتها بالأمان: " فيليب حل مشكلته عندي"

صمت قليلاً وشرد في الحل الذي اتخذه عقله.... سيكون هناك فرق فــ جينا أضعف من أن تكون كبش الفداء!

انتشل نفسه من أفكاره، غمز بعينه اليسرى وابتسم لها بينما قال: " لا تقلقي لدي خطة محكمة وأنا أضمن عودتكِ بشكل تام إلى براد"

" جيو أنت إنسان رائع!"

قفزت كطفل صغير واقتربت منه تود معانقته لكنها توقفت قبل أن تَهُمَّ بفعل هذا فقد تذكرت مقدار تحفظ جيو واكتفت بالابتسام في وجهه...

قال لها مداعباً:" لو فعلتيها جينا لكنت سحبت قراري"

ظهرت أسنانها البيضاء إثر ابتسامتها الواسعة ثم علقت وهي تضع يديها على خاصرتها: " من الجيد أنني ضبطت نفسي إذاً"

حرك رأسه موافقاً ثم قال لها ليختم محادثتهما قبل أن تتذكر الموضوع الأهم الذي جاءت لأجله: " سنسافر غداً في الساعة الرابعة ظهراً... علينا أن نكون جاهزين قبلها بساعات لأن علينا الوصول إلى المطار..."

توقف عن الكلام وأخذ ينظر إليها من رأسها إلى أخمص قدميها، لاحظ لتوه أنها ترتدي ملابس مختلفة.... ملابس رجالية، قميص أبيض يصل إلى أفخاذها وسروال عشبي قصير وصل إلى نصف ساقها...

أطلق جيو ضحكات صافية واستأنف مشيراً إليها: "لكن علينا أن نرسل العم جوشوا ليحضر لكِ ملابس مناسبة."

نظرت جينا إلى الملابس التي ترتديها ورفعت يديها في قلة حيلة: "هذه الملابس المتوفرة حالياً."

" وعلينا الحصول على شعر مستعار أيضاً، نظارات شمسية وقبعة... لكن الآن عليكِ الذهاب للراحة، نامي جيداً واحلمي بــ براد"

غمز لها مرة أخرى فاحمر وجهها وخاطبته بتذمر: " إياك الغمز لأي فتاة جيو!... ستجعل قلوبهن تذوب.."

" وهل جعلت قلبك يذوب؟!"

سأل رافعاً حاجبه فأجابته وهي تحرك يديها نافية: " لا ليس أنا، أنا لدي عزيزي براد!"

وبلهجة آمرة:" إلى النوم."

" أجل سأفعل"

قالت ثم استدارت وخرجت من الغرفة وأغلقت الباب خلفها بهدوء بعد أن تمنت له نوماً هانئاً بتلك الابتسامة العذبة التي لم تفارق وجهها ونسيت تماماً - كما رغب جيو- موضوع السوار الذي جاءت تحدثه عنه.....






تركت ضعفها حيث ظهر وولجت إلى داخل الشركة بهالة قوية استشعرها جميع من مرت بجوارهم وكأنها ليست كروس التي كانت تبكي قبل سويعات...
فتحت باب مكتبها ووقفت لبرهة تحدق بالأشقر الجالس على الكرسي خلف طاولة المكتب براحة مزعجة، أظهرت ابتسامة باهتة وهي تغلق الباب خلفها وتقدمت لتقف أمامه دون أن تنطق بكلمة....

" لما تأخرتِ عزيزتي؟"

أعاد القلم الذي كان يقلبه بين يديه إلى مكانه، أمسك حزمة أوراق كانت أمامه ورفعها مستدعياً انتباهها وعلق:

" هذه الأوراق تنتظر توقيعك منذ نصف ساعة"

نظرت كروس إلى رزمة الأوراق التي عادت تستقر على سطح المكتب شاردة.. انتصب يولاند على رجليه واستدار حول المكتب ليصل إليها..

وقف أمامها مستغرباً سكوتها المفاجئ، رفع يده إلى وجهها وَأداره لتنظر إليه..

وكالعادة عينان خاويتان..

" هل هناك خطب ما؟"

لم تجبه واكتفت بإبعاد يده، ثم قصدت كرسيها لتجلس عليه تحت نظرات يولاند الصامت هو الآخر وراقبها وهي تمسك الأوراق تهم بتوقيعها....

" ألن تطلبي مني الخروج من هنا كروستا؟"

سألها ببرود فأجابته بنفس النبرة وهي تتابع عملها: " كما لو كنت ستنفذ طلبي!"

حرك رأسه بالإيجاب وخرج من هدوئه هذه اللحظة: " ما الذي تخططين له كروستا؟"

ابتسمت ببهوت وعلقت ساخرة: " ألا تعرف حقاً ما الذي أخطط له؟"

" بربك كروستا! اصرخي أو اصفعيني حتى! لكن لا تبقي صامتة!"

" لماذا؟ هل أنت متضايق لأجلي؟"

سألت دون أن تنظر إلى وجهه فأجابها بحدة: " أليس الأمر طبيعياً أن أقلق على خطيبتي؟"

" عندما تكون أنت سبب تعاسة خطيبتك فلا أظن الأمر طبيعياً!"

كاد يوشك على قول شيء لكنه منع نفسه بصعوبة....

رفعت كروس نظرها إليها عندما لم تسمع تعليقاً منه، رأت في ملامح وجهه حزناً! أهي تتوهم الأمر الآن؟!...

عبث بشعره قهراً ثم استدار ليخرج صافقاً الباب خلفه بقوة!

حدقت بالباب عاقدة حاجبيها مصدومة من تلك التعابير التي رأتها لأول مرة منذ سنوات على وجه يولاند!

" هل بدا قليل الحيلة الآن؟ كأن كل ما يحدث خارجاً عن إرادته؟! متوتراً؟!"

وفي الخارج...

وصل يولاند إلى مكتبه تتبعه سكرتيرته تخبره عن مجموعة اتصالات ومواعيد مهمة، لكنه لم يكن مصغٍ إليها ففكره مشغول بأمور أخرى...

خارجاً عن إرادته! ورغماً عنه! أجل!...

لم يكن يريد الوصول إلى هذه الحال.. أعليه لوم نفسه أم لومهم جميعاً؟!

" سيدي هل تستمع إلي؟"

" لا تحولي لي أي اتصال، ولا أريد أحداً في مكتبي حتى آمر بالعكس .. اغربي عن وجهي حالاً."

جفلت السكرتيرة من صراخه وخرجت سريعاً دون جدال....

شتم تحت أنفاسه، وبيده اليمنى دفع الأغراض التي كانت موضوعة على طاولة مكتبه لتستقر على الأرض محدثة صوتاً قوياً لكن ليس أقوى من صراخ قلبه... وأياً من الموجودين بالقرب من المكتب لم يتجرأ على الدخول!

" اللعنة عليكم جميعاً... كل ما يحدث معنا بسببكم"

ألقى نفسه على الأريكة الجلدية القريبة من المكتب بإهمال، وبكفه الأيمن ضرب جبهته بقهر مغمضاً زرقاويتيه...

كانت دقيقة فقط انسلت بعدها خيوطٌ دقيقةٌ لامعةٌ من كلتا عيناه؟!

يبكي! أجل! واشتدت قبضته على خصلات شعره الأمامية وبقهر تمتم:

" جدي!"







[:008 am: -- فرانكفورت-- ]



وضعت إيلين يدها على رقبتها من الخلف في ضجر، ويدها الأخرى ممسكة بمقود سيارتها تنتظر تحول لون إشارة المرور إلى الأخضر، لطالما كرهت النظام خاصة في أمور السير، لا تستطيع القيادة بالسرعة التي تريد ولا الوقت الذي تريد ولا حتى في الطريق الذي تريده، وكل هذا بسبب الزحام...

" بربكم إلى متى عليَّ الانتظار هكذا كالحمقى."

أدارت رأسها لتنظر إلى واجهة المحلات من حولها، ومن خلال نظراتها العابرة تلك رأت ما دعاها لنسيان مكانها، ولتجاهل أمر هذا الزحام والجو الرطب الذي كان يدفعها للعصبية الدائمة...

" لكن ما الخطب هناك! لماذا دخلت تافيا من هذا الباب؟!"

شهقت إيلين وهي تنظر في صدمة إلى المكان الذي كانت كروس به قبل لحظات، لقد اختفت خلف ذلك الباب الأسود، وهي أبداً ليست مطمئنة لما يجري هناك....

" كل هذا بسببكما أيها الأحمقان.. هستون وجيو سأضربكما بحذائي عندما أراكما."

جفلت إيلين فجأة عندما سمعت طرق أحدهم على باب سيارتها.... نظرت إلى حيث يقف ذلك الرجل الغريب وأنزلت الزجاج لتستطيع سماع ما يقول...

" ما خطبك يا رجل؟ ألا ترى أنني مشغولة؟"

نظر إليها الرجل واضعاً كفيه على خاصرته وهو يقول بعصبية: " وأنت ألا ترين أنك تقفين وسط طريق عام تمنعين المئات منا من الوصول إلى أشغالهم؟"

حدقت إيلين في وجه الرجل ببلاهة، ثم نظرت إلى إشارة المرور لتجدها قد تحولت إلى اللون الأخضر...

عادت تنظر إلى الرجل بابتسامة غبية واعتذرت منه سريعاً، وكانت دقيقة واحدة ولم يعد لإيلين أثر في ذلك الطريق...

كانت قد انعطفت يميناً باحثة عن مكان تستطيع فيه ركن سيارتها به، بالتأكيد لن تكون بتلك الحماقة وتترك كروس خلفها دون أن تعرف ما الذي تفعله في ذلك المكان......

وجدت إيلين طريقاً فرعياً خالياً من المارة، ركنت سيارتها هناك على عجل والتقطت سريعاً هاتفها وارتجلت منها، عدلت ملابسها وشعرها وشكرت الله على أنها كانت ترتدي حذاءً مناسباً للركض، ولم تنتظر ثانية أخرى وانطلقت مسرعة تريد إدراك كروس قبل أن تغادر ذلك النادي الليلي!










دخلت كروس بهالتها التي جعلت جميع من بالنادي يحدقون بها.. لم تكن هيأتها تدل على اعتيادها دخول هكذا أماكن، ما جعل الجميع يتساءل عن هويتها وسبب وجودها... لم تلقِ لهم بالاً وبحثت بنظراتها عن غريمها من بين المتواجدين....
كانت الإضاءة شبه معدومة، فقط تلك الأضواء المزعجة والموسيقى الصاخبة، والجلبة التي يحدثها هؤلاء الشباب...

اشمأزت من المكان وصنعت بشفاهها تكشيرة: " بربك كروس كيف تسمحين لشخص مثله أن يحضرك إلى مثل هذه الأماكن؟!

وبخت نفسها بصوت هامس بعد أن شتمته وقررت أخيراً المغادرة، سارت بخطى سريعة غاضبة مبتعدة قدر الإمكان عن المتواجدين وهدفها هو ذلك الباب الذي دخلت منه...

وعندما كادت تخرج شعرت بيد قوية تضغط على ذراعها وتسحبها إلى ممر مظلم....

كادت تصرخ وتركل صاحب تلك اليد لكنه أغلق فمها سريعاً... لم تستطع التعرف عليه لأنه كان يقف خلفها...

" ذلك الشخص كان ينتظرك هنا حقاً... كنت خلفك تماماً عندما تكلمتِ بسوء عني"

ابتعد الرجل الغريب الذي لم يعد غريباً بالنسبة لـ كروس، واستدارت لتنظر إلى وجهه وهي عاقدة حاجبيها..

" آرين أيها الوغد... ألم تجد مكاناً أفضل من هذا المكان لنتحدث فيه؟"

ضحك آرين وهي ينظر في عينيها مباشرة: " في الحقيقة لا لم أجد... كنت أتمنى أن أراكِ في هذا المكان منذ زمن، وها هي أمنيتي تتحقق..."

" وغد حقير."

ضحك أرين مستمتعاً، وكتف ذراعيه وهو يتكلم بمرح: " يا إلهي أنا لا أستطيع تخيل وجه يولاند إذا ما علم بأن صديقه متعاون مع مخطوبته التي هي بمثابة عدو له ولعائلته... مسكينٌ عزيزي يولاند..."

علقت كروس ساخرة: " ومنذ متى اعتبرتك أنا شريكاً لي يا هذا؟ لقد كانت هذه فكرتك منذ البداية، وأنا بالتأكيد لن أوافق عليها."

" حتى بعد أن رأيتِ رسالتي صباح اليوم؟"

" أي رسالة؟!"

عقدت كروس حاجبيها في ريبة وتذكرت مباشرة تلك الرسالة التي وصلتها من مجهولها صباح اليوم!

" أكنت أنت ذلك الرجل الذي اعتمدت عليه طيلة هذا الوقت؟!"

سألت ببطؤ وشك فأجابها بجدية: " أجل أنا من أرسلها لك كروستافيا.. أنا من كان يرسل لك كل تلك الرسائل.. أنا هو الرجل الذي أوكلته كي يبحث لك عن ذلك الملف منذ البداية!"

" أيها الوغد الحقير!"

صرخت في وجهه وصفعته بغتة.... كانت تنظر إليه بعدم تصديق، أكانت كل تلك المدة تنتظر وهماً؟ أكل تلك الآمال في أن تجد ذلك الملف كانت ضرباً من خيال؟!

حدق بها آرين غاضباً، لا يستطيع ضربها لصفعها إياه، لكنه عوضاً عن ذلك سحبها من يدها بقسوة خارجا معها من الباب إلى الشارع...

كانت تحاول إيقافه لكنه لم يتوقف حتى وصل إلى حيث سيارتها... هناك توقف أمام الباب الأمامي...

" افتحي الباب وأعطني المفاتيح كروستافيا."

" لنفترض أنني لا أريد المغادرة معك آرين.."

أردفت بغضب فأجابها آرين متعجلاً:"ستغادرين عزيزتي فهناك ما علينا التحدث بشأنه."

هتفت وهي تشير بإصبعها السبابة في وجهه: " كيف سأتمكن من الوثوق بك بعد الآن؟ منذ متى كانت بيننا تلك الصداقة حتى أثق بكلامك في الأصل؟... ما الذي سيضمن لي أنك لست متعاوناً مع يولاند؟"

أجابها وهو ينزل يدها: " سأجيبك عن كل هذا حال مغادرتنا كروستافيا.... هيا افتحي الباب بسرعة قبل أن يجدنا يولاند... ليس لدينا متسع من الوقت.."

" أنت كاذب... اذهب في طريقك، أنا سأغادر وحدي وأرجو أن تنسى كل شيء، أنا لم أطلب منك أي شيئاً حسناً؟!"

" لا بالتأكيد، أنا لن أذهب من هنا.. كروستا لا تعاندي هيا.. أنا لا أنوي لك السوء، أنا فقط أريد مساعدتك..."

وهنا خرجت عصبية كروس فصرخت في وجهه بصوت حاد: "لماذا تريد مساعدتي أصلاً؟!... أنت نسخة أخرى من يولاند، أنت صديقه المخلص.. كيف لك أن تساعد عدوته؟!"

ارتجفت شفاه آرين واحتدت عيناه، حاول قدر الإمكان منع نفسه من البوح بما يخفيه لكنها دفعته للصراخ ببداية سره!

أخذ نفساً حاداً وصرخ في وجهها متجهم الوجه: " ذلك لأنني ابن داركو، الرجل الذي يعمل رئيساً للخدم في قصركم، منذ اللحظة الأولى وأنا أهتم لأمرك.. هل تظنين حقاً أنني سعيد لكل ما حصل لعائلتك؟ هل تظنين حقاً أنني سعيد لصحبة يولاند؟"

صمت رهيب... انقطع اتصال كروس عن العلم بعد تلك الكلمات.

تحدق في وجه آرين الغاضب، ولا تعليق.. ولا أي ردة فعل خرجت منها، وكلها ثقة بأنها لو كانت رجلاً لماتت على يديه هذه اللحظة... تقرأ تلك الفكرة في عينيه..

" يا الهي!"

أوقعت حقيبتها على الأرض ثم مفتاح السيارة، شهقت بصدمة وهي تحدق بعينين ألجمتهما الصدمة...

رمشت عدة مرات متتالية وعادت تحدق في عيني أرين العسلية...

كان صامتاً ينظر إليها بحدة.. كلتا يديه مقبوضتان بشدة، ابتلعت ريقها واقتربت خطوة إلى الأمام باتجاهه، لكنه ابتعد في المقابل خطوتين...

" هل أنتِ راضية الآن؟ هل سيدفعك الفضول لأن تأتي معي أخيراً؟"

" هل تقول الحقيقة؟"

" بربك كروستا لو كنتِ أتيتِ معي منذ اللحظة الأولى لكنا شرحنا لك أنا وأبي كل شيء.. كل تلك الأسئلة..."

" إذاً دعنا نذهب حالاً."

ضحك آرين ساخراً من موقفها وانحنى يلتقط مفتاح السيارة وحقيبتها، أخذتها من يده وهمَّ هو بفتح باب السيارة الأمامي الخاص بالمقعد المجاور لمقعد السائق لتركب كروس وتغلق الباب...

حدق في الباب للحظات وأخذ نفساً عميقاً قبل أن يلتف حول السيارة ليصل إلى مقعد السائق.

واختفت السيارة، خاطفة معها ذهن تلك الآنسة التي كانت تقف شاهدة على تلك المحادثة الغريبة، لم تفهم ما كان يحدث، لكنها صدمت من حقيقة واحدة وهي أن ذلك الــ آرين يخفي أمراً خطيراً هذا أكيد... ويخفي حقيقة كونه ابن داركو!

" ما الذي يحدث في هذا العالم؟ هل الجميع هنا معتاد على الكذب واخفاء الأسرار، لا أستطيع تخيل ردة فعل يولاند إن علم أن صديقه يخدعه طوال هذه المدة! لكن مهلاً أيعقل أن هستون أيضاً يخفي عني أمراً خطيراً كذلك؟!"

صنعت إيلين في وجهها تعبيراتٍ مضحكة وهي تتخيل هستون يفاجئها بأسرار صادمة، عقدت حاجبيها على صدرها وتمتمت مغتاظة:" هل عليّ أن أخبرهما بما رأيت الآن؟"







ازدانت هذه الليلة بالقتامة، واختفى القمر في دجنة السماء، لم تكن كروس تعلم أن هذه الليلة تخفي في جوفها أسراراً وآمال، هذه الآمال التي حاولت جاهدة التشبث بها قدر الإمكان، وعندما اعتقدت أن العم داركو سيخبرها كل شيء، حدث ما هو مكروه، حدث ما لم يكن في البال والخاطر!

" هل نحن ذاهبون إلى العم داركو مباشرة؟"

سألت كروس بعد صمتٍ دام ما يقارب الربع ساعة، وآرين بدوره أجاب متنهداً : " أجل، لكنه ليس في منزله الآن، ولا في قصركم."

" أين عساه يكون إذاً؟!"

خطف نظرة سريعة إليها وأردف مجيباً إياها بغموض: " في مكان لا يمكن لأحدٍ من سكان قصركم العثور عليه فيه."

تملك كروس شعورٌ بعدم الراحة، ودفعها توترها إلى سؤاله بإلحاح: " ألا يمكنك إخباري عن وجهتنا آرين وتتوقف عن التصرف تجاهي كأنني مجرمة مشتبه بها تخاف البوح أمامها بما تفكر به؟"

ضحك بصخب على تعليقها، نظر إليها بعينين مبتسمتين ورد: " ليس الأمر كذلك كروستا، أبي طلب مني ألا أخبرك وأنا أنفذ طلبه ليس إلا."

" ولما يريد العم داركو ذلك؟ "

لم يجبها... سكون الجو داخل السيارة سمح لكليهما بالغوص في أعماق أفكاره، غاصا إلى العمق الذي لك يسمح لهما بسماع رنين هاتف كروس، مراراً وتكراراً، وبشكل ملحاح استمر بالرنين الذي بات مزعجاً أخيراً لآذانهما...

" كروس لو كان هاتفك يمتلك يدين لرغب بشدة في صفعك... يبدو أن هناك من يحتاج التحدث إليك بإصرارٍ شديد."

" ها؟! ..."

لم تفهم ما قاله في بادئ الأمر لكنها وللتو أدركت ما كان يقصده، بحثت عنه في حقيبتها حتى وجدته.

" عشرُ اتصالات من لونا؟! ما الأمر؟!"

" هل توجهين سؤالك هذا لي؟!"

تمتم آرين مكشراً وحثها على معاودة الاتصال لتعلم القصة....

ويا ليتها لم تفعل، ألجمتها الصدمة، سقط بها الخبر من السماء السابعة إلى جوف الأرض، وثقلٌ هزَّ اتزان الكلمات على أطراف لسانها بعد سماعها هذه الأخبار....

" آ... ريــن!"

تمتمت بعجز كعجز تلك اليدين عن حمل هاتفها بضع ثوانٍ أخرى، هوى من بين يديها فور إنهائها المكالمة...

شحوب وجهها وارتجاف أحداقها نبأ آرين أن ما قالته لونا بعيد كل البعد عن كونه خبراً عابراً...

"آرين"

كررت اسمه مرة أخرى، وبتوترٍ وقف على جانب الطريق يحدق بها في انتظار خطابها....

ارتجافة سارت في أنحاء جسده، وانبجست الدموع في عينيها...

لم تفسر له، وهو لم يطق صبراً فصرخ بها: " كروستافيا ما الذي حدث؟ هل تبكين الآن وأمامي؟!"

استنكر وجود دموعها، لم يسبق أن أظهرت كروس هذا الجانب منها، أمام أعدائها أو الغرباء أمثاله، فما عساه يكون ذلك الخبر الذي جعلها تنسى تلك القيود!

شهقة تلتها أخرى، خطفت معها كل إمكانية للهدوء في نفس آرين!

رفعت كروس يدها لتغطي فمها وانسابت دموعها ترسم خطين على امتداد خديها، دموعها التي استقرت فوق حقيبتها في حضنها...

" آرين! العم داركو.."

وهنا فقط استطاع آرين ترجمة كلامها بالتخمين الأسوأ، وبدون وعي منه أمسك كتفيها، وبدأ يهزها صارخاً بعصبية : " ماذا حدث لأبي كروستا؟ أجيبيني بسرعة!"

نظرت إليه بتشويش وغابت للحظات عن الزمان والمكان..

هذا الصمت الذي جعل آرين يصرخ مجدداً : " قلت لك ماذا حدث لأبي كروستافيا؟! أجيبيني!"

" إنه في المشفى! أرجوك آرين أسرع، علينا الذهاب إلى هناك."

صوتها المرتجف الأبح اخترق أذنيه كصوت مدافع، واستأنفت وكل شبرٍ من جسدها يهتز لوقع الصدمة: " لقد تعرض العم داركو لحادث سير، لقد كان وحده، إنه في المشفى بحالة خطرة، آرين أرجوك فلتسرع إليه.."

ترجته ويداها تضغطان بقوة على ذراعيه...

فجأة شعر آرين بالدوار الشديد، وطنين لحق بأذنيه حجب عنه صوت بكاءها...

ارتخت يديه فسقطتا ليتحررَّ كتفاها منهما، ولكنها هزته هي الأخرى بقوة تحاول استرجاع ذهنه الغائب..

كالمغشي عليه، لا يسمعها، لا يراها، ولا يشعر بها...

فكرة واحدة تتبختر في ذهنه وأمام عينيه، كانت جملة فقط! كفيلة بجعله يرتب الأحداث ترتيباً صحيحاً، ترتيباً يفسر ما حدث........

واحتضن الجو صوته الهادر، وزئيره باسم يولاند وباسم عائلة برودسكي، لعنهم من بين أنفاسه المتسارعة، وزفراته الهائجة....

شتائم ولعنات، بالرغم من صدمة كروس بما حدث وشعورها بالعجز، تلك الشتائم جعلتها تنفعل بشكل مختلف، استطاعت تمالك نفسها فاكتفت من ذلك الضعف واستجمعت شتاتها وأجبرت نفسها على الصمود لأجل هذا الرجل الذي خرج عن طوره، ستتدخل لتوقفه عن عصبيته..

وفي جزء من الثانية عادت السيارة إلى الطريق العام بسرعة جنونية جعلت كروس تصرخ فيه لتوقفه، لكنه كما هو حاله لم يسمعها، أو أنه يتظاهر بعدم سماعها...

تمسكت كروس بحزام الأمان واستمرت بالصراخ به كي يتوقف...

" أظننا سنصل إلى المستشفى بوقت قياسي آرين، لكن إلى ثلاجات الموتى!"

" أعتذر آنستي.. من تكلمنا عنه يكون والدي!"

وكرر بعصبية وقد بانت عروق رقبته: "والدي... الذي يسعى الوغد لافغورد لإقصائه من هذه الحياة."

تناست كروس في هذه اللحظات خوفها من سرعته وأخذت الشكوك تنتابها رويداً..

" أتعني أنها كانت محاولة قتل من لافغورد؟ ألهذا كنت تلعنهم؟"

ابتسم بجفاء وعلَّق: " وهل يوجد سبب آخر كي ألعنهم لأجله.... آه صحيح... يوجد الكثير من الأسباب لكن السبب الآن هو تجرؤهم على خطو تلك الخطوة."

" كما حدث لأبي!"

كرر مؤيداً: " كما حدث لأبيكِ...!"

اشتدت يدا كروس على هاتفها وحدقت بتعبير فارغ إلى الطريق الخالي، وكانت هبة من الله أنه كان كذلك...

يحتاجان إلى نصف ساعة بعد حتى يصلا ، إنه نفس المشفى الذي تعمل به إيلين!

يمكنها مهاتفتها وسؤالها عن حال العم!

كان بإمكانها لو أنهما لم تفترقا بتلك الطريقة المثيرة للشفقة!








" هيه هستون أيها الأحمق لماذا تأخرت في الرد على اتصالي؟!"

وجاءها صوته المنزعج عبر سماعة الهاتف: " كنت أكلم جيو.."

" ذلك المزعج..."

تمتمت وهي تقلب قزحيتيها علامة الضجر، ثم استأنفت حديثها : " العم داركو أصيب بحادث سيارة وهو الآن في المشفى، المسكين يبدو أنه بحالة سيئة أرجو له أن يصمد!"

" يا الهي... لابد أن كروس صدمت بهذا الخبر"

وكاد يكمل لولا مقاطعة إيلين له بلهفة وقد تذكرت أخيراً سبب اتصالها: " من الجيد أنك ذكرتها الآن... لقد رأيت شيئاً غريباً اليوم...كانت كروس في أحد النوادي برفقة أرين! ألديك أي فكرة عن هذا الأمر؟!... وفوق كل هذا لقد سمعت ما هو صادم أكثر..."

" أيتها الحمقاء؟! أتقولين لي الآن أنك كنت تراقبين كروستا بالسر وبدون أن تخبريني حتى؟!"

" يا لك من مغفل! ... هل هذا ما يهمك الآن؟! كان عليك سؤالي ماذا تفعل كروس برفقة آرين وما هو الأمر الصادم!"

نفخت بتذمر وكشرت عن أسنانها وهي تستمع إلى توبيخه المتكرر على مدار الأيام...

أبعدت الهاتف عن أذنها وجالت بنظراتها الحديقة الأمامية للمستشفى..

سيبدأ عملها بعد عشر دقائق، فلتستنشق الهواء النقي حتى يحين الوقت....

أعادت الهاتف إلى أذنها مرة أخرى وكل ما سمعته هو صوت انقطاع الخط!

" لقد انتهى سريعاً!"

حركت كتفيها إلى الأعلى والأسفل غير آبهة، وجعلت هاتفها ويديها في جيب روبها الأبيض...

رفعت رجلاً فوق الأخرى وتنهدت عميقاً ثم عادت تحدق في نهاية الحديقة حيث مدخل الطوارئ تنتظر رؤية كروس تدخل برفقة آرين والتي من المنطقي جداً قدومها إلى هنا، فهذا داركو ومن المؤكد أنها حصلت على الخبر من أيِّ كان....

" ما رأيكِ أن تخبريني أنا بدل هستون عن ذلك الأمر الصادم؟"

صوت هامس اقتلع قلبها من مكانه وأعاده مقلوباً يضرب خارجاً عن طوره، وقبل أن تنفلت منها صرخة فزعة تداركها صاحب الصوت مكمماً فمها المطلي بالأحمر القاني وعاد يهمس في أذنها اليمنى: " شـشــشــ ... نحن في مكان عام... لا يجب عليكِ الصراخ.."

صوته! لقد عرفت من هو! وهلع قلبها بشكل مضاعف...

ومن شدة خوفها تجمدت حركتها فلم تستطع سوى تعديل وضعية رجليها ويديها التي انتشلتها من جيبها، وأمسكت بهما يد هذا الشخص التي كتمت لها صوتها!

كيف خرج هذا الــ يولاند من خلف مقعدها؟ أكان يختبئ خلف الشجرة المجاورة؟ هل سمعها وهي تتحدث عن آرين وكروس؟!

لم يكن أحد بالجوار سوى بعض الأشجار التي لن تنفعها، كانا وحدهما محاطان بهدوء الليل وفي هذه الزاوية ذات الإضاءة الخافتة..

أين ذهبت شجاعة إيلين التي توعدت بضربه بحذائها حالما تراه؟! لماذا تهابه بهذا الشكل؟ كانوا أصدقاءً لسنوات، من المفترض أن تكون أكثر جرأة معه، أكثر حرية!

وصل الهواء إلى فمها أخيراً، نظرت إلى يمينها حيث استقر جالساً فابتعدت كردة فعل غريزية، وأخذت تحدق فيه...

كان تركيزه موجهاً إلى كف يده ففعلت المثل ونظرت إلى أين ينظر..

" أحمر شفاه إيلين على يدي! مثير للاهتمام."

رمشت إيلين عدة مرات، فغرت فاهها وحدقت في وجه يولاند الذي أخذ هو الآخر ينظر إلى وجهها...

أشارت إلى كفه وسألت بغباء:" أهذا مني أنا؟!"

ضحك بلا مرح وأجابها ببرود: " وهل ترين آنسة تضع أحمر شفاه قريبة من هنا؟ أم عساها تكون الشجرة خلفك؟"

" لا تكن سخيفاً!"

هتفت بتذمر، فأجابها بجدية: " وأنتِ لا تكوني غبية!"

أدارت إيلين وجهها محرجة، وشغلت نفسها بتعديل شعرها، بان التوتر عليها، وبدا يولاند مستمتعاً بتوترها!

خطرت على بالها فكرة فجأة، لا زالت لا تهابه، لم تتغير تصرفاتها نحوه على النحو الذي ظنته قبل دقيقة، ربما الشعور الذي انتابها وقتها كان ناجماً عن شعورها بالصدمة، والآن اكتشفت أن يولاند هذا الذي يجلس بجوارها هو ذاته يولاند الذي عرفته سابقاً، وتصرفها نحوه لم يتغير بعد! ويبدو أن فكرة ضربه بحذائها لم تكن سوى كلام فارغ أحمق، لن تجرؤ حتى على تنفيذه....

" لماذا قتلتَ السيدة تانسيلا؟!"

خرج فجأة، سؤال جعل حدقتي إيلين تتسع، لا تعلم كيف ولماذا خرج هذا السؤال على لسانها، إنها لم تفكر فيه حتى؟! أكان عقلها الباطن ينتظر فرصة لقاء بينهما حتى يقدم على سؤال غبيٍّ كهذا؟!

ترددت قبل النظر إلى وجهه، كان هادئاً بلا تعبير، بعيدٌ كل البعد عن هذا المكان كان ذهنه، كأن فوَّهة من الأفكار ابتلعته عنوة.

شتمت ذاتها في هذه اللحظة، ولا تدري لماذا انتابها شعور بالندم والشفقة!

" لأنني أحبها"

كانت إجابة، لكنها خلّفت من بعدها ألف علامة استفهام وتعجُّب!

يحبها فقتلها؟! استنكرت إيلين جوابه الذي حفَّز اندفاع الغضب في نفسها....

وقفت فجأة، عقدت حاجبيها وصرخت مشهرة سبابتها اليمنى في وجهه: " وهل تعتبر يا سيد قضية قتل السيدة تانسيلا برودسكي مدعاة للسخرية؟! ألم تشفق عليها؟ لقد أحبتك بصدق! كيف استطعت فعل هذا؟ ألا تمتلك ضميراً؟"

توقفت عن الكلام هنيهة تلاحظ تغير تعابير وجهه للكآبة! لكنها لا تريد ترجمتها واستأنفت: " هل اخترت أن تكون كلب والدك؟ تريد أن تكون الابن المطيع في نظرهم على حساب أرواح أناسٍ يستحقون الحياة أكثر منكم؟ أنت رجلُ وغد لا......"

" يكفي! اصمتي إيلين ولا تتكلمي في أشياء لا تعرفينها! أنتِ لا تعلمين شيئاً! لم تري شيئاً، هل كنتِ شاهدة على جريمتي حتى؟!"

صرخ بعصبية بعد أن انتفض من مكانه واقفاً، وإثر صراخه ابتعدت إيلين إلى الوراء خطوتين....

" يولاند؟! إيلين!"

نظر كلاهما إلى الاتجاه الذي صدر منه صوت أنثويٌّ قوي!

قريباً من مدخل الطوارئ، كانت تقف كروس وبرفقتها آرين الذي احتقن وجهه حنقاً...

غريمه أمامه لكنه لا يستطيع الإتيان بأي ردة فعل ينفس فيها عن شعوره، سيفضح أمره إن فعل!

وهل يستطيع؟! وأخذ خطواتٍ سريعة صوب يولاند...

ابتعدت إيلين عنه وهي تلعن في سرها!

كروس تحدق فيها بلا تعابير، أتراها ظنت أنها خاصمتها وهي تقف الآن في صف يولاند!

ما الذي ستظنه كروس عنها؟! أخذت تقلب الأفكار في ذهنها، ما المبرر الذي سيشفع لها أمام كروس وقفتها هذه؟! وكيف لها أن تدافع عن نفسها وهي مجبرة على عدم الاقتراب منها؟!

كان الحل الوحيد، جرت هاربة من الموقف برمته، لا تريد التفسير ولا تريد أي إجابة من يولاند، لا تريد البقاء في محيطهم المُكهرب.

دخلت إلى المشفى متلاشية عن أنظار كروس ويولاند الذي لاحظ فرارها.

التفت الأخير يحدق في آرين..

وقبل أن يقول آرين أي شيء سبقه يولاند بكلام بارد: " هل صديقي المقرب يودُّ خيانتي بسرقة خطيبتي مني؟"

" اخرس أيها الأحمق!"

إجابة عصبية تبعتها لكمة أطاحت بــ يولاند أرضاً، احتدت أنفاس آرين واحتقنت عيناه وهو يحدق بــ يولاند..

مسح بخشونة مكان اللكمة على خده، وبصق الدماء جانباً...

جالساً على الأرض يحدق بصديقه، ثم نظر إلى كروس التي كانت تشاهد الموقف بصمت من بعيد، لم تتدخل لتوقفهما، وشعر أنها كانت سعيدة لأنه تلقى هذه اللكمة!

ابتسم بسخرية ودفع نفسه ليعاود الوقوف على قدميه مرة أخرى...

" ما الذي حدث آرين؟ هل سنصبح أعداءً في هذه اللحظة؟"

" ماذا حدث للعم داركو يولاند؟ أرجو ألا تكذب!"

قهقه يولاند وابتسم بلا مرح، وجهه ممتعض وخرج صوته ساخراً: " هل تظنني حاولت قتله كما قتلت السيدة تانسيلا؟"

كانت كروس شاردة بعدة أفكار، رؤيتها لـ إيلين وتصرفها كأنها غريبة عنها آلمها، ووجودها مع يولاند هنا وحدهما دفع الشكوك إلى عقلها....

أكان سبباً في شجارهما ذاك؟ يولاند كان وراء كل هذا؟ لكن لماذا إيلين - التي باتت تمقت يولاند- تحدثه من خلف ظهرها؟!

استرسلت في أفكارها عميقاً جداً، وعيناها تنظران باتجاه يولاند الذي كان على الأرض ثم نهض، واسترجعت نفسها عندما ذكر اسم والدتها التي قتلت أمام عينيها؟!

" ألن تتوقفوا عن اتهامي في كل مصيبة تحصل؟"

بائساً صوته أو هكذا خُيِّل لها، لكن تعليق آرين جعلها تتأكد من صحة ما ظنته! لقد كان بائساً مستاءً؟!

" هل تخبرني بصوتك هذا أنك الطرف المظلوم هنا؟ كلانا نعلم أنك من قتلتها فلا داعي لادعائك، وكلانا نعلم أنك في مقدورك قتل أيٍ كان فقط بإشارة من لافغورد"

" أنا لست كلب أبي آرين! ما بالك تتصرف على هذا النحو؟!"

صرخ آرين وهو يمسك بياقة قميص يولاند: " تريد أن تكون الوريث، تريد أن يمدحك والدك، تخشى أن يحرمك من كل شيء إن عصيت أمره، ألم يكن هذا دافعك لقتل السيدة تانسيلا؟"

" يكفي هراءً أيها الغبي! أنا لا أنكر أنني المتهم بقضية قتل زوجة عمي، لا أنكر أنني أوهمت الجميع أنني الفاعل! لكنني لن أتجرأ على إلحاق الضرر بالعم داركو!"

" أجل صحيح! لا تجرؤ..."

أردف ساخراً ثم بعصبية أكمل: "هل تظنني مغفلاً؟!"

لكمة أخرى لحقت بسابقتها على خده الأيمن، تسارعت أنفاس يولاند على إثرها ولم يعد بمقدوره تجاوز الأمر، وكان رداً سريعاً منه، لكم آرين فأوقعه أرضاً، وانهال عليه بلكمات سريعة...

حاول آرين حماية نفسه فدفع يولاند بعيداً عنه، لكنه عاد إليه يضربه على وجهه وهو يصرخ: " سأريك أيها المحتال.. كنت تخدعني طوال الوقت أيها الوغد!"

" أنت هو الوغد هنا يولاند، ابتعد عني."

دفعه مرة أخرى فأصبح يولاند ممدداً على الأرض وانقلب بهما الحال فأصبح يتلقى اللكمات من آرين........

" يكفي تصرفاتٍ صبيانية!"

كان صوت كروس عاديا لا يعبر عن شعور، كانت قد اقتربت منهم كفاية لكنهما لم يعيرانها أي اهتمام...

لم تفزع لإبعادهما عن بعضهما، لا تريد أن تكلف نفسها هذا العناء، فليقتلا بعضهما لم تعد تهتم لأجل أحد...

كانت تريد المغادرة لكنها تراجعت عن الفكرة بسبب سماعها ذلك الكلام الغريب! متناقض يحمل رائحة الغموض في جوفه؟!

ولم يعد في مقدورها الصبر أكثر....

اقتربت عدة خطوات أخرى لتفصل بينهما سنتيمترات قليلة...

كان يولاند فوق آرين فأقدمت على خطوة جريئة!

وبحذائها ذو الكعب العالي ركلت خاصرته بقوة فانقلب يتأوه ممسكاً خاصرته، حل سريع وفعّال...

اعتدلت في وقفتها وقالت ببرود:" عليكما تقديم تفسيرات."

" بربك كروس، ركلتك آلمتني دون أن أجربها!"

" لا تقف على رجليك إذا أردت تجربتها."

" سأقف!"

كان وجهه مليئاً بالكدمات الزرقاء، ووجه يولاند كذلك، ما زال مرمياً على الأرض يأخذ أنفاساً لاهثة، ويمسك خاصرته....

مسح آرين خده، ولاحظت كروس عودته لهدوئه...

" لم تعد غاضباً! يا لك من متقلب سريع."

" الفضل يعود لك ولهذا الحذاء."

" ما زال العرض سارياً.. أتريد تجربته؟"

" لا شكراً لك!"

نفض آرين ملابسه وعدلها وهو يناظر يولاند الذي نهض عن الأرض هو أيضاً تملؤ وجهه الكدمات الزرقاء...

ثلاثتهم ينظرون لبعضهم دون قول شيء، إلا أن أعينهم تحكي الكثير!..

بادرت كروس لبدأ الحديث بعد أن اقتربت من يولاند لتصبح مقابلة له لا يفصل بينهما سوى بضعة إنشات.

بصوت أبحٍ خاطبته: " لا تنكر أنك المتهم بقضية قتل زوجة عمك؟!.. لا تنكر أنكَ أوهمت الجميع أنك الفاعل! أحقاً ما تقول يولاند؟! هل بقولك هذا تعطي لنا ايحاءً بأنك متهم ولست مذنباً بقتل والدتي؟! بربك!.. وعن أي جميع تتحدث؟! لافغورد؟! عائلتك؟... ألستم شركاء في كل هذا؟ من غيرنا يعلم أنك القاتل حتى؟ ألم توهموا الجميع أنه كان انتحاراً؟ رغم أنَّ الرصاصة اخترقت ظهرها!"

قهقهت ساخرة: " انتحار! يا لها من دعابة! لا أصدق كيف للجميع تصديق مثل هذه السخافة!"

أشهرت اصبعها السبابة الأيمن ونقرت به على صدره تحت هدوء ملامحه، وبصوت خرج مشبعاً بالكراهية استأنفت: " لا تنسَ أنني رأيتكَ يومها وأنت تطلق رصاصتك عليها، لا تنسَ يوماً أنني سأقتلك بيدي هاتين وبأبشع صورة ممكنة يولاند.. لا تنسَ أنني بتُّ أكرهك أكثر من أي شيء آخر في هذا العالم... أنت بالذات أكثر من والدك الحقير حتى!"

" رأيتني أجل! كان مغشياً عليكِ عندما انطلقت رصاصتي لتخترق ظهرها!"

رد بجفاء فانفجرت في وجهه وهمت بضربه بقبضتها على صدره وهي ترد بعصبية وتصرخ: رأيتكَ ولهول الصدمة فقدت إحساسي!... أنت وأنا.. لافغورد وزوجته وابنتهما، إيلين، هستون وحتى آرين والعم داركو... جميعنا نعلم أنك القاتل، وجميعنا نعلم بأمر من هممت بقتلها..."

انطفاء بريق عينيه، وعبس فمه بعد أن نطق: " لكنك نسيتِ شخصاً آخر يعلم!"

أمسك قبضتها بقسوة، عيناه تحدقان بـ آرين المظلمة ملامحه... ثم عاد لينظر لعيني كروس التي احمرت، لا يدري هل هو لغضبها أم لأجل حزنها! ربما كلاهما!

وبغتة، دفعها عنه بقوة حتى كادت تسقط على الأرض لولا صدر وذراعي آرين الذي تلافاها فجأة...

نظرات مصدومة اعتلت مقلتي كروس.. هل تجرأ يولاند على دفعها بهذا الشكل؟!

في أوغد حالاته، يبقى حسن التصرف معها! لكن ما حدث الآن أكد لها أن يولاند ليس على طبيعته؟! أبسبب كلماتها؟! وهل هذه أول مرة تحدثه كروس بهذا الشكل؟!

غاب أثره في دقيقة وبقيت هي بين ذراعي آرين...

بين ذراعي آرين! دفعته فجأة عنها لدرجة أنها لم تدرك أنها ضربته بمرفقها في بطنه...

استدارت إليه لتراه ينحني ممسكاً ببطنه..

" أووه! أنا أعتذر آرين لم يكن قصدي"

" لا بأس... من الجيد أنني بقيت على قيد الحياة حتى هذه اللحظة! أنظري لما حدث لوجهي الوسيم!"

"دعنا ندخل لنرى العم داركو أم تراك نسيت؟!"

" أبي.. أجل سحقاً، ظهور يولاند أخرنا عنه..."



في الداخل عند الاستقبال، بينما يتحدث آرين مع الموظفة، استرقت كروس نظرات إلى قسم الطوارئ عندما لمحت إيلين تمر هناك... كانت الأخيرة مشغولة بوضع إبرة في ساعد طفل صغير...

قدماها تحركت صوبها، بلا إرادة منها، كادت تذهب إلى إيلين لولا يد آرين التي أمسكت بذراعها...

" إلى أين تذهبين كروستا؟ العم داركو في غرفة العمليات من ذاك الاتجاه."

نظرت كروس إلى حيث أشار، على يمينهم ممر عريض يخلوا من الناس عدا عن ممرضة تلبس الأزرق تجر عربة تحمل فوقها أدوات طبية معقمة...

سارت بمحاذاة آرين في ذلك الممر، ثم انعطفا إلى يسارهم، في آخر هذا الرواق باب كبير زجاجي غير شفاف، كتب فوقه (العمليات)...

وقفا هناك قرب المقعد الذي يسمح بجلوس ثلاثة أشخاص فقط، ينتظران خروج أي أحد من الداخل ليطمئنا على داركو.....

اتكأ آرين على الحائط وخاطب كروس وهو يشير إلى المقعد: "اجلسي كروستا."

هزت رأسها وجلست بشكل آلي، تحدق في الباب، لكن ذهنها انسل إلى دواخلها، تفكر في الكلام الذي قاله يولاند! ليس كأنها بدأت تشك بأمرٍ ما، لكنها حقاً لا تستطيع التغاضي عما قاله، رسائل مبطنة! هذا ما اعتقدته في نهاية المطاف....

ثم تكملة رسالة والدتها! أهناك أملٌ في أن تقرأها؟! حتى بعد حادث العم داركو؟ المدبر قطعاً من طرف عمها...

" سأذهب لإحضار قهوة، هل تريدين؟"

بدون أن تنظر إليه قالت: " شكراً لك، أريد لاتيه.. لكن قبل أن تحضرهم اذهب إلى الطوارئ وعالج وجهك"

ضحك وهو يعدل وقفته: " أظنُّ أنَّ عليِّ فعل ذلك حقاً."

وابتعد من أمام كروس عائداً إلى قسم الطوارئ، أين وجد إيلين تقف بلا انشغال تعطيه ظهرها....

سار باتجاهها وأثار انتباهها عندما حمحم قريباً من أذنها وهمس..

" إيلين.."

التفتت لتحدق فيه، تحدق في وجهه المتورم ولم تستطع حبسها... انفلتت ضحكتها الصاخبة التي لفتت أنظار من في القسم إليها إلا أنها لم تأبه لهم... أشارت إلى وجهه وسألت ضاحكة: " ما الذي جرى لوجهك آرين؟!"

" بسبب الوغد يولاند تشوه وجهي الوسيم.."

قالها بطريقة درامية جعلت إيلين تستمر في الضحك عليه وبالكاد استطاعت كتم صوتها، ثم مباشرة سحبته من يده ليجلس على سرير قريب....

ابتعدت إلى خزانة كبيرة التقطت فيها بعض الأغراض وعادت إليه تحملها في صينية متوسطة...

" اسمح لي إذاً أن أساعدك على استعادة وجهك الوسيم."

قالتها وهي تهم بارتداء قفازات مطاطية بيضاء، تابع حركاتها بنظراته ثم نظر إلى وجهها الباسم بعفوية، وسرح به قليلاً... يعرفها منذ زمن، كانت جارته لمدة ثلاث سنوات عندما كانت في الثانوية، وكم أحب طباعها لكنها لا تعتبر من الصنف المفضل لديه...

" لماذا تحدق بي بهذا الشكل؟!"

سألت ترفع حاجبيها فأجابها مبتسماً : "شردت بفكري قليلاً"

توقف عن الكلام، وابتدأت هي وظيفتها في تعقيم خدوش وجهه، والتخفيف من تورماته...

وعندما همت بوضع الشاش المعقم على خده هتف بشكل مفاجئ جعل إيلين تجفل كردة فعل...

كان قد تذكر أمراً وسأل على نحو مفاجئ: " إيلين لماذا كان يولاند يقف برفقتك عند المدخل عندما وصلنا؟ ما الذي كنتما تتحدثان عنه؟"

رمشت عدة مرات متفاجئة، لم تجبه لكنها على حين غرة ضغطت بالشاش المعقم على خده فشعل بحرقة لاذعة جعلت يصرخ من حدتها....

" لماذا فعلتي هذا؟ كنتي على الأقل جعلتني أتهيأ نفسياً"

" تماماً كما فعلت عندما هتفت في وجهي وجعلت قلبي يسقط على الأرض، ظننت أنك تذكرت كارثة حدثت.. أحمق."

عقدت حاجبيها ثم عادت تمسح الكدمات، ولكن بشكل ألطف هذه المرة....

" ألن تجيبي؟"

" في الحقيقة كنت أجلس في الخارج عندما وصل هو إليّ... وأنا سألته بشكل مباشر لماذا قتلت السيدة تانسيلا... ثم ظهرتم فجأة..."

" أهذا كل شيء؟!"

همهمت موافقة دون أن تزيد حرفاً على ما قالته، وصمت هو ليسمح لها بإكمال عملها بدون مقاطعات....

وبالعودة إلى حيث بقيت كروس وحدها...

مرت برع ساعة دون أن يطل أحد من خلف الباب، وبدأ قلبها يهلع عندما تتخيل كلمة واحدة.. ( آسفون لم نستطع إنقاذه)...

شهقت وغطت فمها وهي تحدق بالباب، احمرت عيناها..

لم يمض على بكائها الأخير سوى بضع ساعات!... هل باتت هشة إلى هذا الحد! لكن ألا يستحق العم داركو كل الحزن الذي تشعر به تجاهه؟!

" يا إلهي ساعدني"

همست بمناجاة...

رفعت يدها إلى خصلات شعرها الأمامية التي انسابت على وجهها عندما كانت منحنية، حركتها إلى الخلف، ثم أمسكت ببقية خصلات شعرها وجمعتها على شكل ضفيرة وبيدها الحرة التقطت ربطة شعر من حقيبتها جمعت بها خصلاتها كاشفة عن جميع زوايا وجهها الشاحبة...

عبثت بنظراتها في الأرجاء واستقرت أخيراً على إصبع يدها الأيمن، أين استقر خاتم خطبتها...

شردت فيه، بعيداً إلى الحد الذي وصلت فيه إلى روسيا!.... لما هناك تحديداً؟! لا تعلم!

أو أنها تعلم لكنها تتجاهل ذلك!

فُتِحَ الباب، خرج منه رجل بدا في العقد الخامس تبعته ممرضة شابة...

قفزت كروس من مكانها عندما رأت الباب يفتح على مصراعيه ليطل بعدها سرير يحمل رجلاً مع بعض الأجهزة... اقتربت بخطوات ثقيلة لتتفحص ملامحه، العم داركو...

هنا لم تستطع حبس تلك الدماع فانسابت على خديها... وبلا وعي صرخت باسمه... حاولت الوصول إليه لكن الممرضات منعنها... قاومتهن لتصل إليه وهي تصرخ باسمه، منظره هذا سحب منها أي ذرة تحمل...

كصورة والدها قبل سنة وبضعة أشهر!....

لحقت بهم إلى غرفة العناية المكثفة... أغلقوا الباب خلفها فلم يسمحوا لها بالدخول... وأغلقوا الستارة فحجبت عنها الرؤية من خلف الزجاج...

" يا إلهي"

انهارت على الأرض جالسة، تغطي عينيها بكفيها، تبكي بحرقة... ناداها باسمها لكنها لم تستمع إليه، لم تلاحظ قدومه حتى....

اقترب آرين منها لكنه بقي واقفاً محافظاً على مسافة بينهما... بينما زوجٌ من الأرجل النسائية اقتربت منها...

جلست إيلين لتصبح على مستوى رفيقتها وبلا تردد أمسكت كتفي كروس وعانقتها تضمها إليها بحنوّ....

شعرت كروس بوجود إيلين، لم تدفعها بعيداً، لم تقفز لتبتعد عنها، بل شددت عناقها لها وانكتم نحيبها في صدر صديقتها... احتاجت بشدة إلى حضن كهذا! إلى وجود أحد إلى جوارها...

أشفقت إيلين على حال كروس، ربتت بيدها اليمنى على ظهرها ثم رفعت رأسها إلى الأعلى تحاول حبس عبراتها، وفي سرها لعنت فكرة جيو الحمقاء في الابتعاد عن رفيقة دربها!

هدأت أنفاس كروس فجأة، نظرت إيلين إلى رأسها وحاولت إبعاده عنها...

ثانية فقط.. دارت الأرض بما عليها داخل زرقاويتاها، وحركة مزعجة أصابت معدتها جعلتها توشك على الاستفراغ... ثقل رأسها فجأة ثم أطرافها فارتخت ذراعاها اللتان كانتا تتشبثان بــ إيلين.. وشعرت الأخيرة بذلك...

وقبل أن تتدارك الموقف، سقطت كروس على جانبها الأيمن لتعانق الأرضية الباردة!...

فزعت إيلين تحاول استرجاع ذهن صديقتها، وركض آرين ليصل إليها يساعد أيلين في حمل كروس...

" آرين إلى قسم الطوارئ بسرعة."

أذعن لطلبها وحمل كروس بين ذراعيه يتبع إيلين التي سبقته إلى هناك...

وضعها على سرير، وقبل أن ينبس بحرف أبعدته إيلين خارج إطار الستارة وأغلقتها بسرعة دون أن تعلق....

بأعصاب مشدودة، أخرجت إيلين السماعة الطبية من جيب روبها الأبيض وأخذت تستمع إلى دقات قلب كروس...

ثم همت بقياس ضغطها......

أما آرين فأخذ يذرف الغرفة ذهاباً وإياباً متوتر الأعصاب..

" ما الذي يحدث الآن؟... لما كل هذه العقبات؟ اللعنة عليكم عائلة برودسكي الحاليين.. بعيداً عن كروستافيا!"

توقف قريباً من الستارة، فتح فمه لينادي على إيلين لكن صوتاً استوقفه... سحب هاتفه من جيب الجاكيت الداخلي...

تغيرت ملامحه فجأة! كأنه رأى شبحاً يحوم داخل شاشة هاتفه لا رقماً دولياً! نظر حوله قبل أن يقرر الخروج بعيداً عن مسامع الجميع، خاصةً كروس وإيلين!

أُقحم في لعبتهم بعد أن أخبره والده كل شيء! أو بعض الأشياء! طلب والده منه البحث لأجل كروس عن الملف بصفته مجهولاً! لكنه لم يكن يعلم السبب في بادئ الأمر! إلا أنه قبل يومين أخبره داركو عن كل شيء.... ما يخفيه عن كروس بدون الغوص في محتوى هذا الأمر الخفي! وطلب منه التواصل مع صاحب هذا الرقم الدولي!

هذا الرقم الذي ظهر أمامه على الشاشة الآن! أكان والده يشعر بانه سيتعرض للقتل قريباً لذلك قرر أن يسلمه ما هو مؤتمنٌ عنده!....

هل ستغفر له كروس ادعاءه بعدم معرفة ما يخفيه العم داركو عنها؟! أم ستغفر له معرفته بمكان الملف الذي تبحث عنه؟!

كان يساعدها حقاً في بادئ الأمر لكنه عندما أخبر والده أن الملف اختفى، وعندما سأله ما الذي عليه فعله لمساعدتها...

قال له العم داركو عبارات موجزة (الملف بأمان مع أحدهم) وفي نفس اليوم مساءً أخبره من ذلك الــ (أحدهم) ليصبح آرين جزءاً من لعبتهم، طلب داركو منه اخبار كروس باختفاء الملف اليوم!

وها هو صاحب الرقم يتصل!






وبعيداً.. هناك في القارة الأخرى، انزوى جيو بعيداً عن أنظار المسافرين والمتعقبين تحديداً، لكن الجميع تحت مرأى ناظريه، خاصة جينا التي طلب منها التصرف براحة في المطار، وحدها بعيداً عنه....

التقط هاتفه وضغط على الرقم الجديد الذي حصل عليه صباحاً...

انتظر قليلاً قبل أن يصله صوتُ رجلٍ قريبٍ منه في العمر، بصوتٍ جاد أجاب بإنجليزية لم تغب عنها لكنته الأصلية...

" ماذا حدث للسيد؟"

قالها جيو بوضوح بإنجليزية يجاري فيها الطرف الآخر... وأتاه الرد الذي غير له ملامح وجهه، وفي داخله لم يُفاجأ بما قيل له!

" أرجو له السلامة العاجلة.. ماذا عن الآنسة؟"

صمت ليصغي للطرف الآخر... قطب حاجبيه وبانت القسوة على ملامح وجهه، حرك شفاهه يلعن بلا صوت، وعندما انهى الغريب كلامه علق جيو على عجل: " لن أتأخر... آرين.. لقد حان الوقت!"

وقطع الاتصال سريعاً معيداً هاتفه إلى جيب بنطاله الحالك، سار إلى الممر ليعبر الطريق وصولاً إلى الطائرة التي اقترب معاد إقلاعها... وعمق عينيه أظهر إلى أي مدى انجرف فكره!

كروستافيا التي باتت شغله الشاغل! كان كل شيء مرهوناً بإشارة منه – (حان الوقت)

وكما قرر هو! ها قد حان الوقت لمرحلة جديدة.. لاستئناف مخططه المعقد الذي أقحم فيه الكثير بشكل مباشر أو غير مباشر!

وجميعهم لم يصلوا إلى عمق اشتراك كروستافيا برودسكي بخططه، ستغوص بشدة، للدرجة التي لن تستطيع فيها الخروج سوى بالإمساك بيده!

يده التي ستفلت يدها في أحنك الظروف وأشدها إيلاماً! بقلبٍ منزوع سيفعل!


انتهى



[/ALIGN][/CELL][/TABLETEXT]


AYA_CHAN likes this.
__________________



"وَالعقلُ استَلهَمَ مِنّا عِصْيانَ الأفُقِ فَزال مُخلفّاً بُرودَة بلوتُو"
سبحان الله-الحمدلله-لا اله الا الله-الله اكبر

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
مُستهّلٌّ ملائكيّ ~رماد تختبئ تحته النار~ Krustavia روايات الأنيمي المكتملة 221 01-21-2020 09:44 PM
حط صورة الانمي اللي تحبه وصف اللي تحبه فيه واكثر شخصيه تحبها فيه LAVANIT أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه 11 01-21-2012 01:21 PM
انا اقول ان النار لا تخلف رماد ..انت ماذا تقول ..شاركني برايك لـواء حوارات و نقاشات جاده 4 08-07-2010 12:41 AM
المؤثرات البشريه حيث تختبئ الحقيقة المره *sousou* نور الإسلام - 0 07-02-2010 12:33 PM
رماد من تحته جمر مشتعل Mindhacker خطب و محاضرات و أناشيد اسلاميه صوتية و مرئية 1 06-09-2008 02:08 PM


الساعة الآن 03:44 PM.


Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.

شات الشلة
Powered by: vBulletin Copyright ©2000 - 2006, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لعيون العرب
2003 - 2011