عيون العرب - ملتقى العالم العربي

العودة   عيون العرب - ملتقى العالم العربي > عيـون القصص والروايات > روايات و قصص الانمي

روايات و قصص الانمي روايات انمي, قصص انمي, رواية انمي, أنمي, انيمي, روايات انمي عيون العرب

Like Tree106Likes
موضوع مغلق
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #41  
قديم 12-19-2017, 08:28 PM
 
طلب تحرير فصل



[cc=^-^]الفصل السابع
" الاجتماع| قرارات مختلفة "

- ما حدث لها؟!! أترينني تلك الشقيقة القلقة على اختها؟! إني لا أهتم لمشاكلها أو ما واجهته من متاعب, و أياً كان ما ستقولينه فلن يغير من شعوري اتجاهها شيئا!

نطقت بكلماتها الساخرة مأسورة بأحداث الرواية التى تقرأها, غير مدركة لمدى قوة وقع كلماتها على الجالسة بجانبها متصلبة.

لم تظهر أي ملامح على وجه مايا غير القسوة المتشحة بالبرود المنافس لبرود الجليد و هذا ما زاد من صدمة انجيل منها.

لم تكن تظن أن مايا تفكر ب تيفاني على هذا النحو و هي من أخرجتها من سجن الجدران الأربعة الذي حبسها بعيدا عن العالم الخارجي؟!!

و لكم زادت دهشتها عندما رأتها تنقلب ناحية الجهة الأخرى فورما اغلقت روايتها متدثرةً باللحاف.
ألسنت: غادري رجاءً, لست بمتفرغة لأستمع الى حديث لا يعنيني.

بلعت ريقها قبل أن تتحدث بهدوء علَّه يمتص غضبها: انى لك قول هذا عن شقيقتك؟!

نظرت لها باهتمام مريب يشوبه شيء من الانزعاج , فاضت بكلمات أكثر جنونا -كما نعتتها انجيل- من سابقتها: لأنها قد أجبرتني على الخروج و تعدت على كسلي!!

جحظت عيني انجيل لوهلة سرعانما أغمضتهما مفكرة داخلها في مدى غباء السبب الذي تراه مايا مهما و مبرراً كرهها لأختها و معتقدةً أنه حجة مثالية!

هتفت في برود يشوبه شيء من التأنيب و السخرية: يا له من سبب سخيف, مهما يكن من المستحيل أن تكره الأخت أختها!!

انتصبت فورما تسللت عبارة انجيل الى سمعها, عقدت حاجبيها في انزعاج فتهادت كلماتها الشاكية: سخيف؟؟!! التعدي على خصوصيات الغير بات سببا سخيفا لكرههم؟! يا له من عالم دنيء هذا الذي أعيش فيه!
و علت نبرة الأسف و اليأس على صوتها لحظة نطقها لأخر كلمات جملتها!

رمقتها انجيل بحدة لتردف متجاهلةً جل ما قالته من تذمر: حقا ألا يهمك أمرها؟!

لثانية أو ثانيتين لمحت بريق التوتر في عيني مايا العسليتين المشربتين ببعض من الاصفرار الآسر في جوفهما فسرعانما بهت بريقها.

نطقت بعنجهية: فليحدث لها ما يحدث!

- حتى لو أنها قد تواجه الموت؟!

لوهلة ارتبك صوت مايا و أخرجت صوتا دلَّ على قلقها إلا أنها عادت الى وضعها غير المكترث: حتى لو قتلت

تأففت انجيل بيأس فنزعت ثقلها عن الأريكة التى أصدرت صوتا خافتا كما لو أنها سعيدة بإبعاد وزنها عنها: على اية حال لقد سلمتك ما طلبته مني المعلمة و...
رمقتها بحدة انطوى خلفها تهديد كما تلك التى طغت على نبرتها: لا تأتي إلي باكية إن وصل الى مسامعك صدفة ما حدث لها.

اكتفت بقول هذا ثم ابتعدت عن السرير بعدما تبادلتا النظرات لفترة تخللها توتر و كهربة الاجواء من حولهما و استغل الصمت تلك الفترة ليطغى بجبروته عليهما.

توقفت أمام الباب و ناظرت مايا بعمق استتر خلف بريق كريمتيها ففهمت المستلقية ما تريده الأولى, فأمسكت جهاز تحكم صغير كان بجانبها و نقرت على أحد ازراره القلة, فتح الباب و غادرت محدثة نفسها " تبدوا كأنها تعرف كل شيء!!"

كفهرت ملامح سوداء الشعر فتقلبت في سريرها بإنزعاج باحثة عن الهدوء, لكنها لم تشعر برغبة عارمة للنوم و كلمات انجيل تربك نبضات قلبها.

استلقت على ظهرها, و رمقت السقف ببريق باهت, يؤلمها انقباض قلبها, و تغلغل القلق داخلها متوغلا في شتى كيانها, شعور غريب ينتابها انها ترغب حقا في معرفة ما حصل لتيفاني!

- تبا للتصنع!! يا لي من حمقاء لو اني جعلتها تخبرني ما حصل لما عانت روحي هكذا!
صمتت لفترة لعلها تشعر بالراحة النفسية بعدما آنبت نفسها بصوت مرتفع لكن لا فائدة, لازالت روحها ترتجف قلقا و قلبها ينبض بجنون, هتفت مؤنبة تيفاني: انه بسببكِ يا هذه! لما تحبين جعلي أقلق هكذا؟!...آه تبا

صرخت غاضبة و قد أحمر وجهها نتيجة تجمع الدم في رأسها, دفنت نفسها تحت البطانية لتنقلب محاولة النوم, لكن تظل روحها تعذبها و هي تناضل!

*~

نزلت من على الدرج مسرعة لتتجه الى الصالون من فورها فاستوقفتها السيدة كريستين و هي تضع الأطباق على الطاولة نتيجة لإتصال المطبخ بالصالون و لا يفصل بينهما سوى جدار محطم نصفه بطريقة فنية مبهرة.

ناظرتها باهتمام فنطقت قلقة متجهة إليها: هل انتي بخير؟! إن ملامحك تدل على انزعاج, هل قالت لك مايا ما يضايقك؟!...سأريها تلك الفتاة!
ظلت تربت على رأس انجيل مطمئنة إياها فما كان من الأخيرة سوى أن ترسم ابتسامة صغيرة على شفتيها أثناء حديثها, و حينما أوشكت على اختتامه ابتعدت عنها لتصعد أول الدرج ناطقة آخر كلماتها بنبرة سكنها التهديد و الوعيد عاقدة حاجبيها تغزو الجدية تقاسيم وجهها!

أوقفها صوت انجيل المطمئن للنفس: لا بأس لم تزعجني بتاتا البتة!
تراقصت على شفتيها تلك الإبتسامة الزائفة المفيدة عادة مع الأخرين في مثل هذه المواقف, لكن مع فراسة و فطنة السيدة كريستين من المستحيل أن تنجح!

جارتها لحظة نزولها من الدرج و مبادلتها الإبتسامة ذاتها: هذا جيد, كنت قلقة حقا من انها استشاطتك بكلامها, تعرفين كلام مايا كالخنجر المسموم يصيب الوتر الحساس فكان سببا آخر في ابتعاد الآخرين عنها! إلا أنها فتاة لطيفة حقا و تبذل قصاري جهدها لإظهار جانبها الحنون, فلا تعتقدي انها نرجسية أو متكبرة عزيزتي!!

لم تلحظ انجيل الإبتسامة المصطنعة على وجه السيدة كريستين, لكنها التمست الأناة في نبرة صوتها لتنبلج ابتسامتها الملائكية رغما عنها!
تحدثت بأدب جم: اعلم ذلك.
انحنت لها برقي ثم اتجهت الى الباب, وقفت في الحديقة فتطلعت في نافذة مايا لتتنفس في ضيق و نبست لذاتها
" فلتفعل ما يحلو لها"

*~

لم تستطع أن تصف شعور السعادة الذي غمرها، فتفجرت شحنات الفرح داخلها و استوطنت هالاتها شتى كيانها، و شقت البهجة تقاسيم وجهها الذابل.

تألقت ابتسامتها و تلئلئت عيونها ترابية كما تتلألأ النجوم في كبد السماء الأدجن، و عانقت الطمأنينة و الراحة قلبها لحظة رؤيتها لجثمان صديقتها المنتظر!

استكانت روحها و هدأت ضربات قلبها فلم تعد تؤلمها، و الهدوء قرر أن يؤنسها فنفضت عن نفسها القلق و الإرهاق الذي أثقل صدرها.

أحست بحرارة تلسع وجنتيها و كذلك عينيها، و ما هي إلا لحظات حتى انهمرت دموعها كزخات المطر ، بخطى سريعة خطت نحو كورال لتهوى بجانبها و تحتضن جرمها بعدما رفعته عن الأرض.


ربتت برقة على رأس رملية الشعر لتتهادى كلماتها المتلعثمة من السعادة : سعيدة انك بخير...لا تعلمين مقدار قلقي عليك حتى اني آذيت نفسي, رغبة مني لإنقاذك مما كنت فيه، اني سعيدة للغاية حتى اني قد اموت الان!!

ابتعدت عنها و جذبتها من كتفها لتضعها بجانب زووي، جلست أمامهن ترمقهن بنظرات طوت الأمان بين ثناياها و قد لسعت البهجة روحها كما تلسع ندبات الثلج المتساقطة البشر.

*~

فتحت باب المنزل بخمول ثوى حركاتها, و ذبولُ رسم على ملامحها, نطقت ببرود: لقد عدت

استقبلتها والدتها برحابة صدر امام الباب, و معالم التفاؤل و السعادة تشاركتا في احتواء تعابيرها: هل سحقتي مايا هذه المرة؟!
و قد طافت زرقاوتيها في رحاب الأمل, واثقة ان ابنتها حققت ما كانت تبتغيه!

سرعانما بهت لمعانها لحظة نطق انجيل لكلماتها الخاملة اثناء نزعها لحذائها: و كأن السنة تعيد نفسها!
فهمت معنى عبارتها القصيرة, فثبط حماسها و اعتلى الإحباط ملامحها الجذابة, قالت بصوت هادئ: هكذا اذا, لابد من انها تبذل جهدها كل مرة! هذا مذهل حقا!
التفتت عائدة الى الصالون و أردفت بغير اكتراث نتيجة لتفشي الحزن في كل طرف من جسدها مسببا حرقان قلبها فقد أرادت ان تبتهج و تتفاخر لكون ابنتها في المرتبة الأولى و لو لمرة واحدة: هناك ضيف يبحث عنك

عبرت الممر الطويل و شعرها الأسود القصير يتحرك متزامنا مع حركاتها, و لم تكلف نفسها ارتداء ملابس مكلفة بل فضلت ارتداء المريحة أكثر.

انطوت الدهشة أجزاء وجهها كما تلك النبرة التى سيطرت على صوتها: ضيف؟!
و استكانت في مكانها متخشبة, تتساءل في قرارتها عن هذا الضيف الغريب الذي أطل عليهم دون سابق إنذار, و قد اكدت لنفسها بأنها لم تدعو أحد لزيارتها من أصدقائها أو بالأصح صديقتها, فمن هو هذا الغريب؟!

بعد فترة احاطتها ظلت فيها متصلبة في مكانها تحركت قدمها اليمنى تسبق قرينتها عابرة الدهليز لإشباع فضولها الهائج حول هذا الضيف, و قد استبدلت عينيها الخمول بأخرى برق فيهما الفضول!!

*~

تغلبها في منامها و عقد حاجبيها و إخراج انين حاد بين فترة و فترة كلها دلالات تشير الى شعورها بالانزعاج و الضيق اللذين يجريان مجرى الدم في عروقها!

أخرج لها عقلها الباطني أسوأ السيناريو الذي من المحتمل أن تمر به تيفاني, فارتج جسدها و عكفت روحها عن إيجاد الراحة من هذا كله!

أما آن لها أن ترتاح و لو لدقيقة واحدة؟! إن هذا يؤلمها باطنيا أكثر من الظاهر, ألا يكفي أن القلق يعانق جرمها و اخترق حيَّز هدوئها؟! أيجب أن تعاني هكذا؟! تخترق الكوابيس سراديب عقلها فتخرج لها الأسوأ, ألا يحق لها ان تنعم بالسلام الداخلي؟!

فقد... فقد أين المفر من هذا كله؟!

وصل الأمر معها الحد فانتصبت في جلوسها و ظلت ترمق غرفتها بتوتر انبلج على ملامحها يشوبه شيء من الإرهاق نتيجة لتفكيرها المستدام بأختها!
هتفت بغضب مدفون داخل كيانها النحيل: تبا لك تيفاني! فلتتبوأي مقعدك في النار! انها أول مرة خلال حياتي السادسة عشر أكره فيها النوم! هل تتصورين حتى؟! مايا تكره النوم بسببك؟!!!! آه حقا, عليك أن تدفعي ثمن ذلك بأي طريقة!

تأوهت متألمة كردة فعل طبيعية لإنقباض قلبها بقوة كأن شخصا ما أخرجه من قفصها الصدري و عصره بين يديه بدون هوادة و قبل أن يتحول الى أشلاء تتطاير الدم في الأرجاء!

أمسكت قلبها و ضغطت عليه حتى تجعدت ثياب نومها, انحنى جذعها ومعالم الألم على وجهها القاسي, لم تستطع إخراج أي صوت غير تأوهات مبحوحة متقطعة و حارة دلت على ما تمر به من آلم لن يفهمه أحد سوى من هم على نفس القارب!

أرجعت جسدها الى الخلف و استلقت على ظهرها بعد جهد مبذول من جهتها, داخلها تجري الحرارة كما لو أن البركان قرر صب حممه داخل جثمانها الذابل و لم يجد غيره يحتوي نيرانه!

بالكاد نطقت قبل أن يتخدر لسانها فتفقد شعورها به و أنفاسها تبتر عبارتها بين الفينة و الأخرى: تبا...انه بسببها...لقد عادت تلك الحالة....

امتدت يدها ببطيء الى جانب وسادتها, أمسكت بجهاز التحكم و نقرت على زر فتح الباب و حاولت رفع صوتها قدر ما تستطيع علَّ والدتها تسمعها و بذلت ما تقدر من جهد لرفع مستوى ظهرها: أمي~

انجلى صوتها و تدريجيا أغلقت حدقتيها لتسقط مغمي عليها كالجثة الهامدة بلا حراك نتيجة لضغطها المنخفض!, و من معالم وجهها تعرف مدى الإرهاق و التعب الذين مرت بهما, ليبلل عرقها جسدها فما كان منها سوى أن تغرق فيه!

~*

تباعدت اهدابها عن بعضهما ببطيء احتواه حذر و حيطة فكشفتا عن عسليتيها فورما عاودت إغلاقهما لحظة اصطدامهما بالضوء المعمي المنبثق من الثريا المعلقة, فتحتهما مرة أخرى بعد فترة بسيطة و لم يترك الحذر حركاتها وإنما تضاعف أضعافا مضاعفة, غطبت حاجبيها و جالت الغرفة بنظراتها المتسائلة, و علامات الدهشة تعتري عرش وجهها!

أرهف سمعها صوت من المستحيل أن تنسى صاحبته: لا تتفاجئي لقد انتهت المرحلة الأولى, اننا في استراحة الآن, فلتتخلي عن حذرك و حيطتك المبالغ بهما!!

انفجرت أساريرها و تنقلت بين شرايينها فتهلهل وجهها, قلت نبضات قلبها سرعة, و استراحت ذهنيا و جسديا أخيرا كما كانت تتمنى في داخلها طول فترة المرحلة الأولى, التفتت الى صاحبة الصوت بإبتسامة شقت ثغرها , فتوهجت عسليتيها و توغلت السكينة متسللةً الى شتى أطرافها!

اندفعت معانقة إياها كطفل صغير لم يجد الآمان في أي مكان كما وجده عند جحر والدته فعصرها بين ذراعيه الصغيرتين عطشا و جشعا في أمانها فأردفت بصوت ينبئ بنوبة بكاء حبستها صاحبته: لا تعرفين كم كنت خائفة و قلقة, اعتقدت انني سأموت هناك, ذكريات تلك الأيام لم تنفك عن غزو سراديب عقلي و مهاجمتي نفسيا حتى ظننت ان الوقت يعيد نفسه!

بادلتها العناق برحابة صدر و ابتسامة هادئة تتراقص على شفتيها, همست بصوتها الدافئ: أعلم كم هو صعب ما واجهته

جرت السكينة مجرى الدم لدى كورال و آنست بالدفء يلتف حول قلبها, أعقبت: لا تعلمين كم كنت خائفة؟!, خفت من الموت و من فقدانكم, خفت من والدي و اهتز جسدي تلقائياً, إن الأمر أشبه بلعنة أرسلها إلي, مرة أخرى لا أريد أن أكون بمفردي

- كلا لن تكوني بمفردك, سأكون معك, لا تقلقي
ابتعدت عنها و مسحت على شعرها برقة و ألسنت:- ثم أنك تغلبتي عليهم بمفردك, انتي مذهلة جوليا...

بترت حديثها ب تأوه أخرج منها مغتصباً كردة فعل لضربة تلقتها من كورال التى عقدت حاجبيها في انزعاج, و أبرمت ملامحها و نظراتها القاتلة المصوبة ناحيتها لا تبشر بالخير أبدا بل بنقيضه, هتفت متحججة تلمس كتفها الأيمن الذي تعرض للضرب: ما ذنبي إن كان اسمك الحقيقي؟!

- لهذا السبب أكره
اجابت مشيحه بوجهها للجهة الأخرى في ضيق, و قد طغى الحزن الذابل على وجهها كما تلك التى طغت على نبرتها.

صمتت تيفاني و قد توزع الحزن في تقاسيم وجهها كتلك الطاغية على وجه كورال, أطبق جو من الصمت المثقل المريض عليهما و كلتاهما تفكران في ملحمة كورال المستساغة في عبارة واحدة تجمعها كلها " المعاناة ".

لكم عانت مع والدها المريض الذي لا يستحق ان ينادى ب والد, فلم يرحمها من ضربها أو حتى شتمها و البصاق عليها, حتى وصل به الحد الى أن يستخدم جسدها لإطفاء سجاراته اللعينة, لم يجعلها تعاني ظاهريا بل باطنيا أيضا, فكم مرة تمزقت روحها بسببه و هي تصر في نفسها انه يريد التنفيس عن غضبه لا غير و سيعتذر لها فيما بعد, إلا أنه لم يكن من هذه النوعية من الآباء!

أيعلم حتى كم مرة ذرفت الدموع لأجله؟! أيدرك مدى حبها له في صغرها و مهما كان ما يفعله بها إلا انها تبتسم في وجهه؟! ألا يفتقد تلك الطفلة التى كانت تستقبله عند الباب كلما جاء من عمله معانقة قدميه؟! ألا يفهم مشاعرها؟! لماذا يصر على تعذيبها حتى بعد أن ابتعدت عنه؟!!, كفى بكل هذه الترهات كفى, فلتختفي كما تذروا الرياح حبيبات الرمل, فقد لتموت بأسوأ ميتة قد يموت بها الإنسان.

فقط لو أنها تعرف كيف تكسر هذه اللعنة البغيضة!

نفضت كورال رأسها فورما تسللت تلك الذكريات في عقلها للحظة لم تستدركها حواسها فقد غفلت عن العالم و سبحت في اللاوعي, ارتجف جسدها للحظة و تعرق وجهها.

تربعت في جلوسها بوهن و توغل الألم أطراف جسدها بمجرد تذكر تلك الذكريات الأليمة التى تأبى الاندثار.

فتحت تيفاني فمها موشكة على قول شيء ما علَّه ينسي كورال كل تلك الندبات بعدما لمحت الألم و الأسى قد طغيا تماما على ملامحها و جسدها و روحها! لكن منعتها صرخة زووي غير المعتمدة من ذلك: تيفاني!!

أجفلت المعنية في خوف و انتفضت كورال في مرقدها هي الأخرى, دوت صرخة زووي النائمة البرج بكل أجزائه محطمة بذلك حاجز الصمت الذي استدام لوقت ليس بطويل لكن بالنسبة لهما بالطبع هو وقت طويل!

اعتلت ابتسامة صغيرة عرش تيفاني عندما التفتت الى البريئة النائمة مؤكدة في داخلها انها تحلم بمقاتلة تلك العفاريت: انها مذهلة حقا!

رمقتها كورال باهتمام في حين كانت نظراتها مرتكزة على زووي, حثتها عسليتي الأولى على الإكمال, فاسترسلت ممتنة لزووي: لقد كدت ان أقتل في لحظة ما! لكنها قامت بحمايتي رغم إصابتها بالحمى!
همهمت كورال ثم رمت نظراتها الخاوية على زووي, فغبطتها في داخلها على شجاعتها التى ألجمت الألسن!

همست في شيء من الإعجاب المنطوي خلف نبرة البرود:- انها مثيرة للإعجاب حقا!
وافقتها تيفاني عبر إيماءة من رأسها, تأففت كورال و نظرت الى السقف ثم جالت الغرفة بنظراتها الثاقبة محاولة تحليل الغرفة التى تتواجدان بها كعادة متأصلة بها منذ الصغر.

لم يكن هناك ما يعطي أي تلميح للمرحلة الثانية فخلو الغرفة من أي أثاث ساهم في غرابتها, و لم يجذب اهتمام كورال غير الثريا المعلقة في الأعلى ثم تجاهلتها مدركة أنه لا علاقة لها في الأمر, هي وجدت فقط لإضاءة جوانب الغرفة و اغتصاب خلوة الظلام!

قالت بحدة ابرزت مدى ذكائها: على ما يبدوا أن الجولة الثانية ستبدأ هنا في هذا الحيز الفارغ!

بحلقت فيها تيفاني بشيء من البلاهة: ما أدراك؟! أهي حاستي البصر و العقل؟!
و كم كانت واضحة نبرة التهكم التى علت صوتها!

ناظرتها كورال بطرف عينيها و قد اجتاحتها رغبة عارمة في قتلها, فابتسمت المعنية ببراءة علَّها تمتص غضب الاولى, فهما في موقف لا يقبل فيه السخرية
- انها حاستي السادسة
تأففت و قالت عباراتها مبحلقة في الفراغ بسكون.

هزت تيفاني راسها لأعلى و أسفل مجارية رفيقتها التى تفكر بشيء يصعب وصفه داخل جرمها المبتزل!

استدركت تيفاني بعد مضي وقت ليس بالطويل و لا القصير أمرا أرادت مناقشته مع كورال فألسنت ضاربة قبضتها براحة كفها مما انتشل الأخيرة من سرحانها:- آه صحيح...لقد سألتني زووي عن ماضيك..

بترت كورال عبارتها بحدة بعدما تجهم وجهها و طفت غشاوة ضبابية على عينيها منعتها من رؤية ما حولها فقد سيطر الغضب عليها جاعلا اياها عمياء لا ترى فعقدت حاجبيها: و هل أخبرتها؟!
و تأكدت من أن لا يخلو صوتها من التهديد و الوعيد.

أجفلت تيفاني خائفة و قد قبض قلبها بقوة آلمتها فهي تخشى غضب كورال فلا تحمد عاقبة من يغضبها! و بلعت ما وجدت من ريق علَّه يمتص توترها.
رفعت يديها أمام وجهها الأبله مدافعة عن نفسها و قالت بإرتباك مؤكدة: لا... لا طبعا لم أخبرها...لم أخبرها...آه اني أقول الصدق فصدقيني!
وقد طغت نبرة الترجي صوتها كتلك التي حاصرت ترابيتيها!

تنهدت في ضيق و أعقبت: أصدقك يا هذه...اني أصدقك...لكن...
و فضلت أن تختتم عبارتها بتوتر انبلج على صوتها فهي لا تستطيع التعبير عن شعورها بالكلمات, ببساطة لأنها لا تمتلك هذه القدرة التى تمتلكها تيفاني فبتالي تسهل على الآخرين فهمها, لكن الاخيرة لا تبوح بما تشعر به!

تسألت تيفاني بعد دقيقة من التردد و قد اتضح على ملامحها مقدار توترها: الى متى ستظلين صامتة و جعلهن محتارات هكذا؟!

هي حتما استعدت لتلقي غضب كورال التى قد تفجره عليها, لأنها لن تتجرأ – رغم جرأتها- على الحديث عن ماضيها لأي شخص, ففضلت أن تغلق عليه بينها و بين تيفاني و قلة من الأشخاص الذين شهدوا الحادثة!

أجابت ببرود عميق احتل نبرتها: قريبا...قريبا جدا

ناظرتها تيفاني باهتمام شاركه شيء من عدم التصديق ف في داخلها ليست متأكدة ان كانت ستخبرهم حقا.

مدت خنصرها مذُ أنها غير متأكدة منها و قالت ببراءة نقية سيطرت على صوتها و وجهها: وعد؟!

استغربت كورال حتى انها فغرت نصف فاهها لكنها سرعانما ارتسمت ابتسامة لطيفة على ملامحها و مدت إصبعها هي الأخرى و أعقبت: وعد

و قد استطاعت باحتراف ان تخفي ابتسامتها المصطنعة و حزنها الذي عانق تقاسيم وجهها عن تفاني! و مع ذلك ابتسامة صغيرة شقت ثغرها عندما فعلتا وعد الخنصر.

أو هذا ما ظنته كورال في داخلها, انها لا تعلم أن تلك الإبتسامة التى ظنت انها أخفتها بإمتياز و ملامح الحزن قد انبلجتا و بوضوح في عيني تيفاني ، فاستدركت الأخيرة مدى تعمق الجرح الذي تركه والدها داخلها و كل مرة يزداد فيها تعمقا الى حد قد يصل بها الى الانتحار، لربما لا يوجد له أي علاج سوى لقاء والدتها بعد مرور سبع سنوات من الفراق!!

*~

- انتي على الأرجح مندهشة من قدومي رغم أننا لا نعرف بعضنا البعض, لكني أؤكد لك اني لم آتي الى هنا عبثاً!, لقد اتيت لأستفسر عن مسألة حيرتني فوثقت أن الإجابة عندك!
تحدث أبيض الشعر الذي نافس الصقيع في لمعانه و لونه و لربما كان أجمل منه حتى بلطف و رقة تبنتا نبرته الضخمة و حاول قدر استطاعته أن يلين من ملامحه القاسية, و توهجت لازورديتيه حينما وقعتا على المتمثلة قابليته يفصل بينهما طاولة بأربع أرجل قصيرة تموضعت فوقها كؤوس سبح فيها عصير الليمون الذي قدمته والدتها لكلاهما.

تنهدت بهدوء و جالت الغرفة البيضاء المفعمة بالحياة بسبب أثاثها الفاخر الذي تماشت ألوانه مع حائطها بعينين نائمتين, رمت كريمتيها عليه بعدما سرحت في المجهول و قالت بنظراتها الخاوية مثل نظرات الموتى: لا بأس, فلقد انقذتني فيما سبق

اكتفت بهكذا عبارة و التزمت الصمت شاعرة بأنه ما من داعٍ لحشو الحديث بكلام لا معنى له, انتابتها ثقة عالية بانه فهم ما اختصرته من امتنان في هذه العبارة.
شعر هو عندما سمع نبرتها الهادئة بأنه بحاجة الى الدخول لصلب الموضوع دون مقدمات سخيفة في نظرها!

فاندفع قائلا: ما العلاقة التى تربطك ب زووي و صديقاتها؟!

ارتفع فمها لأعلى كاشفا عن ابتسامة متهكمة فأجابت بسخرية: هل انت ولي أمرهن لتسألني هكذا سؤال؟!

دهش منها و قد توسعت حدقتيه و هو الذي توقعها كيان جسد اللطافة, و ما زاد من صدمته منها هو علو موسيقى ضحكاتها الغرفة برقة و أردفت بلطف: المعذرة كنت أمزح فقط, اني شقيقة كريستال
صمتت لفترة لتسترسل ببراءة طغت على ملامحها و دفعت بجسدها الى الأمام بفضول منها: ما علاقتك ب زووي؟!

أجابها برقة التمستها في صوته: مجرد صديق التقت به قبل أسبوع
أومأت برأسها مهمة بكلمات لم يفهمها بل لم يسمعها حتى, أكمل هو حديثه معرفا بنفسه بعدما استشعر أهمية ذلك:- ادعى بيك مخترع ألعاب...على الأرجح انتي تعرفين اسمي!
لم تكن هناك صدمة مر بها أقوى من هذه الصدمة التى حطمت قلبه و حولته الى أشلاء, انها لا تعرف اسمه و ليست مهتمة بالألعاب فشعر بالإحراج من تلبسه رداء التبختر امامها, ليبتسم ببلاهة أخفتها وسامته الصارخة.

حثته على الإكمال عبر صمتها فأردف: أتيت الى منزلها لأخذ الملاحظات حول لعبة ما.
امتلئت رئتيه بالهواء الذي سحبه ثم أعقب: و ما الذي كنت تفعلينه هناك؟!
و عندما شعر بغباء سؤاله؛ فهي حتما ذهبت لزيارة أختها, غيره متلعثما موضحا إياه: أعني ما الذي حدث هناك؟! تعلمين...الحريق و اختفاء الفتيات...

و صمت عالما بأنها استدركت سؤاله, حيث انبلج ذلك على سيماتها, أجابت بتردد استوطن حركاتها و نبرتها: لا أعلم عن سبب اندلاع الحريق و لكن حول اختفاء الفتيات...لقد رأيت...

صمتت مترددة اخباره عن ما رأته من ابتلاع الدوامة الإهليجية للفتيات و حاورت ذاتها واثقة من أنه لن يصدقها, لاحظ مدى توترها عندما تشتت نظراتها في أرجاء الصالون.

فحثها قائلا مقدما جسده الى الأمام مرخي يديه المتشابكتين عند ركبتيه و ملامح الجدة سكنت وجهه و نبرته: الذي رأيته؟!

التقت لازورديتيه بمثيلتيهما العسليتين, انبثق لمعان من الأولى امتص توتر الأخيرة, رمشت مرتين ثم تحدثت بعدما قضمت شفتها السفلية و أفرغت ما في جوفها من هواء: ربما أنت لن تصدقني لذلك سأحيطك علما أني و الكذب كالزيت و الماء لا نتوافق بتاتا البتة!
سحبت نفسا عميقا فيما أومأ هو برأسه, السنت بحدة: لقد رأيت ما حدث بأم عيني, انبثقت دوامة إهليجية من التلفاز و سحبت أجرام الفتيات ناحيتها لتبتلعهن!

بحركة تلقائية أغمضت عينيها و قد غُسِلَ عقلها بفكرة سخريته منها و صدح صوت ضحكته الرنانة, إلا أنها لم تسمع أي مما اعتقدته, ففتحت نصف كريمتيها ببطيء و عندما رأته يبتسم تلك الإبتسامة الجذابة لها فتحت عينيها عن آخرهما و قد طغت الصدمة وجهها!

تحدثت متباعدة الكلمات: هل...تصدقني؟!

ألسن برقة جذبتها ناحيته فشعرت بالأمان و الراحة معه: أصدقك

و كم لامست هذه الكلمة الصغيرة قلبها فأعادت له الحياة بعدما كاد أن يتوقف تخوفا من تكذيبه لها, و مع ذلك لا تزال تريد التأكد إن كانت الكلمة البسيطة هذه حقيقة أو كذبة!

أعقبت عليه و ملامحها مشدوهة: ألا تعتقد اني أتحدث من ضرب الفراغ؟!

تعالت موسيقاه الأرجاء بسبب ملامحها المضحكة, نطق: ألم تقولي قبل قليل انك لا تتوافقين مع الكذب؟!
أومأت له و الدهشة لا تزال تعلو وجهها فأردف: لهذا صدقتك, يبدوا عليك انك من نلك النوعية التى تكره الكذب

هزت رأسها مرة أخرى و هي لا تزال غير مستوعبة لحديثه, فمن تخبره بما رأته سينعتها بالجنون لكن...هو...هو صدقها!!

ابتسمت له تلك الإبتسامة البريئة الرقيقة التى حركت مشاعره فشعر داخله كما لو أنه يرى أخته و ليست فتاة غريبة عنه!
فسألها فضولا: ما هو اسمك؟!

- انجيل

- ان اسمك يناسب شخصيتك حقا.
بينما قهقهت هي بأنوثة أكمل بيك حديثه: هل تعرفين الى أي بعد سحبن؟!

أومأت له برأسها و قالت: انهم داخل لعبة

- لعبة؟!
تبنت الصدمة صوته كما تبنت ملامحه!

- أجل, خذ هذا هو السي دي!
كانت تفتش حقيبتها أثناء حديثها, فمدت له يدها الممسكة بالسي دي المتوهج بألوان غامقة متداخلة ببعضها!

آخذه فقلبه بين يديه و معالم الجدة و الحدة يرافقهما شيءٌ من الاهتمام طغت على تعابيره!
نطق و لازورديتيه لم تبرحا التوهج الذي جذبهما و أغواهما للنظر إليه فقط و الانغماس في أعماقه: انه غريب جدا...حسنا خذيه و لتأتي غدا الى الشركة!

أعاد لها ما آخذه منها و اخرج بطاقة سوداء نحتت عليها حروف بيضاء متشابكة بطريقة فنية من جيبه و مدها لها مع قوله: لنتناقش حولها و لربما سنجد حلا لإخراجهن مما هن فيه!

انتصب واقفا من على الأريكة الرمادية المفترش فوقها قماش مخطط بالأسود و الأحمر, وقفت هي الأخرى و قد انحنت له ثم رافقته الى باب الخروج!

*~

عبرت أمام الغرفة ذات الباب الأتوماتيكي حاملة بعض من الملابس المطوية بعناية, جذب انتباهها الباب المفتوح فعادت مسرعة لتقف امامه, ظنت ان مايا قد قررت الخروج أخيرا لكن ضوء الدهليز الذي اخترق خلوة السديم قد أضاف قوة لحاسة بصرها فاستدركت استلقاء مايا الغريب وغير المعهود منها!

توسعت كريمتيها و اعتلى الخوف تعابير وجهها كما تسارعت نبضاتها و تقطعت أنفاسها, أفلتت الملابس من يدها بدون إرادتها و هرولت ناحيتها مسرعة!

جلست على طرف السرير و رفعت رأس مايا الى صدرها, ضربت خدها بخفة ناطقة بصوتها المرتجف: مايا؟! مايا؟! آه يالهي!! هيا استيقظي!!

آبت روحها الإستيقاظ و فضلت الخلود في جحر السديم الأدجن كما آبت هي الإبتعاد عنها, فجلست بجانبها تربت بهدوء على رأسها بينما لم تعد تعرف ما تفعله بعد الآن!, عقلها فقد القدرة على التفكير فأصبح خاويا خاليا من أي معلومات أو خبرات اكتسبتها من خلال عيشها في هذه الحياة القاسية.

في هذا الموقف تحديدا خذلتها قدماها و خانها قلبها فلن يرغب بالابتعاد عن الجثمان المهلك فظل يضرب قفصها الصدري بدون هوادة يذكرها بعدم تركها, فلم تجد خيار آخر غير الانصياع لرغبته!

تسارعت أنفاسها و ضاعت وسط هواء الغرفة البارد, حرارة ساخنة تحرق دمها و خلاياها تجري في شرايينها حتى أنها بدأت تفقد أبجديات الرؤية بسببها, غرقت في الديجور غير عالمة بما ستفعله في خطوتها القادمة لإيقاظ ابنتها!

مرت دقيقة أو دقيقتان بسرعة فكانت بالنسبة للسيدة كريستين دهورا قد مرت و هي خاضعة لقلقها الذي منعها من تحريك طرف واحد من جسدها غير رأسها الملتفت هنا و هناك و تشتت أنظارها في أرجاء الغرفة.

ما هي إلا فترة بسيطة حتى تباعدت أهدابها عن بعضها كاشفة لها ملامح غير معلومة لشخص أيقنت داخلها أنها تعرفه من نبرة صوته القلقة: مايا؟! هل أنتي بخير؟!

عاودت إغلاق عينيها في وهن و ضعف ثم فتحتهما علّ كريمتيها تلتقط الصور بوضح أكثر و هذا ما حدث فعلا, تدريجياً استبانت لها تقاسيم والدتها المغلفة بالتوتر و الإرهاق و سرعانما ما بددهما التوهج الذي أضاء على وجهها فتألقت ابتسامتها و قد استكانت روحها اخيرا و ما عادت بحاجة الى التوتر الفظيع هذا!

نطقت بصوت خافض مرهق غير مهتمة بمقدار سعادة والدتها التى سكنت قلبها فضخها بدوره في أجزاء الجسم كما يضخ الدم: أمي؟!

قربت السيدة كريستين اذنها من فمها لتلتقط عباراتها و يحللها الذي عاد الى العمل بدقة أكبر محاولة لملمة شتاتها: قلبي يعصرني بقوة حتى إني لم أعد اقدر علي تحمله, أشعر لسبب ما أن تيفاني في خطر, هي ليست بمأمن, ليست بمأمن!

لاحظت السيدة كريستين ارتجاف أطرافها و طحنها لأسنانها, فرمقتها برقة تخللتها الجدية بين ثناياها!
ألسنت بعدما ابتعدت عنها بمسافة بسيطة: ما الذي حدث لها؟!

هزت رأسها و قالت بصوت خائف, و توتر استوطن حروفها, فأمسكت بكتفي والدتها تستجدي بها: حلمت بسقوطها داخل قعر الظلام و قطرات الدم المتناثرة في الأرجاء تزينه و تتوهج بطريقة مقرفة و مخيفة
صمتت لفترة ثم أردفت جاذبة جسد المتمثلة أمامها: انجيل تعرف, انجيل تعرف ما حدث...علي الذهاب لها
كابرت على الوقوف متحديةً قدرة تحملها التى ما عادت تتحمل وزن سنبلة حتى!
لولا استوقفتها السيدة كريستين دافعة جسدها على السرير, فنطقت مؤنبة اياها: لا ترهقي نفسك, تيفاني دائما ما تحذرك من ذلك, لا تظني أن إرهاق النفس شيء مذهل, لا انه فقط عبارة عن تعذيب لجسدك, ارتاحي و نالِ قسطا من الهدوء, ثم اذهبي الى انجيل انتي لستي بحاجة الى الاستعجال هكذا, حافظي على رباطة جأشك!
و تأكدت من أن لا يخلوا صوتها من الرقة و الأناة.

فابتسمت بورع لإبنتها المشدوهة منها لتردف و هي تدفن جسدها تحت البطانية و تتأكد من تدثرها جيدا: ارتاحي الآن, و صفي ذهنك من كل هذه الأمور, انها مجرد كوابيس مزعجة!

- ل... لكن امي...تيفاني حتما ليست بخير
تحدثت متحججة

- لا تقلقي و لا تشغلي بالك, هي حقا بخير, اذا كانت شكوك اقوى من ظنونك فلتذهبي الى انجيل
- تبا...حسنا
همهمت ثم رفعت صوتها مطيعة والدتها!

قهقهت السيدة كريستين ثم خرجت من الغرفة و دنت الى الأسفل ململمة الملابس و هي تتمتم: آه يالهي رغم عدم تواجدها في المنزل إلا أنها تصنع الفوضى...حقا أتدرين مقدار حب أختك لك؟!
وقفت على قدميها و استبدلت ملامح الرقة الى اخرى جدية غزت تفاصيل وجهها فورما تسللت عبارة مايا الى سراديب عقلها, أدخلت يدها الى جيب تنورتها و اخرجت هاتفها نقرت بسرعة على الأرقام لترفعه بمستوى اذنها, انتظرت استجابة الطرف الآخر بينما تكمل هي سيرها الى غرفة نومها: نيك...أيمكنك التحقيق عن تيفاني و صديقاتها؟!, لاشيء فقط ينتابني شعور غريب, شعور يخبرني انهن يواجهن الموت,...حقا؟! شكرا لك عزيزي!

*~

فتحت عينيها بكسل سكن حركاتها و أول ما راته غير الحيز الأبيض الفارغ هي أجرام صديقاتها الجلسات بجانبها تقريبا, ناظرنها و هي تحاول الجلوس بطريقة مريحة!

نطقت نارو: كريستال!! أخيرا أستيقظتي!!

تحدثت متفاجئة من ناور التى عانقتها فور استيقاظها: ماذا؟! هل أنا آخر من استيقظت؟!
ابتعدت نارو عنها و قالت ببراءة قاتلة: أجل, بدا عليك التعب فعلا. ففضلنا عدم ايقاظك, خشية أن تكوني مرهقة!

كادت أن ترد عليها لولا علو ضحكات زووي الساخرة, أردفت و ابتسامة خبيثة تعتلي عرش وجهها فوكزت مرفق كريستال بمرفقها: هل كنت تحلمين بفارس أحلامك, ألم تملي من هذه الأحلام السخيفة؟!
دفعتها كريستال مما طرحها أرضا, أو شكت بتلفظ عبارتها إلا أن سقوط زووي حرمها من ذلك و جذب نظراتها إليها كما سلب اهتمام الأخرين إليها, انها غير مصدقة أنها أسقطت أقوى عضوة بينهن, لكن سقوط الأخيرة لم يكن بسبب ضربتها و انما بسبب نوبة الضحك التى اجتاحتها مؤلمة مفاصل فمها, فحوطت معدتها بيدها و ضربت الأرض بقدمها, لكن الضحك لم يمنع آلة الحديث عن الكلام فأعقبت: ملامحك ممتعة يا فتاة, لا أصدق انك انتي السبب الرئيسي في نجاتك و نارو, من المستحيل أن كريستال هكذا هي تتمتع بوجه جميل و حسب!

تفجرت شحنات غضب كريستال فتوغلت شراراتها في مفاصلها, لتنهض محمرة الوجه نتيجة لتجمع الدم في رأسها, فلم تعد تتحمل سخرية زووي منها اكثر, يجب عليها أن تضع حدا لها و لتفاهاتها تلك: زووي, انا لست مثلك قوية جسديا او معنويا, لست شجاعة مثلك أو مذهلة, أنا فقط فناة تملك وجه جميل...نعم... و لكني املك ما لا تملكينه...

أوقفت الدهشة التى علت وجه زووي صوت نغماتها لتبحلق ببلاهة في كريستال الغاضبة لأول مرة!
بلعت لسانها و ظلت ترمقها لتحثها على الاستمرار كما فعلن الأخريات غير أن كورال ترسم ابتسامة صغيرة مبهمة على شفتيها: اني امتلك عقلا يساعدني على الهرب من هذه الأحداث دون أن يبتزل جسدي مثلك او يستحم بالدماء!

و عند لحظة تطرقها لهذه النقطة أيقنت الاخريات داخلهن أن كريستال و نارو هما الوحيدتان اللتين خرجتا من المتاهة دون قطرة دم واحدة تنساب منهما عدا جرح بسيط في رقبة الأولى, فيما خرجن زووي و كورال و تيفاني مستحمات بالدماء و لا يوجد شبر واحد من أجسادهن غير متلطخ بالسائل اللزج!

مرت فترة صمت بسيطة عليهن كسرتها زووي بضحكاتها المزعجة, وثبت واقفة كالمقاتلين بملامح مبهمة طغت علي وجهها.

اقتربت من كريستال لترخي يدها على كتفها, ألسنت: كنت أمزح, أنا أعلم أن لكل واحدة منا ما يميزها , و حان الوقت لنا لنظهر ما كان مبطنا في عالمنا, حيث يظهر معدننا الحقيقي و نكتسب أحاسيس و أمور لم نكن لنكتسبها في عالمنا, الشجاعة, الحماية, القلق على بعضنا, القوى العقلية, المعونة
رقت نبرتها, و رمت نظراتها على رفيقاتها لحظة نطقها لآخر جملتها, كورال, ثم هي, تليها تيفاني, تعقبها كريستال و اخيرا نارو.

أكملت: و التغلب على مخاوفنا, لنجعل عالم اللعبة و حيزه عالما يريد تغييرنا و ليس قتلنا, انه تحويل بسيط نجريه في داخلنا, لنحلو اليأس الة أمل مستجدي منه القوة لتغيير انفسنا, فلو ملكنا اليأس بسبب اللعبة فنحن سنموت سامحين لهم بقتلنا, لذا نحن بحاجة الى تحدي اللعبة و كسر قوانينها, عن أرادت تفريقنا سنكون مع بعضنا, ان أرادت قتلنا سنعيش, سننجو لو غيرنا مشاعرنا و نفضنا عنا القلق و الإرهاق و اليأس فهذه كلها دلالات على مشاعر لا يمتلكها سوى الخاسرين, لنتغير بدءا من الآن, كورال, تيفاني, كريستال, نارو!!!

هذا ليس متوقع من زووي ابدا!!, قولها أمور شاعرية كهذه ليس من سيماتها و ليس ما اعتادوه منها, رؤية جانب آخر منها صادم نوعا ما إلا انه جذاب, كلماتها تلك قد جعلت اليأس و الخوف اللذين سكنهن يتبخران و بعثت فيهن الروح للحياة فأشعرتهن أنهن على قيد الحياة!!

ابتسمت كورال بهدوء و رقة ثم وقفت قائلة: زووي فلتكوني قائدتنا لهذه اللعبة!

تصريحها الصادم اذهلهن اكثر, كورال تتخلى عن القيادة لزووي!!, زووي؟! كتلة المرح تلك؟!
هل مسّ كورال كائن ما؟! أم أنها بقواها العقلية؟! لو كانت كذلك لما نطقت بهذا الهراء , هناك شيء غريب فيها, حتما تملك مبررا مقنعا لتصريحها!

كان هذا ما يدور في عقولهن حتى زووي! سيماتهن مشدوهة, اعينهن بازغة تكاد تخرج من محجريها, و مصت الصدمة ألوان وجوههن!

[/cc]


كواندا and ديورين like this.

التعديل الأخير تم بواسطة Soleil~ ; 12-19-2017 الساعة 10:42 PM
  #42  
قديم 12-19-2017, 10:53 PM
 
استلمه
Crystãl and ديورين like this.
__________________
سبحان الله -الحمدلله- لا إله إلا الله- الله أكبر
  #43  
قديم 12-20-2017, 01:01 AM
 
[cc=الفصل]
الفصل السابع
" الاجتماع| قرارات مختلفة "

- ما حدث لها؟!! أترينني تلك الشقيقة القلقة على أختها؟! إني لا أهتم لمشاكلها أو ما واجهته من متاعب, أياً كان ما ستقولينه فلن يغير من شعوري تجاهها شيئا!

نطقت بكلماتها الساخرة مأسورة بأحداث الرواية التى تقرأها, غير مدركة لمدى قوة وقع كلماتها على الجالسة بجانبها متصلبة.

لم تظهر أي ملامح على وجه مايا غير القسوة المتشحة بالبرود المنافس لبرود الجليد و هذا ما زاد من صدمة انجيل منها.
لم تكن تظن أن مايا تفكر ب تيفاني على هذا النحو و هي التى أخرجتها من سجن الجدران الأربعة الذي حبسها بعيداً عن العالم الخارجي!!
و لكم زادت دهشتها عندما رأتها تنقلب ناحية الجهة الأخرى فور ما أغلقت روايتها متدثرةً باللحاف.
ألسنت: غادري رجاءً, لست بمتفرغة لأستمع إلى حديث لا يعنيني.

بلعت ريقها قبل أن تتحدث بهدوء علَّه يمتص غضبها: أنى لك قول هذا عن شقيقتك؟!

نظرت لها باهتمام مريب يشوبه شيء من الانزعاج , فاضت بكلمات أكثر جنوناً -كما نعتتها انجيل- من سابقتها: لأنها قد أجبرتني على الخروج و تعدت على كسلي!!

جحظت عينا انجيل لوهلة سرعان ما أغمضتهما وهي تفكر داخلها في مدى غباء السبب الذي تراه مايا مهماً و مبرراً لكرهها أختها و معتقدةً أنه حجة مثالية!
هتفت في برود يشوبه شيء من التأنيب و السخرية: يا له من سبب سخيف, مهما يكن من المستحيل أن تكره الأخت أختها!!

انتصبت فور ما تسللت عبارة انجيل إلى سمعها, عقدت حاجبيها في انزعاج فتهادت كلماتها الشاكية: سخيف؟؟!! التعدي على خصوصيات الغير بات سبباً سخيفاً لكرههم؟! يا له من عالم دنيء هذا الذي أعيش فيه!
و علت نبرة الأسف و اليأس على صوتها لحظة نطقها لأخر كلمات جملتها!

رمقتها انجيل بحدة لتردف متجاهلةً جل ما قالته من تذمر: أحقاً لا يهمك أمرها؟!

لثانية أو ثانيتين لمحت بريق التوتر في عيني مايا العسليتين المشربتين ببعض من الاصفرار الآسر في جوفهما فسرعان ما بهت بريقها.

نطقت بعنجهية: فليحدث لها ما يحدث.

- حتى لو أنها قد تواجه الموت؟!

لوهلة ارتبك صوت مايا و أخرجت صوتاً دلَّ على قلقها إلا أنها عادت إلى وضعها غير المكترث: حتى لو قتلت.

تأففت انجيل بيأس فنزعت ثقلها عن الأريكة التى أصدرت صوتاً خافتاً كما لو أنها سعيدة بإبعاد وزنها عنها: على أية حال لقد سلمتك ما طلبته مني المعلمة و...
رمقتها بحدة انطوى خلفها تهديد كما تلك التى طغت على نبرتها: لا تأتي إلي باكية إن وصل إلى مسامعك صدفة ما حدث لها.

اكتفت بقول هذا ثم ابتعدت عن السرير بعدما تبادلتا النظرات لفترة تخللها توتر و كهربة الأجواء من حولهما و استغل الصمت تلك الفترة ليطغى بجبروته عليهما.

توقفت أمام الباب و ناظرت مايا بعمق انطوى خلف بريق كريمتيها ففهمت المستلقية ما تريده الأولى فأمسكت جهاز تحكم صغير كان بجانبها و نقرت على أحد أزراره فتح الباب و غادرت محدثة نفسها " تبدو كأنها تعرف كل شيء!!"

اكفهرت ملامح سوداء الشعر فتقلبت في سريرها بإنزعاج باحثة عن الهدوء, لكنها لم تشعر برغبة عارمة للنوم و كلمات انجيل تربك نبضات قلبها.
استلقت على ظهرها, و رمقت السقف ببريق باهت, يؤلمها انقباض قلبها, و تغلغل القلق داخلها متوغلاً في شتى كيانها, شعور غريب ينتابها،هي ترغب حقاً في معرفة ما حصل لتيفاني!

- تبا للتصنع!! يا لي من حمقاء لو اني جعلتها تخبرني ما حصل لما عانت روحي هكذا!
صمتت لفترة لعلها تشعر بالراحة النفسية بعدما أنبت نفسها بصوت مرتفع لكن لا فائدة, لازالت روحها ترتجف قلقاً و قلبها ينبض بجنون, هتفت مؤنبة تيفاني: إنه بسببكِ يا هذه! لما تحبين جعلي أقلق هكذا؟!...آه تباً.
صرخت غاضبة و قد أحمر وجهها نتيجة تجمع الدم في رأسها, دفنت نفسها تحت البطانية لتتقلب محاولة النوم, لكن روحها ظلت تعذبها و هي تناضل!

*~
نزلت على الدرج مسرعة لتتجه إلى الصالون من فورها فاستوقفتها السيدة كريستين و هي تضع الأطباق على الطاولة نتيجة لاتصال المطبخ بالصالون و لا يفصل بينهما سوى جدار محطم نصفه بطريقة فنية مبهرة.

ناظرتها باهتمام فنطقت قلقة متجهة إليها: هل أنتي بخير؟! إن ملامحك تدل على انزعاج, هل قالت لك مايا ما يضايقك؟!...سأريها تلك الفتاة!
ظلت تربت على رأس انجيل مطمئنة إياها فما كان من الأخيرة سوى أن ترسم ابتسامة صغيرة على شفتيها أثناء حديثها, و حينما أوشكت على اختتامه ابتعدت عنها لتصعد أول الدرج ناطقة آخر كلماتها بنبرة سكنها التهديد و الوعيد عاقدة حاجبيها و غزت الجدية تقاسيم وجهها!

أوقفها صوت انجيل المطمئن للنفس: لا بأس لم تزعجني البتة!
تراقصت على شفتيها تلك الابتسامة الزائفة المفيدة عادة مع الآخرين في مثل هذه المواقف, لكن مع فراسة و فطنة السيدة كريستين من المستحيل أن تنجح!
جارتها لحظة نزولها من الدرج و وهي تبادلها الابتسامة ذاتها: هذا جيد, كنت قلقة حقاً من أنها استشاطتك بكلامها, تعرفين كلام مايا كالخنجر المسموم يصيب الوتر الحساس ليكون سبباً آخر في ابتعاد الآخرين عنها! إلا أنها فتاة لطيفة حقاً و تبذل قصارى جهدها لإظهار جانبها الحنون, فلا تعتقدي أنها نرجسية أو متكبرة عزيزتي!!

لم تلحظ انجيل الابتسامة المصطنعة على وجه السيدة كريستين, لكنها التمست الأناة في نبرة صوتها لتنبلج ابتسامتها الملائكية رغماً عنها!
تحدثت بأدب جم: أعلم ذلك.
انحنت لها برقي ثم اتجهت إلى الباب, وقفت في الحديقة وتطلعت نحو نافذة مايا لتتنفس في ضيق و تنبس لذاتها:
" فلتفعل ما يحلو لها"
*~
لم تستطع أن تصف شعور السعادة الذي غمرها، تفجرت شحنات الفرح داخلها و استوطنت هالاتها شتى كيانها و شقت البهجة تقاسيم وجهها الذابل.

تألقت ابتسامتها و تلألأت عيناها الترابية كما تتلألأ النجوم في كبد السماء الأدجن، و عانقت الطمأنينة و الراحة قلبها لحظة رؤيتها لجثمان صديقتها المنتظر!

استكانت روحها و هدأت ضربات قلبها فلم تعد تؤلمها، و الهدوء قرر أن يؤنسها فنفضت عن نفسها القلق و الإرهاق الذي أثقل صدرها.

أحست بحرارة تلسع وجنتيها و كذلك عينيها، و ما هي إلا لحظات حتى انهمرت دموعها كزخات المطر ، بخطى سريعة خطت نحو كورال لتهوي بجانبها و تحتضن جرمها بعدما رفعته عن الأرض.


ربتت برقة على رأس رملية الشعر لتتهادى كلماتها المتلعثمة من السعادة : سعيدة انك بخير...لا تعلمين مقدار قلقي عليك حتى أني آذيت نفسي, رغبة مني لإنقاذك مما كنت فيه، إني سعيدة للغاية حتى أني قد أموت الان!!

ابتعدت عنها و جذبتها من كتفها لتضعها بجانب زووي، جلست أمامهن ترمقهن بنظرات طوت الأمان بين ثناياها و قد لسعت البهجة روحها كما تلسع ندبات الثلج المتساقطة البشر.
*~

فتحت باب المنزل بخمول غلف حركاتها و ذبولٌ رسم على ملامحها, نطقت ببرود: لقد عدت.

استقبلتها والدتها برحابة صدر أمام الباب و معالم التفاؤل و السعادة تشاركتا في احتواء تعابيرها: هل سحقتي مايا هذه المرة؟
و قد طافت زرقاوتيها في رحاب الأمل, واثقة أن ابنتها حققت ما كانت تبتغيه!

سرعان ما بهت لمعانها لحظة نطق انجيل لكلماتها الخاملة أثناء نزعها لحذائها: و كأن السنة تعيد نفسها!
فهمت معنى عبارتها القصيرة فثبط حماسها و اعتلى الإحباط ملامحها الجذابة, قالت بصوت هادئ: هكذا إذاً, لابد من أنها تبذل جهدها كل مرة! هذا مذهل حقاً!
التفتت عائدة إلى الصالون و أردفت بغير اكتراث نتيجة لتفشي الحزن في كل طرف من جسدها مسبباً حرقان قلبها فقد أرادت أن تبتهج و تتفاخر لكون ابنتها في المرتبة الأولى و لو لمرة واحدة: هناك ضيف يبحث عنك.

عبرت الممر الطويل و شعرها الأسود القصير يتحرك متزامناً مع حركاتها و لم تكلف نفسها ارتداء ملابس مكلفة بل فضلت ارتداء المريحة.

انطوت الدهشة أجزاء وجهها كما تلك النبرة التى سيطرت على صوتها: ضيف؟!
و استكانت في مكانها متخشبة, تتساءل في قرارتها عن هذا الضيف الغريب الذي أطل عليهم دون سابق إنذار, و قد أكدت لنفسها بأنها لم تدعُ أحداً لزيارتها من أصدقائها أو بالأصح صديقتها, فمن هو هذا الغريب؟!

بعد فترة أحاطتها ظلت فيها متصلبة في مكانها تحركت قدمها اليمنى تسبق قرينتها عابرة الدهليز لإشباع فضولها الهائج حول هذا الضيف, و قد استبدلت عيناها الخمول بأخرى برق فيهما الفضول!!

*~
تغلبها في منامها و عقد حاجبيها و إخراج أنين حاد بين فترة و فترة ،كل الدلالات تشير إلى شعورها بالإنزعاج و الضيق اللذان يجريان مجرى الدم في عروقها!
أخرج لها عقلها الباطني أسوأ السيناريو الذي من المحتمل أن تمر به تيفاني, فارتج جسدها و عكفت روحها عن إيجاد الراحة من هذا كله!
أما آن لها أن ترتاح و لو لدقيقة واحدة؟! إن هذا يؤلمها باطنياً أكثر من الظاهر, ألا يكفي أن القلق يعانق جرمها و اخترق حيَّز هدوئها؟! أيجب أن تعاني هكذا؟! تخترق الكوابيس سراديب عقلها فتخرج لها الأسوأ, ألا يحق لها ان تنعم بالسلام الداخلي؟!
فقط المفر من هذا كله!!
وصل الأمر معها لحده فانتصبت في جلوسها و ظلت ترمق غرفتها بتوتر انبلج على ملامحها يشوبه شيء من الإرهاق نتيجة لتفكيرها المستديم بأختها!
هتفت بغضب مدفون داخل كيانها النحيل: تباً لك تيفاني! فلتتبوأي مقعدك من النار! إنها أول مرة خلال حياتي السادسة عشر أكره فيها النوم! هل تتصورين حتى؟! مايا تكره النوم بسببك؟!!!! آه حقاً, عليك أن تدفعي ثمن ذلك بأي طريقة!
تأوهت متألمة كردة فعل طبيعية لإنقباض قلبها بقوة كأن شخصاً ما أخرجه من قفصها الصدري و عصره بين يديه بدون هوادة قبل أن يتحول الى أشلاء تتطاير الدم في الأرجاء!
أمسكت قلبها و ضغطت عليه حتى تجعدت ثياب نومها, انحنى جذعها وبدت معالم الألم على وجهها القاسي, لم تستطع إخراج أي صوت غير تأوهات مبحوحة متقطعة و حارة دلت على ما تمر به من ألم لن يفهمه أحد غير من كانوا على نفس القارب!
أرجعت جسدها إلى الخلف و استلقت على ظهرها بعد جهد مبذول من جهتها, داخلها تجري الحرارة كما لو أن البركان قرر صب حممه داخل جثمانها الذابل و لم يجد غيره ليحتوي نيرانه!
بالكاد نطقت قبل أن تفقد شعورها بوجوده و أنفاسها تبتر عبارتها بين الفينة و الأخرى: تباً...إنه بسببها...لقد عادت تلك الحالة....
امتدت يدها ببطء إلى جانب وسادتها, أمسكت بجهاز التحكم و نقرت على زر فتح الباب و حاولت رفع صوتها قدر ما تستطيع علَّ والدتها تسمعها و بذلت ما تقدر من جهد لرفع مستوى ظهرها: أمي~
انجلى صوتها و تدريجيا أغلقت حدقتيها لتسقط مغمي عليها كالجثة الهامدة بلا حراك نتيجة لضغطها المنخفض! و من معالم وجهها تعرف مدى الإرهاق و التعب اللذين مرت بهما, ليبلل عرقها جسدها فما كان منها سوى أن تغرق فيه!
~*
تباعدت أهدابها عن بعضهما ببطء احتواه حذر و حيطة فكشفتا عن عسليتيها فور ما عاودت إغلاقهما لحظة اصطدامهما بالضوء المعمي المنبثق من الثريا المعلقة, فتحتهما مرة أخرى بعد فترة بسيطة و لم يترك الحذر حركاتها وإنما تضاعف أضعافاً مضاعفة, قطبت حاجبيها و جالت الغرفة بنظراتها المتسائلة, و علامات الدهشة تعتري عرش وجهها!
أرهف سمعها صوت من المستحيل أن تنسى صاحبته: لا تتفاجئي لقد انتهت المرحلة الأولى, إننا في استراحة الآن, فلتتخلي عن حذرك و حيطتك المبالغ بهما!!
انفجرت أساريرها و تنقلت بين شرايينها فتهلهل وجهها, قلت نبضات قلبها شرعة, و استراحت ذهنياً و جسدياً أخيراً كما كانت تتمنى في داخلها طول فترة المرحلة الأولى, التفتت إلى صاحبة الصوت بابتسامة شقت ثغرها فتوهجت عسليتاها و توغلت السكينة متسللةً إلى شتى أطرافها!
اندفعت معانقة إياها كطفل صغير لم يجد الأمان في أي مكان كما وجده عند جحر والدته فعصرها بين ذراعيه الصغيرتين عطشاً و جشعاً في أمانها فأردفت بصوت ينبأ بنوبة بكاء حبستها صاحبته: لا تعرفين كم كنت خائفة و قلقة, اعتقدت أنني سأموت هناك, ذكريات تلك الأيام لم تنفك عن غزو سراديب عقلي و مهاجمتي نفسياً حتى ظننت أن الوقت يعيد نفسه!
بادلتها العناق برحابة صدر و ابتسامة هادئة تتراقص على شفتيها, همست بصوتها الدافئ: أعلم كم هو صعب ما واجهته.
جرت السكينة مجرى الدم لدى كورال و آنست بالدفء يلتف حول قلبها, أعقبت: لا تعلمين كم كنت خائفة!, خفت من الموت و من فقدانكم, خفت من والدي و اهتز جسدي تلقائياً, إن الأمر أشبه بلعنة أرسلها إلي, مرة أخرى لا أريد أن أكون بمفردي.
-كلا لن تكوني بمفردك, سأكون معك, لا تقلقي
ابتعدت عنها و مسحت على شعرها برقة و أردفت:- ثم إنك تغلبتي عليهم بمفردك, انتِ مذهلة جوليا...
بترت حديثها ب تأوه أُخرج منها مغتصباً كردة فعل لضربة تلقتها من كورال التى عقدت حاجبيها في انزعاج, و أبرمت ملامحها و نظراتها القاتلة المصوبة ناحيتها لا تبشر بالخير أبداً بل بنقيضه, هتفت متحججة تلمس كتفها الأيمن الذي تعرض للضرب: ما ذنبي إن كان اسمك الحقيقي؟!
-لهذا السبب أكرهه
اجابت مشيحة بوجهها للجهة الأخرى في ضيق و قد طغى الحزن الذابل على وجهها كما تلك التي طغت على نبرتها.
صمتت تيفاني و قد توزع الحزن في تقاسيم وجهها كتلك الطاغية على وجه كورال, أطبق جو من الصمت المثقل المريض عليهما و كلتاهما تفكران في ملحمة كورال المستساغة في عبارة واحدة تجمعها كلها " المعاناة ".
لكم عانت مع والدها المريض الذي لا يستحق أن ينادى ب والد, فلم يرحمها من ضربها أو حتى شتمها و البصاق عليها, حتى وصل به الحد الى أن يستخدم جسدها لإطفاء سجاراته اللعينة, لم يجعلها تعاني ظاهرياً بل باطنياً أيضا, فكم مرة تمزقت روحها بسببه و هي تصر في نفسها أنه يريد التنفيس عن غضبه لا غير و سيعتذر لها فيما بعد, إلا أنه لم يكن من هذه النوعية من الآباء!

أيعلم حتى كم مرة ذرفت الدموع لأجله؟! أيدرك مدى حبها له في صغرها و مهما كان ما يفعله بها إلا انها تبتسم في وجهه؟! ألا يفتقد تلك الطفلة التى كانت تستقبله عند الباب كلما جاء من عمله معانقة قدميه؟! ألا يفهم مشاعرها؟! لماذا يصر على تعذيبها حتى بعد أن ابتعدت عنه؟!!, كفى بكل هذه الترهات كفى, فلتختفي كما تذروا الرياح حبيبات الرمل, فقد لتمت بأسوأ ميتة قد يموت بها الإنسان, لو أنها تعرف كيف تكسر هذه اللعنة البغيضة لفعلت من الأزل!
نفضت كورال رأسها فور ما تسللت تلك الذكريات في عقلها للحظة لم تستدركها حواسها فقد غفلت عن العالم و سبحت في اللاوعي, ارتجف جسدها للحظة و تعرق وجهها.
تربعت في جلوسها بوهن و توغل الألم أطراف جسدها بمجرد تذكر تلك الذكريات الأليمة التى تأبى الاندثار.
فتحت تيفاني فمها موشكة على قول شيء ما علَّه ينسي كورال كل تلك الندبات بعدما لمحت الألم و الأسى قد طغيا تماماً على ملامحها و جسدها و روحها! لكن منعتها صرخة زووي غير المعتمدة من ذلك: تيفاني!!
أجفلت تيفاني في خوف و انتفضت كورال في مرقدها هي الأخرى, دوت صرخة زووي النائمة البرج بكل أجزائه محطمة بذلك حاجز الصمت الذي دام لوقت ليس بطويل لكن بالنسبة لهما بالطبع هو وقت طويل!
اعتلت ابتسامة صغيرة عرش تيفاني عندما التفتت إلى البريئة النائمة مؤكدة في داخلها أنها تحلم بمقاتلة تلك العفاريت: إنها مذهلة حقاً!
رمقتها كورال باهتمام في حين كانت نظراتها متركزة على زووي, حثتها عسليتا الأولى على الإكمال, فاسترسلت ممتنة لزووي: لقد كدت أن أُقتل في لحظة ما! لكنها قامت بحمايتي رغم إصابتها بالحمى!
همهمت كورال ثم رمت نظراتها الخاوية على زووي, فغبطتها في داخلها على شجاعتها التي ألجمت الألسن!
همست في شيء من الإعجاب المنطوي خلف نبرة البرود:- إنها مثيرة للإعجاب حقاً!
وافقتها تيفاني عبر إيماءة من رأسها, تأففت كورال و نظرت الى السقف ثم جالت الغرفة بنظراتها الثاقبة محاولة تحليل الغرفة التى تتواجدان بها كعادة متأصلة بها منذ الصغر.
لم يكن هناك ما يعطي أي تلميح للمرحلة الثانية فخلو الغرفة من أي أثاث ساهم في غرابتها, و لم يجذب اهتمام كورال غير الثريا المعلقة في الأعلى ثم تجاهلتها مدركة أنه لا علاقة لها في الأمر, هي وجدت فقط لإضاءة جوانب الغرفة و اختراق خلوة الظلام!
قالت بحدة أبرزت مدى ذكائها: على ما يبدوا أن الجولة الثانية ستبدأ هنا في هذا الحيز الفارغ!
بحلقت فيها تيفاني بشيء من البلاهة: ما أدراك؟! أهي حاستي البصر و العقل؟!
و كم كانت واضحة نبرة التهكم التى علت صوتها!
ناظرتها كورال بطرف عينيها و قد اجتاحتها رغبة عارمة في قتلها, فابتسمت المعنية ببراءة علَّها تمتص غضب الاولى, فهما في موقف لا يقبل فيه السخرية
-إنها حاستي السادسة
تأففت و قالت عباراتها مبحلقة في الفراغ بسكون.
هزت تيفاني رأسها لأعلى و أسفل مجارية رفيقتها التى تفكر بشيء يصعب وصفه داخل جرمها!
استدركت تيفاني بعد مضي وقت ليس بالطويل و لا القصير أمراً أرادت مناقشته مع كورال فتكلمت ضاربة قبضتها براحة كفها مما انتشل الأخيرة من شرودها:- آه صحيح...لقد سألتني زووي عن ماضيك..
بترت كورال عبارتها بحدة بعدما تجهم وجهها و طفت غشاوة ضبابية على عينيها منعتها من رؤية ما حولها فقد أطل الغضب عليها جاعلاً إياها عمياء لا ترى فعقدت حاجبيها: و هل أخبرتها؟!
و تأكدت من أن لا يخلو صوتها من التهديد و الوعيد.
أجفلت تيفاني خائفة و قد قبض قلبها بقوة آلمتها فهي تخشى غضب كورال فلا تحمد عاقبة من يغضبها! و بلعت ما وجدت من ريق علَّه يمتص توترها.
رفعت يديها أمام وجهها الأبله مدافعة عن نفسها و قالت بارتباك مؤكدة: لا... لا طبعاً لم أخبرها...لم أخبرها...آه إني أقول الصدق فصدقيني!
وقد طغت نبرة الترجي صوتها كتلك التي حاصرت ترابيتيها!
تنهدت في ضيق و أعقبت: أصدقك يا هذه...إني أصدقك...لكن...
و فضلت أن تختتم عبارتها بتوتر انبلج على صوتها فهي لا تستطيع التعبير عن شعورها بالكلمات, ببساطة لأنها لا تمتلك هذه القدرة التى تمتلكها تيفاني فبالتالي تسهل على الآخرين فهمها, لكن الأخيرة لا تبوح بما تشعر به!
تسألت تيفاني بعد دقيقة من التردد و قد اتضح على ملامحها مقدار توترها: إلى متى ستظلين صامتة و جعلهن محتارات هكذا؟!
هي حتماً استعدت لتلقي غضب كورال التى قد تفجره عليها, لأنها لن تتجرأ – رغم جرأتها- على الحديث عن ماضيها لأي شخص, ففضلت أن تغلق عليه بينها و بين تيفاني و قلة من الأشخاص الذين شهدوا الحادثة!
أجابت ببرود عميق احتل نبرتها: قريباً...قريباً جداً
ناظرتها تيفاني باهتمام شاركه شيء من عدم التصديق ففي داخلها ليست متأكدة إن كانت ستخبرهم حقا.
مدت خنصرها مذُ أنها غير متأكدة منها و قالت ببراءة نقية سيطرت على صوتها و وجهها: وعد؟!
استغربت كورال حتى أنها فغرت نصف فاهها لكنها سرعان ما ارتسمت ابتسامة لطيفة على ملامحها و مدت إصبعها هي الأخرى و أعقبت: وعد
و قد استطاعت باحتراف أن تخفي ابتسامتها المصطنعة و حزنها الذي عانق ملامحها عن تفاني! و مع ذلك ابتسامة صغيرة شقت ثغرها عندما فعلتا وعد الخنصر.
أو هذا ما ظنته كورال في داخلها, إنها لا تعلم أن تلك الإبتسامة التى ظنت أنها أخفتها بامتياز و ملامح الحزن قد انبلجتا و بوضوح في عينا تيفاني فاستدركت الأخيرة مدى تعمق الجرح الذي تركه والدها داخلها و كل مرة يزداد فيها تعمقاً إلى حد قد يصل بها إلى الانتحار لربما لا يوجد له أي علاج سوى لقاء والدتها بعد مرور سبع سنوات من الفراق!!
*~
- انتي على الأرجح مندهشة من قدومي رغم أننا لا نعرف بعضنا البعض, لكني أؤكد لك أني لم آتي إلى هنا عبثاً! لقد أتيت لأستفسر عن مسألة حيرتني فوثقت أن الإجابة عندك!
تحدث أبيض الشعر الذي نافس الصقيع في لمعانه و لونه و لربما كان أجمل منه حتى بلطف و رقة تبنتا نبرته الضخمة و حاول قدر استطاعته أن يلين من ملامحه القاسية, و توهجت لازورديتيه حينما وقعتا على المتمثلة مقابله بفصل بينهما طاولة بأربع أرجل قصيرة تموضعت فوقها كؤوس سبح فيها عصير الليمون الذي قدمته والدتها لكلاهما.
تنهدت بهدوء و جالت الغرفة البيضاء المفعمة بالحياة بسبب أثاثها الفاخر الذي تماشت ألوانه مع حائطها بعينين نائمتين, رمت كريمتيها عليه بعدما شردت في المجهول و قالت بنظراتها الخاوية مثل نظرات الموتى: لا بأس, فقد أنقذتني فيما سبق.
اكتفت بهكذا عبارة و التزمت الصمت شاعرة بأنه ما من داعٍ لحشو الحديث بكلام لا معنى له, انتابتها ثقة عالية بأنه فهم ما اختصرته من امتنان في هذه العبارة.
شعر هو عندما سمع نبرتها الهادئة بأنه بحاجة إلى الدخول لصلب الموضوع دون مقدمات سخيفة في نظرها!
فاندفع قائلاً: ما العلاقة التى تربطك ب زووي و صديقاتها؟!
ارتفع فمها لأعلى كاشفاً عن ابتسامة متهكمة فأجابت بسخرية: هل أنت ولي أمرهن لتسألني هكذا سؤال؟!
دهش منها و قد توسعت حدقتيه و هو الذي توقعها كيان جسد اللطافة, و ما زاد من صدمته منها هو علو موسيقى ضحكاتها الغرفة برقة و أردفت بلطف: المعذرة كنت أمزح فقط, إني شقيقة كريستال
صمتت لفترة لتسترسل ببراءة طغت على ملامحها و دفعت بجسدها إلى الأمام بفضول منها: ما علاقتك ب زووي؟!
أجابها برقة التمستها في صوته: مجرد صديق التقيت به قبل أسبوع.
أومأت برأسها متمتمة بكلمات لم يفهمها بل لم يسمعها حتى, أكمل هو حديثه معرفاً بنفسه بعدما استشعر أهمية ذلك:- ادعى بيك مخترع ألعاب...على الأرجح أنتِ تعرفين اسمي!
لم تكن هناك صدمة مر بها أقوى من هذه الصدمة التى حطمت قلبه و حولته إلى أشلاء, أنها لا تعرف اسمه و ليست مهتمة بالألعاب ،شعر بالإحراج من تلبسه رداء التبختر أمامها, ليبتسم ببلاهة أخفتها وسامته الصارخة.
حثته على الإكمال عبر صمتها فأردف: أتيت إلى منزلها لأخذ الملاحظات حول لعبة ما.
امتلأت رئتيه بالهواء الذي سحبه ثم أعقب: و ما الذي كنت تفعلينه هناك؟!
و عندما شعر بغباء سؤاله؛ فهي حتما ذهبت لزيارة أختها, غيره متلعثما موضحاً إياه: أعني ما الذي حدث هناك؟! تعلمين...الحريق و اختفاء الفتيات...
و صمت عالماً بأنها استدركت سؤاله, حيث انبلج ذلك على سماتها, أجابت بتردد استوطن حركاتها و نبرتها: لا أعلم عن سبب اندلاع الحريق و لكن حول اختفاء الفتيات...لقد رأيت...
صمتت مترددة إخباره عما رأته من ابتلاع الدوامة الإهليجية للفتيات و حاورت ذاتها واثقة من أنه لن يصدقها, لاحظ مدى توترها عندما تشتت نظراتها في أرجاء الصالون.
فحثها قائلاً مقدماً جسده إلى الأمام ومرخياً يديه المتشابكتين عند ركبتيه و ملامح الجدية سكنت وجهه و نبرته: الذي رأيته؟!
التقت لازورديتيه بمثيلتيهما العسليتين, انبثق لمعان من الأولى امتص توتر الأخيرة, رمشت مرتين ثم تحدثت بعدما قضمت شفتها السفلية و أفرغت ما في جوفها من هواء: ربما أنت لن تصدقني لذلك سأحيطك علماً أني و الكذب كالزيت و الماء لا نتوافق البتة!
سحبت نفساً عميقاً فيما أومأ هو برأسه, نطقت بحدة: لقد رأيت ما حدث بأم عيني, انبثقت دوامة إهليجية من التلفاز و سحبت أجرام الفتيات ناحيتها لتبتلعهن!
بحركة تلقائية أغمضت عينيها و قد غُسِلَ عقلها بفكرة سخريته عليها و صدح صوت ضحكته الرنانة, إلا أنها لم تسمع أي مما اعتقدته, ففتحت نصف كريمتيها ببطيء و عندما رأته يبتسم تلك الإبتسامة الجذابة لها فتحت عينيها عن آخرهما و قد طغت الصدمة وجهها!
تحدثت متباعدة الكلمات: هل...تصدقني؟! بريق جذبها ناحيته فشعرت بالأمان و الراحة معه: أصدقك
و كم لامست هذه الكلمة الصغيرة قلبها فأعادت له الحياة بعدما كاد أن يتوقف خوفاً من تكذيبه لها, و مع ذلك لا تزال تريد التأكد إن كانت الكلمة البسيطة هذه صادقة أو كاذبة!
أعقبت عليه و ملامحها مشدوهة: ألا تعتقد اني أتحدث من ضرب الفراغ؟!
تعالت موسيقاه الأرجاء بسبب ملامحها المضحكة, نطق: ألم تقولي قبل قليل أنك لا تتوافقين مع الكذب؟
أومأت له و الدهشة لا تزال تعلو وجهها فأردف: لهذا صدقتك, يبدو عليك أنك من تلك النوعية التي تكره الكذب.
هزت رأسها مرة أخرى و هي لا تزال غير مستوعبة لحديثه, فمن تخبره بما رأته سينعتها بالجنون لكن...هو...هو صدقها!!
ابتسمت له تلك الإبتسامة البريئة الرقيقة التى حركت مشاعره فشعر داخله كما لو أنه يرى أخته و ليست فتاة غريبة عنه!
فسألها فضولاً: ما هو اسمك؟
-انجيل
-إن اسمك يناسب شخصيتك حقاً.
بينما قهقهت هي بأنوثة أكمل بيك حديثه: هل تعرفين الى أي بعد سحبن؟!
أومأت له برأسها و قالت: إنهم داخل لعبة
-لعبة؟!
تبنت الصدمة صوته كما تبنت ملامحه!
-أجل, خذ هذا هو السي دي!
كانت تفتش حقيبتها أثناء حديثها, فمدت له يدها الممسكة بالسي دي المتوهج بألوان غامقة متداخلة ببعضها!
أخذه فقلبه بين يديه و معالم الجدية و الحدة يرافقهما شيءٌ من الاهتمام طغت على تعابيره!
نطق و لازورديتيه لم تبرحا التوهج الذي جذبهما و أغواهما للنظر إليه فقط و الانغماس في أعماقه: إنه غريب جداً...حسناً خذيه و لتأتي غداً إلى الشركة!
أعاد لها ما أخذه منها و أخرج بطاقة سوداء نحتت عليها حروف بيضاء متشابكة بطريقة فنية من جيبه و مدها لها مع قوله: لنتناقش حولها و لربما سنجد حلاً لإخراجهن مما هن فيه!
انتصب واقفاً من على الأريكة الرمادية المفترش فوقها قماش مخطط بالأسود و الأحمر, وقفت هي الأخرى و قد انحنت له ثم رافقته إلى باب الخروج!
*~
عبرت أمام الغرفة ذات الباب الأتوماتيكي حاملة بعض من الملابس المطوية بعناية, جذب انتباهها الباب المفتوح فعادت مسرعة لتقف امامه, ظنت أن مايا قد قررت الخروج أخيرا لكن ضوء الدهليز الذي اخترق خلوة السديم قد أضاف قوة لحاسة بصرها فاستدركت استلقاء مايا الغريب وغير المعهود منها!

توسعت كريمتيها و اعتلى الخوف تعابير وجهها كما تسارعت نبضاتها و تقطعت أنفاسها, أفلتت الملابس من يدها بدون إرادتها و هرولت ناحيتها مسرعة!

جلست على طرف السرير و رفعت رأس مايا الى صدرها, ضربت خدها بخفة ناطقة بصوتها المرتجف: مايا؟! مايا؟! آه يالهي!! هيا استيقظي!!
أبت روحها الإستيقاظ و فضلت الخلود في جحر السديم الأدجن كما أبت هي الابتعاد عنها, فجلست بجانبها تربت بهدوء على رأسها بينما لم تعد تعرف ما تفعله بعد الآن!, عقلها فقد القدرة على التفكير فأصبح خاوياً خالياً من أي معلومات أو خبرات اكتسبتها من خلال عيشها في هذه الحياة القاسية.

في هذا الموقف تحديداً خذلتها قدماها و خانها قلبها فلن يرغب بالابتعاد عن الجثمان المهلك فظل يضرب قفصها الصدري بدون هوادة يذكرها بعدم تركها, فلم تجد خيار آخر غير الانصياع لرغبته!

تسارعت أنفاسها و ضاعت وسط هواء الغرفة البارد, حرارة ساخنة تحرق دمها و خلاياها تجري في شرايينها حتى أنها بدأت تفقد أبجديات الرؤية بسببها, غرقت في الديجور غير عالمة بما ستفعله في خطوتها القادمة لإيقاظ ابنتها!

مرت دقيقة أو دقيقتان بسرعة فكانت بالنسبة للسيدة كريستين كأن دهوراً قد مرت و هي خاضعة لقلقها الذي منعها من تحريك طرف واحد من جسدها غير رأسها الملتفت هنا و هناك و تشتت أنظارها في أرجاء الغرفة.

ما هي إلا فترة بسيطة حتى تباعدت أهدابها عن بعضها كاشفة لها ملامح غير معلومة لشخص أيقنت داخلها أنها تعرفه من نبرة صوته القلقة: مايا؟! هل أنتِ بخير؟!

عاودت إغلاق عينيها في وهن و ضعف ثم فتحتهما علّ كريمتيها تلتقط الصور بوضوح أكثر و هذا ما حدث فعلاً, تدريجياً بانت لها تقاسيم والدتها المغلفة بالتوتر و الإرهاق و سرعان ما بددهما التوهج الذي أضاء على وجهها فتألقت ابتسامتها و قد استكانت روحها أخيراً و ما عادت بحاجة الى التوتر الفظيع هذا!
نطقت بصوت خفيض مرهق غير مهتمة بمقدار سعادة والدتها التى سكنت قلبها فضخها بدوره في أجزاء الجسم كما يضخ الدم: أمي؟!

قربت السيدة كريستين أذنها من فمها لتلتقط عباراتها و يحللها الذي عاد الى العمل بدقة أكبر محاولة لملمة شتاتها: قلبي يعصرني بقوة حتى أني لم أعد أقدر على تحمله, أشعر لسبب ما أن تيفاني في خطر, هي ليست بأمان, ليست بأمان!
لاحظت السيدة كريستين ارتجاف أطرافها و طحنها لأسنانها, فرمقتها برقة تخللتها الجدية بين ثناياها.
قالت بعدما ابتعدت عنها بمسافة بسيطة: ما الذي حدث لها؟!
هزت رأسها و قالت بصوت خائف و توتر استوطن حروفها، فأمسكت بكتفي والدتها تستجدي بها: حلمت بسقوطها داخل قعر الظلام و قطرات الدم المتناثرة في الأرجاء تزينه و تتوهج بطريقة مقرفة و مخيفة..
صمتت لفترة ثم أردفت جاذبة جسد المتمثلة أمامها: انجيل تعرف, انجيل تعرف ما حدث...علي الذهاب لها.
كابرت على الوقوف متحديةً قدرة تحملها التي ما عادت تتحمل وزن سنبلة حتى!
لولا استوقفتها السيدة كريستين دافعة جسدها على السرير, فنطقت مؤنبة اياها: لا ترهقي نفسك, تيفاني دائما ما تحذرك من ذلك, لا تظني أن إرهاق النفس شيء مذهل, لا إنه فقط عبارة عن تعذيب لجسدك, ارتاحي و نالي قسطاً من الهدوء, ثم اذهبي إلى انجيل انتِ لستِ بحاجة إلى العجلة هكذا, حافظي على رباطة جأشك!
و تأكدت من أن لا يخلوا صوتها من الرقة و الأناة.
فابتسمت بورع لابنتها المشدوهة منها لتردف و هي تدفن جسدها تحت البطانية و تتأكد من تدثرها جيداً: ارتاحي الآن, و صفي ذهنك من كل هذه الأمور, إنها مجرد كوابيس مزعجة!
-ل... لكن أمي...تيفاني حتماً ليست بخير.
تحدثت متحججة:
-لا تقلقي و لا تشغلي بالك, هي حقاً بخير, إذا كانت شكوك أقوى من ظنونك فلتذهبي إلى انجيل
-تباً...حسناً
همهمت ثم رفعت صوتها مطيعة والدتها.
قهقهت السيدة كريستين ثم خرجت من الغرفة و دنت إلى الأسفل ململمة الملابس و هي تتمتم: آه يا إلهي رغم عدم تواجدها في المنزل إلا أنها تصنع الفوضى...حقاً أتدرين مقدار حب أختك لك؟!
وقفت على قدميها و استبدلت ملامح الرقة إلى اخرى جدية غزت تفاصيل وجهها فور ما تسللت عبارة مايا إلى سراديب عقلها, أدخلت يدها إلى جيب تنورتها و أخرجت هاتفها نقرت بسرعة على الأرقام لترفعه بمستوى أذنها, انتظرت استجابة الطرف الآخر بينما تكمل هي سيرها إلى غرفة نومها: نيك...أيمكنك التحقيق عن تيفاني و صديقاتها؟!, لاشيء فقط ينتابني شعور غريب, شعور يخبرني أنهن يواجهن الموت,...حقاً؟! شكراً لك عزيزي!
*~
فتحت عينيها بكسل سكن حركاتها و أول ما رأته غير الحيز الأبيض الفارغ هي أجرام صديقاتها الجلسات بجانبها تقريباً, ناظرنها و هي تحاول الجلوس بطريقة مريحة!
نطقت نارو: كريستال!! أخيراً استيقظتي!!
تحدثت متفاجئة من ناور التى عانقتها فور استيقاظها: ماذا؟! هل أنا آخر من استيقظت؟!
ابتعدت نارو عنها و قالت ببراءة قاتلة: أجل, بدا عليك التعب فعلا. ففضلنا عدم ايقاظك, خشية أن تكوني مرهقة!
كادت أن ترد عليها لولا علو ضحكات زووي الساخرة, أردفت و ابتسامة خبيثة تعتلي عرش وجهها فوكزت مرفق كريستال بمرفقها: هل كنت تحلمين بفارس أحلامك, ألم تملي من هذه الأحلام السخيفة؟!
دفعتها كريستال مما طرحها أرضاً, أوشكت أن تلفظ عبارتها إلا أن سقوط زووي حرمها من ذلك و جذب نظراتها إليها كما سلب اهتمام الأخرين بها, إنها غير مصدقة أنها أسقطت أقوى عضوة بينهن, لكن سقوط الأخيرة لم يكن بسبب ضربتها و إنما بسبب نوبة الضحك التى اجتاحتها مؤلمة مفاصل فمها, فحوطت معدتها بيدها و ضربت الأرض بقدمها, لكن الضحك لم يمنع آلة الحديث عن الكلام فأعقبت: ملامحك ممتعة يا فتاة, لا أصدق أنك أنتِ السبب الرئيسي في نجاتك و نارو, من المستحيل أن كريستال هكذا هي تتمتع بوجه جميل و حسب!
تفجرت شحنات غضب كريستال فتوغلت شراراتها في مفاصلها, لتنهض محمرة الوجه نتيجة لتجمع الدم في رأسها, فلم تعد تتحمل سخرية زووي منها أكثر, يجب عليها أن تضع حداً لها و لتفاهاتها تلك: زووي, أنا لست مثلك قوية جسدياً أو معنوياً, لست شجاعة مثلك أو مذهلة, أنا فقط فناة تملك وجه جميل...نعم... و لكني أملك ما لا تملكينه...
أوقفت الدهشة التى علت وجه زووي صوت نغماتها لتبحلق ببلاهة في كريستال الغاضبة لأول مرة!
بلعت لسانها و ظلت ترمقها لتحثها على الاستمرار كما فعلن الأخريات غير أن كورال رسمت ابتسامة صغيرة مبهمة على شفتيها: إني امتلك عقلاً يساعدني على الهرب من هذه الأحداث دون أن يتبزل جسدي مثلك أو يستحم بالدماء!
و عند لحظة تطرقها لهذه النقطة أيقنت الأخريات داخلهن أن كريستال و نارو هما الوحيدتان اللتان خرجتا من المتاهة دون قطرة دم واحدة تنساب منهما عدا جرح بسيط في رقبة الأولى, فيما خرجت زووي و كورال و تيفاني مستحمات بالدماء و لا يوجد شبر واحد من أجسادهن غير متلطخ بالسائل اللزج!
مرت فترة صمت بسيطة عليهن كسرتها زووي بضحكاتها المزعجة, وثبت واقفة كالمقاتلين بملامح مبهمة طغت علي وجهها.
اقتربت من كريستال لترخي يدها على كتفها: كنت أمزح, أنا أعلم أن لكل واحدة منا ما يميزها , و حان الوقت لنا لنظهر ما كان مبطناً في عالمنا, حيث يظهر معدننا الحقيقي و نكتسب أحاسيس و أمور لم نكن لنكتسبها في عالمنا, الشجاعة, الحماية, القلق على بعضنا, القوى العقلية, المعونة،
رقت نبرتها و رمت نظراتها على رفيقاتها لحظة نطقها لآخر جملتها, كورال, ثم هي, تليها تيفاني, تعقبها كريستال و أخيراً نارو، أكملت: و التغلب على مخاوفنا, لنجعل عالم اللعبة و حيزه عالماً يريد تغييرنا و ليس قتلنا, إنه تحويل بسيط نجريه في داخلنا, لنحول اليأس آلة أمل مستجدي منه القوة لتغيير انفسنا, فلو ملكنا اليأس بسبب اللعبة فنحن سنموت سامحين لهم بقتلنا, لذا نحن بحاجة إلى تحدي اللعبة و كسر قوانينها, إن أرادت تفريقنا سنكون مع بعضنا, إن أرادت قتلنا سنعيش, سننجو لو غيرنا مشاعرنا و نفضنا عنا القلق و الإرهاق و اليأس فهذه كلها دلالات على مشاعر لا يمتلكها سوى الخاسرين, لنتغير بدءً من الآن, كورال, تيفاني, كريستال, نارو!!!
هذا ليس متوقع من زووي ابدا!!, قولها أمور شاعرية كهذه ليس من سماتها و ليس ما اعتادوه منها, رؤية جانب آخر منها صادم نوعاً ما إلا أنه جذاب, كلماتها تلك قد جعلت اليأس و الخوف اللذين سكنهن يتبخران و بعثت فيهن الروح للحياة فأشعرتهن أنهن على قيد الحياة!!
ابتسمت كورال بهدوء و رقة ثم وقفت قائلة: زووي فلتكوني قائدتنا لهذه اللعبة!
تصريحها الصادم أذهلهن أكثر, كورال تتخلى عن القيادة لزووي!!, زووي؟! كتلة المرح تلك؟!
هل مسّ كورال كائن ما؟! أم أنها بقواها العقلية؟! لو كانت كذلك لما نطقت بهذا الهراء , هناك شيء غريب فيها, حتماً تملك مبرراً مقنعا لتصريحها!
كان هذا ما يدور في عقولهن حتى زووي! تعابيرهن مشدوهة, أعينهن بازغة تكاد تخرج من محجريها, و مصت الصدمة ألوان وجوههن!

[/cc]
__________________
سبحان الله -الحمدلله- لا إله إلا الله- الله أكبر
  #44  
قديم 01-19-2018, 10:05 PM
 
طلب تحرير فصل

[cc=^^]
الفصل الثامن
" هواجس, تساؤلات, يقين"
انتصب من مرقده فورما ارهف سمعه رنين مزعج صدر من هاتفه المرتكز فوق ملفات سوداء حصرت عدداً كبيرا من الأوراق حتى ان حواف البعض قد خرجت منها, حرك بؤبؤيه في أرجاء غرفة مكتبه الفوضوية ليتنهد بقلة حيلة, رفع فمه لأعلى كاشفا عن ضحكة متهكمة أطلقها ساخرا من حالته المزرية هذه, فمتى يتوقف عن هذه الصفة المخجلة بحقه؟!, زاد من بعثرة شعره البندقي فوق ما هو مبعثر و تثاءب بتثاقل, أرخى عنقه على مسند الكرسي الجلدي و توارت كريمتيه السوداوين خلف جفنيه مهلكا من عمله!

امتدت يده تفتش بين أغراضه المتراكمة فوق بعضها عن آلة الإزعاج تلك, تحسست أطراف بنانه الملفات السوداء سرعان ما أمسكت بضالتها, أجاب على المتصل بينما رفعه الى مستوى أذنه.

تسلل الى سمعه صوت رقيق خالجه بعضا من القلق يستجدي به: نيك...أيمكنك التحقيق عن تيفاني و صديقاتها؟!

أجابها بسؤالٍ آخر طرحه بخمول و قزحيتيه تحتضنان سقف غرفته الكئيب الذي يعكس روحه: لما؟! هل حدث لهن شيء؟!
صمت كارهاً أن يحشو حديثه بكلام لا فائدة له, و كدلالة على تألم مفاصله من التحدث ببضع كلمات أغلق عينيه بشدة لتتولد التجاعيد من حولهما!

انتشله صوت زوجته المرتبك من أغوار اللاوعي, فاستدرك من خلاله مقدار ما استبدَّت بها الهواجس المضنية, ليفتح عينيه و يدفع جسده للأمام سامحاً للجدية باختراق حيّزه و التفشي داخل كيانه لتنبلج على ملامحه الخاملة, مولياً اياها كامل اهتمامه, فالتقى حاجباه بحده تفصلهما تجاعيد برزت وسطهما, ليتبعهما لمعان شرارة لهيبيه في مقلتيه: لا شيء, فقط شعور غريب, شعور يخبرني انهن يواجهن الموت!

أطبق عليهما جو من التوتر و الحدة, تنتظر هي إجابته الشافية لقلبها, و يفكر هو بكلماتها المبهمة محاولاً تحليلها و فك رموزها, حتى تنفس الصعداء و عاد الى حالته غير المكترثة تلك.
أعطاها إجابته المرجوة غير انه لا ينوى فعل ذلك فالأمر متعب على أية حال: حسنا سأفعل, فلتستريحي الآن, و انفضي عنك هذا القلق المميت, و تأكدي من احتساء بعض من القهوة السوداء لعلها تساعدك على الإسترخاء!

قهقهت هي سعيدة بقوله, فكم اشتاقت الى إعداد قهوته السوداء المفضلة لديه, زاد علو ضحكاتها عندما تذكرت تلك الأيام الصارمة حيث انه دائما ما ينصحها بشرب القهوة السوداء إذا لم تستطع إيجاد الهدوء, أجابته برقة تخلل حروفها امتنان دفين: حقا؟! شكرا عزيزي

ارتسمت على شفتيه ابتسامة صغيرة بالكاد ترى, فرغم مظهره الكسول البارد الموحى على الشدة و الصرامة إلا أنه رهيف القلب,
وصل الى سمعه تأنيب ابنته الكسولة لزوجته المناقضة للأخيرة: امي...صوت ضحكاتك مرتفع...انك امرأة فلتضحكي برقة...آه انني على وشك الانتحار بسبب كتلة الإزعاج المسماة ب والدتي!!

عاتبتها السيدة كريستين: ماذا تفعلين خارج غرفتك يا هذه؟! فلتعودي الى الداخل لتأخذي قسطا من الراحة, انك متعبة, اضيفي الى اني والدتك فإياك و شتمي هكذا, لا أذكر اني ربيتك على هذا النحو!

صدح صوت مايا المزعج فما كان منه سوى أن يبعد الهاتف عن أذنه كاتما ضحكاته فلا يوجد امر ممتع اكثر من مشاهدة زوجته و ابنته تتشاجران: هذه؟! هل وصل بك الخرف لتنسي اسمي و انتي من اخترته لي؟!!, آه الرحمة يا إلهي!, امي فلتختفي عن وجهي أريد أن أنام!

- ياا عودي الى هنا, تبا لقد دخلت الى غرفتها, حتما انا سأقتلها يوما من الأيام, لن تجرني الى السجن اذا فعلتها صحيح نيك؟!
هتفت في ابنتها لكن لا حياة لمن تنادي, فتنهدت بأسة, لتتحدث الى زوجها بدلال, علَّه يحقق رغبتها في استماع الإجابة التى تحلم بها.

ضحك بخفوت و قال بخبث التمع في عينيه: سأدخلك السجن حتما!

تأففت منزعجة شاعرة بخيبة آمل تقطع أوصال قلبها, لكنها عاودت الكلام كعادتها: آه جميعكم تحبون تحطيمي هكذا, لماذا؟!

لم يكن امامه خيار غير أن يسمعها صدى موسيقاه العذبة ليتبعها بقوله راغبا في إنهاء المكالمة: لأنك لطيفة, اسف سأغلق الخط الآن, احتاج الى بدء التحقيق عنهن
أبعد هاتفه عن اذنه و أغلق الخط, فهو ليس بمزاج يسمح له بالاستماع الى ثرثرة زوجته, و لم يدع لها الفرصة للحديث!, لانه يعلم في داخله أنها لن تصمت ما إن تفتح فمها!

نهض من على كرسيه و دفن الهاتف في جيبه, قام بتعديل سترته السوداء الكلاسيكية ثم ربطة عنقه المرخية, ابتعد عن مكتبه ببنيته الضخمة و قد تموضعت فوقه قطعة زجاجية نحت عليها " نيكولاس ستروادت, محقق"
ليتجه ناحية الباب مغادراً غرفته ذات النمط العتيق سواءً أثاث او لونها فهو يميل نوعا ما الى الطابع القديم!

عبر الممر الطويل الخالي من أي شرطي إلا قلة من الأشخاص سواء مجتمعين مع بعضهم او منفردين, قصد الغرفة على يمينه فدخلها بجبروته ليهيمن الصمت على أفرادها!

مر من بين مكاتب عديدة ملئت الغرفة و صوب نظره الى تلك الفتاة النحيلة المنشغلة بترتيب ملفات قضايا عدة على قيد التحقيق في نهاية الحجرة الفسيحة, تجاهل نظرات حارقة لسعت جثمانه من كل صوب كان أصحابها بعضا من المنظمين حديثا و المعجبين بمهابته!

وقف امامها و رمق اسمها المنحوت على قطعة خشبية متموضعة فوق مكتبها " نوا باكيلي, مفتشة", كحّ بصوته الغليظ ليلفت انتباه سوداء الشعر المعكوف الى الخلف, فنظرت الى خلفها لتنتصب من فورها و تترك ما بيدها من ملفات, لم تكن صارخة الجمال و إنما بسيطة الملامح, السنت بلهجة احترام: هل هناك شيء سيد ستردوات؟!

رمق الغرفة اللحمية بتوتر فكيف يطلب منها مرافقته الى منزل أبنته؟!
فقرر ان يتخذ نمط الجدية في حديثه معها فأجاب بشيء من الحدة: فلتستعدي, سترافقينني الى مكان ما
و تنحنح في مكانه منزعجا من نظرات الإعجاب المصَوبة نحوه حتى أن البعض قد تناسى عمله!

صمتت قبل أن تجيب رامية نظراتها الى أماكن مختلفة مجنبتاً أسهم من هو أفضل منها, تحدثت لازوردية العينان في اضطراب بان على ملامحها كما تلك النبرة التى سيطرت على صوتها: ل...لماذا؟!

صدمها من سرعة إجابته و هو من يكره إطالة الحوار: لأجل مهمة تحقيق, فلتسرعي...
ابتعد عنها معطيا إياها ظهره و تأكد من أن لا يخلوا صوته من الآمر: سأنتظرك في السيارة امامك مهلة خمس دقائق فقط
اكتفى بهكذا عبارة متيقناً بأن نبرة التهديد و الوعيد قد أدركتها بسرعة بديهتها!

غادر الغرفة متوجاً الصمت ملكا على ساكنيها, فظلوا ينظرون الى بعضهم متسائلين, و ارتفع صوت الهمسات مع مرور الوقت و التى من المفترض ان تكون بصوت خفيض, فما هي القضية التى أجبرته على ترك كسله و مغادرة مكتبه ليطل عليهم؟!, حتما هي قضية مثيرة!!

تجاهلت ما دار من حولها من أحاديث و تنفست الصعداء, سبحت في اللاوعي و ظلت فترة واقفة فيها متفكرة حول القضية هذه مثل من معها, شدّت بها الوساوس حتى انها لعبت دورها عليها ببراعة, فباتت خائفة من أن تكون القضية أعلى من مستوى تفكيرها.

امتعضت ملامحها في قلق محاولة تبديد هذه الأفكار المزعجة التى راودتها فجأة, إلا ان كل محاولاتها بائت بالفشل!

لم تدرك أن ثلاث دقائق قد مرت و هي تسير حول مكتبها في اضطراب و تقضم أضافرها حتى أيقظها من سرحانها صوت أحد المستجدين: آنسة باكلي عليك ان تسرعي لم يتبقى أمامك سوى دقيقتين.

تلعثمت في قولها و تخبطت في سيرها, أفزعها أمر أن تتأخر على نيك لأنه حتما لن يجعلها تعيش حياتها المهنية بسلام, هرعت بسرعة تلملم أشيائها و حشرتها داخل حقيبة كتف سوداء بعشوائية!
علقتها على كتفها و غادرت الغرفة بملابسها الكلاسيكية السوداء و إن كان البنطال يصل الى فوق كعبها قليلا.
خرجت من مركز الشرطة مهرولة لتتوقف امام سيارة فاخرة في تصميمها و فخمة في لونها, لهثت منحنية جذعها علَّها تلتقط انفاسها فيما ناظرها هو بإستصغار!

فتح النافذة و آمرها بعنجهية: فلتصعدي

و لكم كرهت النظرة الساخرة التى شعت في كريمتيه!
عضت على نواجذها في حنق ثم انتصبت و فتحت باب السيارة لتدخلها و كلها فخر, و حاولت قدر استطاعتها ان تخفي عنه اضطرابها.

سألته بينما كان منشغلا في تشغيل محرك السيارة: ما نوع القضية؟!

أجابها محركا المقود لتبدأ السيارة بالتحرك على الخط شبه المزدحم بعدما نشرت دخانها في الهواء و أصدرت انينا حاد مزعج: نوعا ما هي ليست قضية, انه مجرد تحقيق للتأكد من سلامة تيفاني و صديقاتها

ارتفع حماسها و ثبط خوفها, شعرت بالحماقة من نفسها فما كان هناك داع لتثقل صدرها بوساوس مزعجة!
قالت باهتمام تبنى نبرتها: هل حدث لهن شيء؟!

ألسن راميا نظراته على يمينه و أمامه موليا جل اهتمامه على الطريق: لا, إنها مجرد هواجس واردت كريستين

أومأت برأسها لتردف بعد صمت لم يدم لوقت طويل: لو حدث و كنَّ في مشكلة عويصة ما الذي ستفعله؟!
لم تشعر بغباء سؤالها إلا بعد طرحها له, فشتمت نفسها في داخلها!

أعقب ملجما لسانها: سأفعل ما يتوجب عليَّ فعله, ثم توقفي عن طرح أسئلة أنتي تعلمين بالفعل إجابتها

رفعت منكبيها لتخفي رأسها بينهما و قد أحست بانها طفلة أنبها والدها قبل قليل: حسنا, أقسم لك أني لن أسأل أسئلة لا داع لها

ابتسم ساخراً منها غير مدرك لمقدار الإحراج الذي راودها حينها: لم أطلب منك ان تقسمي, إنك حمقاء فعلا

مجددا عادت لشتم نفسها مثل كل مرة, إنها تكره أن تكون مع هذا الشخص تحديدا في قضية واحدة, لأنه حتما سيسلب المجد لنفسه و إن كان صادقا, و سيجعلها تشعر بالإحراج من نفسها, من هو ليحدثها بهذه الطريقة؟! سؤال توغل سراديب عقلها مذكرا إياها في الأيام السابقة!

***

جلست على الأريكة تتصفح مجلة أزياء و تحتسي كوبا من القهوة السوداء كما طلب منها زوجها, غير انها رفعت صوت الموسيقى الصادرة من التلفاز لتعيش أجواء رومانسية هادئة!
أشفق الإسترخاء على حالها فقرر أن يؤنسها ليزيح عنها ثقل داهم قلبها بغتة, تراقصت ابتسامة عذبة على شفتيها و بدأ جسدها بالتمايل متزامنا مع الموسيقى بغير ادراك منها!

عبر من أمامها طيف لفتاة في السادسة عشر محطما بذلك جوها المنعش الذي تمنت أن تعيشه و لو لثانية واحدة فقط!

جذب اهتمامها طيف الفتاة فوقفت متخلية عن القهوة التى وضعتها فوق الطاولة الزجاجية و المجلة و تبعته.
اتخذت الصدمة حيزا كبيرا منها, فشقت تقاسيم وجهها حتى ما عادت تعرف ملامحها و امتصت لونها المائل للبياض!

مايا قد خرجت من غرفتها؟! هذا اول ما خطر في عقلها, فنبست مخاطبة ابنتها المنشغلة بارتداء حذائها: الى أين انتي ذاهبة؟!

اتاها الرد البارد كصاحبته: الى انجيل...لقد أخذت كفايتي من الراحة, أي راحة هذه؟!, لن أرتاح حتى أعرف ما حصل لها!
و انتصبت أثناء نطقها لآخر جملتها.

رمقت والدتها ببرود فبادلتها بالتردد, تحدثت: ألا تظنين انها نائمة ؟!, إن الوقت عصراً على الأرجح ان الناس نيام الان!

تأففت بضجر فهي بالكاد يمكنها الوقوف عظام قدمها آلمتها فورما ابتعدت عن سريرها و ليست متفرغة لسماع نصائح والدتها: أمي إنها مستيقظة حتما, هي تنتظرني, أنا واثقة
انقلبت مغادرة و فورما أمسكت مقبض الباب صرحت بعبارتها التحذيرية: و لا تحاولي إيقافي

ناظرتها محدثتها باندهاش غزا وجهها ففغرت فمها, و قبل ان تفتح الباب بحلقت في والدتها بقلة حيلة و أعقبت ساخرة: أغلقي فمك و إلا سيدخله الذباب!!

سألتها بعدما استجمعت شتاتها: هل ستذهبين حقا بملابس نومك؟!

استغربت مايا لتنظر الى ملابسها التى كانت أقرب الى ملابس النوم, قميص زهري لطيف و بنطال أسود مزركش, امتعضت ملامحها و قالت في شيء من الغضب: أمي هذه ليست ملابس نوم! انها ملابس الخروج

نفت والدتها ذلك و أعقبت عليها: لا, إنها حتما ملابس نوم!

شعرت بالغضب يتفجر داخلها فهي تكره أن يعارضها احد او أن يناقشها, فعقدت حاجبيها في انزعاج و أردفت: أيا كان, سأذهب
دائما ما تصرخ في وجه محدثها إن قال ما لا يعجبها!
صفعت الباب من خلفها بقوة ليصدر صوتا يصم الأذان, فأدركت والدتها بعدما أغمضت عينيها كردة فعل طبيعية جراء سماعها لذلك الأزيز الحاد أن الأمر قد وصل لحده بالنسبة لتلك الطائشة!

إلا ان الصدمة لم تطرح من على ملامحها, فسقطت على الارض غير مصدقة أن تلك الكسولة قد خرجت من المنزل, تمتمت: يمكنني الموت الآن مطمئنة البال!

***

رمقت السقف بعينين تائقتين لشيء غير ملموس, روحها جائعة تشتهي طعم الأمان الذي شبعت منه في وقت ما, اخترق معدتها تجويف لا تراه العينان, لكن تشعر به أحاسيسها, غياب أختها أثر كثيرا في المحيط من حولها, لم يعد هناك امان يلطف جوها, أو لطف يداعب حيَزها, فقدت مشاعر لم تكن تظن أنها ستختفي يوما ما!

تنهدت بتثاقل فقد سئمت من التفكير بهكذا امور لن تعيد اختها لأرض الواقع فرفعت ظهرها و نزلت من على السرير بتكاسل ثوى حركاتها, شعرها مبعثر فوضوي فطغى على قزحيتيها ليرمي ظله عليهما مبعدا أنظار القلق التى قد تراود الأخرين إن لمحو تراقص الخمول فيهما!

أوشكت على فتح الباب بينما كانت تتثاءب فسبقتها والدتها بذلك, علت الدهشة وجهها كما لو انها ولدت بوجه مشدوه: أمي؟!

قابلتها محدثتها بإبتسامة هادئة لم تتبين كريمتيها تعابير ابنتها المتعبة بسبب الظلام الدامس الذي احاط بغرفتها: مايا تنتظرك في الأسفل

بعثرت شعرها الأدجني بتكاسل لتنطق بثقل: حسنا

تركت مقبض الباب و تحركت مبتعدة عن والدتها لتنزل الى الطابق السفلي متجهة الى الصالون حيث تحدثت مع بيك هناك, همست في نفسها حينما رأت هيأت مايا المسترخية على الأريكة بإحترام دبَ في حركاتها " هل اليوم يوم المقابلات؟! "

جلست مقابل مايا بهدوء شديد حتى ان مقابلتها لم تدرك جلوسها, التفتت ببطيء لتصرخ فزعة, انتفضت انجيل بدورها لتهتف بإضطراب: ما بك؟!

أجابتها بعفوية ممسكة قلبها بيدها و الأخرى بكوب قهوة ساخنه: لقد تفاجأت من وجودك, لم ألاحظ قدومك ابدا

ارتسمت ابتسامة ساخرة مكلفة على شفتي انجيل لتردف بقلة صبر: لماذا انتي هنا؟!

اندفعت مايا بجسدها الى الأمام, مرخية كلتا يديها على ركبتيها و تحتضان الكوب الأبيض, استرخت ملامحها حينما ألسنت بجدية مبطنة التمستها محدثتها: اتيت لأعرف ما حصل لتيفاني, لم أستطع النوم أبدا منذ ان أخبرتني بذلك!

ارتفع فم انجيل لأعلى ما لبث أن توسعت ابتسامة ساخرة على وجهها و علت أنغامها المكان, اندهشت مايا منها و تراجع ظهرها الى الأخلف و لازلت تبحلق بها بطريقة غريبة, فتشوشت مشاعرها آنذاك ما بين إن كانت انجيل هكذا أو ان شيء ما قد مسَها, أحكمت الأخيرة على موسيقاها العذبة و أعقبت: ظننت انك غير مهتمة!

سعلت مايا بعدما تداركت الوضع و أن الحقيرة أمامها – كما نعتتها – تسخر منها, تحدثت بتردد و قد جالت نظراتها الغرفة بتشتت: في الحقيقة انا غير مهتمة و اعتقدت انه من الأفضل لو قتلت, لكن لا يمكنني ان اتغاضى عن حقيقة كونها اختي و من البديهي أن أقلق عليها

اعتلى الاستغراب ملامح انجيل و تفشى في جميع تقاسيمها سرعان ما ابتسمت بعفوية و اكملت: انتي ستصدقينني صحيح؟!

أومأت لها المعنية بعدما دفعت بجسدها للأمام باهتمام, حثت قزحيتيها العسلية انجيل على الإكمال فقالت: لقد تم سحبهن بواسطة دوامة إهليجية تشكلت من التلفاز

أطبق صمت مريض و ثقيل عليهما شاركه بعضا من الهدوء المريب, تكهربت الأجواء قليلا, و اكفهرت ملامح مايا و بدأ عقلها يتشكك في صحة ما تقوله انجيل و قلبها مقتنع تماما بما قالته, تخبطت داخل أغوار الشك و حاولت بإستماتة التفريق بين حديث عقلها المنطقي المعتمد على القوانين و خطاب قلبها المقنع بطريقة ما!

أغمضت عينيها بشدة فتشوشت لديها الأفكار و تداخلت ببعضها حتى أطلقت نفسا عميقا كما لو انها تخرج ما بداخلها من تساؤلات أثقلت كاهلها, نطقت في وهن و تعابير وجهها تخبر ما تخبئه من تردد في داخلها: هل رأيتِ ذلك بأم عينيك؟!

تنهدت في هدوء ثم قذفت خصلات شعرها الى الخلف و أجابت: أجل, لو لم أراه بعيني لما اخبرتك به, و صدقيني انني آخر من تصدق ما حدث!

ترددت لثانية أو ثانيتين قبل أن يلهج لسانها بصوت مرتجف: هل هذا يعني انهن لن تعدن؟!
و انتفض جسدها فورما رسم عقلها سيناريو اختفائهن, لتتنحنح في جلستها و تسعل بتوتر.

أعقبت انجيل ببرود مميت: ربما و ربما لا...

رفعت مايا رأسها و قالت بإرتباك تبنى نبرتها: ربما لا..؟!

عدلت انجيل من طريقة جلوسها و قبل أن تتحدث فكرت في كيفية ترتيب حديثها بطريقة تسهل لمقابلتها فهم ما حدث: التقيت بصديق لزووي يدعى بيك...

قاطع حديثها صراخ مايا المتحمس: بيك؟!
رمقتها انجيل بدهشة يشوبها شيء من النفور, حرقت نار الحماسة المتوقدة داخلها التوتر و الارتباك اللذين سيطرا عليها, فغزت السعادة تقاسيم وجهها, و تأججت النيران داخلها!

تلبكت في حديثها و علت ابتسامة مرتبكة وجهها: هل تعرفينه؟!

صدمتها الإجابة السريعة القادمة من صاحبتها فلم تتوقع ان تكون مايا متحمسة كما هي الآن فأيقنت أن هناك امور عجيبة تحدث في هذ العالم: أعرفه إنه مخترع العاب مذهل و مشهور للغاية, ألعابه نجحت نجاحا مذهلا!, أنتي محظوظة لأنك التقيته!

رمت انجيل نظراتها الى الأرض و قد انتابها الحرج لكونها لا تعرفه في حين أن مايا الكسولة تعرف من هو, أكملت بعد سعالها محاولة إخفاء مشاعر الخجل التي انتابتها في غفلة منها: على اية حال أخبرته بما حدث فقال انه ربما يجد الحل, لذا طلب مني الذهاب غدا الى شركته

التمست مايا الجدية من حديثها فشعرت بالاهتمام اكثر لتنطق بعدما أخمدت الجدية نيران الحماسة: الى اين سحبن؟!

- الى داخل لعبة ما

- لعبة؟!

- أجل, السي دي في الغرفة إن أردتي رؤيته, هيا فلنذهب

- أجل اني اريد رؤيته
و لسبب ما حوطت هالة غامضة مبهمة مايا أشعرت المتمثلة امامها بالرهبة منها!

سارتا الى الأعلى بخطى متزنة, لتدخل انجيل غرفتها و تشعل الأنوار, فورما وقعت عيني مايا على الفوضى المتكدسة في الغرفة شعرت بالنفور و أكدت لذاتها أنها اختارت الخيار الخاطئ للقدوم الى هنا!

انصدمت أكثر من قدرة سير انجيل فوق هذه الفوضى و كأن الغرفة نظيفة, توقفت أمام طاولة صغيرة بجانب سريرها و أخرجت من أحد ادراجها السي دي و سقط معه في نفس الوقت الورقة التى التقطتها من الشارع.

مدت السي دي لمايا التى بالكاد جلست على السرير بعدما عانت في الدخول, و انحنت هي لتجذب الورقة بين يديها, فتحتهما بفضول كما ذلك الذي سيطر على ملامح مايا, صرخت بدهشة انتشلت صديقتها من فضولها فورما وقعت عينيها على كلمات الورقة: كيف نسيت هذا؟!

بحلقت مايا فيها ببلاهة لتتحدث متعاقبة الكلمات بسرعة و قد غدت الحماسة جزء لا يتجزأ من كيانها: نحن قد نملك دليل يساعدنا على معرفة من فعلها...أعني من حبسهن داخل اللعبة

هتفت مايا تاركة السي دي ملقي بجانبها: تمزحين؟!

قفزت كالأرنب فوق السرير لتهبط على الجانب الاخر بجانب انجيل, وقفت و تشاركت الورقة معها.

تحدثت انجيل موضحة: لقد سقطت أمامي أثناء طريقي الى المدرسة, لم اكن أعلم لمن لكن هو حتما شخصا يريد مساعدتنا

تنقلت قزحيتي مايا ما بين انجيل والورقة, فهمست بهدوء مبهم: هل هو خجول؟!
جذب حديثها اهتمام انجيل فرمقتها بإستغراب: اعني انه لو لم يكن خجولا كان قد تحدثت إليك وجها لوجه أليس كذلك؟!

ارتياب غزا ملامح انجيل و اهتمام استوطن قلبها فنظرت الى الورقة بإضطراب وقالت: محقة..!
نظرت الى مايا التى بادلتها النظرات و أردفت بجدية: أتظنين انه قد يظهر و يساعدنا مجددا؟!

ارتخت أصابع مايا على ذقنها و قالت بحدة: على الأرجح بما انه قد ساعدك, هو شخصا على دراية بكل ما يحدث هنا!

دهشت منها انجيل و أوشكت على فتح فمها لتتكلم إلا ان قاطعتها مايا و هي تلتفت عائدة الى الصالون: لنذهب الى منزلهن!

لم تجد أي خيار آخر غير مرافقة مايا و التى لسبب ما شعرت انه قد سيطرت على زمام الأمور, أحست داخلها بل أيقنت أن مايا قد التمست شيئا ما من هذه الورقة الصغيرة, تبعتها الى خارج المنزل بعدما دفنت الورقة في جيبها!

***

توقفت السيارة السوداء امام الفيلا نصف المحترقة, نزلت نوا فزعة حتى انها تعرقلت في سيرها, فيما نزل مرافقها في هدوء شديد, و قد تخشب وجهه محاولا تزييف الهدوء, تقدم بضع خطوات ببرود لتقف نوا بجانبه قاطبة حاجبيها بينما داعبت رائحة البحر المالحة التى تمازجت مع رائحة الرماد أنوفهما!

تساءلت بقلق: هل حدث لهن شيء؟! اعني أن الحريق...!

شد على قبضته و عض على نواجذه, شعر بالقلق يضرب قفصه الصدري بدون هوادة و مع ذلك فضل التزام البرود, تحدث بهدوء يشابه شيء من التوتر الطفيف: كان إحساسها في محله!
رفع نبرة صوته الحادة لتسمعه مرافقته: فقط ما الذي حدث؟!

أعقبت بارتباك: لما لم تتحدث الأخبار عن ذلك؟!, ألسن مشهورات؟! امر كهذا لن تغفل عنه الصحافة و الإعلام أبدا
صمتت ثم أردفت: ألم تخبرك تيفاني بأي شيء عن هذا؟

هز رأسه نفيا و زاد شده على قبضة يده حتى غرزت أضافره في جلده: لا

وضعت يدها على مرفقها و همست بتفكر: غريب, هل اختفين, ام خطفن؟!
لم تدرك انها بالفعل صبت الزيت على النار!
أراد الصراخ إلا انه ألقى بجام غضبه على قبضة يده: لندخل قد نجد دليلا ما
همس لذاته: أيا كان من فعلها فقط انتظر!

طاوعته و دخلت خلفه الى المنزل, سعلت بشدة مغطية فمها بيدها, فيما ظل هو باردا صامتا من الخارج مهتاج و حارا من الداخل, غطى فمه بمنديل أخرجه من جيبه دون معرفتها بذلك, توجهت من فورها الى المطبخ بعدما آمرها بذلك بينما دخل هو الى غرفة المعيشة التى استحالت ألوانها المفعمة بالحياة الى لون رمادي مشبع بالموت و قد فاحت رائحته في المكان فيما كان الأثاث ممتلئ بالرماد, سعل قليلا ثم بدء بحثه وسط الفوضى العارمة التى اجتاحت الغرفة!

بعد مرور دقيقة أو دقيقتين انتصب واقفا متعبا من البحث, شعر بالإرهاق يثقل كاهله و الحقد و القلق يخفقان داخله, جلس على الأريكة مرخيا ظهره عليها و رمق الأرض بشرود, وقفت نوا بجانب الباب, اسندت مرفقها على عموده و قد انتابها الإحباط من هذا الشخص!
هتفت معاتبة: هل تعبت بهذه السرعة؟!

صرح بقوله مشيرا لها بيده أن غادري: فلتختفي من أمام وجهي

امتعضت بنفور سرعان ما ابتسمت بخبث لتردف: لكني لا اقف أمامك سيد ستردوات

أجابها بخمول: حقا؟!

تحولت الابتسامة الخبيثة الى ابتسامة مرتبكة, اضطربت بسبب نبرة صوته الخاملة: هل انت بخير؟!

لهج لسانه بهدوء مبطن بالغموض: لا أدري

تراجعت بضع خطوات و ملامح الإنزعاج و الاستغراب تشاركتا في غزوا مشاعرها و ملامحها, وضعت سبابتها بجاب جبينها و أدارتها أي مجنون!

و حينما أوشكت على الأنعطاف أرهف سمعها صوت صراخه الحاد: دليل!!

التفت من فورها بذهول و هرولت الى جانبه, كان منحي جذعه الى السجادة ليلتقط ورقة ما, انتصب وقت إرجاع نوا لخصلات شعرها المتمردة الى خلف اذنها, هتف بحماس: انظري انها رسالة! حتما شخصا ما هو من فعل هذا

رمقت كلمات الورقة و التى كانت مكتوبة بالخط الأحمر, همست بغموض: حققت امنيتك؟!

ناظرته بإستغراب لتقول: ما الذي يعنيه هذا؟!

أجاب بإرتياب: امنية! هذه الكلمة هي الخيط الذي يربط كل ما حدث لهن!

جذب نظرها صندوق لعبة مستلقي بجانب أقدام الطاولة الزجاجية: ما هذا؟!

بادلها النظرات ليهمس: خذيه انتي ظهري يؤلمني بالفعل

شعرت بغباء عقلية مديرها ولا تدري كيف صنف من أذكى محققي بريطانيا!, انحنت و سحب الصندوق الى جحرها, وقفت و نظرت اليه بإمعان كما فعل هو!

همس بصوت عميق: صندوق لعبة؟!

وقفت أقدام فتاتين امام المنزل تلهثان من التعب, انتصبت ذات الشعر الأسود بعدما كانت منحنية جذعها و بحلقت في المنزل همست: حريق؟!

رفعت الاخرى ظهرها كذلك و قالت: أجل, لقد احترق

تحدثت مايا بهدوء: لندخل

أومأت لها انجيل و ولجتا الى الداخل و لم تعلما بوجود السيارة السوداء!

***
- هل جننتي كورال؟! أعني زووي القائدة نوعا ما انه ضرب من الجنون اليس كذلك؟!
هتفت كريستال منفعلة على قرار كورال فيما بقيت الاخيرة صامتة!

- الجنون بعينه هو أن أكون انا القائدة و أنا لا أعرف شيئا عن الألعاب! زووي أكثرنا خبرة في هذه الأمور, فلما لا نضع حياتنا بين يديها ونثق بها؟!
تحدثت بطمأنينة و عقلانية جعلت كل الواقفات جالسات يتفكرن بكلامها!, هي لديها بعد نظر فعلا! فلم تنظر للقريب بل نظرت الى المستقبل البعيد!

همست زووي بإرتباك: ألا بأس بذلك كورال؟!
التمعت عيناها بعبارة لا أريد حينما كانت تنظر الى كورال!

أومأت برأسها مشجعة محدثتها: لا بأس بذلك, لو لم أكن أثق بك لما قلت ما قلت!
دفعت كتفها بيدها قليلا و هتفت بتشجيع: هيا أنا أثق بك حتى هن تثقن بك!

تنهدت بتردد و أجابت متربعة مطأطأة برأسها: حسنا

صمت ممل اطبق عليهن على حين غرة, فلم تجرؤ الواحدة منهن على فتح فمها حتى كرسته نارو بقولها: هل تظنون حقا باننا سنخرج من هنا؟! اعني قد قال الصوت ذات مرة أنه ستتوالى علينا الجولات حتى نموت!

و تشتت نظراتها بين رفيقاتها, صرحت تيفاني متفائلة و إن كانت تشعر بالقليل من الرهبة من كلام نارو: ما هذا الذي تقولينه نارو نحن حتما سنخرج من هنا, أليس كذلك؟!
رمقت صديقاتها ببريق أضاء كريمتيها فبدأ يخبو حينما تنتقل من وجه قلق الى آخر لا يختلف عنه!
تحدثت بإبتسامة مرتبكة تتلاشي تدريجيا: هيا ما الذي حدث للحماس الذي فجرتيه زووي قبل قليل؟!, ألم نتفق على كسر قوانين هذه اللعبة؟!, هل ضرب الخوف عقولكن؟! إذا كان كل ما صرحتن به مجرد كلام, أليس كذلك كريستال زووي؟!

كلماتها ولجت داخل قلوبهن رغما عنهن فضخت الدم في شرايينهن و بثت الروح في خلاياهن, لتنضج ملامحهن بالعفوية, كن قلقات حقا من الموت, خائفات, ممتلئات بهواجس لا صحة لها, حتى أبعدت تيفاني عنهن ضباب الوساوس و أعادت روح الحماسة لهن مجددا, و تعاود الابتسامة سيطرتها على شفتي تيفاني فتهدأ أخيرا!

اعتذرت نارو منزلة رأسها للأسفل: اسفة حقا, لم أكن اريد...

قاطعتها زووي قائلة بمرحها المعتاد: علام الاعتذار؟! انتي لم تقولي شيئا خاطئا, لكن معك حق نحن بحاجة الى مساعدة من الخارج!

أضاءت عبارتها عقل كريستال فأعادت لها ذكريات آخر لحظة قضينها في العالم الخارجي, هتفت مشبكة يديها ببعضهما: انجيل...!

رمقنها بإستغراب لتردف: انها تعرف ما حدث لنا!, أعني لقد كانت حاضرة أثناء نقلنا الى هنا, هي حتما لن تقف مكتوفة الأيدي

سالتها نارو بعدما احترق الأمل داخلها و تمنت ألا ينطفئ يوما: حقا؟!

أجابتها كريستال بإبتسامة شغت ثغرها: أجل, علينا ان نثق بها فحسب

تساءلت تيفاني بإهتمام: ألا يعني هذا انها قد تخبر مايا؟!

أجابتها زووي بسؤال آخر: و ما المشكلة إن أخبرتها

السنت و هي تنظر لهن بقلق يرافقه بعضا من الاضطراب: هي لن تساعد, ستظل جالسة على سريرها, إنها كسولها

هتفت كورال و قد بددت صرختها شياطين تيفاني التى وسوستها: لا تلقي بالا لذلك, مايا طيبة القلب لن تقل لا لشخص يريد مساعدتها أليس كذلك؟!

أومأت لها تيفاني و قالت: اتمنى ذلك فعلا

تدخلت نارو بفضول: أوليست مايا تمتلك نسبة ذكاء عالية؟!

هزت تيفاني رأسها موافقة و أعقبت: اجل, هي عبقرية

ابتسامة تراقصت على شفتي نارو: ألا يعني هذا انها قد تعرف من أدخلنا الى هنا و لماذا؟!

- نتمنى ذلك فعلا
أجبن الأخريات بخمول مع تنهيدة ثقيلة أخرجنها بتعب

نبست كريستال لذاتها " انجيل, اني اثق بك"

نهاية الفصل[/cc]
ديورين likes this.

التعديل الأخير تم بواسطة Soleil~ ; 01-19-2018 الساعة 11:06 PM
  #45  
قديم 01-19-2018, 10:13 PM
 
^
استلمت
اخيرا سأقرأ و ارد
imaginary light and Soleil~ like this.
__________________


اريقاتو وسام سنباي



وَإِذَا سَئِمْتَ مِنَ (الوُجُودِ) لِبُرْهَةٍ ** فَـاجْـعَـلْ مِنَ (الْــوَاوِ) الْكَئِـيبَةِ (سِيـنَـا)


وَإِذَا تَــعِبْتَ مِنَ (الصُّـــعُودِ) لِقِــمَّةٍ ** فَـاجْـعَـلْ مِنَ (الْعَيـنِ) الْبَئِيسَةِ (مِــيـمَا)





صلوا على النبي
موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
هُنا يَقع يَتيم مَشاعِر • ِ أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه 82 07-02-2016 07:40 AM
ما انثرُه هُنا هُو مِن بَوح قَلمي فقَط ' ILOVE YOU WENOO مدونات الأعضاء 2 08-30-2014 10:27 PM
# وَقعي هُنا ولو بِكلمةة .. سُكون. حواء ~ 27 11-13-2011 02:10 PM
هُنا اللُعبة .. هيا نبدأ اللعب قْلْبْ إنْسْآنْ أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه 4 04-01-2011 08:13 PM
طوابعڪِ المدرسيّة [هُنا] SKY حواء ~ 25 08-26-2010 07:22 PM


الساعة الآن 12:33 PM.


Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.

شات الشلة
Powered by: vBulletin Copyright ©2000 - 2006, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لعيون العرب
2003 - 2011