عيون العرب - ملتقى العالم العربي

العودة   عيون العرب - ملتقى العالم العربي > عيون الأقسام الإسلامية > نور الإسلام -

نور الإسلام - ,, على مذاهب أهل السنة والجماعة خاص بجميع المواضيع الاسلامية

Like Tree11Likes
  • 4 Post By ألكساندرا
  • 3 Post By ديورين
  • 4 Post By ألكساندرا
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 03-28-2018, 02:04 AM
 
ألماسي : الايمان بالقدر

[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:100%;background-image:url('https://c.top4top.net/p_812ppxrs2.png');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]




- أورا







الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الطاهر الأمين و بعد:

قال الله تعالى : ﴿إِنَّا كُلَّ شَىْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾ [سورة القمر ءاية 49]. وقال الله تعالى : ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً﴾ [سورة الفرقان ءاية 2].

الإيمان بالقدر خيره وشره معناه : الإيمان بأن كل ما دخل في الوجود من خير و شر هو بتقدير الله الأزلي ، فالخير من أعمال العباد بتقدير الله و محبته ورضاه، والشر من أعمال العباد بتقدير الله و خلقه و عِلْمِه ولكن ليس بمحبته ولا برضاه. الله خالق الخير والشرّ لكنه يرضى الخير ولا يرضى الشرّ. الله تعالى خالق أفعال العباد ونيّاتهم ومشيئتهم شرّها وخيرها.

إخوة الإسلام اعلموا انه لا يجريشىء في هذا العالم إلا بتقدير الله سبحانه وتعالى. والقدر هو جعل كل شيئ على ما هو عليه، وقد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :«الإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ» أي أن المخلوقات التي قدرها الله وفيها الخير والشر إنما وجدت بتقدير الله الأزلي.

والإيمان بالقدر هو من الأمور المهمة و يكون باعتقاد أن كلشىء يحصل بتقدير الله ويدخل في ذلك عمل العبد الخير و الشر باختياره. إن إرادة الله نافذة في كل ما أراده على حسب علمه الأزلي فما علم الله كونه أراد كونه في الوقت الذي يكون فيه. وما علم أنه لا يكون لم يرد أن يكون فلا يحدث في العالم شىء إلا بمشيئة الله.

فعل الأسباب لا ينافي التوكل على الله ولا ينافي اعتقاد أن كل شىء بتقدير الله لأن أفكارنا وأعمالنا ومشيئاتنا هي بخلق الله وتقديره ومشيئته التي لا تتغير ومن اعتقد خلاف ذلك أو شك في ذلك فلا يصِح إسلام فعليه الرجوع للإسلم بالنطق بالشهادتين مع ترك العقيدة الفاسدة:أشهد أن لا إله إلاَّ الله وأشهد أنَّ مُحَمَّداً رسول الله.

روى الإمام أحمد بن الحسين أبي بكر البيهقي رحمه الله بإسناده إلى رافع بن خَدِيج صاحبِ رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّه قال: “سيكون في أمتي أقوامٌ يكفرون بالله وبالقرءان وهم لا يشعرون فقلت يا رسول الله كيف يقولون قال يُقِرّون ببعض القدر ويكفرونَ ببعض يقولون إن الخير من الله والشرَّ من الشيطان”

فالله هو خالق الخير والشر لكنه يرضى الخير ولا يرضى الشر وهو يفعل ما يريد، لا يُسأل عما يفعل
قال الله تعالى: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ)[سورة الفلق 1 – 2]

ومن هنا سنشرح لكم الايمان بالقدر بطريقة مبسطه وشامله

1لا يحصل شىء إلا بمشيئة الله

2
الله سبحانه وتعالى يفعل ما يشاء ولا يظلم أحدا لكمال عدله سبحانه
3الله خالق كل شىء

4الله سبحانه هو الأول والآخر بأسمائه وصفاته فصفاته لا تفنى ولا تبيد

5الدعاء لا يُغير قدر الله




وقد ورد عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه عَلم بعض بناته :«مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ» رواه أبو داود. فكل ما شاء الله أن يكون كان وما لم يشأ أن يكون لا يكون ومشيئته سبحانه واقعة لا محالة.
هذه كلمة أجمع عليها المسلمون سلفهم وخلفهم، وقد قال الله تعالى : ﴿وَمَا تَشاَءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللهُ﴾ [سورة التكوير ءاية 29].

لقد أرسل الله تعالى الرسل مبشرين و منذرين ليظهر ما في استعداد العباد من الطوع والإباء فمن علم الله منه الإيمان ظهر منه الاستعداد للإيمان و من علم الله منه الكفر ظهر منه الاستعداد للكفر كما علم الله وشاء، فيهلك من هلك عن بينة و يحيى من حي عن بينة.قال الله تعالى : ﴿وَلَـٰكِن لِّيَقْضِيَ اللَّـهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّـهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ(42)﴾ [من سورة الأنفال ءاية 42].

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: «حدثنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو الصادق المصدوق:إن أحدكم يُجمَعُ خلقه في بطن أمه أربعينَ يومًا نُطفَة ثم يكون علقَةً مثلَ ذلك ثم يكونُ مُضغَةً مثلَ ذلك ثم يُرسَلُ إليه الملَك فيَنفُخ فيه الرّوح ويؤمَرُ بأربع كلمات : بكَتْب رِزقِه وأجَلِه وعمَلِه وشقيّ أو سعيد فوالله الذي لا إله غيرُه إنّ أحدَكُم ليَعمَلُ بعمل أهلِ الجنّة حتى ما يكونُ بينَه وبينها إلا ذِراع فيسبِق عليه الكتابُ فيَعملُ بعمل أهلِ النار فيدخلُها وإنّ أحدَكُم ليَعمَلُ بعملِ أهلِ النار حتى ما يكونُ بينَه وبينَها إلا ذراعٌ فيَسبق عليه الكتابُ فيعملُ بعمل أهلِ الجنّة فيدخلُها» رواه البخاري ومسلم. إذا السعيد من سعد بقضاء الله فكل مُيَسَّر لما خُلق له.

الله يفعل ما يشاء ولا يظلم ربك أحدا

جاء فى الحديث الصحيح الذي رواه الإمام أحمد فى مسنده والإمام أبو داود فى سننه وابنُ حِبَّان عن ابن الدَّيْلَمِىّ قال “أَتَيتُ أُبَىَّ بنَ كَعْبٍ فقلت: يا أبا المنذرِ، إنه حدث فى نفسى شىءٌ من هذا القدر، فحَدّثْنى لعلَّ اللهَ يَنفعُنى. قال:إنَّ اللهَ لو عذَّب أهلَ أرضِه وسمواتِه [الجنَّ والإنسَ والملائكةَ] لَعذَّبَهم وهو غيرُ ظالِمٍ لهم. ولو رَحِمَهم كانت رحمتُه خيرًا لهم مِن أعمالِهم (إحسانًا منه لا وجوبًا عليه). ولو أنفَقْتَ مِثلَ أُحُدٍ ذَهَبًا فى سبيل الله ما قَبِلَه اللهُ مِنكَ حتى تُؤْمِنَ بالقدَر، وَتَعْلَمَ أنَّ ما أصابَكَ (من خير أو شرّ) لم يكن لِيُخْطِئَكَ وما أخطَأَكَ لم يكن ليُصِيبَكَ. ولو مِتَّ على غيرِ ذلك دخَلتَ النارَ [مع الكفار]. قال: ثم أتيتُ عبدَ الله بنَ مسعود فحدَّثنى مثلَ ذلك. ثم أتيتُ حُذَيفةَ بنَ اليَمان فحدَّثنى مثلَ ذلك. ثم أتيتُ زيدَ بنَ ثابِتٍ فحدَّثنى مثلَ ذلك عن النبىّ .”

وقد قال الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه في كتابه (الفقه الأكبر)«قدّر اللهُ الأشياء وقضاها ولا يكون في الدنيا و الآخرة شىء إلا بمشيئته وعلمه وقضائه وقدره». وقال القاضي أبو بكر بنُ العربي :«من أعظم أصول الإيمان القدر فمن أنكره فقد كفر». وقال الإمام أبو جعفر الطحاوي في كتابه (العقيدة الطحاوية)وأصل القدر سر الله تعالى في خلقه لم يطّلع على ذلك مَلَكٌ مقربا ولا نبي مرسل والتعمق والنّظر في ذلك ذريعة الخذلان وسُلَّم الحرمان ودرجة الطغيان فالحذر كل الحذر نظرا وفكرا ووسوسة، فإن الله تعالى طوى علم القدر عن أنامه ونهاهم عن مرامه كما قال تعالى:﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾[سورة الأنبياء ءاية 23].فمن سأل لما فعل (أي على وجه الاعتراض على الله) فقد رد حكم الكتاب ومن رد حكم الكتاب كان من الكافرين.

عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ : ﴿كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَالَ يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ﴾رواه الترمذي في سننه وقَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. فإذا لا نافع ولا ضار على الحقيقة إلا الله.



إن الله سبحانه وتعالى هو خالق كل شىء وأما ما يقوله البعض أن الله خلق الخير ولم يخلق الشر فإنه تكذيب لقوله تعالى : ﴿أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾[سورة الرعد ءاية 16] و قوله تعالى : ﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ﴾[سورة الصافات ءاية 96] و من نسب لله تعالى خلق الخير دون الشر فقد نسب إلى الله العجز، ولو كان كذلك لكان للعالم مدبران مدبر للخير و مدبر للشر وهذا كفر وإشراك.

وهذا الرأي السفيه من جهة أخرى يجعل الله تعالى في ملكه مغلوبا، لأنهحَسَب اعتقاده الله أراد الخير فقط فيكون قد وقع في الشر من عدوه إبليس وأعوانه الكفار رغما عنه ويكفر من يعتقد هذا الرأي لمخالفته قوله تعالى : ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ﴾[سورة يوسف ءاية 21] أي لا أحد يمنع نفاذ مشيئة الله.

و ليس لأحد أن ينكر بأن الشر هو بخلق الله تعالى، وقد أخبر بذلك فقال تعالى:﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ﴾[سورةالفلق آية 1 ] ومن كذّب القرآن فقد كفر.

أخي المسلم إن مسألة القضاء والقدر لا يتم الإيمان إلا بها بأن يعتقد الإنسان أن كل شيئ من الطاعة والعصيان والنفع والضر بمشيئة الله، خلافا للمعتزلة فإنهم ينسبون خلق الفعل إلى العبد وقد سُمُّوا “بالقدريّة” لأنّهم نفوا القدر وقد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ﴿لِكُلِّ أمّة مجوس ومجوس هذه الأُمّة الّذينَ يقولون لا قدر﴾ رواه ابو داود وقال ابن عباس رضي الله عنه كلام القدرية كفر وإن قول المعتزلة بأنّ العبادَ يخلقون أفعالهم يُكذِّبُ قولَه تعالى ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾[سورة الأنعام ءاية 162 63] أخبر الله تعالى بأن صلاة العبد ونسكه ومحياه ومماته ملك له و خلق له لا يُشارِكُه فيه غيره. ومن الأدلة كذلك قوله تعالى : ﴿أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾[سورة النحل ءاية 17]. وقال البيهقي في مناقب الشافعي بإسناده الى الربيع المرادي :سُئِلَ الشافعي عن القدر فقال :ما شِئْتَ كان وإن لم أشأ وما شِئْتُ إن لم تَشأ لم يكن

خلقت العباد على ما علمت ففي العلم يجري الفتى والمسن

على ذا مننت وهذا خذلت وهذا أعنت وذا لم تعن

فمنهم شقي و منهم سعيد وهذا قبيح وهذا حسن.

قال تعالى:﴿وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنّ جَهَنّمَ مِنَ الْجِنّةِ وَالنّاسِ أَجْمَعِينَ﴾[سورة السجدة آية 13]. أخي المسلم، اللهُ منّ علينا بنعم كثيره فعلى كل منا أن يشكر الله على نعمه بترك المحرمات وأداء الواجبات وليس للمرء العاصي أن يقول لِمَ يُعذّبني وقد قدره علي إذاً ظلمني فهذا كفر، لأن الله هو الحاكم المطلق الفعال لما يريد﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾[سورة الأنبياء ءاية 23] وليس للمذنب أن يقول “طالما أنه قدره عليّ فلا بد أن يغفر لي ولن يعذبني أبدا ” وهذا هو الأمن من مكر الله. فالله خلق الجنة وجعل لها أهلها وخلق النار وجعل لها أهلها وما ربك بظلام للعبيد ومن عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها ولا يلومن إلاّ نفسه.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم :«اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ» رواه البخاري ومسلم والترمذي وأبو داود وابن ماجه وأحمد.




أشتهر عند المسلمين قول: سبحان الذي يُغَيِّر ولا يَتَغَير. الله لا يتغير
وصفاته سبحانه لا تفنى ولا يلحقها نقص فلا يجوزُ للإنسانِ أنْ يَعْتَقِدَ أنَّ مَشيئَةَ اللهِ تَتَغَيَّرُ، فلا تَتَغَيَّرُ مَشيئَةُ اللهِ بِدَعْوَةِ داعٍ أوْ صَدَقَةِ مُتَصَدّقٍ أو نَذْرِ ناذِرٍ.
اشتهر عند المسلمين قول: سبحان الذي يُغَيِّر ولا يَتَغَير.

وقدْ قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «سَأَلْتُ رَبِي ثَلاثًا فأَعْطَانِي ثِنْتَيْنِ وَمَنَعَنِي واحِدَةً»وفي رِوَايَةٍ:«قالَ لي يا مُحَمَّدُ إِنّي إذا قَضَيْتُ قَضَاءً فإِنَّهُ لا يُرَدُّ».
سبحانَ اللهِ الذي يُغَيّرُ ولا يَتَغَيَّرُ.لا يجوز أن يُعتقد أنّ الله يغيّر مشيئته بدعوة داع، ومن اعتقد ذلك فقد فسدت عقيدته وخرج من دين الله والعياذ بالله تعالى.
إن مشيئة الله أزلية أبدية لا يطرأ عليها تغيّر ولا تحول.



قال الله تبارك وتعالى: ﴿إنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِعَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَر﴾. ليُعلم أنّ الإيمان بالقدر هو من أهم أمور الدين، لأنّ المخالفة لأهل الحقّ فيه موقع في الكفر الذي هو سبب للخلود الأبدي في النار، أجارنا الله وإياكم منها فالرسول صلى الله عليه وسلم لمّا جاءه جبريل عليه السلام يسأله عن بيان الإسلام والإيمان والإحسان أجابه عن الإيمان بقوله “أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشرّه”. فقال له سيدنا جبريل “صدقت”. رواه مسلم

قال الله تعالى ﴿ما يُبَدَّلُ القول لدَيَّ﴾ قال ابن جرير الطبري في تفسيره “عن مجاهد في قوله (ما يُبَدَّلُ القولُ لَدَيَّ)، قال: قد قضيتُ ما أنا قاضٍ” اهـ. وأما معنى الحديث “لا يَرُدُّ القَضَاءَ إلا الدُّعاء”. فالقضاء هنا معناه، أي القضاء المُعَلَّق وليس المُبرَم المَحتوم. يوجد قضَاءٌ مُبْرَمٌ محتوم، وَقَضَاءٌ مُعَلَّقٌ. القضاء المُعَلَّق، ليس معلَّقًا في علم الله تعالى، فالله عالم الغيب والشهادة، لا يخفى عليه شىء في الأرض ولا في السماء، عِلمُه أزلي أبدي لا يتغيَّر. القَضَاءُ الْمُبْرَمُ أي المحتوم لا يَرُدُّهُ شَىْءٌ، لا دَعْوَةُ دَاعٍ وَلا صَدَقَةُ مُتَصَدِّقٍ ولا صِلَةُ رَحِمٍ. وَالْمُعَلَّقُ مَعْنَاهُ أَنَّهُ مُعَلَّقٌ في صُحُفِ الْمَلائِكَةِ الَّتي نَقَلُوهَا مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظ. مَثلاً يَكُونُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُم فُلانٌ إِنْ دَعَا بِكَذَا يُعْطَى كَذَا، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ لا يُعْطَى. وَهُمْ لا يَعْلَمُونَ مَاذَا سَيَكُونُ مِنْهُ. فَإِنْ دَعَا حَصَلَ ذَلِكَ. وَيَكُونُ دُعاؤُهُ رَدَّ القَضَاءَ الثَّانِيَ الْمُعَلَّقَ. وَهَذَا مَعْنى الْقَضَاءِ الْمُعَلَّقِ أَوِ الْقَدَرِ الْمُعَلَّقِ. وَلَيْسَ مَعْنَاهُ تَقْدِيرَ اللهِ الأَزَلِيِّ الَّذي هُوَ صِفَتُهُ مُعَلَّقٌ عَلَى فِعْلِ هَذَا الشَّخْصِ أَوْ دُعَائِهِ. فَاللهُ يَعْلَمُ كُلَّ شَىْءٍ بِعِلْمِهِ الأَزَلِيِّ. يَعْلَمُ أَيَّ الأَمْرَيْنِ سَيَخْتَارُ هَذَا الشَّخْصُ وَمَا الَّذي سَيُصِيبُهُ. وَكُتِبَ ذَلِكَ في اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ أَيْضًا وَعَلَى مِثْلِ هَذَا يُحْمَلُ الْحَدِيثُ الَّذي رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ “لا يَنْفَعُ حَذَرٌ مِنْ قَدَرٍ. وَلَكِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَمْحُو بِالدُّعَاءِ مَا شَاءَ مِنَ الْقَدَرِ” فَقَوْلُهُ “لا يَنْفَعُ حَذَرٌ مِنْ قَدَرٍ” مَعْنَاهُ فيما كُتِبَ مِنَ الْقَضَاءِ الْمَحْتُومِ. وَقَوْلُهُ “وَلَكِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَمْحُو بِالدُّعَاءِ مَا شَاءَ مِنَ الْقَدَرِ”، مَعْنَاهُ المَقْدُورُ. وَيَدُلُّ على ذَلِكَ مَا وَرَدَ في في الصَّحِيحِ في حَديثِ مُسْلِمٍ أَنَّ الرَّسُولَ عليهِ الصَّلاةُ والسلامُ قالَ “سَأَلْتُ رَبِّي لأُمَّتِي ثَلاثًا فَأَعْطَاني ثِنْتَيْنِ وَمَنَعَني وَاحِدَةً. سَأَلْتُهُ أَنْ لا يُهْلِكَ أُمَّتي بِالسَّنَةِ (أي المجاعة) العَامَّةِ فَأَعْطَانِيهَا. وَسألْتُهُ أَنْ لا يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَيَسْتَأصِلَهُمْ فَأَعْطَانِيهَا. وَسَأَلْتُهُ أَنْ لا يَجْعَلَ بأسَهُمْ بَيْنَهُم فَمَنَعِيها. وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إنِّي إِذَا قَضَيْتُ قَضَاءً فَإِنَّهُ لا يُرَدُّ” اهـ.

هَذَا الحَدِيثُ الكَلاَمُ فِيهِ عَنِ القَضَاءِ الْمُبْرَمِ المحتوم. وعَلَى كُلِّ حَالٍ مَشيئَةُ اللهِ وَتَقْدِيرُهُ وَعِلْمُهُ لا يَتَغَيَّرُ.
وَخَرَّجَ الْتِّرْمِذِيُّ في جَامِعِهِ عَن أَبِي خُزَامَةَ وَاسْمُهُ رِفَاعَة عَنْ أَبِيهِ قَالَ: “سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ رُقَىً نَسْتَرْقِيهَا وَدَوَاءً نَتَدَاوى بِهِ وَتُقَاةً نَتَّقِيهَا، هَلْ تَرُدُّ مِنْ قَدَرِ اللهِ شَيْئًا؟” قَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلام “هِيَ مِنْ قَدَرِ اللهِ”. قَالَ أَبُو عيسى –أيِ التِّرْمِذِيُّ- هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَفي بَعْضِ نُسَخِهِ حَسَنٌ صَحِيحٌ. اهـ. فَلَيْسَ وَرَاءَ هَذَا الْكَلامِ مِنْ السَّيِّدِ الْمَعْصُومِ مَرْمًى لأَحَدٍ

ثُمَّ تَأَمَّلْ جَوَابَ الْفَارُوقِ لأَبِي عُبَيْدَةَ حِينَ هَمَّ بِالرُّجُوعِ مِنْ أَجْلِ الدُّخُولِ عَلَى أَرْضٍ بِهَا الطّاعُونُ وَهِيَ الشَّامُ. فَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ الأَثِيرِ في الْكَامِلِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضيَ اللهُ عَنْهُ رَدَّ عَلَى سُؤالِ أَبِي عُبَيْدَةَ: “أَفِرَارًا مِنْ قَدَرِ اللهِ؟” فَأَجَابَهُ عُمَرُ “نَعَمْ تَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللهِ إِلى قَدَرِ اللهِ”، أَيْ إِذَا خَرَجْتَ مِنْ هَذِهِ الأَرْضِ إِلى أَرْضٍ أُخْرَى كُلُّ ذَلِكَ يَكُونُ بِتَقْدِيرِ اللهِ، وَلا يَكُونُ ذَلِكَ مُنَافِيًا لِلتَّوَكُّلِ. وَذَلِكَ في الوَقْعَةِ المَعرُوفَةِ بِطَاعُونِ عَمْوَاسَ الَّذِي أَتَى عَلَى كَثِيرٍ مِن جِلَّةِ الصَّحَابَةِ وَخِيرَةِ الْفَاتِحِينَ، فَكَانُوا شُهَدَاءَ الطَّاعُونَ.

المُسلِمُ عِنْدَمَا يَدْعُو اللهَ تعالى يَعْتَقِدُ جَزْمًا أَنَّ دُعَاءَهُ لا يُغَيِّرُ مَشِيئَةَ اللهِ تعالى، لَكِنِ الدُّعَاءُ بِخَيْرٍ عِبَادَةٌ. الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال”الدُّعَاءُ عِبَادَةٌ” وَالْعِبَادَةُ هُنَا مَعْنَاهَا الْحَسَنَات. فَنَحْنُ عِنْدَمَا نَدْعُو بِدُعَاءٍ حَسَنٍ يَكُونُ اعْتِقَادُنَا أَنَّ هَذَا الدُّعَاءَ فِيهِ أَجْرٌ، وَقَدْ يَدْفَعُ اللهُ عَنَّا شَيْئًا مِنَ الْبَلاءِ بِسَبَبِهِ. وَإِنْ شَاءَ اللهُ تعالى في الأَزَلِ أَنْ يُسْتَجَابَ دُعَاؤُنَا اسْتُجِيبَ.

ومَعنَى قَوْلِهِ تعالى ﴿ادعُوني أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾، أي أَطِيعُونِي أُثِبْكُمْ. ومَعنَى قَوْلِهِ تعالى ﴿كُلَّ يَوْمٍ هُوَ في شَأنٍ﴾ مَا قَالَهُ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ “يَغْفِرُ ذَنْبًا وَيُفَرِّجُ كَرْبًا وَيَرْفَعُ قَوْمًا وَيَضَعُ ءاخَرِين” رَواهُ ابنُ حِبَّانَ. وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ اللهَ يُغَيِّرُ مَشِيئَتَهُ. وَيُوَافِقُ هَذَا قَوْلُ النَّاسِ سُبْحَانَ الَّذي يُغَيِّرُ وَلا يَتَغَيَّرُ. وَهُوَ كَلامٌ جَمِيلٌ. إِذِ التَّغَيُّرُ في الْمَخْلُوقَاتِ وَلَيْسَ في اللهِ وَصِفَاتِهِ. فَيَكُونُ مَعْنَى الآيَةِ أَنَّ اللهَ يُغَيِّرُ في خَلْقِهِ مَا شَاءَ. ومَعنَى قَوْلِهِ تعالى ﴿أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعانِ﴾ أُثِيبُ الطَّائِعَ عَلَى طَاعَتِهِ الْمُوَافِقَةِ لِلشَّرْعِ.

وأَمَّا قَولُهُ تعالى ﴿يَمْحُوا اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ﴾، فليس مَعْنَاهُ الْمَحْوَ وَالإثْبَاتَ في تَقْدِيرِ اللهِ. وَقَدْ فَسَّرَ الشَّافِعِيُّ هَذَابِالنَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ أَيْ أَنَّ اللهَ يَمْحُو مَا يَشَاءُ مِنَ الْقُرْءَانِ أَيْ يَرْفَعُ حُكْمَهُ وَيَنْسَخُهُ بِحُكْمٍ لاحِقٍ، وَيُثْبِتُ مَا يَشَاءُ مِنَ الْقُرْءانِ فلا يَنْسَخُهُ. وَمَا يُبَدَّلُ وَمَا يُثْبَتُ كُلُّ ذَلِكَ في كِتَابٍ وَهَذَا في حَيَاةِ الرَّسُولِ. أَمَّا بَعْدَ وَفَاتِهِ فَلا نَسْخَ. قَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: هَذَا أَصَحُّ مَا قِيلَ في تأوِيلِ هَذِهِ الآيَة. وأَمَّا قَولُهُ تعالى ﴿وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾ فَمَعْنَاهُ أَنَّ اللَّوْحَ الْمَحْفُوظَ مشتمل على الْمَمْحُوِّ وَالْمُثْبَتِ. فَيُعْلَمُ مِمَّا تَقَدَّم أَنَّ قَوْلَ العَوَامِّ: اللَّهُمَّ إِنَّا لا نَسْأَلُكَ رَدَّ القَضَاءِ… رَاجِعٌ إِلى القَضَاءِ المُبرَمِ لا الْمُعَلَّقِ. فَلا تَعَارُضَ بَينَ هَذَا وبَينَ الحَديثِ. فلا يحصل شئ إلا بمشيئة الله، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه عَلَّم بعض بناته “ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن” رواه أبو داود. فكل ما شاء الله أن يكون كان، وما لم يشأ أن يكون لا يكون ولا تتغير مشيئته، فهو على حسب مشيئته الأزلية يُغيِّر المخلوقات من غير أن تتغيَّر مشيئتُه. هذه كلمة أجمع عليها المسلمون سلفهم وخلفهم. وقد قال الله تعالى “وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين”.



[/ALIGN]
[/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]
__________________
رب هب لى ملدنك ذرية طيبة




كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن:
سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم

التعديل الأخير تم بواسطة ذكريات باقية ; 03-29-2018 الساعة 01:05 AM
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 03-28-2018, 02:26 AM
 
تابع

[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:100%;background-image:url('https://c.top4top.net/p_812ppxrs2.png');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]




بيان المذهب الحق في القدر ونقصد بذلك مذهب السلف، وأهل السنة والجماعة، من الصحابة والتابعين، وتابعيهم إلى يوم القيامة، وهم الذين كانوا على الحق سائرين وهم الذين ثبتوا على طريق الهدى والرشاد حين بدأت بذور الفتن والفرقة تدب بين المسلمين, فنشأت هذه النحل والمقالات الفاسدة وصار لها دعاتها ومؤيدوها ومناصروها، وأصبحت كل فرقة تدعي أنها على الحق، وتستدل لأقوالها بأدلة من الكتاب والسنة، تزعم أنها تؤيد ما ذهبت إليه, بل قد تنسب أقوالها ومذاهبها إلى بعض الصحابة وكبار التابعين, وكان من آثار ذلك أن اختلطت المفاهيم، وضل فئام من الناس عن منهج الله المستقيم بكامله, أو في جانب من جوانب العقيدة.
أما أهل الحق فقد ثبتوا عليه، رغم المحن والشدائد وهب العلماء من السلف يبينون للناس العقيدة الصحيحة، ودلائلها من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم, ويردون على أهل الأهواء مذاهبهم وعقائدهم الفاسدة، ويدحضونها بالعلة وبالرهان، ويبينون ما هي عليه من زيف وباطل, وجاهد علماء السلف في ذلك، حتى نصرهم الله وأيدهم, فبقي مذهبهم هو مذهب عامة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وبقيت عقيدة السلف متميزة واضحة تمام الوضوح، يتلقاها الخلف عن السلف، أما النحل والأهواء الفاسدة، فإنها وإن بقيت، وبقي لها مؤيدوها إلا أن ما فيها من باطل قد وضح للناس والحمد لله رب العالمين.
وعقيدة أهل الحق من السلف في القدر واضحة صحيحة مستمدة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم, قد جلاها ووضحها علماء السلف رضوان الله عليهم... وأنهم يؤمنون بالقدر خيره وشره، حلوه ومره من الله تعالى.
على مراتب في درجتين:
الدرجة الأولى:
أن الله تعالى علم ما الخلق عاملون بعلمه القديم، الذي هو موصوف به أزلاً, وعلم جميع أحوالهم من الطاعات والمعاصي والأرزاق والآجال، ثم كتب الله في اللوح المحفوظ مقادير الخلق, فما أصاب الإنسان لم يكن ليخطئه, وما أخطأه لم يكن ليصيبه, جفت الأقلام وطويت الصحف.
وهذا التقدير التابع لعلمه سبحانه يكون في مواضع جملة وتفصيلاً, فقد كتب في اللوح المحفوظ ما شاء, وإذا خلق جسد الجنين قبل نفخ الروح فيه بعث إليه ملكاً, فيؤمر بأربع كلمات فيقال له: اكتب رزقه، وأجله، وعمله وشقي أو سعيد.
فهذه الدرجة تشمل مرتبتين: الأولى: العلم، والثانية: الكتابة.
الدرجة الثانية:
مشيئة الله النافذة, وقدرته الشاملة وهو الإيمان بأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وأن ما في السموات وما في الأرض من حركة ولا سكون إلا بمشيئة الله سبحانه وتعالى, لا يكون في ملكه إلا ما يريد، وأنه سبحانه على كل شيء قدير من الموجودات والمعدومات, فما من مخلوق في الأرض ولا في السماء إلا الله خالقه سبحانه فلا خالق غيره, ولا رب سواه, ومع ذلك فقد أمر العباد بطاعته, وطاعة رسله, ونهاهم عن معصيته, وهو سبحانه يحب المتقين, والمحسنين, والمقسطين, ويرضى عن الذين آمنوا وعملوا الصالحات، ولا يحب الكافرين، ولا يرضى عن القوم الفاسقين، ولا يأمر بالفحشاء, ولا يرضى لعباده الكفر، ولا يحب الفساد.
فهذه الدرجة تشمل مرتبتين: الأولى الإرادة والمشيئة والثانية: الخلق والتكوين.
2- أما أفعال العباد فهي داخلة في المرتبة الرابعة، ومذهب السلف فيها: أن الله خالق أفعال العباد، والعباد فاعلون حقيقة، والعبد هو المؤمن والكافر، والبر والفاجر، والمصلي والصائم، وللعباد قدرة على أعمالهم، ولهم إرادة والله خالقهم، وخالق قدرتهم وإرادتهم.



مذهب المكذبين بالقدر

ذهب بعض الضالين في هذا الباب إلى نفي القدر، وزعموا أن الله – تعالى عما يقولون – لا يعلم بالأشياء قبل حصولها، ولم يتقدم علمه بها، وقالوا: إنما يعلم الله بالموجودات بعد خلقها وإيجادها. وزعم هؤلاء كذباً وزوراً أن الله إذا أمر العباد ونهاهم لا يعلم من يطيعه منهم ممن يعصيه، ولا يعلم من يدخل الجنة ممن يدخل النار، حتى إذا استجاب العباد لشرعه أو رفضوا علم السعداء منهم والأشقياء، ويرفض هؤلاء الضلال الإيمان بعلم الله المتقدم، كما يكذبون بأن الله كتب مقادير الخلائق قبل خلق السماوات والأرض، كما ثبت في الكتاب والسنة. وقد نشأ القول بهذا في آخر عهد الصحابة، فأول من قال به معبد الجهني، ثم تقلد عنه هذا المذهب الفاسد رؤوس المعتزلة وأئمتهم كواصل بن عطاء الغزال، وعمرو بين عبيد، ورويت عنهم في هذا أقوال شنيعة فيها تكذيب لله ولرسوله في أن الله علم الأشياء وكتبها قبل خلقها. وقد خشي الرسول صلى الله عليه وسلم على أمته هذا الضلال الذي وقعت فيه هذه الفرقة، ففي الحديث الصحيح الذي يرويه ابن عساكر عن أبي محجن وابن عبد البر في (الجامع) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (أخاف على أمتي من بعدي ثلاثاً: حيف الأئمة، وإيماناً بالنجوم، وتكذيباً بالقدر)
وذكر أبو يعلى في (مسنده) والخطيب في (التاريخ) وابن عَدِيّ في (الكامل) بإسناد صحيح عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أخاف على أمتي من بعدي خصلتين: تكذيباً بالقدر، وتصديقاً بالنجوم))
وحذر الرسول صلى الله عليه وسلم أمته من هذا الضلال، ففي الحديث الذي يرويه الطبراني في (معجمه الأوسط)، والحاكم في (مستدركه) عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه قال: ((أُخِّر الكلام في القدر لشرار أمتي))
وروى الطبراني في (معجمه الكبير) عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ أمر هذه الأمة لا يزال مقارباً حتى يتكلموا في الولدان وفي القدر))
وسمى الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الفريق بمجوس هذه الأمة، لأن المجوس يقولون بوجود خالقين اثنين: النور والظلمة، وهذا الفريق يقولون بوجود خَالِقين، بل يزعمون أن كلَّ واحد خالق من دون الله، وقد أمر الرسول صلى الله وسلم بهجران هذا الفريق، فلا يزارون ولا يعادون، ففي الحديث الذي يرويه أحمد وأبو داود عن ابن عمر أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((القدرية مجوس هذه الأمة، إن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم))
وقد صاح الصحابة بأصحاب هذه الضلالة من كل ناحية، وأنكروا عليهم ما جاؤوا به من الضلال والباطل، ونهوا الناس عن مخالطة هؤلاء ومجالستهم، وأوردوا عليهم النصوص الفاضحة لباطلهم، المقررة للحق في باب القدر. ففي (سنن الترمذي) عن نافع أنَّ ابن عمر جاءَه رجل فقال: إنَّ فلاناً يَقرأ عليك السلام، فقال له: بلغني أنّه قد أحدث، فإن كان قد أحدث فلا تقرئه مني السلام، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((يكون في هذه الأمة أو في أمتي خسف أو مسخ أو قذف في أهل القدر))
وفي الترمذي عن ابن عمر أيضاً يرفعه: ((يكون في أمتي خسف ومسخ وذلك في المكذبين في القدر)).
وفي (سنن الترمذي) أيضاً عن عبد الواحد بن سليم قال: قدمت مكة فلقيت عطاء بن أبي رباح فقلت له: يا أبا محمد، إن أهل البصرة يقولون: لا قدر. قال يا بني، أتقرأ القرآن؟ قلت: نعم. قال: فاقرأ الزخرف. قال: فقرأت:حم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ[الزخرف: 1-4]. قال: أتدري ما أم الكتاب؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: فإنه كتاب كتبه قبل أن يخلق السماوات والأرض، فيه أن فرعون من أهل النار، وفيهتَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ[المسد:1].
قال عطاء: فلقيت الوليد بن عبادة بن الصامت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته ما كانت وصية أبيك عند الموت؟ قال: دعاني أبي فقال لي: يا بني، اتق الله، واعلم أنك لن تتقي الله حتى تؤمن بالله، وتؤمن بالقدر كله خيره وشره، فإن مت على غير هذا أدخلت النار، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن أول ما خلق الله القلم قال: اكتب. فقال: ما أكتب؟ قال: اكتب ما كان، وما هو كائن إلى الأبد))
وقد نص الأئمة على كفر هذه الطائفة التي لم تقر بعلم الله، وممن نص على كفرهم الأئمة مالك والشافعي وأحمد. وقد تلاشت هذه الطائفة التي تكذب بعلم الله السابق أو كادت، يقول السفاريني: قال العلماء: المنكرون لهذا انقرضوا، وهم الذين كفرهم الإمام مالك والإمام الشافعي والإمام أحمد وغيرهم من الأئمة. وقال القرطبي: قد انقرض هذا المذهب، فلا نعرف أحداً ينسب إليه من المتأخرين. وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني: القدرية اليوم مطبقون على أن الله عالم بأفعال العباد قبل وقوعها، وإنما خالفوا السلف في زعمهم بأن أفعال العباد مقدورة لهم، وواقعة منهم على وجه الاستقلال، وهو مع كونه مذهباً باطلاً أخف من المذهب الأول. قال: والمتأخرون منهم أنكروا تعلق الإرادة بأفعال العباد فراراً من تعلق القديم بالمحدث. وقال النووي: قال أصحاب المقالات من المتكلمين: انقرضت القدرية القائلون بهذا القول الشنيع الباطل، ولم يبق أحد من أهل القبلة عليه، وصارت القدرية في الأزمان المتأخرة تعتقد إثبات القدر، ولكن يقولون: الخير من الله، والشر من غيره تعالى الله عن قولهم والقدرية يعترفون بأن الله خلق الإنسان مريداً، لكن يجعلونه مريداً بالقوة والقبول، أي قابلاً لأن يريد هذا ويريد هذا، وأمّا كونه مريداً لهذا المُعَيَّنِ، وهذا المُعَيَّنِ، فهذا عندهم ليس مخلوقاً. فهؤلاء في الحقيقة مجوس ثَنَوِيَّة، بل أعظم منهم، فإن الثَنويّةَ أثبتوا خالِقَين للكون كله، وهؤلاء أثبتوا خالقين لكل فرد من الأفراد، ولكل فعل من الأفعال، بل جعلوا المخلوقين كلهم خالقين، ولولا تناقضهم لكانوا أكفر من المجوس. وطرد قولهم ولازمه وحاصلة هو إخراج أفعال العباد عن خلق الله - عز وجل - وملكه، وأنها ليست داخلة في ربوبيته عز وجل، وأنه يكون في ملكه ما لا يريد، ويريد مالا يكون، وأنهم أغنياء عن الله عز وجل، فلا يستعينون على طاعته ولا ترك معصيته، ولا يعوذون بالله من شرور أنفسهم ولا سيئات أعمالهم ولا يستهدونه الصراط المستقيم. والقدرية بزعمهم أرادوا تنزيه الله وتقديسه عندما زعموا أن الله شاء الإيمان من الكافر، ولكنَّ الكافر هو الذي شاء الكفر، وحجتهم في ذلك أن هذا يؤدي إلى الظلم، إذ كيف يشاء الله الكفر من الكافر ثم يعذبه عليه. ولكنهم -كما يقول شارح الطحاوية - صاروا كالمستجير من الرمضاء بالنار، فإنهم هربوا من شيء فوقعوا فيما هو شرٌّ منه فإنه يلزم أن مشيئة الكافر غلبت مشيئة الله تعالى، فإن الله قد شاء الإيمان منه - على قولهم - والكافر شاء الكفر، فوقعت مشيئة الكافر دون مشيئة الله تعالى، وهذا من أقبح الاعتقاد، وهو قول لا دليل عليه، بل هو مخالف للدليل. ومشيئة الله الكفر من الكافر ليس ظلماً له كما يدعي أهل الظلم من القدرية؛ فلله الحجة البالغة، وله في عباده من الحِكَمِ مالا يعلمه إلا هو تبارك وتعالى. ففي (صحيح مسلم) عن أبي الأسود الدِّيلي، قال: قال لي عمران بن الحصين: أرأيت ما يعمل الناس اليوم ويكدحون فيه، أشيء قضي عليهم ومضى عليهم من قدر ما سبق؟ أو فيما يستقبلون به مما أتاهم به نبيهم، وثبتت الحجّة عليهم؟ فقلت: بل شيء قضي عليهم، ومضى عليهم. قال: فقال: أفلا يكون ظلماً؟ قال: ففزعت فزعاً شديداً. وقلت: كل شيء خَلْق الله ومِلْك يده فلا يسأل عما يفعل وهم يسألون. فقال لي: يرحمك الله، إني لم أرد بما سألتك إلا لأحرز عقلك.إن رجلين من مزينة أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا: يا رسول الله، أرأيت ما يعمل الناس اليوم ويكدحون فيه، أشيء قضي عليهم ومضى فيهم من قدر قد سبق، أو فيما يستقبلون به مما أتاهم به نبيهم، وثبتت الحجة عليهم ؟
فقال: ((لا، بل شيء قضي عليهم ومضى فيهم، وتصديق ذلك في كتاب الله ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها[الشمس: 7-8]))
وفي (سنن أبي داود) عن ابن الديلمي قال: أتيت أُبي بن كعب، فقلت له: وقع في نفسي شيء من القدر، فحدثني بشيء لعل الله أن يذهبه من قلبي، قال: لو أن الله عذَّب أهل سمواته وأهل أرضه عذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم كانت رحمته خيراً لهم من أعمالهم، ولو أنفقت مثل أحد ذهباً في سبيل الله، ما تقبله الله منك حتى تؤمن بالقدر، وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، ولو مت على غير هذا لدخلت النار. قال: ثم أتيت عبدالله بن مسعود، فقال مثل ذلك، ثم أتيت حذيفة بن اليمان فقال مثل ذلك، ثم أتيت زيد بن ثابت فقال مثل ذلك
والقدرية بمسلكهم هذا جعلوا لأهل الضلال سبيلاً عليهم، فقد ذكر عمر بن الهيثم قال: خرجنا في سفينة، وصحبنا فيها قدري ومجوسي، فقال القدري للمجوسي: أسلم. فقال المجوسي: حتى يريد الله. فقال القدري: إن الله يريد، ولكن الشيطان لا يريد. قال المجوسي: أراد الله وأراد الشيطان، فكان ما أراد الشيطان، هذا شيطان قوي. وفي رواية أنه قال: فأنا مع أقواهما.






ولم يستطع منطق المعتزلة أن يقف في مجال الحجاج مع عوام أهل السنة فضلاً عن علمائهم وأهل الرأي فيهم. يذكر أهل العلم أن أعرابياً أتى عمرو بن عبيد، فقال له: إن ناقتي سُرقت، فادع الله أن يردها عليَّ.
قال عمرو بن عبيد: اللهم إن ناقة هذا الفقير سُرقت، ولم تُرِدْ سرقتها، اللهمّ ارددها عليه. فقال الأعرابي: الآن ذهبت ناقتي، وأيست منها. قال: كيف؟ قال: لأنه إذا أراد أن لا تُسرق فسرِقت، لم آمن أن يريد رجوعها فلا ترجع، ونهض من عنده منصرفاً
إجابة أبو عصام القسطلاني لقدري
وقال رجل لأبي عصام القسطلاني: أرأيت إن منعني الهدى، وأوردني الضلال ثم عذبني أيكون منصفاً؟
فقال له أبو عصام: إن يكن الهدى شيئاً هو له، فله أن يعطيه من يشاء ويمنعه من يشاء
محاورة عبد الجبار الهمداني وأبي إسحاق الإسفراييني
ودخل عبد الجبار الهمداني أحد شيوخ المعتزلة - على الصاحب ابن عباد، وعنده أبو إسحاق الإسفراييني أحد أئمة السنة، فلما رأى الأستاذ قال: سبحان من تنزه عن الفحشاء. فقال الأستاذ فوراً: سبحان من لا يقع في ملكه إلا من يشاء. فقال القاضي: أيشاء ربنا أن يُعْصَى؟ فقال الأستاذ: أيُعْصَى ربنا قهراً؟ فقال القاضي: أرأيت إن منعني الهدى، وقضى عَليَّ بالردى، أحسن إليّ أم أساء؟ فقال الأستاذ: إن منعك ما هو لك فقد أساء، وإن منعك ما هو له فهو يختص برحمته من يشاء فبهت القاضي. وفي (تاريخ الطبري) أن غيلان قال لميمون بن مهران بحضرة هشام بن عبد الملك الذي أتي به ليناقشه: أشاء الله أن يُعصى؟ فقال له ميمون: أفَعُصيَ كارهاً؟
بيْنَ عمر بن عبد العزيز وغَيْلان الدمشقي
وحاور عمر بن عبد العزيز غيلان الدمشقي أحد رؤوس الاعتزال، فقال له عمر: يا غيلان بلغني أنك تتكلم في القدر. فقال: يَكْذِبون عليَّ يا أمير المؤمنين. قال: اقرأ عليَّ سورة (يس). قال: فقرأ عليه:يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ لِتُنذِرَ قَوْمًا ما أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ إِنا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلاَلاً فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ[يس:1-9]. قال غيلان: لا والله لكأني يا أمير المؤمنين لم أقرأها قط إلا اليوم. أشهد يا أمير المؤمنين أني تائب من قولي بالقدر. فقال عمر: اللهم إن كان صادقاً فتب عليه، وإن كان كاذباً فاجعله آية للمؤمنين
قال معاذ بن معاذ: حدثني صاحب لي قال: مرَّ التيمي بمنزل ابن عون فحدثه بهذا الحديث، قال ابن عون: أنا رأيته مصلوباً بدمشق
وقال أبو جعفر الخطمي: شهدت عمر بن عبد العزيز وقد دعا غيلان لشيء بلغه في القدر فقال له: ويحك يا غيلان ما هذا الذي بلغني عنك؟ قال: يُكْذَبُ عليَّ يا أمير المؤمنين، يقال عليَّ ما لا أقول. قال: ما تقول في العلم؟ قال: نفذ العلم. قال: أنت مخصوم، اذهب الآن فقل ما شئت. يا غيلان، إنك إن أقررت بالعلم خصمت، وإن جحدته كفرت، وإنك إن تقر به فتخصم، خير لك من أن تجحد فتكفر. ثم قال له: أتقرأ (يس)؟ فقال: نعم. قال: اقرأ. قال: فقرأ (يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِإلى قوله:لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ[يس: 1-7]. قال: قف كيف ترى؟ قال: كأني لم أقرأ هذه الآية يا أمير المؤمنين. قال: زد. فقرأ:إِنا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلاَلاً فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ)[يس: 8-9]. فقال له عمر: قل (وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ وَسَوَاء عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ)[يس:9-10]. قال: كيف ترى ؟. قال: كأني لم أقرأ هذه الآيات قط، وإني أعاهد الله أن لا أتكلم في شيء مما كنت أتكلم فيه أبداً. قال: اذهب. فلما ولىَّ قال: اللهم إن كان كاذباً بما قال فأذقه حر السلاح. قال: فلم يتكلم زمن عمر، فلما كان يزيد بن عبد الملك كان رجلاً لا يهتم بهذا ولا ينظر فيه. قال: فتكلم غيلان. فلما ولي هشام أرسل إليه فقال له: أليس قد كنت عاهدت الله لعمر لا تتكلم في شيء من هذا أبداً؟ قال: أقلني، فوالله لا أعود. قال: لا أقالني الله إن أقلتك، هل تقرأ فاتحة الكتاب؟ قال: نعم. قال: اقرأالْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. فقرأ:الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمـنِ الرَّحِيمِ مَـلِكِ يَوْمِ الدِّينِ إِياكَ نَعْبُدُ وإِياكَ نَسْتَعِينُ[الفاتحة: 2-5]. قال: قف. على ما استعنته؟ على أمر بيده لا تستطيعه، أو على أمر في يدك أو بيدك؟ اذهبا فاقطعا يديه ورجليه واضربا عنقه واصلباه. والقدرية النفاة حُرموا الاستعانة بالله الواحد الأحد، لأنهم زعموا أن الله لا يقدر على أفعال العباد، وأن العبد هو الخالق لفعله، فكيف يستعينون بالله على مالا يقدر عليه.
وهؤلاء يعتمدون فيما يفعلون على حولهم وقوتهم وعملهم، وهم يطلبون الجزاء والأجر من الله كما يطلب الأجير أجره من مستأجره، والله ليس محتاجاً إلى العباد وأعمالهم، بل نفع ذلك عائد إلى العباد أنفسهم، ومع كون العباد هم المحتاجين إلى الأعمال، فلا غنى لهم عن الاستعانة باللهإِياكَ نَعْبُدُ وإِياكَ نَسْتَعِينُ[الفاتحة: 5].فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ[هود: 123]
بين هشام بن عبد الملك ورجلا يقول بالقدر
بلغ هشام بن عبد الملك أن رجلاً قد ظهر يقول بالقدر، وقد أغوى خلقاً كثيراً، فبعث إليه هشام فأحضره، فقال: ما هذا الذي بلغني عنك؟ قال: وما هو؟ قال: تقول: إن الله لم يقدر على خلق الشرّ؟ قال: بذلك أقول، فأحضِر من شئت يحاجني فيه، فإن غلبته بالحجة والبيان علمتُ أني على الحق، وإن غلبني بالحجة فاضرب عنقي. قال: فبعث هشام إلى الأوزاعي فأحضره لمناظرته، فقال له الأوزاعي: إن شئتَ سألتك عن واحدة، وإن شئتَ عن ثلاث، وإن شئتَ عن أربع؟ فقال: سل عما بدا لك، قال الأوزاعي: أخبرني عن الله عز وجل هل تعلم أنه قضى على ما نهى؟ قال: ليس عندي في هذا شيء، فقلت: يا أمير المؤمنين، هذه واحدة. ثم قلت له: أخبرني هل تعلم أن الله حال دون ما أمر؟ قال: هذه أشدّ من الأولى، فقلت: يا أمير المؤمنين، هذه اثنتان. ثم قلت له: هل تعلم أن الله أعان على ما حرّم؟ قال: هذه أشدّ من الأولى والثانية، فقلت: يا أمير المؤمنين، هذه ثلاث قد حلّ بها ضرب عنقه. فأمر به هشام فضربت عنقه. ثم قال للأوزاعي: يا أبا عمرو، فسّر لنا هذه المسائل، قال: نعم يا أمير المؤمنين. سألته: هل يعلم أن الله قضى على ما نهى؟ نهى آدم عن أكل الشجرة ثم قضى عليه بأكلها. وسألته: هل يعلم أن الله حال دون ما أمر؟ أمر إبليس بالسجود لآدم، ثم حال بينه وبين السجود. وسألته: هل يعلم أن الله أعان على ما حرّم؟ حرّم الميتة والدم، ثم أعاننا على أكله في وقت الاضطرار إليه. قال هشام: والرابعة ما هي يا أبا عمرو؟ قال: كنت أقول: مشيئتك مع الله أم دون الله؟ فإن قال: مع الله فقد اتخذ مع الله شريكاً، أو قال: دون الله، فقد انفرد بالربوبية، فأيهما أجابني فقد حلّ ضرب عنقه بها، قال هشام: حياة الخلق وقوام الدين بالعلماء.

اللهم إنا نسألك أن تثبتنا على توحيدك و على الاعتقاد السليم إنك على كل شىء قدير.

والحمد لله ربّ العالمين


[/ALIGN]
[/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]
__________________


اريقاتو وسام سنباي



وَإِذَا سَئِمْتَ مِنَ (الوُجُودِ) لِبُرْهَةٍ ** فَـاجْـعَـلْ مِنَ (الْــوَاوِ) الْكَئِـيبَةِ (سِيـنَـا)


وَإِذَا تَــعِبْتَ مِنَ (الصُّـــعُودِ) لِقِــمَّةٍ ** فَـاجْـعَـلْ مِنَ (الْعَيـنِ) الْبَئِيسَةِ (مِــيـمَا)





صلوا على النبي

التعديل الأخير تم بواسطة ذكريات باقية ; 03-29-2018 الساعة 01:06 AM
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 03-28-2018, 02:48 AM
 
[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:100%;background-image:url('https://c.top4top.net/p_812ppxrs2.png');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]



كيفكم يا قوم ،كيف احوالكم الماديه،والدنيويه،واهم شىء الدينيه..؟

شفتو هاد ،موضوعنا انا وديورين والى هو الايمان بالقدر ،حسب بطاقة المسابقه

طبعا الشكر للجميله اورافيس على هالمسابقه الى دفعتنا
من زمان وانا نفسى نزل موضوع بهالقسم المميز واجى التنشيط من ناحيتها

ربى يجعله بميزان حسناتها ،ويجازينا على كد تعبنا ، جمع المعلومات وترتيبها ،وتفحصها والتأكد من صحتها
ومصادرها صعب ،ولكن الجميل انه لوجه الله

ربى يجعل هالموضوع فاتحة خير على
~~

ديورين

كح كح
السلام عليكم
الحمد لله رب العالمين
الصلاة و السلام على خير خلق الله اجمعين
الايمان بالقضاء و القدر ركن من اركان الايمان
يعني بلاه ينهار ^^..
الموضوع من مواقع اسلامية .. تمنينا تنسيق نصي و لغوي اسهل
لكن الوقت لم يسعف و الظروف تقهر ^^
اقرأوا للفائدة .. مؤكد اشياء م كانت واضحة توضح و اخطاء تصحح :" class="inlineimg" />
و السلام عليكم



[/ALIGN]
[/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]
__________________
رب هب لى ملدنك ذرية طيبة




كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن:
سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 04-16-2018, 07:25 PM
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخباركم
جزاكم الله خيرا على هذا الموضوع الرائع
تقبلوا مروري وأنتظر ابداعاتكم
بالتوفيق ❤
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
**&آمنتو بالقدر&** محبوسة الاحلام روايات و قصص الانمي 4 11-06-2017 10:35 PM
ما زلت لا أعلم ما بالقدر,,,,,,,, الشيماء6 أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه 3 09-01-2012 12:30 AM
الإيمان بالقدر تعريفه ـ مراتبه ـ ثمراته موسى حجاب نور الإسلام - 0 03-29-2010 01:40 PM
( ماذا يعني الإيمان بالقدر ؟ ) الشافعي نور الإسلام - 6 01-27-2007 10:08 AM


الساعة الآن 01:16 AM.


Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.

شات الشلة
Powered by: vBulletin Copyright ©2000 - 2006, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لعيون العرب
2003 - 2011