عيون العرب - ملتقى العالم العربي

العودة   عيون العرب - ملتقى العالم العربي > عيون الأقسام الإسلامية > نور الإسلام -

نور الإسلام - ,, على مذاهب أهل السنة والجماعة خاص بجميع المواضيع الاسلامية

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 04-19-2008, 10:58 PM
 
ردا علي المفترين علي سيدنا عمر رضي الله عنه من العصرانيين(شبهات-ردود مهمة جداً جداً)

اجتهادات عمر بن الخطاب رضي الله عنه
في خضم الدعوات المتعالية إلى التجديد وإعادة قراءة النصوص من منظور عصري، يستوقف الباحث ذلك التركيز الشديد على بعض الاجتهادات لخليفة المسلمين الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه في بعض النصوص القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة حيث تعاد قراءتها وفق رؤى واقعية عصرية من قبل المتصدين للشأن الثقافي العام من الكتّاب والصحفيين، وتعاد صياغتها في قوالب فكرية ويستخلص منها قواعد واستنتاجات، ظن أصحابها أنهم فاقوا فيها الأوائل في فهم فلسفة التشريع الإسلامي وإدراك معاني النصوص ودلالاتها ومقاصدها، حيث يخرجون عادة بعد تحليل هذه الاجتهادات بقاعدة باطلة مفادها:
أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد اجتهد في نصوص صريحة واضحة قطعية الثبوت والدلالة فأوّلها أو عطلّها، وخصّصها أو قيّدها، أو أوقف العمل بها مؤقتاً، تارة باسم المصلحة العامة وتارة باسم الفهم العميق لمقاصد الشريعة، ولا يفوتهم أثناء ذلك استشعار الحاجة الى كيل حزمة من المديح لعمر والثناء على حسن فهمه وعبقريته وغوصه على بواطن النصوص حتى وصل به الحال - كذا يدعون - إلى مخالفة النصوص ذاتها، فهو مجتهد عبقري لم تعرف الأمة له مثيلاً، وعلى خطاه يجب أن يسير" المجتهدون" "والعلماء " "والمفكرون " والقادة في هذه الأيام "(1).
كل ذلك وصولاً إلى الهدف من وراء هذه القراءات وتلك الاجتهادات والتأويلات ألا وهي انتزاع اعتراف بصحة وشرعية قاعدتهم المستنبطة وهي: أن الاجتهاد غير مقتصر على النصوص الظنية ثبوتاً أو دلالة وأنه لا صحة للقاعدة الأصولية الشائعة " لا اجتهاد في مورد النص" فقد تكرر اجتهاد عمر في نصوص قطعية ثبوتاً ودلالة، كاجتهاده في قسمة أرض السواد وتضعيف الجزية على نصارى بني تغلب باسم الصدقة وتعطيل حد السرقة ومنع إعطاء المؤلفة قلوبهم …الخ(2).
والذي يعني هؤلاء القوم اليوم، ليس الاجتهاد في حكم الغنائم ولا الجزية، فما عاد هناك غنائم، وصارت الجزية تؤخذ على رقاب المسلمين لا رقاب أهل الذمة، وإنما مرادهم التسليم لهم بالقاعدة " الاجتهاد سائغ حتى في مورد النصوص القطعية "، فإن سلّم لهم بذلك راحوا يجتهدون في شكل نظام الحكم في الإسلام ومتى يكون شرعياً ومتى يعتبر باطلاً، فيخرجون بجواز أن يكون الحكم ديمقراطياً، وان شرعيته مستمدة من تأييد غالبية "الشعب "، ثم اجتهدوا في حجاب المرأة، فخرجوا بجواز كشفها شعرها ونحرها وساعديها وساقيها كيف لا وهو رأي بعض الأئمة ؟!، فإن سلم لهم بهذا - وأنّى يظفروا به - تابعوه بالقول بجواز الاختلاط، أوَ ليس بجائز أن تبيع المرأة وتشتري ؟! أما يجوز لها أن تشهد الجمعة والجماعات وصلاة العيدين ومهمات المسلمين ؟ثم أجازوا ربا البنوك وأحلوها، أو ليس مفهوم الربا ذاته فيه خلاف عن ابن عباس ؟ أو لم تكن حرمته مقيدة بكونه مضاعفاً مرة أو تكون قرضاً استهلاكياً لا إنتاجيا ؟.
وهؤلاء الكتاّب وإن لم يجرؤ بعضهم على التصريح بهذا، إلا أن قصدهم هذا ظاهر من إلحاحهم الشديد على مفهوم الاجتهاد، وإعادة قراءة النصوص وفق مناهج ورؤى غربية أو شرقية، بعضها قديم وبعضها معاصر، وظاهر من تركيزهم الشديد على تحطيم مرجعية النص الشرعي وقدسيته، من خلال القول بتاريخيته وبيئته، وأقول "البعض منهم " لأن كثير منهم ما عاد يخشى إبداء أهدافه ودعواته ولا عاد يختبئ تحت عباءة عمر، التي لا تغطي الخارجين على القرآن والسنة، نجد ذلك واضحاً عند الجابري و أركون ونصر حامد أبي زيد ومحمد عمارة وبعض رموز التيار الإسلامي كالترابي و الغنوشي(3)، وغيرهم
وهذا بعض ما حملني على الحديث في هذه الاجتهادات الواردة عن عمر رضي الله عنه وتوضيحها وتوجيهها، وبيان أنها لم تكن في الموارد القطعية، كما توهم هؤلاء الناس، وأن الفاروق الملهم لم يعطل حداً، ولم يخالف حكماً وأولى لهؤلاء أن لا يتعلقوا بخيوط يظنونها من الحديد وما هي إلا من خيوط العنكبوت. وأبدؤها بما يظنه بعضهم أوضح وأصرح مخالفة لعمر رضي الله عنه للقرآن الكريم.

المطلب الأول : عمر وذم الرأي
لكن قبل الشروع في تفنيد تلك التوهمات، أتحف القارئ بنزر يسير من أقوال الفاروق رضي الله عنه، في إنكاره القول بالرأي المحض في الدين، ولعله من نافلة القول أن أذكر أن عمر في ذلك لم يكن بدعا من الصحابة، بل ومن أجيال المسلمين المتلاحقة، الذين تطامنوا على جعل النصوص الشرعية هي الحكم والمرجع والفيصل في كل ما يعرض من اختلافات ومشاكل لا إلى الأهواء.
ولكن تزايد الطعون من أعداء الوحي والسنة خاصة واشتداد الجلبة من محترفي الضوضاء الفكرية ألزمتنا بذكر هذه النقول، وهذه بعضها:
1. قال وهب بن منبه:" ثنا يونس بن يزيد عن ابن شهاب أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال وهو على المنبر: يا أيها الناس إن الرأي إنما كان من رسول الله r مصيباً، أن الله كان يريه و إنما هو منا الظن والتكلف.
قال ابن القيم بعد ذكر هذا الأثر: مراد ابن عمر رضي الله عنه قوله تعالى } إِنا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ {( النساء-105 ) فلم يكن له رأي غير ما أراه الله إياه، وأما ما رأى غيره فظن وتكلف.
2. وروى ابن وهب عن محمد بن إبراهيم التيمي: أن عمر بن الخطاب قال: اصبح أهل الرأي أعداء السنن، أعيتهم أن يعوها، و تفلتت منهم أن يرووها فاستبقوها بالرأي.
3. وذكر ابن الهادي عن محمد بن إبراهيم التيمي قال: قال عمر بن الخطاب: إياكم والرأي فان أصحاب الرأي أعداء السنن، أعيتهم الأحاديث أن يعوها، وتفلتت منهم أن يحفظوها، فقالوا في الدين برأيهم، وزاد الشعبي في رواية: فقالوا بالرأي فضلوا و أضلوا.

قال ابن القيم بعد أن ذكر هذه الآثار وغيرها الكثير الكثير عن عمر وأبي بكر وعثمان وعلي وابن مسعود وغيرهم من اجلة الصحابة: وأسانيد هذه الآثار عن عمر في غاية الصحة(4).
فما جاء عن بعض الصحابة في قولهم بالرأي، فإنما كان يعني الرأي المحمود ؟، وهو الرأي الذي يفسر النصوص، ويبين وجه الدلالة فيها،ولا يستوي رأي من أثنى الله عز وجل عليهم في القران والتوراة والإنجيل، وسبق لهم على لسان رسول الله r من الفضل ما ليس لأحد بعدهم، وشاهدوا التنزيل فعلموا ما أراد الله عز وجل ورسوله عاما وخاصا وعزما و إرشادا،وهم فوقنا في كل علم واجتهاد وورع …، أقول لا يستوي هؤلاء الربانيون بمن علم حالهم وتقصيرهم واستغراق أوقاتهم و أعمارهم في الدنيا وملذاتها على احسن الأحوال العيال.
والرأي كما هو معروف عند جمهور العلماء منه ما هو محمود بلا ريب كالذي ذكرت، ومنه ما هو باطل بلا ريب، كالرأي المخالف للنصوص أو الكلام في الدين بالخرص والظن، والقول في أحكام الشرائع بالاستحسان والهوى، مع التفريط والتقصير في معرفة النصوص وفهمها واستنباط الأحكام منها، أو الرأي الذي تُحدث به البدع وتُغير به السنن، ومن كان له مسكة من عقل، يعلم ان فساد العالم وخرابه إنما نشا من تقديم الرأي على الوحي، والهوى على العقل، وما استحكم هذان الأصلان الفاسدان في قلب إلا استحكم هلاكه، وفي أمة إلا فسد أمرها أتم فساد، فلا اله إلا الله كم نفي بهذه الآراء من حق وأثبت بها من باطل ؟ وأُميت بها من هدى وأُحييَ بها من ضلالة ؟ وكم هُدم بها من معقل للإيمان أو عُمِّر بها من دين للشيطان؟.(5)
فحاشا أصحاب رسول الله أن يكونوا من زمرة أولئك القوم وحاشا مُلْهَم الأمة أن يكون مشجبا يُعلق عليه تحريف كتاب الله وسنة رسوله r.


(1) انظر: - علي حسب الله : أصول التشريع الإسلامي 01،183.
- وأحمد أمين: فجر الإسلام 38.
- و محمد هشام الأيوبي: الاجتهاد ومقتضيات العصر 12،222.
- ود. محمد عمارة: معالم المنهج الإسلامي 03 113.
وله أيضاً: النص الإسلامي بين الاجتهاد والجمود والتاريخية 8- 69.

(2)وهو ما صرح به د. محمد عمارة وكشف عن نيته فيه في كتابيه السابقين وغيرهما.

(3) سنوضح تلك الدعوات ومواضعها وقائليها في فصل " دعاوى التجديد " في الباب الثاني، إن شاء الله تعالى.

(4) ابن قيم الجوزية محمد بن أبي بكر بن مسعد الزرعي : إعلام الموقعين عن رب العالمين 1/57.

(5) المصدر السابق 1/57.
منقول
__________________
يقول شيخ الإسلام إبن تيميه (رحمه الله)
في طريق الجنّة لامكان للخائفين وللجُبناء
فتخويفُ أهل الباطل هو من عمل الشيطان
ولن يخافُ من الشيطان إلا أتباعه وأوليائه
ولايخاف من المخلوقين إلا من في قلبه مرض
(( أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ))
الزمر : 36
ألا أن سلعة الله غالية ..
ألا ان سلعة الله الجنة !!
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 04-19-2008, 10:59 PM
 
رد: ردا علي المفترين علي سيدنا عمر رضي الله عنه من العصرانيين(شبهات-ردود مهمة جداً جداً)

المطلب الثاني: وقف عمر لأرض السواد

وحجة من يقول بأن عمر قد خالف نصاً صريحاً قطعي الثبوت والدلالة في أمر الغنائم، هو أن الله قال في بيان مصارف الغنائم } وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ {. (الأنفال-41).
فبينت الآية أن خمساً يوزع على الأصناف المذكورة في الآية، لكل صنف منهم سهم، والأربعة الأخماس الباقية تقسم على الغانمين، وهو ما بينته سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام وفعله، حيث قسم خيبر بين المقاتلين بعد فتحها عنوة، فكان فعل الرسول صلى الله عليه وسلم دليلاً على وجوب قسمة الغنيمة، أربع أخماسها على الغانمين، ولما فُتح على المسلمين أرض العراق ومصر، طلب الفاتحون من عمر قسمة أراضي السواد وأراضي مصر عليهم، أسوة بما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم في أرض خيبر، طالبه بذلك بعض الصحابة، منهم بلال و الزبير إلا أن عمر بن الخطاب رأى أنه ليس من "مصلحة" الدولة الإسلامية آنذاك توزيع هذه الأراضي الخصبة، والتي تشكل سلة الغذاء للدولة الإسلامية الفتية على المقاتلين، فتكون من بعدهم لورثتهم، فتلهيهم عن الجهاد أولاً، ولا يتبقى لذراري المسلمين الذين يأتون من بعدهم ما ينفقون منه و يعتاشون عليه ثانياً، ولذلك قال عمر لمن ابتغى القسمة " لولا آخر الناس ما فتح الله علي قرية إلا قسمتها كما قسم رسول الله r خيبر "(1).
فرأى أهل التأويل المعاصر أن عمر لم يأل جهداً في الاجتهاد برأيه ولو خالف ذلك النصوص الصريحة القطعية ثبوتاً ودلالة فخصّص عمر عموم الآية بدليل المصلحة العامة أو فهمه العميق لمقاصد الشريعة(2) وذلك من أجل أن يُفتح لهم الباب كما أسلفنا، لإعادة النظر في النصوص المتعلقة بنظام الحكم وشرعيته وحكم الربا والجهاد والعقوبات ….الخ.
هذه حجتهم وتلك غايتهم، وأنا وإن كنت سأنحي البحث في النوايا، إلا أننا نقطع بالبراهين أن اجتهادهم هذا وتأويلهم لن يحفل بالشرعية، ولا بالصحة، ولن يكتب له الخروج من دائرة التأويل الفاسد.
وردنا عليهم سيتمحور في إثبات عدم قطعية الآية في وجوب قسمة الأربعة الأخماس على الغانمين، وعدم قطعية دلالة الحديث على ذلك، والتأكيد على أن دلالة الآية هي ظنية في غير المنقول من الغنائم كالأراضي والعقارات، فإن تم لنا هذا فحسبك به برهاناً في نسف اجتهادهم ونزع الشرعية عن قاعدتهم " جواز الاجتهاد في النصوص القطعية الثبوت والدلالة " وإليك البيان:
1. إن القرآن الكريم لم ينص على وجوب توزيع الغنائم الحربية منقولة أو غير منقولة على المجاهدين، وإنما نصت آية الأنفال المذكورة على مصارف معينة لخمس الغنائم، وأما توزيع الأربعة الأخماس الباقية على المقاتلين فإنما جاءت به السنة في تقسيم الرسول صلى الله عليه وسلم لأراضي خيبر(3).
هذا ما قاله الشيخ مصطفى الزرقا -رحمه الله- وهو سديد، ويمكن أن يضاف إليه أن الآية دلت بالألتزام على مصرف الأربعة الأخماس الباقية، كدلالة قوله تعالى } فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ{ (النساء-11)، على نصيب الأب من تركة ولده إن لم يكن له أولاد، فجعل لأمه الثلث فعرف ضمناً أن نصيب الأب الثلثان (4).
والفائدة هنا أن هذه الدلالة ليست قطعية بذاتها، بل هي ظنية، وكما هو معلوم عند أهل الأصول ليست دلالة النص المجمل في قوة النص الصريح وليست دلالة المفهوم في قوة دلالة المنطوق وليست دلالة إشارة النص في قوة دلالة عبارته … الخ(5)، فإن قيل إن نصيب الأب وهو الثلثان في الحالة المذكورة مستفاد بالقطع قلت إنما أوصله إلى القطع الإجماع لا دلالة الآية وحدها. والله تعالى أعلم.
2. وأما بالنسبة إلى استدلالهم بفعل الرسول r وقسمته أرض خيبر فليس فيه دليل على وجوب قسمة الأراضي المفتوحة عنوة على المقاتلين لأن فعل الرسول r ذلك أقصى ما يفيده هو الاستحباب وفعله متردد بين الإباحة والجواز والاستحباب فمن أين جاء أولئك بالوجوب؟ ثم ليس القول بالاستحباب أولى من القول بالجواز، لأن الفعل متردد بين الأمرين، وترجيح أحدهما على الآخر ترجيح بدون مرجح، وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية بعد أن ذكر مذاهب العلماء في حكم الأرض المفتوحة عنوة " الثالث: وهو مذهب الأكثرية أبي حنيفة وأصحابه والثوري وأبي عبيد: إن الإمام يفعل فيها ما هو أصلح للمسلمين، من قسمها أو حبسها، فإن رأى قسمَها كما قسم النبي صلى الله عليه وسلم خيبر فعل، وإن رأى أن يدعها فيئاً للمسلمين فعل كما فعل عمر.
وكما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل بنصف خيبر، وأنه قسم نصفها وحبس نصفها لنوائبه وأنه فتح مكة عنوة ولم يقسمها بين الغانمين، فعلم أن أرض العنوه يجوز قسمها ويجوز ترك قسمها"(6) فابن تيميه لا يرى أن فعل الرسول r يدل على الوجوب بل على الجواز. وهو كذلك.
ونص على هذا المعنى ابن الوزير الصنعاني فقال: " غير خاف عمن له أنس بقواعد العلماء أن أفعال النبي r عند المحققين، لا تدل بنفسها على الوجوب بل ولا على الندب، وإنما تدل على الإباحة، وذلك لأنه r كان يفعل المباح والمندوب والواجب ".. إلا إذا دلت قرائن على أنه فعله للوجوب أو الندب. والله تعالى أعلم(7).
وهو ما فهمه عمر بن الخطاب قطعاً وفعله، وما كان له ليخالف فعلاً علم أن رسول الله r قام به على سبيل الوجوب.
3. أن منشأ الخطأ في الاستدلال والاستنتاج الذي انتهى إليه أولئك المؤولون كان التسوية في الحكم بين الغنائم المنقولة وغير المنقولة وتعميم حكم وجوب القسمة - إن سلمنا به - على الأراضي وهي غير منقولة وجعلها هي والغنائم المنقولة كالذهب والفضة والمتاع واحداً، وكأن الإجماع قد انعقد على عدم التفريق بينهما مما جعل فعل عمر في نظر هؤلاء مخالفة صريحة لنص قطعي انعقد الإجماع على وجوبه.
وليس الأمر كما توهموا، فقد فرق علماء المذاهب بين حكم الغنائم المنقولة من الذهب والفضة والمتاع والسبي وبين الغنائم غير المنقولة من الأراضي والمساكن.
أ- فقد ذكر العلماء إجماع أهل العلم على وجوب قسمة الغنائم المنقولة بين الغانمين، قال القرطبي" فالمنقول من الذهب والفضة والأمتعة أربعة أخماس للغانمين لا خلاف في ذلك بين الأمة وحكى الإجماع على ذلك غير واحد"(8).
ب - هذا بينما ورد في قسمة الغنائم غير المنقولة "الأراضي من السواد وأرض مصر …" الخلاف المعروف بين الصحابة ومن بعدهم، وفي ذلك يقول ابن حزم "وأما الأرض فإن الصحابة اختلفوا فروينا أن ابن الزبير وبلالاً وغيرهما دعوا إلى قسمة الأرض وأن عمر وعلياً ومعاذاً وأبا عبيدة رأوا إبقاءها "(9).

وذكر أبو يوسف في الخراج أن عمر استشار الناس في تلك القسمة، المهاجرين الأولين فاختلفوا فبعث إلى خمسة من سادات الأوس وأشرافهم ومثلهم من الخزرج فقال لهم " والله لا يفتح بعدي بلد فيكون فيه كبير نيل بل عسى أن يكون كلاً على المسلمين فإذا قسمت أرض العراق بعلوجها وأرض الشام بعلوجها فما يسد به الثغور؟ وما يكون للذرية والأرامل بهذا البلد وبغيره من أرض الشام والعراق؟ " فقالوا جميعاً: الرأي رأيك فنعم ما قلت وما رأيت، إن لم تشحن هذه الثغور وهذه المدن بالرجال وتجري عليهم ما يتقوون به رجع أهل الكفر إلى مدنهم: فقال قد بان لي الأمر"(10).
وذكر أبو عبيد أن عمر استشار الناس فكان رأي عامتهم قسمتها إلا علياً وطلحة ومعاذ بن جبل فكان رأيهم كرأي عمر، وقال له معاذ: انك إن قسمتها صار الريع العظيم في أيدي هؤلاء القوم يبيدون فيصير ذلك إلى الرجل الواحد أو المرأة، ثم يأتي من بعدهم قوم يسدون من الإسلام مسداً، وهم لا يجدون شيئاً، فانظر أمراً يسع أولهم وآخرهم"(11)، "وبعد أخذ ورد قال عمر: وجدت الحجة عليهم بآخر سورة الحشر يريد قوله تعالى
} مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ { ثم قال تعالى } لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ{ إلى أن قال } وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالاِيمَانَ{ يعني الأنصار ثم قال }وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ{ ( الحشر-7-10)، يريد كل المسلمين إلى آخر الدهر، ما أرى هذه الآية إلا قد
عمت الخلق كلهم حتى الراعي بكداء ( موضع قرب مكة ) وأنه قال لهم: تريدون أن يأتي آخر الناس ليس لهم شيء ؟ فما لمن بعدكم ؟ ولولا آخر الناس ما فتحت قرية إلا قسمتها كما قسم رسول الله r خيبر(12).
والنقول في هذا كثيرة تفيد قطعاً وقوع الخلاف بين الصحابة في قسمة الأراضي فإذا ثبت هذا وهو ثابت، فقد بطل قول المؤولة المعاصرة أن الآية أعني آية الأنفال - قاطعة الدلالة على وجوب قسمة غير المنقول كالمنقول.
ولا يستساغ الخلاف من الصحابة الكرام في آية علموا أنها قطعية الدلالة في وجوب قسمة الأراضي، ومن قال بتسويغه فهو متهم لجملة الصحابة الكرام ولأجلّهم وهم عمر وعلي ومعاذ و أبو عبيد وطلحة، متهم لهم إما بالجهل وإما بتعمد مخالفة صريح الكتاب، لا مفر بين الأمرين، والقول بأحدهما ذهاب إلى قول الرافضة والزنادقة وهو أمر وخيم على صاحبه.
فلا مفر من الإقرار بأن دلالة الخلاف بين الصحابة هي أنهم علموا أن حكم الغنائم غير المنقولة " كالأراضي" غير داخل تحت عموم آية الأنفال، وأن فعل رسول الله عليه الصلاة والسلام في خيبر ليس للوجوب وإنما غاية ما يدل عليه هو الجواز أو الاستحباب على أكثر تقدير.
وهذا المسلك الذي سلكناه في التفريق بين نوعي الغنائم هو ما نص عليه العلماء صراحة وبلغوا فيه إلى ادعاء عدم الخلاف، يقول القرطبي "المسألة الثالثة": لم يختلف العلماء أن قوله تعالى
} وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ{ (الأنفال –41)، ليس على عمومه وإنه يدخله الخصوص، فما خصصوه بإجماع أن قالوا: ومما خص به أيضا الأرض.
والمعنى: ما غنمتم من ذهب وفضة وسائر الأمتعة والسبي، وأما الأرض فغير داخله في عموم هذه الآية لما روي البخاري عن عمر بن الخطاب أنه قال "لولا آخر الناس ما فتحت قرية إلا قسمتها كما قسم رسول الله r خيبر"(13). وإنما القصد إثبات أن هذه المسألة من موارد الخلاف وإنها ليست مما أُجمع عليه لا في عهد الصحابة ولا التابعين ولا من بعدهم من علماء المذاهب بل وقع فيها خلاف شديد كما بينته، ونتيجة ذلك، بطلان القول بأن عمر اجتهد وأوّل نصاً قطعياً في ثبوته ودلالته بل أزيد وأقول أن عمر أخذ بالدليل الراجح والأقوى والأصح في المسألة، وهو أن حكم الغنائم غير المنقولة هو تخيير الإمام فيها بين قسمتها وعدمه، وهو الذي رجحه المحققون من الأئمة والعلماء، قال أبو عبيد: "إن الإمام يتخير في العنوة بالنظر للمسلمين والحيطة عليهم بين أن يجعلها غنيمة أو فيئاً قال: وكلا الحكمين فيه قدوة ومتبع من الغنيمة والفيء، إلا أن الذي اختاره من ذلك يكون النظر فيه إلى الإمام "(14).
وقال الجصاص الحنفي " لو كانت آية الحشر التي استدل بها عمر منسوخة لأخبره الصحابة بذلك فتقرر إفادتها تخيير الإمام بين القسمة أخذاً بآية الأنفال أو الوقف أخذاً بآية الحشر"(15)
وقال القرطبي في ذلك " قال شيخنا أبو العباس - رضي الله عنه، وكأن هذا جمع بين الدليلين ووسط بين المذهبين وهو الذي فهمه عمر -رضي الله عنه- قطعاً(16).
وقال الشنقيطي بعد أن ساق المذاهب المختلفة في المسألة بأدلتها وناقشها " وأظهر الأقوال دليلاً أن الإمام مخير ويدل عليه كلام عمر في الأثر المار آنفاً ولولا آخر الناس … وبه تنتظم الأدلة ولم يكن بينها تعارض والجمع واجب ما أمكن"(17).
و يقول الشيخ الزرقا " ومن الواضح أن هذا الاتجاه الحكيم من عمر في التمييز بين الغنائم الحربية المنقولة وبين الأراضي إنما كان تمسكاً بدلائل النصوص، وجمعاً بينها وإعمالاً لكل منها بتنزيله على منزله الذي يرشد إليه النظر الجامع السديد، لا كما يوهمه كلام بعض المتوهمين اليوم من أن عمر خالف في هذه القضية نصوص الشريعة، ويعدون هذه المخالفة بزعمهم عبقرية لأنه كان على رأيه كبار فقهاء الصحابة كعلي ومعاذ وخيار الصحابة كأبي عبيدة وطلحة(18).
وعلى تقدير أن الآية قطعية الدلالة في وجوب قسمة الغنائم المنقولة وغير المنقولة فلا يستفاد من فعل عمر جواز مخالفة النصوص القطعية، ويجاب عن فعل عمر حينئذ بأنه استطاب نفوس أهلها - أهل الغنيمة - وطابت بذلك فوقفها، والأموال من الحقوق التي تقبل الإسقاط فما ظنك بالاستبدال، وهو رأي متجه وقوي قال به ابن حزم، واستدل له بما رواه جرير بن عبد الله البجلي: لما قدم على عمر في قومه يريد الشام وجهه عمر إلى الكوفة بعد مقتل أبي عبيد، وقال له هل لك في الكوفة وانفلك الثلث بعد الخمس من كل أرض أو شيء ؟ قال نعم: فبعثه، وكانت بجيلة ربع الناس يوم القادسية، فجعل لهم عمر ربعَ السواد، فأخذوه سنتين أو ثلاثاً فوفد عمار بن ياسر إلى عمر ومعه جرير بن عبد الله البجلي فقال عمر لجرير: لولا أني قاسم مسؤول لكنتم على ما جعل لكم، وأرى الناس قد كثروا فأرى أن ترده عليهم، ففعل جرير ذلك فأجازه عمر بثمانين ديناراً، وقالت أم كرز البجيلية: يا أمير المؤمنين إن أبي هلك وسهمه ثابت في السواد وأني لن أسلّم، فقال لها عمر: يا أم كرز إن قومك قد صنعوا ما قد علمت. فقالت: إن كانوا صنعوا ما صنعوا – أي سلّموا – أراضيهم – فأني لست أسلّم حتى تحملني على ناقة ذلول عليها قطيفة حمراء وتملأ كفي ذهباً ففعل عمر.
فكان الذهب الذي أعطاها نحواً من ثمانين ديناراً قال ابن حزم فهذا أصح ما جاء عن عمر في ذلك، وهو قولنا فإنه لم يوقف حتى استطاب نفوس الغانمين وورثة من مات منهم وهذا الذي لا يجوز أن يظن بعمر غيره!(19)


(1) صحيح البخاري بشرح العسقلاني 6/224.

(2) انظر: معالم المنهج الإسلامي 05.

(3) الزرقا مصطفى أحمد: المدخل الفقهي العام 1/176.

(4) الشنقيطي محمد الامين بن محمد بن المختار الجكني: أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن 2/256.

(5) انظر: الإمام البخاري علاء الدين عبد العزيز بن أحمد: كشف الأسرار عن أصول فخر الإسلام البزدوي 2/394.

(6) مجموع الفتاوى الكبرى 28/581،582.

(7) ابن الوزير اليماني أبو عبد الله محمد بن إبراهيم : الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم 06.

(8) الجامع لأحكام القرآن 8/3، وانظر : أضواء البيان 2/56.

(9) ابن حزم أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد: المحلى بالآثار 6/342.

(10) القاضي أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم : الخراج، 25،265.

(11) ابن سلام أبو عبيد القاسم: الأموال، 5.

(12) أبو عبد القاسم بن سلام: مصدر سابق 74 ، 273.

(13) الجامع لأحكام القرآن 8/4، والحديث سبق تخريجه.

(14) الأموال 6.

(15) الإمام الجصاص أبو بكر أحمد بن علي الرازي: أحكام القرآن، 3/430.

(16) الجامع لأحكام القرآن 8/5.

(17) أضواء البيان 2/70.

(18) المدخل الفقهي العام، حاشية 1/175.

(19) المحلى 6/344.

__________________
يقول شيخ الإسلام إبن تيميه (رحمه الله)
في طريق الجنّة لامكان للخائفين وللجُبناء
فتخويفُ أهل الباطل هو من عمل الشيطان
ولن يخافُ من الشيطان إلا أتباعه وأوليائه
ولايخاف من المخلوقين إلا من في قلبه مرض
(( أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ))
الزمر : 36
ألا أن سلعة الله غالية ..
ألا ان سلعة الله الجنة !!
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 04-19-2008, 11:00 PM
 
رد: ردا علي المفترين علي سيدنا عمر رضي الله عنه من العصرانيين(شبهات-ردود مهمة جداً جداً)

المطلب الثالث: عدم قطع السارق عام الرمادة

ومما يستدل به المؤولون المعاصرون على ادعائهم بجواز تعطيل أو إيقاف العمل بالنصوص القطعية بالاجتهاد، ادعاؤهم أن عمر -رضي الله عنه- قد عطل العمل بحد السرقة باجتهاده ورأيه المحض، وبدون دليل، قالوا: إن حد السرقة قد وجب على كل سارق بنص القرآن


} وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالا مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ{ ( المائدة 38)

وهو نص قطعي في ثبوته قطعي في دلالته، وقطع الرسول r به ولم يعلم له ناسخ، فلما عطل عمر حد السرقة عام الرمادة، ولم يقطع أيدي السارقين علم أنه يجوز الاجتهاد في نظائره من النصوص واستنباط وجهات نظر جديدة قد تخالف ما استقرت عليه أنظار الفقهاء على مر القرون وذلك رعاية للمصلحة العامة التي يراها الإمام(1).

ودحض هذه الشبهة وتفنيدها، ليس بالأمر العسير إن شاء الله، لمن عرف ظروف الحادثة ووقف على رواياتها وملابساتها ويتلخص الرد في النقاط الآتية:
1. أن الحادثة التي يعتمدون عليها قد رواها غير واحد من المحدثين فقد أخرج عبد الرزاق في مصنفه والبهيقي في سننه الكبرى والرواية للبهيقي:
"أن رقيقاً لحاطب بن أبي بلتعة سرقوا ناقة لرجل من مزينة فانتحروها، فرفع ذلك إلى عمر، فأمر عمر كثير بن الصلت أن يقطع أيديهم ولكنه لم يلبث أن عدل عمر عن ذلك وقال: لولا أني أظن وفي رواية أخرى "أعلم " أنك تجيعهم حتى أن أحدهم لو أتى ما حرم الله، لقطعت
أيديهم ولكن والله لئن تركتهم والخطاب لسيدهم - لأغرمنك غرامة توجعك وغرمه ضعف ثمن الناقة(2).
وفي رواية أن عمر -رضي الله عنه- امتنع عن إقامة حد السرقة في عام المجاعة وقال: إنا لا نقطع في عام سنة(3).
فقد تبين من هاتين الروايتين وغيرهما، أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ما عطل حد السرقة وإنما هو أعمل نصاً آخر قيد وجوب إقامة الحد في غير حالة الضرورة - ضرورة الجوع - وقد قال الله تعالى بعد ذكر حرمة أكل الميتة والدم ولحم الخنزير وسائر المحرمات
}فَمَنْ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لاِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ { ( المائدة 3). فهذا النص استثنى من
المحرمات حالة الضرورة، وعمر حيث لم يقم الحد اعتبر ضرورة الجوع إكراهاً ضمنياً، وشرط اقامة الحد ان يكون السارق مختاراً، والجوع الشديد يتنافي والاختيار، فهو شبهة مسقطة للحد والرسول r يقول "ادرؤوا الحدود بالشبهات " (4).
وعمر كان خير من أدرك ذلك إذ جاء عنه أنه قال " لأن أعطل الحدود بالشبهات أحب إلي من أن أقيمها بالشبهات"(5). وقال: وإني لأن أخطئ في العفو أحب إلي من أن أخطئ في العقوبة "(6).
ثم قد تبين من الرواية أن عمر كان عازماً على القطع حتى في عام المجاعة، ولم يمنعه من ذلك إلا علمه، ولا أقول ظنه وهو ما صرحت به الرواية الأخرى - بأنهم ما لجأوا إلى السرقة - ونقولها تجوزاً - إلا مضطرين بسبب الجوع الشديد " لولا أني أعلم أنك تجيعهم حتي أن أحدهم لو أتى ما حرم الله لقطعت أيديهم، وفي الرواية الأخرى علل عدم القطع بصراحة بقوله: فإنا لا نقطع في عام سنة. فذاك الدليل الذي اعتمدوا عليه في دعواهم يحمل ما ينقضها من أساسها.
2. لقد نص القرآن الكريم صراحة على أن الجوع الشديد مبيح لأكل المحرمات وشربها من الميتة والدم ولحم الخنزير فاقتضى ذلك وجود الإباحة بوجود الضرورة في كل حال، فكما أن الجوع الشديد مبيح لأكل الميتة والدم ولحم الخنزير فمال المسلم أولى وقد ذكر القرطبي أنه لا يحل ولا يجوز للمسلم أن يأكل من الميتة وهو يجد مال المسلم لا يخاف فيه قطعاً (7).
وقد أطلق الله الإباحة بوجود الضرورة من غير شرط أو صفة في قوله تعالى } وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ { ( الأنعام 119). فاقتضى ذلك وجود الإباحة بوجود الضرورة في كل حال وجدت فيها(8)، والاضطرار لا يخلو أن يكون بإكراه من ظالم أو جوع في مخمصة(9).

ويرى ابن العربي أن الفقر سبب آخر مبيح للحرمة(10). وذكر ابن جزيء أن من شروط إسقاط الحد عن السارق أن يضطر إلى سرقة من جوع(11). فإذا لم يجد المضطر شيئاً حلالاً يتغذى به جاز له استعمال المحرمات في حال الإضرار ولا خلاف في ذلك(12).
وعلى ذلك جرى جماهير علماء المسلمين إذ اعتبروا أن من شروط إقامة الحد على السارق إضافة للعقل والبلوغ، الاختيار وعدم الإضرار، وأن لا يكون للسارق فيه حق الأخذ كمال الحربي، ولا تأويل الأخذ كالمصحف، وأن لا يكون للسارق فيه ملك ولا شبهة كبيت المال(13).
وإذ قد تقرر أن حفظ نفس المسلم فرض كفاية على المسلمين، وهي من ضروريات الإسلام الخمس، وتضييع النفس حرام من الكبائر، فإذا تعارض حكم الإبقاء على النفس المسلمة وهو فرض مع حرمة أكل فضل مال امرئ مسلم فما من شك أن الإبقاء على النفس ولو بالسرقة مقدم، وهو ما عمل به -عمر رضي الله- عنه بل ولا يليق بذي عقل أن يقول بغير ذلك.
وقد صحح ابن القيم مذهب من يقول بوجوب بذل الطعام للجائع مجاناً لا بثمن لوجوب المساواة وإحياء النفوس مع القدرة على ذلك، والإيثار بالفضل مع ضرورة المحتاج، وهذه شبهة قوية تدرأ القطع عن المحتاج (14).
3. وكيف يصح عن عمر تعطيل حد السرقة وقد ورد عنه أنه كان يشدد في وجوب تنفيذه حيث كان يقول: اشتدوا على السراق فاقطعوهم يداً يداً ورجلاً رجلاً تنفيذاً لقول الله تعالى


} وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالا مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ{ ( المائدة 38)

وقد سرق رجل للمرة الثالثة في عهد أبي بكر بعد أن قطعت يده ورجله فأراد أبو بكر أن يقطع رجله ويدع يده يستطيب بها ويتطهر بها وينتفع بها، فقال عمر: لا والذي نفسي بيده لتقطعن يده الأخرى، فأمر أبو بكر فقطعت يده وفي رواية أنه قال: السنة اليد(15).
وكان يرى وجوب إقامة الحد على المريض الذي لا يرجى برؤه ولو أدى ذلك إلى هلاكه كما في جلده لقدامة بن مظعون وهو مريض، وروي عنه أنه قال " لا عفو عن شيء من الحدود بعد أن يبلغ الإمام(16).
4. وكيف يتهاون عمر في حد السرقة ويسقطه بالهوى والتشهي وهو يعلم ما قال رسول الله r لأسامة في المرأة المخزومية التي سرقت، فتشفع لها أسامة إذ ظل يقول له: أتشفع في حد من حدود الله يا أسامة ؟ ثم قام فاختطب فقال:" أيها الناس إنما ضل الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، و أيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها"(17).
5. وقد جاء عن عمر أنه أسقط حد الزنا أيضاً، بسبب ضرورة الجوع والعطش، فقد أتيَ عمر بامرأة لقيها راعٍ بفلاة من الأرض، وهي عطشى فاستقته فأبى أن يسقيها إلا أن تتركه يقع عليها، فناشدته بالله فأبى، فلما بلغت جهدها أمكنته من نفسها، فدرأ عنها الحد بالضرورة(18).
وما قيل في توجيه فعله في حد السرقة يقال في توجيه إسقاطه لحد الزنا عن هذه المرأة.


(1) معالم المنهج الإسلامي 04، النص الإسلامي 1، وانظر: أصول التشريع الإسلامي 0، 183، الإجتهاد ومقتضيات العصر 22.

(2) انظر: الإمام البيهقي أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي: السنن الكبرى 8/483، والحافظ الكبير الصنعاني أبو بكر عبد الرزاق بن همام: المصنف 10/239.

(3) المحلى 11/343.

(4) سنن الترمذي ح 1424، والصحيح أنه موقوف عن ابن مسعود وعمر ولا يصح مرفوعاً ولا مرسلاً ( المحلى 8/253).

(5) الحافظ ابن أبي شيبة عبد الله بن محمد الكوفي العبسي: المصنف في الأحاديث والآثار 2/129.

(6) السنن الكبرى 8/414.

(7) الجامع لأحكام القرآن 2/225.

(8) انظر: أحكام القرآن للجصاص 1/126.

(9) الجامع لأحكام القرآن 2/225.

(10) أحكام القرآن لابن العربي 1/55.

(11) ابن جزيء أبو القاسم محمد بن أحمد الكلبي الغرناطي المعروف: القوانين الفقهية 16.

(12) الإمام ابن رشد أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد القرطبي: بداية المجتهد ونهاية المقتصد 1/476.

(13) انظر: شروط إقامة حد السرقة، الإمام الشيرازي أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروزابادي: المهذب في فقه الإمام الشافعي 2/295 ، وابن عابدين محمد أمين الشهير: رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير ال.أبصار ( حاشية ابن عابدين ) – تحقيق وتعليق الشيخ عادل أحمد عبد الموجود ، الشيخ علي محمد معوض 6/159.

(14) إعلام الموقعين 3/15.

(15) السنن الكبرى 8/475، المحلى 11/355

(16) انظر هذه الآثار: مصنف عبد الرزاق 9/241، المحلى 11/288.

(17) الحديث: أخرجه البخاري 8/199

(18) المصنف لعبد الرزاق 7/407.

منقول
__________________
يقول شيخ الإسلام إبن تيميه (رحمه الله)
في طريق الجنّة لامكان للخائفين وللجُبناء
فتخويفُ أهل الباطل هو من عمل الشيطان
ولن يخافُ من الشيطان إلا أتباعه وأوليائه
ولايخاف من المخلوقين إلا من في قلبه مرض
(( أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ))
الزمر : 36
ألا أن سلعة الله غالية ..
ألا ان سلعة الله الجنة !!
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 04-19-2008, 11:02 PM
 
رد: ردا علي المفترين علي سيدنا عمر رضي الله عنه من العصرانيين(شبهات-ردود مهمة جداً جداً)

المطلب الرابع: منعه سهم المؤلفة قلوبهم
ومما قاله المؤولون المعاصرون ومما ظنوه مستنداً لجواز تعطيل نصوص الكتاب والسنة بمحض الرأي والمصالح المتوهمة والمقاصد المتخيلة، ما ادعوه من تعطيل عمر -رضي الله عنه- لسهم المؤلفة قلوبهم ورفضه إعطاءهم من الزكاة على الرغم من نص القرآن صراحة على أن لهم سهماً ومصرفاً من مصارف الزكاة الثمانية، إذ رأى أنه ليس من مصلحة الإسلام أن يعطوا بعد أن أعز الله الإسلام وأظهره على الباطل واشتد عوده، فكان فعله -رضي الله عنه- اجتهاداً في مورد النص القطعي ثبوتاً ودلالة فعلّله وعطّله بالمصلحة وما جاز لعمر يجوز لمن بعده(1)، والقصد أن الاجتهاد مسوغ حتى في المسلمات و القطعيات ونحن لسنا أشد حرصاً وورعاً من عمر، بل بلغ الحال ببعض هؤلاء أن يقول: أن عمر لم يتأخر في مخالفة النصوص باسم السياسة الشرعية والمصلحة، وجاوزه آخر مدعياً أن فعل عمر دليل على جواز نسخ القرآن بالاجتهاد(2).

وهو تحليل واه ودعوى باطلة والرد عليها يتلخص في الآتي:
1. أن الناظر في الروايات التي جاءت بفعل عمر هذا وما قاله للمؤلفة قلوبهم لا يفهم منه تعطيلاً ولا تعدياً على النص ولا إرادة إلغائه ولا نسخه، وكل ما في الأمر أن عمر فهم أن الله عز وجل علّق الإعطاء على وصف التأليف، فإن كان ثمة من يحتاج إلى تأليفة كقوم يخشى شرهم ويرجى خيرهم ومنفعتهم فالسهم قائم وللإمام أن يتألفهم بما يرى، وإن لم تكن هناك في ظرف من الظروف -مكاناً أو زماناً أو حالاً - حاجة إلى تأليف قوم لعدم وجود من تلك صفتهم فالسهم منتفٍ ومعدوم وكيف يعطي معدوم لا وجود له ؟!.
ووصف التأليف ليس لازماً لفئة من الناس بأشخاصهم وأعيانهم يسمون "مؤلفة قلوبهم" يعطون أبد الدهر بل هو وصف متغير متبدل تماماً كوصف الفقر والمسكنة، وأي عاقل يقول أن رجلاً أو قوماً بأعيانهم كانوا فقراء أو مساكين يوماً من الأيام فأعطوا من الزكاة لوصفهم ذاك يجب أن يعطوا منها حتى وفاتهم؟ ومن افتقر اليوم فقد يغتني غداً وأي اجتهاد يجيز إعطاءه من سهم الفقراء بعد غناه؟ وهذا سهم وهذا سهم، وهو ما أجاب به الشيخ محمد المدني من كبار علماء الأزهر(3).
"فالزكاة تعطى لمن يوجد من الأصناف الثمانية التي جعلهم الله –تعالى- أهلها، فإذا لم يوجد صنف منهم سقط سهمه ولم يجز أن يقال: أن ذلك تعطيل لكتاب الله ونسخ له، فإذا لم يوجد سهم العاملين عليها لعدم قيام حكومة إسلامية توظف من يقوم بجمع الزكاة وتوزيعها على مستحقيها فقد سقط سهم العاملين عليها، وإذا لم يوجد صنف " وفي الرقاب " كما هو الحال في عصرنا الذي ألغى الرق الفردي فقد سقط هذا السهم ولا يقال في سقوط هذا السهم أو ذاك أنه نسخ للقرآن أو تعطيل للنص"(4).
وهو ما رد به ابن قدامه على الحنفية الذين قالوا بنسخ هذا السهم قال: على أن ما ذكروه من المعنى لا يوجب رفع حكمهم، وإنما يمنع عطيتهم حال الغنى، فمتى دعت الحاجة إلى إعطائهم أعطوا، فكذلك جميع الأصناف إذا انعدم منهم صنف في بعض الأزمان سقط حكمه في ذلك الزمن خاصة وإذا وجد عاد وكذا هنا(5).
2. ثم إن تحديد الحاجة إلى التأليف من عدمها أمر مرجعه إلى إمام المسلمين فهو المطلع والناظر لأمور المسلمين، ويحسن تقدير وجود الحاجة من عدمها، و لا يصح لفرادى المسلمين أن يتألفوا لعدم اطلاعهم وإشرافهم على الأمور جيداً، وهذا ما فعله عمر(6).
3. أن النص معلل لا مطلق فعمر -رضي الله عنه- نظر إلى علة النص لا إلى ظاهره، ووجد أن علة إعطائهم تأليفهم لاتقاء شرهم عندما كان الإسلام ضعيفاً فلما قويت شوكة الإسلام زالت علة إلى إعطائهم والقرآن لم يوجب إعطاء أشخاص بأعيانهم وأسمائهم من هذا السهم(7).
ويدل على أن عمر ما منع المؤلفة قلوبهم إلا لفهمه بأن ذلك خاص بحال ضعف الإسلام ما قاله لعيينة بن حصن الفزاري والأقرع بن حابس بعدما أرياه كتابا من أبي بكر لهما باقتطاعه لهما أرضاً دون الناس فبصق عمر في الكتاب فمحاه وقال له: أن رسول الله r كان يتألفكما والإسلام يومئذ ذليل وإن الله قد أعز الإسلام فاذهبا واجهدا أنفسكما(8).

وقد وافق عمرَ جمهورُ الصحابة، حتى أن الحنفية قد حكوا إجماع الصحابة على موافقة عمر، ونحن وإن سلمنا بإقرار الصحابة لفعل عمر فهو إجماع لا على نسخ الحكم ولكنه إجماع على صحة فعل عمر وتعليله وفهمه للنص وسداد رأيه فيه، والقاضي بعدم إعطائهم لانعدام وجودهم أصلاً أو لأن الحاجة إلى التأليف قد انتهت بانتشار الإسلام وظهوره.
وقد روي ما يفيد أن هؤلاء الذين كانوا مؤلفة قد جاءوا إلى أبي بكر رضي الله عنه، وقالوا له:أنت الخليفة أم عمر؟ فقال: هو إن شاء، ولم ينكر أبو بكر قوله وفعله وبلغ ذلك عامة الصحابة فلم ينكروا عليه فيكون ذلك إجماعا(9).
وهذا التوجيه هو اللائق بأعلام الصحابة ودينهم وورعهم، فإنهم عاصروا الوحي، وشاهدوا التنزيل الذي نزل بلغتهم، وهم أرفع ما يكونون بلاغة وفصاحة وحسن بديهه وفطنة، ففعل عمر وقوله ورضا الصحابة بمن فيهم الصديق رضي الله عنه، وعدم إنكار أحد منهم ذلك مع وجود الداعي للإنكار لو وجد، وانتفاء الموانع ووفرة الصحابة، لهو أبلغ دليل على صحة تعليل عمر، وفهمه على أن الحكم معلق على وجود الحاجة إلى التأليف، فإن وجدت كان ثمة مؤلفة، وإن لم توجد فليس هناك مؤلفة، ولا سهم للمؤلفة، ولا ريب أنه تعليل في مكانه سدّد إليه عمر ووافقه كبار الصحابة والفقهاء من بعدهم.
هذا التوجيه والاستدلال لرأي الصحابة، و النقول عن الأئمة الأعلام تؤكد أن الحاجة للتأليف لم تنقطع، وهذه الحاجة باقية ما بقي الإسلام فلا صحة للقول إذن أن فعل عمر هو نسخ للحكم وهو ما قال به الحنفية، وإن لم يرتبوا عليه ما استنتجه المؤولون المعاصرون، بل اقطع أن فرية المعاصرين لم تخطر على بال فقهاء الحنفية، بل كان اجتهاداً منهم دعموه بإجماع الصحابة السكوتي على فعل عمر، فاعتبروه رافعاً للحكم وإسقاطا لسهم المؤلفة للأبد.

ودعوى النسخ هذه باطلة لوجوه:
أ - أن فعل عمر وقوله ليس فيه دليل على النسخ، وأنه لا يعدو فهماً لعلة النص أي أن الإعطاء معلق بوجود التأليف والحاجة إليه كما سبق بيانه.
ب - أن الجمهور قد خالف الحنفية في اجتهادهم، ولم يلغوا سهم المؤلفة قلوبهم.
ج - أن الحنفية وهم من قال بالنسخ قد اختلفوا في تعيين الناسخ الذي نسخ حكم المؤلفة قلوبهم، وهو ثابت بالنص القرآني القاطع، فبعضهم ادعى أنه الإجماع، وعلى فرض حصول الإجماع فلا يصح نسخ الحكم الثابت بالنص بالإجماع، قال ابن عابدين: "وإنما لم يجعل الإجماع ناسخاً لأنه خلاف الصحيح، لأن النسخ لا يكون إلا في حياته r والإجماع لا يكون إلا بعده"(10)
وقال الشوكاني " أما النص فلا ينسخ بالإجماع لأن الإجماع لا ينعقد أصلاً على خلاف النص " واشترط في الناسخ أن يكون مثل المنسوخ في القوة أو أقوى منه أما إذا كان دونه، فلا يصلح ناسخاً لأن الضعيف لا يزيل القوي(11).
وقال عبد العزيز البخاري " لا يقع النسخ إلا في حال حياة النبي r إذ أن النسخ لا يكون إلا من طريق الشرع، والشرع لا يعرف إلا بالوحي، والوحي في حال حياة النبي r أما بعد وفاته فلا نسخ لشيء من الأحكام إذ لا وحي ولا شرع "(12).
وقال الشاطبي" أن الأحكام إذا ثبتت على المكلف فادعاء النسخ فيها لا يكون إلا بأمر محقق، لان ثبوتها على المكلف أولاً محقق، فرفعها بعد العلم بثبوتها لا يكون إلا بمعلوم محقق، ولذلك أجمع المحققون على أن خبر الواحد لا ينسخ القرآن ولا الخبر المتواتر لأنه رفع للمقطوع بالمظنون"(13).
وقال ابن حزم " من استجاز نسخ شيء من القرآن والسنة الثابتة بيقين بالظنون، فقد أوجب ألا يطاع الله في أمره وأسقط لزوم اتباع رسله وذلك يؤول إلى إبطال الشريعة كلها، لأنه لا فرق بين دعواه النسخ في آية ما أو حديث ما، وبين دعوى غيره في آية أخرى وحديث آخر، فعلى هذا لا يصح شيء من القرآن والسنة وهذا خروج عن الإسلام "(14).
وقال ابن قدامة ": ولا يجوز ترك كتاب الله وسنة رسوله إلا بنسخ، والنسخ لا يثبت بالإجماع.
ثم إن النسخ إنما يكون في حياة النبي r، لأن النسخ إنما يكون بالنص ولا يكون النص بعد موت النبي عليه الصلاة والسلام وانقراض زمن الوحي، ثم أن القرآن لا ينسخ إلا بالقرآن وليس في القرآن نسخ لذلك ولا في السنة "(15).



(1) معالم المنهج الإسلامي 03، النص الإسلامي 8، أصول التشريع الإسلامي 101، 183، الإجتهاد ومقتضيات العصر 12.

(2) نقله عنهم الشيخ يوسف القرضاوي في كتابه السياسة الشرعية 72.

(3) نفس المصدر 75.

(4) يوسف القرضاوي: السياسة الشرعية، مصدر سابق، 82.

(5) ابن قدامة موفق الدين المقدسي: المغني 2/527.

(6) الشوكاني محمد بن علي: السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار 2/52، الأموال لأبي عبيد 47.

(7) المدخل الفقهي العام 1/153-171.

(8) السنن الكبرى 7/32، وجامع البيان 10/162.

(9) أحكام القرآن للجصاص 3/124، والجامع لأحكام القرآن 8/181.

(10) رد المحتار 3/288.

(11) إرشاد الفحول 92.

(12) كشف الأسرار 3/334.

(13) الشاطبي أبو اسحاق إبراهيم بن موسى اللخمي: الموافقات في أصول الشريعة 3/105.

(14) الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم 1/591.

(15) المغني 2/527.

__________________
يقول شيخ الإسلام إبن تيميه (رحمه الله)
في طريق الجنّة لامكان للخائفين وللجُبناء
فتخويفُ أهل الباطل هو من عمل الشيطان
ولن يخافُ من الشيطان إلا أتباعه وأوليائه
ولايخاف من المخلوقين إلا من في قلبه مرض
(( أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ))
الزمر : 36
ألا أن سلعة الله غالية ..
ألا ان سلعة الله الجنة !!
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 04-19-2008, 11:04 PM
 
رد: ردا علي المفترين علي سيدنا عمر رضي الله عنه من العصرانيين(شبهات-ردود مهمة جداً جداً)

المطلب الخامس منعه بعض الصحابة من الزواج من الكتابيات

ومما يستند إليه المؤولون المعاصرون في دعواهم جواز تعطيل النصوص ومخالفتها بالاجتهاد الشخصي، ما روي عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- من أمره لعدد من الصحابة بتطليق نسائهم الكتابيات مع نص القرآن الصريح على جواز نكاحهن، فاستدلوا منه على أن للمجتهد أن يوقف العمل بالنص، ويجمده حتى لو كان قطعي الثبوت والدلالة، إن رأى أنه يخالف المصلحة.(1) وبيان ذلك أن الله عز وجل قال
}الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ{ (المائدة 5).
قال القاسمي: "ظاهر الآية جواز نكاح الكتابية، وهذا مذهب أكثر الفقهاء والمفسرين " ورواية عن زيد والصادق والباقر واختاره الإمام يحيى وقال إنه إجماع الصحابة "(2).
وقال ابن كثير: " وقد تزوج جماعة من الصحابة من نساء النصارى ولم يروا بذلك بأساً أخذاً بهذه الآية الكريمة، فجعلوا هذه الآية مخصصة للتي في سورة البقرة } وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ { ( البقرة 222) إن قيل بدخول الكتابيات في عمومها، وإلا فلا معارضة بينها وبينها لأن أهل الكتاب قد انفصلوا في ذكرهم عن المشركين في غير موضع كقوله تعالى } لَمْ يَكُنْ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمْ الْبَيِّنَةُ { (3)(البينة 1).

قالوا: وبعد إباحة الزواج من الكتابيات وانعقاد والإجماع عليه جاءت الأخبار عن عمر رضي الله عنه تفيد تحريمه الزواج منهن على الصحابة ومنعه وإنكاره عليهم ذلك، وأمره لهم بتطليقهن، ومنها:ما روي " أن حذيفة قد تزوج يهودية زمن عمر فقال له عمر: طلقها فإنها جمرة، قال حذيفة: أحرام ؟ قال: لا: فلم يطلقها حذيفة لقوله، حتى إذا كان بعد ذلك طلقها(4)، وفي رواية أنه قيل له – أي حذيفة - : ألا طلقتها حين أمرك عمر ؟ قال: كرهت أن يرى الناس أني ركبت أمراً لا ينبغي لي(5).
وفي بعض الروايات أن عمر قال له معللاَ طلبه طلاقها: إني أخشى أن تدعوا المسلمات وتنكحوا المومسات(6).
وفي رواية أخرى أن حذيفة قال له حين أمره بتطليقها: لم ؟ أحرام هي ؟ فقال له عمر لا، ولكنك سيد المسلمين ففارِقْها(7)، وفي رواية أخرى أن عمر كتب له وهو بالكوفة ونكح امرأة من أهل الكتاب: أن فارقها فإنك بأرض المجوس، فإني أخشى أن يقول الجاهل، قد تزوج صاحب رسول الله r كافرة ويحلل الرخصة التي كانت من الله عز وجل فيتزوجوا نساء المجوس ففارَقَها(8).وقال الطبري:" وقد نكح طلحة بن عبد الله يهودية، ونكح حذيفة بن اليمان نصرانية فغضب عمر بن الخطاب رضي الله عنه غضباً شديداً حتى همَّ بأن يسطو عليهما، فقالا نحن نطلق يا أمير المؤمنين ولا تغضب، وقال: لئن حل طلاقهن لقد حل نكاحهن، ولكن انتزعهن صغرة قماء "(9)
هذه طرق الخبر وكل منها يحمل برهاناً على سقوط دعوى المؤولين وتهافتهم وبيان ذلك:
1. قد تبين في بحث المؤلفة السابق أن النص القطعي لا ينسخ إلا بشرع، وسورة المائدة من آخر ما نزل، وليس يعلم لهذا النص ناسخ، وتقرر فيه أيضاً عدم جواز النسخ بالإجماع، وعدم إمكانه شرعاً.
2. أن الآية لم توجب زواج المسلم من الكتابية حتى يكون فعل عمر تعطيلاً للعمل بحكم واجب، بل غاية ما تفيده الآية هو الجواز والإباحة المقتضية للاختيار، وذلك غير موجب إثماً لأحد، وعليه فإن تصرف عمر ومنعه كان في دائرة المباح، والإمام له حق أن يمنع من أراد من الرعية أن يتصرف في المباحات، إذا كان تصرفه يؤدي في اجتهاد الإمام إلى إلحاق مضرة بالرعية، وقد اتفق أهل الأصول على أن للإمام أن يقيد العمل بالمباح لمصلحة يراها(10).
وليس ذلك بمحض التشهي والتحكم والاستبداد، وليس في ذلك مخالفة للنص ولا تعطيل له، بل إن قواعد الشريعة دلت على أن المصلحة العامة الحقيقية مقدمة على المصلحة الخاصة لبعض الناس، وهو أمر معلوم بفطرة العقل، وليس مختصاً بملة الإسلام.

3. أن هؤلاء المؤولة أغفلوا التدقيق في النص، ولو أنهم انصفوا لعلموا أن عمر عمل بما يقتضيه لا بما يخالفه، فإن النص القرآني ذاته اشترط في إباحة الزواج من الكتابية أن تكون عفيفة
بقوله تعالى } وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ{ (المائدة-5) والمحصنات هن العفيفات،
فنقل الطبري عن مجاهد والشعبي والسدي وسفيان أن المحصنات هن العفيفات، وهي التي لا تزني وتغتسل من الجنابة(11).
وقال الطبري: "والتحصن التمنع ومنه الحصن، لأنه يمتنع فيه ويراد ذوات الأزواج
ومنه قوله تعالى } وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ النِّسَاءِ{ ( النساء 24) أو العفيفات ومنه قوله تعالى
} وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ{ ومُحْصنة وحَصان أي عفيفة ممتنعة من الفسق(12)".

وقال ابن كثير: والظاهر من الآية أن المراد بالمحصنات العفيفات عن الزنا كما قال تعالى في الآية الأخرى } مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ { (13) ( النساء-25).
وهو ما فهمه عمر رضي الله عنه، وحمله على أن ينهى الصحابة عن الزواج من الكتابيات بقوله في غير رواية: أخشى أن تواقعوا المومسات منهن.
4. إن الروايات التي استدلوا بها على تعطيل عمر للنص ومخالفته له لا تحمل أي معنى يفيد أن عمر يعتقد التحريم، بل العكس هو الصحيح، فما جاء من عبارات وألفاظ سواء من عمر أو من
الصحابة يقطع بأن عمر لم يحرم بل كان يرى جواز نكاح الكتابيات، وأنه ما عطل نصاً، ولا شرّع من دون الله بل مارس حقه كإمام مسؤول عن المسلمين.

وإذا لم يكن للإمام أن يتصرف في المباحات أمراً ونهياً ففيم إمامته ؟ ومتى تجب طاعته؟ أفي تحريم الحلال أو تحليل الحرام؟ وفرق كبير بين القول بتحريم أمر هو حلال، وبين المنع منه في مكان ما أو زمان ما أو حال ما أو لشخص ما مع اعتقاد جوازه وهو ما فعله عمر، والروايات في ذلك صريحة، فلما سأله حذيفة: أحرام هي ؟ قال لا: وفي رواية: لئن حل طلاقهن لقد حل نكاحهن، وفي رواية للطبري لا أزعم أنهن حرام(14).
وسؤال حذيفة الاستنكاري له: أحرام هي ؟ ثم إبقاؤها تحته مدة بعد أمر عمر له بطلاقها ثم تعليله – حذيفة – ذلك بقوله: كرهت أن يرى الناس أني ركبت أمراً لا ينبغي لي، كل ذلك دليل على أن حذيفة ومثله طلحة –رضي الله عنهما- فهما قول عمر على محمل السياسة الشرعية من إمام لرعيته، أي بمعنى المنع سياسةً لا التحريم الشرعي، وما كان لمثل هؤلاء أن يسكتوا لو لمحوا أنه يريد بالمنع التحريم الشرعي.
ومن الأدلة على أن عمر كان يرى إباحة الزواج من الكتابيات وأن المنع كان سياسة لأسباب عارضة، أنه علل أمره مرة بأنها " جمرة " ومن الخطر الفادح أن يضمها بيت مسلم لاحتمال إشاعة الحريق فيه، وذلك بان يتأثر الأولاد بدين أمهم ويميلون إلى عقيدتها، وعادة الأطفال شدة الولع والتعلق بالأمهات، وتقليدهن خصوصاً البنات.
وقد ذكر الطبري أن من شروط جواز نكاح الكتابية أن تكون بموضع لا يخاف الناكح على ولده أن يجبر على الكفر(15).
وعلله مرة أخرى بالخوف من أن يقلدهم عامة المسلمين في نكاح الكتابيات لجمالهن فتكسد سوق المسلمات وفي ذلك فتنة وأي فتنة، ونساء المسلمين أحق بالستر والإعفاف من الكافرات، خصوصاً وان حذيفة وطلحة من وجوه الناس وأشرافهم الذين يقتدى بهم، وعلله مرة ثالثة بالخوف من مواقعة العاهرات، وقد تقدم إفادة الآية اشتراط العفة والإحصان في المنكوحة.
وعلله مرة رابعة بكونهم في أرض المجوس وبين قوم حديثي عهد بالكفر ولم ينضج علمهم بعد بالدين وأحكامه وشرائعه، فخشي عمر - وحق له أن يخشى - أن يظن هؤلاء الداخلون في الإسلام حديثاً جواز نكاح المجوسيات قياساً على الكتابيات بجامع أنهن كلهن كافرات وخصوصاً أن
الرسول r قال في المجوس " سنوا بهم سنة أهل الكتاب "(16). وهي كما ترى تعليلات وجيهة من إمام يحتاط لرعيته.
ونقل البهيقي عن عمر أنه قال "ينكح المسلم نصرانية ولا ينكح النصراني مسلمة "(17). وعرف ذلك عن سائر الصحابة فروى عبد الرزاق عن جابر بن عبد الله أنه كان يقول "نساء أهل الكتاب لنا حل ونساؤنا عليهم حرام"(18)، ونقل عن عثمان بن عفان أنه تزوج نائلة بنت الفرافصة على نسائه وهي نصرانية(19).
فهذا كله يؤكد أن عمر وسائر الصحابة كانوا يرون حل نكاحهن ولم يأولوا أو يعطلوا حكم الآية الكريمة.



(1) انظر: أصول التشريع الإسلامي 01-183، ومعالم المنهج الإسلامي 09، النص الإسلامي 2.

(2) القاسمي محمد جمال الدين: محاسن التأويل 6/1871.

(3) تفسير القرآن العظيم 2/504.

(4) مصنف عبد الرزاق 7/176.

(5) السنن الكبرى 7/280.

(6) نفس المصدر 7/280.

(7) سنن سعيد بن منصور 3/1/193.

(8) محاسن التأويل 6/1871، ولم أجده في مظانه من كتب الآثار.

(9) جامع البيان 2/378، والأثر عند عبد الرزاق 7/178، والبيهقي في السنن الكبرى 7/280.

(10) انظر:د. فتحي الدريني: الحق ومدى سلطان الدولة في تقييده 8.

(11) جامع البيان 4/108.

(12) الجامع لأحكام القرآن 5/122.

(13) تفسير القرآن العظيم 2/504.

(14) جامع البيان 2/378.

(15) نفس المصدر 4/108.

(16) أخرجه الإمام مالك بن أنس - رضي الله عنه - في الموطأ 64، والحديث مرسل انظر: نصب الراية 2/448.

(17) السنن الكبرى 7/280،المحلى 7/313.

(18) مصنف عبد الرزق 7/176.

(19) السنن الكبرى 7/279.

__________________
يقول شيخ الإسلام إبن تيميه (رحمه الله)
في طريق الجنّة لامكان للخائفين وللجُبناء
فتخويفُ أهل الباطل هو من عمل الشيطان
ولن يخافُ من الشيطان إلا أتباعه وأوليائه
ولايخاف من المخلوقين إلا من في قلبه مرض
(( أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ))
الزمر : 36
ألا أن سلعة الله غالية ..
ألا ان سلعة الله الجنة !!
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
أدخل و صلى على سيدنا رسول الله {أللهم صلي وسلم وبارك على سيدنا محمد وأله وصحبه} الساهره نور الإسلام - 3 05-21-2008 02:04 AM
رابطة الدوري الأيطالي Calcio حبيب القلوب رياضة و شباب 40 05-19-2008 03:44 PM
قصة سيدنا اسحاق ابن ابراهيم عليهما السلام ام ياسمين قصص قصيرة 0 05-10-2007 10:56 PM
قرر عمر بن الخطاب قتل سيدنا محمد فسن سيفة و ذهب lida_507 أرشيف القسم الإسلامي 2005-2016 7 10-01-2006 03:07 PM


الساعة الآن 10:52 PM.


Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.

شات الشلة
Powered by: vBulletin Copyright ©2000 - 2006, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لعيون العرب
2003 - 2011