عيون العرب - ملتقى العالم العربي

العودة   عيون العرب - ملتقى العالم العربي > عيون الأقسام الإسلامية > نور الإسلام -

نور الإسلام - ,, على مذاهب أهل السنة والجماعة خاص بجميع المواضيع الاسلامية

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 09-16-2008, 12:14 AM
 
Thumbs up تأملات في سورة المرسلات

هيأ لنا الحق نعمة علم و تعلم القرآن رحمة منه و فضلا... و كل آية من آيات القرآن تعبر عن أدق الأسراربقدر ما تتيحه لنا علوم كل عصر.. فتتدرج من أعم العموم إلى أخص الخصوص فى سهولة
و يسر ودقة وإتقان بقدر ما يستوعبه أيضا كل منا من معاني وبقدر ما هيأه له الرحمن من علم.. ونحن لا نعرض فى هذه الحلقات إعجاز القرآن فى سبقه و علمه و إشاراته... فالقرآن معجز لأنه من عند الرحمن، ولكنا ننفذ أمر الله بالتدبر فى آيات كتابه وتأملها بحسب ما مكنا به الخالق من يسير علوم الدنيا، وما أدناها عن علم القرآن... إننا نحاول أن نطيع أمر الله و نأخذ ما فى كتابنا بكل ما أويتينا من قوة العلم و الهدى و الاجتهاد و نذكر ما فى آياته لعلنا نكون حقا من الشاكرين، إنها محاولة لقراءة أو استقراء آيات الكون الذي خلقه الله بما تهدينا إليه آيات القرآن التي بعثها الله.. و نقف فى هذه الحلقة أمام آيات من سورة المرسلات... ويتكرر فى هذه السورة فى عشر آيات توعد الحق لهؤلاء المكذبين بكتاب الله و المصروفين عن آياته بهذا الوعيد الذي جاء بقوله سبحانه و تعالى "ويل يومئذ للمكذبين"... و تبدأ أول السورة بإشارات وعلامات يوم القيامة التي نرى منها اليوم الكثير... ثم تتوعد المكذبين بما سيلقونه فى هذا اليوم من العذاب فى وادي "الويل" من جهنم وبئس المصير بهذا القول الفصل "ويل يومئذ للمكذبين"... ثم يذكرهم الخالق فى الآيات التالية بأصل نشأتهم الذي جاء من ماء مهين يمنيه الرجل فى أنثاه من مخرج بوله، وهذا رداً على استكبارهم وصلفهم، ثم يذكرهم بأنه يتغمد هذا الماء المهين برحمته إذا خصب بويضة الأنثى فى قناة المبيض، فيحفظه فى قرار مكين حريز فى
ظلمات ثلاث وهو رحم الأنثى، أعده الرحمن حيث تستقر فيه هذه النطفة إلى وقت معلوم قدره لها رب العالمين، وفى هذا الرحم تتجلى رحمة الله و قدرته وحكمته... حيث يمد هذه النطفة بما ييسر لها النمو والحركة والتنفس داخل هذه الظلمات، مكونة الجنين ثم يخرجه إلى الحياة طفلاً كاملاً له السمع و البصر والقدرة على الحركة والحياة... يذكرنا الحق بهذه النعم والأسرار فى كلمات موجزة و معجزة فى هذه الآيات، حيث يقول الحق "ألم نخلقكم من ماء مهين.. فجعلناه فى قرار مكين.. إلى قدر معلوم.. فقدرنا فنعم القادرون "... و لن أتعرض فى هذا اللقاء لهذه الآيات الكريمة التي تذكر هذا الاستفسار من رب العالمين و الذي تتجلى فيه ما يدحض قول كل مكذب بيوم الدين وبهذا الكتاب الكريم، إنها آيات استوعبت فى كلمات
صورة لطفل صغير في رحم أمه فسبحان الله الذي أتقن كل شيء
محددة ومعدودة أسرار هذا الماء المهين و أسرار الرحم الذي أودعه الله أسرارا تجعل من هذا الماء المهين نشأتنا ونشأة خلق هؤلاء المكذبين... إنها تذكرة بأسرار رحمة الخالق بنا في أثناء أطوار الجنين المعجزة والمختلفة إلى قدر معلوم فى هذا القرار المكين والتي ما زال العالم يحبو ليكشف أسراره و ما زال أمامه الكثير... ولكنى سأتوقف فى هذه الحلقة أمام الاستفسار التالي والذي يكشف عن أسرار رحم أخر وقرار آخر جاء ذكره فى الآيات التي تلت مباشرة تذكرتنا بالرحم الأول أو القرار الأول... إنه رحم كبير أعده الله لنا.. إنه قرارا آخر تستقر عليه حياتنا أيضا إلى وقت معلوم... إنه الكوكب الذي يسره الله لنا كي ننعم برحمة الله علينا فى كل لحظة نعيشها و نحياها عليه... إنه كوكب الأرض الذي جعلها الله لنا مهدا للحياة و محتضنا لأجسامنا بعد الممات... إنه القرار المكين التالي الذي يستقبل الطفل بعد أن يخرج من القرار المكين الأول... و لهذا جاء ذكره فى السورة الكريمة فى تسلسل منطقي بعد هذه الآيات.. فيأتي قول الحق فى استفسار آخر يلي مباشرة الاستفسار الأول عن نشأتنا من ماء مهين أودعه الحق فى قرار مكين.. " ألم نجعل الأرض كفاتاً...أحياءً و أمواتا "... يضع الخالق أمامنا أيضا فى هذا الاستفسار سراً آخر من أسرار الخلق ومن أسرار هذا الكون الذي تحتار فيه الألباب... وهذا السر جعله البشر قضية يحارون فى الحفاظ عليه وينسون من أعده وأعد الحفاظ عليه... يسمونه بالبيئة فيقيمون لها الوزارات و المؤتمرات.. وطبقا لتسلسل الآيات فهو حقاً رحم آخر ينتظر الإنسان بعد خروجه من الرحم الأول أو أول قرار مكين، و لكن هل يحتاج الإنسان حقاً لرحم آخر بعد ولادته... وللإجابة عن هذا السؤال تعالوا ننظر إلى رواد الفضاء عندما يذهبون إلى القمر... إنهم يدخلون بالفعل داخل رحم آخر يحيط بجسدهم تحت الضغط ودرجة الحرارة ونسبة الرطوبة التي تناسب أجسامهم كما فى رحم الأم، ويكون لديهم حبل سرى آخر يمدهم بالغذاء والماء والهواء كما فى رحم الأم، وحبل لخروج الهواء الفاسد بعد استهلاكهم الهواء النقي وحبلاً كذلك لإخراج فضلاتهم وإعدامها حتى لا تلوث الرحم الذي يعيشون فيه كما فى رحم الأم... وإذا انتهى ما يكفيهم من العناصر المطلوبة لبقائهم أحياءً انتهت حياتهم، فلا يوجد على سطح القمر معظم العناصر إلى تحتاجها أجسامهم، وإذا وجدت فلا وجود للنبات الذي يعد لهم طعاماً من هذه العناصر بحيث تستطيع أمعاءهم أن تمتصه أو تهضمه... و إذا وجد النبات فليس أمامه الظروف الجوية التي تتيح بقائه أو العناصر التي يمكن امتصاصها وإعداد الطعام المناسب منها.. وإذا مات أحد منهم فلن يستطيعوا البقاء أحياء عندما يتعفن جسد زميلهم مفسداً لهم هذا الرحم الصناعي الذي يحيون فيه... كلا.
هل يشكل لهم القمر القرار المكين.. كلا .. فالآن . يرون فوق القمر فى قفزات ولا تستقر حركاتهم.. و الآن .. ألا ننظر من أعد للبشر جميعاً هذا الرحم الكبير الذي يضمهم ويوفر كل أسباب هذه الحياة لهم و الاستقرار.. لقد وجه الخالق هذا الاستفسار فى كلمات معدودة تذكر المكذبين أن يقرأوا آيات الكون الذي يتمتعون بالحياة فيه و هذا إذا تعلموا قراءة آيات القرآن ... أن ينظروا كيف تستمر حياتهم بعد خروجهم من أرحام أمهاتهم... أنهم يعيشون فى رحم آخر يكفلهم و يكفيى مؤنهم فى كل لحظة يعيشونها على الأرض .. إنه حقا قرار مكين آخر... يسألنا الحق بهذا الاستفسار و هذا البيان و هذه التذكرة.. من أعد لكم هذا القرار الآخر بميزان دقيق و فى منظومة هائلة كي يضمكم و يكفلكم و يكفيكم أحياء و أمواتا ... ما رد المكذبين الذين يجدون فى صعود القمر تقدما علميا على هذا السؤال أو الاستفسار.. ألم نجعل الأرض كفاتا.. أحياءا و أمواتا... لقد خص الله هذا الكوكب الذي نحيا عليه و هو الأرض بما يؤهله ليكفل و يكفى حياة الأحياء عليه و يكفلهم و يكفيهم أيضا بعد موتهم... و قد ذكر المفسرون أن الكفت يعنى الجمع و الضم كالأم تضم أبنائها أو الرحم يضم جنينه و يكفله، وكلمة كفاتا تعنى جمع الكفت فهي حقا ليس رحما واحدا و لكنها أرحام و أرحام و أرحام، ثم نجد أن حروف الكلمة تعنى أيضا الكفاية.. أي أن الأرض توفر ما يكفى من تضمهم و تكفلهم فى رحمها أو أرحامها... أن من ينظر إلى هذه الأرض التي تضمنا بالرغم من مواردها المحدودة.. ويسأل نفسه ويتدبر.. من أدارها و من يديرها طوال هذه الملايين من السنين بحيث يكون لديها ما تقدمه إلى هذه الملايين أو المليارات من البشر ومليارات المليارات من الأشجار والنباتات والحيوانات والحشرات و الطيور من غذاء و هواء وماء طوال ملايين السنين التي عاشتها وستعيشها الأرض... تكفلهم أيضا بفضلاتهم وأجسام موتاهم وفضلات الحيوانات وأجسادها حين موتها دون أن تصبح الحياة مستحيلة عليها... من ينظر إلى عدد سكان الأرض منذ خمسة قرون فقط و الذي لم يكن يتعدى 500 مليون نسمة، و الآن يزيد هذا العدد عن 6.5 مليار نسمة... من ينظر كم طنا من الغذاء يستهلكه كل منا و كم برميلا من الماء يشربه كل منا و كم مترا مكعبا من الهواء يحتاجه كل منا خلال حياته.. إن متوسط ما يستهلكه الإنسان فى عمره إذا بلغ 60 عاما هو 60 طن من الحبوب و المحاصيل الزراعية، يمكن أن يكون جزءً منها من المصادر الحيوانية مثل الألبان و لحوم الطيور و الأنعام، و يحتاج هذا الكم من الحبوب و المحاصيل إلى 100.000 (مائة ألف ) متراً مكعباً من الماء العذب لزراعتها، و تقدر الطاقة التي يحتاجها جسم هذا الإنسان خلال سنوات عمره للحركة والحياة والتي يختزنها ويعدها له النبات من الشمس بحوالى 60.000 كيلو وات. ساعة، وهي طاقة تدفع عربة جيب قوتها 100 حصان زمنا قدره 1000 ساعة... من أعد الموارد والمصادر لتقديم كم هذا الطعام والشراب وهذه الطاقة لهذه المليارات من البشر، ثم لأنعامهم و زروعهم، علاوة على ما يسكن الأرض من أحياء أخرى معهم.. هذا علاوة أيضا على استيعاب كم الفضلات التي تخرج منهم بعد غذائهم ثم عند موتهم... من دبر أمر كفالة كل هؤلاء البشر بهذه الرحمة و البركة... من أعد هذا الرحم الكبير بكل ما فيه وما عليه ... سؤال تثيره الآية الكريمة فى القرآن الكريم والتي توجهنا إلى استقراء آيات الله فى هذا الكون الكبير... توجيه جاء هيئة على استفسار رباني كي نفيق من غفوتنا ونحن نتحدث عن البيئة دون أن نفطن من أوجد و خلق و أعد هذه البيئة بكل هذه المقومات كي نحيا عليها و فيها ومنها.. من دبر أمر إدارتها و هدايتها بهذا الميزان بحيث تعوض ذاتياً استهلاك مواردها و تجددها بحيث لا تنضب... من ثم من ثم من ؟؟؟ ... تأتى الآية الكريمة فتخبرنا أن خالقها هو الذي جعلها هكذا... فلا حيرة و لا تخبط... ولا تنسى أن كلمة الأحياء والأموات فى الآية الكريمة لا تعنى البشر وحدهم، بل هناك أعضاء المملكة النباتية والحيوانية والميكروبية.. أحياءهم وأمواتهم.... و كلهم قد سخرهم الله لخدمة البشر، الذي جعله الله خليفته فى هذه الأرض... كيف هذا؟ .. علينا أن نقرأ هذا الكون ونحن نتدبر آيات خالقه وكتابه الذي ختم به رسالاته إلى الأرض... إنه استفسار جاء بكل البساطة والعظمة والتفضل والمن معاً.. إنه إعلان أنه هو الله الذي أدار ويدير هذا الكون بحكمته وهذه الموارد بعلمه و قدرته... هو الذي أراد أن يجعلها هكذا.. و كلمة جعل تفيد أنه لم يخلقها فقط ولكن رحمته وعنايته تهديها و تسيرها فى كل لحظة وكل حركة و سكنة... بحيث تكون معيناً لا ينضب، و قد وجهنا الخالق فى هذه الآية و بهذا الاستفسار أن نرى كيف انتظمت واهتدت هذه الأرض بحيث تكون كفاتا ، أحياء أو أمواتا ... فتعال ننظر كما تنص الآية الكريمة كيف صارت الأرض معينا كافياً ومحتضنا طوال ملايين السنين لكل هذه المليارات من البشر ومليارات المليارات من الحيونات والحشرات والأسماك والطيور والنباتات والمكيروبات و .و. .. ... تعالوا أولا ننظر كيف توفر الأرض للأحياء عليها احتياجهم من الغذاء بعناصره والماء بعذوبته لاستمرار بقائهم.. لننظر أولا ما هي العناصر المطلوبة لبقائهم... إن إنشاء أجسامنا قد جاء من الطين اللازب الذي الذي خلق الله منه آدم أبو البشر، ويتكون هذا الطين من الماء والتراب، و الماء يمثل حوالي 83 % من جسم الإنسان ، ثم تدخل عناصر التراب ومنها الكربون والنيتروجين والكالسيوم والفوسفور والكبريت والبوتاسيوم و الصوديوم و المنجنيز بالإضافة إلى 10 عناصر أخرى بكميات محدودة منها النحاس والحديد والكوبالت والزنك، و أكثر العناصر انتشارا فى الجسم هو غاز الأكسيجين ويمثل أكثر من 65 % من كتلة جسم إنسان، حيث أن الماء المنتشر فى أجسامنا يتكون من اتحاد هذا الغاز مع غاز الهيدروجين، و يمثل غاز الأكسيجين عنصراً هاماً أيضاً فى الهواء الذي نتنفس به، حيث يمثل نسبة 23 % من وزن الهواء، و هذه المكونات قاسم مشترك أيضا فى معظم أعضاء المملكة الحيوانية والنباتية .. أي معظم الأحياء، ويعد النبات الثمار التي تحتوى على جميع المعادن و المواد التي يحتاجها معظم الأحياء و منهم الإنسان فى غذائهم ونموهم وحركتهم ، وهذا بما يمتصه النبات من القشرة الأرضية ومن الهواء ... وقد أعد الله كل هذه العناصر والمكونات فى القشرة الأرضية التي نحيا عليها وفى الغلاف الذي يحتضنها ويسميه العلماء الغلاف الجوى أو الأرضي... إن هذه القشرة الأرضية التي تحتوى جميع هذه المعادن التي تقوم عليها حياتنا، لا تمثل أكثر من قشرة بيضة من بيض الطيور، إذا تخيلنا الأرض فى حجم هذه البيضة، حيث لا يزيد سمكها عن 0.4 % من قطر الأرض، فتصل أعماق القارات التي نحيا عليها إلى 35 كم فقط، وتضم 8 عناصر أساسية منها الأكسيجين و السيليكون و الكالسيوم والصوديوم و الحديد، وتضم بندرة شديدة بعض العناصر الأخرى مثل الكربون والفوسفور والكبريت و جميع العناصر الأخرى التي يتكون منها جسم الإنسان، و تتغطى القشرة الأرضية بالمياه والرمال و التربة، و على أي أعماق تحفر فى هذه القشرة فلن تجد سوى الصخور، ويحيط بهذه القشرة كما ذكرنا الغلاف الجوى الذي يمتد إلى أكثر من 10 كم، وقد وجدت أنواع من الحياة وخاصة للكائنات الدقيقة أو الميكروبية حتى عمق 9 كم تحت سطح البحر وحتى ارتفاع 6 كم فوق سطح البحر، و هناك
إن هذه القشرة الأرضية التي تحتوى جميع هذه المعادن التي تقوم عليها حياتنا، لا تمثل أكثر من قشرة بيضة من بيض الطيور، إذا تخيلنا الأرض فى حجم هذه البيضة، حيث لا يزيد سمكها عن 0.4 % من قطر الأرض
طيور تهاجر على ارتفاع أكثر من 8 كم فوق سطح البحر فى غلاف الأرض.
و تنحصر حياتنا على هذه القشرة الأرضية بصخورها ومائها ورمالها وترابها وعناصرها وداخل هذا الغلاف الجوى بهوائه و سحبه و رياحه.. هذه المنطقة المحدودة تضمنا و تكفينا بمواردها المحدودة.. إنها موارد محدودة فى منطقة محددة من قبل رب رحيم كي تكون الرحم الذي يضمنا.. ولا مكان لنا فى الكون سوى هذا الرحم الذي هيأه لنا الرحمن الرحيم بنا والذي أراد أن يجعل هذه الأرض لنا كفاتا.. أحياء و أمواتا ... كيف لا تنضب هذه العناصر بالرغم من استنفاذها ملايين المرات خلال ملايين السنوات التي عاشتها الأرض بحيواناتها ونباتاتها و طيورها و سكانها... إن من يقرأ هذا الكون سيرى أن كل عنصر من هذه العناصر له موارد محدودة.. وهي عناصر مطلوبة فى تركيب ونمو وحركة وطاقة كل إنسان أو حيوان... فكيف تكفى هذه الموارد كل هذه الأعداد دون أن تنفذ... لقد أعد الخالق لكل عنصر من هذه العناصر دورة تبدأ من الصخور الجيولوجية فى قشرة الأرض والهواء الجوى إلى النبات لإعداد ثماره إلى غذاء الأحياء وأجسادهم ثم إلى فضلاتهم وأجساد موتاهم ثم تعود إلى الصخور والهواء مرة أخرى من خلال سلسلة طويلة من التفاعلات الكيميائية تشارك فيها القشرة الأرضية و الغلاف الجوى و الشمس مع مملكة الأحياء من نباتات وحيوانات مع الرمال والتراب والبحار والمحيطات، بالإضافة إلى مملكة أخرى من الأحياء لا نراها بالعين المجردة بالرغم من هول ما تؤديه فى اكتمال هذه الدورات، وهي مملكة تجمع بين الحيوان فى حركته وخواصه والنبات فى وظائفة و سكناته، إنها مملكة الكائنات الدقيقة أو الميكروبية وتسمى المملكة الميروبيولوجية.. وتسمى الدورات التي تشارك فيها كل هذه الممالك مع القشرة الأرضية بغلافها بالدورات البيو جيو كيميائية، أو الدورات الحيوية الصخرية الكيميائية، biogeochemical cycles. ... ولا شك أن إلقاء نظرة على بعض هذه الدورات، سيقربنا إلى استقراء أسرار هذا الكون كما تهدينا وتبصرنا وتوجهنا آيات القرآن, إنه استقراء لآيات الكون المنظور بآيات القرآن المقروء.. إنه رد على استفسار يوجهنا إليه الخالق كأعظم أسلوب تربوي لإدراك ما تشتمل عليه الآيات من نعم الخالق علينا فى هذا الرحم الذي يضمنا أحياء و أمواتا، و لنبدأ بدورة غاز الأكسيجين... و هو أهم و أكثر العناصر فى أجسام جميع الأحياء.. كيف لم تستهلك كميته المحدودة فى القشرة الأرضية والغلاف الجوى طوال هذه السنين بحيث مازالت تكفينا وتكفى مليارات أخرى من البشر عدة ملايين أخرى من السنين... إن الأكسيجين غاز يستهلك فى إنتاج الطاقة عند حرق الوقود أو الغذاء الكربوهيدرات داخل أجسامنا ليمنحنا الطاقة كي نتحرك ونحيا ، ثم حرق الوقود لطهو طعامنا وإعداده لنا ، ثم حرق الوقود داخل عرباتنا ومعداتنا لتوفير أسباب الراحة لنا، إننا فى كل يوم نستهلك ملايين الأطنان من هذا الغاز لكي نطلق مليارات السعرات الحرارية المطلوبة كي تستمر قدرتنا وقدرة جميع الأحياء على الحركة و الحياة بما فيها النباتات .... حيث يمتص غاز الأكسيجين من الهواء و يحترق به الوقود داخل الأجسام أو الأفران وينتج فى معظم الأحوال غازي ثاني أكسي الكربون وبخار الماء بالإضافة إلى الطاقة... لا.فذ غاز الأكسيجين نتيجة استنفاذه فى كل الأحياء وجميع العمليات الحيوية و الصناعية على الأرض، الجواب.. لا .. فقد أعد له الخالق دورته كي يستعيده الغلاف الجوى أو الأرض مرة ثانية... إنها دورة يشارك فيها النبات واللملكة النباتية مع الإنسان و المملكة الحيوانية.. فما تستهلكه المملكة النباتية و المملكة الحيوانية ومنها الإنسان أثناء التنفس و الأنشطة الأخرى تعوضه المملكة النباتية أثناء عملية التمثيل الكلوروفيللى أو الأخضر أو الضوئي تحت أشعة الشمس، حيث تمتص النبات نفس نواتج الاحتراق و هي غازي ثاني أكسيد الكربون و بخار الماء، و تعيد لنا الأكسيجين، وتختزن لنا أثناء هذه العملية من الشمس الطاقة المطلوبة للحركة والحياة على الأرض من خلال تفاعلات فوتو كهروكيميائية، و تقدمها لنا على هيئة مواد غذائية تسمى المواد الكربوهيدراتية.. مواد فى ثمار عديدة سائغة الطعم و ميسرة للهضم و الاحتراق داخل خلايا أجسامنا لتنطلق الطاقات التي تحركنا و تكفينا للاستمتاع بقوتنا ما أحيانا الله على الأرض... هكذا يستمر الأكسيجين على الأرض دون أن يستنفذ.. فما يفقد من الجو للإنسان ينطلق إليه من النبات فى توازن حكيم قدره رب العالمين.
ثم نأتي إلى عنصر النيتروجين.. وهو غاز أساسي يعتمد عليه إنشاء ويناء جميع الأنسجة الحيوية، فى الإنسان والنبات والحيوان، ويقوم النبات بإعداده على هيئة مواد بروتينية تدخل فى ثمارها التي تقدمها لنا و حبوبها التي نتغذى عليها كي نبنى بها خلايانا و أنسجتنا و عضلاتنا.. أو نحصل عليها من الحيوانات التي تتغذى بدورها أيضا على بوتين هذه النباتات... وغاز النيترجين يمثل 77 % من كتلة الغلاف الجوى الذي يحيط بالأرض... ولكن كيف يأتي هذا الغاز من الهواء ثم كيف يستطيع النبات أن يختزنه و يبنى به خلاياه و أنسجته و يعده وجبة سائغة لبناء الأنسجة فى جميع الحيوانات.. ثم كيف يستعوض الهواء ما استهلكته الحيوانات والنباتات، من فضلاتهم و هم أحياء و من أجسامهم و هم موتى... إنها دورة أخرى تشارك فيها أعضاء من مملكة الكائنات الدقيقة، إنها المملكة التي تحتوى مليارات الأنواع من البكتيريا أو الفطريات، وكل نوع من أنواع هذه البكتيريا له عمله واختصاصاته ووظائفة فى استكمال هذه المنظومة.. منها ما تمتصه من الهواء لنا و للأحياء على الأرض و تثبته لجذور النباتات التي تحيا بالقرب منها... إنها تمتص وتثبت من هذا الغاز فى كل لحظة مئات الأطنان وفى كل دقيقة آلاف الأطنان وفى كل يوم ملايين الأطنان.. تحصل عليه من هذا النيتروجين الجوى لإعداد هذه المواد البروتينية كي تقوم النباتات والحيوانات ومنها الإنسان ببناء خلاياها وأنسجتها... وأنواع أخرى تقوم بالعكس لإعادة ما امتصته الأنواع الأولى من النيتروجين إلى الهواء مرة أخرى، فتحلل فضلات الأحياء والأجسام والأنسجة يعد موتها وتعيد للغلاف الجوى نيتروجينه... الأنواع الأولى تقوم بعملية تثبيت هذا الغاز فى مركبات الآمونيا عند امتصاصه من الجو من خلال سلسلة طويلة من التفاعلات الكيميائية، و ثم تهاجم الأنواع الأخرى الفضلات وبقايا الأجساد فتحلل بروتيناتها من خلال تفاعلات طويلة أخرى وتستغل فى بعضها أشعة الشمس فى تحليل أكاسيد النيتروجين إلى النيتروجين فى عملية تمثيل ضوئي أخر يماثل عملية التمثيل الكلورفيللى فى النباتات ولكن بتفاعلات أكثر تعقيدا... هذه التفاعلات لا يمكن أن تقوم بها أي معامل على الأرض، ولكن هذا العالم من المخلوقات الدقيقة يقوم بها بكل يسر وإتقان معجز.. إن بعضها لا يتعدى أن يكون نواة بلا جدار أو خلايا أحادية ولكن لا تفسير لما تقوم به إلا أنها تسبح بأوامر ربها تسبيحاً منتظما ومحدداً لتطلق كل هذا الكم مما تحتاجه أجسامنا وتنظبط به مكونات الهواء و نسبه.. إنها جيوش لانهائية العدد والعدة وتعمل بتنسيق وانضباط لا يتخيله عقل فلا تزيد نسبة النيتروجين فى الهواء ولا تقل .. من أعدها وخلقها ونظم أعدادها وعددها بهذه القدرة والحكمة.. إنه الخالق الذي بعث إلينا بهذا الاستفسار المعجز... ألم نجعل الأرض كفاتا، أحياء و أمواتا... إننا إذا نظرنا إلى غلاف الأرض أو هذا الغلاف الجوى، نجد أنه يحتوى على غازين حيويين، أحدهما الأكسيجين الذي تنطلق به الطاقات والآخر النتروجين الذي تصنع به الأنسجة و العضلات فى كل ما هو حي على وجه الأرض، فوفرهما الخالق فى الهواء المحيط بنا لكي يكونا متاحين لكل هؤلاء الأحياء على وجه الأرض، دون أن توجد تفرقه فى جو عن جو، فالرياح تساوى بينهم جميعا فيتقل الهواء من مكان إلى آخر دون معوقات أو حجوزات، ثم نجد هذا الهواء مستقراً فى تركيبه و ثابتا فى مكوناته ومحافظاً على ضغطه... إنها منظومة ربانية رائعة.. منظومة علمية هندسية وإدارية و حسابية و... هي حقاً منظومة أديرت بالحكمة والعلم و القدرة كي ثبت لنا هذه الموارد والكميات.. فمن ينظر إلى باقي الكواكب من حولنا لن يجد فيها هذا الهواء وهذا التناسق وهذه النسب التي لو اختلفت لاختلفت أقدارنا و انتهت حياتنا... إنها إرادة الخالق الذي أراد أن يجعلها هكذا كفاتا .. ولو نظرنا أيضا إلى هذين الغازين، لوجدناهما يسمحان بمرور أشعة الشمس خلالهما دون أن يمتصانها، و لو حدث أن كانا لهما نفس قدرة امتصاص بخار الماء أو ثاني أكسيد الكربون لأحترقت أجسامنا، ولكنها رحمة الله بنا أن خص أرضنا بهذين الغازين دون سواهما يحيطان بأجسامنا فى رحم ورحمة لنا... فهناك كواكب أخرى مثل المريخ يمتلأ غلافها بثاني أكسيد الكربون فتستحيل الحياة عليه، إنها حقاً رحمة الرحمن بنا فى هذا الرحم الذي يضمنا ويكفلنا على أرضه الذي جعلها قرارا لنا، ننعم فيه برحمته فى كل لحظة ومع كل تفاعل و كل حركة و كل سكنة وكل شعاع وكل نفس وكل قضمة و...
ثم ننتقل إلى مادة الحياة... تعالوا ننظر كيف روت الأرض هذه المليارات من الأفدنة لزراعة ما يكفى أهل الأرض وأحياءها طوال هذه الملايين من السنين.. ثم كيفتوفرت لهم فى كل مكان و كل موقع كي تروى زرعهم و أجسادهم وعطشهم فى كل موقع على الأرض... إننا لا نحيا بدون هواء أو ماء.. والآن،كيف يحيط بنا الهواء بنسب و ظروف ثانتة و يتجدد بما يكفلنا ويكفينا فى دورات ودورات تمضى بكل الحكمة و القدرة و العلم.. والآن، ما هو الموقف بالنسبة للماء ... إن الماء مكون اتحاد كيميائي لعنصرين أو غازين.. الأكسيجين الذي تحدثنا عنه مع غاز آخر وهو الهيدروجين .. إنه أخف العناصر على وجه الأرض.. واتحادها ينشأ عنه انفجار وحرارة أو نار .. هكذا ينشأ من النار ما يطفئ النار لحكمة جليلة .. ثم نجد هذا المركب الجديد و يرمز له بالرمز (H2O) .. إنه غاز يسمى بخار الماء... أخف وزنا أو كثافة من الهواء ولكنه يتكثف فى درجة الحرارة العادية مكونا ماء الأنهار و البحار والمحيطات، و التي تغطي أكثر من 70 % من مساحة أرضنا.. أو تجده سابحا فوق الهواء فى طبقات الجو العليا لأنه أخف من الهواء.. وعندما يصطدم هذا البخاء بالهواء البارد يتكثف على هيئة السحاب، الذي ينزل منه مياه الأمطار أينما وكيفما قدر لها الله. هكذا يحيط بنا الماء من كل مكان حتى تستمر الحياة.. وكيف احتفظت الأرض لنا بهذه المياه دون أن تنفذ.. وكيف لا تتبدد فى السماء عندما تحملها الرياح إلى أعلى الطبقات و لا تعود... وكيف لا تهبط إلى أغوار الأرض وأعماقها وتتبدد.. إنها إرادة الخالق أوضحتها الآيات فى سورة الطارق.. فى سماء ذات رجع يعيد الماء إلى الأرض مرات و مرات و مرات دون أن يفقد أو ينقص، وأرض ذات صدع يحفظ الماء لأهل الأرض و يستنفذوه من صحارات المياه التي تغذى الأنهار... فلا هروب بأمر الله من أسفل أو من أعلى.. فكما يصعد إلينا من المياه المالحة بخاراً و سحاباً.. تعيده لنا السماء أمطاراً و أنهاراً من المياه العذبة... أو تخزنها لنا الأرض فى صدع وتعيدها لنا جداولاً وأنهار وآبارا ... فنجدها رزقاً ميسرا فى كل موقع على الأرض حتى تستمر الحياة... و لكن ما الحكمة من هذه المساحة الهائلة من بحار مالحة.. إن الأملاح تحفظ لنا بقاء المياه ساكنة فى قاع البحار مئات وآلاف السنوات دون أن يصيبها عفن أو تعطن أو تلوث، فلو كانت عذبة لفسدت من طول هذه المدة، ثم تتبخر المياه العذبة من مياه البحار المالحة لتكون السحاب الذي يملأ السماء بفعل أشعة الشمس، وهذا يتطلب تعرض أكبر مساحة من سطح المياه المالحة كي تنال كما كافيا من حرارة الشمس لتتبخر الكميات المناسبة منها وتكون السحاب، كي تروي الغابات والقارات وتملأ الأنهار و الآبار.. ثم تعيد هذه الغابات والأنهار مياها مرة أخرى إلى البحار من خلال مصارفها أو البخر منها أو المتسرب من أرضها، كي تعيد تخزينها ثم دورتها مليارات المرات فى ملايين الأعوام لمليارات المخلوقات.. إنها دورة متكاملة تدل على حكمة خالقها ومدبر أمرها... إله واحد ملك قدوس عزيز حكيم قدير... ذو فضل عظيم... هكذا يسر لنا الخالق أسباب الحياة على الأرض من هواء نستنشقه و ماء نشربه ونروى به زروعنا و أنعامنا..
ولكم مازالت هناك عناصر أخرى مطلوبة لتستمر حياتنا على الأرض وتدخل فى تركيب أجسامنا و يطلق عليها إسماء عديدة، منها كما ذكرنا الكالسيوم و الفوسفور و الكبريت و البوتاسيوم والصوديوم والمنجنيز والأومنيوم النحاس والحديد والكوبالت والزنك وعناصر أخرى ... إنها عناصر و معادن موجودة فى التراب الذي جاءت منه نشأتنا.. معادن موجودة فى القشرة الأرضية أو قشرة القرار الذي جعله الله لنا كفاتا .. أحياء و أمواتا.. و لكن كيف لم تنتهي أيضا هذه المعادن و العناصر... كيف لم تستفذها الأحياء التي عاشت عليها كل هذه الملايين من الأعوام من نباتات و حيوانات ... إن من يرصدها و يرصد تكوينها يرى حقا أنها كميات محدودة و موارد معدودة ... كيف لم تستنفذ .. إنه استفسار الخالق فى الآية الكريمة .. إنه استقراء لحكمة الحق فى هذا الاكتفاء الذاتي الذي تتيحه الأرض لمن عليها بكلمة الخلق "جعلنا" فى الآية الكريمة من كتاب الحق.. إنه "جعل " يشمل الخلق و الهداية و تسخير القوانين و المخلوقات التي نرى حكمة الخالق فى طرق تسبيحهالله كي يجعل الأرض كفاتا لنا.. أحياء وأمواتا .. عفواً .. إن المجال لا يتسع أن نقرأ حكمة الخالق فى كل عنصر من هذه العناصر.. فليست عملية استعراض للمعلومات.. فهذه المعلومات متاحة لكل من يريد أن يتدبر فى المراجع فى كل مجال، أو على شبكات الإنترنت التي تتوافر للمؤمنين و المكذبين.. ولكن سأذكر منها بعض الأمثلة المحدودة وأترك الفرصة لكل من يريد أن يتذكر لكي يفتح الباب على أسرار أخرى يدرك بها كم هي عظمة الخالق عندما يقدم لنا هذا الاستفسار النبي كي يسعى كل منا بقدر وعيه و تدبره، و هناك حدود لعلمنا قدرها معلم القرآن.. و لن نعلم بعد هذه الحدود التي أتاحها لنا الله شيئا، و لكننا سنزداد يقينا على أننا لا نعلم إلا اليسير و اليسير من أسرار هذا الخلق الكبير... فكلما اكتشفنا سراً وجدنا أنه يضعنا أمام أسرار وأسرار لا تفسير لها إلا أن الله جعل لكل خلية و ذرة فى هذا الكون البديع سرا من الأسرار التي لا يمكن إدراكها بالأسس المادية أو العلمية المجردة.. و لا يتأتى فهمها إلا أنها تسبيحا مطيعا و متناسقا و منضبطا و متكاملا دون نشاز أو شذوذ.. تسبيحا و طاعة لرب واحد هو رب كل شيء، بعث القرآن ليكون حجة للمؤمنين على المكذبين.. ألا نسبح نحن أيضا دون نشاز أو شذوذ لله الواحد الأحد، رب كل شيء.. و لهذا جاء تكرار هذا القول فى هذه السورة من القرآن عشر مرات.. ويل يومئذ للمكذبين..
فلننظر أولاً إلى الكربون وهو أكثر العناصر انتشاراً بعد الأكسيجين فى جسم الإنسان، حيث يمثل 18% من وزن الجسم، وتشارك فى دورة هذا العنصر والإبقاء عليه كل ما ومن على الأرض أو فى السماء.. البحار والمحيطات بمائها وترسبات قاعها ونباتها وأحيائها الدقيقة والكبيرة، ثم السماء بهوائها وطبقاتها المختلفة وشمسها وسحبها، ثم الأرض بنباتها وأحيائها و حيواناتها و أنهارها.. و يعد الكربون من أهم العناصر لإنتاج الطاقة أيضا على الأرض، فعند احتراقه داخل خلايا الجسم يصدر الطاقة التي تحرك الإنسان و الحيوان، وعند احتراقه تأتى الطاقة فوق الأرض ينتج الطاقة المطلوبة لطهي الطعام وتحرك العربات والماكينات.. ثم يذهب بعد احتراقه إلى الهواء على هيئة غاز ثاني أكسيد الكربون إذا توافر الأكسيجين عند اخترقه، أو على هيئة الغاز الطبيعي أو الميثان إذا لم يتوافر الأكسيجين ، و يتحقق إنتاج الميثان من خلال عالم الكائنات الدقيقة من البكتيريا والفطريات بعد تحليل الفضلات والأجسام بعد موتها، ثم يعود إلى البحار و المحيطات عندما تذاب هذه الغازات فى الأمطار أو فى جليد القطبين، وهذا دون أن يختل تركيزه أو توازنه فى الهواء أو الماء أو فى التربة أو الأجسام ، فزيادته فى الهواء يعنى احتراق أجسامنا لقدرته على امتصاص أشعة الشمس و تدفئة الجو إلى أي درجة، و زيادته فى الماء أو التربة هو زيادة فى الحمضية التي تقتل الحياة ، وزيادته فى الأجسام هو تسممم و حموضة و إهلاك … من ضبط الكميات و حدد التفاعلات وحقق المعدلات … .. ألسنا أمام قدرة قادر و حكمة حكيم و إبداع بديع.. فسبحان الله الذي أعد وجعل الأرض كفاتا ... أعد الدورات و سخر الكميات و علم التسبيحات .
ثم نأتي إلى عنصر الكالسيوم الذي به تبنى العظام والأسنان وبدونه لن تستقيم أجسامنا أو تنتصب قامتنا.. إنها مادة بناء الحجارة وبناء أجسامنا.. وما زالت علومنا قاصرة عن فهم كل الأسرار فى دورة الكالسيوم ومعظمها يعتبره العلماء من العجائب... وتختزن القشرة الأرضية هذا العنصر على شكل ترسبات ركامية فى مركبات من الكربونات وتسمى كربونات الكالسيوم أو الحجر الجيرى، و تمثل 3.5 % من القشرة الأرضية.. ومن غير المعروف كيف تكونت هذه الصخور الركامية من مياه البحار و المحيطات، و إن كان من المتنبأ به دون إثبات فعلى أنه يتم من خلال أنواع من الكائنات الدقيقة الغير معروفة و التي تقوم بتخليص وترسيب هذا العنصر كي يكون متاحا لكل الأحياء على هيئته العنصريه أو الأيونية ، .. وتحمله الأنهار إلى النباتات من خلال حمله و جرفه مع الأمطار من سفوح الجبال الجيرية ليصل إلى النباتات، و الذي يمتصه بدوره من خلال جذوره الممتدة إلى الأرض، حيث يكون تركيز هذا العنصر فى التربة المروية بالماء أكثر من تركيزه داخل النبات فيدخل إليه بالضغط الأوسموزى ويصعد إلى أوراق النبات من خلال ساقه بالخاصية الشعرية ليصنع لنا غذاء يحتوى على هذا الكالسيوم فى طعامنا، فتبنى به الأجسام و تستقيم به الكثير من العمليات الحيوية وفى الهضم و بناء الأنسجة، ثم يعود هذا الكالسيوم مرة أخرى منع أوراق النباتات المتساقطة و أخشايها المندثرة، ومع جثث الحيوانات و فضلاتها، لتمتصه مرة أخرى الكائنات الدقيقة و تعيد ترسيبه و إعداده...
وسأكتفي بهذه العناصر.. و لكن لكل عنصر من العناصر الباقية أيضا دورته التي نعلم منها القليل و نعجز بالرغم من تطاول البعض عن معرفة الكثير والكثير منها.. فللكبريت ندرته و دورته التي تحافظ على بقائه متاحا للأحياء من خلال ما توفره له النباتات، و للفوسفور دورته العجيبة التي تشارك فيها أيضاء الأنهار و البحار والهواء والصخور والأحياء والأموات و النباتات و الحيوانات و الميكروبات و الفطريات، ومثل هذا للألومنيوم والنحاس والكوبالت و.لجميع العناصر الأخرى التي تكون أجسامنا و تحدد أنشطة حياتنا.. ، والحديد أيضا مطلوب لما فيه من بأس شديد فى دماؤنا و أجسامنا بالإضافة إلى حياتنا.. للحديد مثل هذه الدورات ويزيد.. ثم ما زلنا نجهل عن دورته الكثير و الكثير ويقف العلماء و يعلنوا و يعترفوا أن ما يرونه فى هذه الدورات ما علموا منه وما لم يعلموا .. هو العجيب و البديع و الجليل و العظيم.. ألا نتفق بعد هذا على استحقاق هذا الوادي للمكذبين.. وادي الويل فى قول الحق "ويل يومئذ للمكذبين ".. رحمنا الله وتوفانا مسلمين...
إن من ينظر الأرض و ألوانها.. الأزرق الذي يغطى البحار والمحيطات والأصفر الذي يخطى الصحارى و الجبال و الأخضر الذي يغطى الغابات... كل منها يمتص أشعة الشمس و يحتفظ للأرض بدفئها كي تكون رحما دافئا يضمها... الماء يحفظها بالرغم من برودة الجو من فوقه.. فهو يختزنها فى أعماق البحار.. والغابات تختزنها من خلال أوراقها الخضراء و تحولها لنا غذاء و طاقة.. و الرمال و نسميها أشباه الموصلات تحتفظ للأرض بأشعة الشمس و تنطلق منها الكهربات التي تشحن الأرض بالقدرات والمجالات. ولهذا نصنع من مادة الرمل الخلايا الشمسية التي تحول أشعة الشمس إلى تيار كهربي.. كل شيء بحكمة وإنصاف حتى تضمنا الأرض وتكفينا وتكفلنا...هكذا جعل الله الأرض رحما ثانيا يضمنا مثل الرحم الأول.. جعلها كفاتا أحياء و أمواتا.. ثم تأتى الآيات التالية و تذكرنا كيف استكمل هذا الرحم قدراته ليكون أيضا قرارا مكينا، فيأتي قول الحق.. و جعلنا فيها رواسي شامخات و أسقيناكم ماءا فراتا .. ويل يومئذ للمكذبينو... نعم تذكر الآية التالية "الرواسي الشامخات" التي بقدر شموخها بقدر عمق أوتادها لترسى لنا بها قشرة هذه الأرض التي نحيا عليها.. فلا تميد تحت أقدامنا .. و لا نطير من فوقها كما يحدث إذا ذهبنا إلى المريخ أو القمر... فجاذبية القمر أدنى من جاذبية الأرض.. فلا استقرار فوقها لنا أو لأنعامنا أو لعرباتننا و متاعنا و أثاثنا ... و لكن جاذبية الأرض جاءت بالقدر المطلوب لاستقرارنا... فكما أن الأرض رحما يضمنا فهي أيضا قرارا مكينا تستقر عليه حياتنا.. فنحن دائما و فى كل لحظة فى حياتنا بعد أن خرجنا من القرار المكين الأول أي من أرحام أمهاتنا ، فى حاجة لهذه الأرض رحما و قرارا مكينا ... حقا. الفضل فى هذا القرار أو الاستقرار فوق أرض جعلت لنا كفاتا... حقا ... ويل يومئذ للمكذبين.. و بأي حديث بعده يؤمنون... صدق الله العظيم
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 09-16-2008, 08:26 PM
 
رد: تأملات في سورة المرسلات

جزاك الله خيرا على المعلومات القيمة
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 09-16-2008, 10:43 PM
 
رد: تأملات في سورة المرسلات

__________________
أنا جروح في صورة انسان

أنا ذكرى منسية

أنا دموع واحزان

بأختصار أنا قصة

طويلة ما يحفظها كتاب
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 09-17-2008, 01:47 AM
 
رد: تأملات في سورة المرسلات


مشكور على المعلومات القيمة
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 10-12-2008, 02:57 PM
 
رد: تأملات في سورة المرسلات

تسلم اخوي جزاك الله خيرا
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
تأملات بشير العراقي أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه 1 03-01-2012 08:13 PM
تأملات في مسألة "الرسومات الساخرة" الدانماركية‏ عاشق هانا مونتانا نور الإسلام - 1 07-14-2008 10:14 PM
تأملات في آيات يخاطبنا الله فيها بخطاب الوداد والمحبة والتلطف oays tamim نور الإسلام - 0 07-22-2007 09:17 PM
تأملات من واقع الحياة غرور انثى أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه 10 06-24-2007 12:04 AM
تأملات في إبتسامة سليمان عليه السلام الحكمي أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه 6 04-04-2007 04:07 PM


الساعة الآن 07:00 PM.


Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.

شات الشلة
Powered by: vBulletin Copyright ©2000 - 2006, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لعيون العرب
2003 - 2011