الطريق من هنا
تعظيم الله تعالى أساس كل
خير
تفكر ساعة
سيريكم آياته
الدكتور: عماد عطا البياتي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبهِ ومن والاه. أما بعد… بسم الله الرحمن الرحيم: ((وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها وما ربك بغافل عما تعملون^)) (النمل: 93) صدق الله العظيم، ومن أصدق من الله قيلا… ففي كل يوم وفي كل ساعة، بل في كل دقيقة وثانية، تنكشف للناس على اختلاف أجناسهم وألوانهم، وعلى تباين مللهم ومعتقداتهم، وعلى تنوع مستويات عقولهم وتفكيرهم، آيات جلية واضحة وبراهين قوية دامغة، توصلهم إلى الحقيقة العظمى في هذا الكون، والغاية السامية لهذا الوجود، والى السبب الأول لهذه الحشود الكبيرة من المخلوقات… توصلهم إلى الله. وبهذا يتحقق وعد الله، فيثبت إيمان المسلمين، ويزداد المؤمنون إيماناً، ويصل المقربون إلى مراتب اليقين العالية الرفيعة المستوى بفضل الله ونعمته. وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها
لقد بث الخالق دلائل وجوده في كل شيء من الكون، فكلما تأمل الناس في هذا الكون الكبير المتدفق حكمة وإبداعاً تجدد لهم في كل تأمل برهان جديد يشير إلى الخالق العظيم، وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها… ] فالساذج من الناس… ينكشف له من الدلائل على وجود الخالق والبراهين على وحدانيته، دلائل تتناسب مع مستوى تفكيره وثقافته. · قال أحد الأعراب قديماً: البعرة تدل على البعير والأثر يدل على المسير، فأرض ذات فجاج وسماء ذات أبراج، أفلا يدل على اللطيف الخبير؟! · سُأل أحد المزارعين البسطاء… فقيل له: لماذا آمنت بالله؟ قال: آمنت به لأنه كلما جفت الأرض وحنت الزروع إلى المياه، ساق الله السحب إلينا، وأنزل الماء منها سيولاً هائلة في شكل قطرات صغيرة لا تضر زرعاً ولا إنساناً ولا حيواناً فهذه الرحمة وهذه العناية لا تكون إلا من عند الله الرؤوف الرحيم الرزاق الكريم. وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها
] والذكي… يزيد في التأمل، فيصل إلى نفس الحقيقة، ولكن بدلائل اكثر وأدق واعمق. · قال أحد الأذكياء: وإذا تفكرت في عملية تكوينك في بطن أمك وجدت آيات وآيات. ذلك الجزء الذي يصنع العين لماذا يصنع العين؟ لأنه لا حاجة لك بالعين في بطن أمك!! فهل قد اصبح ذلك الجزء من النطفة في ظلمات الرحم عالماً بما سيؤول إليه أمرك، خبيراً بنظام الضوء وسننه وقوانينه الذي ستلاقيه بعد خروجك من بطن أمك، فنظم لك جهازاً بصرياً لترى به ما حولك مستخدماً الضوء وقوانينه وسننه؟ ومن اعلم ذلك الجزء من النطفة في بطن الأم انك ستخرج من بطن أمك؟ ومن أفهمه انك ستحتاج إلى عينين بعد خروجك؟ ومن أعطاه درساً في قوانين الضوء وأسراره وهو لم ير ضوءاً من قبل؟! ومن منحه بعد ذلك مقدرة على تحويل الطعام السابح بين الدماء إلى أغشية بصرية رقيقة، وعدسة محكمة، وماء زجاجي مقدر، وشبكية تتكون إحدى طبقاتها من ثلاثين مليون عود بصري وثلاثة ملايين مخروط بصري؟ ومن اخبر ذلك الجزء من النطفة أن ينشئ العصب البصري ويشق له فتحة بقدره في الجمجمة، ويصنع مركزاً بصرياً خاصاً في المخ ويربط به ذلك العصب البصري؟!!، قال تعالى، بسم الله الرحمن الرحيم: ((هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم…)) (النجم: 32). وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها
] الفيلسوف الباحث… تضطره الحقيقة بعد البحث والتأمل أن يعلن وجود الخالق المبدع، بمستوى من الأدلة أكثر وأعمق وأدق فلسفة وغوصاً إلى أعماق أسرار الأشياء. · يقول الفارابي، وهو يبرهن على وجود الله تبارك وتعالى: إن الموجودات على ضربين، أحدهما: ممكن الوجود، والثاني: واجب الوجود. وممكن الوجود: إذا فرض غير موجود لم يلزم عنه محال، وليس بغني بوجوده عن علته، وإذا وجد صار واجب الوجود بغيره لا بذاته. أما واجب الوجود: فمتى فرض غير موجود لزم عنه محال، ولا علة لوجوده، ولا يجوز كون وجوده بغيره. والأشياء الممكنة لا يجوز أن تمر بلا نهاية في كونها علة ومعلولاً، ولا يجوز كونها على سبيل الدور، بل لا بد من انتهائها إلى شيء واجب، هو الموجود الأول الذي هو السبب الأول لوجود الأشياء، وهو الله تعالى. · يقول ديكارت: إنني موجود، فمن أوجدني؟ ومن خلقني؟ إنني لم اخلق نفسي فلا بد لي من خالق، وهذا الخالق لا بد أن يكون واجب الوجود، وهو الله ربي ورب كل شيء. وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها
] والعالم التجريبي… ينكشف له في كل تجربة صادقة دليل جديد على ارتباط المادة بسبب أولي فعّال عليم مريد قادر، وهو الخالق سبحانه. · قال وولتر أوسكار لندبرج… عالم الفسيولوجيا والكيمياء الحيوية وعميد معهد هورمل منذ سنة 1919: أما المشتغلون بالعلوم الذي يرجون الله، فلديهم متعة كبرى يحصلون عليها كلما وصلوا إلى كشف جديد في ميدان من الميادين، إذ أن كل كشف جديد يدعم إيمانهم بالله ويزيد من إدراكهم وإبصارهم لأيادي الله في هذا الكون. · روي أن عالماً من علماء النبات صاح يوماً وهو في مختبره: لقد رأيت الله!!، مما ادهش تلاميذه، فالتفوا حوله يسألونه، فقال: لا تراعوا فقد أراني المجهر من دقة الصنع وبراعة الوضع في هذه الزهرة ما أخذ بلبّي واثبت لي أن هذا الإبداع كله لا يمكن أن يحدث بقوى طبيعية لا تدرك ما تصنع. وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها
] والعبقري… لا بد أن يصادف في مجال عبقريته مئات الأدلة التي تجعله يذعن في قرارة نفسه بوجود الخالق العظيم. قال حجة الإسلام العالم المسلم والعبقري العظيم الذي انبهر بعبقريته علماء الشرق والغرب قديماً وحديثاً، وما زالت مصنفاته تترجم إلى معظم لغات العالم الرئيسية إلى الآن، الإمام أبو حامد الغزالي: · من هاهنا يترقى العارفون من حضيض المجاز إلى ذروة الحقيقة، واستكملوا معراجهم فرأوا بالمشاهدة العيانية أن ليس في الوجود إلا الله وأن "كل شيء هالك إلا وجهه"، لأنه يصير هالكاً في وقت من الأوقات، بل هو هالك أزلاً وأبداً إذ لا يتصور إلا كذلك، فأن كل شيء سواه إذا اعتبرت ذاته من حيث ذاته فهو عدم محض، وإذا اعتبر من الوجه الذي يسري إليه الوجود من الأول الحق رؤي موجوداً لا في ذاته بل من الوجه الذي يلي موجده، فيكون الموجود وجه الله فقط، ولكل شي وجهان، وجه إلى نفسه ووجه إلى ربه، فهو باعتبار وجه نفسه عدم وباعتبار وجه الله وجود، فإذاً لا موجود إلا الله ووجهه، فإذاً "كل شيء هالك إلا وجهه" أزلاً وأبداً. ولم يفتقر هؤلاء إلى يوم القيامة ليستمعوا نداء الباري "لمن الملك اليوم لله الواحد القهار"، بل هذا النداء لا يفارق سمعهم أبداً. · العارفون بعد العروج إلى سماء الحقيقة اتفقوا على أنهم لم يروا في الوجود إلا الواحد الحق، لكن منهم من كان له هذه الحالة عرفاناً علمياً، ومنهم من صار له ذوقاً وحالاً وانتفت عنهم الكثرة بالكلية، واستغرقوا بالفردانية المحضة واستهوت فيها عقولهم فصاروا كالمبهوتين فيه ولم يبق فيهم متسع لذكر غير الله، ولا لذكر أنفسهم أيضاً، فلم يبق عندهم إلا الله. · فاعلم أن أرباب البصائر ما رأوا شيئاً إلا ورأوا الله معه، وربما زاد على هذا بعضهم فقال: ما رأيت شيئاً إلا رأيت الله قبله، لأن منهم من يرى الأشياء به ومنهم من يرى الأشياء فيراه بالأشياء، وإلى الأول الإشارة بقوله "أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد"، وإلى الثاني الإشارة بقوله "سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم"، فالأول صاحب مشاهدة والثاني صاحب استدلال بآياته، والأولى درجة الصديقين والثانية درجة العلماء الراسخين، وليس بعدهما إلا درجة الغافلين المحجوبين. فإذا عرفت هذا فاعلم أنه كما ظهر كل شيء للبصر بالنور فقد ظهر كل شيء للبصيرة الباطنة بالله، فهو مع كل شيء لا يفارقه وبه يظهر كل شيء، ولكن بقي هاهنا تفاوت، وهو أن النور الظاهر يتصور أن يغيب بغروب الشمس ويحجب حتى يظهر الظل، وأما النور الإلهي الذي به يظهر كل شيء لا يتصور غيبته بل يستحيل غروبه، فيبقى مع الأشياء كلها دائماً فانقطع طريق الإستدلال بالتفرقة ولو تصورت غيبته لانهدمت السماوات والأرض ولأدرك به من التفرقة ما يضطر معه إلى المعرفة بما به ظهرت الأشياء، ولكن لما تساوت الأشياء كلها على نمط واحد في الشهادة لوحدانية خالقها، إذ كل شيء يسبح بحمده لا بعض الأشياء، وفي جميع الأوقات لا في بعض الأوقات، ارتفع التفريق وخفي الطريق، إذ الطريق الظاهر معرفة الأشياء بالأضداد فما لا ضد له ولا نقيض تتشابه الأحوال في الشهادة له فلا يبعد أن يخفى ويكون خفائه لشدة جلائه والغفلة عنه لإشراق ضيائه؛ فسبحان من اختفى عن الخلق لشدة ظهوره، واحتجب عنهم لإشراق نوره. وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها
] والفطري… بفطرته الصادقة ووجدانه السليم، يتحسس ببساطة لا تعقيد فيها، فيشعر بأن لهذا الكون خالقاً كبيراً فيؤمن. · مر الإمام الفخر الرازي في الطريق وحوله اتباعه وتلامذته الكثيرون، فرأته عجوز مؤمنة في جانب الطريق، فسألت عنه، فقالوا: هذا الفخر الرازي الذي يعرف ألف دليل ودليل على وجود الله تعالى، فقالت: لو لم يكن عنده ألف شك وشك لما احتاج إلى ألف دليل ودليل. فنقلت كلمتها هذه إلى الفخر الرازي عليه رحمة الله، فقال: اللهم إيماناً كإيمان العجائز!!. وقيل لرابعة العدوية: إن فلاناً أقام ألف دليل على وجود الله. قالت: دليل واحد يكفي. قيل: وما هو؟ قالت: لو كنت ماشياً وحدك في صحراء ثم زلت قدمك فسقطت في بئر ولم تستطيع الخروج منه فماذا تصنع؟ قيل: أنادي: يا الله. قالت: ذلك هو الدليل. بسم الله الرحمن الرحيم: ((وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها وما ربك بغافل عما تعملون^)) (النمل: 93)