عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 09-17-2008, 07:11 PM
 
Post أثر العمل الصالح -6-

أثر العمل الصالح
في تفريج الكروب
-6-

4- الزلازل والأعاصير والكوارث الأخرى:
وهي إما عقوبة وعذاب للعباد على تماديهم في العصيان وانتهاك حرمات الله، من الظلم والسفور والخمور والزنا، وغيرها من المعاصي، أو ابتلاء لا يعلم مغزاها وعلتها إلا مدبرها وخالقها عز وجل وهي في الحالتين آيات وعبر ودروس وعظات للآخرين، والنصوص القرآنية والأحاديث النبوية تشير في معظمها أنها كانت للأمم السابقة نتيجة كفرهم وشركهم وظلمهم، وحربهم لأنبياء الله وقتلهم لهم يقول الله تعالى: }وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ{ [هود: 102].
وقوله تعالى:}وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ{ [النحل: 112].
وإن صلاح الأعمال وإخلاص النيات لله تعالى من أهم ما يدفع عن الناس كربات العقوبات الإلهية الدنيوية من الزلازل والحرائق والأعاصير وغيرها يقول الله تعالى عن قوم يونس الذين نفعهم إيمانهم الذي دفع عنهم عذاب الله تعالى في الحياة الدنيا:}فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آَمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آَمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ{ [يونس: 98].
ويقول أيضًا:}وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ{ [هود: 117].
هذا إضافة إلى الاستكثار من الذكر والاستغفار والتوبة في كل وقت، ليكون الإنسان في مأمن من هذا الذي أصاب تلك الأمم بسبب غفلتهم وحيادهم عن منهج الله تعالى، يقول الباري عز وجل:}وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ{[الأنفال: 33].

5- الخسائر التجارية:
وما هي إلا جزاء غبن أو غش أو حيلة أو خداع فرب ربح تجاري أو كسب مادي يغشي صاحبه وينسيه وسيلة ربحه وكسبه، ولا يدري أنه استدراج من حيث لا يعلم، فيأخذه الغرور ويغفل عن محارم الله وأوامره فيزداد تحايلاً ومراوغة في عمله، إلى أن يأتي أمر الله وتجيء الخسارة الكبرى في إحدى ساعات الغفلة، فينسفها الله نسفًا، كأن لم تكن، فتكون ضربة قاصمة في بنيان ما اكتسبته يداه من غير حق ولا تقوى فيدخل هذا التاجر في كربة عظيمة ربما تؤدي به إلى الموت كما يحدث لكثير من الناس، إذا تعرضت مصالحهم لخسائر يصابون بسكتات قلبية فور سماع الخبر، فما أعظم هذه الكربة على الإنسان الذي جعل ماله في قلبه ولم يجعله في يديه، وهو في الوقت نفسه بلاء من الله تعالى كما أخبرنا في كتابه العزيز: }وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ ...{ [البقرة: 155].
والدليل على معظم هذه الخسائر تكون نتيجة البعد عن الله في التعامل والكسب، هو قول النبي r حينما ذهب إلى السوق ونادى في التجار: «إن التجار يبعثون يوم القيامة فجارًا إلا من اتقى الله وبر وصدق»([1]). والاستثناء دائمًا يكون للقلة من الكثرة، والحديث يبين أن تقوى الله ومراقبته في التعامل هو الذي ينجي التاجر من عذاب الله وعقابه، ويبارك في كسبه وماله، وذلك بتحليل المال في مشروعية وسائل كسبه وتصفيته من الشبهات والآثام لاسيما في هذا العصر الذي انتشر فيه الربا انتشار النار في الهشيم، وكذا الزكاة والإنفاق في وجوه الخير، يقول الله تبارك وتعالى: }يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ{[البقرة: 276]، هذه الآية كافية للانتهاء عن محارم الله والتزام حدوده في المعاملات التجارية والمالية، ويقول r: «إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه» ([2])، ويقول أيضًا: «ما نقص مال عبد من صدقة» ([3]).
فلينتبه المسلم ويقم تعامله المالي على المشروع في موارده ومصارفه وتعامله وإخراج زكاته، وهنا ينمو ويزداد ويسلم من شره وعواقبه، ويكون نافعًا له في الدنيا بمزيد البركة وبالاستغناء عن الناس وبالطمأنينة القلبية، ويكون نافعًا في الآخرة برفعة الدرجات والحجاب عن النار وتكفير السيئات ودخول الجنان.

-------------------------------------------------------------------

([1]) «سنن ابن ماجه»، رقم (2146)، ص (308)، ورواه الترمذي (1210)، ص (295). وقال: هذا حديث حسن صحيح.
([2]) «مسند أحمد»، رقم (22802)، ص (1659)، ورواه ابن ماجه (90، 4022)، ص (15، 580).
([3]) «جامع الترمذي»، رقم (2325)، ص (532)، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
رد مع اقتباس