أثر العمل الصالح
في تفريج الكروب
-7-
6- المرض: هو كربة تصيب الإنسان في جسده فيعاني آلامًا وأوجاعًا، ويحرم الطعام اللذيذ والشراب الهانئ، ويحرم كثيرًا من متاع الدنيا المباح، وهذه الكربة تجري على الناس كافة، صغار وكبار، رجال ونساء، شباب وشيوخ، إلا أن العاقل والمؤمن بالله هو الذي يتعامل مع هذه الكربة التعامل الشرعي من الصبر على هذه الكربة ويلجأ إلى ربه بالعمل الصالح الدءوب، والدعاء اللحوح، ليكشف عنه ضره وكربته، ولا ييأس من فضل الله ورحمته، وليكن قدوته في ذلك وأسوته نبي الله أيوب عليه السلام الذي أصيب بكربة المرض، بعد أن كان صحيحًا قويًا فأذهبت عنه هذه الكربة عافيته، وقوته وطالت مدتها، وازداد فعلها وأثرها في جسده، حتى تركه أهله وأقرباؤه فنادى ربه بدعاء صادق يقول الله تعالى عنه:}وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ{ [الأنبياء: 83، 84]. وكان نبي الله أيوب عليه السلام قبل مرضه من المنفقين في سبيل الله بكافة أوجهه، فقد كان من الأغنياء الكبار في عصره، فابتلاه الله تعالى بأخذ ماله وأملاكه فصبر وشكر، إلى أن ابتلاه بكربة المرض الذي عافاه الله تعالى منه بعد أن هجره الناس وتركوه وحيدًا فلم يكن له سوى اللجوء إلى ربه وخالقه فكشف الله عنه كربته وأعاد إليه عافيته وأمواله وأملاكه، بل قيل أنه صار أغنى مما كان من قبل. وقد روى أبو بردة عن أبي موسى قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم غير مرة ولا مرتين يقول: «إذاكان العبد يعمل عملاً صالحًا فشغله عنه مرض أو سفر كتب له كصالح ما كان يعمل وهو صحيح مقيم»([1]). ولا يستهين الإنسان المريض أو أهله بالإنفاق في سبيل الله والاستكثار من الصدقات فإنها تدفع عن الإنسان البلاء، وتشفي الأسقام، وترضي الله تعالى ([2]). ***
كانت تلك بعض الكربات التي تصيب الإنسان في نفسه وبدنه وماله وغير ذلك، وفي بعض مراحل حياته، ابتلاء أو عقوبة، وكانت الوسيلة المشتركة لتفريج تلك الكربات هي تقديم بعض الأعمال الصالحة والدعوات الصادقة بين يدي الله عز وجل فهو القاهر فوق عبادة وهو الغفور الرحيم. ***
ثم إن المؤمن مطالب بقدر ما لديه من وسائل وإمكانات، أن يفرج عن أخيه المؤمن من كربته، سواء النفسية أو الحسية، لأن المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضًا، ولأن هذا العمل سوف يوضع في رصيده عند الله تعالى، ليفرج ربه سبحانه عنه كربة في يوم لا ناصر له ولا معين، يقول الرسول الأمين عليه الصلاة والسلام: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه، ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاحته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة»([3]). وفي هذا المقام يستحب التذكير بحديث المصطفى عليه الصلاة والسلام الحافل بأمور عظيمة قد يغفل عنها كثير من الناس، يقول: «أحب الناس إلى الله أنفعهم، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة أو تقضي عنه دينًا، أو تطرد عنه جوعًا، ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في المسجد شهرًا، ومن كف غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظًا، ولو شاء أن يمضيه أمضاه، ملأ الله قلبه رضى يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجته حتى يثبتها له، أثبت الله تعالى قدمه يوم تزل الأقدام وإن سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل» ([4]). ***
ونحن نختم هذا الاستعراض عن بعض أنواع المصائب أذكر بعدة أمور: 1- أن هذه المصائب هي من السنن الجارية في هذه الحياة التي يقدرها الله تعالى على عباده فيبتليهم بها، مما يستوجب التعامل معها التعامل الشرعي بمعرفة هذه الحقيقة ثم بالصبر عليها احتسابًا وطلبًا للأجر والثواب وأعلى منه الرضا بما قضاه الله وقدره، ثم الأعلى وهو شكر الله عليها وهذه درجة عليا، نسأل الله أن يبلغنا إياها. 2- أنه لا يعني عندما نقول: إن الإيمان سبب للخروج من كل مأزق أن الهموم والغموم والقلق والحزن لا تصيب المؤمن، بل قد تصيبه كما كان ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فحزن عندما توفيت زوجته خديجة رضي الله عنها، وعندما مات ابنه إبراهيم، وفي مواقف أخرى، ولكن المؤمن يصبر ويرضى ويحتسب ولا يجزع أو يسخط أو يعمل أعمالاً يظهر فيها اعتراضه على قدر الله، أو يعطل أعماله ووظائفه، ثم إن هذا الهم والحزن سريعًا ما ينكشف للمؤمن إذا عمل بمقتضى هذه الوصايا العظيمة كما سبق. 3- أن من الحقائق المهمة معرفة أنه لا بد من بقاء نسبة يسيرة من الهم والحزن عند الإنسان وإلا أصبح جمادًا لا يتحرك فيه عاطفة، وإلا فكيف يحيي شعوره تجاه والديه وأولاده وزوجته ومجتمعه ومجتمعات المسلمين، إذا لم يكن عنده نسبة تحركه، ولكن ينبغي أن تكون هذه النسبة بحدودها الشرعية فلا تتجاوز حدًا يصل به الأمر إلى أن يقعده عن عمله وسلوكه الحسن وينطوي... إلخ، وهذا يفيدنا بأن لا نجزع إذا كانت نسبة الهم معقولة بقدر ما تتحرك بها العاطفة لفعل الخير والإحسان. 4- أن الجامع لحل هذه الكرب وغيرها أن يتعامل معها المسلم التعامل الشرعي وملخصه: أ- الإيمان بأنها من الله تعالى، فيورثه هذا الإيمان بقضاء الله تعالى وقدره. ب- الصبر عليها وعدم الضجر والتشكي والتسخط، والأعلى من ذلك الرضى بها ثم شكر الله تعالى عليها. ج- الإكثار من الأعمال الصالحة ومنها: * الأذكار ومن القرآن الكريم قراءة وحفظًا}أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ{[الرعد: 28]. }وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا{ [الإسراء: 82]. * الصلاة}وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ{[البقرة: 45] «أرحنا بها يا بلال». * الإنفاق في وجوه الخير المشروعة المتعددة «فما نقص مال من صدقة» و«الصدقة تطفئ الخطيئة». * نفع الآخرين كما سبق في جملة أحاديث. * ومن تنفيس كرباتهم ومساعدتهم والعطف عليهم والقيام بحاجاتهم وغيرها. * الدعاء والإلحاح على الله فيه: }وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ{ [غافر: 60]، }وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا{[الأعراف: 56]. * كثرة الاستغفار }فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا{ [نوح: 10، 11]. * عدم اقتراف المعاصي ومن أشدها ظلم العباد فعقوبته معجلة. 5- أن الوقاية خير من العلاج فيبني المسلم حياته على منهاج الله تعالى، فإذا ما أصيب بمصيبة وحلت عليه كربة فرج الله عنه «احفظ الله يحفظك»«احفظ الله تجده تجاهك» «تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة». ***
هذه إشارات سريعة في هذا الموضوع الحيوي العملي الهام الذي يحتاج إليه كل مسلم، أسأل الله تعالى أن ينفع بهذه الكلمات ويجعلها من المدخرات في الحياة وبعد الممات وعند العرض على رب البريات إنه سميع قريب مجيب.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
******************************** ([1]) «سنن أبي دواد»، رقم (3091)،ص (453)، وهو في «صحيح البخاري» برقم (2996)، ص (495) ([2]) ينظر للتعامل مع المرض التعامل الشرعي ما كتبته في كتابي «دروس في الحقوق الواجبة على المسلم». ([3]) «صحيح البخاري»، رقم (2442)، ص (394)، و «صحيح مسلم»، رقم (2580)، ص (1129). ([4]) نقلاً عن «صحيح الجامع»، للألباني، رقم (174)، وينظر ما كتبته في رسالة: «خير الناس أنفعهم للناس».