السلام عليكم
في هذه الزاوية سوف نطرح عدة مناسبات قيل فيها شعراً خلدته الايام ... وما زال الناس
يرددونه في أحاديثهم ومجالسهم الى يومنا هذا .... أرجو أن تروقكم هذه الساحة
والآن الى القصة الأولى
1
فإن يك صدر هذا اليوم قد ولّى=فأن غداً لناظره قريب
أول من قال ذلك قراد بن أجدع، وذلك أن النعمان بن المنذر خرج يتصيد على فرسه اليحموم فأجراه على أثر عير فذهب به الفرس في الأرض ولم يقدر عليه وانفرد عن أصحابه وأخذته السماء فطلب ملجأ يلجأ إليه، فدفع إلى بناء فإذا فيه رجل من طيء يقال له حنظلة ومعه امرأة له فقال لهما: هل من مأوى فقال حنظلة: نعم. فخرج إليه فأنزله ولم يكن للطائي غير شاة، وهو لا يعرف النعمان، فقال لامرأته: أرى رجلاً ذا هيئة وما أخلقه أن يكون شريفاً . فما الحيلة ؟ قالت: عندي شيء من طحين كنت أدخرته فاذبح الشاة لأتخذ من الطحين ملة. قال: فأخرجت المرأة الدقيق فخبزت منه وقام الطائي إلى شاته فاحتلبها ثم ذبحها فاتخذ من لحمها مرقة ، وأطعمه من لحمها، وسقاه من لبنها، واحتال له شراباً فسقاه وجعل يحدثه بقية ليلته، فلما أصبح النعمان لبس ثيابه وركب فرسه ثم قال: يا أخا طيئ أطلب ثوابك، أنا الملك النعمان ، قال: أفعل أن شاء الله. ثم لحق الخيل فمضى نحو الحيرة، ومكث الطائي بعد ذلك زماناً حتى أصابته نكبة وجهد وساءت حاله، فقالت له امرأته: لو أتيت الملك لأحسن إليك. فأقبل حتى انتهى إلى الحيرة فوافق يوم بؤس النعمان فإذا هو واقف في خليه في السلاح، فلما نظر إليه النعمان عرفه وساءه مكانه فوقف الطائي المنزول به. قال: نعم. قال: أفلا جئت في غير هذا اليوم. قال: أبيت اللعن، وما كان علمي بهذا اليوم. قال: والله لو جاءني في هذا اليوم أبني لم أجد بداً من قتله، فاطلب حاجتك من الدنيا وسل ما بدا لك فإنك مقتول. قال: أبيت اللعن، وما أصنع بالدنيا بعد نفسي. قال النعمان: إنه لا سبيل إليها. قال: فإن كان لا بد فأجعلني حتى ألم بأهلي فأوصي إليهم وأهيئ حالهم، ثم انصرف إليك. قال النعمان: فأقم لي كفيلاً بموافاتك، فالتفت الطائي إلى شريك بن عمرو بن قيس من بني شيبان، وكان يكنى وكان صاحب الملك في سفره ، وهو واقف بجنب النعمان فقال له : يا شريكاً هل من الموت محاله=يا أخا كل مضاف يا أخا من لا أخا له
يا أخا النعمان فك اليوم ضيفاً قد أتى له=طالما عالج كرب الموت لا ينعم باله
فأبى شريك أن يتكفل به، فوثب إليه رجل من كلب يقال له قراد ابن أجدع فقال للنعمان : أبيت اللعن، هو علي. قال النعمان: أفعلت قال: نعم فضمنه إياه ثم أمر للطائي بخمسمائة ناقة، فمضى الطائي إلى أهله، وجعل الأجل حولاً، من يومه ذلك إلى مثل ذلك اليم من قابل، فلما حال عليه الحول وبقي من الأجل يوم .. قال النعمان لقراد: ما أراك إلا هالكاً غداً. فقال قراد: فإن يك صدر هذا اليوم ولى=فإن غداً لناظره قريب
فلما أصبح النعمان، ركب في خيله ورجله متسلحاً كما كان يفعل حتى أتى الغربين (موضع بالحيرة وهما بناءَان طويلان، يقال هُما قَبْرُ مالكٍ وعَقِيلٍ نَديمَي جَذيمَةَ الأَبْرش، وسُمِّيا الغَريَّيْن لأَنَّ النعمان بن المنذرِ كان يُغَرِّيهما بدَمِ من يَقْتُله في يوم يُؤْسِه) فوقف بينهما وأخرج معه قراداً وأمر بقتله فقال له وزراؤه: ليس لك أن تقتله حتى يستوفي يومه، فتركه.. وكان النعمان يشتهي أن يقتل قراداً ليفلت الطائي من القتل، فلما كادت الشمس تجب وقراد قائم مجرد في أزار على النطع، والسياف إلى جنبه، أقبلت أمرأته وهي تقول: أيا عين أبكي لي قراد بن أجدعا=رهيناً لقتل لا رهيناً مودعا
أتته المنايا بغتة دون قومه=فأمسى أسيراً حاضر البيت أضرعا
فبينا هم كذلك إذ رفع لهم شخص من بعيد، وقد أمر النعمان بقتل قراد، فقيل له: ليس لك أن تقتله حتى يأتيك الشخص فتعلم من هو، فكف حتى انتهى إليهم الرجل فإذا هو الطائي، فلما نظر إليه النعمان شق عليه مجيئه فقال له: ما حملك على الرجوع بعد إفلاتك من القتل؟ قال: الوفاء. قال: وما دعاك إلى الوفاء؟ قال: ديني قال النعمان: وما دينك؟ قال النصرانية. قال النعمان: فأعرضها علي، فعرضها عليه فتنصر النعمان وأهل الحيرة أجمعون، وكان قبل ذلك على دين العرب، فترك القتل منذ ذلك اليوم وأبطل تلك السنة وأمر بهدم الغريين وعفى عن قراد والطائي .. وقال: والله ما أدري أيهما أوفى وأكرم أهذا الذي نجا من القتل فعاد أم هذا الذي ضمنه، والله لا أكون ألأم الثلاثة منقول بتصرف