موعظة مودع ... كلماتٌ قيمة ... هى آخر ما كتبه سماحة الوالد الشيخ صفوت الشوادفى رحمه الله رحمة واسعة
الحمدُ للهِ ، و الصلاةُ و السلامُ على رسولِ الله ، و بعد :
المشايخ الأفاضل ، الإخوة الأكارم
كانت هذه الكلمات التى أقدم بين يديها الأن من آواخر الكلمات التى كتبها سماحة الوالد رحمه الله تعالى رحمة واسعة و طيب الله تعالى ثراه .
(خمسةٌ و أربعون نصيحةغالية )
موعظةٌ قيمة ... تستحقُ و الله أن تكتب بماءالذهب .
قال عنها كثيرٌ من أهل العلم و الفضل بأنها موعظة مودع !
يقول الشيخ محمد صفوت نور الدين رحمه الله عن سماحة الوالد :
و الشيخ - رحمه الله تعالى - كان صاحب قلم مسدد يكتب فى القضايا المعاصرة بنظرة شرعية واعية و لقد ختم كتاباته التى نشرت فى حياته بمقال جيد قال عنه كثير من النابهين و الموفقين ( أنه وصية مودع ) .
و قد كتب فيها خمساً و أربعين نصيحة و مات عن خمس و أربعين سنة فيما يذكرنا بأن النبى نحر فىحجة الوداع ثلاث و ستين بدنة بعدد سنى عمره.أه
و الأن أترككم مع هذه النصائح و العظات علَ الله تعالى أن ينفعنا و إياكم بها .
و الله وحده من وراء القصد .
_ _ _
الدينُ ... النصيحة
بقلم الشيخ العلامة : صفوت الشوادفى رحمه الله رحمة واسعة
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة و السلام على سيد المرسلين ؛ محمد بن عبد الله النبى الأمى الأمين ، و على آله و أصحابه و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ... و بعد : ففى خضم أمواج الحياة المتراكمة ، و الجرى وراء ملذات الحياة و الغايات المادية الفانية يتناسى الإنسان ما عليه ، و يتذكر ما له !!و هنا يبرز الإسلام كدين عظيم شامل لم يهمل أى جزئية أوموقفاً صغيراً أو كبيراً مما يقع للإنسان أثناء سعيه و كده و تقلبه فى العاملين . فالإسلام النصيحة ؛ و هى تعنى فى جوهرها : إيقاظ المسلم من غفوته ، و تنبيهه إلى موضع زلته ، و تحذيره من غفلته ، و إرشاده إلى الصراط المستقيم الذى يدرك به غايته .من أجل هذا فإنه ينبغى على المسلم أن يسعى فى نصح إخوانه و أقرانه و أهل زمانه ، و قد عاب القرآن على من قبلنا من الأمم أنهم كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه ؛ أى لا يتناصحون ، فاستحقوا بذلك لعنة الله .و مدح القرآن امتنا بأنها تقيم النصيحة ، و تؤدى ما أوجب الله عليها من الأمر بالمعروف ، و النهى عن المنكر ؛ قال تعالى :{ كنتم خير أمة أخرجت للناس تامرون بالمعروف و تنهون عن المنكر و تؤمنون بالله }[ آل عمران:110] .و للنصيحة أثر عظيم ، و نفع كبير ؛ فرب غافل قد سمع آية من كتاب الله أو حديثاً لرسول الله صلى الله عليه و سلم فانتبه من غفلته ، و رب عاص سمع مثل ذلك فتاب إلى الله توبة نصوحا ، ورب جائر أثر فيه كلام واعظ بليغ فأقلع عن جوره ، و أقام العدل فى نفسه و مع غيره . ولذلك فإن المسلم الناصح ينصح لأخيه المسلم و يبين له عيوبه سراً ، و يستره ولا يفضحه ؛ و أيضاً لا ينافقه ولايداهنه ظناً منه أن بذلك يبقى على المودة و المحبة بينهما !! فإنه لا مودة ولا حب إلا فى الله و لله . و المسلم النصوح عليه أن يقبل النصيحة ، وأن يشكر من نصحه لأنه يحب له من الخير و الطاعة ما يحب لنفسه ، و يكره له من الشر والمعصية ما يكره لنفسه . و مع هذا فإن طائفة من الناس لا تصغى لناصحها ، وإن أصغت ردت نصيحته بقولهم : "عليك نفسك" !! فأين هؤلاء من هذا الموقف العصيب{ وهم يصطرخون فيها ربنا اخرجنا نعمل صالحاً غير الذى كنا نعمل أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير } [ فاطر:37] .وبعد – أيها القارئ الكريم – فهذه جملة من النصائح التى ذكرها أهل العلم نسوقها إليك ، عسى الله أن ينفعنا و إياكم بها ،وهذا بيانها : لا تشرك بالله شيئا ، و إن قتلت أو حرقت. و لا تعقن والديك ، و إن أمراك أن تخرج من أهلك و مالك. و لا تتركن صلاة مكتوبة متعمدا ، فإن من ترك صلاة مكتوبة متعمدا فقد أتى بابا عظيما من الكبائر. و لا تشربن خمرا ، فإنه رأس كل فاحشة. و إياك و المعصية ، فإن المعصية تحل سخطالله . و عليك بالتقوى فإنها جماع كل خير. و اعتزل شرور الناس تنج من أذاهم. و اترك ما لا يعنيك ، فإن ذلك أمرمحمود. و اطلب العلم لله ، يكفيك القليل. و انظر إلى العلماء بعين الإجلال ، و أنصت لهم عند المقال ، و اجعل مراجعتك لهم تفهما ، لاتعنتا. و اعرف زمانك و أقبل على شأنك ، و احفظ لسانك ، و تحرز من إخوانك. و لا تغتر بمدح الناس لك ، ولا تصدقهم على خلاف ما تعرف من نفسك. و سلم على من لقيته أو دخلت عليه أو مررت به من المسلمين. و إذا دخلت منزلك فسلم على أهلك و من فيه ،فإن لم يكن فيه أحد فقل : السلام علينا و على عباد الله الصالحين. و لا تبدأ أحدا من أهل الكتاب بالسلام ، ولا تقصدهم بتهنئة و لا تعزية ، و إذا سلم عليك أحد منهم فقل له : وعليك. و استأذن على أمك و ذوات محارمك إذا أردت الدخول عليهن. و استأذن دائما بقولك : السلام عليكم ،أأدخل ؟ فإن أذن لك ، و إلا فارجع. و لا تنظر إلى عورة أحد إلا لضرورة ، و لا تظهر عورتك لأحد إلا زوجتك. و لا تخل بامرأة أجنبية عنك ليست من محارمك، حتى لا يكون للشيطان عليك سبيل. و أمر أولادك بالصلاة إذابلغوا سبعا و اضربهم عليها إذا بلغوا عشرا، فإنك مسؤول عنهم أمام الله . و غض بصرك عما حرم الله ، تجد حلاوة الإيمان في قلبك. و لا تحدث الناس بما يكون بينك و بين زوجك ،فإن ذلك عليك حرام. و عليك بالسواك ،فإنه مطهرة للفم ، مرضاة للرب. و أكرم جارك ، و ضيفك ، فإن ذلك من أخلاق المسلمين. و إياك و الكذب و النميمة ، فإن كليهما خلة ذميمة. و لا تهجر أخاك فوق ثلاث ليال ، و خيركما الذي يبدأ بالسلام. و لا تصاحب إلا مؤمنا ، ولا يأكل طعامك إلاتقي. و إذا انتهيت إلى مجلس فسلم و اجلس حيث ينتهي بك المجلس ، و إذا أردت الانصراف فسلم ، فليست الأولى بأحق من الآخرة. و إذا شربت فناول من عن يمينك ، و إذا سقيت قوما فكن آخرهم شربا. و إياك أن تأكل أو تشرب بشمالك ، فإن ذلك من فعل الشيطان. و إذا أردت أن تأكل فسم الله و كل بيمينك وكل مما يليك ، و لا تنفخ في طعام أو شراب ، و احمد الله في آخره. و إذا أردت قضاء الحاجة فاستتر من الناس بعيدا عنهم و لا تحدث أحدا ما دمت تقضي حاجتك ، فإن ذلك ممقوت. و إذا تثاءبت فاكظم ذلك ما استطعت ، وضع يدك على فمك ، و اغضض من صوتك إذا تكلمت . و إذا عطست فاحمد الله بصوت مسموع ، و إذاعطس عندك أحد فقل له : يرحمك الله ، و يقول هو لك : يهديكم الله و يصلح بالكم. و إذا كنت في ثلاثة ، فلا تتناجى مع أحدهما دون الثالث ، لأن ذلك يحزنه . و إياك أن تتداوى بالحرام ،فإن الله لم يجعل الشفاء في حرام. و حافظ على عيادة المريض ، ولا تطل الجلوس عنده. و لا تكلف أجيرك من العمل ما لايطيق. و ارفق بالدواب في ركوبها و الحمل عليها ،فإنها لا تستطيع• الشكوى ، و لك في الإحسان إليها أجر و في الإساءة إليها وزر . و لا تلبس الحرير أو الذهب ، فإن ذلك علىالرجال حرام ، و البس القصير من الثياب فإنه أنقى لثوبك و أتقى لربك. و إياك و القمار فإنه موجب لغضب الله. و لا تأكل من حرام ، فإن ذلك يرد الدعاء. و لا ترفع صوتك في بيت الله و لا تنشد به ضالة ، فإن ذلك منهي عنه . و إذا تكلمت فقل خيرا أو اصمت، فإن في السكوت سلامة. و عليك بالجليس الصالح فإنه خير من الوحدة ،و الوحدة خير من جليس السوء. و إذا فتح لك باب خير فسارع إليه ، و اثبت عليه. و إياك أن تمشي بين الناس بالنميمة ، فإن ذلك يو جب عذاب القبر. و إياك و الحسد و الغل و الحقد و البغضاء وسوء الظن ، فإنها أمور مذمومة. و أحسن قراءة القرآن ، و استمع إليه ، و تدبر معانيه ، و اعمل بما فيه ، و سارع دائما إلى امتثال أمر الله ، واجتناب نهيه. كن صادق الكلمة فلا تكذب ، ووفي العهد والوعد فلا تخلف. عليك بالصبر و الشجاعة و كتمان السر والصراحة في الحق ، و اعترف دائما بخطئك. عليك بالوقار و إيثار الجد دائما و لا تمزح إلا صادقا ، و تواضع للناس في غير ذلة و لا خضوع و لا قلق ، و خير التواضع ما كان لفقير و يتيم و مسكين و أرملة. أكثر من المشورة تصل إلى الصواب . و عليك بالقناعة فإنها مال لا ينفد . و اعلم أن الموت آت ، و كل آت قريب ، فأكثرذكره و اجعله يصرفك عن الرغبة في الدنيا و يحملك على التقوى. وبعد... اخى القارئ الكريم ، ما هووجه إنتفاعك بهذه النصائح ، أهو مجرد قراءة عابرة لإحدى صفحات المجلة ؟ أم تأمل لكنه لا يلبث أن يزول فى متاهات دنياك ؟ أم هو تبصر و عزم ثابت للعمل بكل ماهو مفيد؟أخي القارئ ، بإمكانك الانتفاع في نفسك و نفع غيرك فترشدهم إلى الخير ، و الدال على الخير كفاعله ، و ذلك بكتابة هذه النصائح على لوحات ووضعها في الأماكن العامة و المساجد أو قراءتها في المحاضرات أو على جيرانك و أهليك ، وقبل ذلك كله على أسرتك أو بأي طريقة أخرى تراها مناسبة. و لكن ... الحذر الحذر من أن تدعو غيرك من غير إقامتها فى نفسك ، فتكون ممتثلاً قول الشاعر : وغير تقى يامر الناس بالتقى ..... طبيب يداوى و الطبيب مريض
وأخيراً أخى المسلم عليك بتقوى الله فى السر و العلن ، لتفوز بالسعادة فى الدارين . و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين . و صلى الله و سلم و بارك على نبينا محمد وآله و صحبه . _ _ _
* كانت هذه المقالة قبل الأخيرة التى كتبها الشيخ - رحمه الله - قبل مماته . منقول للفائدة وقد كتبها ابن الشيخ عليه رحمة الله.