نديم الملاح.. الشيخ الجليل والشاعر (المعلم) بسم الله الرحمن الرحيم نديم الملاح.. الشيخ الجليل والشاعر (المعلم) هزاع البراري - كانت طرابلس في أواخر العهد العثماني، بوابة جبل لبنان الشمالية ، ومفتاح الساحل الممتد جنوباً على شواطىء البحر الابيض المتوسط ، وقد شهدت في تلك الفترة حركة وتجارة ناهضة ، كما اندغمت بحكم موقعها بالهم العربي ، ونالت حظها من القهر والظلم، الذي مارسه الحكام الأتراك ، في ظل النهج الجديد لجماعة الإتحاد والترقي ، فجاءت هذه الظروف الشائكة لتكون البيئة الاجتماعية والسياسية التي ولد فيها الشيخ نديم الملاح، وذلك في عام 1892م ، وهي بلا شك مرحلة حرجة وفاصلة ، وقد ترعرعت طفولته في أزقة طرابلس وحاراتها ، وكانت هذه المدينة الناشطة بوابته للعالم الكبير.
تلقى الشيخ نديم الملاح تعليمه في طرابلس حتى المرحلة الإعدادية ، وقد إرتحل بعد ذلك إلى القاهرة، طلباً للعلم والمعرفة، حيث درس في الأزهر الشريف ، وكان من معلميه الأزهريين العلامة محمد الحسيني الطرابلسي ، وبعد مضي ست سنوات، قضاها في تلقي العلم في الأزهر ، أنهى دراسته نحو عام 1913م ، وعمد فور حصوله على شهادته الأزهرية الى العودة الى وطنه ، وشهد عن كثب ما مرّ على البلاد من تحولات انتهت بسيطرة الفرنسيين على لبنان والشام . وقد كان للملاح نشاط سياسي مناهض للوجود الفرنسي ، الأمر الذي دفع بهم لمطاردته والتضييق عليه ، مما تضطره إلى الإلتجاء للقدس، التي وصلها عام 1920م ، وقد عمل خلال هذه الفترة مدرساً بمدرسة روضة المعارف في القدس ، وكان الملاح في فترة سابقة قد عمل إماماً في الجيش العثماني، وذلك خلال الحرب العالمية الأولى .
استمر الشيخ نديم الملاح في عمله في مجال التدريس في القدس ، لكنه خلال هذه الفترة لم يتخلّ عن فعله النضالي في مواجهة المستعمر أياً كان ، فالأرض عربية الملامح والوطن واحد ، فأسهم في الحركة المناوئة للأنجليز في فلسطين ، فضاقوا به ذرعاً ، وأجبروه على اللجوء الى الاردن ، حيث وصل عمان في عام 1925م ، ولعل المناخ العروبي الذي تأسست عليه إمارة شرق الاردن، شكّل للملاح ملاذاً مشجعاً على الإقامة والعمل في خدمة أمته العربية ، فالتحق بمدرسة تجهيز اربد مدرساً ، بعد ذلك نقل إلى العاصمة عمان حيث عمل معلماً في مدرسة عمان ، أما مدرسة السلط الثانوية فكانت محطته التالية، كمدرس له تأثيره الخاص على طلابه ، وله بصماته في مجال التربية والتعليم ، وكان من بين التلاميذ الذين تعلموا على يديه : فوزي الملقي، موسى الساكت، بهجت التلهوني ، حابس المجالي ، عبد الحليم عباس ونجيب الرشدان. وقد عمل الملاح بعد ذلك محامي شرعي ونظامي ، فلقد التحق بمعهد الحقوق خلال وجوده في القدس عام 1924 م، وحصل بذلك على شهادة الحقوق المقدسية من مجلس العلوم الحقوقية في القدس ، مما مكّنه من العمل في المحاماة في مرحلة لاحقة ، وعيّن عضواً في مجلس الأوقاف الأردني الأعلى عام 1947م ، وقد دخل نديم الملاح إلى مجلس الامة عندما تم تعيينه عضواً في مجلس الأعيان ، وكان له شرف عضوية لجنة النيابة لتسيير شؤون البلاد خلال سفر المغفور له الملك حسين بن طلال أعوام 1956- 1958م ، ومن المناصب الأخرى التي تقلدها هذا الشيخ الجليل دخوله الهئية الإسلامية العليا عضواً منذ العام 1955 وحتى العام 1961م.
يعتبر نديم الملاح شاعراً مجيداً ، تمتاز أشعاره بالعذوبه والرقة ، وقد كان نديماً للملك عبد الله الأول خاصة في مجالسه الدينية والأدبية ، ويصفه من عاصره في شبابه، بأنه كان متوثباً تملأه الحماسه ، واسع المعلومات ، ومهجوساً بالقضايا الوطنية والقومية ، ويعد محاوراً من الطراز الرفيع ، سريع البديهة ، وقد التزم بالعمامة منذ شبابه الباكر.
ولم يكتف بالشعر ، بل كانت له دراسات عديدة في الفقه والعبادرات وعلوم الدين ، وكذلك في اللغة والتاريخ ، فلقد امتاز بالمعرفة الواسعة والثقافة الجامعة ، باللإضافة لدراسته في الأزهر الشريف ومعهد الحقوق في القدس . من دراساته المنشورة : نموذج الفضائل الإسلامية 1945، العقائد الاسلامية 1952، رسالة الروح 1962، حقوق المرأة المسلمة 1969، موجز تاريخ الرق ، في الميزان 1984م ، مختارات في اللغة والادب ، الفلاسفة السبعة 1997م، أما في الشعر فلقد أصدر ديوان شعري بعنوان ( المشاعر ) 1975 ، و ( ديوان نديم الملاح ) 1984م، وترك الملاح عدداً من المخطوطات التي لم تنشر بعد. لقد أخلص نديم الملاح لوطنه الأردن ، وبذل ما في وسعه ليسهم في نهضته ، وما توانى عن تقديم الغالي دفاعاً عن هذا الحصن العربي الاشم ، ولم يتوقف الشيخ نديم الملاح عن الكتابة والعمل حتى خرجت روحه الطاهرة إلى باريها في 17/9/1973م ، وبقي ذكره طيباً ونتاجه خالداً نقياً ، كالشجرة المباركة ، رائحتها زكية وثمرها طيب. |