عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 11-03-2008, 01:11 PM
 
البداية والنهاية

بسم الله الرحمن الرحيم

البداية والنهاية


هاشم غرايبة - العقل البشري مغرم بالبدايات والنهايات، وغالباً ما تضيع التفاصيل المهمة بين الإثارة التي توقظها البداية والتشوق لمعرفة النهاية..
لخص أحد الكسولين قصة يوسف بأنها عبارة عن ولد ضاع ولقوه أهله، وكتب كاتب روسي شهير قصة من أربع كلمات: أشرقت الشمس ثم غابت، وروي عن أجدادنا أن بعضهم كان يتقلب ليله على جمر نهاية الحكاية التي يقصها عليهم الحكواتي، بل أن أحدهم ذهب إلى بيت الحكواتي، وأيقظه في منتصف الليل ليعرف مصير المهلهل، أو ما جرى لعبلة! وروي عن أحد الزعماء العرب أنه أعجب بمسلسل تلفزيوني، فطلب الاستمرار ببث حلقاته كلها تباعاً، وظل ساهراً حتى الصباح ليشهد النهاية!
كتب عبد الرحمن منيف رواية أطلق عليها اسم النهايات، وكتب فوكو ياما مدافعا عن الرأسمالية كتابه الشهير نهاية التاريخ، وكتب د.
يعقوب زيادين كتاب البدايات عن تجربته الحزبية.. وكتب نجيب محفوظ حكاية بلا بداية ولا نهاية، بعد أن كتب رواية بداية ونهاية، يبدو أن محفوظ بعد تجربته مع البداية والنهاية اكتشف أن الحياة تسير بلا بدايات حاسمة بسطوعها، ولا تذهب الى نهايات جازمة بغيابها.. وأنا أوافقه الرأي هنا.
في أوروبا يرصد مبلغ عشرات المليارات من الدولارات لعمل تجربة فيزيائية ضخمة تساعد العلماء على تفسير الانفجار الكبير الذي بدأت به قصة الكون، وقدمت سينما هوليود عشرات الأفلام المتخيلة التي تتوقع نهاية العالم الافتراضية؛ إما بسبب الارتفاع الحراري وتغير المناخ، أو عن طريق اتساع ثقب الأوزون، أو عن طريق اصطدام نيزك ضخم بكرتنا الأرضية.. الخ. ومنذ القدم انشغلت الأديان كلها بتقديم قصة البداية ووصف التكوين، وأجمعت على النهاية الحتمية في يوم الدينونة أو قيام الساعة!
ما زال العقل البشري منشغلا بتفسير البدايات، ولا يفتأ يقدم مقترحاته حول النهايات.. وعادة ما تسرق وسائل الإعلام اهتمام الناس من خلال إيهامهم ببداية ما، أو المبادرة بإسدال الستار على ظاهرة ما، والمبالغة في نعيها.
بعد انهيار جدار برلين استمتع الإعلام بإعلان نهاية الاشتراكية! واليوم مع هبوب عاصفة الإعصار الاقتصادي العالمي يستعيد الإعلام مقولات ماركس في نقض الأفكار الرأسمالية، وتوصيفات لينين للامبريالية ويلجأ كبار المنافحين عن حرية رأس المال المطلقة إلى التأميم.. فهل حقا ماتت فكرة الاشتراكية؟
اليوم تتعجل وسائل الإعلام الإعلان عن نهاية الرأسمالية المتوحشة كمقدمة للإعلان عن أن كل رأسمالية متوحشة بالضرورة.. إن مجرد طرح السؤال حول نهاية الرأسمالية اليوم بسبب تصدعات وول ستريت وتداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية إنما يحثنا على إعداد العدة لدفن الميت! فهل حقا نحن نشهد نهاية الرأسمالية؟!
رغم كل التوصيفات المعادية للرأسمالية ووصفها بأنها حفارة قبرها ونعت الامبريالية بأنها نمر من ورق، إلا أن ما نشهده ليس فصل الختام في مسرحية شكسبيرية ساخنة، أونهاية درامية للرأسمالية الأمريكية، تماما كما لم يغيب سقوط الاتحاد السوفياتي فكرة الاشتراكية بشكل نهائي. لعل العقل البشري ميال لرؤية بداية واضحة السطوع ويترقب عادة ستارا واضح الحسم، لكن هذا يحدث على المسرح فقط.
مازال العقل البشري قادرا أن يبني كل يوم نظرية ويهدمها.. ومازالت الحياة تسير بلبوس تتبدل ألوانه وأدواته كل يوم..

والله المستعان

window.google_render_ad();
رد مع اقتباس