عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 11-07-2008, 05:52 PM
 
Post فاعلم أنه لا إله إلا الله …(1)

فاعلم أنه لا إله إلا الله …




الاستاذ:عبدالمجيد الزنداني


أهمية الإيمان بالله:
الإيمان بالله أساس الدين، وأول واجب على الإنسان، وعليه يقوم الإيمان ببقية أركان الإيمان ؛ إذ لا يصح إيمان أحد بشيء من أركان الإيمان وشعبه وسننه إلا بعد إيمانه بالحق تبارك وتعالى .
فالإيمان بالله تعالى هو أساس جميع أعمال الإيمان ؛ لذا يذكر الإيمان بالله تعالى متقدماً على بقية الأركان حين يذكر معها، كقوله تعالى:﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ(177)﴾ (البقرة:177) وقوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا(136) ﴾(النساء:136). وقوله عليه الصلاة والسلام في بيان الإيمان: (أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَ الْيَوْمِ الآْخِرِ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ)(1).
وكيف لا يكون الإيمان بالله هو الأساس لجميع أعمال الإيمان، والله سبحانه هو خالق السموات والأرض والملائكة والنبيين والبشر، ومنزل الكتاب، وهو سبحانه مالك يوم الدين الذي هو يوم الجزاء والحساب .

كيف نعرف الله ؟
أدوات العلم التي خلقها الله لنا:
إن الذي قال في كتابه العزيز: ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ(19) ﴾ (محمد:19) قد أعطانا القدرة على اكتساب ذلك العلم، فخلق لنا أدوات العلم، المتمثلة في السمع والبصر والفؤاد، فقال تعالى: ﴿ وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنْ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئًا وَلَا يَسْتَطِيعُونَ(73) ﴾ ( النحل:73) أي ركب فيكم هذه الأدوات، لتحصلوا بها العلم الذي كان مسلوباً عنكم، عند إخراجكم من بطون أمهاتكم، لكي تصرفوا كل آلة فيما خلقت له(2).فتعرفوا مقدار ما أنعم الله به عليكم في هذه الأدوات، وفي سواها من آلاء الله عليكم، وأول الشكر أن تستخدم هذه الأدوات في العلم بالله والإيمان به(3).
وقد توعد الله الذين يعطلون هذه الأدوات بالعذاب الشديد في نار جهنم، فقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنْ الْجِنِّ وَالْإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ﴾ (الأعراف:179). وقال تعالى: ﴿تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير (الملك:10).
والإيمان يقوم على الدليل الواضح، والبرهان الجلي، والعلم الصحيح، قال تعالى: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا(الإسراء:36). وقال تعالى:﴿لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ(الحجرات:15).
والله قد حثنا على استخدام هذه الأدوات في معرفة ما حولنا من الخلق والإبداع الدال على بعض صفاته من حكمة وعلم وخبرة ورحمة، فقال سبحانه:﴿قُلْ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ﴾(يونس:101).
وقد أكمل الله لنا العلم بصفاته وبما غاب عنا من عالم الغيب الذي جئنا منه ونسير إليه عن طريق رسله الذين بعثهم لتعليمنا وهدايتنا كما قال تعالى: ﴿كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ﴾(البقرة:151)
مصادر العلم بالله:
إن الذي فرض علينا أن نعلم به قد خلق لنا أدوات للعلم التي بها نتعلم، وأوجد لنا مصادر نأخذ منها حقائق العلم، وأدلة الإيمان وبراهينه، وتتمثل تلك المصادر فيما يأتي:
1) آيات الله في الآفاق والأنفس:
إن آثار صفات الله ومعالم بديع صنعه مبثوثة في كل ناحية من نواحي هذا الكون، فكل ما في الكون من مخلوقات دليل مشاهد على الخالق -سبحانه- الذي خلقه وأحكمه وأبدعه. وهذه الأدلة والبراهين واضحة الدلالة لأصحاب العقول والألباب التي تريد معرفة الحق، ولذلك خاطبها المولى سبحانه وتعالى، فقال:﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾(آل عمران:190).
وقال سبحانه وتعالى: ﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾(فصلت:53) .
وقال تعالى: ﴿وفي أنفسكم أفلا تبصرون﴾(الذاريات:21).
وقد استدل أبو حنيفة(4) رحمه الله بأدلة الكون في الآفاق والأنفس لمن حاوره من الزنادقة عندما سألوه عن وجود لله، فقال: " دعوني فإني مفكر في أمر قد أخبرت عنه، ذكروا لي أن سفينة في البحر موقرة فيها أنواع من المتاجر، وليس بها أحد يحرسها، ولا يسوقها، وهي مع ذلك تذهب وتجيئ، وتسير بنفسها، وتخترق الأمواج العظام حتى تخلص منها، وتسير حيث شاءت بنفسها من غير أن يسوقها أحد !"(5)
فقالوا: هذا شيء لا يقوله عاقل !
فقال: ويحكم!! هذه الموجودات بما فيها من العالم العلوي والسفلي، وما اشتملت عليه من الأشياء المحكمة ليس لها صانع ؟
فبهت القوم، ورجعوا إلى الحق، وأسلموا على يديه.
وقال ابن المعتز(6): ويروى لأبي العتاهية(7)رحمهما الله تعالى:

فيا عجباً كيف يعصى الإله***أم كيف يجحده الجاحد
ولله في كل تحريكة ***وفي كل تسكينة شاهد
وفي كل شئ له آية ***تدل على أنه واحد

وسئل بعض الأعراب عن الدليل على وجود الرب تعالى فقال: يا سبحان الله ! إن البعر ليدل على البعير، وإن أثر الأقدام ليدل على المسير، فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج، ألا يدل ذلك على وجود اللطيف الخبير !!(8).


2) معجزات الرسل ورسالاتهم:
لقد جرت سنة الله في أنبيائه جميعاً أن يؤيدهم بالمعجزات الواضحة وأن يسوق بين أيديهم من الخوارق ما يلفت الأنظار ويستهوي الأفئدة، ثم ما يبين معالم اليقين، وعناصر الاستقرار ودواعي الطمأنينة في النفوس أنهم مرسلون من عنده سبحانه، وأنهم أنبياؤه(9) وإن كل ما آتى الله عز وجل رسله من معجزات خارقة لسنن الكون وقوانين الحياة هي دليل على صدق نبوتهم، وثبوت رسالتهم، وأنهم مرسلون من عند الله، ويتلقون عنه، ويأخذون تعليمهم منه، وأن هذه الآيات والمعجزات كانت فوق مقدور البشر، وهي أيضاً مخالفة لسنن المادة، وخارقة للعادات المعروفة .
وقد تعددت معجزات الأنبياء بحسب الظروف والأوضاع التي كان يعيشها كل نبي في أمته. قال عليه الصلاة والسلام: (مَا مِنَ الأْنْبِيَاءِ نَبِيٌّ إِلاَّ أُعْطِيَ مَا مِثْلهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيَّ فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ)(10).
وتثبت هذه المعجزات صدق الرسول، وأنه مرسل من ربه، فتكون مصدراً من مصادر العلم بالله، التي جاءت من عنده تأييداً لرسله، وتصبح الرسالة التي يأتي بها رسل الله مصدراً آخر لتعريفنا بالله وصفاته، وبما غاب عنا من شأنه سبحانه.
------------------------------
(1) سبق تخريجه ، وهو حديث جبريل المشهور .
(2) مختصر ابن كثير.
(3) في ظلال القرآن لسيد قطب بتصرف .
(4) النعمان بن ثابت الكوفي أبو حنيفة أحد الأئمة الأربعة ، ولد سنة 80ه ونشأ بالكوفة وكان إماماً في الفقه ، قال الشافعي: الناس عيال في الفقه على أبي حنيفة ت/ سنة 150ه.
(5) انظر شرح العقيدة الطحاوية ص 84-85 ط المكتب الإسلامي / تحقيق الألباني ط 9 ، 1408ه.
(6) عبدالله بن محمد ابن المتوكل ابن المعتصم العباسي شاعر ، تولى الخلافة مدةً قصيرة ولد ببغداد سنة 247ه وأولع بالأدب وقتل سنة 296ه .
(7) إسماعيل بن القاسم بن سويد العيني العنزي بالولاء أبو إسحاق اشتهر بأبي العتاهية شاعر مكثر، جمع ابن عبدالبر شعره في الزهد والحكمة في مجلد وطبعه أحد المتأخرين من النصارى بعد ترتيبه توفي ببغداد سنة 211ه .
(8) "معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول في التوحيد" الجزء الأول 7-58 للشيخ حافظ بن أحمد الحكمي.

(9) عقيدة المسلم - محمد الغزالي – بتصرف ص 243 ط. دار البيان 1390ه .
(10) أخرجه البخاري ك/ فضائل القرآن ب/ كيف نزول الوحي وأول ما نزل ، ومسلم في الإيمان ب/ وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلى جميع الناس ونسخ الملل بملته ، وأخرجه أحمد في مسنده 2/341، 541 والبيهقي في السنن الكبرى 9/4 ، والنسائي في سننه الكبرى 6/330 .
رد مع اقتباس