في أقسام البوليس اسمه سعيد ، أما من يعرفونه فقالوا لنا عمر واحيانا ينادونه الظريف .حكت لنا عجوز أن أمه وقبل وفاتها كانت تناديه عبدو على اسم أخيه الذي افتقدته الأسرة في بطن حوت وراء ضفة وطنه المباح
لم يكن ليظن أنه بعدما كان ذلك الطفل الذي سببق سنه ، الكاره للنشرتين الإخباريتين الزوالية والمسائية-ليس لما تعدمانه من احترافية - بل لأنه كان يفضل عليهما افلام الكارتون وعلى كل شيء لايفهمه ويبدو له رزمة طلاسم .
كان لا ينام كل ليلة التاسع من ذي الحجة أو الأخيرة من شهر رمضان . وهاهو الآن لايجد من عزاء يعزي به نفسه في صباح كل عيد غير قول أمل دنقل :
عيد بأي حل عدت ياعيد
سنة تمضي وأخرى سوف تأتي
كثيرا ماكان يقول لابيه ان الاعياد ليس لمثل اجسادهم خلقت ، وإنما لأجساد أخرى لا يعرف لمذا يكرهها .لازال يذكر أول يوم دخل فيه الكتب ففيه حفظ بعض سور القرآن القصيرة التي تقيه الحرج في بداية كل صلاة كان يصليها .
لم ينس أيضا شهادة التعليم الأساسي التي كانت تتويجا لست سنوات من حب الدراسة والمدرسة والمدرسين وحتى بعض المتمدرسين.. لا يستطيع تبرير ذلك ، إلا أنه كان يدرس لأه يحب الدراسة .لم يكن يحمل هم العمل فلم يكن بعد عالما بأزمة التشغيل في وطنه المباح .
********
مرة وهو يحدث نفسه ، علمنا منه أنه كان دائما يريد التقرب منها ،بالمساعدة ، بالإستفسار عن بعض الأشياء التي يعلمها أو لا يعلمها ، وأحيانا بمشاكسات سرعان مايضحك عن نفسه منها . ليس من دافع وراء ذلك أو لا يريد على الاقل تسميته .فقط هو يعمل على ترجمة شيء / اشياء ما بداخله لا يستطيع التعبير عنها في شكل كلمات مناسبة وغير مناسبة، مرتبة وغير مرتبة...يحس الآن أن شيئا منه قد ضاع أو قل تبخر في الهواء .
كان دائم الحرص على أن لا يذكر اسمها أمامنا ، مرة فقط وبلسان منطقة اللاوعي فيه سمعناه يقول : ذات الوجه الملائكي ، ليس كمثلها شيء ، أجمل من أمي ومن بلدي ...
رد عليه أحد من كانوا بالغرفة
- هل أجمل من أمك؟
- الشيء لا يحتاج دائما أن يكون جميلا حتى تحبه ، والحب عن الحب يختلف .فمن أدراك أن من تعبده جميل أو من تكرهه قبيح المنظر . وفوق هذا كله عليك أن لا تخلط الأوراق وإلا أخلطت عناصر وجهك .
هكذا كان دائما يتعامل مع أي شخص يتحدث عن أمه بقليل من الأحنرام واللباقة.
*********
كان الخبر قاسيا عليه ولكن ليس قاضيا ، فقد ألفت حياته ومنذ مدة المصائب والنكبات والنكسات .. تمنى لو أنه مات قبل سماع مقتل/ وفاة / رحيل / فقدان والده ذا القلب الكبير والصدر الواسع
الآن وقد أصبح يتيب الأب والأم وأخ والحبيبة وفوق ذلك يتيم الوطن يؤمن إيمان اليقين أن يتم وطنه المباح لن يستمر . عزم على أن يستكمل ما بدأه الأب في صفوف جيش التحرير ، فإنجازات ما بعد سنة ست وخمسين تسعة مائة وألف لم تكن لتشفي غليله وتكمل فرحته وإحساسه بالإستقلال والطمأنينة . المعمر في نظره خرج من الباب ليدخل من النافذة .، وعلى جيله من وجهة نظره تلقي المهمة .
**********
التتمة في القريب العاجل