الإيمان
- 10-
الاستاذ:
عبد المجيد الزنداني
علامات الساعة
قال تعالى : ﴿ عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا(26)إِلَّا مَنْ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ ﴾ (الجن: 26، 27) . وإخبار محمد صلى الله عليه وسلم بغيب علامات الساعة ، التي لم تظهر أماراتها إلا في زماننا ، يشهد له بصدق الرسالة ، كما يشهد بأن الساعة حق ، وأنها قد أصبحت قريبة .
ومن العلامات التي ظهرت ما يلي :
1 أمور عظيمة لم تخطر على بال أحد من قبل :
هذه العجائب ، والأمور العظام ، التي حدثت في المخترعات ، وفي عالم السياسة ، والأنظمة ، والعلوم ، وهذه الأحداث العالمية ، التي ما كانت تخطر على بال أحد ، سواء في أحوال المسلمين ، أو الكافرين ، يصدق عليها وصف: الأمور العظيمة ، التي لم تخطر على بال أحد من السابقين، وقد أخبرنا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تقوم الساعة حتى تروا أموراً عظاماً لم تكونوا ترونها ولا تحدثون بها أنفسكم)(32) .
2 الحفاة العراة رعاة الغنم وتطاولهم في البناء :
إن الحافي الذي لا يملك حذاء ، العاري الذي لا يجد ثوباً يستر كل جسمه ، العالة في طعامه على غيره ، الذي لا يجيد من العمل غير رعي الغنم ، إن الذي يتصف بكل هذا لا يتصور أحد من الناس من قبل ، أنه سيتمكن من بناء أي بيت ، فضلاً على أن يجعل ذلك البيت من البيوت الطويلة ، ويطاول غيره في البناء ، وفضلاً عن أن يكون ذلك ظاهرة لا تحدث لشخص واحد، بل تحدث لجماعات كثيرة من رعاة الغنم الحفاة ، العراة ، العالة ، فهذا أمر ما كان يخطر ببال أحد، لكن الأمر وقع، فبعد أن فتح الله على المسلمين وغيرهم من ثروات الأرض، وخاصة البترول، رأينا رعاة الغنم الحفاة ، العراة ، العالة ، يتطاولون في البنيان، كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أن هذه من علامات الساعة ، فقال : (إذا رأيت الحفاة ، العراة ، العالة ، رعاء الشاء يتطاولون في البنيان فانتظر الساعة)(33) .
3 ظهور الكاسيات العاريات المائلات المميلات رؤوسهن كأسنمة الجمال:
كان هناك بعض الصعوبة في فهم حالة النساء اللائي وصفهن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنهن سيخرجن في آخر هذه الأمة ، وأنهن كاسيات عاريات ، وقد يحتار الإنسان ، كيف تكون المرأة كاسية ، وعارية في آن واحد حتى رأينا ذلك في زمننا ، فللمرأة كساء ، ولكنه شفاف يصف الجسم ، ويظهره (أولها الملابس الكثيرة ، ولكنها تفصلها قصيرة) أو تكون لابسة كاسية في بعض الأماكن، متعرية في أماكن أخرى. وهن أيضاً مائلات مميلات ، وقد اكتمل الميل عن الطريق المستقيم ، والتمايل بالأجساد ، حتى وضعوا لهن في أحذيتهن كعوباً عالية ، لاستكمال الميل في الأجسام ، وهن بهذا الميل مميلات لكثير من الشباب مضلات لهم بفتنتهن المعروضة .
ورؤوسهن كأسنمة البخت المائلة : أي كأسنمة الجمال المائلة . وهذا ما نشاهده في زماننا ، مصداقاً لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كشف الله له هذا الغيب ، قبل ألف وأربعمائة عام ، فقال عليه وعلى آله الصلاة والسلام: (صنفان من أمتي من أهل النار لم أرهما : قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس(34)، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات ، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلون الجنة، ولا يجدون ريحها)(35) .
4 نطق الجماد :
قال عليه وعلى آله الصلاة والسلام : (إنها أمارات من أمارات بين يدي الساعة ، أوشك الرجل أن يخرج ، فلا يرجع، حتى يحدثه نعلاه ، وسوطه ، ما أحدث أهله من بعده)(36) .
النعل جماد ، والسوط جماد ، وما كان أحد يتصور أن الجماد سينطق ، وقد نطق الجماد فعلاً ، وأما كيف يحدث نعل، أو السوط الرجل عما أحدث أهل بيته بعده؟ فقد اخترعت الآن أجهزة يحملها الإنسان في يده ، فتنقل له الأصوات ، والكلام من بيته ، أو من بيت غيره ، ( وما بقي إلا أن تشكل في شكل سوط ، ليسهل حملها ، أو تصنع في الحذاء فلا ترى) ويمكن تركيبها في طرف العصا أو في مكان ما من الحذاء بحيث لا ترى .
5 قبض العلم ، وكثرة الزلازل ، وتقارب الزمان ، وظهور الفتن ، وإطالة البناء:
قبض العلم هو موت العلماء وعدم وجود من يخلفهم ، والمقصود بهم علماء الإسلام ، وقد دل الحديث على ذلك، وكثرة الزلازل هو ما نشاهده ، ونسمعه في هذه الأيام من الزلازل المدمرة .
وتقارب الزمان ؛ أي أن الأيام تمر ، وكأنها ساعات قليلة ، وسبب ذلك كثرة الأحداث التي تجعل الإحساس بالزمن يقل (والله أعلم) فإذا كنت مشغولاً في عمل مرت الساعة وكأنها لحظات، أما إذا كنت فارغاً فتحس بطول الزمان ، وزماننا هذا أيامه مملوءة بالأعمال ، مما يجعلها تمر بسرعة، وظهور الفتن، أي كثرة الفتن، التي تفتن الإنسان عن دينه ، والإعلان بها .
وأما إطالة البناء فما عليك إلا أن تقارن بين المنازل قبل خمسين عاماً والمنازل في أيامنا هذه ، وكيف استطالت ، وهذا كله قد أخبرنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله : ( لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم ، وتكثر الزلازل ، ويتقارب الزمان ، وتظهر الفتن ، وحتى يتطاول الناس في البنيان)(37) .
6 تسليم الخاصة ، وفشو التجارة وقطع الأرحام وكثرة القراءة وشهادة الزور:
تسليم الخاصة : هو أن يخص الإنسان بالسلام من يريد ، وفشو التجارة انتشارها ، وفشو القلم أي كثرة استخدام القلم ، وهو دليل على كثرة القراءة والكتابة ، وهذا كله جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل : (إن بين يدي الساعة تسليم الخاصة وفشو التجارة حتى تعين المرأة زوجها على التجارة، وقطع الأرحام ، وفشو القلم ، وظهور الشهادة بالزور ، وكتمان شهادة الحق)(38) .
7 كثرة الزنا وشرب الخمر :
قال عليه وعلى آله الصلاة والسلام : (إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ، ويكثر الجهل ، ويكثر الزنا ، ويكثر شرب الخمر)(39) ، وكثرة الجهل ، أي الجهل بالدين.
8 انتشار التعامل بالربا :
قال عليه وعلى آله الصلاة والسلام : (ليأتين على الناس زمان لا يبقى منهم أحد إلا أكل الربا ، فمن لم يأكله أصابه من غباره)(40) .
وقد انتشر التعامل بالربا في زماننا عن طريق البنوك وغيرها ، وإن كنا نرى ظهور بنوك إسلامية لا تتعامل بالربا، نسأل الله أن يكثر من هذه البنوك الإسلامية.
8 التحية بالتلاعن وتشبه الرجال بالنساء والنساء بالرجال:
يأمر الإسلام بالتحية الحسنة ، والرد الأحسن ، وهكذا كان المسلمون ، حتى ظهر في زماننا من يحيي غيره باللعن ، قال عليه وعلى آله الصلاة والسلام: (لا تزال الأمة على شريعة حسنة ما لم تظهر فيهم ثلاث : ما لم يقبض منهم العلم، ويكثر فيهم ولد الخبث ، ويظهر فيهم السقارون) قالوا: وما السقارون؟ قال : (نشء يكونون في آخر الزمان تكون تحيتهم بينهم إذا تلاقوا التلاعن) (41) .
وما كان أحد يتصور أن الرجل سيتشبه بالمرأة ، والعكس ، حتى فاجأنا الزمان بهذه المصيبة ، لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخبرنا عن هذا، وكشف الله له ما سيقع ، فقال عليه وعلى آله الصلاة والسلام : (من علامات اقتراب الساعة تشبه الرجال بالنساء ، والنساء بالرجال) (42).
9 وطائفة على الحق ظاهرين:
ومهما كثر الفساد ، قد شاءت حكمة الله سبحانه، أن تبقى طائفة على الحق ظاهرة ، تقيم الحجة على الناس بالدعوة إلى دين الله ، وتتمسك بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وهذا ما نشاهده ، فلا يخلو مكان إلا وفيه من يظهر دين الله ، ويتمسك بكتاب الله ، وسنة رسوله .
وفي هؤلاء ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من يخذلهم حتى يأتي أمر الله) (43) .
وبعد : فهذا قليل من كثير ، مما أخبر به رسول ربنا صلى الله عليه وسلم قبل ألف وأربعمائة عام ، يشهد بصدق نبوته ، وبأنه نذير لنا وبشير لنا بين يدي عذاب شديد ، فكما رأينا علامات الساعة اليوم فسنرى الساعة غداً ، لأن المخبر بها واحد، وهو الصادق المصدوق ، محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم .
================
(32) - أخرجه أحمد والطبراني (فتح الباري) المجلد الثالث كتاب الفتن باب خروج النار.
(33) - رواه البخار ومسلم .
(34) - الذين يعتدون ظلماً على الناس فيضربونهم بالسياط .
(35) - رواه أحمد ومسلم .
(36) - روى الحديث أحمد في مسنده ورواه الترمذي والحاكم وقال : صحيح على شرط مسلم ، ورواه أبو نعيم في الحلية.
(37) - رواه البخاري .
(38) - رواه البخاري .
(39) - رواه البخاري ومسلم .
(40) - رواه أبو داود وابن ماجه .
(41) - رواه أحمد والحاكم والطبراني .
(42) - رواه أبو نعيم في الحلية وغيره .
(43) - رواه مسلم والترمذي وأبو داود .