الموضوع: الفقر إلى أين
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 07-14-2006, 10:26 PM
 
الفقر إلى أين

اللمسة بعشرة ريال!
تراهن متناثرات في الشوارع، سواد عباءاتهن المشوب بصفرة الشمس دليل الرائي، وإشارات المرور المتناثرة، أشجار يسندن لها ظهورهن، منتظرات أن يحين القطف، ويزداد الحصاد.
منقبات، ومسدلات «البواشي» على وجوههن. كفوفهن تمتد لك. لك أن تردها خائبة، ولك أن تثقلها بالعطاء.
اكفٌ اخشوشنت من طول ما لهبها من هجير وفقدت من ماء كرامة. كفوف تعود خائبة لدارها في المساء في أحايين كثيرة، وتعود بما يغني أسبوعا بأكمله نظير ساعات معدودة، ولكن...
«أحيانا كثيرة أظل تحت الشمس أتصبب عرقا دون أن أحصل على ريال واحد. كثير من الناس لا يعطوننا أي نقود، ويبقون في سياراتهم المغلقة دون أن يفتحوا نوافذهم أو يعيروننا أي انتباه. مهم مستمتعون ببراد أجهزة التكييف، ونحن مصلوبات بنيران الصيف».
بهذي الكلمات تشتكي إحدى المتسولات الصغيرات، والتي بعد جهد أيام وافقت على أن تروي لنا بعض حكايا عالمهن المجهول.
ظاهرة التسول في السعودية في ازدياد بسبب الفقر والعازة
تقول حصة -وهو اسمها المستعار الذي سمت نفسها به- «الكثير يعتقد أننا امتهنا التسول كوظيفة نقتات من خلالها، دون أن يعي هؤلاء كم هو مهين أن نظل متسكعات في الشوارع، يحرقنا لهيب الشمس، وتأكلنا أعين الناس، وتنال منا ألسنتهم»، مضيفة « هل من المعقول أن تكون جميع المتسولات كاذبات وممتهنات وظيفة!».
حصة التي تعتبر نفسها وأسرتها جزءً من المجتمع السعودي، وابنتا من بناته لا تفترق عن باقي الفتيات شيئا، تحمل الكثير من الحنق بداخلها «إنني أستغرب كيف يمكن لمجتمع أن يرمي فئة من الناس بالدونية، فيما نحن لم نكن هنا مفترشات الأرصفة والشوارع، إلا بعد أن أبعدنا هذا المجتمع عنه، ولفظنا بقسوة. كنا نجلس في منزلنا دون معيل، أنا ووالدتي وأخي الصغير، والوضع يزداد سوء. هل نبقى في البيت ونموت جوعا؟ ما هو الحل؟ لم نجد ملاذاً إلا الشارع».
الشارع الذي تسكعت فيه حصة بين إشارات مروره متنقلة من منطقة إلى أخرى، فتارة في الخبر، وأخرى في الدمام، ومرات في القطيف وسيهات، هذا الشارع هو الآخر لم يتركها في حالها، ودفعها لأن تمارس أفعالا لم تكن يوما في بالها.
تقول حصة «ذات مرة استوقفني مجموعة من الشبان، قالوا أنهم سيعطونني خمسمائة ريال إن أنا صعدت معهم، لقاء أن ألبي رغباتهم الجنسية. أي أنهم يريدونني أن أبيعهم جسدي. خفت وقتها ورفضت، ورحت أصرخ في الشارع لكي يحميني الناس شرهم، فما كان منهم إلا أن هربوا سريعا بالسيارة».
هذا الموقف لم يكن الوحيد الذي تركت ندبته، فقد تكرر معها ومع فتيات أخريات مرات عدة. البعض من الفتيات استجاب تقول حصة، وهي تروي بحسرة «لي صديقات تعرفت عليهن في الشارع، يتسولن مثلي، لكنهن لم يستطعن أن يصمدن كثيرا، البعض منهن فضلن الكسب السريع على أشعة الشمس اللآهبة، فانزلقن في عالم الدعارة، ورحن يبعن أجسادهن نظير مبلغ من المال لا يتعدى 400 أو 500 ريال أحيانا للشخص الواحد، وبعضهن ممن صرن خبيرات رحن يشتغلن بمبالغ أكبر».
هذا المبلغ الزهيد الذي أغرى البعض ببريقه الباهت، هو أحسن حالا من مبلغ الخمسة أو عشر ريال الذي قنع به بعض الفتيات نظير لمسة سريعة عند إشارة مرور، أو في زقاق ضيق، أو شارع فرعي.

نورة تروي قصة الخمسة ريالات بضحكة تمتزج بالحسرة «هل تصدق أن بعض الفتيات يأخذن خمسة ريالات أو عشرة أو عشرين نظير لمسة سريعة من شاب لجسدهن أو صدورهن، لمسة لا تتعدى الدقيقة الواحدة، لأنها تكون على عجل وخوف، كونها في الشارع أو في السيارة».
موضحة أنه «ذات مرة أعطى أحد الشباب مبلغ خمسين ريال لمتسولة نظير أن يصورها بكاميرا الجوال وصديقه يتلمس جسدها من خلف العباءة وهي واقفة في الشارع، لينشر الصورة عبر البلوتوث في المنتديات وبين الشباب. طبعا، وجه الفتاة لم يكن بائنا، ولذا لم ترفض، وفضلت أن تكسب الخمسين ريالا على أن تفقدها».
لذة عابرة، تقدمها فتيات لم يخلقن داعرات، ولم يكن في يوم من الأيام «بنات هوى». كن سويات كباقي من هن في أعمارهن، لكنه الفقر، الذي ما دخل بلدا إلا وقال للكفر خذني معك، فهل من رجلٍ يقتله!
كاتب سعودي «القطيف»