سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه
للعلامة: أبي الحسن الندوي
أما ما يتصل بشخصية الخليفة الرابع علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكرم الله وجهه فليس هناك من يعارضه سوى الخوارج ، وبالمناسبة نكتفي بوصف أحد رفاقه ضرار بن ضمرة ، وقد أبدى فيه انطباعاته عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه على طلب من معاوية رضي الله عنه ، وتحدث فيه عن معلوماته ومشاهداته الشخصية ، وحاول أن يصورها بالكلمات ، ونستطيع أن نقدر بهذا الوصف مدى تورُّع الجماعة المؤمنة القدسية ، حتى في حالة الحكم والخلافة ، وقد كانت من المتخرجين من مدرسة النبوة ، وتلاميذ الإيمان والقرآن ، يقول ضرار بن ضمرة:
((يستوحش من الدنيا وزهرتها ، ويستأنس بالليل وظلمته ، كان والله غزير الدمعة ، طويل الفكرة ، يقلب كفه ، ويخاطب نفسه ، يُعجبه من اللباس ما خَشُن ، ومن الطعام ما جشب ، كان والله كأحدنا يجيبنا إذا سألناه ، ويبتدئنا إذا أتيناه ، ويأتينا إذا دعوناه ، ونحن والله مع تقريبه لنا وقربه منا لا نكلمه هيبة ولا نبتدئه لعظمه ، فإن تبسم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم ، يعظم أهل الدين ، ويحب المساكين ، ولا يطمع القوي في باطله ، ولا ييأس الضعيف من عدله ، وأشهد بالله ، لقد رأيته في بعض مواقفه ، وقد أرخى الليل سجوفه ، وغارت نجومه ، وقد مثل في محرابه قابضاً على لحيته ، يتململ تململ السليم ، ويبكي بكاء الحزين ، وكأني أسمعه ، وهو يقول : يا دنيا ! يا دنيا ! أبي تعرضت أم لي تشوفت ؟ هيهات ، هيهات ، غُري غيري ، قد بتتك ثلاثاً لا رجعة لي فيك ، فعمرك قصير ، وعيشك حقير ، وخطرك كبير ، من قلة الزاد ، وبعد السفر ، ووحشة الطريق (1) .
**************************
(1) صفة الصفوة لابن الجوزي ص 122 .