عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 12-06-2008, 11:37 AM
 
هل حماتك وزوجتك مثل هذه ؟ وهل أنتِ .. أو أمكِ مثل هذه ؟

بسم الله الرحمن الرحيم .... الحمد لله والصلاة والسلام على النبي وآله وصحبه وبعد

فإننا في زمن قد أشرفت معالي الأخلاق على الانطماس إثر سيل الحضارة العصرية والتقدم والمدنية التي لا تُعنى بمقام الأخلاق والتربية فصارت تلك الأمور مما يتناقلها الأبناء عن آبائهم ، ويجد الشخص في مطالعة الكتب التي أرخت حكايات المتقدمين وروائع الأمثال ملجئاً له عند الشعور بالكبت والضيق النفسي ليروح عن نفسه بتلك الأساطير ..

نعم فإنها قد أضحت من الأساطير بلا ريب ولا نزاع ..

ألا ترى أن لا كريم في زمننا ... ولو أبيت فضربتَ لي مثلاً بفلان تعرفه أقول لك قارن فعاله بالأوائل تعرف ماذا أعني وماذا أقول ..

ألا ترى أن الصفح والحلم والعفو وحسن التعامل والصدق والجود ... لا تكاد تجدها في زمننا وإنْ وجد شيء منها يسير صغير .. رأيتَ الناس قد أفاضوا بكلمات الإعجاب والثناء وما ذاك إلا لأنهم لم يعرفوا هذه الصفات إلا في الكتب وحكايات الآباء فإلى الله المشتكى وإليه الملتجئ ...

******
وهذه حكاية من حكايات الكتب المتقدمة ... لكن في أخلاق النساء خاصة ، وبالأخص أم الزوجة ...

فهل تُقر معي أن هذه الحكاية صارت في زمننا مما انقرض واندرس وأنك لا تجد له مثالاً حياً

والله المستعان ...

******************************
**************
من كتاب الأغاني للأصفهاني (17 / 221):
خبر زينب بنت حدير وتزويج شريح إياها

أخبرني الحسن بن علي الخفاف قال حدثنا أحمد بن زهير بن حرب قال حدثنا أبو همام الوليد بن شجاع قال حدثنا ابن أبي زائدة وأبو محمد رجل ثقة قال حدثنا مجالد عن الشعبي قال
قال لي شريح يا شعبي عليكم بنساء بني تميم فإنهن النساء ..
قال : قلت : وكيف ذاك؟
قال : انصرفت من جنازة ذات يوم مظهراً فمررت بدور بني تميم فإذا امرأة جالسة في سقيفة على وسادة وتجاهها جارية رؤد - يعني التي قد بلغت - ولها ذؤابة على ظهرها ، جالسة على وسادة فاستسقيت
فقالتْ لي : أي الشراب أعجب إليك النبيذ أم اللبن أم الماء ؟
قلتُ : أي ذلك يتيسر عليكم .
قالت : اسقوا الرجل لبناً فإني إخاله غريباً
فلما شربتُ نظرتُ إلى الجارية فأعجبتني
فقلتُ : من هذه؟
قالتْ : ابنتي
قلتُ : وممن ؟
قالتْ : زينب بنت حدير إحدى نساء بني تميم ، ثم إحدى نساء بني حنظلة ، ثم إحدى نساء بني طهية .
قلتُ : أفارغة أم مشغولة ؟
قالت : بل فارغة
قلت : أتزوجينيها ؟
قالت : نعم إن كنت كفياً .. ولها عم فاقصده

فانصرفتُ فامتنعتُ من القائلة ، فأرسلت إلى إخواني القراء الأشراف مسروق بن الأجدع ،والمسيب بن نجبة وسليمان بن صرد الخزاعي ، وخالد بن عرفطة العذري ، وعروة بن المغيرة بن شعبة ، وأبي بردة بن أبي موسى

فوافيت معهم صلاة العصر فإذا عمها جالس
فقال : أبا أمية حاجتك ؟
قلت : إليك .
قال : وما هي ؟
قلت : ذُكِرَتْ لي بنت أخيك زينب بنت حدير
قال : ما بها عنك رغبة ولا بك عنها مقصر وإنك لنهزة ..
فتكلمت فحمدت الله جل ذكره وصليت على النبي –صلى الله عليه وسلم - وذكرت حاجتي فرد الرجل علي وزوجني وبارك القوم لي ثم نهضنا .

فما بلغت منزلي حتى ندمت فقلت تزوجت إلى أغلظ العرب وأجفاها ... فهممت بطلاقها ثم قلت أجمعها إلي فإن رأيت ما أحب وإلا طلقتها ..

فأقمت أياما ثم أقبل نساؤها يهادينها فلما أجلست في البيت ، أخذت بناصيتها فبركت وأخلى لي البيت

فقلت : يا هذه إن من السنة إذا دخلت المرأة على الرجل أن يصلي ركعتين وتصلي ركعتين ويسألا الله خير ليلتهما ويتعوذا بالله من شرها .
فقمت أصلي ثم التفت فإذا هي خلفي ، فصليت ثم التفت فإذا هي على فراشها فمددت يدي

فقالتْ لي : على رسلك.
فقلتُ : إحدى الدواهي مُنيت بها .

فقالتْ : إن الحمد لله أحمده وأستعينه إني امرأة غريبة ولا والله ما سرت مسيراً قط أشد علي منه وأنت رجل غريب لا أعرف أخلاقك فحدثني بما تحب فآتيه وما تكره فأنزجر عنه ..
فقلتُ : الحمد لله وصلى الله على محمد قدمتِ خير مقدم ، قدمتِ على أهل دار زوجك سيد رجالهم وأنت سيدة نسائهم أحب كذا وأكره كذا ..
قالتْ : أخبرني عن أختانك – تعني أهلها - أتحب أن يزوروك فقلت إني رجل قاض وما أحب أن تملوني .

قال فبتُ بأنعم ليلة وأقمت عندها ثلاثاً ثم خرجت إلى مجلس القضاء فكنت لا أرى يوماً إلا هو أفضل من الذي قبله
حتى إذا كان عند رأس الحول دخلتُ منزلي فإذا عجوز تأمر وتنهى
قلت : يا زينب من هذه؟
فقالت : أمي فلانة
قلت : حياك الله بالسلام
قالت : أبا أمية كيف أنت وحالك ؟
قلت : بخير أحمد الله
قالت : أبا أمية .. كيف زوجك ؟
قلت : كخير امرأة
قالت: إن المرأة لا تُرى في حالٍ أسوأ خلقاً منها في حالين : إذا حظيت عند زوجها ، وإذا ولدت غلاماً ، فإن رابك منها ريب ، فالسوط . فإن الرجال والله ما حازتْ إلى بيوتها شراً من الورهاء المتدللة ..
قلتُ : أشهد أنها ابنتك قد كفيتنا الرياضة وأحسنت الأدب ..

قال : فكانت في كل حول تأتينا فتذكر هذا ثم تنصرف .

شريح يعالج زينب
قال شريح : فما غضبت عليها قط إلا مرة كنت لها ظالماً فيها ، وذاك أني كنت أمام قومي فسمعت الإقامة وقد ركعت ركعتي الفجر ، فأبصرت عقرباً فعجلت عن قتلها فأكفأت عليها الإناء فلما كنت عند الباب
قلت : يا زينب لا تحركي الإناء حتى أجيء .
فعجلت فحركت الإناء فضربَتْها العقرب
فجئت فإذا هي تلوى فقلت : مالك ؟
قالت : لسعتني العقرب..
فلو رأيتني يا شعبي وأنا أعرك أصبعها بالماء والملح وأقرأ عليها المعوذتين وفاتحة الكتاب..

وكان لي يا شعبي جار يقال له ميسرة بن عرير من الحي فكان لا يزال يضرب امرأته
فقلت :
( رأيتُ رجالاً يضربون نساءهم ***** فشَلَّت يميني يوم أضْرِبُ زينباً )

يا شعبي فوددت أني قاسمتها عيشي ..

ومما فيه من الأشعار التي قالها شريح في امرأته زينب ...
( رأيتُ رجالاً يضربُون نساءهم ***** فشلَّت يميني يَوْمَ أضرِبُ زَيْنَبا )
( أأضربها في غير جُرمٍ أتَتْ به ***** إليّ فما عذري إذا كُنْتُ مذنبا )
( فتاة تزينُ الحلْي إن هي حُلِّيتْ ***** كأن بفيها المسكَ خالط مَحلبا )

****************************************
****************************************
وهناك زيادات من تأريخ دمشق لابن عساكر ....

بينا شريح في مجلس قضائه إذ أقبل فتى وشيخ يختصمان إليه قال : فكلما تكلم الشيخ بكلمة أفلج عليه الفتى في حجته فأغاظ ذلك شريحاً
فقال للفتى : اسكت .
فقال : لا والله يا قاضي مالك أن تسكتني ؛ قال : لأنك فتى وهذا شيخ ؛
قال : يا قاضي وما تنقم على قوم أثنى الله عليهم في القرآن فقال – سبحانه - : " إنهم فتية آمنوا بربهم " وقال عز و جل : " سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم " " وإذ قال موسى لفتاه " لولا أنه فتى صدق ما صحبه موسى
قال : يا فتى أنت قاضٍ ؟ تعال اقعد اقض.

قال : لا والله ما لي ذلك دون أن أطعم قصتك وأستوفي منتك ؛ قال : ثم استنطقه فإذا بفتى كامل العقل وضيء الوجه..

قال : يقول شريح في نفسه : لوددت لو أن لهذا الفتى أختاً فأتزوجها ؛ - قال : لو تمنيتُ الجنة كان أفضل –

قال : لقد أقبلتُ يوماً من جنازة مظهراً فأصابني الحر ورأيت سقيفة فقلتُ : لو عدلت إلى هذه السقيفة فاستظللت واستسقيت ماء فلما صرت إلى السقيفة إذا باب دار وإذا امرأة نصف قاعدة خلفها جارية شابة رود عليها ذؤابة قد تسترت بها قال : قلت : اسقوني ماء قالت : يا عبد الله أي الشراب أعجب إليك النبيذ أم اللبن أم الماء ؟

وساق باقي القصة بنحو ما ذكرناه ..
وعندما زارته الأم جاءت زيادة :-

قال لها : قد كفيت الرياضة وأحسنت الأدب أنا أشهد أنها ابنتك ؛
قالت العجوز : يا أبا أمية أخوها بالباب يطلب الإذن عليها تأذن له ؟
قال : إي والله فليدخل ؛
فلما دخل إذا بالفتى الذي كان يخاصم الشيخ
قال : وإنك لهو ؟
قال : نعم ؛
قال : أما إني لو تمنيت الجنة كان أفضل تذكر يوم كنت تخاصم الشيخ ؟
قال : أذكره ؛
قال : فإني تمنيت أن تكون أخت لك عندي ؛
قال : يا قاضي فإن الذي أعطاك مناك قادر أن يعطيكها في الآخرة ؛
ثم إنه ضم الصبي ونحله ذهبا ؛
ثم قال : أرشد الله أمركم ووفقكم لحظكم ومضى .

*****************
انتهى المراد ذكره والله الموفق ......
رد مع اقتباس