القواعد السديدة
في
حماية العقيدة
الدكتور: طه حامد الدليمي
-1-
P
المقدمة
الحمد لله رب العامين .
والصلاة والسلام على الهادي الأمين. وعلى آله أصحابه وأتباعه أجمعين .
وبعد ..
فمن المسَلَّم به عند جميع العقلاء أن كل دعوى لا بد لها من بينة او دليل. والدليل إنما سمي دليلاً لأنه يشتمل على شروط أو عناصر جعلته صالحاً لأن يطلق عليه هذا الاسم ، وإلا لم يكن دليلا معتبراً.
ومن المسَلَّم به أيضا أن أعظم دعوى في الوجود هي العقيدة ممثلةً بأصولها ، ومن بعدها تأتي أصول الشريعة أو الأعمال الشرعية التي هي كالبناء بالنسبة إلى أساس العقيدة .
وبما أن هذه الدعوى هي أعظم دعوى فلا بد أن تكون شروط أدلتها أعظم الشروط وأصعبها وأدقها وأبعدها عن الظنون والاحتمالات ، بحيث لا يمكن أن يتطرق إليها الشك أو الاحتمال بأي وجه من الوجوه ليكون الدين قائما على أساس متين تطمئن إليه النفس وتثق به ثقة مطلقة ، وإلا فإن الشك إذا تطرق إلى أصول الدين فمعنى ذلك أن الدين في أساسه بات مشكوكاً فيه . وما ذلك بدين؛ لأن الدين مبناه على القطع واليقين.
لقد علِمنا من ديننا أنه حتى المسائل الفرعية إذا كانت المسألة عظيمة أو خطيرة فإن الله تعالى يشدد في شروط أدلتها ما لا يشدد في غيرها : فمن المعروف أن كل الشهادات يكتفى فيها بشاهدين ، إلا الزنا فلا بد لإثبات وقوعه من مضاعفة الشهود مع توفر المشاهدة العيانية الجازمة ، لخطورة التهمة ومساسها بسمعة المتهم ودينه ومصيره .
وهكذا الحال عندما يتعلق الأمر بما هو أعظم ألا وهو أصول الدين التي بها يتقرر مصير الإنسان : هل إلى الجنة أم إلى النار ؟ وقبلها هل هو من المسلمين أم من الكفار ؟ وما يترتب على ذلك من مسائل وأحكام في الدنيا والآخرة .
فما هي العناصر أو الشروط التي ينبغي توفرها في
أدلة أصول الدين وهي بهذا المستوى من المنزلة والخطورة ؟ أو بعبارة أخرى : كيف يمكن أن تثبت هذه الأصول ؟
الجواب عن هذا السؤال هو موضوع هذا الكتاب المختصر .
إن معرفة هذه الشروط أمر في غاية الأهمية لكونه لا غنى عنه من أجل حماية الدين من الإضافات والمبتدعات التي كثرت وعمت في غيبة هذا الأمر البالغ الأهمية عن أذهان غالبية أبناء الإسلام ، بحيث صار أسهل شيء على أي إنسان - مهما بلغ جهله وانحطت في العلم منزلته - أن يخترع ما يشاء ويضيف ما (يستحب) بأوهى الأدلة وأسمج الحجج !!
إن من أشد الأمور عجباً وأكثرها انتشاراً أن تخترع أصول خطيرة بشطر من آية مقتطعة ، أو تسلب الملايين بل المليارات من جيوب المغفلين بكلمة مشتبهة. بل إن هناك ما هو أعجب: أن تنتهك الحرمات وتستباح فروج المحصنات بمثل تلك الكلمة!! ثم ما أسهل أن توضع – من بعد ذلك – الروايات وتختلق على ألسنة الأئمة، أو تضاف إلى أحاديث رسول الأمة محمد e . وهكذا فسدت عقائد الملايين من المسلمين وتحللت أخلاقهم وتفرقت كلمتهم وانهار اجتماعهم وسرقت عقولهم وأموالهم ، وخرجت إلى الوجود أديان وطوائف تنتسب إلى الإسلام بينما هي في الواقع تغط في لجج من البدع والخرافات والأوهام بعيداً عن الشاطئ الأمين لهذا الدين العظيم .
ثم إن هذا الكتاب يجيب عن سؤال آخر يقارب السؤال الأول في أهميته ، هو كيف يمكن للعامي الذي لم يتعلم الحرف ولم يدرس العلم أن يعرف جزماً ومن دون الاستعانة بالعلماء أصول الحق من أصول الباطل؟ فينجو من ضلالات المضلين وشبه الزائغين ، ويرسو باطمئنان على ذلك الشاطئ الأمين .
في القرآن قانون أصولي يشبه في قوته ودقته وانضباطه الكامل من جميع الوجوه القانون الرياضي أو الحسابي . لكنه يتفوق عليه من حيث أنه واضح المعالم ، سهل الإدراك يمكن معرفته من قبل الجميع : الأمي والمتعلم ، والعامي والعالم ! ويمكن تطبيقه بسهولة على أية مسألة أصولية أو قضية أساسية من
قضايا الدين ليعرف الكل ، وبصورة جازمة قاطعة ،
وسهلة ميسرة صحتها من بطلانها !
وبذلك نستغني عن الردود المطولة ، والجدالات المحتدمة التي تدور بعيداً عن هذا القانون الرباني القرآني، وتجري في منعرجات البحث عن دلالة النص أو (الدليل) دون التوقف أولاً – وهذا أعظم ما يستدعي التوقف - عند صلاحية الدليل للاستدلال من خلال النظر في مدى حيازته على شروط الدليل الأصولي .
هذا .. وقد اتخذت من أصول الدين الصحيحة الكبرى ، ومن عقيدة (الإمامة) مجالاً أطبق عليه تفاصيل هذا المبحث المهم في غاية الأهمية لأثبت من خلاله مدى حاجتنا إلى معرفة هذا القانون ، ومدى فعاليته في الوصول إلى الحق بسهولة ويسر منقطع النظير .
وأخيراً أقول : أرأيت طريقا يؤدي إلى مكان خطير
وضعت عليه (نقطة تفتيش) عليها حراس شداد في منتهى الشدة، أذكياء في قمة الذكاء لا يجوزهم إلا شخص يمتلك هوية رسمية بشروط وصفات واضحة محددة ؟
إن معرفتنا بشروط أدلة أصول الدين تجعل على طريق كل مزور حقود أو مبتدع جهول هذه (النقطة) ذات الحراس الأشداء الأذكياء تقطع عليه الطريق وتحول دون مرور أباطيله ومروق أضاليله ووصولها إلى حمى الدين العظيم ، لأن هويتها مزورة لا تمتلك مواصفات الهوية الشرعية الواضحة المحددة .
والله I اسأل أن ينفع بها كاتبها وقارئها والمسلمين أجمعين . آمين .
المؤلف
1419ه / 1998م