عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 12-17-2008, 06:16 PM
 
Post وهديناه النجدين

وهديناه النجدين




دكتور عماد عطا البياتي
اخصائي طب المجتمع


كثيرة هي الحقائق الخلقية العجيبة المذهلة التي تظهر لعين المتفحص الحذق عند دراسته للجهاز الهضمي البديع في جسم الإنسان. من هذه الحقائق هي العصارات الهضمية العجيبة التي تفرز من الكبد والبنكرياس وبطانة المعدة والأمعاء، فهذه العصارات المدهشة تتمكن من تفكيك وتفتيت "وتدمير" المواد الغذائية المركبة، من كاربوهيدرات ودهون وبرتينات، وتحولها إلى مواد بسيطة أولية سهلة الهضم.
والسؤال المنطقي البديهي الذي يتبادر إلى الذهن عند معرفة هذه الحقيقة العلمية المجردة هو: لماذا لا تقوم هذه العصارات الهاضمة بتخريب أنسجة الجسم المتكون من نفس مواد الغذاء من كاربوهيدرات ودهون وبروتينات؟، وما الذي يمنعها من ذلك؟، وكيف يُحفظ الجسم منها؟. والجواب هو الآليات الحافظة المدهشة العجيبة التي تحفظ أنسجة الجسم الطبيعية من هذه العصارات، كالأغشية المبطنة الحافظة وآليات الإفراز المتناسقة بكل دقة مع كمية ونوعية الطعام الذي نتناوله، فالمواد تفرز بمقادير موزونة حسب الحاجة فلا زيادة ولا نقصان، فسبحان الخالق البديع.
ويبتلى الإنسان بأمراض تصيب تلك الآليات الحافظة بالعطب والخلل فتنتج الأمراض الوخيمة بسبب الضرر الناتج من العصارات الهضمية التي تخرج عن السيطرة وتبدأ بتخريب أنسجة الجسم، ومن هذه الأمراض مرض قرحة المعدة والإثنى عشري وأمراض الكبد والمرارة وأمراض البنكرياس. وسبب هذه الأمراض في معظم الأحيان معروف ومعلوم ينتج عن اختيارات الانسان الخاطئة والظالمة لنمط حياته، فمن الأسباب الرئيسية لتلك الأمراض هو شرب الخمر والسكائر والعادات الغذائية السيئة والقلق والحصر النفسي وغيرها من الأسباب الناتجة من انحراف السلوك الغذائي والاجتماعي بصورة عامة فأصبحت هذه الأمراض ظاهرة من ظواهر هذا العصر النكد المليء بتلك الانحرافات الغذائية والاجتماعية.
أعدت قراءة هذه الأمراض في الآونة الأخيرة فتنبهت إلى الحقيقة المهمة التالية: صنع الخالق القدير في جسمي عصارات هضمية مفيدة جدا ولكنها خطيرة في نفس الوقت، كالسموم بل أشد فتكا، وصنع الباري في نفس الوقت، رحمة بي وبجسمي وآيات لعظيم القدرة وبديع الصنعة، آليات مذهلة للحفظ والحماية من تلك العصارات ولكي تعمل بكل دقة وكفائة وفاعلية. يصيب تلك الآليات في بعض الأحيان الخلل والعطب بسبب الانحراف عن السلوك المتناغم مع نواميس الكون فينتج المرض الوخيم والعذاب الأليم الذي يستدعي الاهتمام والعلاج المركز الصحيح، والشفاء من عند الله.
وعند التفكر العميق بتلك الحقيقة المذهلة وجدتها تنطبق على كل المظاهر الخلقية المسخرة لي وتعمل في خدمتي؛ فيها فوائد عظيمة لو استخدمتها و"عايشتها" حسب نواميس الكون وتقديرات الإله الموزونة، وتمرضني وتسبب لي الهلاك والدمار الصحي والاجتماعي بسبب الانحراف والاعوجاج السلوكي الاختياري الذي أمارسه خلال حياتي على الأرض.
وهكذا علي أن أختار في حياتي وسلوكي طريقين لا ثالث لهما، طريق الانضباط والسير مع نواميس الإله الكونية التي يسير عليها جسمي واعضائي وخلاياي والمخلوقات كافة الحية و"الجامدة"، حسب التصنيف العلمي المادي المجرد؛ مع نواميس القرآن وتعاليم رسل الخالق؛ أو طريق الانحراف والتفلت والضياع والتيه ومعادات جسمي وأعضائي وخلاياي، والكون بنواميسه الطبيعية ومخلوقاته الحية و"الجامدة"، حسب التصنيف المذكور أعلاه، ومعاداة القرآن وتعاليم رسل الإله وهذا هو طريق المرض المادي والمعنوي وطريق الهلاك بعينه.
فأنا مخلوق لأختار وانتخب أحد الطريقين، وهنالك ثواب وعقاب لاختياري هذا آياته ودلائله أراها بأم عيني من خلال التعامل مع الصحة والمرض، أبعد هذا كله أغفل وأتيه.. ركز النظر فقط.. ثم انظر إلى اليوم الآخر.. إلى الجنة والنار!!!، ثم اختر وانتخب.
هذا الخلق العجيب وبهذا التفكر الراقي هو دليل عظيم راسخ رسوخ الجبال الشامخات على الآخرة وعلى الجنة والنار، بل أنا اعتقد أن الذي يستغرق في هذا التفكير بسلامة قلب وذنوب قليلة وهذا الذي افتقده واعجز عنه سوف يرى الجنة والنار بعينيه وهو في الدنيا ناظرا الى العصارات الهضمية في جسمه.. متأملا فيها.. والله أعلم!.
تنبيه: هذه المقالة هدية متواضعة مني لهؤلاء الصالحين ليخطوا الخطوة الأولى، كما أحسستها وتفكرت فيها، ويكملوا طريق الترقي الذي أعجز عنه ثم لا ينسوا محبا بالدعاء.
رد مع اقتباس