عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 12-20-2008, 06:00 PM
 
Post قصص للفتيان والفتيات -1-

قصص للفتيان والفتيات

عبد الكريم عبد الله رفعت
-1-

جزاء المعصية



كنا جالسين في حديقة المدرسة حين جاء صديقنا (حازم) وهو يعرج ، فقمنا جميعا وأسرعنا نحوه لنرحب به ونستفسر عن سبب عرجه المفاجئ .
فقلت له قبل أن نصل إليه بخطوات :-

مرحبا يا حازم .
أجابني باسماً ببسمته الطيبة : أهلاً .. أهلاً يا عماد .
وقال (حسين) - وهو يمسك بيد حازم ليساعده في المشي - :
- خيراً إن شاء الله .. ما بالك تعرج هكذا ؟!
قال - وهو ما زال يبتسم- :
- شكرا يا حسين ، ولكن دعني لأستريح أولاً .
ثم جلس ، وجلسنا معه على بساط الأرض على شكل دائرة صغيرة في إحدى زوايا الحديقة وتحت شجرة الكالبتوس الباسقة وقبل ابتداء الدوام بحوالي عشر دقائق.
عاد(حسين)- المعروف باستعجاله – وسأل ثانية :
- ألا أخبرتنا يا حازم بما جرى لك؟
ارتسمت ابتسامة عريضة مشرقة على شفتيه وقال بكل هدوء :
إنها صفعة الرحمة الإلهية !
لم يفهم أحد منا قوله ، ونظر بعضنا إلى بعض نظرة تساؤل واستغراب ، أهو جاد فيما يقول أم هازل ، وماذا يعني بهذه العبارة ؟
وبعد لحظة صمت خلناها ساعة – وقد تاهت الأفكار في الفراغ المجهول – مزق (عامر) فجأة ، ستار الصمت المطبق على الجميع من كل جانب مستفهما :
- قل يا حازم كلاماً واضحاً نفهمه ولا تكلمنا بالألغاز!. ماذا تعني بقولك(صفعة الرحمة) وما علاقتها بعرجك؟! تكلم وافصح رجاء .
كان حازم أكثرنا ذكاء في الدروس ، وكان يمتاز بعقل هادئ رزين وأدب جم ، وكان المعلمون والطلاب يحبونه ويقدرونه .
وفضلاً عن تفوقه في الدراسة وحبه للمدرسة ، كانت له مطالعات إضافية خارجية في شتى ميادين الدين والعلم والأدب رغم صغر سنه بعض الشيء . وكان والده يزوده ويقويه كذلك بعلوم متنوعة ويحثه على القراءة والمتابعة حتى لا يكاد يجد فراغاً غير نافع في ساعات يومه المنظم شأنه شأن طلبة العلم كما يحدثنا تاريخنا العظيم على صفحاته الخالدة .
سأل (حازم) بشيء من الهدوء الذي ينم عن ثقة كبيرة :
- ماذا تعني صفعة المعلم للطالب المهمل؟!
قال (عامر) – بطريقته المثيرة للضحك - : إنها ماذا تعني اكثر من التحقير والإهانة ؟!
أما أنا فلم أوافق (عامراً) على ما ذهب إليه ، فقلت :
- كلا يا عامر ! إنها تنبيه له وتحذير على انه سينال ما نال كلما أهمل واجبه وهي في الوقت نفسه تحثه على النشاط والهمة بشكل من الأشكال ، ذلك لأن المعلم – كما نعلم جيداً – مرب وأب ثان في آن واحد .
فقال (حازم) – وقد انفرجت أسارير وجهه الممتلئ - :
أحسنت يا عماد ! إنها – كما قلت – تنبيه وتحذير ، فالمعلم يقول بصفعته هذه أن : حذار من إهمال واجباتك وإلا فلن تنجح في المدرسة ، ومن ثم فلن تنجح في الحياة فتصفعك الحياة بضربات البؤس والفشل والشقاء وعندها تندم أيما ندم على ما فاتك من فرص النجاح التي أهملتها بيديك ، فخذ حذرك من الآن وكن على بينة من أمرك وإلا فالعاقبة تكون سيئة جداً .
قال (عامر) – بشيء من التعليق اللطيف - :
- كل هذا صحيح وجميل .. ولكن أظن انك تحاول التهرب من سؤالنا عن سبب عرجك هذا ، فإذا كان هناك ما يحرجك أن تقول فلا داعي أن تقوله لنا !
ردَّ (حازم) وقال : لم اقصد ذلك ، ولكني أريد أن امهد لكم تمهيدا فأفهمكم (صفعة الرحمة الإلهية) أولاً ثم أخبركم عن سبب عرجي .
فقال أحدهم : حسنا ولكن أسرع .. فبعد دقائق سيبدأ الدرس وقد لا تجمعنا فرصة أخرى كهذه ، فالحياة فرص تمر ولا تعود والعاقل المدبرّ –من ينتهزها في أوقاتها ولا يضيعها فيضيع في مفترقات الطرق.
نظر (حازم) إلى ساعته وقال : صدقت .
ثم قال : كما أن صفعة المعلم(1) للطالب المهمل تعني ما ذكرناه .. فهناك كذلك شئ اسمه (صفعات الرحمة الإلهية) تنزل بالإنسان بين حين وآخر كلما أهمل شيئاً من عباداته أو اقترف ذنباً أفلا تشعرون مثلاً بضيق صدوركم عندما تفوتكم صلاة أو تؤخرونها أو إذا أفطرتم يوماً من شهر رمضان المبارك دون عذر أو رخصة ؟
قلنا بصوت واحد : بلى .
ثم أضاف : هذا نوع من (صفعات الرحمة ) تأتي تنبيها على الالتزام بأوامر الله وعدم مخالفته .
قلت له :هذا فهم رائع جدا وربط صائب نابه !
وقال (حسين): بارك الله فيك قد فهمنا شيئا عن معنى الصفعات ، أفلا تخبرنا من أي نوع كانت صفعتك أنت ؟!
وهنا ضحكنا جميعاً وشاركنا (حازم) أيضاً ثم قال :
- نعم .. البارحة أردت الخروج من البيت فمنعتني والدتي وقالت : إذا لم يكن هناك داع للخروج فلماذا تخرج يا ابني ؟
قلت لها : صحيح انه لا يوجد أي داعِ للخروج ولكنني سأخرج قليلا وأعود .
قالت : ولكنك إذا فعلتها فلا أرضى عنك يا حازم .
غير إنني لم اسمع كلامها وخرجت من البيت حتى اقترب مني ذلك الكلب الذي رأيتموه لدى زيارتكم لبيتنا قبل أيام وعضّني في عقب قدمي هذا على حين غرّة .

فقاطعه (حسين) بمغزى برئ :ولكنك أخبرتنا من قبل انه لا يؤذي أحداً وانه كلب وديع؟
وهو كذلك .. انه لا يؤذي أحداً ، بل ولم يؤذِ أحداً من الناس حتى الآن .. وما أظنه يفعلها ثانية ولكن الله سلطه عليَّ أنا لأنني عصيت أمر والدتي.
- على كل حال أعود إلى قصتي .
استنزف الدم وسال حتى صبغ الأرض تحت قدمي وأسرعت إلى البيت فوراً وضمدته والدتي قبل مراجعة الطبيب – خوفا من إصابتي بداء الكلب –وهي تقول : ألم اقل لك يا ابني لا تخرج من البيت ؟ ألم تسمع في الحديث الشريف : ( الجنة تحت أقدام الأمهات ) أي إن الأبناء لا يدخلون الجنة إلا بعد أن ترضى عنهم أماتهم في معنى من معانيه ؟!
فاعتذرت منها وقلت لها : لن افعلها ثانية يا أماه .
أنا استحق هذا العقاب وأتلقاه راضيا عن طيب نفس ، واشكر الله الذي نبهني إلى هذا الأمر الجليل منذ الآن .



قال (حسين) : أهو يؤذيك يا حازم ؟

- نعم .. ولكنني مسرور لأنه أولاً كفّارة للذنوب وأرجو الله أن يكفر لي بها عن معصيتي لأمي .
ثانياً لأنه يجعلني لا أغفل عن الله ولا اعمل شيئاً يسخطه ولا يرضيه !
وهنا دق الجرس وقمنا نريد الصفوف ، قال عامر :
عندنا درس في الإنشاء الشفهي سأتكلم عن (صفعة الرحمة الإلهية) ليستفيد منها أصدقائي كذلك تذكرة وعبرة .. فإلى اللقاء .. ودخل كل واحد منا صفه ليتلقى اليوم درسا جديد لعمر جديد كما تلقوا درسا جديدا من مدرسة الحياة الكبرى قبل قليل .


-------------------
(1) ولله المثل الاعلى