بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه الأكرمين .
( .. مرررررراقبة الله هي الحل ... )
ما الذي يضبط سلوك الإنسان عن الانحراف أو التجاوز ...؟
سواء كان هذا الانحراف يخص الانحراف الفردي السلوكي أو كان هذا التعدي ينصرف إلى حقوق الناس.
هل هذا الانحراف كان في دائرة مغلقة متكتم عليها أم هذا الانحراف في علن ظاهر للعيان.
هل الضابط هو الضمير أم فلسفة الأخلاق أم القانون أم العرف أم التقاليد والعادات
أم الدين والعقيدة ......؟
كل ذلك يؤثر وتتفاوت المسألة لأننا نتكلم عن سلوك إنساني مركب ومعقد ومفتوح الاحتمالات.
لأن الإنسان ليس واحداوإنما هو مزيج من هذه التراكمات والخبرات والثقافات المتعددة والبيئات المتنوعة التي تشكل الضابط السلوكي عنده.
لكن سأذكر لكم ضابطا سلوكيا يقوّم سلوك الواحد منّا بنتا كان أو ولدا، كبيرا أو صغيرا، رجلا أو امرأة أيّ إنسان مدرك عاقل.
ما هو هذا الضابط...؟
إنه مبدأ عظيم يسمى في العقيدة مبدأ مراقبة الله تعالى.
نحن نعلم أنه في المجتمعات المدنية اليوم المتطورة تزداد قضية المراقبة فيها وكلما كانت حساسة ولها أهمية قصوى تزداد المراقبة ثم رأينا اليوم عبر التكنولوجيا المتطورة كيف تكون الرقابة عن طريق البصمة والكاميرا والستلايت والأقمار الصناعية.
لماذا....؟ من أجل معرفة وتوقع سلوك الإنسان وحماية الذات وضبط الاجتماع
ما يترتب على ذلك من مصالح.
لكن هل تستطيع المدنية أن تجعل على رأس كل واحد كاميرا .؟
هل يستطيع القانون أن يجعل على رأس كل إنسان شرطي ...؟
لا يستطيع لكن الضمير يستطيع أن يضبط الإنسان ومن يربي الضمير..؟
تتفاوت النظريات التربوية لكن عندنا في الدين مبدأ المراقبة وكلنا يستمتع بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله وذكر أحد هؤلاء السبعة رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله .
الإنسان العادي الذي لا قيم عنده سيستجيب فورا وهذه فرصة لن تعوض له ثم قال عليه الصلاة والسلام إني أخاف الله، أين الذين يخافون الله ...؟
هل أنا وأنت نخاف الله وما هي درجة هذا الخوف ....؟
ثم ما نوع هذا الخوف هل هو خوف رهبة فقط أم خوف حياء ممزوج بألم واستحياء من الله تعالى ...؟
الواحد منا يخطئ في حق البشر ثم يسامحه ذلك البشر ويبقى طوال عمره إذا كان ممن عنده قيم وأخلاق منكسرا لبقاء قضية الحياء عنده.
ومن السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه وقد قال عليه الصلاة والسلام عينان لا تسهما النار عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله.
واليوم العيون لا تبكي من خشية الله وإنما تبكي لأن الفريق الذي أشجعه خسر في المباريات دموع تنزل وقد فاتت الصلاة ووالده مريض في المستشفى لم يزره وحقوق الناس تنتظر وهو يضيعها في اللهو .
لا يوجد بكاء من خشية الله وهذا هو معنى من معاني المراقبة .
من المراقبة التي تضبط السلوك في واقعنا صورة من أولادنا الشباب الطيبين في عصر الشهوات وتوسيع دائرة المنكرات وتسهيل الفساد التكنولوجي والحاسوبي على الناس .
شاب أراد أن ينام وقبل أن يطفئ الهاتف رنّ الهاتف ففتح الخط وقال ألو من ...؟
قالت فتاة من أنت قال لها أنت التي طلبتني فقالت أريد أن أتعرف فقال لا أتكلم مع من لا علاقة بيني وبينها بالحلال .
فقالت هل تخاف إنني ولأول مرة أرى شابا خائفا فقال لها هل تعلمين لماذا أخاف قالت لماذا قال لأن الهاتف مراقب قالت ومن الذي قال لك ذلك قال لها هل علمت ممن هو مراقب قالت لا قال لها ممن يراقب خطوط الدنيا كلها إنه الله تعالى فأغلقت الفتاة الخط وكأنها أحست بخطئها .
المراقبة دليل على معرفة الله تعالى والمراقبة دليل على أنك من الذاكرين ولو لم تذكره ما راقبته سبحانه.
المراقبة دليل على أن قيمة الحياة ومعنى الحياة تمتزج وتتسرب في جسدك قال تعالى" ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلى هو معهم أين ما كانوا".
هذا الشعور الذي جاء لتلك المرأة التي ضعفت أمام إغراء ذلك الرجل فقال لها اسمعي ليس هناك أحد وليس هناك إلا أنا وأنت والكواكب فقالت له ولكنك نسيت مكوكبها أي نسيت الخلاق والذي خلقني وخلقك وخلق الكواكب.
تجلس على الإنترنت وأحيانا تخدع البنات وأحيانا تكذب على لرجال وأحيانا تفتري على خلق الله وأحيانا تطعن في أعراض الناس وأحيانا تدخل على مواقع ما هي إلا سموم وإماتة للعقل والأخلاق والقيم وتحولك إلى إنسان غرائزي لا تحلل حلالا ولا تحرم حراما.
لو كانت عندك تلك المراقبة لضبطت الانفعال ووجهت السلوك وقلت لا ورددت مع
الشاعر قوله:
وإذا خلوت بريبة في ظلمة والنفس داعية إلى الطغيان
فاستحيي من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني
يراني في مساء وصباح وفي نوم واستيقاظ وفي نشاط وفي كسل يراني وأنا متدثر
لا أحد معي وبين الجماهير .
روى الإمام الشاطبي في الجزء الأول من كتابه الاعتصام وقال عن أبي الحسن القرافي عن الحسن البصري قال جاءت جماعة إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وقال له يا أمير المؤمنين إن لنا إماما كلما انتهى من صلاته تغنى فقال عمر رضي الله عنه قوموا بنا إليه فإنا إذا وجهنا إليه أي إذا أرسلنا له نخشى أن يظن أننا قد تجسسنا عليه.
لاحظ احترام كرامة الآدميين عند عمر واحترام التقدير الذاتي له فذهبوا إليه ولما دخلوا عليه في المسجد ورأى أمير المؤمنين يدخل عليه في مسجده.
قال أمير المؤمنين يأتي إلينا يا أمير المؤمنين إن كانت الحاجة إليك فأنت أولى من يؤتى إليه لأنك الأمير وإن كانت الحاجة لنا فخير من يسعى إليه هو أمير المؤمنين فقال ويحك بلغني عنك أمر أساءني .
قال ما هو يا أمير المؤمنين قال أتتمجن في عبادتك أي من المجانة قال لا يا أمير المؤمنين إنما هي أبيات في الموعظة أعظ بها قلبي وأذكر بها نفسي.
فقال عمر قلها فإن كنت خيرا قلتها معك وإن كانت غير ذلك نهيتك عنها.
لاحظ غاية العدالة والتحقيق وإنصاف الناس والسماع من كل الأطراف.
قال أقول:
وفؤاد كلما عاتبته في مدى الهجران يبغي تعبي
لا أراه الدهر إلا لاهيا في تماديه فقد برح بي
يا قرين السوء ما هذا الصبا فني العمر كذا في اللعب
وشبابي بان عني فمضى قبل أن أقضي منه أربي
ما أرجّي بعده إلا الفنى ضيّق الشيب عليّ مطلبي
ويح نفسي لا أراها أبدا في جميل لا ولا في أدب
نفسي لا كنت ولا كان الهوى راقبي المولى وخافي وارهبي
فبكى عمر وقال:
نفسي لا كنت ولا كان الهوى راقبي المولى وخافي وارهبي
على هذا فليغنى من أراد أن يتغنى أي بهذه الأبيات وهذه المعاني من أراد أن يترنم
فليترنم وليذكّر نفسه.
هذا مشهد لإنسان يخلو بنفسه ويذكر قلبه ويرجوه أن لا يغويه ولا تبتعد عن الحق وكن معي وأعني على الطاعة وقوي إرادتي ولا يكن هناك تنازع.
بهذه المعاني نتقرب إلى معنى المراقبة التي يقول فيها الإمام الحسن البصري:
رحم الله عبدا وقف عند همه فإن رأى خيرا وفي طريق الله مضى وإن رأى غير ذلك تأخر.
انظر إلى همتك وراقب وتذكر قول عمر رضي الله عنه حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أعمالكم قبل أن توزنوا.
تريد أن تذهب إلى خير استمر وامض وإن كنت تريد الذهاب إلى شر فقف وراجع نفسك.
من أعظم النصوص الشرعية التي بينت معنى المراقبة ذلك الحديث الجليل الذي يقول فيه عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد فجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم ووضع ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه وسأله عن الإسلام والإيمان ثم سأله عن الإحسان فقال عليه الصلاة والسلام الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
درجتان كأنك تراه بما أن الرؤيا مستحيلة فاعلم أنه يراك فقال له صدقت فقال عجبنا له يسأله ويصدقه فتبين آخر الحديث أن هذا جبريل جاءكم يعلمكم أمور دينكم.
لقد أعطانا هذا المبدأ وهو لو كان كل الناس تعبد الله كأنها تراه أو أنها في الدرجة المقولية نعبد الله تعالى ونعلم أنه يرانا لخفت وقلت كثير من هذه التجاوزات في حياتنا اليومية الخاصة في بيوتنا وفي حياتنا العملية إن مع الناس في حركة الاجتماع أو في وظائفنا التي تتجاوز فيها الدرجات.
ولو كان كلّ من الحاكم والمحكوم و من الوزير إلى الوكيل ومن رئيس المؤسسة إلى أصغر عامل يؤمنون يقينا بأن الله تعالى يراهم لتمسكوا لا أقول بالقانون لكن بالقيمة.
وكلما زادت ترسانة القوانين فهذا دليل على أن ضمائر الناس ميتة لهذا يشرّع القانون حتى يضبط الناس ويضعون كاميرات كثيرة لمراقبة الناس وهذا يدل على أن الناس غير صالحين.
وكثرة القوانين دليل على تراجع المجتمع قيميّا.
لاحظ هذا المشهد الذي يجسد ما أقوله.
عبد الله بن دينار يروي لنا قائلا مضيت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه في مكة المكرمة وأنتم تعلمون حر مكة وجبالها وقسوة أجوائها.
فلما نزلنا في بعض الطرق والحر شديد إذا براعي غنم ينزل علينا فاستوقفناه فقال له عمر بعنا إحدى هذه الشياه فقال الراعي إني عبد مملوك وإنها لسيدي فقال له بعنا إحدى هذه الشياه وقل لسيدك أكلها الذئب فقال الراعي فأين الله.
لاحظوا راعي غنم ليس معه أحد يستطيع أن يكذب ويغش ويمرر الصفقة ويمرر المعاملة ويستطيع أن يوقع مكان المدير ومع هذا قال فأين الله.
لقد ماتت الناس في ضمائرها قال فأين الله فبكى عمر وأخذه من يده واشتراه وأعتقه وقال له: إن هذه الكلمة أعتقتك في الدنيا وأسأل الله تعالى أن تعتقك يوم القيامة في المحشر.
كانت الناس تعيش هذه الأجواء وهذه المشاعر.
لذلك عندما نستيقن من صفة العلم بالله تعالى كما قال العلماء يسمع ويعلم دبيب النملة السوداء على الصخرة الملساء في الليلة الظلماء.
أو كما قال علماء العقائد يعلم ما كان وما يكون وما لا يكون لو كان كيف كان يكون وهذا هو العلم المحيط بالماضي والمستقبل والآن.
لو كان الإنسان يعلم بهذا العلم والصفة ليست معلومة مجردة إنما يتشربها بقلبه وتصبح عنده يقين وليست مجرد ثقافة معلوماتية لانضبط السلوك كثيرا في حياتنا.
الإمام جار الله الزمخشري سمي جار الله لأنه جاور في مكة من علماء القرن السادس الهجري وهو المفسر الكبير صاحب البديع والبلاغة المتفرد
يقول:
يا من يرى مدّ البعوض جناحه في ظلمة الليل البهيم الأليل
ويرى نياط عروقها في نحره والمخ في تلك العظام النحل
ويرى ويسمع ما يرى ما دونها في قاع بحر ذاخر متجندل
انظر لعبد تاب من فرطاته ما كان منه في الزمان الأول
أي علمت قدرك وعظمتك وأنك تعلم دقائق الأمور ولا يغيب عنك شيء وأشهد لك بهذه الصفة العظيمة وبكمال قدرتك سبحانك وطلاقة معرفتك أطلب منك أن تنظر إلى عبد تاب من فرطاته ما كان منه في الزمان الأول.
أنا وأنت قبل لحظة الآن كان منا أشياء كثيرة في الزمان الأول فلنستثمر معنى واستشعار مراقبة الله تعالى عندما نخاف من الكاميرات ومن المسؤول ومن أن يفوتنا التوقيع في الدوام ومن عيون الناس والأب والزوج.
ألا ينبغي أن نخاف من العين التي لا تنام ولا تأخذها سنة ولا نوم.
يا ناس كلنا محتاج لأن نعبد الله كأننا نراه فإن لم نكن نراه فإنه سبحانه يرانا.
يراك يا فاطر ويا غشاش ويا خائن ويا متلصص ويا آكل أموال الناس بالحرام ويا كل من ارتكب كبيرة أنا وأنت وهو وهي.
أما آن لنا أن نتوب توبة صادقة لله تعالى.......؟
بلى لقد آن...................*.
كحل العين