أثر الأسفار المقدسة في إنحراف اليهود
للدكتور. محمود عبد الرحمن قدح
عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
إن تحريف الأسفار المقدسة وتزويرها والادعاء بأنها من عند الله عز وجل أمر خطير، ينتج عنه انحراف في العقيدة والشريعة والأخلاق، لأن تلك الأسفار هي المصدر لكل ذلك، وهذا ما حدث لليهود -لعنهم الله- حينما تجرأ بعض أحبارهم وخبثائهم في ارتكاب جريمة تحريف ا لتوراة وأسفار أنبياء بني إسرائيل، وتزوير التلمود والكتب ، والادعاء بأنها من وحي الله عز وجل ، فقد نتج عنه انحراف أتباع التوراة والديانة اليهودية في عقيدتهم وشريعتهم وأخلاقهم ، وسوف نستعرض من خلال القرآن الكريم -الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه- ومن خلال الأسفار المقدسة عند اليهود بعض انحرافاتهم وضلالاتهم.
المطلب الأول : انحرافهم في الإيمان بالله عز وجل
1 - زعموا أن (عزير) ابن الله، وردّ الله عليهم بقوله عز وجل : ( وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنّىَ يُؤْفَكُونَ) .
2 - تشبيه الله عز وجل بصفات خلقه: ورد في التوراة المحرفة أن بني إسرائيل رأوا إله إسرائيل وتحت رجليه حجر من العقيق الأزرق .
وفي سفر دانيال 7/9،10 أن إلههم في صورة آدمي وأنه شيخ، أبيض الرأس واللحية -نعوذ بالله من هذا الكفر- وقد قال الله عز وجل عن نفسه تبارك وتعالى : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السّمِيعُ الْبَصِيرُ ) .
3 - وصف الله عز وجل بصفات العيب والنقائص: ورد في أسفار التوراة المحرفة أن الله تعالى تعب لما خلق السماوات والأرض في ستة أيام واحتاج إلى الراحة ( فأكملت السماوات والأرض وكل جندها وفرغ الرب في اليوم السابع من عمله الذي عمل ، فاستراح في اليوم السابع من جميع عمله الذي عمل ) ، فردّ الله عليهم بقوله عز وجل: ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتةِ أَيّامٍ وَمَا مَسّنَا مِن لّغُوبٍ ) .
- وزعموا أن يد الله مغلولة فرد عليهم الله عز وجل بقوله: ( وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَآءُ... ) .
- وزعموا أن إلههم يندم ويحزن ، وينسى ويتذكر ، ويجهل كل ذلك في توراتهم المحرفة والعياذ بالله .
- ورد في تلمودهم أن إلههم يلعب مع الحوت الذي خلقه، ويبكي حتى تسقط دموعه حزناً على ما فعله بأبنائه اليهود، وأنه يكفر عن ذنوبه وأيمانه -تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً-.
4- يصفون إلههم بالعنصرية وأنه إله بني إسرائيل فقط .
المطلب الثاني : انحرافهم في الإيمان بالنبوة والأنبياء
1- إضطراب مفهوم النبوة في أسفارهم المحرفة وغموضه، فلفظة (النبي) تطلق في أسفارهم على النبي الصادق المرسل من الله ، وعلى النبي الكاذب، وعلى كهنة الهيكل ، وعلى العالِمْ الحبْر ، وعلى الساحر والمنجم، وعلى كهنة الآلهة الوثنية.
2- اختلاط مفهوم النبوة والوحي عندهم بالكهانة والتنجيم والسحر والرؤيا والخيالات.
3- يجعلون بعض النساء أنبياء، كمريم أخت موسى وخلدة ورفقة وغيرهن .
4- يتهمون بعض أنبيائهم بارتكاب الكبائر من الذنوب كالزنا والقتل والشرك بالله .
5- يكفرون ببعض الأنبياء ويقتلون البعض الآخر، قال الله عز وجل: ( وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىَ الْكِتَابَ وَقَفّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيّنَاتِ وَأَيّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلّمَا جَآءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَىَ أَنْفُسُكُمْ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ ) .
6- إنكارهم نبوة ورسالة نبينا محمد مع أنهم يعرفون نبوته وصدقه كما يعرفون أبناءهم. قال تعالى: ( الّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنّ فَرِيقاً مّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) .
المطلب الثالث ً: انحرافهم في الإيمان بالتوراة وكتب الله المنزلة على أنبيائه الكرام
حينما تجرأ اليهود على تحريف التوراة وغيرها من الكتب السماوية فقدت قدسيتها في نفوسهم واستهانوا بها وأصبحوا كما قال عز وجل عنهم: ( اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابَاً مِنْ دُونِ الله المَسِيحَ ابنَ مَرْيَم وَمَا أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا إِلهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمّا يُشْرِكُون الآية).
وقال تعالى : ( مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لم يحَمِلُوهَا كَمَثَلِ الحِمَارِ يحَمِلُ أَسْفاراً بِئسَ مَثَلُ القَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ الله والله لا يَهْدِي القَوْمَ الظَّالمِينَ ).
وكانوا كما أخبر النبي : (( إن بني إسرائيل كتبوا كتاباً فاتبعوه وتركوا التوراة )).
المطلب الرابع : انحرافهم في الإيمان بالملائكة
يحقدون على الملائكة ويزعمون أن جبريل وميكائيل من أعدائهم قال الله عز وجل: ( مَن كَانَ عَدُوّاً للّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنّ اللّهَ عَدُوّ لّلْكَافِرِينَ ) .
قال الإمام أبو جعفر بن جرير الطبري -رحمه الله : أجمع أهل العلم بالتأويل جميعاً أن هذه الآية نزلت جواباً لليهود من بني إسرائيل، إذ زعموا أن جبريل عدوٌ لهم وأن ميكائيل ولي لهم.
وعن أنس رضي الله عنه (أن عبد الله بن سلام رضي الله عنه بلغه مقدم النبي المدينة، فأتاه يسأله عن أشياء فقال: إني أسألك عن أشياء لا يعلمهن إلا نبي، ما أول أشراط الساعة، وما أول طعام يأكله أهل الجنة، وما بال الولد ينزع إلى أبيه أو إلى أمه؟ قال : أخبرني به جبريل آنفاً. قال ابن سلام: ذاك عدو اليهود من الملائكة. قال : ...الحديث) .
المطلب الخامس: انحرافهم في الإيمان باليوم الآخر
1- تنكر بعض فرق اليهود كالصدوقيين قيام الأموات وتعتقد أن العقاب والثواب يحصلان في الدنيا، وبعض فرقهم تعتقد أن اليوم الآخر هو ظهور المسيح المنتظر وإقامة مملكة اليهود العالمية في الدنيا.
2- من يؤمن من اليهود باليوم الآخر فإن إيمانه لا يخلو من انحراف كما أخبرنا القرآن الكريم فقال عز وجل: ( وَقَالُواْ لَن تَمَسّنَا النّارُ إِلاّ أَيّاماً مّعْدُودَةً قُلْ أَتّخَذْتُمْ عِندَ اللّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ بَلَىَ مَن كَسَبَ سَيّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيَئَتُهُ فَأُوْلََئِكَ أَصْحَابُ النّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ وَالّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ أُولََئِكَ أَصْحَابُ الْجَنّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) .
وعن أبي هريرة أنه قال: لما فُتحت خيبر أهديت لرسول الله شاةٌ فيها سُم، فقال رسول الله : (( اجمعوا لي من كان هاهنا من اليهود )) ، فجمعوا له، فقال لهم رسول الله : (( إني أسألكم عن شيء فهل أنتم صادقوني عنه )) ؟ فقالوا: نعم يا أبا القاسم. فقال لهم رسول الله : (( من أبوكم )) ؟ قالوا: أبونا فلان. فقال رسول الله : (( كذبتم، بل أبوكم فلان )) . فقالوا: صدقت وبررت، فقال: (( هل أنتم صادقوني عن شيء إن سألتكم عنه )) ؟ فقالوا : نعم يا أبا القاسم، وإن كذبناك عرفت كذبنا كما عرفته في أبينا. قال لهم رسول الله : (( من أهل النار )) ؟ فقالوا : نكون فيها يسيراً ثم تخلفوننا فيها، فقال لهم رسول الله : (( اخسئوا فيها، والله لا نخلفكم فيها أبداً )) ، ثم قال لهم : (( هل أنتم صادقوني عن شيء إن سألتكم عنه )) ؟ قالوا : نعم . فقال : (( هل جعلتم في هذه الشاة سُمّاً )) ؟ فقالوا : نعم . فقال : (( ما حملكم على ذلك )) ؟ فقالوا : أردنا إن كنت كاذباً نستريح منك ، وإن كنت نبياً لم يضرك .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : إن اليهود كانوا يقولون: هذه الدنيا سبعة آلاف سنة، وإنما نعذب بكل ألف سنة يوماً في النار، وإنما سبعة أيام فنزلت: وقالوا لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة... الآية .
ويرى الحاخامات أن الجحيم له أبواب ثلاثة ، باب في البرية ، وباب في البحر ، وباب في أورشليم .
ومن تعاليم التلمود أيضاً أن نار جهنم لا سلطان لها على مذنبي بني إسرائيل ، ولا سلطان لها على تلامذة الحكماء ( الحاخامات ) .
3- تحريفهم التوراة وغيرها من كتب الله المنزلة على أنبيائه في إخفاء وحذف نصوص إثبات اليوم الآخر فيها، فإن أسفارهم المقدسة لديهم تكاد تكون خالية منها.
وقال تعالى: ( وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنّةَ إِلاّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَىَ تِلْكَ أَمَانِيّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) .
4- أما تلمودهم فتبدو العنصرية واضحة في أن الجنة لليهود فقط دون غيرهم وأن حاخاماتهم يدخلونها.
5 - أما مسألة الجنة ، فقد قال أحد الحاخامات : الجنة ليست مثل هذه الأرض ، لأنه لا أكل فيها ولا شرف ولا زوج ولا تناسل ولا تجارة ولا حقد ولا ضغينة ولا حسد بين النفوس ، بل الصالح سوف يجلس وعلى رأسه تاج وسيتمتع برونق السكينة .
ويتناقض هذا مع ما ورد في التلمود أيضاً : أن مأكل المؤمنين في النعيم هو لحم زوجة الحوت المملحة التي قتلها إلههم ، ويقدم لهم أيضاً على المائدة لحم ثور بري كبير جداً ، كان يتغذى بالعشب الذي ينبت في مائة جبل ، ويأكلون أيضاً لحم طير كبير لذي الطعم جداً ، ولحم إوز سمين للغاية ، أما الشراب فهو من النبيذ اللذيذ القديم المعصور ثاني يوم خليقة العالم .
المطلب السادس : انحرافهم في نظرتهم للبشر (الإنسان)
ينقسم الناس في نظر اليهود إلى قسمين لا ثالث لهما:
1- القسم الأول: الطبقة الممتازة وهم اليهود الذين يزعمون أنهم أبناء الله وأحباؤه ، وأنهم خلقوا من روح الله ، وقد ردّ الله عليهم ادعاءهم ذلك بقوله عز وجل: ( وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنّصَارَىَ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللّهِ وَأَحِبّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُمْ بَشَرٌ مِمّنْ خَلَقَ...).
- وقد ورد في التلمود أن أرواح اليهود جزء من الله كما أن الإبن جزء من والده، وأن ارواحهم عزيزة عند الله بالنسبة لباقي الأرواح، لأن أرواح غير اليهود هي أرواح شيطانية وشبيهة بأرواح الحيوانات.
2- القسم الثاني: وهم من عدا اليهود من الناس فهم في نظر اليهود حيوانات خلقهم الله لخدمة اليهود، وصبغهم الله بالصبغة البشرية ليسهل لليهود التعامل معهم وأنه لا قيمة لأرواح غير اليهود أو أعراضهم أو ممتلكاتهم ولا حرمة لها. قال تعالى: (... ذَلِكَ بِأَنّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الاُمّيّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) ، و(الأميين) هم من عدا اليهود.
لذلك يعتقد اليهود أن سرقة الأممي (غير اليهودي) تعتبر واجبة وكذلك غشه وخيانته وهتك عرضه والتعامل معه بالربا الفاحش وقتله إن أمكن وفعل كل سوء له، ولا قيمة للعهود والمواثيق التي يعقدها اليهود مع غيرهم ما لم يكن لليهود مصلحة في ذلك.
- فورد في التلمود أنه (مسموح غش الأمي، وأخذ ماله بواسطة الربا الفاحش لكن إذا بعت أو اشتريت من أخيك اليهودي شيئاً فلا تخدعه ولا تغشه).
- وفي التلمود (إن الله لا يغفر ذنباً ليهودي يرد للأمي ماله المفقود، وغير جائز رد الأشياء المفقودة من الأجانب).
- وفي التلمود (اقتل الصالح من غير الإسرائيليين، ويحرم على اليهودي أن ينجي أحداً من باقي الأمم من هلاك، أو يخرجه من حفرة يقع فيها، لأنه بذلك يكون حفظ حياة أحد الوثنيين).
- وقال الحاخام ميموند: إن لليهود الحق في اغتصاب النساء الغير مؤمنات، أي الغير يهوديات.
المطلب السابع : انحرافهم في نظرتهم للكون
يعتقد اليهود -ما داموا أنهم أبناء الله وأحباؤه- أن هذا الكون وما فيه خلق لهم ولأجلهم فعلى اليهود امتلاكه وتسخيره لمصالحهم ، وكل ما ليس ملكاً لهم أو تحت أيديهم فهو حق مغتصب منهم عليهم استعادته بشتى الوسائل والطرق. فقد ورد في التلمود أن الحاخام ألبو قال : سلط الله اليهود على أموال باقي الأمم ودمائهم.
وقال الحاخام ممياند مفسراً لما جاء في التوراة (لا تسرق): إن السرقة غير جائزة من الإنسان أي من اليهود، أما الخارجون عن دين اليهود فسرقتهم جائزة.
المطلب الثامن : انحرافهم في الإيمان بالمسيح المنتظر
من أركان الاعتقاد اليهودي الإيمان بمجيء المسيح المنتظر من سلالة آل داود الذي سيخلصهم من الذل ويحكم العالم ويقيم مملكة اليهود العالمية، وحقيقة المسيح الذي ينتظره اليهود أنه المسيح الدجال الأعور كما أخبرنا النبي قال: (( يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفاً عليهم الطيالسة )). فاليهود لعنهم الله هم جنود الدجال وأعوانه في آخر الزمان وأنه سيخرج فيهم.
المطلب التاسع : انحرافهم في عبادتهم وشعائرهم
تقدم ذكر بعض انحرافاتهم في تشريعاتهم ، في نظرتهم إلى البشر والتعامل معهم بالغش والخداع والكذب ، كما أن حاخاماتهم وأحبارهم يحلّون لأتباعهم ما حرّم الله ويحرمون ما أحل الله عز وجل ، قال تعالى: ( اتّخَذُوَاْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مّن دُونِ اللّهِ... ) .
يقول د. حسن ظاظا - أستاذ اللغة العبرية - : (( وحتى الطقوس والعبادات اليهودية تطورت جنباً إلى جنب مع تطور العقائد ، ولسنا نريد أن نقول في هذا الموضوع الحساس برأينا ، بل نقتطف اللباب من المقدمة التي كتبها أحد علماء الشريعة اليهودية المصريين ، وهو الدكتور هلال يعقوب فارحي لترجمته لمجموع نصوص الصلوات اليهودية الذي سماه ( سِدُّور فارحي ) - ثم ينقل منه د. حسن ظاظا مقتطفات مطولة نذكر منها :
( أما زمن وضع الصلاة المستعملة في وقتنا الحاضر فيختلف حسب أقسامها . إنما القسم الأساسي والأهم فيها وهو الشِمَاع والشِمُونه عِسْرِهِ ، ينسب إلى عزرا ومائة وعشرين رجلاً من الشيوخ والعلماء ، و الأنبياء ، ومن ضمنهم النبي دانيال وحجي وزكريا وملاخي . فإن عزرا بعد خراب الهيكل الأول وإبطال الذبائح والتقدمات رأى وجوب وضع صلوات هؤلاء الرجال المعروفين برجال الكنيسة الكبرى ووضعوا القسم الأساسي من الصلاة المذكور آنفاً . وهو المنبع عند كافة الإسرائيليين ، ولم يتغير أساساً إلى الآن إلا في بعض تغييرات لفظية ، وإضافة بعض فصول وأناشيد منتخبة من التوراة والمشنا والتلمود، وأغاني روحية مثل ( أدُونْ عولام ) . وما أشبه لسلمون جابيرول ورِبِّي يهوذا الليفي ، وإبراهيم وموسى عزرا، لتلائم الأوقات والمواسم ، أضيفت مؤخراً لغاية الجيل السادس عشر ) .
ثم يعلّق د. حسن ظاظا على ما نقله من المقتطفات السابقة ، فيقول : وإذ قد تبين لنا من شرح الدكتور هلال فارحي هذا أن أساس التدين اليهودي نفسه، وهو الصلاة الموسوية الموصوفة في كتب الشريعة اليهودية ، لا تمت إلى ما كان من طقوس الصلاة الموسوية ، فإننا نريد أن نشير أيضاً إلى أن الأعياد الدينية الإسرائيلية ضعيفة الصلة هي كذلك بموسى وشريعته ، بل إن كثيراً منها يرجع إلى مناسبات وذكريات تاريخها متأخر عن سيدنا موسى ( عليه الصلاة والسلام ) بكثير .
ومن تلك الأعياد اليهودية المحدثة : عيد البوريم أو عيد النصيب ، ويسميه الكتاب العرب ( عيد المسخرة أو عيد المساخر ) ، والسبب في ذلك ما جرت به بعض التقاليد اليهودية الشعبية في هذا العيد من إسراف في شرب الخمر ، ولبس الأقنعة والملابس التنكرية على طريقة المهرجان ( الكرنفال ) .
وهذا العيد أيضاً لا يمت بصلة إلى رسول الله موسى عليه الصلاة والسلام، ولا إلى شريعته ، بل هو احتفال تذكاري متصل بملابسات ممهدة للعودة من السبي البابلي في القرن الخامس قبل الميلاد ، بناء على وعد صدر من ملك الفرس إلى ممثلي الجالية اليهودية بالعراق ، وهو احتفال أشد التصاقاً بالسياسة منه بالدين .
وبالرغم من وضوح مناسبة هذا العيد من الناحية السياسية والتأريخية ، فإن التلمود يزعم أنه كان معروفاً محتفلاً به منذ أيام يوشع بن نون لأسباب مماثلة - كما يقول - للأحداث التي وقعت لليهود وفي السبي البابلي .
وبعد أن يذكر د. حسن ظاظا عدداً من الأعياد اليهودية وتأريخها وبعض طقوسها يخلص إلى النتيجة الآتية حيث يقول : مما سبق يتبين أن أعياد اليهود معظمها لا يرجع إلى عهد موسى ، بل هو أحدث من ذلك بكثير ، وربما كانتت أعياد الحج ترجع إلى أشياء تماثلها في الشريعة الموسوية القديمة ، وأعياد الحج عندهم هي الفصح والحصاد و الظلل.
ومن انحرافاتهم في الشريعة أيضاً مزاولتهم للسحر ، حيث يزاول أحبارهم ورؤساؤهم أعمال السحر والدجل مما هو مدون في كتابهم (الكابالا) أحد كتبهم السرية التلمودية، وقد عُرف اليهود بمزاولة السحر والشعوذة قديماً وحديثاً.
قال تعالى: ( وَاتّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشّيَاطِينُ عَلَىَ مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلََكِنّ الشّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلّمُونَ النّاسَ السّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى المَلَكَينِ بِبابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَما يُعَلِّمانِ مِن أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إنَّما نحن فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُر فَيَتَعَلَّمونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقونَ بِهِ بَين المَرْءِ وَزَوْجِهِ وَما هُم بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بإِذْنِ الله وَيَتَعَلَّمونَ مَا يَضُرُّهُم ولا يَنْفَعُهُم وَلَقَدْ عَلِمُوا لمَنِ اشْتَراهُ مَا لَهُ في الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُم لَو كَانُوا يَعْلَمُون ) ، و في السنة النبوية أن لبيد بن الأعصم اليهودي -لعنه الله- قد سحر النبي في مشط ومشاطة وجف طلع نخلة ذكر، وشفاه الله عز وجل من السحر بالمعوذتين.
والتلمود يمتلئ بطقوس السحر والشعوذة والعرافة ، فيقول الحاخام راوهنا: كل منا يوجد عن شماله ألف ( من العفاريت )، ويوجد عن يمينه عشرة آلاف .
وقال ربَّا : إن الازدحام أثناء الموعظة بالكنيس بسببهم (العفاريت)، واستهلاك ملابس الحاخام ( الإبلاء ) بسبب احتكاكهم بها ، والأقدام المكسورة بسببهم . ثم يصف الحاخام بعض الطرق السحرية لمن أراد مشاهدة العفاريت.
ولا يزال اليهود يمارسون السحر إلى يومنا هذا ، بل تتميز ظاهرة الشعوذة لدى الإسرائيليين أن الأشخاص الذين يمارسونها في الأساس هم رجال دين من الحاخامات، أما جمهورهم فهو من مختلف قطاعات الشعب وعلى جميع المستويات، ويشتهر في إسرائيل حالياً عدد كبير من الحاخامات الذين يمارسون السحر، حيث يحتاج المرء لتحديد موعد مع أحد هؤلاء الحاخامات إلى وقت طويل، وتشاهد أحياناً طوابير من الناس أمام مقراتهم بانتظار دور للدخول، ويعتبر الحاخام (إسحاق كادوري) واحداً من أشهر هؤلاء الحاخامات الذي بالإضافة إلى كون قائمة زبائنه طويلة جداً فإنها تتضمن نخبة من ألمع الأسماء في الحياة السياسية والعسكرية والإجتماعية عامة في إسرائيل ومن بينهم رئيس الوزراء السابق إسحاق رابين، ووزير الداخلية السابق آربيه درعي، ووزير الإسكان بنيامين اليعازر وغيرهم.
ومن تعاليمهم السرية في كتبهم تقديم ذبيحة أو أضحية بشرية في أعيادهم حيث يخلط الدم البشري المستنزف بطريقة بشعة مع عجين الفطير الذي يؤكل في عيد الفصح، وذلك من أشنع وأفظع ما يرتكبه أحبارهم باسم الدين ، وقد افتضح اليهود في عدد من حوادث الإختطاف والقتل لذلك الغرض البشع المشين.
تلك إشارات موجزة ولمحات خاطفة عن بعض انحرافات اليهود وأفكارهم الخبيثة وعقائدهم الفاسدة التي نتجت عن التوراة المحرفة وما يتبعها من أسفارهم الأخرى المبدّلة ومن إيمانهم بالتلمود المكذوب ومن إتباعهم لأحبارهم وحاخاماتهم فيما يأمرونهم به من التحليل والتحريم، فاليهودية ديانة كهنوتية بمعنى أن الحاخامات والكهنة هم الذين يضعون لليهود شرائعهم كشأن الديانة النصرانية، ومن هنا جاء تقديس الحاخامات ورجال الدين اليهودي واعتقاد عصمتهم، ومجمع أحبارهم يسمى (السنهدرين) ويسمى الآن (الكهيلا) له دور كبير في حياة اليهود الدينية والاجتماعية والسياسية.
ومن ذلك المجمع الكهنوتي لحاخامات اليهود المتمسكين بتعاليم التوراة المحرفة والتلمود الخبيث انبثقت أخطر وأخبث خطة عرفها العقل البشري للاستيلاء على العالم والتحكم فيه وإفساد الدين والأخلاق وهو ما يعرف ب(برتوكولات حكماء صهيون) وعنها انبثقت المؤسسات والمنظمات والنوادي اليهودية الصهيونية السرية التي عاثت في الأرض فساداً كالماسونية ، والروتاري، واللّيونزكِلَبْ (نوادي الأسود)، وجمعية بنايْ بِرْث (أبناء العهد) وغيرها مما تتنوع فيها الأسماء ولكن يبقى المضمون والهدف واحد وهو خدمة الأهداف الصهيونية اليهودية الرئيسة وهي على ثلاث مراحل :
الأولى : تجميع اليهود وإقامة دولة ووطن لهم في فلسطين، وقد نجحوا في ذلك بتعاون مع القوى الاستعمارية الصليبية الحاقدة.
الثانية : توسيع دولة إسرائيل لتصبح (إسرائيل الكبرى) لتشمل الأراضي الواقعة بين النيل والفرات وتشمل المدينة المنورة وخيبر.
الثالثة : المملكة اليهودية العالمية، حيث يخضع العالم لسيطرة اليهود وتكون أورشليم عاصمة المملكة العالمية التي يحكمها ملك يهودي.
تلك بعض نتائج وآثار الانحرافات العقدية والتشريعية عند اليهود ، وتأثيرها في علاقتهم مع الآخرين ، بل خطر اليهود على الآخرين ، وهذا ما سنبينه -إن شاء الله تعالى- في دراسة قريبة عن هذا الموضوع بعنوان ( خطر اليهود على الإسلام والعالم ) .
ويتخذ اليهود جميع الوسائل والطرق في إثارة الفتن والحروب ونشر الفساد الأخلاقي والدعوة إلى الإباحية والإجهاض والزنا وإشاعة الربا والفساد الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والديني في سبيل تحقيق أهدافهم وأحلامهم وهم في حقيقتهم أحقر وأجبن وأضعف من أن يحققوا شيئاً من ذلك ولكنهم انتهازيون يستفيدون من الأحداث والاضطرابات والفتن في تحقيق أهدافهم ولا يتناهون عن منكر في سبيل ذلك قال الله عز وجل: ( ُعِنَ الّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِيَ إِسْرَائِيلَ عَلَىَ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وّكَانُواْ يَعْتَدُونَ كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ ) .
فكان عقاب الله عز وجل عليهم بقوله تعالى: ( ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذّلّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوَاْ إِلاّ بِحَبْلٍ مّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مّنَ النّاسِ وَبَآءُوا بِغَضَبٍ مّنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ الأنْبِيَآءَ بِغَيْرِ حَقّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْاْ وّكَانُواْ يَعْتَدُونَ ) .
وقد يقول قائل : إنهم الآن أصحاب عز وملك وسلطان بعد أن أصبح لهم كيان دولي بإنشاء ( دولة إسرائيل ) .
والجواب أنهم مع قيام هذه الدولة يعيشون تحت حماية غيرهم من دول الكفر الكبرى ، فهي التي تحميهم ، وتمدهم بأسباب الحياة والقوة، فينطبق على هذه الحالة - أيضاً - أنها بحبل من الناس .
فاليهود لا سلطان لهم ، ولا عزة تكمن في نفوسهم ، ولكنهم مأمورون مسخرون أن يعيشوا في تلك البقعة من الأرض، لتكون مركزاً لتلك الأمم التي تعهدت بحمايتهم ليقفزوا منه إلى محاربة المسلمين ، إذا أتيحت لهم فرصة . ولو أن المسلمين غيروا ما بأنفسهم ، وتمسكوا بشريعتهم ، واجتمعت قلوبهم ، وتوحدت أهدافهم لكانت تلك الدولة ومن يحميها في رعب من المسلمين . والأمل في الله ، أن يتنبه المسلمون إلى ما يحيط بهم من أخطار فيدفعوها ، ويعتصموا بحبل الله لتعود لهم قوتهم وهيبتهم .
إن شاء الله تعالى والحمد لله رب العالمين
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
انتهى البحث
__________________
يقول شيخ الإسلام إبن تيميه (رحمه الله)
في طريق الجنّة لامكان للخائفين وللجُبناء
فتخويفُ أهل الباطل هو من عمل الشيطان
ولن يخافُ من الشيطان إلا أتباعه وأوليائه
ولايخاف من المخلوقين إلا من في قلبه مرض
(( أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ))
الزمر : 36
ألا أن سلعة الله غالية ..
ألا ان سلعة الله الجنة !!