جرائم الإنترنت .. سطوة اجتماعية .... بسم الله الرحمن الرحيم جرائم الإنترنت .. سطوة اجتماعية واختلاف مدمر ! محمد السيد - ارتبط مصطلح الإدمان بالتدخين والمخدرات، لكونها أشياء يصعب على الأشخاص التوقف عنها دون علاج، وانضم إليهم مؤخراً إدمان الإنترنت، الذي أصبح بمثابة الصداع المزمن في رأس العديد من الحكومات، لما يترتب عليه من آثار نفسية واجتماعية وإجرامية يمكن أن تعصف بكيان الأسرة، وتزعزع أمن واستقرار أمم ومجتمعات بأكملها، وهذا هو الوجه القبيح لسوء استغلال هذه التقنية المذهلة التي تخدم البشر بلا شك في مجالات عدة إذا وظفت بطريقة صحيحة .
ونظرا لأهمية الأخطار النفسية والاجتماعية والإجرامية التي تقع على المجتمع جراء الاستخدام الخاطئ للإنترنت، عقدت الجمعية الدولية لمكافحة الإجرام السيبيري الملتقى الأول بالتعاون مع جامعة عين شمس المصرية، والذي شارك فيه مجموعة من الأكاديميين والخبراء في مجال الطب النفسي وقانون الإنترنت.
في البداية، حذر الدكتور محمد محمد الألفي نائب رئيس الجمعية المصرية لمكافحة جرائم الإنترنت من سلبيات استخدام الانترنت على المستوي الإجتماعي والنفسي للفرد، مؤكدا أن هناك مجموعة من الأخطار تلاحق مستخدمي الإنترنت، أهمها التجارة الإباحية، والتي تتمثل في عرض المواد الإباحية وبشكل متزايد في الفترة الإخيرة مما يؤثر بالسلب على المجتمع دينيا واجتماعيا وثقافيا واقتصاديا، لأنها تتعارض مع القيم الدينية والاجتماعية للشعوب، وتؤدي إلى انتشار الجرائم الشائكة كالاغتصاب والزنا والتحرش والجنسي واستغلال الأطفال جنسيا .
وأكد الألفي أنه مع تطور الخدمات التي تقدمها شبكة الإنترنت من بريد إلكتروني ومنتديات مناقشة وغرف دردشة وغيرها، أصبح من السهل نشر وبث الشائعات التي قد تؤدي إلى نشر الخوف والهلع بين أفراد المجتمع، مثلما حدث في مصر عندما عمد أحد الأشخاص مستغلا شبكة الإنترنت ومعرفته بها إلى بث دعايات مثيرة وشائعات كاذبة حول وجود سفاح متخصص في قتل النساء، مما أثار الرعب في نفوس الكثير من الأفراد والأسر التي ظلت حبيسة المنازل لفترة طويلة خشية التعرض لمخاطر السفاح. كذلك فإن بث الشائعات والترويج لها يؤدي إلى طمس الحقائق وتزييفها، وهذا ما قامت به إسرائيل من خلال المواقع الصهيونية المتعددة . وتحدث الدكتور الألفي عن التنظيمات والجماعات الإرهابية التي تتخذ من بعض الدول مأوى لها، لكي تقوم بأعمالها الإجرامية والإرهابية ضد المجتمعات الآمنة مستغلة شبكة الإنترنت لتقوية أنظمتها وتدعيمها، فضلا عن نشر أفكارها وإجراء الاتصالات اللازمة للتنسيق فيما بينها، إضافة إلى أنه يوجد على شبكة الإنترنت بعض المواد التي تعتبر بمثابة دروسا مجانية للإرهابيين، وخاصة المبتدئين منهم، ابتداء من بيان كيفية صناعة الزجاجة الحارقة، مرورا بكيفية صنع الطرود المفخخة، وصولا إلى كيفية صناعة بعض أنواع القنابل .
وأكد أن شبكة الإنترنت أصبحت ساحة حرب، والدليل على ذلك ما نشرته صحيفة واشنطن بوست في السابع من فبراير عام 2003، حول إصدار الرئيس الأمريكي جورج بوش أوامره لشن حرب إلكترونية عبر الإنترنت، وذكرت الصحيفة أنه بالفعل قد أمر الحكومة بإعداد تعليمات تتعلق بشن هجمات عبر الإنترنت ضد أعداء شبكات الكمبيوتر، وحث الحكومة على تطوير قواعد تحدد متى وكيف تخترق الولايات المتحدة أنظمة الكمبيوتر الأجنبية وتقوم بتعطيلها . الإنترنت و الفراغ القانوني وعن رأي القانون وحلوله المطروحة لهذه المشكلة، قال الدكتور محمد شوقي، القاضى بمجلس الدولة ورئيس مجلس إدارة الجمعية الدولية لمكافحة الإجرام السيبيري بفرنسا: لقد عرفت المجتمعات الإنسانية ومن ضمنها المنطقة العربية جرائم مختلفة واجهتها بأساليب متعددة، لكن التقدم العلمي والتقني في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وشبكة الإنترنت أفرز أنماطاً مستحدثة من الجرائم لم يكن للبشرية سابق عهد بها، فهى بدون شك جرائم من نوع جديد وفريد، ومن طبيعة هذه الجرائم أنها معقدة في طرق ارتكابها ووسائل كشفها، كما أنه ذات طابع دولي، لذلك أصبحت خطرا دائما يؤرق المجتمع الدولي والمحلي على حد سواء .
وأضاف أن جرائم الإنترنت تعد من الجرائم التي أصبحت هاجسا أمنيا لكل الدول دون استثناء، فهي تأتي في مقدمة الأشكال الجديدة للجريمة المنظمة المحلية أو عبر الحدود، والتي تصاعدت حدتها في العقدين الأخيرين مستغلة في ذلك التطورات الهائلة في مجال المعلومات والاتصالات، حيث صاحب الانتشار الواسع لشبكة الإنترنت ظهور العديد من الصعوبات القانونية، فظهر على الساحة القانونية مصطلح جديد عرف باسم الفراغ القانوني لشبكة الإنترنت .
وعلى صعيد الجرائم المعلوماتية، أكد الدكتور محمد شوقي أن هناك بعض الصعوبات مثل صعوبة اكتشاف وقوع الجريمة، لأنه في كثير من الحالات يتم الفعل الإجرامي دون أن يعلم المجني عليه بحدوث اعتداء عليه، بالاضافة إلى أنه في كثير من الأحيان يدخل المستخدم باسم مستعار، أو يدخل عن طريق مقاهي الإنترنت، وعندها تكمن الصعوبة في معرفة الجاني أو تحديده .
وتواجه شبكة الإنترنت أيضا مشكلة سريان القانون من حيث المكان، والتي تتمثل في مدى انطباق القانون الوطني على الجرائم التي ترتكب في الخارج بواسطة الإنترنت إذا ما تحققت بعض عناصرها على قانون الدولة، أيضا مشكلة سريان القانون من حيث الزمان، حيث يرتكب الجاني الفعل في زمان يصعب تحديده وتتحقق النتيجة الإجرامية في وقت آخر يصعب تحديده .
أما من ناحية المسئولية، فتقوم مشكلة تحديد الأشخاص المسئولين جنائيا عن جرائم هذه الشبكة بتعدد الأطراف المتعاملين معها، أما لو نظرنا لعنصر الأدلة والإثبات فإننا وفي ظل هذا النوع المستحدث من الجرائم نجد أنفسنا أمام عقبة تتمثل في صعوبة الوصول والسيطرة والمحافظة على تلك الأدلة .
وعلى صعيد الحياة الخاصة، فطبيعة شبكة الإنترنت وطابعها العالمي المتجاوز للحدود الجغرافية، وقدرتها المذهلة على نشر المعلومات والرسائل وتبادلها بين المئات من المستخدمين، أضافت إلى مفهوم الحياة الخاصة معطيات جديدة لم تكن مطروحة في السابق، منها عجز الدول المتصلة بشبكة الإنترنت على إقامة التوازن المفترض بين مفهوم الحياة الخاصة السائد في دولة معينة، وبين القيود الموضوعة عليه باسم النظام العام وباسم حماية الفرد والمجتمع والتي تختلف بين دولة وأخرى . الشبكة في قبضة العدالة وحول ضرورة وجود تشريع قانوني يحمي الأشخاص من عصابات الإنترنت، أكد الدكتور محمد شوقي أن فكرة إنشاء الجمعية الدولية لمكافحة الإجرام السيبيري بفرنسا جاءت من منطلق توضيح أبعاد الإجرام المعلوماتي والتخطيط المنظم لمكافحته، وتأسست الجمعية وفقا للقانون الفرنسي الخاص بتأسيس الجمعيات الأهلية الصادر بتاريخ 1901، وبعد أخذ موافقة الجهة الإدارية الفرنسية المختصة .
واتجهت الجمعية الدولية لمكافحة الإجرام السيبيري إلى التعاون مع الجمعيات العلمية، وكذا تنظيم دورات تثقيفية حسب طلب الجهات المستفيدة، وعقد المؤتمرات والندوات والحلقات العلمية لمناقشة القضايا المتعلقة بتكنولوجيا المعلومات، كما تهدف الجمعية إلي إصدار النشرات والدوريات والبحوث والعمل على نشرها على شبكة الإنترنت، كا تقدم الخدمات وتعد وتنفذ الدراسات المتخصصة في المجالات العلمية المخالفة .
يرى الدكتور محمد شوقي أن الجمعية الدولية قامت بعقد بروتوكول تعاون مع الجمعية المصرية لمكافحة جرائم المعلوماتية والإنترنت بهدف العمل على تنمية الوعي بأهمية مكافحة هذه الجرائم في جمهورية مصر العربية وتقديم الدعم العلمي للمؤسسات والأفراد وكل من له مصلحة في مكافحة الجرائم الناشئة عن استخدام الإنترنت والشبكات، وكذلك تنظيم وعقد دورات تدريبية من الناحيتين التقنية والقانونية، كما اتفق الطرفان على التعاون فيما بينهما من أجل تقديم الاستشارات للمؤسسات والأفراد. الأخطار التقنية للإدمان من جهة أخرى، أكد المهندس ممدوح صقر - مهندس كمبيوتر- بالشركة المصرية الاتصالات، وعضو الجمعية المصرية لمكافحة جرائم الإنترنت أن هناك مجموعة من الأخطار تلاحق رواد شبكة الإنترنت الدولية، أهمها وجود مجموعة من القراصنة والمحترفين في نشر الفيروسات على الشبكة، والتي تقوم بدورها في تدمير الملفات الموجودة على الأجهزة المتصلة بالشبكة، وبث ذلك عبر إرسال بعض الرسائل على البريد الإلكتروني تحتوي على عبارات تلفت الانتباه، أو من خلال غرف الدردشة المنتشرة على شبكة الإنترنت بكل اللغات.
وأشار صقر إلى أن القراصنة هم مجموعة من الأشخاص هدفهم الأول والأخير هو التخريب، وهم قوة لا يستهان بها خاصة في الدول الغربية، حيث يكونون أى اتحادات ويعقدون المؤتمرات، ولهم مواقعهم القوية على شبكة الإنترنت، وتستعين بهم القوات المسلحة في بعض الدول الغربية في تنفيذ هجمات متعمدة على أعدائهم، ويقوم هؤلاء القراصنة بتصميم برامج الفيروسات ودورات الكمبيوتر، وإرسالها بالبريد الالكتروني، فيدمرون ملايين الوثائق ويخربون ملايين الحاسبات الآلية.
واضاف أن رواد شبكة الإنترنت وخاصة الأشخاص الذين أدمنوا غرف الدردشة هم اللقمة السائغة والصيد الثمين لقراصنة الإنترنت، الذين لا يتوقف دورهم على تشر الفيروسات والتخريب فحسب، بل يتحولون في بعض الأحيان إلى مافيا للسطو على الحسابات البنكية، والاستيلاء على الأموال الطائلة من رواد الشبكة، مستغلين تمتع هؤلاء الأشخاص بالفضول الشديد إما لصغر سنهم، أو حبهم في خوض غمار التجربة مهما كانت العواقب.
وفي مصر على سبيل المثال، كشفت دراسة لاتحاد منتجي البرامج في مصر أن عملية القرصنة على البرامج تكبد قطاع الصناعة خسائر تصل إلى 381 مليون دولار، وتصل الخسائر في عائدات الدولة من قرصنة القطاع الخاص إلى 83 مليون دولار، على الرغم من انخفاض معدلات القرصنة إلى 33% خلال الأربع سنوات الماضية. الطفل ومخاطر الإنترنت من جانبها، أكدت الدكتورة نجوى عبد السلام فهمي الأستاذة بقسم الإعلام بكلية الآداب جامعة عين شمس على أهمية دور الأسرة في توعية الطفل بمخاطر الإنترنت، لأن هذه الشبكة لها عالمها المبهر، ومليئة بالمغريات التي تجذب الأطفال كالألعاب وغرف الدردشة، والمواقع الإباحية .
وركزت في الوقت نفسه على غرف الدردشة التي تضم شريحة المراهقين الذين تتراوح أعمارهم من 15 عاما إلى 30 عام، مؤكدة أن هذه الغرف أصبحت وسيلة سهلة لتفريغ الطاقة الجنسية لدي المراهقين في ظل غياب الدور التربوي للأسرة، وقد يتطور الأمر وتتحول المحادثات إلى علاقات مباشرة بعد فترة، بل وتصل الأمور إلى أبعد من ذلك وهو الزواج العرفي أو الانحلال الأخلاقي.
واعتبرت الدكتورة نجوى أن غرف الدردشة هي وسيلة غير مبررة للهروب من الواقع يسلكها غالبا الأشخاص الذين يشعرون بعدم الثقة بالنفس، للتعبير عن تمردهم ورفضهم للقيم والتقاليد الموجودة في المجتمع الذي يعيشون فيه.
وأشارت إلى أن الرقابة اللصيقة على الأطفال ليست حلاً فعالا لمشكلة الإدمان، وإنما يكمن الحل في تحجيم استخدامات الإنترنت وتقليل عدد ساعات الجلوس تدريجيا، لأن الطفل الذي يجلس على الإنترنت لمدة 4 ساعات يومياً يعتبر في بدايات إدمانه للإنترنت ويجب على الأسرة نصحه.
من جانبه، اعتبر الدكتور فتحي الشرقاوي وكيل كلية الآداب جامعة عين شمس لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة أن الانتشار الواسع لشبكة الإنترنت في مجتمعاتنا أفرز مصطلحا جديدا على الساحة الطبية لم يكن موجود من قبل، وهو إدمان الإنترنت الذي أصبح ظاهرة منتشرة في الخارج بشكل واضح، مما أدي إلى ظهور عيادات متخصصة لعلاج ها النوع من الإدمان، منتشرة في العديد من الدول الأوروبية وأمريكا منذ عام 2001.
وأكد أن ظاهرة الإدمان متعددة، فهي قد تكون إدمانا جنسيا يتمثل في ولع المستخدمين بالمواقع الإباحية، أو إدمانا ماليا يصاب به الأشخاص المهتمون بالصرف على الشبكة فيما ليس له به حاجة، كلعب القمار أو المراهنات، وهناك إدمان معرفي يتمثل في انبهار الشخص بحجم المعلومات المتوفرة على الإنترنت لدرجة انصرافه عن واجباته الأساسية في الحياة، أو إدمان الألعاب ويقصد به الولع بالألعاب، وأخيرا إدمان الصداقات وهو انصراف مستخدم الإنترنت إلى تكوين علاقات وصداقات إلكترونية على حساب العلاقات الواقعية. |