عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 01-11-2009, 05:55 PM
 
Post قصص للفتيان والفتيات -8-

قصص للفتيان والفتيات


عبد الكريم عبد الله رفعت

-8-

صديق الأسماك


تواعد "أحمد" و"كمال" للذهاب إلى صيد السمك ، وبينما هم في طريقهم إلى البحر رآهم "إبراهيم" واستوقفهم هذا وسلم عليهم وسألهم :
- إلى أين أنتم ذاهبون ؟
فأجاب "أحمد" قائلاً :
- إلى البحر .
- للسباحة ؟
- كلا .. بل لصيد الأسماك ، و إذا كانت لديك الرغبة في صحبتنا فأهلا بك .
- أرغب في ذلك ، ولكنني لا أجيد السباحة .
- لست بحاجة إلى السباحة ، فنحن سنصطاد السمك على ظهر القارب .
- أعلم ذلك ، ولكن إذا انقلب القارب .. فما العمل ؟ إنني أخاف .. والبحر كله مخاوف كما تعلمون .
- لا داعي إلى الخوف فنحن معك .
- في ساعة الغرق ستشغلون عني بأنفسكم ولن تستطيعوا إنقاذي.
- ما هذا القول يا إبراهيم ؟ ألسنا أصدقاء ؟! ثم ألم تر إن البحر ساكن اليوم ؟ ومن ثم فلا إحتمال للغرق هناك .
رفع "إبراهيم" رأسه ونظر إلى البعيد حيث البحر وقال في نفسه :
"حقاً فالبحر ساكن جداً ، لا أثر هناك للأمواج العالية ، وكأن البحر اليوم ساحة لعب واسعة" .
وقال في شئ من التردد :
- البحر ساكن .. ولكن ..
قاطعه "كمال" قائلاً :
- ولكن ماذا ... دع الخوف وتشجع .
" وفي الحال إتخذ قراره" .
- حسناً . سأكون معكم .
وعند الساحل قاموا بإحضار القارب وثبتوا مجاذيفه من جانبيه .. وبدأ "كمال" يجذف من الأمام و "إبراهيم" من الخلف.
وبعد قليل كانوا قد ابتعدوا عن الساحل مسافة ليست بالقليل .
قال "إبراهيم" بنبرات مرتجفة :
- ألا يكفي بعد ... لقد إبتعدنا عن البر بما فيه الكفاية .
أجاب "كمال" ضاحكاً :
- حسناً سنقف هنا .. ولكن دع عنك الخوف فليس هناك شئ يدعو إلى الخوف.
اسمع جيداً قال كمال: سنقوم أنا و أحمد بصيد الأسماك ، أما أنت فعليك بفصل الأسماك عن الشص "السنارة" .
- حسناً .
- ولكن .. هل قمت بهذا العمل من قبل ؟
- كلا ولكني أستطيع القيام به .
- حسناً .. إذن .
رمى كل واحد منهم شصه في عرض البحر ، وبعد قليل بدأ "كمال" بسحب الشص ، وكان ثقيلاً ، ويبدو أن كلاليبه العشرة قد أصابت .
كان "إبراهيم" يراقب المشهد بلهفة ، وبعد لحظات لمع بريق الأسماك الجميلة على سطح البحر فصاح بأعلى صوته :
- رائع .. ها قد خرجوا !
عندما سحب "كمال" الخيط كله وجدوا أن خمس أسماك كبيرة قد تعلقت بخمسة كلاليب وهي تحاول التخلص منها بهزاتها العنيفة ولكن عبثا ..
اصفر وجه "إبراهيم" واكفهر وقال بصوت حزين .
- يا أسفاً عليكم - لِمَ تقتلون هذه الأسماك المسكينة؟
فأجابه "كمال" :
- إذا فكر كل واحد مثلك ، فسيموت الناس جوعاً . هيا فرق الأسماك عن الشص .




بدأ "إبراهيم" بعزل الأسماك عن الشص ، وقد داهمه الحزن ، وكان يجتهد على أن لا يؤذيهم . وكان يرمي قسماً من الأسماك ثانية في البحر من الطرف الآخر حين ينشغل أحمد وكمال بالصيد وبعد حوالي ساعتين كان الصيادون الصغار قد اصطادوا كمية لا بأس بها من الأسماك .




بدأ إبراهيم يشعر بشيء من الدوار ولكنه أخفى عليهم ذلك في أول الأمر ، ألا أنه عندما إشتد عليه قال :
- ليتنا نعود إلى الساحل فقد لعب البحر بي وأحس بالدوار .
أجابه "أحمد" دون أن يلتفت إليه :
- وهل يترك أحد صيداً كهذا ؟
- ولكنني ...
قاطعه "كمال" :
- فكر في الجميل تر جميلاً ، أعني : فكر في أشياء أخرى وسوف تنسى الدوار .
سكت "إبراهيم" ولم يعلق .
وبعد قليل قال ثانية :
- لنعد إلى الساحل ، فلم أعد أتحمل أكثر من ذلك .
إلتفت إليه "أحمد" وقال له :
- إصبر قليلاً .
نظر "أحمد" إلى الأسماك وصاح :
- يا إلهي ! أهذه هي كل الأسماك التي قمنا بصيدها ؟ أين ذهبت البقية؟
"لم يكن في القارب أكثر من عشرين أو ثلاثين سمكة . بيد أن ما أصطاده كان أكثر من ذلك بكثير" .
أجاب "إبراهيم" بشيء من الخوف :
- أنا .. أنا .. أنا فعلت ...
صاح كمال :
- ماذا فعلت ؟! تكلم .. هيا !
- أشفقت عليهم .. و .. و .. و
- وماذا ؟ هل رميتهم ثانية في البحر؟ .. أومأ برأسه أن "نعم" .
- وهل يفعل هذا إلا المجنون ؟.
- ماذا أعمل - ليست بيدي حيلة - إنني أشفق عليهم كثيراً ، تظاهر "أحمد" بالغضب ، رمى الشص جانباً وأمسك ب "إبراهيم" وصرخ فيه :
- وأنا الآن سأرمي بك في البحر ، سأرسلك إلى أصدقائك ، وسترى ...
أمسك "إبراهيم" بإحدى جوانب القارب وبدأ يتوسل به .
- أرجوك .. أرجوك . لا ، لا تفعلها أرجوك .
بالطبع لم ينو "أحمد" أن يؤذي صديقه ولكنه كان يمزح معه فحسب فتخلى عنه وقد استغرق في الضحك ، وبدأ يجذف نحو الساحل .
وهناك قال "إبراهيم" لأحمد :
- ماذا ستفعل بهذه الأسماك ؟
سآكلها .. وأشكر ربي عليها ، أنه هو الذي خلقها لنا لنستفاد من لحمها الطري . كما ذكر ذلك في القرآن الكريم ..




ثم إن الشفقة شئ جميل ، ولكن في حدودها ، إن الله سبحانه وتعالى فطر هذه الأسماك على الرضا بالصيد . ألم تر أنها كانت ترقص فرحاً عندما تشتاك بالشص . إنها تعبر بذلك عن فرحتها لأنها أدت وظيفتها على أحسن وجه و أرضت خالقها بذلك ، وقد خلقت لذلك ، أليس كذلك ؟.
أجل إنها كذلك .
وعلق كمال مازحاً : إن الله سبحانه يرزقنا وإبراهيم يرمي به في البحر .
ومنذ ذلك اليوم أصبح إبراهيم يلقب ب "صديق الأسماك" لعطفه الشديد عليهم وحبه لهم .
واليوم صار "إبراهيم" شاباً يافعاً . ولكن ما زال صديقاه "أحمد" "وكمال" يناديانه ب : " صديق الأسماك " .