أَنَا شَاهِدٌ بَيْنَ الْوَرَى: النِّفْطُ أَغْلَى مِنْ دَمِكْ
معارضة لقصيدة الشاعر فاروق جويدة: "بغداد لا تتألمي؛ من قال إن النفط أغلى من دمي"
أَنَا شَاهِدٌ بَيْنَ الْوَرَى
النِّفْطُ أَغْلَى مِنْ دَمِكْ
بَلْ مَاءُ بِئْرٍ آسنٌ
حَتَّى الثَّرَى
الْكُلُّ أَغْلَى مِنْ دَمِكْ
بَلْ دَمْعَةٌ فِي عَيْنِ كَلْبٍ شَارِدٍ
أَوْ هِرَّةٍ
وَالشَّاةُ تُذْبَحُ كَمْ بَكَاهَا مِنْ فِئَامِ النَّاسْ
فَتَظَاهَرُوا وَتَجَمَّعُوا تَحْتَ الْجَلِيدْ
هَتَفُوا لَهَا...حَنُّوا لَهَا
وَكَأَنَّهَا طِفْلٌ وَلِيدْ
هَلْ يَسْمَعَنْ أَحَدٌ بِأَنَّ الْيَوْمَ يُبْكَى مِنْ دَمِكْ؟!
كَمْ مِنْ نِسَائِكَ ذَبَّحُوا؟
أَوْ هُتِّكَتْ أَعْرَاضُهُنَّ
كَذَا الرِّجَالْ؟
كَمْ مِنْ رَضِيعٍ يُذْبَحُ؟
أَوَمَا رَأَيْتَ بِشَاشَةِ التِّلْفَازِ
كَيْفَ يَسِيلُ بَحْرٌ مِنْ دَمِكْ؟
وَنَهَارُ يَوْمِكَ مُظْلِمٌ
مِمَّا غَشَاهُ مِنْ هَوَانِكَ
كُلَّ يَوْمْ
الْبُوسْنَةُ الشِّيشَانُ بَلْ
فِي كُلِّ شِبْرٍ مِنْ دِيَارِ الْمُسْلِمِينْ
يَوْمٌ كَفَانَا فِي فِلَسْطِينْ
* * *
أَنَا شَاهِدٌ بَيْنَ الْوَرَى
النِّفْطُ أَغْلَى مِنْ دَمِكْ
مُذْ يَوْمِ أَنْ أُلْقِيتَ فِي بَحْرِ الْهَوَانِ
غَرِقْتَ فِيهِ
فَهَلْ عَلِمْتَ بِأَنَّ حَقَّكَ فِي الْحَيَاةِ قَدِ انْتَهَى
فَالْيَوْمَ تُذْبَحُ فِي أَمَانٍ فِي هَوَانْ
وَالْيَوْمَ عِرْضُكَ يُسْتَهَانْ
وَبُحُورُ هَذِي الأَرْضِ وَالأَنْهَارُ
تَجْرِي مِنْ دُمُوعِكَ مِنْ دِمَاكْ
وَتَظَلُّ دَوْمًا هَكَذَا
مَا لَمْ تُرِدْ
بَلْ تَسْعَ يَوْمًا لِلنَّجَاةْ
مِنْ بَحْرِكَ الْمَلْعُونِ
مِنْ بَحْرِ الْهَوَانْ
وَتَظَلُّ تُبْكَى دَمْعَةُ الْحَيَوَانْ
وَيَظَلُّ كُلُّ مُنَاكَ أَنْ
يَوْمًا تَصِيرُ دِمَاؤُكُمْ
كَدُمُوعِهِ
يَحْمِيهَا أَنْصَارُ الْحُقُوقِ مِنَ الطَّغَامْ
وَيَظَلُّ كُلُّ مُنَاكَ أَنْ
يَوْمًا تَصِيرُ كَمِثْلِ خِنْزِيرِ الْيَهُودِ
حِمَايَةً فِي مَجْلِسِ الظُّلاَّمْ
فِي مَجْلِسِ الأَمْنِ الظَّلُومْ
* * *
أَنَا مَا رَأَيْتُ الْيَوْمَ أَرْخَصَ مِنْ دِمَائِكْ
دُنْيَاكَ تَشْهَدُ أَرْضُهَا
وَالنَّجْمُ يَشْهَدُ فِي سَمَائِكْ
وَالْكَوْنُ يَبْكِي حِينَ يَذْكُرُ مِنْ إِبَائِكْ
مُنْذُ الْقُرُونِ الْغَابِرَةْ
أَنَسِيتَ يَوْمًا قَدْ أَتَى الإِسْلامُ فِيهْ
لِيُعِزَّ قَوْمًا أَنْتُمُ لَهُمُ الشَّبِيهْ
كَانُوا شَرَاذِمَ مِثْلَكُمْ
وَهَوَانُهُمْ بَيْنَ الأُمَمْ
كَهَوَانِكُمْ
فَأَتَاهُمُ الإِسْلامُ عِزًّا فِي الْحَيَاةِ
عَلَوْا بِهِ
صَارُوا بِهِ أَسْيَادَ هَاتِيكَ الأُمَمْ
فَبَصَرْخَةٍ مِنْ بَاكِيَةْ
الأَرْضُ يَكْسُوهَا اللَّهِيبْ
وَسُيُوفُهُمْ دَوَّى الصَّلِيلُ كَأَنَّهُ الرَّعْدُ الرَّهِيبْ
وَالأَرْضُ تَرْوِيهَا الدِّمَاءُ الْغَادِرَةْ
وَالْحَقُّ يَعْلُو دَائِمًا
لا يَظْلِمُ
لا يُظْلَمُ
وَالْكُفْرُ يَسْقُطُ تَحْتَ أَقْدَامِ الأُبَاةْ
لا يَصْمُدُ
هَلْ يَصْمُدَنْ فِي وَجْهِ قَوْمٍ مَوْتُهُمْ نِعْمَ الْحَيَاةْ
فِي جَنَّةِ الْفِرْدَوْسِ
ذَاكَ نَعِيمُهُمْ
بَعْدَ الْحَيَاةِ أَعِزَّةً
وَالْيَوْمَ فِي هَذَا الزَّمَانِ الْمُظْلِمِ
رَغِبَتْ جُمُوعُ الْعُرْبِ عَنْ إِسْلامِهِمْ
تَرَكُوا هُوِيَّةَ عِزِّهِمْ
إِسْلامَهُمْ
عَادُوا لِعَهْدِهُمُ الذَّلِيلِ
بِفَرْحَةٍ وَعَزِيمَةٍ
حَارَتْ لِرُؤْيَتِهَا الْعُقُولْ
فَتَشَرْذَمُوا بَيْنَ الأُمَمْ
صَارُوا كَقُطْعَانِ الْغَنَمْ
بَيْنَ الذِّئَابِ الْغَادِرَةْ
وَسْطَ الأُسُودِ الثَّائِرَةْ
أَسَمِعْتَ فِي التَّارِيخِ عَنْ قَوْمٍ
سَعَوْا لِلذُّلِّ أَلْقَوْا عِزَّهُمْ
أَرَأَيْتَ كَيْفَ الآنَ صَارَ النِّفْطُ أَغْلَى مِنْ دَمِكْ
* * *
أَنَا شَاهِدٌ بَيْنَ الْوَرَى
النِّفْطُ أَغْلَى مِنْ دَمِكْ
مُذْ يَوْمِ صَارَ الْحَاكِمُ الطَّاغُوتُ عِنْدَكُمُ الإِلَهْ
هَلْ يُسْأَلَنْ عَنْ فِعْلِهِ
أَوْ فِعْلَةٍ مِنْ أَهْلِهِ
ذَاكَ الْجُنُونْ
وَالْكُلُّ يُسْأَلُ عَنْ خَوَاطِرِ نَفْسِهِ
عَنْ حُلْمِهِ فِي نَوْمِهِ
وَالْكُلُّ يَنْعَمُ فِي هِبَاتِ يَدَيْهِ
وَالْكُلُّ يَسْجُدُ رَاجِيًا بَعْضَ النِّعَمْ
يَكْفِيهِ بَعْدَ سُجُودِهِ طُولَ الْحَيَاةِ
نَجَاتُهُ مَعَ أَهْلِهِ مِنْ كُلِّ وَاشٍ وَالنِّقَمْ
وَالْحُرُّ
مَعْنَى الْحُرِّ عِنْدَكُمُ انْتِحَارْ
وَلأَهْلِهِ سِجْنٌ وَذُلٌّ وَانْكِسَارْ
عَارٌ غَشَاهُمُ أَيُّ عَارْ
تَعْذِيبُهُ مَا كَانَ يَوْمًا فِي زَمَانْ
الْجَلْدُ وَالتَّعْلِيقُ مِنْهُ هُوَ الْحَنَانْ
وَالْكَهْرَبَاءُ هِيَ اخْتِرَاعُ الْعَصْرِ
شُحْنَاتٌ تُزَلْزِلُ كُلَّ ذَرَّاتِ الْجَسَدْ
وَيَذُوبُ فِي الأَحْمَاضِ أَهْوَنُ مِنْ سِبَاعٍ تَنْهَشُ اللَّحْمَ الْعَلِيلَ
وَرُبَّمَا نَهْشَ الْكَبِدْ
وَلَرُبَّمَا نَالَ الأَبِيُّ الْحُرُّ مِنْ طَاغُوتِهِ لَقَبَ السَّجِينْ
فَالْمَنُّ كُلُّ الْمَنِّ مِنْ ذَاكَ الْكَرِيمْ
أَنْعِمْ بِهَذَا الْحِلْمِ مِنْ ذَاكَ الْحَلِيمْ
يَرْضَى بِحُرٍّ فِي الْحَيَاةْ
أَعَلِمْتَ كَيْفَ الآنَ صَارَ النِّفْطُ أَغْلَى مِنْ دَمِكْ
فِي أَرْضِ قَوْمِكَ
بَيْنَ أَهْلِكَ
هَلْ تَرَى
لا شَيءَ أَرْخَصُ مِنْ دَمِكْ
وَتُرِيدُ مِنْ أَعْدَاءِ دِينِكَ
أَنْ يَحِنُّوا أَوْ تَرِقَّ قُلُوبُهُمْ لِدِمَائِكْ
هَذَا جُنُونْ
طَاغُوتُكُمْ فِي بَأْسِهِ مَعَهُمْ يَهُونُ
وَيَسْجُدُ الْعُمْرَ الطَّوِيلَ
حَيَاتَهُ فِي حُكْمِكُمْ
فَسُجُودُهُ كَسُجُودِكُمْ
وَهَوَانُهُ كَهَوَانِكُمْ
أَيَكُونُ شَيْءٌ بَعْدَ هَذَا الضَّيْمِ أَرْخَصَ مِنْ دَمِكْ
كُلُّ الْوَرَى شَهِدُوا بِأَنَّ النِّفْطَ أَغْلَى مِنْ دَمِكْ.