رد: كنوز السيرة للشيخ عثمان الخميس ... مرضعته: لما ولد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أرضعته أول ما أرضعته ثويبة وهي مولاة عمه أبي لهب وكانت قد أرضعت قبل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عمه حمزة ولذلك حمزة رضي الله عنه يكون أخاً للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من الرضاعة أمهما جميعاً ثويبة مولاة أبي لهب.
ولم يدم هذا الأمر طويلاً وذلك أنه كان من عادة العرب أنهم يلتمسون المراضع لأولادهم أي المرضعات فكان العرب يحبون أن تأتي المرضعة من خارج مكة فتأخذ الوليد فترضعه لمدة سنتين ثمّ تفطمه وتعيده إلى أمه.
ونترك حليمة السعدية تذكر لنا قصتها مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، تقول حليمة السعدية إنها خرجت من بلدها مع زوجها وابن لها صغير ترضعه في نسوة من بني سعد بن بكر تلتمس الرضعاء، وذلك في سنة شهباء لم تبق لنا شيئاً، (والشهباء يعني لا زرع ولا ماء)، فخرجت على أتان لي قمراء، (الأتان هو الحمار والقمراء يعني بيضاء)،
معنا شارف لنا، (والشارف هي الناقة) والله ما تبض بقطرة، (يعني ما فيها حليب أبداً)، وما ننام ليلنا أجمع من صبيّنا الذي معنا من بكائه من الجوع، والله ما في ثديي ما يغنيه وما في شارفنا ما يغذيه، ولكن كنا نرجو الغيث والفرج، فخرجت على أتاني تلك حتى قدمنا مكة نلتمس الرضعاء، فما منّا امرأة إلاّ وقد عرض عليها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فتأباه وذلك إذا قيل لها إنه يتيم وذلك أن كنا نرجو المعروف من أبي الصبي فكنّا نقول يتيم وما عسى أن تصنع أمه وجدّه فكنّا نكرهه لذلك.
فما بقيت امرأة قدمت معي إلا أخذت رضيعاً غيري فلمّا أجمعنا الانطلاق (يعني عزمنا على الرجوع) قلت لصاحبي أي زوجها والله إني لأكره أن أرجع من بين صواحبي ولم آخذ رضيعاً والله لأذهبنّ إلى ذلك اليتيم فلآخذنه قال: لا عليك أن تفعلي عسى الله أن يجعل فيه بركة. سبحان الله، (هذه المسكينة حليمة السعدية لا تدري أن الخير والبركة كلها عند هذا اليتيم صلوات الله وسلامه عليه ).
فرجعت إليه فأخذته وما حملني على أخذه إلا أني لم أجد غيره فلمّا أخذته رجعت به إلى رحلي فلمّا وضعته في حجري أقبل عليه ثدياي بما شاء من لبن فشرب حتى روي وشرب معه أخوه (أي ولدها) حتى روي ثمّ ناما، وما كنّا ننام معه قبل ذلك من بكاء الولد، وقام زوجي إلى شارفنا تلك (أي الناقة) فإذا هي حافل أي مملوءة لبنا، فحلب منها ما شرب وشربت معه حتى انتهينا رياً وشبعاً، فبتنا بخير ليلة، فقال لي صاحبي (أي زوجها) حين أصبحنا: تعلمي والله يا حليمة لقد أخذت نسمة مباركة.
فقلت: والله إني لأرجو ذلك. ثمّ خرجنا وركبت أنا أتاني وحملته عليها معي، (أي حملت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم) فوالله لقطعت بالركب ما لا يقدر عليه شيء من حمرهم (أي سبقتهم في المسير) حتى إن صواحبي ليقلن لي يا ابنة أبي ذؤيب ويحك أربعي علينا، (أي لا تسرعي)، أليست هذه أتانك التي كنت خرجت عليها؟ فأقول لهن بلى والله إنها لهي هي فيقلن والله إن لها شأناً، ثمّ قدمنا منازلنا من بلاد بني سعد، وما أعلم أرضاً من أرض الله أجدب منها، (يعني قاحلة ليس فيها زرع ولا ماء)، فكانت غنمي تروح علي حين قدمنا بها معنا شباعاً لبنا، فنحلب ونشرب وما يحلب إنساناً قطرة لبن لأن الأرض جدباء ، حتى كان الحاضرون من قومنا يقولون لرعيانهم ويلكم اسرحوا حيث يسرح راعي بنت أبي ذؤيب فتروح أغنامهم جياعاً ما تبض بقطرة لبن وتروح غنمي شباعاً لبنا، فلم نزل نتعرف من الله زيادة والخير حتى مضت سنة وفصلته، (أي فطمته)، وكان يشب شباباً لا يشبه الغلمان فلم يبلغ سنتيه حتى كان غلاماً جفراً ، (يعني قوياً)، فقدمنا به على أمه (لأن بينهم وبين أمه وعداً بعد سنتين يعيدان إليها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم) فقدمنا به على أمه ونحن أحرص على مكثه فينا، لما كنا نرى من بركته فكلمنا أمه وقلت لها لو تركت ابني عندي حتى يغلظ فإني أخشى عليه وباء مكة، فلم نزل بها حتى ردته معنا.
(فهي لا تخشى عليه الوباء ولكنها تريده لما رأت من الخير عند مجيئه صلوات الله وسلامه عليه)، فما زلت بها حتى ردته معنا.
__________________ قال الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى : عليك بطريق الحق و لا تستوحش لقلة السالكين و إياك و طريق الباطل و لا تغتر بكثرة الهالكين .... |