عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 02-19-2009, 07:05 PM
 
Post الانتصار على الشهوة -1-

الانتصار على الشهوة


(1)


سامي بن خالد الحمود


أنواع المخلوقات بالنسبة إلى تركيب الشهوة

من عجيب خلق الله تعالى أنه خلق الخلق من حيث وجود الشهوة على ثلاثة أصناف :
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: " قال قتادة : خلق الله سبحانه الملائكة عقولا بلا شهوات، وخلق البهائم شهوات بلا عقول، وخلق الانسان وجعل له عقلا وشهوة، فمن غلب عقله شهوته فهو مع الملائكة، ومن غلبت شهوته عقله فهو كالبهائم " عدة الصابرين ج: 1 ص: 15
* الفائدة من هذا الكلام في تركيب الشهوة: أنه لا بد من وقوع آثارها

قال ابن القيم رحمه الله تعالى:
" الحكمة الإلهية اقتضت تركيب الشهوة والغضب في الانسان ... فلا بد من وقوع الذنب والمخالفات والمعاصي، فلا بد من ترتب آثار هاتين القوتين عليهما ولو لم يخلقا في الإنسان لم يكن إنساناً بل كان ملكاً، فالترتب من موجبات الانسانية، كما قال النبي r : " كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون" مفتاح دار السعادة ج: 1 ص: 297

الحكمة من تركيب الشهوة في الإنسان

ذكر أهل العلم عدة حكم لتركيب الشهوة في الإنسان، منها :
1) التكاثر والحفاظ على النسل :
قال ابن القيم رحمه الله تعالى في آدم وحواء :" ثم لما أراد الله سبحانه أن يذرّ نسلهما في الأرض ويكثره وضع فيهما حرارة الشهوة ونارالشوق والطلب وألهم كلا منهما اجتماعه بصاحبه فاجتمعا على أمر قد قدر"التبيان في أقسام القرآن ج:1 ص: 205

2) الابتلاء والامتحان:
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: فلم تقو عقول الأكثرين على إيثار الآجل المنتظر بعد زوال الدنيا على هذا العاجل الحاضر المشاهد، وقالوا: كيف يباع نقد حاضر وهو قبض باليد بنسيئة وُعِدنا بحصولها بعد طي الدنيا وخراب العالم، ولسان حال أكثرهم يقول: خذ ما تراه ودع شيئا سمعت به .

فساعد التوفيق الإلهي من علم أنه يصلح لمواقع فضله فأمده بقوة إيمان وبصيرة رأى في ضوئها حقيقة الآخرة ودوامها وحقيقة الدنيا وسرعة انقضائها . شفاء العليل ج: 1 ص: 265

ولهذا سئل عمر بن الخطاب : أيما أفضل؟ رجل لم تخطر له الشهوات ولم تمر بباله، أو رجل نازعته إليها نفسه فتركها لله ؟
فكتب عمر : إن الذي تشتهى نفسه المعاصي ويتركها لله عز وجل من الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم " الفوائد ج: 1 ص: 110

3) الإقبال على الله والانكسار بين يديه :
فإنه وقوع العبد في آثار الشهوة من الذنوب من أسباب التوبة والندم والانكسار والذل لله تعالى .
وقال أيضاً: العبد قد بلي بالغفلة والشهوه والغضب، ودخول الشيطان على العبد من هذه الابواب الثلاثة، فإذا أراد الله بعبده خيرا فتح له من ابواب التوبة والندم والانكسار والذل والافتقار والاستعانة به وصدق اللجأ إليه ودوام التضرع والدعاء و التقرب إليه بماأمكن من الحسنات ما تكون تلك السيئة به رحمة، حتى يقول عدو الله: يا ليتنى تركته ولم أوقعه .
وهذا معنى قول بعض السلف: إن العبد ليعمل الذنب يدخل به الجنة ويعمل الحسنة يدخل بها النار .
قالوا: كيف؟ قال:يعمل الذنب فلا يزال نصب عينيه منه مشفقا وجلا باكيا نادما مستحيا من ربه تعالى ناكس الراس بين يديه منكسر القلب له فيكون ذلك الذنب انفع له من طاعات كثيرة بما ترتب عليه من هذه الامور التي بها سعادة العبد وفلاحه حتى يكون ذلك الذنب سبب دخوله الجنة . ويفعل الحسنة فلا يزال يمن بها على ربه ويتكبر بها ويرى نفسه ويعجب بها ويستطيل بها ويقول : فعلت وفعلت فيورثه من العجب والكبر والفخر والاستطالة ما يكون سبب هلاكه . الوابل الصيب ج: 1 ص: 14

4) التشويق إلى ثواب الآخرة، والرغبة في لأنه أكمل من شهوات الدنيا .
فإن الإنسان إذا أدرك شيئاً من لذات الدنيا قاس عليه من باب أولى اللذة التامة في الآخرة فيعظم طلبه لها .



من أنواع الشهوة
* تطلق الشهوة على المصدر أي الفعل، كما تطلق على الأمر المشتهى وهو المفعول.
قال ابن تيمية:"الشهوات جمع شهوة والشهوة هي في الأصل مصدر ويسمى المشتهى شهوة تسمية للمفعول باسم المصدر قال تعالى }ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما{ " مجموع الفتاوى ج: 10 ص: 571
وقد ذكر الله لنا أنواعاً من الشهوات التي جبلت النفوس على محبتها، وهي:
قال تعالى: ]زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ[ (آل عمران:14)

ففي الآية ذكر أنواع من الشهوات، وهي: النساء، والبنين، والأموال، والحيوان، والحرث .
قدّم الله أشد الشهوات وأقوى الفتن وهي النساء، فإن فتنتهن أعظم فتن الدنيا . ثم ذكر البنين المتولدين من النساء .
ثم ذكر شهوة الأموال لأنها تقصد لغيرها فشهوتها شهوة الوسائل وقدم أشرف أنواعها وهو الذهب ثم الفضة بعده .
ثم ذكر الشهوة المتعلقة بالحيوان الذي لا يعاشر عشرة النساء والأولاد فالشهوة المتعلقة به دون الشهوة المتعلقة بهم، وقدم أشرف هذا النوع وهو الخيل فقدمها على الأنعام التي هي الإبل والبقر والغنم .
ثم ذكر الأنعام وقدمها على الحرث لأن الجمال بها والإنتفاع أظهر وأكثر من الحرث" بدائع الفوائد ج: 1 ص: 85

* ومن الشهوات أعراض قلبية مركوزة في النفس البشرية: كالعجب والخيلاء،والقهر والاستعلاء، والغضب، وحب الثناء والمدح، وحب الميل إلى النوم، والإخلاد إلى الراحة .
وهذه الأعراض مما لا يكاد يسلم منه إلا من عصم الله فمقل ومكثر .
* ومنها: حب الرئاسة. فإنه الشهوة الخفية، كما قال شداد بن أوس رضي الله عنه يا بغايا العرب يا بغايا العرب إن أخوف ما أخاف عليكم الرياء والشهوة الخفية . قيل لأبي داود: ما الشهوة الخفية قال حب الرئاسة. رسالة في التوبة ج: 1 ص: 233 .
رد مع اقتباس