عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 03-17-2009, 11:21 AM
 
أسرار اليقين الغربيّ بالهزيمة في أفغانستان

بسم الله الرحمن الرحيم
المختصر / أثناء حملته الانتخابية، كان الرئيس الأمريكي أوباما تراوده أحلام تحقيق النصر الذي لم يستطع سلفه الجمهوري بوش الابن تحقيقَه، فبدأ يُطْلِقُ التصريحات بضرورة الانسحاب من العراق، وتحويل الطاقة العسكرية الأساسية للقتال في أفغانستان، وبعد نجاحِهِ في الانتخابات، وتسلُّمِه السلطة رسميًّا، أعلن عن استراتيجيته الجديدة في أفغانستان، ومنها زيادةُ عدد القوات الأمريكية بنحو 17 ألفَ جندي.
لم يَمْضِ سوى أقلّ من شهرٍ على هذه الاستراتيجية التي أعلنها أوباما، حتى خرج بتصريح مُدَوٍّ، يغيِّر فيه موقفه واستراتيجيته بنسبة مائة وثمانين درجة، ويُؤَكِّدُ أن الولايات المتحدة لم تكسبِ الحرب في أفغانستان، وأنه لا مفرَّ من الحوار مع ما أسماها بالعناصر "المعتدلة" في حركة طالبان، بدلًا من إرسال المزيد من القوات!
بل إن أوباما كان أكثر تراجعًا؛ حينما حذر، في مقابلة مع صحيفة "نيويورك تايمز" في 8 مارس الجاري، من أن الأسوأ لم يقع بعد، وأن حركة طالبان ازدادت جرأةً وجسارةً عن ذي قبل.. نراهم في مناطق جنوب البلاد يشنون هجمات لم يسبق أن شهدنا مثلَها، بينما الحكومة الأفغانية لم تكسب ثقة الشعب، وأن الولايات المتحدة لا تحقق انتصارًا في الحرب في أفغانستان. ثم يخرج أوباما بعد ذلك ليدعوَ إلى الدخول في مفاوضات مع المعتدلين من حركة "طالبان".
هذا الموقف الذي عبَّر عنه أوباما، والذي جاء بالتأكيد بعد تقييمٍ للموقف من قِبَلِ البنتاجون، ومجلسِ الأمن القومي وأجهزة المخابرات، بالتعاونِ والتنسيقِ مع حلفِ شمال الأطلنطي، وأجهزةِ المخابرات الأوروبية، جاءَ ليعكسَ موقف هذه الجهات جميعًا؛ وهو استقرارها على أنهم لن يستطيعوا أنْ يكسبوا الحرب من "طالبان"، وأنّ عليهم البحثَ عن بدائلَ غير الحرب؛ لأنها خيارٌ ثَبَتَ فشلُهُ منذ عام 2002، أي منذ حوالي 7 سنوات كاملة، رغم تصعيدِهِم لوتيرة عملياتهم العسكرية، وزيادَتِهِم لقواتهم، وإشراكِ المزيد من الدول، إلا أنّ الفشل كان المحصلةَ النهائية لهم.
وبدلًا من التسخين والتصريحات النارية، فاجأت واشنطن الجميعَ بالدعوة لمؤتمر دولي حول أفغانستان في 31 مارس، بمشاركة الدول المجاورة، بما في ذلك إيران.
ليس أوباما وَحْدَهُ
لم ينفرد أوباما بموقفه المفاجئ، وإنما تراجَعَ جميع قادة أمريكا وأوروبا في نفس الوقت، واتخذوا نَفْسَ الموقف المتراجع، بل إن وزير الدفاع الأمريكي روبرت جيتس كان أكثرَ تراجُعًا وانهزامًا من رئيسه بقوله: إنه يجب على الولايات المتحدة، في الحد الأدنى، أنْ تَمْنَعَ مُتَمَرِّدِي طالبان من العودة إلى حكم أفغانستان، وهذا تصريح في غاية الخطورة والدَّلالة؛ لأنه يؤكد أن المسئول العسكري الأمريكي الأول يتوقع أن تنجح "طالبان" - رغم الحرب ضدها كلَّ هذه السنوات - في الوصول إلى الحكم، أي أنه يعترف بمدى قوتها.
نائب الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن، يُؤَكِّدُ حالة الانكماش والتراجُعِ الأمريكي في الملَفّ الأفغاني بقوله في ختام اللقاء مع أعضاء مجلس الناتو في بروكسل: إن الحرب في أفغانستان أنْهَكَتِ الأوروبيين والأمريكانَ، وأنه توجد لدى الحلفاء في الناتو خلافاتٌ بشأْنِ إرسالِ وَحْدَاتٍ عسكرية إضافية إلى أفغانستان.. وإن كان استمر في المكابرة بالقول: إن مكافحة الإرهاب ستتواصَلُ.
وتتوالَى إقراراتُ واعترافاتُ القادةِ الأمريكان بالهزيمة، وعَدَمِ استطاعتهم تحقيقَ النصر، فيعترف الجنرال ديفيد مكيرنان، القائدُ العام للقوات الأمريكية، وقواتِ حلف شمال الأطلسي في أفغانستان، بأنّ قواتِ التحالف تعجزُ عن تحقيق تَقَدُّمٍ في مناطق واسعة من الجنوب الأفغاني، وأنه رغم أن الاستراتيجية التي يعتمدها التحالُفُ الدولي في أفغانستان فعّالةٌ، إلا أنها تفتقر إلى المواردِ اللازمةِ لإنجاحها.
ويُوَاصِلُ حديثه معترفًا: الجهود التي يبذلها التحالف لدعم القوات الأفغانية الحكومية تُسَجِّلُ نجاحاتٍ في المناطق الشمالية والشرقية والغربية من أفغانستان..ولكننا عجزنا إلى الآن عن تحقيق تقدُّمٍ مُمَاثِلٍ في الجنوب، وبعض مناطق الشرق، والتحَدِّي الذي نُوَاجِهُهُ في الجنوب هو افتقارُنَا إلى الكثافةِ الأمنية الدائمة، الكفيلةِ بالسماح للحكم المدني بالتجذُّر في المنطقة.
أما في أوروبا، فقد كان وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير على نفس الموقف والخوف والانهيار والاعتراف بالهزيمة؛ باعترافه بأنه لا يستبعد وصول "طالبان" إلى الحكم خلال الانتخابات الرئاسية المقررة في أفغانستان في 20 أغسطس المقبل، بل إنه كان أكثرَ واقعيةً بقوله: علينا احترام نتائج الانتخابات المقبلة أيًّا كانت، فإذا وصلت عناصر من طالبان إلى السلطة من خلال الاقتراع، واحترموا الدستور فهذا شأن أفغاني.. ما نرفضه هو الدعم للجهاد عالميًّا.
وهكذا تُظهر التصريحات الفرنسية ميلًا غريبًا نحو الإقرار بأنه من العبث مواصلةُ الحديثِ عن إمكانيةِ القضاء على طالبان كعقيدةٍ ووجودٍ.
ألمانيا، التي تتولى قيادة قوات التدخل السريع في شمال أفغانستان، كانت الطرفَ الأوروبيَّ الثانيَ الذي رحّب بخطة أوباما بالاعتراف بالهزيمة أولًا، ثم بالحوار مع معتدلي "طالبان"، فقال وزير دفاعها فرانس: إن العمل العسكري فقط قد لا يؤدي لنتيجة، إلا أننا لدينا تجاربُ سلبيةٌ في شأن الحوار مع طالبان.
وهكذا تشعر القوى الغربية بقلق متزايد، ليس فقط بسبب التقدم الذي تحرزه طالبان في أفغانستان؛ وإنما كذلك بسبب نفوذها المتنامي في باكستان؛ حيث عَرْقَلَ مقاتلو الحركة بأفغانستان قَوَافِلَ الإمداداتِ لحلف الأطلسي المتوَجِّهة إلى أفغانستان.
أما الدبلوماسي الرفيع في الأمم المتحدة الأخضرُ الإبراهيمي، الذي شارَكَ محادثاتِ وخططَ إعادة إعمار أفغانستان إِثْرَ الإطاحة بحكم "طالبان"؛ فهو يَفْضَحُ الولايات المتحدة وحلفَ الأطلنطي، الذين كانوا يُؤَكِّدُون أن كل شيء يسير على ما يُرام في أفغانستان؛ بإعلانِهِ عَكْسَ ذلك، وهو أنّ كل شيء تقريبًا ينهارُ في أفغانستان، وأننا نَدْفَعُ اليوم ثمن أخطاء ارتكبناها منذ اليوم الأول.
"طالبان" ترفض
موقف "طالبان" كان رائعًا؛ فقد رفضتْ اقتراح أوباما بالتحاور مع ما أسماه الجناح المعتدل من الحركة، قائلةً: إن خروج القوات الأجنبية هو الحلُّ الوحيد لإنهاء الحرب، مؤكدةً أن الحركة متحدةٌ ولها زعيم واحد، وهدف واحد، وسياسة واحدة، والحركة لا تحوي أجنحةً وتياراتٍ مختلفةً، بل هي وِحْدَةٌ وَاحِدَةٌ، و"طالبان" ترفض هذا العرض جملةً وتفصيلًا، ولن تدخل أبدًا في أية مفاوضات مع القوات الدولية.. ستتفاوض فقط مع الحكومة الأفغانية في حال رغبتها في ذلك، بشرط أن تقوم بإخراج جميع القوات الأجنبية من أفغانستان.
وهذا الموقف من قيادات "طالبان" يعكس وعيًا سياسيًّا، وحنكةً وفهمًا لأبعاد العرض الأمريكي، وفهمًا لطبيعة المأزِق الأمريكي الذي يريد إحداثَ شرخ في الحركة، واستقطاب طرفٍ منهزم للدخول معه في لعبة الخيانة والتنازلات والمفاوضات.
أسباب تراجُعِ أوباما
هذا التراجع الذي بدأه أوباما يَرْجِعُ إلى عوامل عدة؛ أهمها أن أمريكا والناتو يَضْرِبُون كفًّا بكف؛ فرغم قواتهم الكثيرة الموجودة، ورغم أسلحتهم المتقدمة، ورغم السنوات التي قضَوْها في الحرب، فإنهم لا يُحَقِّقُون تَقَدُّمًا على الأرض، ولكنّ الطَّرَفَ الذي يُحَقِّقُ هذا التقدم هو "طالبان" الْمُحَاصَرَةُ، التي تُجِيدُ ترتيب أوراقها، ومن أجل ذلك لم تُنْهِكْهَا الحربُ، بل باتَتْ تُسَيْطِر الآن على ما يَقْرُبُ من 72% من الأراضي الأفغانية، بعد استعادَتِها السيطرةَ على معظم الأقاليم الجنوبية والشرقية، كما أنها باتتْ أقربَ لاستعادةِ السيطرةِ على العاصمة كابول، في ظل ضَعْفِ حكومة الرئيس حامد قرضاي، وانعدامِ كفاءةِ الجيش الأفغاني، وانشغالِ قواتِ الناتو بتأمينِ نَفْسِهَا.
وكان من أهم أسباب تراجُعِ أوباما العملياتُ النوعيةُ والناجحةُ لعناصر "طالبان" باكستان؛ باستهدافِ شاحنات الإمداداتِ العسكريةِ لقوات الناتو في أفغانستان، وتَدْمِيرِها، وقَطْعِ الممرات الباكستانية أمامها، وتدميرِ هذه الشاحنات، وأصبحت حركة "طالبان" تتحَكَّمُ الآن في ممر "خيبر" على المنطقة الحدودية مع باكستان، وقامتْ بِقَطْعِ طريق الإمدادات الخاصة بقوات الناتو.
ومما زاد الطين بِلّةً أنه ترافق مع العنصر السابق إغلاقُ قيرغيزستان لقاعدة "مناس" التي كانت أهمَّ قاعدة تنطلق منها القواتُ الأمريكية ضد أفغانستان، أما طاجيكستان وأوزبكستان فقد وافقتا على مرور الإمدادات المدنيَّة فقط.
أوباما لم يستطع أيضًا إقناعَ كندا بزيادة عدد قُوَّاتِها في أفغانستان، وقُوبِلَ برفض رئيس الوزراء الكندي ستيفن هاربر لذلك؛ من منطلق أن بلاده، والولايات المتحدة، وقوات حلف شمال الأطلسي تخوضُ حَرْبًا غير مجديةٍ ضد حركة طالبان، وأنهم لن يستطيعوا أبدًا هزيمة طالبان.
وهكذا أدركتْ قوات "الناتو"، وأجهزة المخابرات الغربية، أنهم لن يكسبوا الحرب، ليس ذلك فقط، وإنما هم خائفون من وصول "طالبان للحكم"، ومتأَكِّدُون أن "طالبان" هي التي تكسب الأرض وتنتصر، وأنها بِصَدَدِ تكثيف هجماتها ضِدَّ تلك القوات، مع ذَوَبَانِ ثلوج الشتاء، وقدومِ فصل الربيع، وأخذوا مأخَذَ الجدِّ تهديدات "طالبان"، وأن عام 2009 سيكون الأكثر دمويةً للقوات الأجنبية في أفغانستان، وتحذيرها أوباما من مَغَبَّةِ تكرار أخطاء سلفه بوش وقبله السوفيت والبريطانيين، وقدمت الدليل العملي على ذلك بعدة عمليات داخل العاصمة كابول بالقرب من وزارتي العدل والتعليم، وكلتا الوزارتين تَقَعانِ بالقُرْبِ من القصر الرئاسي الذي تحميه قوات أمريكية.
الاستعانة بخدمات إيران!
إيران هي الأخرى أدركتْ مأزق أمريكا و"الناتو" في أفغانستان، فبدأتْ تُؤَكِّدُ على الفشل الأمريكي الأطلسي في أفغانستان، وعلى أن طهران هي الوحيدة القادرة على إخراج واشنطن من مَأْزِقِهَا، في محاولة للتقَرُّبِ منها، والتليين من موقفها في الملف النووي.
أوباما، رغبةً منه في عدم الفشل في أفغانستان، تَحَدَّثَ فيما اعتُبِرَ تَحَوُّلًا كبيرًا عن السياسة الأمريكية السابقة عن رغبته في إشراك إيران في الأمر، ومن المرجح أن إدارة أوباما ستبدأ عما قريب حوارًا مع إيران بشأن أفغانستان، وقد بدأتْ ملامح هذا الحوار والتقارب باقتراح أمريكا دعوةَ إيران إلى مؤتمر في أوروبا في 31 ديسمبر الحالي حول أفغانستان، ومسارعة إيران إلى التجاوب مع الفكرة، فواشنطن تعرفُ أن إيران لها نفوذٌ واسِعٌ داخلَ أفغانستان عبرَ الشيعة الأفغان، وأنها تَمْلُكُ الكثيرَ من المعلومات عمّا يجري داخل بلاد الأفغان، كما تملك الكثيرَ من الخبرة في التعامل معها، وخصوصًا من الناحية العسكرية.
وإيران تريد أن تساعد "الشيطان الأكبر!"، مثلما ساعَدَتْهُ قبل ذلك في احتلال أفغانستان والعراق، على أمل أن تنجح في فَتْحِ الطريق أمام حوارٍ يُسَوِّي القضايا الْمُخْتَلَفِ عليها مع واشنطن، وأَهَمُّهَا الملف النووي.
المصدر: الإسلام اليوم
رد مع اقتباس