عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 03-31-2009, 10:15 PM
 
رد: حقيقة عالم التوبة المستقر الثاني (الأجزاء 1-4)

البعث



من قراءة بحث البعث سيجد القارئ أن هناك تكراراً لبعض مواضيع الكتاب, لقد أتى هذا التكرار من أجل الدلالة على أساس فكرة البعث وتعلقها بفكرة المستقرات الثلاثة فلهذا أرجوا من القارئ الكريم أن يعذرني, وليعتبرها أتت بهذا الشكل من أجل التأكيد على موضوع والتذكيربه ليس إلا.


لقد جاءت كلمة البعث في القرآن 57 مرة 19 × 3
ولقد جاءت لتدل على معان كثيرة مثل :
بعث الله رسولاً أو ملكاً, أو بعث الإنسان من منامه, حتى أنها أتت في بعث من مات موت مؤقت لمدة من الزمن, كقصة أهل الكهف أو كالذي مات لمدة 100 عام هو وحماره فبعثه الله من جديد, و أتت أيضا في بعث الحكم والعذاب والغراب, وأتت أيضاً في معنى البعث في يوم القيامة أي في المستقر الأخير عالم جنة الخلد أو عالم الجحيم والذي يحدده يوم الحساب ويوم الدين.
لنبدأ الموضوع بتعريف معنى الهبوط :
1- الهبوط:
قال الله تعالى :


( قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ * قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ )
وقال أيضاً :
(قَالَ اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ *)
نرى أن الله قد استخدم كلمة الهبوط في الآية الأولى لطرد إبليس نهائياً من المستقر الأول, ونرى أن الله استخدمها في الآية الثانية عندما طرد آدم وإبليس معاً إلى المستقر الثاني.


إن موضوع هبوط إبليس وآدم إلى المستقر الثاني, نراه قد أتى بالشكل التالي :
علماً أن معاهدة الإنتظار كانت مرتبطة بيوم البعث كما شاهدنا :
(قال انظرني الى يوم يبعثونقَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ )
فإن الطرد والهبوط إلى المستقر الثاني لم تلغي المعاهدة المبينة أعلاه, هي فترة زمنية أخرى موازية لذات الزمن الموجود في المستقر الأول لأن يوم البعث لم يحدث بعد لكلا المستقرين, أي أن ذرية الإنس والجن مازالوا موجودين في كلا المستقرين.
(وانه كان رجال من الانس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا)72/6


تحديداً لزمن هذا الحوار نرى أنه قد حدث في المستقر الأول عندما فسق إبليس عن أمر الله, رافضاً السجود لآدم ونرى أن ذلك قد حدث قبل وقوع آدم في معصية الله بزمن طويل بالنسبة للإنس والجن, وهو بدء زمن الصراع, ودخولهم في مرحلة الإغواء في المستقر الأول والذي نجم عنها عصيان آدم لأمر الله,وبعدها طردوا جميعاً وحدث الهبوط والبعث الأول:
(فازلهما الشيطان عنها فاخرجهمامما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الارضمستقر ومتاع الى حين )
وهكذا تم إنتقال مسرح الحياة إلى المستقر الثاني بالخروج الأول, حيث أنه لم يخرج كلياً من حياة الإنسان كما نرى فما زال وجوده هنا في المستقر الثاني متعلقاً بيوم البعث القادم والذي سيغير المسرح كلياً :
(يوم تبدل الارض غير الارض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار)
(وان الساعة اتية لا ريب فيها وان الله يبعث من في القبور) 22/7
(ثم انكم يوم القيامة تبعثون) 23/16
(يوم يبعثهم الله جميعا فينبئهم بما عملوا احصاه الله ونسوه والله على كل شيء شهيد) 58/6
إن خروج وطرد العصاة والغاوين من المستقر الأول وبعثهم في المستقر الثاني لا يلغي فترة إنتظار إبليس إلى (إنظرني إلى يوم يبعثون) أي أن يوم البعث لم يكتمل شروطه كاملة رغم أن الهبوط قد حدث, ولكنه لم يشمل ذلك الهبوط جميع ذريات الجن والإنس وإنما كل من وقع في غواية الإنسان من الجن وكل من عصى الله من الإنس في المستقر الأول, أي سلالة آدم وإبليس هناك في المستقر الأول :



يجعلنا نزيل الحيرة عن قراءة الآيات التالية :


(قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ)
( قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ * قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ )
نلاحظ أن الله استخدم عبارة "الهبوط" في طرده لإبليس, كما استخدمها مع آدم حين وقع في عصيانه :




فإن طرده وهبوطه إلى المستقر الثاني إلىيوم البعث, ولكن عندما ننظر للمكان على أنه مستقر أول وثاني سنكتشف عندها أن يوم البعث الذي حدده الله هو يوم القيامة بالنسبة لكلا المستقرين المتوازيين زماناً, وأن البعث الذي حدث في المستقر الثاني قد شمله الخروج والهبوط الأول, وليس الخروج النهائي, فإبليس بقي في المستقر الأول إلى أن عصى آدم ربه ثم خرج هو وآدم وزوجه إلى المستقر الثاني ومازال الإنتظار قائم للخروج الثاني والنهائي إلى عالم اللعنة التي وعدها الله إبليس وكل من تبعه من الإنس.
(قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ )
(قال اخرج منها مذؤوما مدحورا لمن تبعك منهم لاملان جهنم منكم اجمعين )7/18


2- الجن من الملائكة:
نحن نعلم من التسلسل الزمني لقصة حوار الله مع ابليس, والتي حصلت مباشرة بعد أن أمر الله جميع الملائكة بالسجود لآدم, والله طلب من الملائكة فقط ولم يطلب من السموات والأرض والجبال علماً أن الله قد خاطبها وعرض عليها الأمانة في مكان آخر من الكتاب فرفضت ذلك العرض:
(انا عرضنا الامانةعلى السماوات والارض والجبال فابين ان يحملنها واشفقن منها وحملها الانسان انه كان ظلوما جهولا )33/72
فالله أمر الملائكة فقطفسجدت إلا واحد منها هو الجن (إبليس) وهذا دليل على انه من الملائكة وهذا دليل أيضاً على أن الملائكة هي مخلوقات مخيرة قررت طاعة الله :
(ثم استوى الى السماء وهي دخان فقال لها وللارض ائتيا طوعا او كرها قالتا اتينا طائعين )41/11


وإبليس والذي هو من"الجن", والمغرور بذاته رفض أن يسجد بسبب كونه "خيراً منه" , فقد ظن ابليس أن النار خيراً من الطين,:
(قال ما منعك الا تسجد اذ امرتك قال انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ) 7/12
نرى أن الله قد غضب على إبليس فوراً ونوى طرده من الجنة مباشرةً:
(قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ )
يعتقد بعض المفكرين أن خروج إبليس ليس خروجاً من مكان آدم وزوجه, وإنما خروجاً إليه من مكان تجمع الملائكة.
أي أن خروج ابليس قد تم فعلاً عندما قال الله له :
( قَالَ اخْرُجْمِنْهَا مَذْؤُومًا مَّدْحُورًا لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّجَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ * ) 7/12-19
ولكن الذي ينقض هذا الإدعاء هو طلب إبليس الإنتظار والتريث في الطرد إلى وقت معلوم بالنسبة له ولله, وموافقة وقبول الله لتلك الفترة من الإنتظار, كما سنرى بعد قليل, ولأن الله قد أمرإبليس بالخروج مرتين المرة الأولى كانت فيها أمر بالخروج واللعنة إلى يوم الدين بسبب عدم السجود ورافقتها طلب إبليس بالبقاء إلى يوم البعث فقبل الله طلبه وسمح له بالبقاءإلى اليوم المعلوم, والثانيةليس فيها أي طلب وإنما أتت بشكل قرار بعد أن نفذ إبليس إغواءه للإنسان فتم طرده وإخراجه إلى عالمنا هذا مع آدم وحواء والذي دعاه اللهبالهبوط كما سنرى.
ولكن بعد أن تم الإقتراب من الشجرة ماذا حدث ؟
( فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ * وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ * فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ * قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * قَالَ اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ * قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَوَفِيهَا تَمُوتُونَوَمِنْهَاتُخْرَجُونَ )7/20-25


من عملية الهبوط هذه نستنتج مايلي :
أولاً : لقد تبدل حال آدم وزوجه بالأشياء التالية:
1. اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ * قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُون
2. فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى * إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى * وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى


إنالعداوة قد بدأت فعلاً في الجنة (المستقر الأول) بين آدم وإبليس, ونراها قد استمرت هنا في هذا العالم أيضاً, ولكننا يجب أن نتذكر أنه قد أصبح يدعى شيطان وعدو الإنسانمن لحظة رفضه للسجود "لنا", ومنذ زمن عزله عن مجموعة الملائكة مباشرة, وقد حدد الله لنا نوعه الملائكي وأنه من (الجن) دوناً عن البقية.
الروح, الملك, الجن, اليد, الأذن, العين, الجند.
سألني أحد الأصدقاء السؤال التالي :
ما هو برهانك أن إبليس قد كان من الملائكة ؟
إن الجواب على هذا التساؤل بسيط فالله كان قد أمر الملائكة فقط للرضوخ والسجود لآدم, كما نرى ولم يقل الله أنه أعطى الأمر للملائكة ثم لإبليس وبعدها أبى إبليس السجود, والسبب الثاني أن حجة إبليس كانت في صميم ونوع خلقه كما رأينا, بقوله أنه من نار, وأن الإنسان من طين, ولكان جوابه التالي : (أنا لست من الملائكة خلقتهم من نور وخلقتني من نار, هم من طلبت سجودهم لآدم وأنا لست منهم).


أما الشقاء والعري والجوع والضحي فهذه الصفات بدأت هنا لأن أوصاف الجنة التي طرد منها آدم كانت غير ذلك كما شاهدنا في الآيات السابقات.


ولكن ماذا حدث لوعد الله لإبليس بالإنتظار إلى يوم يبعثون بدلاً من يوم الدين ؟
ولماذا تم طرد الجميع إلى عالم "حياة الدنيا" المستقر الثاني.


من هنا نجد أن نظرية طرد إبليس من مكان تجمع الملائكة إلى عالم آدم وحواء هي نظرية من دون برهان, لأن أمر الله للملائكة وفكرة رضوخهم لآدم والسجود له أساساً هي دليل وجودهم معاً وقربهم والزمن مازال قبل المجيئ إلى هذا العالم.
أما جملة الله الثانية المكررة في الآية التالية :
(قَالَ اخْرُجْمِنْهَا مَذْؤُومًا مَّدْحُورًا لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّجَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ) 7/18
فهي أمر طرد مستقبلي له ولمن سيتبعه من البشر بشكل المذؤومين والمدحورين إلى المستقر التاليوليس الثاني لأن الفرق شاسع كما سنرى, وإن استمر الإغواء والعصيان في عالم التوبة (المستقر الثاني) ولنيرجع الإنسان عن معصيته فسيكون أمراً بطرد من سيتبعه من العصاة فقط, أما الشياطين الذين طردوا إلى عالم الدنيا(المستقر الثاني) فجميعم يشملهم ذلك البلاغ .
وأن الإنتظار إلى يوم البعث الثاني هو في كلا العالمين, فكل من يقع في العصيان في المستقر الأول يموت فيبعث في المستقر الثاني, وكل من ينجوا من العصيان يموت فيبعث في المستقر الثالث ولا داع لبعثه في المستقر الثاني (عالم الدنيا) أما بالنسبة لنا نحن فالبعث مرتين الأولى حدثت عندما بعثنا في هذا العالم لنحصل على فرصتنا الثانية, والثانية والأخيرة هي في يوم البعث واالتي ستصادف يوم الدين, وهذا ما يجعل يوم البعث ويوم الدين ويوم القيامة بالنسبة لنا نحن هي ذات اليوم :
(قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ)
ومن بعد أن درسنا حالات البعث المذكورة في الكتاب ال 57 مرة يتبين لنا أن هناك نوعين من البعث :
1. بعث في عالم الدنيا.
2. بعث في يوم الدين.


ماذا عن ذرية إبليس التي مازالت تعيش في المستقر الأول هل وقعت جميعها في الفسق عن أمر الله ؟ :
( وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا * وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن نُّعْجِزَ اللَّهَ فِي الأَرْضِ وَلَن نُّعْجِزَهُ هَرَبًا * وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلا يَخَافُ بَخْسًا وَلا رَهَقًا * وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا * وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا ) 72/ 11 -15
ذرية "الجن" الصالحة هذه هي فقط ذرية إبليس في المستقرالأول وأن ذريته التي طردت إلى المسقر الثاني لن ينجوا منها أحد.
أما الإنسان الذي هبط إلى المستقر الثاني فما زال عنده فرصة النجاة والتوبة قال الله تعالى :
(فتلقى ادم من ربه كلمات فتاب عليه انه هو التواب الرحيم ) 2 / 37
وأن الإنسان الذي يبعث هنا على الأرض سيمر بذات التجربة (كلمات الرب) والتي مر بها آدم قال الله تعالى :


(من اهتدى فانما يهتدي لنفسه ومن ضل فانما يضل عليها ولا تزر وازرة وزر اخرى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) 17/15


وهذه الآية مستمرة هنا في (المستقر الثاني) وإلى يوم الدين, فالله لن يعذب من لم يستقبل الرسالة في حياته, ولهذا يبداً اللهبإعادة الخلق والنشور.
وأخيراً أود أن أجيب على تساؤل آخر في الموضوع والسؤال هو التالي:
لماذا قال الله إهبطوا منها ولم يقل إنزلوا منها ؟
أولاً يجب علينا أن نعلم أن عالم المستقر الأول وعالم المستقر الثاني يشتركان بذات الزمان أي أن هذه اللحظة الموجودة في المستقر الثاني يوازيها ذات اللحظة في المستقر الأول وأن كلاهما لم يبلغان يوم القيامة, وأن دليل توازي المستقرين هو أية إستراق السمع والتي تم شرحها في هذا الكتاب في بحث التوبة وأن إستخدام كلمة الهبوط لهي دليل آخر على توازي الزمن بين المستقرين.


عالم الخلد


إن النظرة السلفية لعالم الجنة تصور لنا الموضوع على أنه ملهى كبير كل شيء فيه مباح الخمر مباحة والرقص مباح والنوم من 70 حورية في وقت واحد مباح والرجال فيها يعولون على صهوتهن جميعا في متعة وشهوة أبدية وبلا أي حد أو حدود, يكاد يفقد فيها المرء نفسه متوغلاً في اللا محدود من الشهوات والملاذ اللامتناهية.
أما حقيقة عالم الخلد فهو المكان والمستقر الجديد للإنسان بعد هذه الحياة فهو بالنسبة لنا ولكل الذين كانوا في المستقر الأول ولم يقعوا في خطيئة العصيان التي وقعنا بها نحن قبل هبوطنا وطردنا إلى مستقر عالم الدنيا بعالم الجنة (جنة الخلد) أو عالم الجحيم (جنهم) وهو عقاب كل من أتاه نذير ولم يسمع له ولم يبالي بالإيمان والبدء بالعمل الصالح, أو وقع في فخ الإشراك والذي لا يغفره الله أبداً :
(ان الله لا يغفر ان يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى اثما عظيما)4/48
ولكن الله يعلمنا بآيتين في القرآن بأن موضوع الخلد مربوط ببقاء المستقر وزواله أي أن الخلد ليس أبدياً وإنما يرتبط بوجود ذلك الكون الجديد فإن زال زال الخلد معه :
(فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ *وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ ) 11/106-108
والكلام هنا عن سموات وأرض غير السموات والأرض هنا في هذا المستقر, وإنما تلك السموات والأرض هي تنتمي لذلك العالم الجديد (عالم الخلد).
والفرق بين حياتنا هناك وحياتنا هنا أننا هنا نكرر حياتنا بالنشور, أما هناك فلا نشور وإنما حياة واحدة خالدة بخلود ذلك المستقر, أما أين سيكون مصير الإنسان بعد ذلك فعلمه عند الله ولم يعلمنا الله به بعد.
أما ما طبيعة الوجود في عالم الخلد (الجنة) وما الذي يقوم به الإنسان هناك وكيف يعيش فقال الله تعالى أن الأحوال التي عاشها الإنسان هنا في هذا العالم ستزول (العري والجوع والشقاء والعداوة والمرض والكئابة والحزن والموت ) كلها ستزول
فاللباس قال عنه من سندس واستبرق, والأكل قال عنه كل ما تشتهيه النفس من لبن وعسل ورمان وفواكه, أما الشقاء والعمل والكدح فهو غير موجود لأن جميع الطرائق في الخلق قد تم سجودها للإنسان المؤمن الفائز لتلك النعمة الجديدة فالملائكة جميعها وبطرقها السبعة ستعمل من أجلنا نحن البشر الفائزون بتلك النعمة, وأن ذلك المستقر الجديد ستختفي فيه العداوة بين الناس وسيزول المرض والموت والكئابة وبدلها الله بالسعادة والحياة الخالدة, ولا داع للزواج والإنجاب طالما الحياة خالدة فلن يكون هناك إنثى وذكر في تلك الحياة لأن هذه الصفة موجودة فقط في عالم النشور, وإن كان هناك زواج وإنجاب أطفال للمع سؤال بذهن الجميع وهو التالي :
إن كان هناك أطفال في الجنة لوجب وجود أطفال في جهنم, وإن كان هناك أطفال في عالم الجنة والنار فلماذا ولد هؤلاء الأطفال من دون أي تجربة كما خلقنا جميعنا في المستقر الأول والثاني ؟
وإن كان هناك أطفال يولدون في جهنم فلماذا حق عليهم العذاب من دون أي ذنب ؟
وبما أنه ليس هناك نسل في عالمي الجنة والنار فلن يكون هناك علاقات جنسية وما نشعر به اليوم هنا في هذا العالم بهذه الرغبة الهائلة في الزواج والإنجاب لن نشعر به هناك ولن يكن هماً لنا تماماً كما يفكر النبات هنا في حياتنا اليوم هل ترى شجرة تضاجع شجرة أخرى ؟ وهكذا سنكون نحن, قد يختلف معي الكثير لأنهم في رغبة في الزواج من أجمل الحوريات كما وعدتهم أحاديث الرسل المنقولة عن هذيان المفسرين السلفيين, ولكنني أقول لهم (هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) فعبارات (حور عين , وغلمان) أتت من أجل رفاهية الإنسان هناك ولم تأتي بمعنى الزواج والإنجاب وتفريغ الشهوات الجنسية التي ستتوقف مع أول إطلالة لنا في ذلك العالم الجديد.


عالم الجحيم
أما عالم النار فهو في منظور السلف أيضاً كي للوجوه, وصب حديد مصهور في البطون والآذان والعيون, ولهيب يحيط بالجلود, وفقاعات الألم المحترقة, وغليان الدم في الوريد, وشهيقٌ يدخل معها غاز السموم, وزفير تخرج معه النفس بعذاب ما بعده عذاب, طعامها زلقم, وشرابها حلقم, والموت فيها مطلوب, ولكنه غير مجلوب.


ومن بعد قراءة كتاب (عالم التوبة) نستنتج أننا أساساً قد كنا في جنة البعث (المستقر الأول) ولم نكن فيها عراة جياع ولم يكن لنا فيها عدو وزعيم ولم يكن فيها (خيار وفقوص) أي تفرقة بين :
1.صغير وكبير.
2.أسود وأبيض.
3.أنثى وذكر.
4.قوي وضعيف.
5.ذكي وغبي.
6.غني وفقير.
7.مؤمن وكافر.
ولقد كانت كلمات الله المجازية لنا قبل أن نأكل من الشجرة :
لا تأكل من الشجرة وإلا ذهبت إلى مكان آخر ستجوع فيه وتعرى.
(الجوع والعري).
ثم قال له : اهبط إلى الأرض وسيصبح لك أعداء فيها.
(جوع وعري وأعداء) لاحظ معي أن الله كان يتكلم مع أهل (المستقر الأول) بكلام مجازي ليصف لهم المستقر الثاني (الأرض التي نعيش فيها نحن اليوم).
وقال له أنك سوف (تشقى) لنضيفها إلى الجوع والعري والعداء ثم يقول (لا تظمئ فيها ولا تضحى).
فنحن نظمئ للشراب كله الماء والنبيذ والعصير ونشرب لتونا من الماء والعصير, فكان ظمئنا, أما (الضحاء, والضحى) ؟
وضَحَّى فلان غنَمه أَي رعاها بالضُّحى. قال الفراء: ويقال ضَحَّتِ الإِبلُ الماءَ ضُحىً إِذا وَردَتْ ضُحىً؛ قال أَبو منصور: فإِن أَرادوا أَنها رَعَتْ ضُحىً قالوا تَضَحَّت الإِبلُ تَتَضَحَّى تَضَحِّياً.
أي أن الإنسان سيعطش وما لديه من غنم وماعز وبقر وجمال سيجوعون وسيعطشون فهو من يضطر على القيام بهذه العملية وستصبح على عاتقه إذا أراد أن يدعي إمتلاكه لهذه الأنعام.


هذا يعني ان في عالمنا اليوم عالم الدنيا (عالم التوبة) العالم الذي سيطرد منه كل من أكل ويأكل وسيأكل من تلك الشجرة:
وصف الله لهم عالمنا هذا كجهنم حيث (نعرى ونجوع ونشقى ونظمئ ولنا فيها أعداء وأنعامنا فيها بحاجة إلى مأكل ومشرب) وأما السابعة فهي المستقر والمتاع إلى حين.


وإذا أردنا أن ننظر إلى كلام الله المجازي الذي يصف الله به أرضنا وقارناه بما يصوره الله لنا مجازياً في التصورات السبعة التالية لجهنم التي ستأتي بعد هذه الحياة للمنافقين والكافرين:
المنافقين والكافرين في جهنم جميعا
1. لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون
2. يصلاها مذموما مدحورا
3. لا يموت فيها ولا يحيى
4.لهم فيها مهاد ومن فوقهم غواش
5. ان عذابها كان غراما
6. ذلك الخزي العظيم
7. وغضب الله عليهم ولعنهم

(وسيق الذين كفروا الى جهنم زمرا حتى اذا جاؤوها فتحت ابوابها وقال لهم خزنتها الم ياتكم رسل منكم يتلون عليكم ايات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين ) 39/71
فتأملوا وحاولوا أن تستنتجوا المعاني المجازية ..........


كما أن البشر والناس هنا في هذا العالم قد وجدوا ماوعدهم الله حقاً من جوع وعطش وعمل وكدح وشقاء فكذلك سيكون وعد الله حقاً علينا في إنتقلنا إلى المستقر الأخر, يقول الله :
(ونادى اصحاب الجنة اصحاب النار ان قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم فاذن مؤذن بينهم ان لعنة الله على الظالمين )7/44


نتيجة الكتاب:
إن الله قد أعلمنا أننا إن وقعنا في خطيئة العصيان سيطردنا إلى عالم الجوع والعري والشقاء من أجل الطاعة والعودة عن العصيان فقال الله في الطاعة ما يلي:


وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ


إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ


قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ


قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ


أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ


قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ


قَالَ أَفَرَأَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ


أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ


فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلاَّ رَبَّ الْعَالَمِينَ


الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ


وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ


وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ


وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ


وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ


رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ


وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ


وَاجْعَلْنِي مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ


وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ


وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ


يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ


إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ


وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ


وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ


وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ


مِن دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنصُرُونَكُمْ أَوْ يَنتَصِرُونَ


فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ


وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ


قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ


تَاللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ


إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ


وَمَا أَضَلَّنَا إِلاَّ الْمُجْرِمُونَ


فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ


وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ


فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ


إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ


وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ


كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ


إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ


إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ


فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ


وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ


فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ


الشعراء (69-110)


من تلك الآيات تعرفنا على أمر مهم جداً يطلبه الله منا دائماً, وهو العودة عن العصيان والدخول في الطاعة, ويقول سبحانه أيضاً :
(من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع وراعنا ليا بالسنتهم وطعنا في الدين ولو انهم قالوا سمعنا واطعنا واسمع وانظرنا لكان خيرا لهم واقوم ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون الا قليلا ) 4/46


فالمطلوب منا هو الطاعة المخيرة حتى نرث الحياة الأبدية أما العصيان فهو سبب وجودنا هنا في المستقر الثاني وسيكون سبب ذهاب الذين مازالوا يصروا على العصيان, وعدم الرضوخ لله والطاعة له.


والسلام على من اتبع الهدى وسار على طريق المؤمنين.


أخوكم وسام الدين اسحق
رد مع اقتباس