المعونة من الأدب التركي
الأستاذ جنيد السعاوي
ترجمة أورخان محمد علي
جاء صديق إلى جمعيتنا الخيرية وقال :
- سمعت أنكم تجمعون المال لمساعدة الطلاب الفقراء لإكمال دراستهم . وأنا مستعد للتبرع بمصاريف طالب واحد . قبلنا عرضه بكل سرور ،ذلك لأننا على الرغم من كل جهدنا لم نكن نستطيع سوى معونة عدد قليل من الطلاب الذين كانوا يتقدمون إلينا لمعونتهم .
قال الصديق :
- لا أريد أن تصرحوا باسمي للطالب الذي سأقدم المعونة إليه ،كما أنني لا أريد معرفة من هو .
لم يكن هذا الإنسان الحساس يريد أن يجعل الطالب الذي سيقدم اليه المعونة تحت عبء المنّه ، ولا يريد لنفسه التفاخر بعمل هذا المعروف ،لذا ساق إلينا هذا الشرط. وعندما أعطيت له الوعد بأننا سنراعي شرطه أخرج من جيبه ظرفا مملوءً بالنقود ووضعه فوق المنضدة .
بعد أن شكرت صديقي وودعته دخل الغرفة بعد قليل شاب يتراوح عمره بين الثامنة عشر والعشرين .كان الحياء والتردد يفوح من كل تصرف من تصرفاته، وكانت وجنتاه الشاحبتان تتضرجان بالحمرة أحيانا في أثناء كلامه.
أجلسته على كرسي بجانبي وحاولت تهدئته.كان الولد الوحيد لعائلة فقيرة .كان قد دخل الجامعة حديثا ،وكان –كما خمنت – مريضا في كليته ...شرح هذا في خجل وضيق كبيرين .
عندما مددت له بالظرف الموجود على المائدة والذي جاء من أجله كما أعتقد قلت له:
- لا تقلق يا بني أبداً.... ستجد هنا في رأس كل شهر ما تحتاج إليه من مال.
ذهل الطالب من هذه السرعة التي حصل على معونته الدراسية ولم يدر ماذا يقول. وعندما تناول الظرف من يدي وهو يغمغم بكلمات دعاء لي ووضعه في جيبه الداخلي حاول أن يخفي عني دموع الفرح التي ملأت عينيه .
كنت أستبطئ مجيء اليوم الأول من كل شهر إذ كنت أشتاق أن أعيش تلك اللحظات من الفرح والسعادة عندما أسلم له الظرف الذي كان صديقي يرسله.وعندما كان لا يحضر بنفسه كنت أرسله له بواسطة طالب يدرس بالكلية نفسها.
مرت شهور عديدة ،وصديقي مطمئن إلى أن المعونة التي يرسلها تصل في مكانها الصحيح.
وفي يوم من الأيام التي كنت فيها في غاية الحزن التقيت به في الجامع فقال لي :
- كنت أبحث عنك...لقد دخلت منذ أمس في ضائقة مالية لذا لن أستطع بعد إرسال ذلك الظرف .
دهشت مما قال دهشة شديدة ...ما هذا التجلي يا رب !...لم أستطيع فهم هذا تماما .
قلت له وأنا اربت على كتفه :
- ليرض الله عنك يا صديقي ...لم تعد هناك حاجة لذلك المبلغ فصلاة الجنازة التي صليناها قبل قليل كان لذلك الطالب الذي ساعدته ماليا...لن تستطيع بعد الآن سوى قراءة الفاتحة على روحه .