الموضوع: الأجرة
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 04-05-2009, 08:33 PM
 
الأجرة

الأجرة





من الأدب التركي
الاستاذ جنيد السعاوي
ترجمة اورخان محمد علي



في مساء أحد الأيام كنت راجعا إلى البيت فوجدت رجلا شاباً واقفاً في منتصف الرصيف...كان مستندا إلى عمود لكي لا يسقط على الأرض وكان يتنفس نفساً عميقاً .
وقفت أمام احدى وجهات المخازن ،وبدأت أرقبه بطرف عيني وأنا أتظاهر بأنني أتطلع إلى معروضات الواجهة .كان في الخامسة والثلاثين أو الأربعين من عمره ...لم يكن يبدو عله أنه سكير ، فملابسه نظيفه.وبدأ بعض من يمرون بجانبه يتحدثون بصوت مرتفع عن أضرار شرب الخمر ومساوئه ،واكتفى بعضهم بالقاء نظرات هازئه عليه أو الضحك منه .
انتظرت حتى فرغ الطريق ثم اقتربت منه بهدوء ...قلت له:
- أأنت بخير؟...هل تحتاج شيئاً ؟
إنفرجت شتاه بصعوبة ، وقال بصوت يشبه الأنين كلمة واحدة :
- إنني مريض .



لففت يدي وراء ظهره لامنعه من السقوط منتظراً سيارة أجرة .كان الثلج الذي انقطع في المساء قد عاد للسقوط مرة ثانية .وفي الطريق التي بدأ البياض يكسوها تدريجياً لم يكن هناك أثر للحياة سوى كلاب الأزقة الراكضة هنا وهناك .
كانت الساعة قد تجاوزت منتصف الليل ، وفي اللحظة التي فقدت فيها الأمل في العثور على سيارة وقفت سيارة أجرة بجانبي...شرحت الأمر لسائق وأعلمته بضرورة الإسراع .نقلناه إلى المصعد الخلفي للسيارة بصعوبة ثم توجهنا إلى المستشفى ،وهناك بقينا بجانبه مدة ساعتين تقريباً حتى إنتهى المغذي المعطى له .
قال الدكتور الخفر أننا أنقذنا المريض من الموت تجمداً ،أما الشاب المريض فلأنه لم يكن يستطيع الكلام فقد كان يبتسم بوهن وهو ينظر إلينا .
ثم نقلناه أنا والسائق إلى السيارة وذهبنا به إلى بيته .
كانت زوجته في قلق شديد لأنه كانت تعلم أنه يتعرض إلى نوبات من الإغماء المتسبب عن إرتفاع نسبة السكر في دمه ،وعندما بلغ بها القلق حد الفزع أخذت طفلها البالغ السادس من عمره وهرعت إلى الشارع .وعندما رأته أسرعت نحونا واحتضنته بقوه .
شعرنا بأن تعبنا الذي استمر ساعات طويله قد زال .لم تكن العائلة تعرف كيف تشكرنا ،وأمام السعادة التي بدت على وجوه أفراد العائله إمتلأت عيوننا دمعا من التاثر .



وعندما ودعونا وهم يبدون عجزهم عن شكرنا سألت السائق عن الأجرة التي يطلبها .
قال السائق وهو يحاول ألا أحس أنه يمسح الدمع عن عينيه :
-يا صديقي لست مديونا لي بشيء ...بل أنت الدائن .فعندما أشركتني في هذا العمل الخيري سددت دينك .ولكن عندماقمت بتذكير شخص نسي البكاء منذ عشرين عاماً هذا الشعور الجميل أصبحت في موضع الدائن .
احتضنت هذا السائق الشهم وودعته ..لم أعد أحس ببرودة الليل وأنا أتوجه إلى بيتي ماشياً.
من يدري ؟ فقد أجد في طريقي شخصاً آخر في حاجة إلى مساعدتي .