عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 04-21-2009, 07:49 PM
 
أسماك ترصد الزلزال (3)

أسماك ترصد الزلزال
جمال الحوشبي
(3)


الطيور المهاجرة




وتضرب لنا أسراب الطيور المهاجرة مثالا فريدا آخر لا يقل بهجة وروعة عن ذكاء تلك الغرائز التي ركبها الله تعالى في هذه الطيور؛ ذلك أنها تبدأ في هجرتها الجماعية عندما تستشعر اقتراب موسم البرد -وبخاصة طائر السنونو- فتبدأ هذه الطيور رحلتها الطويلة من البلاد الباردة إلى البلاد الحارة على هيئة أسراب جماعية تحلّق معا في السماء.





وقد تقطع في غالب الأحيان نحو ألف ميل فوق عرض البحار، ولكنها مع ذلك لا تضلّ طريقها أبدا مهما كانت قسوة الظروف الجوية، بل إن طائر السنونو يحركه شعور خفي بضرورة هذه الهجرة، ويلازمه ذلك الشعور حتى عندما يُحبَس في مكان دافئ في موسم هجرته المعتاد، وكأن هناك دافعا من الداخل يشعره باقتراب موسم البرد.



هجرة ثعابين الماء
وهناك لغز أعجب من هذا حيّر العلماء طويلا هو ما يتكرر سنويّا مع ثعابين الماء التي تسلك طريق هجرتها الطويل عند اكتمال نموها واقتراب موسم التزاوج؛ فتراها في وقت محدد من العام تتجمّع من مختلف البرك والأنهار لتهاجر معًا قاطعة آلاف الأميال في المحيط قاصدة إلى الأعماق السحيقة، وهناك تبيض ثم تموت!! ولا يزال هذا اللغز يدور في أذهان المهتمين بهذه الظاهرة، إذ ما هو المحرّك لها في سلوك هذا التصرف الغريب الذي يدفعها جميعًا في وقت واحد لتموت في مكان ناءٍ عن موطنها الأصلي، بعد أن تضع بيضها؟! ولم يعثر على جواب يفسّر هذه الظاهرة حتى الآن.


وتتجلى الحكمة والقدرة العظيمة -لكن بوضوح أكثر وبصورة مدهشة لا يدرك كنهها العقل البشري القاصر في سلوك الصغار فيما بعد؛ ذلك أن هذه الصغار -بعد أن تخرج من البيض- لا تملك أي وسيلة لتعرف بها أي شيء من حولها سوى أن تعود أدراجها، وتسلك الطريق نفسه الذي جاءت منه أمهاتها، فتقاوم في سبيل ذلك التيارات القوية والأمواج العاتية المتلاطمة وتقطع كل هذه المسافات الطويلة التي تعجز عن تحملها أجسامها الصغيرة، ثم تتوزع إلى كل نهر أو بحيرة أو بركة صغيرة في موطنها الأصلي، ولهذا يظل كل جزء من الماء آهلاً بثعابين البحار! فمن أودع فيها تلك الرغبة والعزيمة، ومن هداها لسلوك هذا الطريق الطويل حتى تعود إلى بيئتها الأصلية؟ إن الغرائز "العمياء" بذاتها تعجز عن هذا السلوك الباهر بلا ريب.


التوقيت الزمني العجيب

ولك أن تتفكر في خصيصة أخرى تتميز بها تلك السلوكيات الغريزية لدى هذه الكائنات؛ ألا وهو "التوقيت الزمني" العجيب الذي يحكم سلوكياتها الرائعة، إنه أمر باهر حقا يدعو للنظر والتأمل؛ فلو نظرت إلى الطيور المهاجرة بأسرابها الكثيرة لأدركت أن لها وقتا محددا من العام للطيران إلى وجهتها المحددة مسبقا إلى الشمال أو إلى الجنوب، وكل فرد منها عندما تحين ساعة الهجرة ينضمّ إلى سربه، ثم تهاجر جميعا في يوم واحد يكاد أن يكون معينا كل سنة!
بل إن دقة هذا التوقيت وروعته تبدو جليا في حياة الجراد؛ وهو أمر أعجب يحار منه العقل في إدراك تلك الدقة المتناهية التي تبدو لأول وهلة وكأنها ضرب من الخيال إذ لا يكاد موعد خروج الصغار من البيض -بعد سنوات طويلة من الظلمة في جوف الأرض- يتقدم أو يتأخر!.
وقد قرأت أنه وجد في ولاية إنجلاند الأمريكية -وبعد دراسة لموسم التكاثر عند الجراد- أن الجراد البالغ من العمر سبع عشرة سنة يغادر شقوقه تحت الأرض -حيث عاش في ظلام دامس مع تغير طفيف في درجة الحرارة- ويظهر فجأة بالملايين في شهر مايو من سنته السابعة عشرة، وقد يتخلف بعض المتعثر عن رفاقه -بطبيعة الحال- ولكن الكثرة الساحقة تنضج بعد سنوات الظلام تلك، وتضبط موعد ظهورها باليوم تقريبا دون سابقة ترشدها!


صرَّار الليل ودرجة الحرارة

وليس هذا هو كل ما يتعلق بذلك التوقيت الدقيق الذي يُسَيِّر تلك الغرائز، بل إن هناك سلوكيات متكررة قد لا تدرك بمجرد النظر العابر؛ بينما تكمن من ورائها معادلات ثابتة لا تتغير باستمرار، ولعل أروع مثال لذلك السلوك الغريزي يتمثل في تصرف نوع من صرَّار الليل الذي يصر عدة مرات في الدقيقة الواحدة تختلف دائمًا باختلاف درجة الحرارة المحيطة! ولما أُحصيَت مرّات صريرها وجد أن هناك سرا مذهلا يكمن وراء ذلك الاختلاف في مرّات الصرير، ذلك أنها تسجل درجة الحرارة بالضبط مع فارق درجتين فقط! ومع تكرار المتابعة والرصد كانت النتيجة التي تم التوصل إليها ثابتة دائما على مدار ثمانية عشر يومًا! إنها قدرة الله تعالى تظهر لكل من تأمل وتفكر في الكون من حوله.
رد مع اقتباس