إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يقتصر على جماعة أو هيئة ..
بل إن إيكال المهمة إلى جماعة معينة هو أحد أسباب بزوغ ظاهرة الممانعة والمضارة والشعور بالكبت وحصر حرية الفرد ..
ولا أعني بهذا الكلام أنه ينبغي عدم تحديد جماعة لهذه الأمور ..
ولكن أعني وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على كل مسلم .
فلو كان المسلم يعلم لهذا الأمر حقه وقدره ويتعبد الله به ، لهان الأمر ، ولما وجدنا من ينادي بالحريات المهضومة وحقوق الإنسان المزعومة ، ولا كثر المنكرون على المنكرين من الهيئة .. لأنهم سيصبحون أنفسهم محل إنكار .
ولذلك فإن التوعية لابد أن تنصب من أهل العلم والاستقامة إلى عوام الناس لتصبح ظاهرة الإنكار ظاهرة طبيعية من مقتضيات المجتمع المسلم فتفضح كل الأفكار الدخيلة والثقافات المنحلة إذ لن يكون لها تأثير ..
ومني هذه المشاركة في فضل ومراتب هذا الأمر العظيم :
اعلم أُخيا أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ركن واجب عظيم من واجبات الإسلام التي بها قوام الفرد والمجتمع .وقد امتدح الله هذه الأمة وفضلها على الأمم لالتزامها بهذا الواجب فقال سبحانه وتعالى]كنتم خير أمة أُخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله [
وقال جل وعلا آمراً إياها بهذا الواجب ] ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون [
بل إن الله جل جلاله لعن بني إسرائيل على لسان رسله لأنهم لا ينهون عن المنكر فقال جل ثناؤه] لُعِنَ الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون * كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون [
واللعن هو الطرد من رحمة الله , وأمر استحق من الله سبحانه ورسله لعن فاعله لحريٌ أن يكون من كبائر الذنوب بل هو من أكبرها .
وإذا كان ترك النهي عن المنكر سبب لسخط الجبار وعقوبته فإن فعله امتثالاً سبب لرضا الرحيم الرحمن ونجاة من عقابه قال عز من قائل ] وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوماً الله مهلكهم أو معذبهم عذاباً شديداً قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم ينتهون *فلما نسوا ما ذُكِروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون [
وللأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ضوابط تتلخص في قول النبي صلى الله عليه وسلم ((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فمن لم يستطع فبلسانه فمن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان )) رواه مسلم 49 عن أبي سعيد الخدري .
فبين هذا الحديث أن تغيير المنكر على مراتب ثلاث هي :
1- التغيير باليد : وهذا يكون في حق من يقدر عليه ويأمن على نفسه الضرر كالحاكم والوالدين وغيرهم من عامة المسلمين ممن توفر فيه ما ذكر .
2- التغيير باللسان: وهي المرتبة الثانية وهي أقل فضلاً من الأولى وضعها الشارع رحمة بالأمة لمن لا يستطيع التغيير باليد فينتقل إلى النصيحة باللسان .
وهي النصيحة التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ((الدين النصيحة)) وأجاب من سأله لمن يا رسول الله ؟ بقوله صلى الله عليه وسلم ((لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)) . رواه مسلم .
ويختلف أسلوب الناصح حسب الظروف ووقائع العين ،، فليست نصيحة الكبير للصغير كنصيحة الصغير للكبير . وليست نصيحة من تعرفه كنصيحة من لا تعرفه . بل ليست نصيحتك من يعرفك كنصيحتك من لا يعرفك ..
3- التغيير بالقلب : وهي المرتبة الأخيرة من مراتب تغيير المنكر وأقلها فضلاً وُضِعت في حق من لم يستطع الإنكار باليد ولا باللسان لخوف ضرر من قتل أو ضرب أو غيره من الأسباب ..
ومعنى الإنكار بالقلب وجوب شحن القلب بغضاً ومقتاً لهذا المنكر وصاحبه فيدعو الله أن يزيله ويهدي فاعله ويستغفر لنفسه عدم استطاعته أكثر من ذلك ..
فإن فقد هذا الركن ((فما وراء ذلك حبة خردل من إيمان)) حديث رواه مسلم 50 عن أبي سعيد .
مر مسلم بجماعة يشربون خمراً فيسلم عليهم ويواصل طريقه كأنه لم يرى إلا قوماً يشربون ماءً . .
أو مر برجل يزني بامرأة وكأنه لم يرى إلا شخصاً يعانق صديقاً حميماً .
فلم يحصل إنكار القلب فهذا هو الذي ليس في قلبه حبة خردل من الإيمان وقلبه الذي لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً .
نسأل الله العفو والعافية .. ونستغفره من كل ذنب وتقصير
والله المستعان..